بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ
الرَّحِيمِ
الكتاب جمال القراء وكمال الإقراء
تصنيف الشيخ الإِمام العالم العلَّامة
أبي الحسن علم الدين عَليّ بن محمد السَّخاويّ
تحقيق : د. مروان العطيَّة - د. محسن خرابة
الناشر : دار المأمون للتراث - دمشق - بيروت
الطبعة الأولى 1418 هـ - 1997 م
عدد الأجزاء : 1
تنبيه :
[ ترقيم الكتاب موافق للمطبوع ]
مصدر الكتاب نسخة مصورة قام الشيخ الجليل نافع - جزاه الله خيرا - بتحويلها
وقام الفقير إلى عفو ربه الكريم القدير بتصويبه
والحمد لله أولاً وآخراً وظاهراً وباطناً.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ
الرَّحِيمِ
مقدمة المصنف
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
لا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم
الحمدُ لله الذي استنارت صدورُ الصُّحف باسمه ، وأشرقَتْ سطورُ
الكتُب بوَصْفه فيها ورَسْمه.
وكانت البدأةُ بحمده كافلةً بالتمام ، ضامنةً بلوغ الغاية فيما يُراد من
الأمور ويُرام.
أحمدُه مستعيناً به على تيسير ما أحاوله ، ، وأشهدُ أن لا إله إلا الله
وحده لا شريك له الذي عمَّ الأنام نائله ، وأشهدُ أن محمَّداً صلَّى الله عليه
وسلَّم عبدُه الذي بعثه رحمة لعباده ، ورسولُه الذي اتضحت السُّبل بهدايته
وإرشاده ، أيَّده بكتابه المبين الذي ظهرت معجزاته ، وبهرت آياته ، وقهرت
ذوي العناد بيِّناته ، صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين نُصرت بهم ألوية
الحق وراياته.
هذا وإن أجل ما بأيدي هذه الأمة كتابُ ربِّها ، الناطق بمصالح
دينها ودنياها ، الواصف لها مراشد أُولاها وعقباها ، وإن أشرفَ العلوم ما
كان منه بسبيل ، وأجل الرسوم فنونه التي هي أعلى الدرجات في التقديم
والتفضيل.
وفي هذا الكتاب من علومه ما يَشْرح الألباب ، ويُفْرِح الطُلاب.
ويُنيلُهم المنى ، ويُفيدهم الغنى ، وُيريحهم من العناء ، ويَمْنحهم ما دعت
(1/37)
إليه الحاجة بأَيْسَر
الاعتناء ، فهو كاسمه (جمال القراء ، وكمال الإقراء) أعان
الله عبْدَه الضعيفَ على إنهائه ، ومنَّ عليه بإجابة دعائه ، وصلَّى الله على
سيِّد أصفيائه ، وخاتَم رسله وأنبيائه ، وعلى آله وأصحابه المفضلين في
أرضه وسمائه.
(1/38)
نثرُ الدُّر في ذِكرالآياتِ
وَالسور
ذِكرُ أَوّل مَا نَزَلَ مِن اَلقُرآنِ
أول ما نزل من القرآن في قول عائشة رضي الله عنها.
ومجاهد ، وعطاء بن يسار ، وعُبَيْدْ بن عُمَير ، وأبي رجاء
العطاردي : (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ).
(1/39)
قالت عائشة رضي الله عنها :
أول ما ابتدئ به رسول الله ي من
الوحي الرؤيا الصادقة ، كانت تجيء مِثْلَ فَلَقِ الصبْح ، ثم حُبب إليه
الخلاء ، فكان بحراء يتحنث فيه الليالي ذوات العدد قبل أن يرجع
إلى أهله ، ثم يرجع إلى أهله ، فيتزود لمثلها ، حتى فَجِئه الحق.
فقال : يا محمد أنت رسول الله! قالت : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
"فجثوت لركبتيّ ، ثم تزحّفت يرجف فؤادي ، فدخلت ، يريد ، على
خديجة ، فقلت : زمّلوني حتى ذهب عني الروْع ، ثم أتاني
فقال : يا محمد! أنت رسول الله ، فلقد هممت أن أطرح نفسي من جبل.
فتبدى لي حين هممت بذلك ، فقال : يا محمد! أنا جبريل ، وأنت
(1/40)
رسول الله ، فقال : اقرأ ،
فقلت : ما أقرأ ؟ فأخذني ، فَغَتنِي ثلاث
مرات ، حتى بلغ مني الجهد ، فقال : (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ).
فقرأت ، فأتيت خديجة ، فقلت : لقد أشفقت على نفسي.
فأخبرتها ، خبري ، فقالت : أبشر! فوالله لا يخزيك الله أبداً ، والله إنك
لتصل الرحِمَ ، وتصدقُ الحديث ، وتؤدي الأمانة ، وتحمل الكَل ، "
وتَقْري الضيف ، وتصبر على نوائب الحق.
قال : ثم انطلقت بي إلى ورَقة بن نوفل بن أسد ، فقالت : اسمع من ابن أخيك ، فسألني
، فأخبرته ، فقال : هذا الناموس الذي أنزل على موسى بن عمران ، ليتني أكون فيها
جَذَعاً ، ليتني أكونُ حياً حين يُخرجك قومُك ، قلت :
أمُخْرِجِى هُمْ ؟
قال : نعم.
(1/41)
إنه لم يجئ رجل قط بما جئت به
إلا عُودِيَ ، ولئن أدرَكَني يومُك
أنصرْك نصرا مؤزراً.
قالت : قال رسول - صلى الله عليه وسلم - :
"ثم كان أول ما نزل على من القرآن بعد (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ)
(ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ (1) مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ
(2)
حتى قرأ إلى (فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ (5)
و (يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1) قُمْ فَأَنْذِرْ (2)
و (وَالضُّحَى (1) وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى (2).
والعلماء على أنه إنما نزل عليه من (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ)
إلى قوله : (عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (5)
ثم نَزَل باقيها بعد (يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ) و (يَا أَيُّهَا
الْمُزَّمِّلُ).
وقال جابر بن عبد الله : (يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ) أول القرآن نزولاً.
(1/42)
والأكثر على ما قدمته ، وليس
في قول جابر ما يناقضه ؛ لأن الْمُدَّثِّر من جملة
ما نزل أول القرآن.
وقال عطاء بن أبي مسلم الخراسانى : نزلت (يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ)
قبل (يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ) بعد إن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ) ، ثم
نزلت (يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ) ، ثم (تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ) ، ثم (إِذَا
الشَّمْسُ كُوِّرَتْ).
ثم (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى) ثم (وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى) ثم
(وَالْفَجْرِ)
ثم سورة الضحى ، ثم (ألم ئشرح) ، ثم (والعصر) ، ثم سورة
(1/43)
العاديات ، ثم الكوثر ، ثم
(أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ) ، ثم (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ)
ثم الفيل ، ثم سورة الفلق ، ثم سورة الناس" . ثم (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ)
ثم سورة النجم ، ثم (عَبَسَ وَتَوَلَّى) ثم (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ
الْقَدْرِ)
ثم (والشمْسِ وضحَاهَا) ، ثم (وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ) ، ثم (والتين
والزيْتونِ) ، ثم سورة قريش ، ثم القارعة ، ثم القيامة ، ثم (وَيْلٌ لِكُلِّ
هُمَزَةٍ)
ثم (والمُرْسَلاتِ) ، ثم (ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ) ، ثم (لَا أُقْسِمُ بِهَذَا
الْبَلَدِ) ، ثم الطارق ، ثم الانشقاق ، ثم (ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ)
ثم سورة الأعراف ، ثم سورة الجن ، ثم يس ، ثم الفرقان.
ثم (الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) ثم سورة مريم عليها
السلامُ ، ثم سورة طه ، ثم سورة الواقعة ، ثم الشعراء ، ثم النمل ، ثم القصص ، ثم
(سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ) ثم سورة يونس عليه السلام ، ثم سورة هود
عليه
السلام ، ثم سورة يوسف عليه السلام ، ثم الحجر ، ثم الأنعام ، ثم
(وَالصَّافَّاتِ صَفًّا) ، ثم سورة لقمان ، ثم سورة سبأ ، ثم الزمر ، ثم
المؤمن ، ثم حم السجدة ، ثم الشورى ، ثمٍ الزخرف ، ثم الدخان ، ثم
الجاثية ، ثم الأحقاف ، ثم (وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا) ثم الغاشية ، ثم الكهف.
ثم النحل ، ثم سورة نوح ، ثم سورة إبراهيم ، ثم سورة الأنبياء.
ثم (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ) ، ثم ألم السجدة ، ثم سورة الطور ، ثم سورة
الملك.
ثم الحاقة ، ثم المعارج ، ثم النبأ ، ثم النازعات ، ثم (إِذَا السَّمَاءُ
انْفَطَرَتْ).
ثم (إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ) ، ثم (الم (1) غُلِبَتِ الرُّومُ (2)
ثم العنكبوت ، ثم سورة المطففين .
(1/44)
قال عطاء بن أبي مسلم :
وكانوا إذا نزلت فاتحة سورة بمكة كتبت
مكية ، ويزيد الله عز وجل فيها ما شاء بالمدينة.
قال عطاء : ثم كان أول ما أنزل الله عز وجل بالمدينة سورة البقرة ، ثم الأنفال ،
ثم آل عمران ، ثم الأحزاب ، ثم الامتحان ، ثم النساء ، ثم (إِذَا زُلْزِلَتِ
الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا) ثم الحديد ، ثم سورة محمد صلى الله عليه وسلم.
وقال غير عطاء : هي مكية ، وهي بالمدنى أشبه ، ثم الرعد ، ثم سورة الرحمن عز وجل ،
ثم (هَلْ أتَى) ، ثم الطلاق ، ثم (لَمْ يَكُنْ) ، ثم الحشر ، ثم (إِذَا جَاءَ
نَصْرُ اللَّهِ) ، ثم النور ، ثم الحج.
قال عطاء بن أبي مسلم وغيره : إنها مدنية ، وقال بعضهم : فيها مدنى ومكي وسفري.
قال عطاء بن أبي مسلم : ثم المنافقون ، ثم المجادلة ، ثم الحجرات ، ثم التحريم ،
ثم الجمعة ، ثم التغابن ، ثم الصف ، ثم الفتح.
قال عطاء بن أبي مسلم وغيره : إنها مدنية ، وروي عن البراء بن عازب أنها نزلت
بالحديبية ،
(1/45)
وقال الشعبى أيضاً : نزلت
بالحديبية ، وأصاب - صلى الله عليه وسلم - في تلك الغزوة ما لم يصب فى غيرها ، بأن
بويع له بيعة الرضوان وغفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ، وظهرت الروم على فارس ،
فَسُرَّ المؤمنون بتصديق
كتاب الله ، وأطعموا نخل خيبر ، ِ وبلغ الهدي مَحِله.
ولما رجع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الحديبية بلغه عن رجل من أصحابه أنه
قال : ما هذا بفتح لقد صُددنا عن البيت ، وصد هدينا.
فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - "بئس الكلام هذا ، بل هو أعظم الفتوح ، قد
رضي المشركون أن يدفعوكم عن بلادهم بالراح ، وَيَسْألُوكُم القضية ، ويرغبوا إليكم
في الأمان ، وقد رأوا منكم ما كرهوا" .
(1/46)
وقيل : نزلت على النبي - صلى
الله عليه وسلم - :
"إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا)
مَرْجِعَهُ من الحديبية.
حدثنا شيخنا أبو الفضل محمد بن يوسف الغزنوي - رحمه الله -
ثنا عبد الملك بن أبي القاسم الهروي ، عن أبي عامر محمود بن القاسم
الأزدي ، عن أبي محمد عبد الجبار بن محمد الجراحي ، عن أبي
(1/47)
العباس محمد بن أحمد المحبوبي
، عن أبي عيسىِ الترمذي ، ثنا
عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ ، ثنا عبد الرزاق ، عن معمر ، عن قتادة ، عن
(1/48)
أنس ، قال : انزِلت على النبي
- صلى الله عليه وسلم - :
"لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ)
مَرْجِعَهً من الحديبية
قال أبو عيسى الترمذي : وحدثنا محمد بن بشار ، ثنا محمد بن
خالد بن عَثْمَة ، ثنا مالك بن أنس ، عن زيد بن أسلم ، عن
(1/49)
أبيه ، قال : سمعت عمر بن
الخطاب يقول : كنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في بعض أسفاره ، فكلمت رسول
الله - صلى الله عليه وسلم - ، فسكت ، ثم كلمته ، فسكت ، فحركت راحلتي ، فتنحيت ،
فقلت : ثكلتك أمك يا ابن الخطاب نَزرْت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثلاث مرات
كل ذلك لا يكلمك ، ما أخلقك أن ينزل فيك قرآن ، فما نشبت أن سمعت صارخاً يصرخ ،
فجئت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فقال : (يا ابن الخطاب لقد أنزل علي
هذه الليلة سورة ما أحب أن لي بها ما طلعت عليه الشمس (إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ
فَتْحًا مُبِينًا).
والحديثان صحيحان .
(1/50)
ومعنى نزرت رسول الله - صلى
الله عليه وسلم - : ألححت عليه ، يقال : فلان لا يعطي حتى يُنزر ، أي يُلَحَّ عليه
، وقال المسور بن مَخْرَمَة : نزلت
بين مكة والمدينة.
قال عطاء بن أبي مسلم : ثم نزلت المائدة ، ثم سورة التوية.
وعن ابِن عباس رضي الله عنهما : أوّل شيء نزل من سورة التوبة
(لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ) ثم أنزلت السورة
كلّها بعد ذلك ، فخرج النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى تبوك ، وتلك آخر غزوة
غزاها
(1/51)
النبيُّ - صلى الله عليه وسلم
- ، وقيل : آخرما أنزل عليه - صلى الله عليه وسلم - (وَاتَّقُوا يَوْمًا
تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ)
فبقي النبي - صلى الله عليه وسلم - بعدها تسعة أيام ، ثم قبض ، ونزلت (الْيَوْمَ
أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ) في يوم عرفة ، في يوم جمعة ، وعاش
النبي - صلى الله عليه وسلم - بعدها إحدى وثمانين ليلة.
وقال أبو هريرة ، ومجاهد ، والزهري وعطاء بن يسار ، وعبيد الله بن عبدالله بن عمر
: نزلت
(1/52)
فاتحة الكتاب بالمدينة ،
والأكثر على خلاف ذلك" . قال أبو العالية :
لقد أنزلت (وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي)
وما أنزل من الطوَل شيء ، يريد أن سورة الحجر نزلت قبل البقرة ، وآل عمران والنساء
، والمائدة.
وقال أبو ميسرة : أول ما أقرأ جبريل النبيَ - صلى الله عليه وسلم - فاتحة الكتاب
إلى
(1/53)
آخرها ، وقال ابن عباس : نزلت
بمكة بعد (يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ)
ثم نزلت (تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ).
وزعم مقاتل بن سليمان أن الأعراف نزل منها بالمدينة قوله عز وجل : (وَاسْأَلْهُمْ
عَنِ الْقَرْيَةِ) إلى قوله سبحانه : (مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ)
قال : وباقيها مكي ، وكذلك قال في الأنفال :
(وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا) نزلت بمكة ، وباقيها مدني.
وقال : يونس مكية إلا آيتين : (فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا
إِلَيْكَ)
والتي تليها نزلتا بالمدينة.
وقال الكلبي : (ومِنْهُمْ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ)
نزلت بالمدينة في قوم من اليهود ، وباقيها مكي.
وقيل : نزل من أولها إلى أربعين آية بمكة ، وباقيها نزل بالمدينة ، وقال
(1/54)
ابن عباس ، وعبد الله بن
الزبير : نزلت بمكة.
وقال مقاتل : في سورة هود ثلاث آيات نزلت بالمدينة ، وباقيها
مكى : الأولى (فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ) والثانية (أولَئِكَ يُؤْمِنُوْنَ بهِ)
نزلت في عبد الله بن سَلام ، وأصحابه.
وقوله : (إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ)
نزلت في نبهان التَّمَّار.
وقال : في إبراهيم (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ
كُفْرًا)
هذه الآية مدنية.
وقال الكلبى : النحل مكية غير أربع آيات : (ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ
هَاجَرُوا) ، والثانية : (وَإِنْ عَاقَبْتُمْ) وما يليها إلى آخر السورة.
ووافقه مقاتل ، وزاد خامسةً (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً).
(1/55)
وقال الكلبي : في سورة
(سبحان) آيات مدنيات.
قوله عز وجل : (وَإِنْ كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ)
نزلت حين جاءه وفد ثَقيْف ، وحين قالت اليهود : ليست هذه بأرض الأنبياء.
وقوله : (وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ)
وزاد مقاتل : (وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ)
و (قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لَا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ
قَبْلِهِ).
وقال بعضهم : في الكهف مدنى قوله عز وجل : (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ
عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ) إِلى قوله (وَلَا لِآبَائِهِمْ)
وقوله عز وجل : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا
نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا (30)
وقال ابن عباس : نزلت الكهف بمكة بين (هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ) والنحل
، وكذلك قال الحسن وعكرمة.
وقيل في مريم : هي مكية غيرآية السجدة .
(1/56)
وقال مقاتل : نزل من سورة
الحج (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ)
إلى قوله : (وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ (2)
نزل في غزوة بني المصطلق ليلاً.
قال : ونزل بالمدينة منها أيضاً (مَنْ كَانَ يَظُنُّ) الآية و (سَوَاءً الْعَاكِفُ
فِيهِ وَالْبَادِ)
نزلت في عبد الله بن أنس بن خَطَل
و (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ) و (لَوْلا دَفْعُ اللَّهِ) و (لِيَعْلَمَ
الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ)
نزلت في أهل التوراة ، و (وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ)
والتي بعدها ، وعن ابن
(1/57)
عباس : كلها مكية إلا
السجدتين ، و (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ)، والتى
بعدها.
وقال ابن عباس وقتادة : الفرقان مكية إلا قوله : (وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ
اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ) إلى آخر الثلث.
وقيل في الشعراء : هي مكية إلا قوله عز وجل :
(وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ (224)
إلى آخرها ، قال مقاتل : وإلا قوله : (أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً).
وقال مقاتل في القصص : (الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِهِ)
إلى قوله عز وجل (لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ (55)
مدنى ، وقوله : (إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ)
نزلت بالجُحْفَة قبل الهجرة.
وقال قتادة : من أول العنكبوت إلى قوله عز وجل : (وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ
الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنَافِقِينَ (11)
(1/58)
مدنى ، وباقيها مكى.
وقيل : إن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما قدم المدينة أتاه اليهود ، فقالوا :
يا محمد!
بلغنا أنك تقول : (وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا (85)
أَفَعَنَتْيَنَاْ أَمْ عَنَيْتَ قَوْمَكَ ؟ فقال - صلى الله عليه وسلم - :
"عنيت الجميع ".
فقالوا : يا محمد! أما تعلم أن الله عز وجل أنزل التوراة على موسى عليه السلام ،
وخلفها موسى فينا ، وفي التوراة أنباء كل شيء ؟
فقال - صلى الله عليه وسلم - : "التوراة وما فيها من الأنباء قليل في علم
الله تعالى ، فأنزل الله عز وجل : (وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ
أَقْلَامٌ)
إلى آخر الآيات الثلاث ، وباقيها مكى
وفي السجدة ثلاث آيات نزلن بالمدينة لما قال الوليد بن عقبة
لعلي - رضي الله عنه - : أنا أذرب منك لساناً ، يعني : أحدّ لساناً ، وأحدّ
سنانًا ، وأردّ للكتيبة ، فقال له على عليه السلام : اسكت فإنك فاسق ، فأنزل الله
عز وجل : (أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا)
(1/59)
الآيات ، وقال آخرون ، إلا
خمس آيات.
من قوله عنر وجل : (تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ) إلى قوله :
(الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (20).
وقال مقاتل : قوله عز وجل في سبأ : (وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ)
هذه الآية منها مدنية
وفي الزمر أربع آيات نزلن - فيما قيل - بالمدينة :
الأولى : (قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ)
والثلاث الباقية نزلن في وحشى فيما ذكروا (يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا
عَلَى أَنْفُسِهِمْ) إلى قوله : (وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ (55).
وقال ابن عباس وقتادة في المؤمن : في مكيَة غير آيتين نزلتا بالمدينة
(إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ) والتي تليها .
(1/60)
وكذلك قالا : في الشورى آيات
غير مكية.
قال ابن عباس : لما نزل (قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا
الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى)
قال رجل من الأنصار : والله ما أنزل الله هذا في القرآن قطْ ، فأنزل الله عز
وجل : (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَإِنْ يَشَإِ اللَّهُ
يَخْتِمْ عَلَى قَلْبِكَ)
قال : ثم إن الأنْصاري تاب وندم ، فأنزل الله تعالى :
(وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ) إلى قوله : (لَهُمْ عَذَابٌ
شَدِيدٌ (26)
، فهذه الآيات على قوله مدنيات.
وقال قتادة : في الجاثية في قوله عز وجل : (قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا
لِلَّذِينَ لَا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ) هذه الآية وحدها مدينة.
وفي الأحقاف : (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ
بِهِ)
الآية نزلت في عبد الله بن سَلاَم
وقوله عز وجل : (فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ)
وباقيها مكى .
(1/61)
وسورة القتال مدنية ، وقد سبق
القول فيها ، وقيل : هي مدنية إلا قوله
عز وجل : (وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ
الَّتِي أَخْرَجَتْكَ أَهْلَكْنَاهُمْ فَلَا نَاصِرَ لَهُمْ (13)
قيل : إن النبيَ - صلى الله عليه وسلم - لما توجه
مهاجراً إلى المدينة وقف ، ونظر إلى مكة ، وبكى ، فنزلت هذه الآية.
وقال ابن عباس ، وقتادة : قوله عز وجل في سورة ق : (وَلَقَدْ خَلَقْنَا
السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا
مِنْ لُغُوبٍ (38)
نزلت هذه الآية بالمدينة ، وباقي السورةً بمكة.
وقال : في سورة : والنجم : (الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ)
الآية نزلت بالمدينة ، وباقيها مكى.
واختلف في تنزيل سورة الرحمن عز وجل ، فقالت عائشة ، رضي
الله عنها ، والحسن ، وعكرمة ، وعطاء بن يسار ، ومجاهد ، وسفيان بن
عيينة ، ومقاتل : هي مكية ، وقال ابن عباس ، وقتادة : هي مكية إلا آية
واحدة (يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) فإنها نزلت
(1/62)
بالمدينة.
وقال عطاء بن أبي مسلم عن ابن عباس ، ونافع بن أبي
نُعَيْم وكُرَيْب : هي مدنية.
وقال ابن عباس ، والكلبى ، وقتادة : الواقعة مكية إلا آية واحدة
(وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ (82).
وقيل في سورة المجادلة : هي مدنية إلا قوله : (مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ
إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ) الآية ..
وقيل في الصف والجمعة : هما مدنيتان ، وقيل : مكيتان .
(1/63)
وكذلك التغابن.
وقال ابن عباس وقتادة في سورة (ن) : من أولها إلى قوله : (عَلَى الْخُرْطُومِ) مكي
، ثم إلى قوله : (أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (33)
مدنيّ ، ثم إلى قوله : (فَهُمْ يَكْتُبُونَ) مكى ، ثم إلى قوله : (مِنَ
الصالِحِينَ)
مدنيّ ، ثم إلى آخرها مكى.
والمرسلات مكية كلها ، وقد رُوي عن ابن مسعود أنها نزلت على
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليلة الجن.
قال : ونحن بحراء ، ويقال : إن فيها من المدنى (وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا
لَا يَرْكَعُونَ (48).
واختلف في المطففين ، فقيل : هي أول ما نزل بالمدينة ، وعن ابن
عباس أنها مكية.
وسورة القدر مدنية ، وقيل : مكية نزلت بين عبس والشمس.
وقال قتادة ، وكريب : وجدنا في كتاب ابن عباس : (لَمْ يَكنْ) البينة
(1/64)
مكية ، وكذا روي عن مجاهد ،
وقال ابن الزبير ، وعطاء بن
يسار : هي مدنية.
وقال مجاهد في : (إِذَا زُلْزِلَت) : هي مكية ، وغيره يقول :
مدنية.
وكذلك القول في العاديات و (أرَأيتَ) الماعون
مكية ، وقال جويبر ، عن الضّحاك : مدنية ، وقال قوم : هي مكية إلا
قوله عز وجل : (فَوَيْل لِلْمُصَلين)
نزلت في المنافقين.
واختلف في سورة الإخلاص ، وقد سبق قول عطاء بن أبي
مسلم : إنها مكية ، وهو يروي جميع ما ذكره عن ابن عباس.
وكذلك قال
(1/65)
كريب ، ونافع بن أبي نعيم ،
وقال مجاهد ، ومحمد بن كعب القرظيّ.
وأبو العالية ، والربيع وغيرهم : إنها مدنية ، وهو الصحيح ، إن شاء
الله.
والفلق والناس من المدنى ، وقيل : من المكي.
فهذا جميع المختلف في تنزيله ذكرته ، وما لم أذكره من السور فلا
خلاف فيه ، وهو على ما ذكره عطاء الخراسانى في المكي والمدنى.
قوله عز وجل : "إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1).
(أنزلناه) : يعني : القرآن.
قال ابن عباس ، والشعبى ، وابن جُبَيْرٍ :
أنزل الله القرآن كله جملة واحدة في رمضان إلى سماء الدنيا ، فإذا أراد الله
عز وجل أن يُحدِث في الأرض شيئاً أنزل منه ، حتى جمعه.
وهي
(1/66)
الليلة المذكورة في سورة
الدخان.
فإن قيل : ما في إنزاله جملة إلى سماء الدنيا ؟
قلت : في ذلك تكريم بني آدم ، وتعظيم شأنهم عند
الملائكة ، وتعريفهم عناية الله عز وجل بهم ، ورحمته لهم.
ولهذا المعنى أمر سبعين ألفاً من الملائكة ، لما أنزل سورة الأنعام ، أن تزفها ،
وزاد سبحانه في هذا المعنى بأنْ أمر جبريل عليه السلام بإملائه على السفَرَة
الكرام البَرَرَة عليهم السلام ، وإنساخهم إياه ، وتلاوتهم له.
وفيه أيضاً إعلام عباده من الملائكة ، وغيرهم أنه علام الغيوب ، لا يعزب عنه شيء ؛
إذ كان في هذا الكتاب العزيز ذكر الأشياء قبل وقوعها.
وفيه ، أيضاً التسوية بين نبينا - صلى الله عليه وسلم - وبين موسى عليه السلام في
إنزال كتابه جملة ، والتفضيل لمحمد - صلى الله عليه وسلم - في إنزاله عليه
مُنَجماً ، ليحفظه.
قال الله عز وجل : (كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ)
وقال عز وجل : (سَنُقْرِئُكَ فَلاَ تَنْسَى) ، وكان جبريل يلقى رسول الله - صلى
الله عليه وسلم - في كل عام في رمضان يعرض عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
القرآن ، وعارضه في العام الذي
قبض فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مرتين.
فأين هذا من أمر التوراة ؟!.
وفيه أيضاً ، أن جناب العزة عظيم ، ففي إنزاله جملة واحدة ، وإنزال الملائكة له
مُفَرقاً بحسب الوقائع ما يوقع في النفوس تعظيم شأن الربوبية.
فإن قيل : قوله عز وجل : (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ) إخبار عن
القرآن.
(1/67)
أفما هذه السورة مما أنزل فيِ
ليلة القدر ؟
قلت : هي مما أنزل في تلك الليلة كما أنزل فيها (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا
الذِّكْرَ)
و (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ) وكما قال تعالى : (إِنَّ هَذَا
الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ) و (هَذَا ذِكْرٌ مُبَارَكٌ
أَنْزَلْنَاهُ).
حدثنا الغزنوي ، رحمه الله ، بإسناده المتقدم إلى أبي عيسى
الترمذي ، رحمه الله ، ثنا ابن أبي عمر ، ثنا سفيان ، عن عَبْدَة بن أبي
لُبَابَة ، وعاصم سمعا زِر بنَ حبَيْش يقول : قلت لأبى بن كعب :
(1/68)
إن أخاك عبد الله بن مسعود ،
يقول : من يقم الحول ، يصب ليلة القدر.
فقال : يغفر الله لأبي عبد الرحمن ، لقد علم أنها في العشر الأواخر من
رمضان ، وأنها ليلة سبع وعشرين ، ولكنه أراد ألا يَتكل الناس ، ثم حلف لا
يستثني أنها ليلة سبع وعشرين.
قال : قلت له بأي شيء تقول ذلك يا أبا المنذر ؟
قال : بالآية التي أخبرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
"أن الشمس تطلع يومئذٍ لا شعاع لها".
وهو حديث صحيح.
وروى عبد الله بن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :
"من كان متحريها فليتحرها في ليلة سبع وعشرين ".
ومن العجائب أن هذه السورة ثلاثون كلمة على عدد أيام الشهر.
فعدَها ابن عباس ، فوافق قوله عز وجل : (هي) فاستدلَّ بذلك على أنها
(1/69)
ليلة سبع وعشرين ؛ لأن (هي)
من كلمات السورة السابعة بعد
العشرين.
وقيل : إنها تختلف ، فتكون مرة في ليلة سبع وعشرين ، ومرة في غيرها.
يدل على ذلك ما روى أبو سعيد ، رحمه الله ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه
قال : (رأيتني أسجد من صبيحتها في ماء وطين ".
قال أبو سعيد : فأبصرت عيناي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وعلى جبهته ،
وأنفه ، أثر الماء والطين من صبيحة إحدى وعشرين ، وكان المسجد قد وكف.
وأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بعض أصحابه بالتماسها ليلة ثلاث وعشرين .
(1/70)
وعنه - صلى الله عليه وسلم -
: "التمسوها في الخامسة والسابعة والتاسعة". وذلك لما علم النبي - صلى
الله عليه وسلم - أنها تنتقل فيما أُرِي ، والله أعلم.
وعن النبي - صلى الله عليه وسلم - : "نزلت صحف إبراهيم عليه السلام أولَ ليلة
من شهر رمضان ، ونزلت التوراة على موسى عليه السلام في ست من شهر رمضان ، ونزل
الزبور على داود عليه السلام في اثنتي عشرة من شهر رمضان ، ونزل الإنجيل على عيسى
عليه السلام في ثماني عشرة من شهر رمضان ، وأنزل الله الفرقان على محمد - صلى الله
عليه وسلم - في أربع وعشرين من شهر رمضان ".
فهذا الإنزال يريد به ي أولَ نزول القرآن عليه.
وقوله عز وجل : (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ)
يشمل الإنزالين.
ومعنى ليلة القدر : ليلة الجلالة والعظمة.
(1/71)
وقيل : القَدْرُ : مصدر من
قولهم : قَدَرَ الشيْءَ يَقْدِرُهُ قَدْراً.
لأن الله تعالى يقدر فيها ما يشاء من أمره ، أو لأن القرآن أنزل فيها ، وفيه
تِبيان كل شيء.
* * *
أَسمَاءُ القُرآن
القرآن اسم من أسماء هذا الكتاب العزيز ، وهو منقول من المصدر.
ودخول اللام فيه كدخولها في الفضل ودخولها في الفضل كدخولها في
العباس ، وإنما تدخل في العباس ، ونحوه ؛ لأنها بمنزلة الصفات الغالبة
نحو : الصعِق. كذا قال سيبويه ، والخليل.
وكأنه أراد الذي يعبس ؛ فلهذا المعنى دخلت اللام ، ومن لم يرد هذا المعنى قال :
عباس ، وحارث ، ويدل على صحة مذهبهما أنهم لم يدخلوا اللام في ثور وحجر ونحو ذلك
مما نقل إلى العلمية ، وليس بصفة ، ولا مصدر ، وإنما دخلت اللام فيما نقل عن
المصدر ؛ لأن المصدر يوصف به ، فهو كالحارث.
وأيضاً فإنهم إذا قالوا : الفضل لحظوا فيها معنى الزيادة ، كما لحظوا
المغنى المقدم ذكره في الصفة.
والقرآن : معناه : الجمع ، من قولهم قرأت الشيء ، أي جمعته ؛ يدل
على ذلك قوله عز وجل : (فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ (18)
أي : فإذا جمعناه فاتبع جمعه .
(1/72)
فإن قيل : فكيف يصح على ما
ذكرت من أن معناه الجمع أن يقال :
إن علينا جمعه وجمعه ، وقد قال الله عز وجل : (إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ
وَقُرْآنَهُ (17) ؟
قلت : قال أبو علي : الجمعٍ أعم ، والقرآن أخص.
فحسن التكرير لذلك ، كما يجوز : أعلمْتُ زيدا ، وأنذرته ؛ لأن الإنذار
أخص ؛ لأن كل منذر مُعلم وليس كل مُعْلم مُنذراً.
كذلك قرأت وجمعت ، قرأت أخص من جمعت ، وإذا جاز استعمال المعنى الواحد بلفظين
مختلفينَ نحو : أقوى وأقفر فأن يجوز فيما تختص فيه إحدى الكلمتين بمعنى ليس للأخرى
أولى
وعن ابن عباس : كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا ألقى إليه جبريل عليهما
السلام القرآن يعجل لحرصه ، وخوفه أن ينساه ، فيساوقه في قراءته ، ويحرك شفتيه ،
وحرك ابن عباس شفتيه ، فقيل له : لا تحرك به لسانك لتعجل به إن علينا جمعه لك
وقرآنه .
(1/73)
ووزن قُرْآن : فُعْلان ، وحقه
ألَّا ينصرف ، للعلمية والزيادة.
فأما قوله عز وجل : (وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ
كُلِّ مَثَلٍ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (27) قُرْآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي
عِوَجٍ)
فقال أبو علي : قرآنا : حال من القرآن في أول الآية.
قال : ولا يمتنع أن يتنكر ما جرى في كلامهم معرفة من نحو هذا.
قال : من ثم أجاز الخليل في قولهم :
ياهِنْدُ هِنْدٌ بَيْنَ خِلْبٍ وكَبِدْ
(1/74)
أن يكون المعنى : يا هند أنت
هند بين خلب وكبد ، فجعله نكرة.
لوصفه له بالظرف قال : ومثل ذلك قوله :
علا زيدنا يوم النقا رأسَ زيدكم
وأما قوله عز وجل : (وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ)
فقال أبو علي : يجوز أن يكون مفعولاً. والتقدير : (وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْنَاهُ
وَبِالْحَقِّ نَزَلَ) وأنزلنا قرآناً - ، قال : ولا يجوز أن ينتصب على الحال
من أجل حرف العطف.
قال : ألا ترى أنك لا تقول : جاءني زيد وراكباً.
قال : ويجوز أن يعطف على ما يتصل به على حذف المضاف.
أي : (وما أرسلناك إلا مبشراً ونذيراً) وذا قرآن.
وكان ابن كثير لا يهمز القرآن ، ويقول : القرآن إنما هو اسم مثل التوراة ،
والإنجيل ، وجوز أن يكون من "قرنت الشيء بالشيء".
قال أبو علي : وهذا سهو ممن ظنه ، لأن لام الفعل من قرأت هَمْزة ، ومن قرنت نون ،
والنون في قرآن
(1/75)
زائدة.
وفي قرنت أصل ، وهي لام الفعل. قال : ونرى أن الإشكال وقع له
من أجل تخفيف الهمزة من قُرآن لَمَّا حذفت ، وألقيت حركتها ، فصار
لفظه كلفظة فُعَاْل من قُرَان وليس مثله.
قال : ولو سميت رجلًا بقُران مخفف الهمزة لم تصرفه في المعرفة.
كما لا تصرف عثمان اسم رجل ، ولو سميته بقرآن من قرنت لا نصرف.
وهذا سهو من أبي علي ، وما كان مثل هذا يذهب على ابن كثير ، وإنما
ذهب ابن كثير إلى أنه اسم من أسماء الكتاب العزيز ، فيكون على قوله له
اسمان : قرآن من قرأت ، وقُران من قرنت.
وهذا واضح لا إشكال فيه.
ومن أسمائه الفرقان
قال الله عز وجل : (تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ)
وهو منقول من المصدر ، وهو من المصادر التي جاءت على فُعْلان نحو :
الغُفْران والكُفْران ، وقال أبو عبيدة : "تقديره قولهم : رجل قُنْعان.
أي يرضى به الخصمان ويقنعان " فهو على هذا منقول من الصفة.
وإلى هذا القول ذهب أبو علي ، وإنما ذهب أبو علي في القرآن إلى أنه
مصدر في الأصل ، وفي الفرقان إلى ما ذكرناه.
قال : لأن الدلالة قد قامت
(1/76)
علىٍ أن القرآن لا يجوز أن
يكون صفة ، كما قامت على جواز كون الفرقان
صفة.
قال : وذلك أن الله عز وجل قال : (إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ (17)
فلو كانت صفة لم تجز هذه الإضافة ؛ لأن الصفة لا تضاف إلى الفاعل ؛ لأن
اسم الفاعل هو الفاعل في المعنى ، والشيء لا يضاف إلى نفسه.
قال : فلو كان القرآن صفة ، كما أن الفرقان صفة في قول أبي عبيدة لم
تجز فيه هذه الِإضافة ، فدل جوازها على أنه مصدر في الأصل ، ولا يمتنع
أن يضاف المصدر إلى الفاعل. كما لا يمتنع إضافته إلى المفعول ؛ لأنه
غير الفاعل ، كما أنه غير المفعول.
وأجاب عن أنه لو كان صفة لجرى على موصوف كما قيل : رجل قُنْعان وأُجري صفة على
موصوف ، فقال : لا يمتنع أن يكون صفة ، وإن لم يجرِ على الموصوف ؛ لأن كثيراً من
الصفات استعمل استعمال الأسماء : من ذلك : هذا عبد ، ورأيت عبداً ، وهو في الأصل
صفة ، ولا يكادون يقولون : رجل عبد ، وكذلك صاحب ؛ ولذلك لم تعمل إعمال أسماء
الفاعلين نحو : ضارب ، وآكل ، وحسن لهذا ترخيمه في نحو :
أَصَاحِ تَرَى بُرَيْقَاً هَبَّ وَهْنَاً . . . . . . . . . . . . . . . . . .
(1/77)
وإن لم يرخموا من هذا الضرب
من الأسماء غيره.
قال : وكذلك الأجرع ، والأبطح ، والأدهم ، ولذلك كسروه أجارع وأباطحٍ وأبارق.
ولو لم تستعمل استعمال الأسماء لما تَعَدَّوا فيه فُعلا وفعلانا.
كأحمر ، وحُمْر وحُمْران.
فإذا كثر في كلامهم هذا النحو من الصفات التي
جرت مجرى الأسماء في أنها لمَ تجرِ على الموصوف ، وفي أنها كسرت
تكسير الأسماء ، لم يدل امتناعهم من إجراء الفرقان صفة على موصوفه
على أنه ليس بصفة.
قال : ويقوي كونه صفة مجيئه على وزن جاءت عليه الصفات
كعُرْيان ، وخُمْصان.
وقال أبو عبيدة في قول الله عز وجل : (وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ)
وفي قوله تعالى : (وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ)
(1/78)
(الفرقان) ما فرق بين الحق
والباطل ، ؛ لأن
المسلمين علت كلمتهم يوم بدر بالقهر والغلبة ، كما نصروا في الفرقان
بالحجة.
وقيل : المعنى في قوله عز وجل : (وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ
وَالْفُرْقَانَ) وآتيناكم الفرقان كقوله :
. . . . . . . . . .. مُتَقَلًداً سيفاً ورمحا
وقوله تعالى : (وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوْسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ) يبطل هذا
التأويل ، ولكن يجوز في الآيتين جميعاً أن يريد بالفرقان البرهان الذي فرق
بين الحق والباطل. نحو : انقلاب العصا ، وخروج اليد بيضاء من غير
سوء ، وغير ذلك من الآيات ، أو الشرع الفارق بين الحلال والحرام.
(1/79)
وقيل الفرقان : انفراق البحر
، وردَّ أبو علي هذا القول ؛ لأن
الفرقان قد استعمل في هذه الآيات في معانٍ لا في أعيان ؛ ولأن مصدر
فرقت قد جاء في القرآن (فرقاً) ولم يجئ : (فرقاناً) قال : وإن كان
بعض أمثلة المصادر قد جاء على مثال فُعْلان.
قال أبو عبيدة : "سمي فرقاناً لأنه فرق بين الحق والباطل ، والمؤمن
والكافر" ، وقال أبو عبيدة : الفرقان عند النحويين مصدر فرقت بين
الشيء والشيء أفرق فرقاً وفرقاناً.
وعن ابن عباس : الفرقان المخرج ، قال الله تعالى : (إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ
يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا) أي بياناً ، ومخرجاً من الشبهة ، والضلال.
وأنشدوا لمزرّد :
بادر الليل أن يبيت فلما . . . أظلم الليل لم يجد فرقانا
(1/80)
ومن أسمائه الكتاب :
سمي بذلك لأن الكَتْب : الجمع ، يقال : كتب إذا جمع الحروف
بعضها إلى بعض.
وتكتب بنو فلان أي اجتمعوا ، فسمي بذلك لما
اجتمع فيه من المعاني كالأمر والنهي ، والمحكم والمتشابه ، والناسخ
والمنسوخ ، والحلال والحرام ، ونبأ ما كان وما يكون وما يحتاج إليه من أمر
الدين ، وتفصيل ما اختلف فيه من الأحكام.
قال الله عز وجل : (مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ)
وقال عز وجل : (مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ
يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ
(111).
ولذلك سُمِّي قرآنًا ، لأنه قد جمع فيه كل "شيء.
وقال أبو عبيدة : "سمي قرآنًا ؛ لأنه جمع السور وضمها ، وكذلك نسميته بالكتاب
أيضاً".
وقال أبو علي : الكتاب مصدر "كتب" قال : ودليل ذلك انتصابه
عما قبله في قوله ، عز وجل (كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ)
وقوله : (وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا
مُؤَجَّلًا)
قال : فمذهب سيبويه في هذا النحو أنه لما قال : (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ
أُمَّهَاتُكُمْ)
(1/81)
دل هذا الكلام على
"كُتِبَ عَلَيْكُمْ" ، وكذلك
قوله عز وجل : (وَمَا كَانَ لِنَفْس أنْ تَمُوتَ) دل على "كتب الله
موته".
ومدة حياته ، فانتصب بـ "كتب" الذي دل عليه الفعل المظهر.
قال : ومذهب غيره ، من أصحابه ، أنه انتصب بالفعل الظاهر.
وكيف كان الأمر فقد ثبت من ذلك أن الكتاب مصدر كالوعد.
والصنع من قوله عز وجل : (وَعْدَ اللَّهِ)
و (صُنْعَ اللَّهِ) في انتصابهما بما ذكر قبلهما من قوله عز وجل : (وَهِيَ تَمُرُّ
مَرَّ السَّحَابِ) وقوله عز وجل : (وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ
(3) فِي بِضْعِ سِنِينَ) ثم قال بعد ذلك (وَعْدَ اللَّهِ)
قال : وسُمي به التنزيل بدلالة قوله عز وجل : (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ
عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ) ثم قال : والمراد بالمصدر
الذي هو الكتاب : المكتوب ، كما يقال : الخلق ، ويراد به المخلوق لا
الحدث ، تقول : جاءني الخلق ، وكلَّمت الخلق ، والدرهم ضرب الأمير.
والثوب نسج اليمن ، أي : مضروبه ، ومنسوج اليمن.
وقول النبي - صلى الله عليه وسلم - :
"الراجع في هبته" أي : موهوبه.
(1/82)
قال : فما تأولناه في قولنا
في الكتاب المسمى به التنزيل : إنه يراد به
المكتوب ، أرجح عندي من قول بن قال : إنه سُمِّي بذلك لما فرض فيه.
وأوجب العمل به. قال : ألا ترى أن جميع التنزيل مكتوب ، وليس كله
مفروضاً.
قال : وإذا كان كذلك كان العامل الشامل لجميع المسمى أولى
مما كان بخلاف هذا الوصف.
وهذا الذي رجحه أبو علي ليس براجح ؛ لأن قولهم : هذا الدرهم ضرب الأمير قد علم
المراد منه ، وأن الضرب
الذي هو الغلض الذي قد انقضى ، وذهب ، لا يصح أن يكون موجوداً.
ومشارًاً إليه ، فتعين أن المراد بالضرب المضروب ، وليس كذلك الكتاب ؛
لأنه اسم منقول من المصدر كفضل ، وإنما سُمِّي القرآن كتاباً ؛ لأن
معنى "كتب الشيء" جمعه ، وضم بعضه إلى بعض ، وكذلك القرآن.
وقول من قال : إنما سُمِّي كتاباً ؛ لأنه يقال : كتب الله كذا بمعنى أوجبه.
وفرضه ، كقوله عز وجل : (وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا
أَنْفُسَكُمْ) فسمِّي القرآن كتاباً لما فيه من الواجبات التي كتبها أرجح من قول
أبي على ؛ لأن الشيء يُسفى ببعض ما فيه ، ثم إن قول أبي على يوهم
أن ليس إلَّا هذا القول ، وقوله. وأوضح من القولين ، وأصح قول من قال :
هو مَنْقُول من المصدر الذي هو معنى الجمع ، والضم.
ومن أسمائه الذكر
قال الله عز وجل : (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ
لَحَافِظُونَ (9)
(1/83)
وهو منقول من المصدر. والذكر
: الموعظة ، والذكر :
الشرف ..
ومن أسمائه الوحي
قال المؤمنون كلهم : القرآن كلام الله ، ووحيه ، وتنزيله.
وقال الله عزَّ وجلَّ : (قُلْ إِنَّمَا أُنْذِرُكُمْ بِالْوَحْيِ) وهو من قولهم :
وحى يحي وحياً ، قال الشاعر :
وَحَى لها القرارَ فاسْتَقَرَّتِ
ويقال : أوحى يوحي إيحاءً ، ومعناه : الإفهام بإيماء ، أو إشارة.
وقال بعض العلماء : الوحي قذف في القلوب ، فكأنه سمي وحيًاً ؛ لأن الملك
كان يَفْهَمُه النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ولا يفهم عنه سواه ، كما سمْوا ضرب
الأمثال وحياً من جهة اللفظ ، وذلك أن يضرب الرجل لصاحبه مثلًا فيعرف به أمرا
بينهما ، ولا يفهمه سواه.
وكل من أشار إلى معنى من غير إفصاح ، فبلغ
بذلك المراد ، فقد أوحى.
ومن أسمائه التنزيل
(1/84)
يقال : جاء في التنزيل كذا ،
كما يقال : جاء في القرآن ، وهو منقول
من المصدر ، يقال : نزل تنزيلًا ، قال الله عز وجل : (اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ
الْحَدِيثِ).
ومن أسمائه القصص
قال الله تعالى : (إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ)
والقصص ، في العربية : اتباع الأثر ، قال الله عز وجل : (فَارْتَدَّا عَلَى
آثَارِهِمَا قَصَصًا) قال الله عز وجل : (قُلْ إِنَّمَا أَتَّبِعُ مَا يُوحَى
إِلَيَّ مِنْ رَبِّي)
وأمر القرآن قصصه الذي قصه : أي اتبعه ، وألقاه إلى غيره كما قفاه ، واتبع فيه أثر
الملك.
ومن أسمائه الروح
قال الله عز وجل : (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا)
سُمِّي روحًا ؛ لأنه تحيى به القلوب ، والدين ، قال الله عز وجل :
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا
دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ).
ومن أسمائه المثاني
قال الله عز وجل : (اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا
مَثَانِيَ)
(1/85)
سُمِّي مثاني ؛ لأن القصص ،
والأنباء ثنيت فيه : أي كررت.
يقال : ثنيت الشيء إذا كَررْتَه.
وسماه الله عز وجل الهُدى ، والبيان ، والتبيان
والموعظة ، والرحمة ، والبشير ، والنذير ، والعزيز الذي
لا يرام ، فلا يُؤتى بمثله ، ولا يستطاع إبطاله ، والحكيم ، وهو إما بمعنى
المُحْكَم ، بفتح الكاف ، أو المحكِم ، بكسرها من قولهم : حَكَمَةُ
الدابة لأنها تردها عن الجور ؛ لأنه يرد العباد إلى القصد.
والمهيمن ، وهو الشاهد ، والبلاغ ، قيل : - لأنه يكفي من غيره.
والشفاء ، والمجيد ، لشرفه على كل كلام ، والنور ، قال الله عز
وجل : (قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ (15).
وتسمَّى فاتحة الكتاب أيضاً المثاني ، فهو اسم مشترك ، وتسمى
سورة الحمد أُم الكتاِب ، وفاتحة الكتاب.
سميت أم الكتاب ؛ لأن أمم كل شيء أصله ، ولما كانت مقدمة الكتاب العزيز ، فكانت
كأنها أصله.
قيل لها أم الكتاب ، وأم القرآن ، وسفيت الفاتحة ؛ لأن القرآن العزيز افتتح بها.
ومن قال : إنها أول ما نزل ، قال : سميت فاتحة الكتاب ؛ لأن الوحي افتتح
بها.
وروى أبو هريرة ، وأبى بن كعب أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :
(1/86)
"هي أم القرآن ، وهي
السبع المثاني ، وهي فاتحة الكتاب".
وسميت السببع المثاني ؛ لأنها تُثَنى في كل ركعة ، وقيل : لأنها نزلت بمكة ، ثم
ثُنَيَت فنزلت بالمدينة ، وقيل : لأن الله عز وجل استثناها لهذه الأمة ، وذخرها
لها مما أنزله على غيرها ".
ومنع أنس ، وابن سيرين أن تسمَّى أم الكتاب ، وأم القرآن ، قالا :
لأن ذلك اسم اللوح المحفوظ ، قال الله عز وجل : (وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ
لَدَيْنَا) والحديث يردُّ ما قالا ، وقد تكون الأسماء مشتركة.
فإن قيل : فما فائدة نزولها مرة ثانية ؟
قلت : يجوز أن تكون نزلت أول مرة على حرف واحد ، ونزلت في الثانية ببقية وجوهها
نحو : "ملك ومالك" و " السراط / والصراط ، ونحو ذلك.
(1/87)
وفي القرآن العزيز السبْع
الطوَل البقرة وآل عمران والنساء والمائدة
والأنعام والأعراف ويونس ، وقيل : براءة.
وقد توهم عثمان رضي الله عنه أن الأنفال وبراءة سورة واحدة ؛ فلذلك وضعها في السبع
الطوَل ، ولم يكتب بينهما البسملة ، وكانتا تدعيان في زمن رسول الله - صلى الله
عليه وسلم - القرينتين.
والطُوَل : جمع طُولى ، والطولى تأنيث الأطول ، وعن النبي - صلى الله عليه وسلم -
:
"أعطاني ربي مكان التوراة السبع الطوَل ، ومكان الإنجيل المثاني " وهي
السور التي ثنيت فيها القصص.
وفي القرآن المئون ، وهو ما بلغ مئة آية ، أو ما قرب من ذلك.
وفي القرآن المفصَّل ، وعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
"أعطيت السبع الطوَل مكان التوراة ، وأعطيت المئين مكان الإنجيل ، وأعطيت
المثاني مكان الزبور ، وفضلت بالمفصَّل وسمِّي المفصَّل بذلك لكثرة انفصال بعضه من
(1/88)
بعض ، وسمي المفصَّل أيضاً
المُحْكَم ؛ لأنه لم ينسخ منه شيء.
وأول المفصَّل سورة الحجرات ، وقيل : سورة (ق) ، وعن ابن عباس :
المفصَّل أوله من سورة (والضحى) ؛ لأنه يفصل من تلك السورة بين كل
سورتين بالتكبير.
وعن زِر بن حُبَيْش : قرأت القرآن كله في المسجد الجامع بالكوفة
علي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضوان الله عليه ، فلما بلغت
الحواميم ، قال لي أمير المؤمنين : يا زر : قد بلغت عرائس القرآن.
وقال بعض الأئمة من السلف رضي الله عنهم : في القرآن ميادين ، وبساتين
ومقاصير ، وعرائس ، وديابيج ، ورياض.
فميادين القرآن ما افتتح بـ (الم) وبساتينه المفتتح ب (الر) ، ومقاصيره الحامدات ،
وعرائسه المسبحات.
وديابيجه آل حم ، ورياضه المفصَّل.
وقالوا : الطواسين ، والطواسيم وآل حم ، والحواميم ، وأنشد أبو عبيدة :
وبالطواسيم التي قد ثُلِّثت . . . وبالحواميم التي ق دسُبِّعت
(1/89)
وألقاب سور القرآن : البقرة ،
وآل عمران ، والنساء ، وتسمَّى سورة
العقود بالعقود والمائدة ، والأنعام ، والأعراف ، والأنفال ، وبراءة وكانوا
يسمونهما القرينتين ، وتسمَّى براءة سورة العذاب ، قال حذيفة رحمه الله :
إنكم تسفونها سورة التوبة ، وإنما هي سورة العذاب.
والله ما تركتْ أحداً إلَّا نالت منه ، وتسمَّى المقشقشة ؛ لأنها تقشقش من النفاق
أي تبرئ منه ، وتسمَّى المبعثرة ؛ لأنها بعثرت عن أسرار المنافقين. والحافرة ؛
لأنها حفرت عن أسرارهم ، والمخزية ، والفاضحة ، والمنكلة والمدمدمة ، والمشرِّدة ،
وسورة التوبة ؛ لقوله عز وجل : (لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ) إلى قصة
كعب بن مالك ، ومُرارة بن الربيع ، وهلال
بن أمية ، وسورة يونس عليه السلام ، وسورة هود عليه السلام ، وإنما
(1/90)
سُميت به دون من ذكر فيها من
الأنبياء لخفة اسمه ، ولم يقل : سورة نوح ؛
لأن السورة الأخرى تسمى سورة نوح ، ولم يقل : سورة لوط ؛ لأن قصته لم
ينفزد بها دون إبراهيم عليه السلام ، وسورة يوسف عليه السلام ، وسورة
الرعد ، وسورة إبراهيم عليه السلام ، وسورة الحجر ، وسورة النحل.
وتسمى سورة النعم ، وسورة النعيم ، وسبحان ، وتسمى سورة الإسراء.
وسورة بني إسرائيل ، وسورة الكهف ، وكهيعص ، وتسمى سورة مريم عليها
السلام ، وطه ، وتسمى سورة الكليم ، وسورة "اقترب " الأنبياء.
وتسمى سورة الأنبياء عليهم السلام ، وسورة الحج ، وقد أفلح ، وتسمى
سورة المؤمنين ، وسورة النور ، وسورة الفرقان ، وطسم ، وتسمى الشعراء ، وطس ،
وتسمى سورة النمل ، وسورة سليمان عليه السلام ، وطسم.
وتسمى سورة القصص ، و (المَ أحَسِب الناسُ)
وتسمى سورة العنكبوت ، و (ألمَ غلِبتِ الرومُ) ، وتسمى
سورة الروم ، والسورة التي بعدها تسمى سورة لقمان ، وبعدها
السجدة ، وبعدها الأحزاب ، وبعدها سورة سبأ ، وبعدها فاطر ، وتسمى
سورة الملائكة ، وبعدها يس ، وهي قلب القرآن ، وقال - صلى الله عليه وسلم - :
"وقلب القرآن يس " ، وبعدها "والصافات " وسورة (ص) وتسمى سورة
داود عليه السلام ، وسورة الزمر ، وتسمى سورة الغرف ، وسورة غافر ، وتسمى سورة
المؤمن ، وحَم السجدة ، وتسمى فصلت ، وتسمى أيضاً سورة المصابيح ، وحم عسق ، وتسمى
الشورى ، ويليها الزخرف ، ثم الدخان ، ثم الجاثية ،
(1/91)
وتسمى الشريعة ، ثم الأحقاف
ثم سورة محمد - صلى الله عليه وسلم - وتسمى سورة القتال ، ثم سورة الفتح ، ثم
الحجرات ، ثم سورة (ق) ويقال لها : سورة الباسقات ، ثم الذاريات ، ثم الطور ، ثم
النجم ، ثمً (افتربت الساعة) وتسمى سورة القمر ، ثم سورة الرحمن عز وجل ، ثم
الواقعة ، ثم
الحديد ثم المجادلة ، ثم الحشر ، ثم سورة الممتحنة ، بفتح الحاء.
والممتحَنة : سُبَيْعَة بنت الحارث ، وتسمى أيضاً سورة المودَّة ، وسورة
الامتحان ، ثم سورة الصف ، وتسمى سورة الحواريين ثم سورة الجمعة.
ثم سورة المنافقين ، ثم سورة التغابن ، ثم سورة الطلاق ، وتسمى سورة
النساء القصرى ، ثم سورة التحريم ، وتسمى أيضاً سورة النبي - صلى الله عليه وسلم -
، ثم تبارك ، وتسمى الملك ، والواقية ، والمنجية ، والمانعة ، والمنَّاعة ، ثم
سورة (ن) وتسمى سورة القلم ، ثم الحاقة ، ثم سأل سائل ، ويقال لها : سورة الواقع ،
وسورة المعارج ، ثم سورة نوح عليه السلام ، ثم (قل أوحي) ، وتسمى سورة الجن ،
وسورة الوحي ، ثم سورة المزمل ، ثم سورة المدثر ، ثم سورة (لا أقسم) وتسمى سورة
القيامة ثم (هل أتى)
وتسمى سورة الإنسان ، ثم المرسلات ، ثم (عم يتساءلون)
وتسمى سورة النبأ ، وسورة التساؤل ، ثم النازعات ، وتسمى
سورة الساهرة ، وسورة الطامة ، ثمَّ (عبس) وتسمى سورة السفرة ، ثم
(إذا الشمس كورت) ويقال لها : سورة التكوير ، وتسمى
أيضاً (كُوِّرَتْ) ثم (إِذَا السماءُ انْفَطَرَتْ) ويقال لها :
(1/92)
سورة الانفطار ، وتسمى أيضاً
(انفطرت) ، ثم المطففين ، وتسمى سورة
التطفيف ، ثم (إِذَا السمَاءُ الشَقت) ويقال لها : سورة
الانشقاق ، ويقال لها أيضاً : (انشقت) ، ثم سورة البروج ، ثم سورة
الطارق ، ثم سورة الأعلى عز وجل ، ثم سورة الغاشية ، ثم سورة
والفجر ، ثم سورة البلد ، ثم سورة والشمس ، ثم سورة (والليل " ، ثم
سورةً والضحى ، ثم سورة ألم نشرح ، ثم سورة والتين ، ، ثم
سورة اقرأ وتسمى سورة العلق ، وسورة القلم ، ثم سورة القدر ، ثم
سورة لم يكن ، وتسمى سورة البرية ، والبينة ، والقيمة ، والانفكاك ، ثم
إِذا زُلزِلَت ، وتسمى سورة الزلزلة ، والزلزال ، ويقال لها
أيضاً : زلزلت ثم (والعاديات) ثم القارعة ، ثم (أَلْهَاكُمُ)
وتسمى سورة التكاثر ، ثم والعصر ، ثم الهمزة ، ثم سورة الفيل.
ثم سورة قريش ، وهما سورتان ، وعن جعفر الصادق ، وأبي نَهِيْك أن
ذلك سورة واحدة من غير فصل ، ث أرأيت ، وتسمى
سورة الدِّين ، وسورة الماعون ، ثم سورة (إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ)
(1/93)
وتسمى سورة الكوثر ، ثم قل يا
أيها الكافرون ، ويقال لها :
الكافرون ، ويقال : سورة الكافرين ، ويقال لها أيضاً : سورة العبادة ، ثم
سورة النصر ، وتسمى سورة التوديع لما فيها من الإيماء إلى وفاة
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ثم سورة تبت ، وتسمى سورة المسد ، ثم (قُلْ
هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1)
وتسمى سورة الإخلاص ، وسورة الأساس لاشتمالها على توحيد الله
عز وجل ، وهو أساس الدين ، ثم سورة الفلق ، ثم سورة النَاس.
ويقال لهما : المعوذتان ، والمشقشقتان من قولهم : شقشق البعير إذا هدر.
وشقشق العصفور ، وخطيتب مشقشق وخطيب ذو شِقْمثمقَة ، والشقشِقَة التي
يخرجها البعير من فيه إذا هاج كالرئة ، شبَّه الخطيب بالفحل.
وهاتان سورتان من القرآن بإجماع الأمة.
ويروى عن ابن مسعود أنه كان يحكهما من المصاحف ، ويقول : لا تزيدوا في كتاب الله ما
ليس منه ، فإن كان هذا صحيحًا عنه فسببه أنه رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
. يعوذ بهما سِبْطَيْه ، فظن أنهما عوذتان.
والمسلمون كلهم على خلاف ذلك.
ومثل هذا ما حكي عن أبى أنه زاد في مصحفه سورتين : إحداهما تسمى سورة الخلع ، وهي
: اللهم إنا نستعينك ، ونستغفرك ، ونثني عليك ، ونؤمن بك
(1/94)
ولا نكفرك ، ونخلع ، ونترك من
يهجرك.
وتسمى الثانية سورة الحمد ، وهي : اللهم إياك نعبد ، ولك نصلي ، ونسجد ، وإليك
نسعى ونحفد ، نرجو رحمتك ، ونخشى عذابك ، إن عذابك بالكفار ملحق.
فهذا أيضاً مما أجمع المسلمون على خلافه.
والسورة في اللغة : الرفعة ، والاعتلاء ، قال النابغة :
ألم ترَ أن اللهَ أعطاك سُورةَ . . . يُرى كل مَلْك دونَها يَتَذَبذَبُ"
أي منزلة ، ومرتبة عالية لا ينالها ملك.
وقال عدي :
(1/95)
نَماني وأَنْماني إلى السوْر
والعُلا . . . أبٌ كان أبَّاءَ الذنِيةِ بارعا
ويقال : ساوره أي واثبه ؛ لأن كلل واحد منهما يطلب أن يعلو الآخر.
وسَوْرة الغضب من ذلك ؛ لأن الغضبان يريد أن يرتفع ، ويعلو.
قال أبو عُبَيْدة : وقد تهمز السورة.
قال : فمن همزها جعلها من أسارت ، أي أبقيت بقية ، وفضلة.
قال : كأنها قطعة من القرآن على حدة.
قلت : بل يجوز أن تكون السؤرة ، بالهمز بمعنى السورة ، بغير
همز ، وإنما همزها من همز لمجاورة الواو الضمة ، كما قيل : السؤْق في
السوْق ، فتكون السورة سميت بذلك لرفعتها ، وعلو شانها ، أو لأنها رفعة
ومرتبة لمن أنزلت عليه.
والآية في العربية : الدلالة على الشيء والعلامة ، وسميت آيات
القرآن بذلك ؛ لأنها علامات ، وشواهد ، ودلالات على صدق النبي - صلى الله عليه
وسلم - وعلى الحلال والحرام ، وسائر الأحكام.
وقالوا للراية : آية ؛ لأنها علامة
(1/96)
يستدلون بها ، وقال زهير :
أَرَانِي إذَا ما شئتُ لاقَيْتُ آيةً . . . تُذَكرُنِي بعضَ الذي كُنْتُ نَاسِيَا
أي علامة وأمارة.
وقال النابغة :
توهمتُْ آيات لها فعرفتُها . . . لِسِتةِ أعوام وَذَاْ العامُ سابعُ
وقال الله عز وجل : (قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا)
أي علامة ، ودلالة على صدق ما جاء به نبيكم - صلى الله عليه وسلم - . وقال عز وجل
: (وَرَسُولًا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ
رَبِّكُمْ)
وأما قولهم : "جاؤوا بآيتهم" ، فقال أبو عمرو : بجماعتهم ، إذا
جاؤوا ، ولم يَدَعُوا وراءهم شيثًا.
وقيل : كان الأصل في قولهم : جاؤوا
(1/97)
بآيتهم ، للراية ، ثم كثر حتى
قيل للجماعة : آية ، وإن لم تكن معهم
راية ، قال البُرْج بنُ مُسْهِر :
خَرَجْنَا مِنَ النقْبَيْنِ لا حَى مثلنا . . . بآياتِنا نُزْجِي اللقَاحَ
المَطَافِلا
وقال بعضهم : سُميتَ آيات القرآن بذلك ؛ لأنها جماعة حروف ، أو
كلمات.
وأصل آية عند سيبويه : أَوَية ، تحركت الواو وانفتح ما قبلها
فقلبت ألفاً ، وجعل سيبويه موضع العين واواً دون الياء ، قال : لأن ما كان
موضع العين منه واو ، واللام ياء أكثر مما موضع العين منه واللام ياء ، لأن
مثل شويت أكثر من حييت.
والنسب إليها أوَوِي.
وقال الفرَاء :
آية : فاعلة ، والأصل أَيَيَة ، ولكنها خففت ، فذهبت منها اللام ، وجمع آية :
آي وآيات وآياي على أفعال ، وأنشد أبو زيد :
(1/98)
لم يُبْقِ هذا الدهْرُ من
آيائِهِ . . . غيرَ أثافيهِ وأَوْتدائِهِ
وآية الرجل : شخصه ، يقال منه : تائيته ، وتآييْته مثل تفعلته وتفاعلته
إذا قصدت آيته.
وقالت امرأة لابنتها :
الحِصْنُ أَدْنى لو تَأئيْتِهِ . . . من احَثْيِكِ التُّرْبَ على الراكبِ -
ويروى : لو تآييته بالمد.
وقوارع القرآن : الآيات التي يُتَعَوذُ بها ، ويُتَحَصنُ ، وسمَيت بذلك ؛
لأنها تقمع الشيطان ، وتقرعه ، وتصرف كل مخوف ، وتدفعه ، كآية
الكرسى ، والمعوذتين ، ويس ، و (تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ) ونحوها .
(1/99)
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ
الرَّحِيمِ
الإفصاح الموجز في إيْضاح اِلمعجز
لاريب في عجز البلغاء ، وقصور الفصحاء عن معارضة القرآن
العظيم ، وعن الإتيان بسورة من مثله في حديث الزمان والقديم ، وذلك
ظاهر مكشوف ومتيقن معروف لا سيما القوم الذين تحداهم
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فإنهم كانوا ذوي حرص على تكذيبه ، والرد عليه
، وحالهم معه معروفه في معاداته ، ومعاندته ، وإظهار بغضه ، وأذاه ، وقذفه بالجنون
والشعر ، والسحر. فكيف يترك من هذه حاله معارضته ، وهو قادر عليها ، ومماثلته ،
وهو وأصل إلبها ، هذا وهو ينادي عليهم بقوله : (قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ
وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ
بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا (88)
مع ما فيه من سبهم ، وسب آبائهم ، ووصفهم بالجهل ، والعجز ، وإيعادهم بالعذاب ،
والنكال ، وسوء المنقلب ، ورميهم بالكذب ، والافتراء وتقبيح ألافعال ، وتهجين ما
هم عليه من الأحكام الفاسدة ، وإطالة القول في ذلك ، وفي شرح أحوالهم ، واستقباح
أعمالهم فيما أعد لهم من الهوان ، والنكال في الدنيا والضآل.
أليس هذا وشبهه مما يحملهم على المعارضة لو كانوا قادرين عليها.
ومما يجذبهم إلى المناظرة لو وجدوا سبيلاً إليها ، وحالهم في الجدال
معلومة ، وأمورهم في تفاخرهم ، وطلبهم الترفع مفهومة ، وقد كانوا
(1/101)
يجعلون أموالهم دون أعراضهم ،
ويهون عليهم كل مستصعب في بلوغ
أغراضهم ، فإذا هجاهم شاعر جدُّوا في معارضته ، وإجابته ، واستعانوا على
ذلك بمن يحسنه ، ويظهر عليه في مقاولته ، ومحاورته ، فلا ريب إذن في
أنهم راموا ذلك فما أطاقوه ، وحاولوه فما استطاعوه ، وأنهم رأوا نَظْماً عجيباً
خارجاً عن أساليب كلامهم ، ورصفاً بديعاً مبايناً لقوانين بلاغتهم ونظامهم ،
فأيقنوا بالقصور عن معارضته ، واستشعروا العجز عن مقابلته ، وهذا هو الوجه في
إعجاز القرآن ، كما قال بعضهم : القرآن لا يدركه عقل ، ولا يقصر عنه فهم.
وأما ما تضمنه القرآن العزيز من الإخبار عن المغيّب
فليس ذلك مما تحداهم به ، ولكنه دليل على صدق الرسول - صلى الله عليه وسلم - وأنه
كلام علام الغيوب وكذلك أيضاً دلالة حال الرسول - صلى الله عليه وسلم - في كونه
أمياً لا معرفة له.
ولا يحسن أن يقرأ ، ولا وقف على شيء من أخبار الأمم الساللَّه حتى إنه لا
يقول الشعر ، ولا ينظر في الكتب ، ثم إنه قد أتى بأخبار القرون الماضية.
والأمم الخالية ، وبما كان من أول خلق الأرض ، والسماء إلى انقضاء
الدنيا ، وهم يعلمون ذلك من حاله ، ولا يشكون فيه ، فهذه الحال دليل
قاطع بصدقه - صلى الله عليه وسلم -.
ولكن إعجاز القرآن من قِبَلِ أنه خارج في بديع نظمه.
وغرابة أساليبه عن معهود كلام البشر ، مختص بنمط غريب لا يشبه شيئاً من
القول فيِ الرصف والترتيب ، لا هو من قبيل الشعر ، ولا من ضروب
الخطب والسجع يعلم من قائله أنه خارج عن المألوف مباين للمعروف.
فتناسب في البلاغة ، متشابه في البراعة ، بريء من التكلف ، منزه عن
التصنع والتعسف. وكلام البشر ، وإن كان من فصيح بليغ ، يظهر فيه.
إذا طال ، تفاوت ، واختلاف ، وإخلال.
والقرآن العزيز على ذوق واحد إن بشر ، أو أنذر ، أو وعظ وحذر ، أو قصَّ وأخبر ، أو
نهى أو أمر.
وليس ذلك لرؤساء الكلام ، وفحول النظام ، فقد يجيد بعضهم المدح ، ويقصر في ضده ،
وفي وصف الخيل ، وسير الليل ، دون وصف الحرب والجود والمطر والسيل.
والقرآن العزيز كله وإن أطَال في هذه المعاني التي
(1/102)
ذكرتها ، أو أوجزَ على
قَرِيٍّ واحد لا تعثر فيه على اختلاف ، ولا أنت
لتقصير بواجد.
فلا يشك في صحة نزوله من عند الله عز وجل ذو بصيرة.
ولا قدرة لأحد من البشر على أن يأتي بمثله في إحكام معانيه ، وانتظام
ألفاظه ، وبديع منهاجه.
ولقد عجزت العرب مع قدرتها على التصرف في
الكلام والفصاحة ، وفروع البلاغة عن معارضة سوره ، ومن السور ما
يقل عدده ، وقد أعلمهم أنهم لا يقدرون على ذلك ، فنطق لسان الحال
بعجزهم ، ووقوع إياسهم من الوصول إلى شيء منه ، وانحرفوا إلى القتال.
وبذل الأموال في المعاندة.
فالقرآن إذًا لهذا السبب أعظم آياته - صلى الله عليه وسلم - ، وأوضح الأدلة على
صحة نبوته ؛ ولهذا قال الله عز وجل : (لاَ رَيْبَ فيْهِ)
أي لا يرتاب فيه ذو لب.
فإن قيل : ما معنى قولكم : النظم الغريب ، والرصف العجيب ؟
وهل ثم زائد على تعليق الكلام بعضه ببعض ؟
وذلك الاسم بالاسم ، والفعل بالاسم ، والحرف بهما ؟.
وهذا موجود في كلام العرب.
فبأي شيء باين القرآن كلام العرب ؟
قيل : ما كل ما يحيط به العلم تؤديه الصفة ، ولكن ألست تفضل كلام البلغاء ،
والخطباء على غيره ؟
وترى أيضاً فلانًا أبلغ من فلان ، وأخطب ، وأشعر ، وأفصح ؟
فبأي شيء حصلت هذه التفرقة ؟
فكذلك عرفت العرب ، ومن يعلم البلاغة من غيرهم مباينة القرآن
العزيز سائر الكلام ، وذلك بصحة الذوق ، وسلامة الطبع ، ولطف الحس
حتى إن منهم من يعرف شعر الشاعر وإن دلس بغيره ، ويفصله مما دلس
(1/103)
به ، ويقول : هذا كلام فلان.
ولقد رفع إلى الخليفة شعر صالح بن عبد القدوس في شيء من الكفر ، فلما مثل بين يديه
أنكر أن يكون ذلك من قوله ، فأنشده غير ذلك مما اعترف به ، فقال : هذا من نسبة ذاك
، فقتله.
فانظر كيف عرف شعره ، وأسلوبه ، واتحاد طريقه حتى قضى بأنه كله
شيء واحد ، وإن لم يكن في الثاني شيء مما في الأول.
وقد يكون كلام البشر فصيحًا مليحاً موصوفًا بالجودة ، وإنه مطابق
للمعنى ، سليم من التعمق ، والتعسف ، والتكلف ، بريء من النقصان
والزيادة ، حسن المجاورة ، تتبع الكلمة الكلمة التي تناسبها ، وتكون بها
أولى من غيرها ، خفيف على السمع ، حلو في النطق ، جارٍ على المعتاد
من كلام الفصحاء ، والبلغاء ، ومع ذلك فلا يقارب القرآن في شيء من
ذلك ، ولا يدانيه.
(1/104)
فإن قيل : فأي فائدة في تكرير
القصص فيه ، والأنباء ؟
قيل : لذلك فوائد :
منها : أن يقول المعاند ، والجاحد : كيف أعارض مثلاً قصة موسى.
وقد سردتها ، وأوردتها على أفصح القول ، وأحسنه ، وسبقت إلى ذلك.
فلم يبق لي طريق إلى المعارضة ؟
فيقال له : ها هى قد جاءت في القرآن العزيز على أنحاء ومبانٍ فائت بها أنت ، ولو
على بناء واحد.
ومنها : أنهم لَمَّا عجزوا عن الإتيان بسورة مثله أتاهم بسور مماثلة في
المعنى ، والنظم ، والقصة ؛ وذلك أنْكى لقلوبهم.
ومنها : أن كل واحد لا يقدر على كل سورة ، فجاءت هذه السور فيها
هذه القصص على قدر قوى البشر ، فمن أطاق هذه حفظها ، ومن لم يطق
حفظ الأخرى لينال الضعيف نحو ما نال القوي.
ومنها : أن إعادة هذه القصص المتحدة على الأنحاء المختلفة مع
التماثل في حسن النظم أبلغ في الفصاحة ، وأعظم في المعجزة.
فكانت تلك المعاني كعرائس تجَلَّى في ملابس مختلفة رائقة إذا رأيت الواحدة
قلت : هذه ، فإذا رأيت الأخرى قلت : بل هذه ، فإذا جاءت الأخرى
قلت : لا بل هذه ، حتى لا تُفَضل واحدة على أخرى.
ولا يقدر بليغ ، ولا ناقد في الفصاحة على ذلك أبداً.
فإن قيل : فهل في إقامته البراهين ، وإيراد الدلائل على الوحدانية
بذكر السموات والأرض ، وتصريف الرياح والسحاب ، وبأنه لو كان فيهما
إله آخر لفسدتا.
وعلى البعث بإنزال الماء ، وإحياء الأرض بعد موتها.
وبالنشأة الأولى إلى غير ذلك إعجاز ؟
قلت : الإعجاز من جهة إيراد هذه
(1/105)
الحجج في الأساليب العجيبة ،
والبلاغة الفائقة ، فهو راجع إلى ما قدمناه
من نظم القرآن ، وإعجازه.
وأمَّا كونها براهين قاطعة فهو دليل على صدق النبي - صلى الله عليه وسلم - ؛ لأنه
لم يكن من أهل هذا ، ولا قومه ، ولا يعرف شيئاً
منه ، فلا اكتراث بعد ذلك بما أظهره حاسد ، أو معاند ، أو جاهل من شك.
أو ارتياب يظهر لضعيف يُكَفِّرُهُ.
ومن آيات الله عز وجل ، وتمام حكمته أن تعاطى مسيلمة الكذاب
(1/106)
معارضته ، فأتى بما جعله
ضُحْكَة للعالمين ليظهر بذلك مضمون خبره
الصادق بأن المعارضة ممتنعة ، وأن المماثلة مندفعة.
ولقد حكي عن عمرو بن العاص . رحمه الله أنه مرَّ باليمامة.
فاتى مسيلمة الكذاب ليختبر ما عنده ، فقال له مسيلمة : ما الذي نزل على
صاحبكم في هذه الأيام ؟
فقال عمرو : نزل عليه : (وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2)
إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ
وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3)
فقال مسيلمة : قد نزل على نحو من هذا.
فقال له عمرو : وما ذلك ؟
فقال : يا وبر يا وبر أذنان وصدر وسائرك حقر نقر
كيف ترى يا عمرو ؟
فقال له عمرو : إنك لتعلم أني أعلم أنك تكذب.
فقد خرج مسيلمة بهذا الكلام عن كلام العقلاء ، ودخل في
(1/107)
تخليط المجانين.
فأما من قال في قوله - عزَّ وجلَّ - :
"فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ)
إن الهاء تعود إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - أي من مثل محمد - صلى الله عليه
وسلم - في أمْيته لا يعرف هو ، ولا قومه ما في القرآن من الأنباء ، واستشهد على
صحة ما ذهب إليه بقوله عزَّ وجلَّ : (تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا
إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلَا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا)
فكلام من ركب الخطر ، ولم ينعم النظر ؛ لأن كلامه يقتضي أن بعض الناس يقدر على
الإتيان بمثله ، وهم العلماء بالسير ، والممارسون للكتب ، وهذا يبطله قوله عزَّ
وجلَّ : (قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا
بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ
لِبَعْضٍ ظَهِيرًا (88).
والقرآن كلامُ رب العالمين غير مخلوق عند أهل الحق ، وعلى ذلك أئمة
المسلمين كسفيان الثوري ، ومالك بن أنس ، والشافعى ، وأحمد بن
حنبل ، وعامة الفقهاء ، والعلماء.
وقال جميع المعتزلة : إن كلام الله تعالى مثل كلام المخلوقين وإن البشر يقدرون على
الإتيان بمثله ، وبما هو أفصح منه ، وإنما منعوا من ذلك في بعض الأوقات.
والدليل على
(1/108)
أن القرآن - غير مخلوق قول
الله عز وجل : (إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ
كُنْ فَيَكُونُ (40).
فلو كان القرآن مخلوقًا لكان مخلوقاً بقول آخر ، وأدى ذلك إلى أن لا يوجد منه
سبحانه فعل أبداً ؛ إذ لا بد أن يوجد قبل ذلك الفعل أفعال هي أقوال ليس لها غاية ،
وذلك محال ، ثم إن المخلوقات قسمان : جِسْمٌ وعَرَض.
فلو كان القرآن مخلوقاً كان إما جسماً ، وإا عَرضاً.
والجسم يقوم بنفسه ، فلو كان القرآن جسمًا لكان
قائمًا بنفسه ، ويلزم من ذلك وجود كلام غير قائم بمتكلم ، ولا يصح أيضاً
أن يكون عرضًا مخلوقًا لأنه لو كان كذلك لم يخل أن يقوم بنفس - البارئ
عزَّ وجلَّ ، أو بغيره ، أو لا في محل.
والله تعالى - عز وجل - ليس بمحل
للحوادث ، فاستحال أن يخلقه في نفسه ، وكذلك لا يصح أن يخلقه في
غيره ؛ لأنه كان يكون كلاماً للذي خلق فيه وصفة له كالعلم ، والإرادة
المخلوقين في الأجسام ، ألا ترى أنهما صفتان لمن قامتا به دون الخالق
لهما ، وكذلك أيضاً يستحيل أن يخلقه لا في شيء ، كما استحال فعل
حركة ولون لا في شيء ، وأيضاً ، فإنه لو كان عرضًا لوجب أن يفنى في
الثاني من حال حدوثه ، ويلزم من ذلك أن يكون البارئ عز وجل في وقتنا
هذا لا آمراً بشيء ، ولا ناهياً عنه ، ولا مخبراً بشيء ، وذلك خلاف ما عليه
الأمة.
وقال شيخ من رؤساء المعتزلة ، يقال له : مَعْمَر : إن الله تعالى
ليس له كلام ، وإن موسى إنما سمع كلام الشجرة ، وإن الله تعالى عز قوله
لم يأمر قط ، ولم ينه عن شيء ، ولا تكلم ألبتة.
نسال الله العفو والعافية مما صارت إليه هذه الفرقة وغيرها من فرق الضلال.
(1/109)
منازلُ الإِجلال والتَّعْظِيم
في فَضائل القرآن العظيم
روي عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "يقول
الرب عز وجل : من شغله القرآن ، وذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين ،
وفضل كلام الله على سائر الكلام كفضل الله على
خلقه ".
وعن أبي أمامة : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول :
"من قرأ ثلث القرآن فقد أوتي ثلث النبوة ، ومن قرأ ثلثي القرآن فقد أوتي ثلثي
النبوة ، ومن قرأ القرآن كله فقد أوتي النبوة كلها".
وقال مالك بن عُبادة الغافقى : عهد إلينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حجة
الوداع فقال :
"عليكمٍ بالقرآن ، فإنكم سترجعون إلى قوم يشتهون الحديث عني ، فمن عقل شيئا
فليحدث به ، ومن قال عليَّ ما لم أقل فليتبوأ بيتاً ، أو قال مقعداً من
جهنم"
قال : لا أدري أيهما قال.
(1/110)
وقال رجل لأبي الدرداء : إن
إخواناً لك من أهل الكوفة يقرئونك
السلام ، ويأمرونك أن توصيهم ، فقال : أقرئهم السلام ، واؤمرهم أن يربطوا القرآن
بخزائمهم ، فإنه يحملهم على القصد والسهولة ، ويجنبهم
الجَوْر والحُزُوْنة".
وقال خئاب بن الأرت : - تقرب إلى الله ما استطعت ، واعلم أنك
لست تتقرب إليه بشيء هو أحب إليه من كلامه.
وعن أنس بن مالك قال : - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
"القرآن شافع مُشَفعٌ ، وماحِل مُصدقٌ ، من شَفع له القرآنُ يومَ القيامة نجا
، ومَنْ مَحِلَ به القرآنُ
(1/111)
يوم القيامة كَبَّهُ اللهُ في
النار على وجهه ".
وعن أبي تقلابة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
"من شهد خاتمة القرآن كان كمن شهد المغانم حين
تقسم ، ومن شهد فاتحة القرآن كان كمن شهد فتحاً في سبيل الله".
* * *
ذكر فاتحة الكتاب
حدثنا أبو المظفر عبد الخالق بن فيروز الجوهري رحمه الله ، ثنا
أبو الفضل محمد بن ناصر ، ثنا أبو طاهر محمد بن أحمد بن أبي الصقر
(1/112)
الأنباري ، ثنا أبو علي
الحسين بن ميمون بن محمد بن عبد الغفار.
ثنا أبو الحسن محمد بن عبد الله بن زكرياء بن حيويه ، ثنا الإمام أبو
عبد الرحمن أحمد بن شعيب بن علي النسائى ، أنا محمد بن
منصور ، عن سفيان ، عن الزهري ، عن محمود بن الربيع.
عن
(1/113)
عبادة بن الصامت عن النبي -
صلى الله عليه وسلم - قال :
"لا صلاة لمن لا يقرأ بفاتحة الكتاب".
وبالإسناد عن النسائي ، أنا محمد بن بشار ، نا يحيى بن سعيد.
ومحمد بن جعفر ، قالا : نا شعبة عن خُبَيْب بن عبد الرحمن عن
حفص بن عاصم ، عن أبي سعيد بن المُعَلَّى ، قال : "مرَّ بي
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وأنا أصلي ، فدعاني ، فلم آتِهِ حتى صليت ، ثم
أتيته ، فقال لي : ما منعك أن تأتيني ؟
قلت : كنت أصلي ، قال : ألم يقل الله : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ)
قال : ألا أعلمك أعظم سورة في القرآن قبل أن أخرج من المسجد ؟
فذهب
(1/114)
ليَخرج ، فذكرته ، فقال :
(الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)
هي السبْع المَثانِي والقرآنُ العظيمُ الذي أوْتيْتُهُ".
وأَظُن ، والله أعلم ، أن أبا سعيد بن المُعَلى ترك قراءة الفاتحة في
صلاته ؟ فلذلك دعاه النبي - صلى الله عليه وسلم - ؛ لأن صلاته باطلة ، فأعلمه مكان
الفاتحة وشأنها.
وبالإسناد قال : أنا عمرو بن منصور حدثنا الحسن بن الربيع ، ثنا أبو
الأحوص عن عمار بن زُرَيق عن عبد الله بن عيسى عن سعيد بن جُبَيْر عن
ابن عباس قال : بينا جبريل قاعد عند النبي - صلى الله عليه وسلم - إذ سمع نقيضاً
من فوقه ، فرفع رأسه ، فقال : هذا باب من السماء قدْ فتح اليوم ، لم يُفْتَح قط ،
فنزل منه ملك ، فقال : هذا ملك نزل إلى الأرض لم ينزل قط إلا اليوم ، فسلم ، فقال
: "أبْشرْ بِنُوْرَيْن اثنين أُوْتيْتَهما ، لم يؤتَهُما نبي قبلك : فاتحة
الكتاب ، وخواتيم سورة البقرة".
وحدثني الغَزْنوي رحمه الله ، بالسند المتقدم إلى الترمذي ، ناقتيبة.
نا عبد العزيز بن محمد ، عن العلاء بن عبد الرحمن ، عن أبيه ، عن أبي
هريرة : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خرج على أبى بن كعب ، فقال
(1/115)
رسول الله - صلى الله عليه
وسلم - :
"يا أُبي ، وهو يصلى ، فالتفت أبي ، فلم يجبه. وصلى أبي فخفف ، ثم انصرف إلى
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : السلام عليك يا رسول الله ، فقال رسول
الله - صلى الله عليه وسلم - : "وعليك السلام ، ما منعك يا أُبي أن تجيبني إذ
دعوتك"
فقال : يا رسول الله : إني كنت في الصلاة ، قال : فلم تجد فيما أوحي إليَّ أن
(اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ) " ؟
قال : بلى ، ولا أعود إن شاء الله.
قال : تحب أن أعَلمك سورة لم ينزل في التْوراة ، ولا في الإنجيل ، ولا
في الزبور ، ولا في الفُرقان مثلها ؟.
قال : نعم يا رسول الله ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
"كيف تقرأ في الصلاة ؟ "
قال : فقرأ أم القرآن ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
"والذي نفسي بيده ما أنزل في التوراة ، ولا في الإنجيل ، ولا في
الزبور ، ولا في الفرقان مثلها ، وإنها سبع من المثاني ، والقرآن العظيم
الذي أعطيته ".
قال أبو عيسى : هذا حديث حسن صحيح.
وفي الباب عن أنس بن مالك ، وعن الترمذي بالإسناد المتقدم.
وكلما أذكره عنه فهو بالسند الذي ذكرته عن الغزنوي رحمه الله ، نا هناد ، نا أبو
معاوية ، عن الأعمش ، عن جعفر بن إياس ، عن أبي نضرة ، عن أي
سعيد ، قال : بعثنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سَرية ، فنزلنا بقوم ،
فسألناهم القرَى ،
(1/116)
فلمْ يُقْرونا ، فلُدع سَيدهم
، فأتوا ، فقالوا :
هل فيكم من يرقي من العقرب ؟
قلت : نعم ، ولكن لا رقيه حتى تعطونا غَنَماً ، قالوا : فإنا نعطيكنم ثلاثين
شاة ، فقبلنا ، فقرأت عليه "الحمد" سبع مرات ، فبرأ ، فقبضنا الغنم.
قال : فعرض في أنفسنا منها شيء ، فقلنا :
لا تَعْجلوا حتى تأتوا رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - ، فلما قدمنا عليه ذكرت
له الذي صنعت ، قال : وما علمت أنها رقية ؟
اقبضوا الغنم ، واضربوا لي معكم بسهم ".
قال : هذا حديث حسن صحيح.
قال الئرمذي : ورخص الشافعي رحمه الله للمعلم أن يأخذ على
تعليم القرآن أجرا ، ويرى له أن يشترط على ذلك ، واحتج بهذا
الحديث.
* * *
سورة البقرة :
الترمذي عن أي هُرَيرة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
"لا تجعلوا بيوتكم مقابر ، وإن البيت الذي تُقرَأ فيه البقرة لا يدخله شيطان
". هذا حديث حسن صحيح.
وبإسناده عن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لكل
شىء سَنام ، وإن سنام القرآن سورة البقرة".
(1/117)
وبإسناده عن أبي هريرة قال :
بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بَعْثاً ، فاستقرأ كل رجل منهم - يعني ما
معه من القرآن - فأتى على رجل من أحدثهم سناً ، فقال : ما معك يا فلان ؟
قال : معي كذا وكذا ، وسورة البقرة ، قال : أمعك سورة البقرة ؟
قال : نعم ، قال : إذهب ، فأنت أميرهم ، فقال رجل من أشرافهم : والله ما منعني أن
أتعلم البقرة إلا خشية ألَّا أقوم بها ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
"تعلموا القرآن ، واقرؤوه ، فإن مثل القرآن لمن تعلمه ، وقام به كمثل جراب
مملوء مسكاً يفوح ريحه في كل مكان ، ومثل من تعلمه ، فيرقد وهو في جوفه كمثل من
أَوْكى على مسك.
وروى أبو عبيد القاسم ، رحمه الله ، عن ابن أبي مريم ، عن ابن
لهيعة ، عن يزيد بن أبي حبيب ، عن سنان ، عن أنس بن مالك قال : قال
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
"إن الشيطان يخرج من البيت إذا سَمِع سورةَ البقرة تُقرأُ فيه ".
وروي عن أبي أمامة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :
"اقرؤوا البقرة ، فإن أَخْذَها بَرَكَة ، وتَرْكَها حَسْرة ، وزاد غيره ، ولا
تستطيعها البَطَلَة" .
(1/118)
ما جاء في آية الكرسي :
في الحديث : "أَعْظمُ سورةٍ في القرآن البقرةُ ، وأعظمُ آيِها آيةُ
الكُرْسِى".
وفيه : "آية - الكرسي خمسونَ كلمةً ، في كل كلمة خمسونَ
بركة ".
ورُوي أن جبريل عليه السلام قال للنبي - صلى الله عليه وسلم - :
"إن عِفْريتاً من الجِن يَكِيْدُكَ ، فإذا أَويتَ إلى فِراشك فاقرأ آيةَ
الكرسى.
وعن عليٍّ عليه السلامٍ : ما أرى أن رجلًا ولد في الإسلام ، أو
أدرك عقله الإسلام يبيت أبدا حتى يقرأ الآية : (اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ
الْحَيُّ الْقَيُّومُ).
ولو تعلمون ما هي ؟ إئما أُعْطِيها نَبِيكُم من كنْز تحتَ العَرْشِ ، ولم
يُعْطَها أحدٌ من قبل نبيكم ، وما أتت ليلةٌ قطْ حتى أقرأَها ثلاثَ مَراتٍ.
أَقَرْؤها في الركعتينِ بعد العشاءِ الآخرة ، وفي وِتْرِي ، وحين آخذُ مَضْجَعي
من فراشي.
(1/119)
وحدثني أبو المظفر عبد الخالق
بن فيروز الجوهري ، رحمه الله.
عن النسائي بالسند المتقدم ، وكل ما أذكره عن النسائي فهو بهذا الإسناد.
قال النسائي : أنا أحمد بن محمد بن عبيد الله ، نا شعيب بن حرب.
نا إِسماعيل بن مسلم ، عن أبي المُتَوَكل ، عن أبي هريرة أنه كان على
تمر الصدقة ، فوجد أثر كف ؛ كأنه قد أخذ منه ، فذكر ذلك للنبي - صلى الله عليه
وسلم - ، فقال : (أتريد أن تأخذه ؟ قل : سبحان من سخرك لمحمد - صلى الله عليه وسلم
- ، فقال أبو هريرة : فقلت ، فإذا جِني قائم بين يدي ، فأخذته لأذهب به إلى النبي
- صلى الله عليه وسلم -.
فقال : إنما أخذته لأهل بيت فُقَراء من الجن ، ولن أعود ، قال : فعاد.
فذكرت ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
فقال : أتريد أن تأخذه ؟ فقلت ، نعم.
فقال : "قل : سبحان من سَخرك لمحمد - صلى الله عليه وسلم - فقلت ، فإذا أنا
به ، فأردت أن أذهب به إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فعاهدني ألا يعود ،
فتركته ، ثم عاد ، فذكرت
(1/120)
ذلك للنبي - صلى الله عليه
وسلم - فقال : "تريد أن تأخذه ؟ "
فقلت : نعم ، قال : "قل سبحان من سخرك لمحمد" ، قال : فقلت ، فإذا أنا
به ، فقلت عاهدتني ، وكذبت ، وعدت ، لأذهبن بك إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم
-.
فقال : خَل عني أُعَلمْكَ كلماتٍ إذا قلتهن لا يقربك ذكر ، ولا أنثى
من الجِن.
قلت : وما هؤلاء الكلمات ؟
قال : آية الكرسي اِقْرَأها عند كل صباح ومساء.
قال أبو هريرة : فخليت عنه ، فذكرت ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم - ، فقال لي :
أوما علمت أنه كذلك ؟!.
وحدثني شيخي أبو الفضل محمد بن يوسف الغزنوي ، رحمه الله.
بالسند الذي تقدم ذكره ، إلى أي عيسى الترمذي ، نا محمد بن بشار.
قال : نا أبو أحمد ، نا سميان ، عن ابن أي ليلى ، عن أخيه عبد الرحمن بن
أبي ليلى ، عن أي أيوب الأنصاري أنه كانت له سَهْوة ، فيها تمر.
فكانت تجيءُ الغول ، فتأخذ منه ، فشكا ذلك إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ،
فقال :
"اذهب فإذا رأيتها فقل : بسم الله ، أجيبي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
" ، فَأتت ، فأخذها ، فحلفت ألَّا تعود ، فأرسلها ، فجاء إلى رسول الله - صلى
الله عليه وسلم - ، فقال :
"ما فعل أسيرك " ؟.
قال : حلفت ألَا تعود ، قال "كذبت وهي معاودة للكذب ".
قال : فأخذها مرة أخرى ، فحلفت ألَّا تعود ، فأرسلها ، فجاء إلى
النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فقال : "ما فعل أسيرك " ؟
قال : حلفت ألَّا تعود ، قال : "كذبت وهي معاودة للكذب " ، فأخذها ،
فقال : ما أنا بتاركك حتَى أذهب بك إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فقالت :
إني ذاكرة لك شيئاً : آية الكرسي ، اقرأْها
(1/121)
في بيتك ، فلا يقربك شيطان ،
ولا غيره ، فجاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فقال :
"ما فعل أسيرك البارحة" ؟.
قال : فأخبره بما قالت ، قال : "صدقتْ ، وهي كذوب ".
هذا حديث حسن غريب.
* * *
الآيتان في آخر سورة البقرة :
أبو المظفر بإسناده عن النسائي ، أنا عبد الله بن محمد بن إسحاق.
عن جرير ، عن منصور ، عن إبراهيم ، عن عبد الرحمن بن يزيد ، عن أبي
مسعود قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
"من قرأ الآيتين من آخر سورة البقرة في ليلة كفتاه".
وحدثني الغزنوي ، رحمه الله ، بإسناده عن الترمذي ، نا أحمد بن
منيع ، قال : نا جرير بن عبد الحميد ، عن منصور بن المعتمر ، عن إبراهيم
بن يزيد ، عن عبد الرحمن بن يزيد ، عن أبي مسعود الأنصاري مثله ، قال :
هذا حديث حسن صحيح.
النسائى حدثنا عمرو بن منصور ، نا آدم بن أبي إياس العسقلانى.
أنا أبو عُوانة ، نا أبو مالك الأشجعى ، عن رِبْعى بن خِراش ، عن حذَيفة
(1/122)
قال : قال رسول الله - صلى
الله عليه وسلم - :
"فُضلْنا على الناس بثلاث : جعلت الأرض كلها
لنا مسجداً ، وجعلت تربتها لنا طهوراً ، وجعلت صفوفنا كصفوف الملائكة.
وأوتيت هؤلاء الكلمات : آخر سورة البقرة من كنز تحت العرش ، لم يعط
منه أحد قبلي ولا يُعْطَى منه أحد بعدي ".
* * *
سورة آل عمران :
الترمذي حدثنا محمد بن إسماعيل نا هشام بن
إسماعيل أبو عبد الملك العطار ، قال : نا محمد بن شُعَيْب ، قال : نا
إبراهيم بن سليمان ، عن الوليد بن عبد الرحمن أنه حدثهم عن جُبَيْر بن
نُفيْر ، عن نواس بن سمعان عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :
"يأتي القرآنُ ، وأهلُه الذين يعملون به في الدنيا تقدمهم سورة البقرة ، وآل
عمران "
قال نواس : وضرب لهما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثلاثة أمثال ، ما نسيتهن
بعد ، قال :
"يأتيان كأنهما غيايتان ، وبينهما شَرْقٌ ، أو كأنهما غمامتان سوداوان ، أو
كأنهما
(1/123)
ظُلتانْ من طير صَواف تجادلان
عن صاحبهما ، وفي الباب عن بُريدة ، وأبي
أمامة : هذا حديث حسن غريب.
أبو عبيد حدثنا حجاج ، عن حماد بن سلَمة ، عن عبد الملك بن
عُميْر قال : قال حماد : أحسبه من أبي منيب ، عن عمه أن رجلًا قرأ البقرة
وآل عمران ، فلما قضى صلاته ، قال له كعب : قرأت البقرة ، وآل عمران ؟
قال : نعم ، قال : فوالذي نفسي بيده إن فيهما اسم الله الذي
إذا دُعي به استجاب ، قال : فأخبرني به ، قال : لا والله لا أخبرك به ، ولو
أخرتك لأوشك أن تدعو بدعوة أهلك فيها أنا وأنت.
وروى أبو عبيد ، عن ابن مسعود ، رحمه الله :
"من قرأ آل عمران فهو غني"
وروي أيضاً عن الشعبي ، عن عبد الله قال : بغنم كنْزُ الصعلوك سورة
آل عمران يقوم به الرجل من آخر الليل".
* * *
سورة النساء :
أبو عبيد ، عن عمر ، رضي الله منه ، قال :
"من قرأ البقرة ، وآل عمران ، والنساء في ليلة كتب من القانتين ".
(1/124)
وروي أيضاً عن حارِثة بن مضرب
قال : كتب إلينا عمر ، رضي الله
عنه ، أنْ تعلموا سورة النساء ، والنور والأحزاب.
* * *
سورة المائدة :
أبو عبيد ، عن محمد بن كعب القرظي قال : نزلت سورة المائدة
على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حجة الوداع فيما بين مكة والمدينة ، وهو
على ناقته ، فانصدع كتفها ، فنزل عنها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ".
وروي أيضاً عن ضمْرَة بن حَبيب ، وعطية بن قيس قالا : قال
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
"المائدة من آخر القرآن تنزيلًا ، فأحِلوا حلالها وحرموا حرامها ".
وعن أبي ميسرة : في المائدة إحدى عشرة فريضة ، وعنه أيضاً :
ثماثي عشرة فريضة ، وليس فيها منسوخ.
* * *
سورة الأنعام :
أبو عبيد ، عن عمر بن الخطاب ، رضي الله عنه ، قال : الأنعام من
نواجب القرآن .
(1/125)
قال أبو عبيد : نا حجاج ، عن
حماد بن سَلَمة عن علي بن زَيْد بن
جُدْعان ، عن يوسُف بن مِهْران عن ابن عباس ، رحمة الله عليه ، قال :
نزلت سورة الأنعام بمكة ليلًا جُمْلةً ، ونزل معها سبعون ألف ملك
يجارون حولها بالتسبيح.
* * *
فضل سورة الأعراف :
هي من السبْع الطوَل باتفاق.
وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
"أعطيت السبْع الطُّوَل مكان التوْراة ، وأعطيت المِئِين مكان الإنجيل ،
وأعطيت المثاني مكان الزبور ، وفُضلْت بالمُفَصَّل".
وروي عن ابن عباس أنه قال : السبْع المثاني : البقرة ، وآل عمران.
والنساء ، والمائدة ، والأنعام ، والأعراف ، ويونس ، وكذلك قال سعيد بن
جُبَيْر ومُجاهد.
وعن عائشة رضي الله عنها : من أخذ السبْع فهو حَبْر .
(1/126)
وقال يحيى بن الحارث الذماري
: وإن يونُس تسمَى السابعة.
وليس يعد الأنفال ، ولا براءة من السبْع الطوَل.
وسأل سعيد بن جبير ابن عباس ، رحمه الله ، عن سورة الأنفال
فقال : نزلت في بدر.
* * *
براءة ، والنور :
أبو عبيد بسنده عن أبي عطية ، قال : كتب إلينا عمر بن الخطاب.
رضوان الله عليه ، ورحمته : تعلموا سورة التوبة ، وعلموا نساءكم سورة
النور.
* * *
هود :
أبو عبيد بإسناده ، عن ابن شهاب قال : قالوا يا رسول الله إنا نرى
في رأسك شيباً ؟!! قال :
"كيف لا أشيب ، وأنا أقرأ سورة هود ، و (إذا الشمس كورت) ؟.
وروى سعيد بن أبي وقَاص عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال :
"شيبتني هود ، والواقعة ، والمرسلات ، وعم يتساءلون ، وإذا الشمس كورت"
وفيها من
(1/127)
الفصاحة والبلاغة ما حيَّر
أولي الألباب ، ورؤساء البيان.
قال ابن دريد مر أعرابي برجل يقرأ : (وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا
سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى
الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (44).
فطأطأ رأسه وقال : هذا كلام القادرين.
* * *
سورة يوسف :
روي أن أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - قالوا : يا رسول الله لو قصصتَ علينا ،
فأنزل الله عزَّ وجلَّ هذه السورة.
وقال : أحسن القصص ؛ لأنها على أعجب طريقة ، وأغرب هيئة ، وقد جاءت هذه القصة في
الكتب ، فلم تكن
على نحو ما جاءت هذه السورة في الجزالة ، والإيجاز ، والحلاوة وحسن
السياق ، وكيف يشْبِه كلام رب العالمين كلام غيره.
وروى الترمذي بإسناده عن عائشة ، رضي الله عنها ، قالت : كان
النبي - صلى الله عليه وسلم - لا ينام حتى يقرأ بني إسرائيل ، والزُّمر . وقال
النسائى : أخبرنا عمرو بن على ، نا محمد بن جعفر ، نا سعيد عن قتادة ، عن سالم بن
أبي الجَعْد ، عن معدان ، عن أبي الدرداء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - :
"من قرأ عشر
(1/128)
آيات من الكهف عصم من فتنة
الدجال".
وفي رواية أبي عبيد ، عن أبي الدرداء ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - :
"من قرأ العشر الأواخر من سورة الكهف ".
وروي بإسناد آخر عن النواس بن سمعان قال : ذكر رسول الله الدجال فقال : "من
رآه منكم فليقرأ فواتح سورة الكهف".
وروى أبو عبيد بإسناده عن أبي سعيد الخدري : من قرأ سورة
الكهف يوم الجمعة أضاء له من النور ما بينه وبين البيت العتيق.
قلت : يجوز في هذا الحديث أن تكون الهاء عائدة على الكهف في قوله :
"ما بينه".
(1/129)
وروى أبو عبيد ، عن أبي
الدرداء ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - :
"من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف ، ثم أدركه الدجال لم يضره ، ومن حفظ
خواتم سورة الكهف كانت له نوراً يوم القيامة".
وقال زِر بن حُبَيْش : من قرأ آخر سورة الكهف لساعة يريد أن يقومها
من الليل قامها.
قال عبدة بن أبي لبابة : فجربناه ، فوجدناه كذلك.
وقال ابن كثير : وجربناه أيضاً غير مرة ، فأقوم في الساعة التي أريد.
قال : وأبتدئ من قوله : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ
كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا (107) . . إلى آخرها.
وقال عبد الله بن.مسعود : إن بني إسرائيل ، والكهف ، ومريم من
تلادي ، وهو منْ العِتَاق الأوَلِ.
قال أبو عبيد : قوله : من تلادي يعني من قديم ما أخذت من القرآن قال : وذلك أن هذه
السور نزلت بمكة .
(1/130)
وقال شَهْر بن حَوْشَب :
يُرْفَع القرآن عن أهل الجنة إلا طه ويس.
وعن ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال :
"من قرأ طه ويس كل شهر مرة أضمن له الجنة ، وطوبى لمن بات ، وهاتان السورتان
في جوفه ".
وعن عمر ، رضي الله عنه ، أنه سجد في الحج سَجْدتينِ ، وقال : إن
هذه السورة فُضَلتْ على السُّور بسجدتينِ.
وعن نُبَيْه بن صَواب : صليت مع عمر بن الخطاب ، رضي الله عنه.
بالجابية الصبحِ ، فقرأ سورة الحج ، فسجد فيها سجدتين ، ثم قال : إن
هذه السورة فُضلَتْ بسجدتينِ ".
وعن ابن عباس ، رضي الله عنه ، أن هذه السورة فُضلَتْ بسجدتين.
وعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
"فضلت سورة الحبج على غيرها بسجدتين ".
وعن عقبة بن عامر قال ، قلت : يا رسول الله أفي الحج سجدتان ؟
قال : نعم ، فمن لم يسجدهما فلا يقرأهما .
(1/131)
وقال ابن عباس : قد كان قوم
يركعون ويسجدون في الآخِرة كما
أمروا.
وقال ابن عمر : لو كنت تاركاً إحداهما لتركت الأولى.
وعن أبي عطية ، كتب إلينا عمر بن الخطاب ، رضي الله عنه.
عَلموا نساءكم سورة النور.
وعن عائشة ، رضي الله عنها ، أنها ذكرت نساء الأنصار ، فأثنت
عليهن خيراً ، وقالت لهن معروفاً ، وقالت : لما نزلت سورة النور عَمَدْنَ إلى
حُجوْز مناطقهِن فشققنها ، فجعلن منها خُمراً.
وعن أبي وائل : استعمل عليٌّ ، رضي الله عنه ، عبد الله بن عباس - رضي الله عنهما
- على الموسم ، فخطب خطبة لو سمعتها الديلم لأسلمت ، ثم قرأ عليهم سورة النور.
وروى الأعمش ، عن أبي وائل : قرأ ابن عباس سورة النور
وجعل يفسرها ، فقال رجل : لو سمعت الديْلم هذا لأسلمت .
(1/132)
أبو عبيد : حدثنا يزيد عن
حماد بن سلمة ، عن عاصم بن أبي
النجود ، عن المُسَيب بن رافع قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
"تجيء حَم ، تنزيل السجدة يوم القيامة ، لها جناحان ، تظل صاحبها ، تقول : لا
سبيل عليك ".
وعن ابن عمرو : "المَ ، تنزيل السجدة ، وتبارك الذي بيده الملك
فيهما فضل ستين درجة على غيرهما من سورالقرآن ".
وعن ابن عباس قال : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرأ في صلاة الصبح يوم
الجمعة "الم تنزيل .. السجدة و (هل أتى على الإنسان).
وحدثنا أبو طاهر أحمد بن محمد السلفى الأصبهانى ، رحمه الله ،
(1/133)
أنا أبو طاهر خالد بن عبد
الواحد بن خالد التاجر ، أنا أبو الحسن سَري
بن عبد الله الدومي القارئ ، نا أبو جعفر أحمد بن جعفر بن حمدان بن
مالك القطيعى ، نا علي بن طيفور ، نا قتيبة ، نا حُمَيْد بن عبد الرحمن
عن الحسن بن صالح ، عن هارون أبي محمد عن مقاتل بن حيان عن قتادة
عن أنس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال :
"إن لكل شيء قلباً ، وقلب القرآن يس ، ومن قرأ يس كتب الله له
بقراءته قراءة القرآن عشر مرات "
وروى أبو عبيد بإسناده ، عن معقل بن يسار ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه
وسلم - : "اقرؤوها على موتاكم".
وروى أبو عبيد أيضاً عن ابن عباس أنه قال : إن لكل شيء لُباباً ، وإن لُباب القرآن
: آل حم ، أو قال : الحواميم.
وروى أيضاً عن المهلب بن أبي صُفرة
(1/134)
أنه قال : حدثني من سمع النبي
- صلى الله عليه وسلم - قال : إن بُيتمْ الليلة فقولوا : حم لا ينصرون ، قال أبو
عبيد : هكذا يقول المحدثون بالنون - واعرابها لا ينصروا.
وأقول : إن قول المحدثين صحيح ، وله وجه ظاهر.
وروى أبو عبيد ، عن مجاهد ، قال : قال عبد الله : آل حم ديباج القرآن"
وَرَوَى في عبد الله أنه قال : إذا وقعتُ في آل حمَ وقعتُ في روضاتٍ دَمِثاتٍ
أتأنق فيهن.
(1/135)
وقال مسعر : بلغني أنهن كن
يسمين العرائس.
قال أبو عبيد : آل حم كما تقول آل فلان.
الترمذي بإسنادنا عنه ، وبإسناده عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة قال :
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
"من قرأ حم الدخان في ليلة أصبح يستغفر له سبعون ألف ملك".
وروي أيضاً عن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
"من قرأ حم الدخان في ليلة الجمعة غفر له".
وروى أبو عبيد عن مسروق بن الأجدع قال : من أراد أن يَعْلَم نبأ
الأولين ، ونبأ الآخرين ، ونبأ أهل الجنة ، ونبأ أهل النار ونبأ أهل
الدنيا ، ونبأ أهل الآخرة فليقرأ سورة الواقعة.
وروي عن عبد الله بن مسعود قال : إني قد أمرت بناتي أن يقرأن
سورة الواقعة كل ليلة ، فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : من قرأ
سورة الواقعة كل ليلة لم تصبه فاقه.
وروى الترمذي ، عن ابن عباس قال : ضرب بعض أصحاب
(1/136)
النبي - صلى الله عليه وسلم -
خباءَه على قبر ، وهو لا يحسب أنه قبر ، فإذا قبر إنسان يقرأ سورة الملك حتى ختمها
، فأتى النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : يا رسول الله : ضربت خبائي على قبر ،
وأنا لا أحسب أنه قبر ، فإذا قبر إنسان يقرأ سورة الملك حتى ختمها ، فقال النبي -
صلى الله عليه وسلم - :
"هي المانعة ، هي المنجية من عذاب القبر".
وروى أيضاً عن أبي هريرة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : أن سورة من القرآن
ثلاثين آية شفعت لرجل حتى غفر له ، وهي : (تبارك الذي بيده
الملك).
وروى عاصم بن أبي النجود عن زِر بن حُبَيْش عن عبد الله بن
مسعود ، رحمه الله : من قرأ تبارك الذي بيده الملك في كل ليلة منعه الله
من عذاب القبر.
وكنا في زمن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نسميها المانعة.
وعن النسائي بالإسناد المتقدم أخبرنا علي بن حُجْر ، أنا بقية بن
الوليد ، عن بَحِيْر بن سعد ، عن خالد بن معدان ، عن عبد الله بن أبي
بلال ، عن العِرْباض بن سارية أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقرأ المسبحات
قبل أن
(1/137)
يرقد ، ويقول : إن فيهنَ آية
أفضل من ألف آية".
وفي رواية أبي عبيد "حتى يقرأ المسبحات ، ويقول : إن فيها آية كألف
آية".
وروى أبو عبيد أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال :
"إني نسيت أفضل المسبّحات فقال أُبَيَ بن كعب : فلعلها (سبح اسم ربك الأعلى)
قال : نعم"
ومعنى هذا الحديث أنه - صلى الله عليه وسلم - كان قد أعلم بأفضلها ، ثم
نسي ، فأذكره أُبَي.
وروى أبو الدرداء ، رضى الله عنه ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال :
"تَعَلموا (عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ (1) عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ (2).
تعلموا (ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ (1).
تعلموا (والنجْمِ إذا هَوَى)
تعلموا (والسماء ذَات البروج) ، (والسماء والطارق)
فإنكم لو علمتم ما فيهن لعطلتم ما أنتم فيه ، وتعلمتموهن.
فإن الله يغفر بهن كل ذنب إلا الشَرك بالله.
وروت فاطمة ، رضي الله عنها ، عن أبيها - صلى الله عليه وسلم - أنه قال :
"قارئ الحديد والواقعة ، وسورة الرحمن يدعى في ملكوت السموات ساكن الفردوس
" .
(1/138)
وعن ابن عمر ، عن رسول الله -
صلى الله عليه وسلم - :
"من أحب أن ينظر إلى يوم القيامة رأي العين فليقرأ (إذا الشمس كورت "
و (إذا السماء انفطرت " و (إذا السماء الشقت)
الترمذي عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
"من قرأ إذا زُلْزِلَتْ " عدلت له بنصف القرآن.
ومن قرأ (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ) عدلت له بربع القرآن.
ومن قرأ (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) ، عدلت له بثلث القرآن".
النسائي أخبرنا عبيد الله بن فضالة ، أنا عبد الله ، نا سعيد ، حدثني
عيّاش بن عبّاس القتبانيّ ، عن عيسى بن هلال الصدفيّ ، عن عبد اللّه بن
عمرو بن العاص قال : أتى رجل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فقال :
أقرئني
(1/139)
يا رسول الله ، فقال له رسول
الله - صلى الله عليه وسلم - :
"اقرأ ثلاثاً من ذات الراء.
فقال : الرجل : كبرت سِني ، واشتد قلبي ، وغلظ لساني ، فقال : اقرأ ثلاثاً من آل
حم ، فقال مثل مقالته الأولى ، فقال : اقرأ ثلاثاً من المسبّحات ، فقال مثل مقالته
، ثم قال الرجل : ولكنْ أقرئني سورة جامعة ، قال فاقرأ (إذا زلْزِلَتِ الأرضُ زِلْزَالَها)
، فقرأ حتى فرغ منها ، فقال : والذي بعثك
بالحق لا أزيد عليها شيئاً أبداً ، ثم أدبر الرجل ، فقال رسول - صلى الله عليه
وسلم - : "أفلح الرويجل ، أفلح الرويجل "
والرويجل تصغير رجل ، على غير قياس ، وكأنه تصغير راجل.
يقال : رجل ، ورجيل ، ورويجل.
وعن ابن عباس عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال :
"من قرأ سورة والعصر ، ختم الله له بالصبر ، وكان مع أصحاب الحق
يوم القيامة ، ومن قرأ (وَيل لِكل همَزَةٍ) ، أعطي من الأجر بعدد من استهزأ بمحمَد
- صلى الله عليه وسلم - ، ومن قرأ (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ
رَبُّكَ) ، عافاه الله أيام حياته في الدنيا ، ومن قرأ
(1/140)
(لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ) أعطي
من الأجر عشر حسنات بعدد من طاف
بالكعبة ، واعتكف بها ، ومن قرأ (أرَأيت الذي يكذبُ بِالدِّينِ)
غفر الله له إن كان مُؤديًاً للزكاة".
وعن أنس قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
(قل يا أيها الكافرون) تعدل ربع القرآن ، و (إذا زلزلت) تعدل ربع
القرآن ، و (إذا جاء نصر الله) تعدل ربع القرآن ".
وعن جبير بن مطعم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال :
"يا جبير أتحب إذا خرجت سفرًا أن تكون أفضل أصحابك ، وأكثرهم زادًا ؟ اقْرأ
بهذه السور الخمس (قل يا أبها الكافرون ، وإذا جاء نصر الله ، وقل هو الله أحد ،
وقل أعوذ برب الفلق ، وقل أعوذ برب الناس ".
وروى الترمذي بإسناده عن فروة بن نوفل أنه أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - -
فقال : يا رسول الله : عَلمْني شيئاً أقوله إذا أويتُ إلى فراشي ، فقال : اقرأ (قل
يا أيها الكافرون " فإنها براءة من الشرك - .
(1/141)
وروى أيضاً عن عبد الله بن
خبيب قال : خرجنا في ليلة مطيرة.
وظلمة شديدة ، نطلب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي بنا ، فأدركته ، فقال :
"قل" فلم أقل شيئاً ، ثم قال : قل ، فلم أقل شيئاً ، ثم قال : قل ، فقلت
: ما أقول ؟
قال : (قل هو الله أحد) ، والمعوذتين ثلاث مرات حين تمسي ، وحين
تصبح يكفينك من كل شيء".
وروى بإسناده عن عائشة ، رضي الله عنها ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا
أوى إلى فراشه كل ليلة جمع كفيْهِ ، ثم نفث فيهما يقرأ فيهما : (قل هُوَ الله
أحَدٌ ، وقل أعوذ بِرَب الفَلَقِ ، وقُل أعوذُ برَب النْاسِ).
ثم يمسح بهما ما استطاع من جسده ، يبدأ بهما على رأَسه ووجهه ، وما أقبل من جسده ،
يفعل ذلك ثلاث مرات "
قال : هذا حديث غريب صحيح.
وروى النسائي بإسناده عن مهاجر أبي الحسن ، عن رجل من أصحاب
النبي - صلى الله عليه وسلم - ، قال : كنت أمشي مع النبي - صلى الله عليه وسلم -
فسمع رجلا يقرأ (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ) حتى ختمها.
قال : "قد برئ هذا من الشرك " ، ثم سرنا.
فسمع آخر يقرأ (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) ، فقال : "أما هذا فقد غفر له .
(1/142)
وروى أيضاً بإسناده عن قتادة
بن النعمان قال : قام رجل من الليل
يقرأ (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) السورة يرددها لا يزيد عليها ، فلما أصبحنا قال
رجل : يا رسول الله إن رجلاً قام الليلة من السحَر يقرأ (قُلْ هُوَ اللَّهُ
أَحَدٌ)
لا يزيد عليها كأنَّ الرجل يَتَقَالَّها ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
: "والذي نفسي بيده إنها تعدل ثلث القرآن ".
وروى أيضاً بإسناده عن قتادة بن النعمان ، قال : قام رجل من الليل
يقرأ (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) السورة.
وروى أيضاً بإسناده عن ، عقبة بن عامر قال : قال
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
"أنزل على آيات لم يُرَ مثلُهن قط المعوذتين.
وروى الترمذي بإسناده عن أبي أيوب قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
"أيعجز أحدكم أن يقرأ في ليلة ثلث القرآن ، من قرأ (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ
(1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) .. فقد قرأ ثلث القرآن " .
(1/143)
وروى عن أبي هريرة قال :
أقبلت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فسمع رجلًا يقرأ (قُلْ هُوَ اللَّهُ
أَحَدٌ) ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "وجبت قلت : ما وجبت ؟
قال : الجنة".
وصحح الحديث.
وروى أيضاً بإسناده عن أنس بن مالك قال :
"من قَرَأَ كل يوم مائتي مَرة (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) مُحِيَ عنه ذنوبُ
خمسين سنة إلا أن يكون عليه دين.
قال : وبهذا الإسناد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - :
"من أراد أن ينام على فراشه ، فنام على يمينه ، ثم قرأ (قُلْ هُوَ اللَّهُ
أَحَدٌ) مائة مرة ، فإذا كان يوم القيامة يقول له الربُّ : يا عبدي ادْخل على
يمينك الجنة".
وروى أيضاً بإسناده عن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
"احْشُدوا فإني ساقرأ عليكم ثلث القرآن ، قال : فحشد من حشد ، ثم خرج
نبي الله - صلى الله عليه وسلم - ، فقرأ (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) ، ثم دخل ،
فقال بعضنا لبعض : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : فإني ساقرأ عليكم ثلث
القرآن إني لأرى هذا خبراً
(1/144)
جاءه من السماء.
ثم خرج نبي الله - صلى الله عليه وسلم - ، فقال : إني قلت : ساقرأ عليكم
ثلث القرآن ألا وإنها تعدل ثلث القرآن".
هذا حديث حسن صحيح.
وروى الترمذي أيضاً عن أنس قال : كان رجل من الأنصار يؤمهم في
مسجد قباء ، فكان كلما افتتح سورة يقرأ لهم في الصلاة ، افتتح
بـ (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) حتى يفرغ منها ، ثم يقرأ سورة أخرى معها ، وكان
يصنع ذلك في كل ركعة ، فكلمه أصحابه فقالوا : إنك تقرأ بهذه السُورة ، ثم لا ترى
أنها تجزئك حتى تقرأ بسورة أخرى ، فإما أن تقرأ بها ، وإما أن تدعها ، وتقرأ بسورة
أخرى.
قال : ما أنا بتاركها ، إن أحببتم أؤمكم بها فعلت ، وإن
كرهتم تركتكم ، وكانوا يرونه أفضلهم ، فكرهوا أن يؤمهم غيره ، فلما أتاهم النبي -
صلى الله عليه وسلم - أخبروه الخبر ، فقال : "يا فلان ما يمنعك مما يأمر به
أصحابك ؟ وما يحملك أن تقرأ هذه السورة في كل ركعة ؟ فقال : يا رسول الله إني
أحبها ، فقال : "إن حُبكَها أدخلك الجنة".
وعن عقبة بن عامر قال : أمرني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن أقرأ
بالمعوذتين في دُبُر كل صلاة.
وعن أسماء بنت أبي بكر ، رضي الله عنهما ، : من صلى
(1/145)
الجمعة ثم قرأ بعدها (قُلْ
هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) والمعوذتين ، حُفِظ وكُفِيَ من
مجلسه ذلك إلى مثله.
وعن ابن شهاب من قرأ : (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) والمعوذتين بعد صلاة
الجمعة ، حين يسلم الإمام قبل أن يتكلم سبعاً سبعاً كان ضامناً.
قال أبو عبيد : أراه قال : على الله هو وماله وولده من الجمعة إلى الجمعة.
وعن ابن عباس في قوله تعالى : (مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ)
قال : هن ثلاث آيات في سورة الأنعام :
(قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ) .. ، إلى ثلاث آيات.
والتي في بني إسرائيل (وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ
وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا) إلى آخر الآيات.
وعن منذر الثوري قال لي الربيع بن خُثَيْم : أَيَسُركَ أن تلقى
(1/146)
صحِيفة من محمد - صلى الله
عليه وسلم - عليها خاتَمُهُ ؟.
قلت : نعم ، وأنا أرى أنه سيطرفني ، فما زادني على هؤلاء الآيات
من سورة الأنعام (قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ) إلى آخر الآيات
وقال عبد الله ابن مسعود رحمه اللّه : ما من آية أجمع لخير وشر ، من آية في سورة
النحل (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ..) إلى قوله :
(لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) وقال : ما في القرآن آية أعظم فَرَجاً من آية في سورة
الزمر :
(قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ) إلى آخرها.
وعنه أيضاً : ما في القرآن آية ، أكثر تَفْويضاً من آية في سورة
النساء القُصْري (وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ
بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا (3).
وقال ابن عباس لعبد الله بن عمر : أي آيةٍ في كتاب الله أرجى ؟
قال عبد الله بن عمر : قول الله عز وجل : (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ
أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ) الآية.
فقال ابن عبَاس : لكن قول الله عز
(1/147)
وجل : (وَإِذْ قَالَ
إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ
قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي)
قال ابن عباس : فرضي منه بقوله : بلى ، قال فهذا لما يعترض في الصدر ممَا يوسوس به
الشيطان.
وعن أبي الفرات مولى صفية أُم المؤمنين ، رضي الله عنها ، أن
عبد الله بن مسعود قال : في القرآن آيتان ما قرأهما عبد مسلم عند ذنب إلا
غُفِر له ، قال : فسمع بذلك رجلان من أهل البصرة ، فأتياه ، فقال : التيا أبى ابن
كعب ، فإني لم أسمع من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شيئاً إلا قد سمعه أبى.
قال : فأتيا أبى بن كعب ، فقال لهما : اقرأ القرآن فإنكما ستجدانهما ، فقرأا حتى
إذا بلغا من آل عمران (وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا
أَنْفُسَهُمْ) الآية ، وقوله عز وجل : (وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ
نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا (110)
فقالا : قد وجدناهما ، فقال أبَى : أين ؟ فقالا في آل عمران ، والنَساء ، فقال :
هما هما.
وقال عبد الله بن مسعود ، رحمه الله : إن في النساء خمس آيات
ما يَسُرني أن لي بها الدنيا وما فيها ، ولقد علمت أن العلماء إذا مروا بها
يعرفونها قوله عز وجل : (إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ
نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا (31)
وقوله عز وجل : (إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ
حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا (40)
وقوله عز وجل : (إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا
دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ)
(1/148)
وقوله عز وجل : (وَلَوْ
أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ
وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا (64)
وقوله عز وجل : (وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ
يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا (110).
وعن المُطَّلِب بن حَنْطب : أنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قرأ في مجلس
ومعه أعرابى جالس : (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ
يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8)
فقال الأعرابى : يا رسول الله : مثقال ذرة ؟
قال : (نعم) ، فقال الأعرابي : واسوءتاه مراراً ، ثم قام ، وهو يقولها ، فقال
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لقد دخل قلب الأعرابي الإيمان".
وعن حنش الصنعانى أن رجلاً مُصاباً مُر به على ابن مسعود ، فقرأ
في أذنه : (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا)
حتى ختم الآية فبرأ ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
"ماذا قرأت في أذنه" ؟ فأخبره ، فقال
(1/149)
رسول الله - صلى الله عليه
وسلم - :
"والذي نفسي بيده لو أن رجلاً قَرَأَ بها على جبل لزال ".
وقال عامر بن عبد قيس رحمه الله : أربع آيات من كتاب الله عز
وجل إذا قرأتُهن ، فما أبالي ما أُصبحُ عليه ، وما أُمسي قوله عز وجل :
(مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا
يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ)
وقولِه عز وجل : (وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا
هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ)
وقوله عز وجل : (سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا (7)
وقوله عز وجل : (وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ
رِزْقُهَا).
وقال عبد الله بن مسعود ، رضي الله عنه : إن كل مؤدِّبٍ يحب أن
يؤتى أَدبُهُ ، وإن أدب الله عز وجل القرآن.
الترمذي عن أبي موسى قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
"مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن كمثل الأتُرجة ريحها طيب ، وطعمها طيب.
ومثل المؤمن الذي لا يقرأ القرآن كمثل التمرة.
القرطبى 157/12 ، وفضائل القرآن لأبي عبيد 73 - ًاً ، وعمل اليوم والليلة لابن
ال@نى
298 ، والحلية 1/ 7 ، والإتقان 4/ 1 4 1.
هو أبو عَبْد الله ، عامر بن عبد الله ، المعروف بابن عبد قيس العنبرفي البصري
الزاهد :
تابعى ثقة ، من عثاد التابعين. قال أبو نعيم : هو أول من عرف بالنسك من عئاد
التابعين
بالضرة. هاجر إليها ، وعلْم أهلها القرآن ، فتخرْج عليه في النسك والتعئد. وهو من
أقران أوشى الفرَنى ، وأبي مسلم الخَوْلانى. مات ببيت المقدس في خلافة معاوية نحو
سنة 55 هـ.
ا لحلية 2/ 87 ، والسير 4/ 5 1 ، والأعلام 3/ 2 5 2.
في ظ : "رضي الله عنه ".
تاريخ ابن عساكر جزء عاصم - عايذص 363 ، وفضائل القرآن لأبي عبيد 73 - ًاً ؟
و 73 - ب.
فضاثل القرآن لأي عبيد 2 - ب.
الأترُجْ : شجر يعلو ، ناعم الأغصان والورق والثمر ، وثمره كالليمون الكبار ، وهو
ذهبي
اللون ، ذكي الراثحة ، حامض الماء.
150
(1/150)
لا ريح لها ، وطعمها حلو
ومثل المنافق الذي يقرأ القرآن كمثل الريحانة ، ريحها طيب ، وطعمها مر. ومثل
المنافق الذي لا يقرأ القرآن كمثل الحنظلة ريحها مر ، وطعمها مر".
وقال هذا حديث حسن صحيح.
وحدَثني الشيخ أبو المظفر عبد الخالق بن فيروز الجوهري ، رحمه
الله ، بالإسناد المذكور إلى النَّسائى ، حدثنا عبيد الله بن سعيد ، نا يحيى.
عن شعبة ، عن قتادة ، عن أنس ، عن أبي موسى ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال
:
"مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن مثل الأتْرُجة طعمها طيب ، وريحها طيب.
ومثل المؤمن الذي لا يقرأ القرآن مثل التمرة طعمها طيب ، ولا ريح لها.
ومثل المنافق الذي يقرأ القرآن كمثل الريحانة ريحها طيب ، وطعمها
مُر.
ومثل المنافق الذي لا يقرأ القرآن مثل الحنظلة طعمها مُر ، وليس لها
ريح.
وبالإسناد قال النسائي : حدثنا عبيد الله بن سعيد ، عن
عبد الرحمن ، قال : حدثني ابن بديل بن مَيْسَرة ، عن أبيه ، عن أنس بن
مالك قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
"إن للهِ أهلين من خلقه.
قالوا : ومن هم يا رسول الله ؟
قال : أهل القرآن ، هم أهل الله ، وخاصته " .
(1/151)
وروى أبو عبيد هذا الحديث ،
فقال : نا عبد الرحمن بن مهدي ، عن
عبد الله ، أو عبد الرحمن بن بديل العُقَيْلى ، عن أبيه بديل بن ميسرة ، عن
أنس بن مالك.
وروى أبو عبيد بإسنادهِ عن عبد الله بن مسعود ، عن
النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :
"إن هذا القرآن مَأدُبَةِ الله ، فتعلموا من مأدبته ما استطعتم.
إن هذا القرآن حبل الله عز وجل ، وهو النور المبين ، والشفاء النافع.
عصمة لمن تمسك به ، ونجاة لمن تبعه ، لايَعْوَج فَيُقَومُ ، ولا يزيغ
فَيسُتَعتَب ، ولا تنقضي عجائبه ، ولا يخلق على كثرة الرد ، فاتلوه ، فإن الله
يأجركم على تلاوته بكل حرف عشر حسنات ، أما إني لا أقول : (الم)
حرف ، ولكن ألف عشر ، ولام عشر وميم عشر".
وقال أبو عبيد : حدثنا حجاج ، عن المسعودي ، عن عون بن
عبد الله بن عتبة قال : "مَلَّ أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رِو
ملَّةً ، فقالوا : يا رسول الله حدثنا ، فأنزل الله تبارك وتعالى :
(اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ)
قال : ثم نعته ، فقال : (كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ
جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ
إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ)
إلى آخر الآية.
قال : ثم مَلوا مَلَّةً أخرى ، فقالوا : يا رسول الله حدثنا شيئاً فوق الحديث ،
ودون القرآن ؟ يعنون القصص ، فأنزل اللة تبارك وتعالى : (الر تِلْكَ آيَاتُ
الْكِتَابِ الْمُبِينِ (1) إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ
تَعْقِلُونَ (2) نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا
إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ (3).
قال : فإنْ أرادوا الحديث دلهم على
(1/152)
أحسنِ الحديث ، وإن أرادوا
القَصَص دلهم على أحسنِ القصص
القرآن ".
ورَوَى أيضاً عن عقبة بن عامر الجهني عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :
"لو كان القرآن في إِهاب ثم أُلْقِيَ في النار ما احترق".
قال أبو عبيد : وجه هذا عندنا أن يكون أراد بالإِهاب قلب المؤمن ، وجوفه الذي قد
وعى القرآن.
وقال الأصمعى : لو جعِل القرآن في إنسان ، ثم ألقي في النار ما احترق.
يقول إن من حفظ القرآن من المسلمين لا تحرقه النار يوم القيامة إنْ أُلْقِيَ
فيها بالذنوب.
وقال غيره : كان هذا في عصر النبي - صلى الله عليه وسلم - عَلَمًا لنبوته ،
ودليلاً على أن القرآن كلام الله ، ومن عندِهِ ، ثم زال ذلك بعد النبي - صلى الله
عليه وسلم -.
وقيل : أراد بقوله : ما احترق القرآن ، لا الإِهاب ؟ أي يحترق الِإهاب ، ولا يحترق
القرآن.
وكل هذه الأقوال غير مستقيمة
أما قول أبي عبيد ، إنه أراد بالإهاب قلب المؤمن ، وجوفه ، فتأويل لا دليل عليه ؛
لأن الإِهاب الجلد الذي لم يدبغ ، فاستعماله في جوف المؤمن ، أو قلبه من غير دليل
لا يصح.
وظاهر اللفظ يقتضي خلاف ذلك ؛ لأن هذا الكلام إنما يقال
على وجه الفرض والتقدير ، لو قدر جعله في إهاب ثم ألقي في النار ما
احترق الإهاب ، ولا يستغرب كون القرآن في جوف المؤمن ، ثم إن جوف
(1/153)
المؤمن لا يلقى في النار دون
جسده ، ثم إن أراد نار الدنيا ، فإنا لا نشك
في احتراق من يلقى فيها من حفظة القرآن ، وقد وقع ذلك.
وإن أراد نار الآخرة فبعيد أن يقال : لو ألقي قلب المؤمن في النار ما احترق.
وأما قول الأصمعي لو جعل القرآن في إنسان ثم ألقي في النار ما
احترق ، أي من حفظ القرآن من المسلمين لم تحرقه النار يوم القيامة إن
ألقي فيها ، فذلك خلاف ما جاء في الأخبار الصحاح أن المؤمنين يحرقون
بتلك النار ، ويخرجون حين يخرجون منها ، وقد صاروا حمماً.
وأما قول من قال : كان ذلك في عصر النبي - صلى الله عليه وسلم - عَلَماً لنبوته ،
فذلك أيضاً غير صحيح ؛ لأن ذلك لم ينقل ، ولو كان كذلك لفعله المسلمون غير مرة
ليقيموا به الحجة على المشركين.
وأما قول من قال : يحترق الإهاب ، ولا يحترق القرآن فكلام لا
معنى تحته ، لأن ذلك من المعلوم ؛ لأن القرآن كلام الله ، والكلام لا
بحترق ، إنما تحترق الأجسام.
وكذلك أيضاً كلام الخلق لو كتب في كتاب ، وألقي في النار لاحترق الكتاب دون
الكلام.
وإنما معنى الحديث عندي ، والذي لا أعتقد سواه أن القرآن لو كتب
في إهاب وألقي ذلك الإهاب في نار جهنم لم يحترق ، ولم تَعْدُ النَار
احتراماً للقرآن ، إذ لم يجعل لها سلطان على ما هو وعاء له ، وأعلَمَ الله عز
وجل نبيه - صلى الله عليه وسلم - بأن النار لا تعدو على ما كتب فيه القرآن ليكون
ذلك بشرى لحملة القرآن ، وبسطاً لرجائهم كما قال عز وجل : (لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا
الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ
اللَّهِ) أعلمنا الله عز وجل بذلك ، وهو الحق ، ليكون موعظة لبني آدم ، وأن قلوبهم
لا تتصدع ، ولا تخشع ، لما تخشع ، وتتصدع له الجبال.
ولما ذكرناه من بسط الأمل قال أبو أمامة : احفظوا القرآن ،
(1/154)
ولا تغرنكم هذه المصاحف ، فإن
الله لا يعذب بالنار قلباً وعى القرآن
اللهم إنا نرجو ما رجاه أبو أمامة ، ولا تخيِّب رجاءنا برحمتك .
(1/155)
وعن أنس بن مالك قال : قال
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
"القرآن شافع مشفع ، وماحِل مصدقٌ ، من شفع له القرآن يوم القيامة نجا ، ومن
مَحِل به القرآن
(1/156)
يوم القيامة أكبَّه الله في
النار على وجهه ".
وعن عبد الله بن بريدة ، عن أبيه ، قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
يقول :
"إن القرآن يلقى صاحبه يوم القيامة كالرجل الشاحب ، فيقول هل
تعرفني ؟ فيقولِ : ما أعرفك ، فيقول : أنا صاحبك القرآن الذي أظمأتك في
الهواجر ، وأسهرت ليلك.
إن كل تاجر من وراء تجارته ، وإني اليوم من وراء كل تجارة.
قال : فيعطى المُلْك بيمينه ، والخُلْد بشماله ، ويوضع على
رأسه تاج الوقار ، ويكسى والداه حُلتين لا يقوم لهما أهل الدنيا ، فيقولان بِمَ
كسينا هذا ؟ فيقال لهما : بأخذ ولدكما القرآن ، ثم يقال له : اقْرَأْ واصعد في
درح الجنة ، وغرفها ، قال فهم في صعود ما دام يقرأ هذًّا كان ، أو
نرتيلا.
ولهذا الحديث قالت عائشة ، رضي الله عنها : إن عدد درج الجنة
بعدد آي القرآن فمن دخل الجنة ممن قرأ القرآن فليس فوقه أحد .
(1/157)
وعن عائشة ، رضي الله عنها ،
قالت : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
"الذي يقرأ القرآن ، وهو به ماهِرٌ ، مع السفرة الكرام البررة ، والذي يقرأ
القرآن ، وهو يشتد عليه ، فله أجران".
* * *
ذكر معاني القرآن التي نزل عليها :
أبو عبيد بإسناده عن أْبي سلمة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
"نزل القرآن على سبع : حلال وحرام ، ومحكم ومتشابه ، وضرب الأمثال ، وخبر ما
كان قبلكم ، وخبر ما هو كائن بعدكم.
وفي رواية راشد بن سعد ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - :
فأَحِلوا حَلَاله ، وحَرمُوا حَرامه ، واعملوا بمحكمه ، وآمنوا
بمتشابهه ، واعتبروا بأمثاله.
* * *
ذكر السبعة الأحرف :
أبو عبيد بإسناده عن عبد الرحمن بن عبدٍ القارِّي ، عن عمر بن
الخطاب ، رضي الله عنه ، قال : سمعت هشام بن حكيم بن حزام يقرأ
سورة الفرقان على غير ما أقرؤها ، وقد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
أَقْرَأَنيها ، قال : فأخذت بثوبه ، فذهبت به إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم
- فقلت : إني سمعت هذا يقرأ
الفرقان على غير ما أقرأتني.
قال : "اقر فقرأ القراءة التي سمعت منه ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -
: "هكذا أنزلت ، ثم قال لي : اقرأ ، فقرأت ، فقال : هكذا أنزلت ، إن هذا
القرآن نزل على سبعة أحرف ، فاقرؤوا منه ما تيسر" .
(1/158)
ذكر تأليف القرآن :
أبو عبيد عن عثمان رضي الله عنه ، قال : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا
نزلت عليه سورة قال : "ضعوا هذه السورة في الموضع الذي يذكر فيه كذا وكذا.
وِرِوى أيضاً عن ابن عباس قال : قلت لعثمان : ما حملكم على أن
عمدتم إلى الأنفال ، وهي من المثاني ، وإلى براءة ، وهي من المئين.
فقرنتم بينهما ، ولم تكتبوا يينهما سطر (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ)
ووضعتموها في السبْع الطوَل ؟
فقال عثمان ، رحمة الله عليه : إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان مما يأتي
عليه الزمان ، وهو ينزل عليه من السور ذوات
العدد ، وكان إذا نزلت عليه سورة يدعو بعض من يكتب ، فيقول : ضعوا
هذه السورة في الموضع الذي يذكر فيه كذا وكذا ، وكانت براءة من آخر
القرآن نزولًا ، وكانت الأنفال من أول ما نزل بالمدنية ، وكانت قصتها شبيهة
بقصتها ، وظننتها منها ، وقبض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ولم يتبين لنا
أمرها ، قال : فلذلك قرنت بينهما.
ولم أجعل بينهما سطر (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ)
ووضعتها في السبْع الطوَل .
(1/159)
ومعنى قوله : (وكانت قصتها
شبيهة بقصتها) أن فيهما جميعاً ذكر
القتال.
وروى أبو عبيد ، عن السدي ، عن عبد خير قال : أَول من جمع
القرآن بين اللوحين أبو بكر رضي الله عنه.
وعن على عليه السلام : رحم الله أبا بكر كان أَول من جمع القرآن.
وحدثني أبو المظفر عبدا الخالق الجوهري رحمه الله بالسند الذي
قدمته إلى عبد الله ، حدثنا عمر بن شبة ، حدثنا أبو أحمد الزبيْري ، نا
سفيان عن السُّدي ، عن عبد خير ، عن علي ، رضي الله عنه ، قال : أعظم
الناس أجراً في المصاحف أبو بكر ، وإنه أول من جمع بين اللوحين .
(1/160)
قال عبد الله : وحدثنا هارون
بن إسحاق ، حدثنا عبدة عن هشام عن أبيه أن
أبا بكر هو الذي جمع القرآن بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول : ختمه.
وقال عبد الله : حدثنا أبو الطاهر ، أنبأنا ابن وهب ، أخبرني ابن أبي
الزناد ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه قال : لما استحر القتل بالقُراء يومئذٍ
فَرِقَ أبي بكر على القرآن أن يضيع ، فقال لعمر بن الخطاب ، ولزيد بن
ثابت : اقعدا على باب المسجد ، فمن جاءكم بشاهدين على شيء من
كتاب الله فاكتباه.
ومعنى هذا الحديث ، والله أعلم : من جاءكم بشاهدين على شيء
من كتاب الله الذي كتب بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
وإلا فقد كان زيد جامعاً للقرآن ، ويجوز أن يكون معناه : من جاءكم بشاهدين على شيء
من كتاب الله أي من الوجوه السبعة التي نزل بها القرآن ، ولم يزد على شَيء مما لم
يقرأ أصلاً ، ولم يعلم بوجه آخر.
وقال عبد الله : حدثنا عمرو بن على بن بحر ، نا أبو داود ، نا إبراهيم
ابن سعيد ، نا الزهري ، أخبرني عبيد بن السَّبَّاق أن زيد بن ثابت حدثه قال : أرسل
إليَّ أبو بكر مَقْتَلَ أهلِ اليمامة ، وكان عنده عمر ، فقال : إن هذا
(1/161)
أتاني ، فقال : إن القتل قد
استحرَّ بالقُراء ، وإني أخشى أن يستحر القتل
بالقُراء في سائر المواطن ، فيذهب القرآن ، وقد رأيت أن تجمعوه.
فقلت لعمر : كيف نفعل شيئاً لم يفعله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟ فقال عمر
: هو - والله خير ، فلم يزل يراجعني في ذلك حتى شرح الله صدري للذي شرح له صدره ،
ورأيت فيه الذي رآه ، فقال أبو بكر : إنك شابٌّ ، أو رجلٌ عاقل ، وقد كنت تكتب
الوحي لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا نتهمك ، فاكتبه.
قال : فوالله لو كلفوني نقل جبل من الجبال ما كان بأثقل على منه ، فقلت لهما كيف
تفعلان شيئاً لم يفعله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟
قال أبو بكر وعمر : هو - والله - خير.
فلم يزل أبو بكر وعمر يراجعاني في ذلك حتى شرح الله صدري للذي
ْشرح له صدرهما ، ورأيت فيه الذي رأياه ، فتتبعت القرآن أنسخه من
المصحف ، والعُسُب ، واللخاف ، وصدور الرجال حتى فقدت آية كنت
أسمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرأ بها (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ
أَنْفُسِكُمْ) فالتمستها ، فوجدتها عند خزيمة بن ثابت ، فأثبتها في
سورتها.
واللخاف : الحجارة الرِّقاق.
قال عبد الله - حدثنا عبد الله بن محمد بن النعمان ، قال : نا محمد ، قال : نا أبو
جعفر عن ربيع عن أبي العالية أنهم جمعوا القرآن في مصحف في خلافة أبي بكر .
(1/162)
فكان رجال يكتبون ، ويملي
عليهم أبي بن كعب ، فلما انتهوا إلى
هذه الآية من سورة براءة (ثُمَّ انْصَرَفُوا صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ
بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ) ، فظنوا أنها آخر ما أنزل من القرآن ، فقال
أبى :
إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أقرأني بعدهن آيتين :
(لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ
حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (128) فَإِنْ تَوَلَّوْا
فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ
رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (129).
فهذا آخر ما نزل من القرآن فختم الأمر بما فتح به.
يقول الله جل ثناؤه : (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا
نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ (25).
وأقول : إن أبَيًّا ، رحمه الله ، إنما كان يتتبع ما كتب بين يدي رسول الله - صلى
الله عليه وسلم - في اللخاف ، والأكتاف ، والعُسُب ، ونحو ذلك ؛
لا لأن القرآن العزيز كان معدوماً.
وأما قوله : (وصدور الرجال) فإنه كتب الوجوه السبعة التي نزل بها القرآن.
فكان يتتبعها من صدور الرجال ليحيط بها علماً ؛ ودليل ذلك أنه كان عالماً
بالآيتين اللتين في آخر براءة ، ثم لم يقنع بذلك حتى طلبهما ، وسأل
عنهما .. غيره فوجدهما عند خزيمة و إنماطلبهما من غيره مع علمه
بهما ليقف على وجوه القراءة ، والله أعلم.
قال عبد الله : حدثنا أبو الطاهر ، قال : أنا ابن وهب ، قال : أخبرني
مالك ، عن ابن شهاب ، عن سالم ، وخارجة ، أن أبا بكر الصديق كان قد
(1/163)
جمع القرآن في قراطيس ، وكان
قد سأل زيد بن ثابت النظر في ذلك ، فأبى
حتى استتعان عليه بعمر ، ففعل ، فكانت تلك الكتب عند أبي بكر حتى
توفي ، ثم عند عمر حتى توفي ثم عند حَفصة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - ،
فأرسل إليها عثمان ، فأبت أن تدفعها إليه حتى عاهدها ليردنها إليها ، فبعثت بها
إليه ، فنسخها عثمان (هذه المصاحف) ثم ردها إليها ، فلم تزل عندها حتى أرسل مروان
، فأخذها ، فحرقها.
وفي الرواية عن أنس بن مالك فلما كان مروان أمير المدينة أرسل
إلى حفصة يسألها عن الصحف ليحرقها ، وخشي أن يخالف بعض الكتاب
بعضاً ، فمنعته إياها.
قال ابن شهاب : فحدثني سالم بن عبد الله ، قال
"فلما توفيت حفصة أرسل إلى عبد الله بن عمر بعزيمة ليرسلن بها.
فساعة رجعوا من جنازة حفصة أرسل بها عبد الله بن عمر إلى مروان ، فغسلها ، وحرقها
مخافة أن يكون في شيء من ذلك اختلاف لما نسخ عثمان رحمة الله عليه.
قال عبد الله : حدَثنا إسماعيل بن عبد الله بن مسعود ، قال : نا
يحيى ، يعني ، ابن يعلى بن الحارث ، قال : نا أبي وعبد الله ، قال : نا
غيلان عن أبي إسحاق عن مصعب بن مسَعْد قال : سمع عثمان قراءة أيى
وعبد الله ومعاذ ، فخطب الناس ، ثم قال : إنما قبض نبيكم منذ خمس
عشرة سنة ، وقد اختلفتم في القرآن ، عزمت على من عنده شيء من القرآن
سمعه من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما أتاني به ، فجعل الرجل يأتيه باللوح
،
(1/164)
والكتف ، والعسيب فيه الكتاب
، فمن أتاه بشيء قال : أنت سمعته من
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟
ثم قال : أي الناس أفصح ؟ قالوا : سعيد بن العاص ، قال
فأي الناس أكتب ؟ قالوا : زيد بن ثابت ، قال : فليكتب زيد وَلْيُمِل سعيد.
قال : فكتب مصاحف فقسَّمها في الأمصار ، فما رأيت أحدًا عاب ذلك
عليه.
ومن الأسباب الباعثة لعثمان ، رضي الله عنه ، على ما فعل في
المصاحف ما رآه حذيفة من الاختلاف.
قال عبد الله : نا محمد بن عوف ، قال : نا أبو اليمان ، قال : أنا
شعيب عن الزهري ، أخبرني أنس بن مالك الأنصاري أن حذيفة قدم على
عثمان بن عفان في ولايته ، وكان يغزو مع أهل العراق قِبَل أرمينية ، ثم
اجتمع أهل العراق ، وأهل الشام يتنازعون القرآن حتى سمع حذيفة من
اختلافهم فيه ما ذعره ، فركب حذيفة حتى قدم على عثمان ، فقال : يا
أمير المؤمنين : أدرك هذه الأمة قبل أن يختلفوا في القرآن اختلاف اليهود.
والنصارى في الكتب ، ففزع لذلك عثمان.
فأرسل إلى حفصة أن أرسلي إليَّ بالصحف التي جمع فيها القرآن فأرسلت بها إليه حفصة
، فأمر عثمان زيد بن ثابت ، وسعيد بن العاص ، وعبد الله بن الزبير ، وعبد الرحمن
بن هشام أن ينسخوها في المصاحف.
قال عبد الله : حدثنا محمد بن بشار - نا عبد الأعلى ، نا هشام عن
(1/165)
محمد ، قال : كان الرجل يقرأ
حتى يقول الرجل لصاحبه : كفرت بما
تقول ، فرفع ذلك إلى عثمان بن عفان ، فتعاظم ذلك في نفسه ، فجمع اثني
عشر رجلا من قريش والأنصار ، فيهم أبى بن كعب وزيد بن ثابت ، فأرسل
الى الربعة التي كانت في بيت عمر فيها القرآن.
وقال عبد الرحمن بن مهدي : خصلتان لعثمان بن عفان ليستا
لأبي بكر ، ولا لعمر ؛ صبره نفسه حتى قتل مظلوماً ، وجمعه الناس على
المصحف .
(1/166)
ذكر تلاوة القرآن ، وفضلها
وصورتها :
التلاوة الاتباع. من قولهم تلا الشيْءُ الشيْءَ إذا تبعه.
كأن قارئ القرآن يتبع في قراءته ما أنزله الله عز وجل كما كان النبي - صلى الله
عليه وسلم - يتبع ذلك إذا قرأه عليه جبريل عليه السلام.
وقيل : كان الذي يتلو كتاب الله هو الذي يقرؤه ، ويعمل بما فيه.
فيكون تابعاً له.
والقرآن يكون سائقاً له ، وقائداً. وهو معنى قوله عز
وجل : (يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ) أي يقرؤونه ، ويعملون بما فيه.
وعن ابن عباس : يتلونه حق تلاوته يتبعونه حق اتباعه.
قال عكرمة : ألا ترى أنك تقول : فلان يتلو فلاناً أي يتبعه.
(وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا (1) وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا (2).
وقال غيره يكونون أتباعاً للقرآن ، والقرآن لهم بمنزلة إمام
يقتدون به.
حدثني أبو المظفر الجوهري ، رحمه الله بالإسناد المتقدم إلى
النسائى ، أخبرنا قتيبة بن سعيد ، نا سفيان ، عن الزهري ، عن سالم ، عن
أبيه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال :
"لا حسد إلا في اثنتين رجل آتاه الله مالًا فهو ينفقه آناء الليل ، وآناء
النهار ، ورجل آتاه الله القرآن ، فهو يقوم به آناء الليل ، وآناء النهار".
(1/167)
حدثني الغزنوي ، رحمه الله ،
بإسناده عن أبي عيسى الترمذي.
حدثنا محمود بن غيلان ، نا أبو أسامة قال : نا الأعمش ، عن أبي صالح.
عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
ً"مَنْ نفسَ عَنْ أخيه كُرْبَة من كُرَب الدنيا نفسَ الله عنه كُرْبة من
كُرَب
يومِ القيامةِ ، ومَنْ سَتَرَ مُسْلماً سَتره الله في الدنيا والآخرة ، ومن يَسرَ
على
مُعْسِر ، يَسر الله عليه في الدنيا والأخرة ، والله في عون العبد ما كان العبد
في عون أخيه ، ومن سلك طريقاً يلتمس فيه عِلماً سهل الله له طريقاً إلى
الجنة ، وما قَعَد قوم في مسجد يَتْلونَ كتابَ اللهِ ، ويتدارسونَهُ بينهم إلَّا
نزلت
عليهم السكينةُ ، وغَشِيتْهُمُ الرحمةُ ، وحَفتْهُمُ الملائكةُ ، ومَنْ أَبْطَأَ به
عملُهُ
لم يُسرِعْ به نَسَبُهُ ".
الترمذي حدثنا نصر بن علي الجَهْضَمى ، نا الهيثم بن الربيع ، قال
حدثني صالح المُري ، عن قَتادة عن زُرارة بن أوفى عن ابن عباس قال.
قال رجل يا رسولَ الله : أي العمل أحبْ إلى الله قال : الحال المُرْتحلُ.
وروى أبو عبيد بإسناده عن سَهْل بن سَعْد الأنصاري قالَ : خرج علينا
رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - ، ونحن نقترئ : يُقرئ بعضنا بعضاً. فقال :
"الحمدُ لله كتابُ اللهِ عز وجل واحد فيه الأحمرُ والأسودُ ، اقرؤوا القرآن ،
اقْرَؤُوا ، اقْرَؤُوا ، قبلَ أَنْ يجيءَ أقوام يُقيمونَهُ كما يُقامُ القَدَحُ ،
لا يُجاوزُ
(1/168)
ْتَراقِيَهم يَتَعَجلُونَ
أجْرَهُ وَلاَ يَتَأجَّلُونَهُ". وبإسناده عن عقبة بن عامر قال :
خرج علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوماً ، ونحن في المسجد نتدارس القرآن
، فقال :
"تعلموا كتابَ اللهِ عز وجل واقْتَنُوْهُ ، وحَسِبْتُ أنه قال : وتَغَنوْا
بِهِ ، فوالذي
نفسي بيده لهو أَشَد تَفَلُّتاً من المخاضِ في العُقُل ".
قال أبو عبيد : ومعنى : تَغَنوْا به : اجعلوه غِناكم من الفَقْر ، ولا
تَعُدُّوا الإقلالَ معه فَقْرًا ، ومعنى : اقتنوه : اجعلوه مالكم كما تقتنون
الأموال.
وعن أبي سَعيد الخُدْرِي رحمه الله قال ، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
(1/169)
"يقول الرب عز وجل : من
شغله القرآن ، وذكري عن مَسْألَتي أَعْطيتُهُ أفضلَ
ما أُعْطِي السائلين".
فإن قيل : التلاوةُ أفضلُ أم الذكرُ ؟
قلت : إذا تلوت خاطبك الله عز وجل ، وإذا ذكرته فأنت تخاطبه ، ولا
مزيد على هذا.
وقيل لعبد الله بن مسعود ، رحمه الله : إن فلاناً يقرأ القرآن
منكوساً ، فقال : ذلك منكوسُ القلب.
قال أبو عبيد : يَتَاَولُ منكوساً كثيرٌ من الناس أن يبدأ من آخر البقرة
فيقرأها إلى أولها ، وهذا شيء ما أحسب أحداً يُطيقه ، ولا كان هذا في
زمن عبد الله ، ولا عرفه ، ولكن وجهه عندي أنْ يبدأَ من آخر القرآن من
المعوذتين ثم يرتفع إلى البقرة كنحو ما يتعلم الصبيان في الكتاب ؛ لأن
السنة خلاف هذا يُعْلَمُ ذلك بالحديث الذي يُحَدثُهُ عثمانُ رحمه الله عن
النبي - صلى الله عليه وسلم - : "أنه كان إذا نزلتْ عليه السورة أو الآية قال
ضَعُوها في الموضع الذي يُذْكَرُ فيه كذا وكذا"
ألا ترى أن التأليف للآي في الحديث من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم كتبت
المصاحف على هذا ، ومما يبين لك ذلك أنه ضم
براءة إلى الأنفال فجعلها بعدها ، وهي أطول ، وإنما ذلك للتأليف ، وكان
أول القرآن فاتحة الكتاب ، ثم البقرة ، فإذا بدأ من المعوذتين صارت فاتحة
الكتاب آخر القرآن ، فكيف تسمى فاتحته ، وقد جعلت خاتمته ؟.
قال : وقد روي عن الحسن وابن سيرين من الكراهة فيما هو دون
(1/170)
هذا.
قال : حدثنا ابن أبي عَدِي ، عن أشعث ، عن الحسن وابن سيرين أنهما
كانا يقرأان - القرآن من أوله إلى آخره ، ويكرهان الأوراد.
وقال ابن سيرين : تأليف الله خير من تأليفكم.
قال أبو عبيد : وتأويل الأوراد أنهم كانوا أحدثوا أن جعلوا القرآن أجزاء ، كل جزء
منها فيه سورة مختلفة من القرآن على غير التأليف ، جعلوا السورة الطويلة مع أخرى
دونها في الطول ، ثم يزيدون كذلك حتى يتم الجزء ، ولا يكون فيه سورة منقطعة ، فهذه
الأوراد التي كرهها الحسن ومحمد.
والنكس أكبر من هذا وأشد ، وإنما جاءت الرخصة في تعلم
الصبى والعجمى من المفصَّل لصعوبة السور الطوَل عليهما ، فهذا عذر.
فأما من قد قرأ القرآن وحفظه ، ثم تعمد أن يقرأه منْ آخره إلى أوله.
فهذا النكس المنهي عنه ، فإذا كرهنا هذا ، فنحن للنكس من آخر السورة
إلى أولها أشد كراهةً إن كان ذلك يكون.
قال أبو عبيد : وحدثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن أبي وائل ، قال : قيل لعبد
الله : إنك لتقل الصوم قال : إنه يُضْعِفني عن قراءةِ القرآنِ ، وقراءةُ القرآنِ
أَحَبُّ إليَّ منه.
وعن عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (الذي
يقرأ القرآن ، وهو به ماهر ، مع السفَرَة الكرام البَرَرَة ، والذي يقرأ القرآن ،
وهو يَشْتَد عليه ، فله أجران ".
(1/171)
قال أبو عبيد : ونا هشام بن
إسماعيل الدمشقى ، عن محمَد بن
شعيب ، عن الأوزاعي أن رجلًا صحبهم في سفر ، قال : فحدثنا حديثاً ما
أعلمه إلا رفعه إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال :
"إن العبدَ إذا قَرَأَ فَحَرَّفَ أو أَخْطأ كتبه المَلَكُ كما أُنْزِلَ
".
قال أبو عبيد : وحدثني نعيم بن حماد ، عن بَقَيّة بن الوليد ، عن
حُصَيْن بن مالك الفَزِارِي ، قال : سمعت شيخاً يُكنى أبا محمد يحذث عن
حذيفة بن اليمان قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
"اقرؤوا القرآنَ بِلُحُونِ العَرَبِ وأصواتِها ، وإيّاكم ولحونَ أهلِ
الفِسْقِ ، وأهل الكتابَيْنِ ، وسيجيء قوم من بعدي يرجعون بالقرآن ترجيعَ الغِناء
والرهْبانِية والنوْحِ ، لا يجاوز حَناجرَهُمْ ، مَفْتُونَة قلوُبهُمْ وقلوبُ مَنْ
يعْجبُهمْ شأنُهُم".
وعن عبد الملك بن عمير قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إني
قارئ عليكم سورة ، فمن بكى فله الجنة ، فقرأها ، فلم يبك أحد ، ثم أعاد الثانية ،
ثم أعاد الثالثة ، فقال : اِبْكُواْ ، فإنْ لَمْ تَبْكُوْا فتَبَاكَوْا".
وروى مطرِّف بن عبد الله بن الشخّير ، عن أبيه ، قال :
"انتهيت إلى رسول الله ، وهو يصلي ، ولجوفه أزيز كأزيز المرجل من
البكاء".
(1/172)
قال أبو عبيد : قوله : أزيز :
يعنني غليان جوفه من البكاء ، وأصل
الأزيز الالتهاب والحركة.
وقوله عز وجل : (تَؤُزُّهُمْ أَزًّا (83).
من هذا أي تدفعهم وتسوقهم ، وهو من التحريك.
وقال حُمْرَان بن أَعْيَن : "سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجلاً
يقرأ : (إِنَّ لَدَيْنَا أَنْكَالًا وَجَحِيمًا (12) وَطَعَامًا ذَا غُصَّةٍ
وَعَذَابًا أَلِيمًا (13).
فَصَعِقَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - ".
وعن حذيفة صليت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذات ليلة ، فكان إذا مر بآية
رحمة سأل ، وإذا مر بآية عذاب تعوذ ، وإذا مر بآية تنزيه لله تعالى سبَّح ".
وعن أبي ذَر قال : "قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليلة من الليالي
فقرأ آية واحدة الليل كله حتى أصبح ، بها يقوم ، وبها يركع ، وبها يسجد ، فقال
القوم أي آية هي ؟
فقال : (إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ
فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (118).
وعن ابن عباس أنه قرأ في الصلاة : (أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ
الْمَوْتَى (40).
فقال : سبحانه وبلى.
وقال أبو هريرة : من قرأ : (لا أقْسِمُ بِيَوْمِ القِيَامَةِ) فبلغ :
(1/173)
(أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ
عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى) فليقل : بلى ، وإذا قرأ :
(والمرسلات) فانتهى إلى آخرها : (فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ (50).
فليقل : آمنت بالله وما أنزل ، ومن قرأ : "والتين والزيتون " فانتهى إلى
آخرها : (أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ) فليقل بلى.
وعن ابن عمر أنه قرأ : (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى)
فقال : سبحان ربي الأعلى.
وعن ابن عباس ، رحمه الله ، أنه قال مثل ذلك.
وعن صِلَةِ بن أَشْيَم قال : إذا أتيت على هذه الآية :
(وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ)
فقف عندها ، وسل الله الجليل.
وقرأ علقمة على عبد الله فكأنه عجل ، فقال عبد الله : فداك أبي
وأمي : رتل فإنه زين القرآن.
وكان علقمة حسن الصوت بالقرآن .
(1/174)
و " نعتت أم سلمة قراءة
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : قراءة مفشَرة حرفاً حرفاً".
وعن معاوية بن قُرة قال : سمعت عبد الله بن مُغَفَّل يقول :
"رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم الفتح على ناقته ، أو جمله يسير
، وهو يقرأ سورة الفتح ، أو قال من سورة الفتح "
ثم قرأ معاوية قراءة لينة ، فرجع ثم قال :
لولا أني أخشى أن يجتمع الناس لقرأت ذلك اللحن.
وكان عمر رضي الله عنه إذا رأى أبا موسى قال : ذكرنا ربنا يا أبا موسى.
فيقرأ عنده.
قال أبو عثمان النهْدِي : كان أبو موسى يصلي بنا
(1/175)
فلو قلت : إني لم أسمع صوت
صَنْبح ، ولا صوت بَرْبَطٍ أحسن من
صوته.
قال أبو عبيد : ومعنى ذلك إنما هو طريق الحزن والتخويف
والتشويق ، لا الألحان المطربة الملهية.
وعن عابس الغفاري ورأى الناس يفرون من الطاعون ، فقال يا
طاعون خذني.
فقيل له : تتمنى الموت ، وقد سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول :
"لا يتمنينَ أحدكم الموت ؟
فقال : أُبَاْدِرُ خصالًا سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
يَتَخَوَفُهُن على أمتِهِ : "بيع الحكم ، والاستخفاف بالدم ، وقطيعة الرحم.
وقوماً يتخذون القرآن مزامير ، يقدمون أحدهم ليس بأفقههم ، ولا أفضلهم
إلا ليغنيهم به غناء" .
(1/176)
وعن البراء بن عازب قال : قال
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "زينوا القرآن بأصواتكم".
وقال أبو هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - :
"زينوا أصواتكم بالقرآن".
قال شعبة : نهاني أيوب أن أحدث بهذا الحديث : "زينوا القرآن بأصواتكم".
قال أبو عبيد : إنما كره أيوب فيما نرى أن يتأول الناس
بهذا الحديث الرخصة من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في هذه الألحان المبتدعة
.
(1/177)
وعن سعيد بن المسيب : مرَّ
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأبي بكر ، وهو يخافت ، ومر بعمر ، وهو يجهر ،
ومر ببلال رحمة الله عليهم ، وهو يقرأ من هذه السورة ، ومن هذه السورة.
فقال لأبي بكر : مررت بك ، وأنت تخافت . فقال ؟ إني أسمع من أناجي ، فقال : ارفع
شيئًا ، وقال لعمر : مررت بك ، وأنت تجهر ، فقال : أطرد الشيطان ، وأوقظ الوسنان ،
فقال : اخفض شيئًا.
وقال لبلال مررت بك ، وأنت تقرأ من هذه السورة ، ومن هذه السورة.
فقال : أخلطُ الطيب بالطيب ، فقال : اقرأ السورة على وجهها".
ْقال أبو عبيد : وحدثنا حجاج ، عن الليث بن سعد ، في عمر مولى
غُفْرة "أنَ النبي - صلى الله عليه وسلم - مرَّ بأبي بكر وعمر وبلال مثل ذلك
إلَّا أنه قال : إذا قرأت السورة فأنفذها".
وكان ابن سيرين ، رحمه الله ، يكره أن يقرأ الرجل القرآن إلَّا كما
أنزل ، ويكره أن يقرأ ، ثم يتكلم ، ثم يقرأ.
وسئل عمن يقرأ من السورة آيتين ، ثم يدعها ، ثم يقرأ من غيرها ، ثم يدعها ، ويأخذ
في غيرها ، فقال : ليتقِ أحدكم أن يأثم إثمًاً كبيرًا ، وهو لا يشعر.
قال نافع : وكان ابن عمر إذا قرأ لم يتكلم حتى يفرغ مما يريد أن
(1/178)
يقرأ ، فدخلت يوماً ، فقال :
أمسك على سورة البقرة ، فأمسكتها عليه ، فلما أتى على مكان منها قال : أتدري فيم
أنزلت ؟
قلت : لا.
قال : في كذا وكذا ، ثم مضى في قراءته.
قال أبو عبيد : إنما ترخص ابن عمر في ْهذا ؛ لأن هذا الذي تكلم به من تأويل القرآن
، وشبه كالذي ذكرناه.
عن ابن مسعود أن أصحابه كانوا ينشرون المصحف فيقرؤون ويُفَسر
لهم ، ولو كان الكلام من أحاديث الناس وأخبارهم كان عندي مكروهاً أن
تُقْطَعَ القراءةُ به.
وعن علي عليه السلام : - "كان رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يقضي
حاجتَهُ يَعْني البولَ ، ثم يَخْرُجُ فَيَقْرَأُ القرآن ، ويأكلُ معنا اللحمَ ، لا
يحجزه عن القراءة شَيْء ، ليسَ الجنابةَ".
وعن ابن سيرين أن عمر بن الخطاب قرأ من القرآن بعد ما خرج
من الغائط ، فقال له أبو مريم الحنفي : أتقرأ ، وقد أحدثت ؟
فقال : أمسيلمة أفتاك بهذا ؟
وعن عبد الله بن مالك الغافقى أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول
(1/179)
لعمر بن الخطاب : "إذا
توضأت ، وأنا جُنُب أكلت وشربت ، ولا أصلي.
ولا أقرأ حتى أغتسل "
وسئل على عليه السلام عن الجُنُبِ أيقرأُ القرآن ؟
قال لا ، ولا حرفاًْ.
وسأل عبد الله بن أبي قيس عائشة رضي الله عنها : كيف كانت قراءة رسول الله - صلى
الله عليه وسلم - ؟
أيسِرُّ القراءةَ أم يَجْهرُ ؟
فقالت : كل ذلك قد كان يفعله ربما أسرَّ وربما جهر".
وعنِ أم هانئ بنت أبي طالب "كنت أَسْتمعُ قراءةَ النبي - صلى الله عليه وسلم
- ، وأنا على عَرِيْشتِي ".
قال أبو عبيد : تعني بالليل.
وحدثني أبو المظفر بن فيروز في قراءة الرجل القرآن ماشياً ، وعلى
الدابة بإسناده إلى النسائي ، بإسناده عن عبد الله بن مغفل قال : رأيت
النبي - صلى الله عليه وسلم - يسير على ناقته فقرأ : (إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ
فَتْحًا مُبِينًا)
ورجع في قراءته.
وعن عقبة بن عامر قال : كنت أمشي مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فقال :
"يا عقبة : قل ، قلت : ماذا أقول ؟
فسكت عني ، ثم قال : يا عقبة قل ،
(1/180)
قلت : ماذا أقول يا رسول الله
؟ فسكت عني.
فقلت : اللهم اردده على ، فقال : يا عقبة : قل ، فقلت ماذا أقول ؟
فقال : (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ)
فقرأتُها حتى أتيتُ على آخِرها.
ثمَ قال : قل ، قلت : ماذا أقول يا رسول الله ؟
قال : (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ)
فقرأتُها حتى - أَتيت على آخرها.
ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عند ذلك : ما صال صائل بمثلها ، ولا
استعاذ مستعيذ بمثلها".
* * *
فضل حامل القرآن ومتعلمه ومعلمه وما يطالب به حملة القرآن وكيف كان قراء السلف
والصدر الأول
حدثني الغزنوي بالإسناد المتقدم إلى أبي عيسى رحمه الله ، قال :
حدثنا محمود بن غيلان ، نا أبو داود الطيالسي ، نا شعبة وهشام ، عن قَتادة ، عن
زُرارة بن أوفى ، عن سعد بن هشام ، عن عائشة قالت : قال
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
"من قرأ القرآن ، فاستظهره ، فأحل حلاله ، وحرم حرامه
أدخله الله الجنة ، وشَفْعَه في عَشَرة من أهل بيته كلهم قد وَجَبَت لهم
النار"
وحدثني أبو المظفر الجوهري رحمه الله بإسناده إلى النسائي ، قال :
أخبرنا محمد بن عبد الأعلى ، نا خالد ، عن شعبة ، أخبرني علقمة بن مَرْثد
(1/181)
قال : سمعت سعد بن عبيدة ، عن
أبي عبد الرحمن ، عن عثمان ، عن -
النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :
"خَيْركُمْ مَنْ علَّم القرآنَ وتعلَّمه".
وقال : أنا عبيد الله بن سعيد ، نا يحيى ، عن شعبة وسفيان قالا : نا
علقمة بن مَرْثد ، عن سعيد بن عبيدة ، عن أبي عبد الرحمن ، عن عثمان.
عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال شعبة :
"خيركم من تعلَّم القرآن وعلَّمه ".
وقال سفيان : "أفضلكم من تعلَّم القرآن وعلَّمه ".
ومن طريق الغزنوي رحمه الله قال أبوعيسى : نا محمود بن غيلان ، حدّثنا
أبو داود ، أنبأنا شعبة
قال : أخبرني علقمة بن مرثد قال : سمعت سعد بن عبيدة يحدث
عن أبي عبد الرحمن ، عن عثمان بن عفان أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال :
"خيركم من تَعَلَّمَ القرآنَ وعلَّمَهُ ".
قال أبو عبد الرحمن : فذاك الذي أقعدني مقعدي
هذا ، وعَلَّمَ القرآن في زمن عثمان حتى بلغ الحجاج بن يوسف.
هذا حديث حسن صحيح.
حدثنا محمود بن غيلان ، نا بشر بن السري ، قال : نا سفيان ، عن
علقمة بن مرثد ، عن أبي عبد الرحمن ، عن عثمان بن عفان قال : قال
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
"خَيْرُكُمْ ، أو أفضلكم من تَعَلَّمَ القرآنَ ، وعَلَّمَهُ".
(1/182)
هذا حديث حسن صحيح.
قال أبو عيسى : قال محمد بن بشَار : وأصحاب
سُفْيان لا يذكرون فيه عن سفيان عن سعد بن عبيدة.
قال محمد بن بشار : وهو أصح.
وقد زاد شعبة في إسناد هذا الحديث سعد بن عبيدة ، وكان
بحديث سفيان أشبه وأصح
وبإسناده عن عبد الله بن مسعود قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
"من قرأ حرفاً من كتاب الله فله به حسنة ، والحسنة بعشر أمثالها لا أقول :
ألم حرف ، ولكن ألف حرف ، ولام حرف ، وميم حرف"
هذا حديث حسن صحيح.
ورُوِيَ عن الحسن أنه أجاز أن يُعَلم المقرئُ أولادَ المشركينَ القرآنَ. قال أبو
عبيد : حدثني يزيد عن حماد بن سَلَمة عن حبيب المعلِّم.
قال : سألت الحسن قلت : أعلِّم أولاد أهل الذمة القرآن ؟
قال : نعم. أو ليس يقرؤون التوراة والإنجيل ، وهما من كتاب الله عز وجل .
(1/183)
وقال أبو عبيد : قال عباد :
سألت أبا حنيفة عن ذلك فقال : لا باس
أن تعلمه القرآن صغيراً أو كبيراً.
وقد روى نافع ، عن ابن عمر قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لا
تسافروا بالقرآن فإني أخاف أن يناله العدو ".
ففي هذا الحديث ما يمنع ما ذهب إليه الحسن وغيره ؛ لأن ذلك
يؤدي إلى أن يمسه كافر ، وإذا كان المسلم لا يمس القرآن ، وهو مُحْدِث.
فكيف يجوز أن يعلمه المشرك فيكتبه ؟
وإذا كان المسلم الجنب لا يقرؤه فكيف يجوز أن يقرأه الكافر ؟.
قال أبو عبيد : وحدَثنا عبد الله بن صالح ، عن الهقل بن زياد ، عن
معاوية بن يحيَى الصدفي قال : حدثني الزُّهري قال : حدثني عامر بين
واثلة أن نافع بن عبد الحارث الخزاعي تَلَقى عمر بن الخطاب رضي الله
عنه بعُسْفان ، وكان عمر استعمله على أهل مكة ، فسلم على عمر.
فقال له : من استخلفت على أهل الوادي ؟
فقال نافع : استخلفت عليهم يا أمير المؤمنين ابنَ ابزَى ، فقال عمر : وما ابن
أبْزَى ؟ قال نافع : هو من موالينا يا أمير المؤمنين.
فقال عمر : استخلفت عليهم مولى ؟
فقال يا أمير
(1/184)
المؤمنين : قارئ لكتاب الله ،
عالم بالفرائض.
فقال عمر : أما إن نبيكم - صلى الله عليه وسلم - قال :
"إنَّ الله سبحانه وتعالى يرفع بهذا الكتاب أقواماً ، ويضع به
آخرين ".
وسئلت عائشة رضي الله عنها عن خلق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالت :
"كان خلق رسول الله القرآن ، يرض برضاه ، ويسخط بسخطه ، ".
وقال عبد الله بن مسعود ، رحمه الله : إن كل مؤدِّبٍ يحب أن يؤتى
أدبُهُ ، وإن أدب الله عز وجل القرآن ".
وعن محمد بن كعبَ القرظى قال : كنا نعرف قارئ القرآن
بصفرة اللون.
قال أبو عبيد : ولا أرى هذا إلا للخلال التي تكون في قراء
القرآن مما يُروى من صفاتهم.
عن عبد الله بن مسعود ، وعبد الله بن عمرو. ويعني قول عبد الله ابن مسعود : ينبغي
لقارئ القرآن أن يعرف
(1/185)
بليله إذا الناس نائمون ،
وبنهاره إذا الناس مفطرون ، وببكائه إذا الناس
يضحكون وبورعه إذا الناس يخلطون ، وبصمته إذا الناس يخوضون.
وبخشوعه إذا الناس يختالون.
قال المسيب بن رافع : وأحسبه قال : وبحزنه إذا الناس يفرحون".
وقول عبد الله بن عمرو : ومن جمع القرآن فقد حُمِّلَ أمراً عظيماً ، وقد
اسْتُدْرِجَت النبوة بين جنبيه إلَّا أنه لا يوحى إليه.
ولا ينبغي لصاحب القرآن أن يَجِدَّ فيمن يجدّ ، ولا أن يجهل فيمن
يجهل ، وفي جوفه كلام الله عز وجل.
وعنه : فقد اضطربت النبوة بين جنبيه ، فلا ينبغي أن يلعب مع من
يلعب ، ولايرفث مع من يرفث ، ولايتبطل مع من يتبطل ، ولايجهل مع
من يجهل.
قوله : أن يجدَّ فيمن يجد يريد ، والله أعلم : ما يجد الناس فيه من
أمور الدنيا أو لا يتعاظم.
وقال سفيان بن عيينة : من أُعطي القرآن فمدَّ عينيه إلى شيء مما
صغر القرآن فقد خالف القرآن.
ألم تسمع قوله سبحانه وتعالى : (وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي
وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ (87).
(وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ
زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ
وَأَبْقَى (131).
(1/186)
قال : يعني القرآن ، قلت :
يريد بقوله : يعني القرآن : أي ما رزقك الله من القرآن خير وأبقى مما رزقهم من
الدنيا.
قال : وقوله تعالى : (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا
نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى (132).
قال : وقوله تعالى : (تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ
رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (16).
قال : هو القرآن.
ومن ذلك قول النبي - صلى الله عليه وسلم - :
"ما أنفَقَ عَبْدً مِنْ نَفَقَةٍ أَفْضلَ مِنْ نَفَقَةٍ في قَولٍ ".
وعن شريح أنه سمع رجلاً يتكلم ، فقال : أمسك عليك
نَفَقَتكَ .. قال أبو عبيد جلست إلى معمر بن سليمان النخعى بالرَّقَّة
وكان خير من رأيت ، وكانت له حاجة إلى بعض الملوك ، فقيل له : لو
(1/187)
أتيته ، فكلمته ، فقال : قد
أردت إتيانه ، ثم ذكرت القرآن والعلم ، فأكرمتُهُما عن ذلك.
قال أبو عبيد : وحدثنا هشيم ، عن مغيرة ، عن إبراهيم ، قال : كانوا
يكرهون أن يَتْلُوا الآية عند الشيء يعرض من أمر الدنيا.
قال أبو عبيد : وهذا كالرجل يريد لقاء صاحبه ، أو يَهِم بالحاجة ، فتأتيه من غير
طلب فيقول كالمازح : (جِئْتَ عَلَى قَدَرٍ يَا مُوسَى)
وهذا من الاستخفاف بالقرآن.
ومنه قول ابن شهاب : لا تناظر بكتاب الله ، ولا بسنة رسول الله - صلى الله عليه
وسلم -.
قال أبو عبيد : يقول : لا تجعل لهما نظيراً من القول ، ولا الفعل.
وعن مَخْرَمة بن شُرَيح الحضرمي قال : ذكر رجل عند النبي - صلى الله عليه وسلم -.
فقال : "ذاك لا يتوسد القرآن ".
قال : وعن الحسن أنه سئل عَمنْ جمع القرآن أينام عنه ؟
فقال : يتوسدُ القرآن ، لعن الله ذاك.
وقال الحسن : قراء القرآن ثلاثة أصناف ، فصنف اتخذوه بضاعة يأكلون به ،
(1/188)
وصنف أقاموا حروفه ، وضيعوا
حدوده ، واستطالوا به على أهل بلادهم.
واستدروا به الولاة - كثير هذا الضرب من حملة القرآن لا كثَّرهم الله.
وصنف عمدوا إلى دواء القرآن ، فوضعوه على داء قلوبهم ، واستشعروا
الخوف ، وارتدوا الحزن ، فأولئك الذين يسقي الله بهم الغيث ، وينصر
بهم على الأعداء ، والله لهذا الضرب في حملة القرآن أعز من الكبريت
الأحمر.
وعن أبي الأحوص قال : إن كان الرجل ليطرق الخباء ، فسمع فيه
كدوي النخل ، فما لهؤلاء يأمنون ما كان أولئك يخافون ؟
وعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
"اقرأ القرآن ما نهاك ، فإذا لم ينهك فلست تقرؤه ، أو فلا تقرأه".
وقال الحسن : إن أولى الناس بهذا القرآن من اتبعه ، وإن لم يكن
يقرؤه.
وسأل أبو صعصعة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : في كم أقرأ القرآن ؟
فقال : (في كل خمس عشرة ، فقال : إني أجدني أقوى من ذلك ، فقال : ففي
كل جمعة" .
(1/189)
وكان عبد الله بن مسعود يقرأ
القرآن في غير رمضان من الجمعة
إلى الجمعة ، ويقرؤه في رمضان في ثلاث.
وكذلك كان تميم والأعمش يختمان في كل سبع.
وكان أبي يختمه في كل ثمان.
وكان الأسود يختمه في ست.
وكان علقمة يختمه في خمس.
وعن عبد الله بن عمرو قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لا يفقه
من قرأه في أقل من ثلاث".
وعن عائشة رضي الله عنها قالت : "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا
يختم القرآن في أقل من ثلاث".
وحدثني الغزنوي رحمه الله بإسناده إلى أبي عيسى رحمه الله.
حدثنا عبيد بن أسباط بن محمد القرشي قال : حدثني أبي ، عن مطرف.
عن أبي إسحاق ، عن أبي بردة ، عن عبد الله بن عمرو ، قال : "قلت : يا
رسول الله : في كم أقرأ القرآن ؟
قال اختمه في شهر ، قلت : إني أطيق أفضل من ذلك.
قال : اختمه في عشرين ، قلت : إني أطيق أفضل من
ذلك ، قال : اختمه في خمس عشرة قلت : إني أطيق أفضل من ذلك.
قال : اختمه في عشر ، قلت : إني أطيق أفضل من ذلك ، قال : اختمه
في خمس ، قلت : إني أطيق أفضل من ذلك.
قال : فما رخص لي".
هذا حديث حسن صحيح .
(1/190)
قال : وقد رُوي هذا الحديث من
غير وجه ، عن عبد الله بن عمرو.
وروي عن عبد الله بن عمرو عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، قال :
"لم يفقه من قرأ القرآن في أقل من ثلاث ".
قال : وروي عن عبد الله بن عمرو ، رحمه الله ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم -
قال له :
"اقرأ القرآن في أربعين".
قال : وقال إسحاق بن إبراهيم : ولا نحب للرجل أن يأتي عليه أكثر من أربعين يوماً ،
ولم يقرأ القرآن لهذا الحديث.
قال : وقال بعض أهل العلم : لا يُقرأ القرآن في أقل من ثلاث
للحديث الذي رُوي عن النبي - صلى الله عليه وسلم -
قال : ورخص فيه بعض أهل العلم.
وروي عن عثمان بن عفان رحمه الله أنه كان يقرأ القرآن في
ركعة يوتر بها.
ورُوي عن سعيد بن جبير ، رحمه الله ، أنه قرأ القرآن في ركعة في الكعبة.
قال : والترتيل في القراءة أحب إلى أهل العلم.
وروى أبو عبيد ، رحمه الله ، عن عبد الرحمن بن عثمان التيمى.
قال : قلت : لأغلبن الليلة على الحجر ، يعني المقام ، فقمت ، فلما
قمت فإذا أنا برجل متقنع يزحَمُنِي ، فنظرت ، فإذا عثمان بن عفان.
رحمة الله عليه وبركاته ، فتأخرت عنه ، فصلَّى ، فإذا هو يسجد بسجود
(1/191)
القرآن حتى إذا قلت : هَذِهِ
هَوَادي الفجر أوتر بركعة لم يصل غيرها ، ثم
انطلق.
قال أبو عبيد : وحدثنا هشيم ، قال : أنا منصور ، عن ابن سيرين.
قال : قالت ناثلة ابنة الفرافصة الكلبية - رحمها الله - حيث دخلوا على
عثمان - رحمه الله - ليقتلوه : إنْ تقتلوه أو تدعوه فقد كان يحيي الليل
بركعة يجمع فيها القرآن.
وعن ابن سيرين أنَ تميمًا الداري قرأ القرآن في ركعة.
وعن إبراهيم ، عن علقمة : أنَه قرأ القرآن في ليلة ، فطاف أسبوعاً ، ثم قرأ
بالطول ، ثم طاف أسبوعاً ، ثم أتى المقام ، فصلى عنده ، فقرأ بالمئين.
ثم طاف أسبوعاً ، ثم أتى المقام ، فقرأ بالمثاني ، ثم طاف أسبوعًا ، ثم
أتى المقام فصلى عنده ، فِقرأ بقِية القرآن.
قال أبو عبيد : وحدثنا
(1/192)
سعيد بن عفَيْر ، - عن بكر بن
مُضَر : أنّ سُلَيْم بن عِتْرٍ التُّجيبي - كان
يختم القرآن في الليلة ثلاث مرات ، ويجامع ثلاث مرات ، فلما مات
قالت امرأته : رحمك الله إنْ كنت لترضي ربك وترضي أهلك قالوا :
وكيف ذاك ؟ قالت : كان يقوم من الليل ، فيختم القرآن ، ثم يُلِمُّ بأهله.
ويغتسل ، ويعود فيقرأ حتى يختم ، ثم يُلِمُّ بأهله ، ثم يغتسل ، فيعود.
فيقرأ حتى يختم ، ثم يُلِمُّ بأهله ، ثم يغتسل ، فيخرج لصلاة الصبح.
قال أبو عبيد : الذي عليه أمر الناس أن الجمع بين السور في
الركعة حسن واسعُ غير مكروه ، والذي فعله عثمان ، رحمه الله ، وتميم
الداري ، وغيرهما هو من وراء كل جمع.
ومما يقوي ذلك حديث عبد الله : قد علمت النظائر التى كان رسول الله - صلى الله
عليه وسلم - يقرن بينهن ، قال :
إلَّا أن الذي أختار من ذلك ألَّا يُقرأ القرآن في أقل من ثلاث للأحاديث
التي ذكرناها للنبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه.
وقال أبو عبيد : حدثنا حجاج عن ابن جريج قال : حُدثْتُ عن
أنس بن مالك قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
"عُرِضت على أجورُ أمتي حتى
(1/193)
القذاة والبَعرة يخرجها الرجل
من المسجد ، وعرضت علي ذنوب
أمتي ولم أر ذنباً أكبر من آية أو سورة من كتاب الله أوتيها رجل
فنسيها".
قال : وحدثنا جرير بن عبد الحميد ، عن يزيد بن أبي زياد ، عن
عيسى بن فائد ، عن من سمع سعد بن عبادة يقول : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم
- :
"ما من أحد تعلم القرآن ثم نسي إلا لقي الله عز وجل أجذم ".
وقال أبو عبيد : حدثنا عبد الله بن المبارك ، عن عبد العزيز بن أبي
رَوَّاد قال : سمعت الضحاك بن مزاحم يقول : ما من أحد تعلم
القرآن ، ثم نسيه إلا بذنب يحدثه ؛ لأن الله تعالى يقول :
(1/194)
(وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ
مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ)
وإن نسيان القرآن من أعظم المصائب.
قال : وحدثنا إسماعيل بن إبراهيم ، عن هشام الدسْتُوائي ، عن
يحيى بن أبي كثير ، عن أبي راشد الحبرانى ، قال : قال عبد الرحمن بن
شبل : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول :
"اقرؤوا القرآن ، ولا تغلوا فيه ، ولا تجفوا عنه ، ولا تأكلوا به ، ولا
تستكبروا به ، أو تستكثروا به"
شك أبو عبيد.
وعن أبي سعيد الخدري رحمه الله عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : :تَعَلمُوا
القرآن ، وسَلُوا الله به قبل أن يتعلمه قومٌ يسألون به الدْنيا ، فإن القرآن
يتعلمه ثلاثة نفر : رجلٌ يُباهي به ، ورجلٌ يستأكلُ به ، ورجلٌ يقرؤه
لله ".
وقال أبو عبيد : حدثنا سعيد بن عبد الرحمن الجمحى قال :
(1/195)
سمعت أبا حازم يقول : مر ابن
عمر برجل من أهل العراق ساقط.
والناس حوله ، فقال ما هذا ؟ فقالوا : إذا قُرئ عليه الفرآن وسمع
بذكر الله تعالى خرَّ من خشية الله عز وجل.
فقال ابن عمر : والله إنا لنخشى الله تعالى وما نسقط.
قال : حدثنا كثير بن هشام ، عن جعفر بن بَرْقان ، عن عبد الكريم
الجَزَري ، عن عكرمة ، قال : سئلت أسماء هل كان أحد من السلف
يُغْشى عليه من الخوف ؟ فقالت : لا ، ولكنهم كانوا يبكون.
قال : وحدثنا محمد بن كثير ، عن مخلد بن حسين ، عن هشام بن
حسان ، قال : قيل لعائشة رضي الله عنها : إن قوماً إذا سمعوا القرآن
صَعِقُوا فقالت : إن القرآن أكرم من أن تُنْزَف عنه عقول الرجال ، ولكنه
كما قال الله عز وجل : (تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ
رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ)".
وسئل أنس بن مالك - رحمه الله - عن القوم يقْرأ عليهم القرآن فيصعَقُون ، فقال :
ذلك فعل الخوارج .
(1/196)
قال : حدثنا زيد بن الحباب ،
عن حمران بن عبد العزيز ، وجرير
بن حازم أنهما سمعا محمد بن سيرين ، وسئل عن الرجل يُقرأ عنده
القرآن فيقعُ فقال : ميعادُ ما بيننا وبينه أن يجلس على حائط ، ثم يُقْرأ
عليه القرآن من أوله إلى آخره ، فإن وقع فهو كما قال.
حدثنا أبو عبد الله محمد بن حمد بن حامد بن مفرج الأرْتَاحِي.
رحمه الله ، أنبأنا أبو الحسين علي بن الحسين بن عمر الموصلي
الفراء ، أنا أبو الحسين عبد الله بن أحمد بن سعيد الشيْحِي ، حدثنا أبو
الحسن علي بن أحمد بن عمر بن حفص الحَمافمي المقرئ ، عن أبي
بكر محمد بن الحسين بن عبد الله الآجري ، حدثنا أبو بكر جعفر بن
محمد الفَريابى ، نا إبراهيم بن العلاء الزبيدي ، نا بقية بن الوليد ، عن
شعبة ، عن سعيد الجريري عن أبي نضرة ، عن أبي فراس ، عن عمر بن
الخطاب ، رضي الله عنه ، قال :
"لقد أتى علينا حين ، وما نرى أن أحداً يتعلم القرآن يريد به إلا الله
جلّ ثناؤه ، فلما كان ها هنا بِأُخَرَةٍ خشيت أنّ رجالًا يتعلمونه يريدرن به
الناس وما عندهم فَأريدُوْا اللهَ تعالى بقراءتِكُمْ وأعمالِكُمْ ، فإنا كنّا
نعرفكم!
(1/197)
إذ فينا رسول الله - صلى الله
عليه وسلم - وإذ ينزل الوحي ، وإذ يُنْبِئنا الله من أخباركم ، فأما اليوم فقد مضى
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وانقطع الوحي ، وأنا أَعْرَفُكُمْ بما أقولُ :
من أعل. خيراً أحببناه عليه ، وظننا به خيراً.
ومن أظهر شراً أبغضناه عليه ، وظننا به شراً.
سَرائركم فيما بينكم وبين ربكم تعالى جدّه.
وبالإسناد قال محمد بن الحسين : أنا أبو محمد عبد الله بن صالح
البخاري ، نا مخلد بن الحسين ، نا أبو المَلِيْح ، قال : كان ميمون بن
مِهران يقول : لو صلح أهل القرآن صلح الناس.
قال : وحدثنا جعفر الصندلي قال : سمعت أبا الحسين محمد بن أبي
الورد يقول : كتب حذيفة المرعشى إلى يوسف بن أسباط : بلغني أنك
بعت دينك بحبتين ، وقفت على صاحب لبن ، فقلت بكم هذا ؟ فقال : هو
لك بسدس ، فقلت : لا بثمن ، فقال هو لك ، وكان يعرفك.
اكشف عن رأسك قناع الغافلين ، وانتبه من رقدة الموتى ، واعلم أن من قرأ القرآن ،
ثم آثر الدنيا لم آمن أن يكون بآيات الله عز وجل من المستهزئين.
وعن الحسن قال : مررت أنا وعمران بن حصين على رجل يقرأ
(1/198)
سورة يوسف ، فقام عمران يستمع
لقراءته ، فلما فرغ سأل فاسترجع
عمران ، وقال : انطلق ، فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول :
"من قرأ القرآن فليسأل الله به ، فإنه سيأتي قوم يقرؤن القرآن يسألون الناس
به".
وحدثني أبو المظفر بالإسناد إلى النسائى ، أخبرنا عمرو بن على ، نا
عبد الرحمن ، نا سَلامُ بْنُ أَبي مُطِيْع ، عن أبي عمران الجَوْني عن جندب
قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
"اقْرَؤُوْا القرآنَ ما التلفتْ عليه قلوبُكُمْ ، فإذا اختلَفْتُمْ
فَقُوْمُوْا عنهُ ".
وبه أخبرنا قتيبة بن سعيد ، حدثنا أنس بن عياض ، عن أبي حازم.
عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : "أنزل
القرآن على سبعة أحرف ، المراء في القرآن كفر".
وحدثني الغزنوي ، رحمه الله ؟ بإسناده عن أبي عيسى ، نا أحمد بن
منيع ، نا جرير ، عن قابوس بن أبي ظبيان ، عن أبيه ، عن ابن عباس قال :
(1/199)
قال رسول الله - صلى الله
عليه وسلم -
"الذي ليس في جوفه شيء من القرآن كالبيت الخرب".
هذا حديث حسن صحيح.
وأخبرنا الحافظ أبو طاهر أحمد بن محمد الأصبهانى رحمه الله ، أنا
أبو العلاء محمد بن عبد الجبار بن محمد بقراءتي عليه ، قلت له : حدثكم
أبو الحسن علي بن يحيى بن جعفر بن عَبْد كُوية الإمام ، قال : أنا سليمان
بن أحمد بن أيوب الطبرانى ، نا سعد بن سعد العطار المكي ، نا إبراهيم
بن المنذر ، نا إسحاق بن إبراهيم مولى جُميْع بن حارثة الأنصاري ، حدثني
عبد الله بن ماهان الأزدي ، حدثني فائد مولى عبيد الله بن أبي رافع.
حدثتني سكينة بنت الحسين بن على رضي الله عنهم ، عن أبيها قال : قال
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
"حملة القرآن عرفاء أهل الجنة يوم القيامة".
قال ابن عبد كُوية : وحدثني أبو بكر محمد بن أحمد المقرئ ، أنا
محمّد بن إبراهيم بن سفيان ، نا محمد بن قُدامة المِصيصى ، حدثنا جرير
بن عبد الحميد ، أنا الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة ، قال : قال
لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : يا أبا هريرة : (تَعَلمْ القرْآنَ
وَعَلمْهُ الناسَ ، ولا تزال كذلك حتى يأتيك الموت ، فإنه إن أتاك الموت ، وأنت
كذلك حَجّت الملاثكة إلى قبرك كما يحج المؤمنون إلى بيت الله الحرام ".
وروى أبو عبيد عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال :
"إن الله سبحانه وتعالى جَواد يحبُّ الجُوْدَ ، ويحب مَعَاْليَ الأخلاق ،
ويكرَهُ سَفْسَاْفَهَاْ ، وإن من
(1/200)
تعظيم جلال الله تعالى إكرامَ
ثلاثة : الإمامُ المُقْسِطُ ، وذو الشيْبَةِ المسلم.
وحامل القرآن غيرُ الغالي فيه ، ولا الجافى عنه".
وعن خُلَيْد العصرِيٌ قال : لما ورد علينا سلمان ، رحمه الله ، أتيناه
نستقرئه القرآن ، فقال : إِن القرآنَ عربي فاشَقْرئوه رجلًا عربيًا ، قال : فكان
زيد بن صُوْحان يُقْرِئُنا ، ويأخذ عليه سلمان.
وعن الآجُري ، رحمه الله ، بإسنادنا المتقدّم قال محمد بن الحسين :
بنبغي لمن علمه الله وفضله على غيره ممن لم يُحَمِّلْهُ كتابه ، وَأحبَّهُ أن
يكونَ من أهل القرآن ، وأهل الله وخاصته ، وممن وعده الله عز وجل الفضل
العظيم ، وممن قال الله عز وجلّ فيهم :
(الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ)
وممن قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
"الذي يقرأ القرآن ، وهو به ماهر ، مع الكرام السفَرَةِ ، والذي يقرؤه ، وهو
عليه شاق ، له أجران".
(1/201)
وقال بشر بن الحارث سمعت عيسى
بن يونس يقول : إذا ختم العبد
قَبَّله الملك بين عينيه.
قال : فينبغي له أن يجعل القرآن ربيعاً لقلبه
يعمر به ما خرب من قلبه ، فيتأدب بأدب القرآن ، ويتخلق بأخلاق شريفة
يتميز بها عن سائر الناس ممن لا يقرأ القرآن ، فأول ما ينبغي له أن يستعمل.
تقوى الله عز وجل في السر والعلانية باستعماله الورع في مطعمه ومشربه
وملبسه ومسكنه".
وأن يكون بصيراً بزمانه ، وفساد أهله ، فهو يحذرهم على
دينة ، مقبلاً على شأنه ، مهموماً بإصلاح ما فسد من أمره ، حافظاً للسانه.
مميزاً لكلامه ، إن تكلم تكلم بعلم إذا رأى الكلام صواباً ، وإن سكت.
سكت بعلم إذا كان السكوت صواباً ، قليل الخوض فيما لا يعينه يخاف من
لسانه أشدَ مما يخاف من عدوه ، يحبس لسانه كحبسه لعدوه ليأمن.! من
شره ، وسوء عاقبته ، قليل الضحك فيما يضحك منه الناس لسوء عاقبة
الضحك ، إن سُرَّ بشيء مما يوافق الحق تبسم ، يكره المزاح خوفًا من
اللعب ، فإن مزح قال حقاً ، باسط الوجه طيب الكلام ، لا يمدح نفسه بما
فيه ، فكيف بما ليس فيه ؟ يحذْرمن نفسه أن تغلبه على ما تهوى مما يسخط
مولاه ، لا يغتاب أحداً ولا يحقر أحدًا ، ولا يسب أحداً ، ولا يشمت
(1/202)
بمصيبة ، ولا يبغي على أحد ،
ولا يحسده ، ولا يسيء الظن بأحد إلا بمن
يستحق فحينئذٍ يظن بعلم ، ويتكلم بما في الإنسان من عيب بعلم.
ويسكت عن حقيقة ما فيه بعلم ، قد جعل القرآن والسنة والفقه دليله إلى
كل خلق حسن جميل ، حافظ لجميع جوارحه عما نُهِيَ عنه ، إن مشى
مشى بعلم ، وإن قعد قعد بعلم ، يجتهد ليسلم الناس من لسانه ويده ، ولا
يجهل ، وإن جهل عليه حلم ، لا يظلم ، وإن ظلم عفا ، لا يبغي وإن بُغِيَ
عليه صبر ، يكظم غيظه ليرضي ربَّه ، ويغيظ عدوه ، متواضع في نفسه ، إذا
قيل له الحق قَبِلَهُ من صغير أو كبير ، يطلب الرفعة من الله عز وجل لا من
المخلوقين ، ماقت للكبر ، خائف على نفسه ودينه ، لا يتأكل بالقرآن ، ولا
يحب أن تقضى له به الحوائج ، ولا يسعى به إلى أبواب الملوك ، ولا
يجالس به الأغنياء ليكرموه ، إن كسب الناس من الدنيا الكثير بلا فقه كسب
هو القليل بفقه وعلم إن لبس الناس اللين للتفاخر ، لبس هو من الحلال ما
يستر عورته ، إن وسع عليه وسَّع على نفسه ، وإن أمسك عليه أمسك يقنع
بالقليل فيكفيه ، ويحذر على نفسه من الدنيا ما يُطغيه ، يتبع واجبات القرآن
والسنة ، يأكل بعلم ، ويشرب بعلم ، ويلبس بعلم ، وينام بعلم ، ويجامع
أهله بعلم ، ويصحب الإخوان بعلم ، ويزورهم بعلم ، ويستأذن عليهم
بعلم ، ويسلم عليهم بعلم ، ويجاور جاره بعلم ، ويلزم نفسه بر والديه.
فيخفض لهما جناحه ، ويخفض لصوتهما صوته ، ويبذل لهما ماله.
وينظر إليهما بعين الوقار والرحمة ، ويدعو لهما بالبقاء ويرفق بهما عند
الكبر ، لا يضجر بهما ، ولا يحقرهما إن استعانا به على طاعة أعانهما ، وإن
استعانا على معصية لم يعنهما عليها ، ورفق بهما في مغصيته إياهما يحسن
الأدب ليرجعا عن قبيح ما أرادا فيما لا يحسن بهما فعله ، يصل الرحم ،
(1/203)
ويكره القطيعة ، من قطعه لم
يقطعه ، من عصى الله فيه أطاع الله الكريم
فيه ، يصحب المؤمنين بعلم ، ويجالسهم بعلم ، من صحبه نفعه ، يحسن
المجالسة لمن جالسه ، إن علَّم غيره رفق به ، ولا يعنف من أخطأ ، ولا
يخجله ، رفيق في أموره ، صبو رعلى تعليم الخير ، يأنس به المتعلم.
ويفرح به المجالس ، مجالسُه يفيد خيراً ، يؤدب من جالسه بأدب القرآن
والسنة ، وإن أصيب بمصيبة فالقرآن والسنة له مؤدبان ، يحزن بعلم ، ويبكي
بعلم ، ويصبر بعلم ، ويتطهر بعلم ، ويصلي بعلم ، ويزكي بعلم ويتصدق
بعلم ، ويصوم بعلم ، ويحج بعلم ، ويجاهد بعلم ، ويكسب بعلم ، وينفق
بعلم ، وينبسط في الأمور بعلم ، وينقبض فيها بعلم ، يتصفح القرآن ليؤدب
به نفسه ، ولا يرضى من نفسه أن يؤدّي ما فرض اللّه عز وجل عليه بِجَهْلٍ قد جعل
القرآن والسنة والفقه دليله إلى كل خير ، إن درس القرآن فبحضور
فهم وعقل ، همته إيقاع الفهم لما ألزمه الله عز وجل من اتباع ما أمر.
والانتهاء عما نهى ، ليس هِمتهُ متى أَخْتُمُ السورةَ ؟ هِمتُةُ متى أستغني
بالله عن غيره ؟ متى أكون من المتقين ؟ متى أكون من المحسنين ؟ متى
أكون من المتوكلين ؟ متى أكون من الخاشعين ؟ متى أكون من الصابرين ؟
متى أكون من الصادقين ؟ متى أكون من الخائفين ؟ متى أكون من الراجين ؟
متى أزهد في الدنيا ؟ متى أرغب في الآخرة ؟ متى أتوب من الذنوب ؟
متى أعرف النعم المتواترة ؟ متى أشكره عليها ؟ متى أعقل عن الله عز وجلّ
الخطاب ؟ متى أفقه ما أتلو ؟ متى أغلب نفسي على ما تهوى ؟ متى
أجاهد في الله حق جهاده ؟ متى أحفظ لساني ؟ متى أغض طرفي ؟
متى أحفظ فرجي ؟ متى استحي من الله حق الحياء ؟ متى أشتغل بعيبي ؟
متى أصلح ما فسد من أمري ؟ متى أتزود ليوم معادي ؟ متى أكوِن
من الله راضياً ؟ متى أكون بالله واثقاً ؟ متى أكون بزجر القرآن متعظاً ؟
(1/204)
متى أكون بذكره عن ذكر غيره
مشتغلًا ؟ متى أحب ما أحب ؟
متى أَبغَضُ ما أبغضَ ؟ متى أنصح لله ؟ متى أخلص له عملي ؟ متى أُقصر
أملي ؟ متى أتأهب ليوم موتي وقد غيب عني أجلي ؟ متى أعمر قبري ؟ متى
أتفكر في الموقف وشدته ؟ متى أفكر في خلوتي مع ربي ؟ متى أحذر ما
حذرني ربي عز وجل من نارٍ حرها شديد ، وقعرها بعيد ، وعمقها طويل ، لا
يموت أهلها فيستريحون ، ولا تُقال عثرتهم ، ولا ترحم عبرتهم ، وطعامهم
الزقوم ، وشرابهم الحميم ، كلما نضجت جلودهم بُدلوا جلوداً غيرها ليذقوا
العذاب ، ندموا حيث لا ينفعهم الندم ، وعضوا على الأيدي أسفاً على
تقصيرهم في طاعته ، وركوبهم المعاصي لله عز وجل ، فقال منهم قائل :
"يا ليتني قدمت لحياتي ، وقال قائل : "رب ارجعون لعلي أعمل
صالحاً فيما تركت ، وقال قائل : "يا ويلتنا مال هذا الكتاب لا يغادر
صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها "..
وقال قائل : (يا ويلتى ليتنى لم أتخذ فلاناً خليلاً)
وقالت فرقة منهم وجوههم تتقلب في أنواع من العذاب :
"يا ليتنا أطعنا الله وأطعنا الرسولا".
فهذه النار يا معشر المسلمين ، يا حملة القرآن حذرها الله عز وجل
للمؤمنين في غير موضع من كتابه رحمة منه لهم فقال عز وجل :
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا
وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا
يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ (6).
(1/205)
وقال عز وجل : (يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ
وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (18) وَلَا تَكُونُوا
كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ
الْفَاسِقُونَ (19).
فحذر المؤمنين أن يغفلوا عما فرض عليهم ، وعهد إليهم أن لا يضيعوه ، وأن
يحفظوا ما استرعاهم من حدود ، ولا يكونوا - كغيرهم ممن فَسَقَ عن أمره
فعذبه بأنواع العذاب.
ثم أَعْلَم المؤمنين أنه (لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ
الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ (20).
قال محمد بن الحسين : فالمؤمن العاقل إذا تلا القرآن استعرض
القرآن ، فكان كالمرآة يرى بها ما حسن فعله وما قبح.
فما حذره مولاه حذِره ، وما خوفه به من عقابه خافه ، وما رغبه فيه مولاه رَغِب فيه
، ورجاه ، فمن كانت هذه صفته ، أو ما قارب هذه الصفة ، فقد تلاه حق تلاوته ، ورعاه
حق رعايته ، وكان له القرآن شاهداً وشفيعًا وأنيساً وحِرْزاً -
أسال الله عز وجل بكرمه أن يجعل لي من هذه الأوصاف حظاً أتخلَّص به
من تبعة القرآن - وقد كان شيخنا أبو القاسم الشاطبى رحمه الله صاحب
هذه الصفات جميعها ، وربما زاد عليها.
قال محمد بن الحسين حدثنا أبو بكر عبد الله بن سليمان
(1/206)
السجستانى ، وحدثني أبو
المظفر الجوهري ، رحمه الله ، بإسناده إلى أبي
بكر حدثنا أبو الطاهر أحمد بن عمرو ، أنبأنا ابن وهب ، أخبرني يحيى بن
أيوب ، عن زَبان بن فائد ، عن سهل بن معاذ الجهنى ، عن أبيه أن
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال :
"من قرآ القرآن وَعَمِلَ بما فيه ، ألبِسَ والِداهُ تاجاً يومَ
القيامةِ ، ضَوْءُهُ أحْسَنُ من ضوْءِ الشمسِ في بيوت الدنيا ، فما ظَنكَ بالذي
عمِلَ بهذا ؟ ".
قال محمد بن الحسين رحمه الله حدثنا محمد بن صاعد ، حدثنا
الحسين بن الحسن المروزي ، أنبأنا ابن المبارك ، أنبأنا همام ، عن قتادة
قال : لم يجالس هذا القرآن أحد إلَّا قام عنه بزيادة أو نقصان قضاء الله
الذي قضى ، شفاء ورحمة للمؤمنين ، ولا يزيد الظالمين إلا خساراً.
وقال قتادة في قول الله عز وجل : (وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ
بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِدًا)
قال : البلد الطيب المؤمن سمع كتاب الله فوعاه ، وأخذ به ، وانتفع به كمثل هذه
الأرض أصابها الغيث وأنبتته - وأمرعت ، (وَالَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلَّا
نَكِدًا)
(1/207)
إلا عَسِراً وهذا مثل الكافر
سمع القرآن ، فلم يعقله ، ولم يأخذ به ، ولم ينتفع به كمثل هذه الأرض الخبيثة
أصابها الغيث فلم تنبت شيئاً ، ولم تمرع
شيئاً.
قال محمد بن الحسين : ينبغي لأهل القرآن أن يتأدبوا به ، ولا يغفلوا
عنه ، فإذا انصرفوا عن تلاوة القرآن اعتبروا نفوسهم بالمحاسبة لها ، فإن
تبينوا منها قبول ما ندبهم إليه مولاهم الكريم مما هو واجب عليهم من أداء
فرائضه ، واجتناب محارمه فحمدوه في ذلك وشكروا الله عز وجل على ما
وفقهم له وَإنْ علموا أن النفوس مُعرضة عما ندبهم إليه مولاهم الكريم قليلة
الاكتراث به استغفروا الله عز وجل من تقصيرهم وسألوه النقلة من هذه
الحالة التي لا تحسن بأهل القرآن ، ولا يرضاها لهم مولاهم إلى حال
يرضاها ، فإنه لا يقطع من لجأ إليه.
ومن كانت هذه حاله وجدَ منفعة تلاوة القرآن في جميع أمورِه ، وعاد
عليه من بركة القرآن كما يحب في الدنيا والأخرة.
قال محمد بن الحسين : حدثنا أحمد بن يحيى الحلواني ، حدثنا
محمد بن الصباح الدولابي ، حدثنا وكيع ، حدثنا هشام ، عن أبيه ، عن
عائشة رضي الله عنها أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال :
"إذا نعِسَ أَحدُكُمْ فَلْيَرْقُدْ ، فإن أحدكم يريد أن يستغفر الله عز وجل
فيُسب نفسه.
(1/208)
قال زِر : قلت لعطاء : أَقرأُ
القرآنَ فيخرُجُ مني الريحُ فقال : تُمسك
عن القراءةِ حتى تنقضي الريح.
وعن مجاهد رحمه الله : إذا تثاءبت ، وأنت تقرأ ، فأمسك حتى
يذهب عنك.
وروى أبو عبيد ، رحمه الله ، عن أبي مَيْسَرَة أن جبريل عليه السلام
لقَّن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عند خاتمة القرآن ، أو قال عند خاتمة
البقرة : آمين ".
وكان معاذ بن جبل ، رحمه الله ، إذا ختم سورة البقرة قال : آمين.
وكان جُبَيْر بن نُفَير يقول : آمين آمين حتى يركع ، ويقول ، وهو
راكع ، حتى يسجد
ودخل عمر ، رضي الله عنه ، المسجد ، وقد سبق ببعض الصلاة.
فنثسب في الصف ، وقد قرأ الِإمام : (وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا
تُوعَدُونَ).
فقال عمر : وأنا أشهد ، رفع صوته حتى ملأ المسجد.
وسمع عمر رضي الله عنه رجلًا يقرأ :
(هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا).
فقال يا ليتها تَمَّت .
(1/209)
وسمع ابن مسعود - رحمه الله -
من قرأ هذه الآية ، فقال :
إيْ وعزتك فجعلته : سميعاً بصيراً وحياً وميتاً.
وعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه تلا هذه الآية : (يَا أَيُّهَا
الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ)
فقال : جهله.
وعن بعض أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يقرأ فوق بيت له (أَلَيْسَ
ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى)
فرفع صوته فقال : سبحانك اللهم وبلى"
فسئل عن ذلك فقال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقوله.
وعن ابن عباس رضي الله عنه أنه قرأ في الصلاة (أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى
أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى) فقال : سبحانك اللهم وبلى.
وعن أبي هريرة : من قرأ ذلك فليقل : بلى ، وكذلك في آخر
(والتين والزيتون)
ومن قرأ آخر المرسلات فليقل : آمنت بالله ، وما أنزل.
وعن أبي أحمد الزبيري ، عن سفيان ، عن عمر بن عطية قال :
(1/210)
سمعت أبا جعفر محمد بن على
يقول : إذا قرأت : (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ).
فقل أنت : اللهُ أَحَدُ ، وإذا قرأت (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ)
فقل أنت : أعوذ برب الفلق ، وإذا قرأت (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ)
فقل أنت : أعوذ برب الناس.
وعن عبد خير قال : سمعت علياً عليه السلام قرأ في الصلاة
(سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى) فقال : سبحان ربي الأعلى.
وكذلك روي عن ابن عمر ، وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - وعن أبي موسى ، وسعيد بن
جبير.
وقال صلة بن أشيم : إذا أتيت على هذه الآية (وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو
الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ) فقف عندها ، وسل الله الجليل.
ورُوِيَ أنه كان يُسْتَحب للقارئ إذا قرأ (أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ
يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ) أن يرفعْ صوته .
(1/211)
ذكر ختم القرآن
أبو عبيد بإسناده عن أبي قلابة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
"من شهد خاتمة القرآن كان كمن شهد المغانم حين تقسم ، ومن شهد فاتحة القرآن
كان كمن شهد فتحاً في سبيل الله".
وعن قتادة كان بالمدينة رجل يقرأ القرآن من أوله إلى آخره على
أصحاب له ، فكان ابن عباس يضع عليه الرقباء ، فإذا كان عند الختم جاء
ابن عباس فشهده.
وعن ابن مسعود ، رضي الله عنه ، قال : من ختم القرآن فله دعوة
مستجابة.
وكان إذا ختم القرآن جمع أهله ، ثم دعا ، وآمنوا على
دعائِهِ ، وكان أنس بن مالك يجمع أهله عند الختم.
وقال إبراهيم التيمى كان يقال : إذا ختم الرجل القرآن في أول النهار صلت عليه
الملائكة بقية يومه ، وإذا ختمه أول الليل صلت عليه الملائكة بقية ليلته
قال : فكانوا يحبون أن يختموا في أول النهار ، وفي أول الليل .
(1/212)
وقال محمد بن جحَادة : كانوا
يستحبون إذا ختموا من أول الليل أن
يختموا في الركعتين بعد المغرب ، فإذا ختموا من النهار أن يختموا في
الركعتين قبل صلاة الفجر.
* * *
تجزئة القرآن
يقال : أجزاء القرآن ، والأحزاب ، والأوراد بمعنى واحد.
وأظن الأحزاب مأخوذاً من قولهم : حِزْب فلان أي جماعته ؛ لأن الحزب طائفة من
القرآن ، والورد أظنه من الوِرْد الذي هو ضد الصَّدَر ؛ ولأن القرآن يروي ظمأ
القلوب.
قال أبو عبيد : حدثنا مروان بن معاوية ، عن عبد الله بن عبد الرحمن
الطائفي ، قال : حدثني عثمان بن عبد الله بن أوس الثقفي ، عن جده أنه
كان في الوفد الذين قَدِموا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من بني مالك ،
فأنزلهم في قبة له في المسجد قال : فكان يأتينا ، فيحدثنا بعد العشاء ، وهو قائم ،
حتى يراوح بين قدميه من طول القيام ، وكان أكثر ما يحدثنا شكايته قريشًا ، وما كان
يلقى منهم ، ثم قال : كنا مستضعفين ، فلما قدِمنا المدينة انتصفنا من القوم ،
وكانت سجال الحرب بيننا ، علينا ولنا.
قال : فاحتبس عنا ليلة ،
(1/213)
فقلنا : يا رسول الله : لبثث
عنا الليلة أكثر مما كنت تلبث قال : نعم طرأ
على حزبي من القرآن ، فكرهت أن أخرج - من المسجد حتى أقضيه".
قال أبو عبيد : وحدثني أبو نعيم ، عن عبد الله بن عبد الرحمن
الطائفى ، عن عثمان بن عبد الله بن أوس ، عن جدّه عن النبي - صلى الله عليه وسلم -
مثل ذلك ، وزاد في حديثه : قال : فقلنا لأصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
إنه قد حدثنا
أنه طرأ عليه حزبه من القرآن ، فكيف تحزبون القرآن ؟
فقالوا : نحزبه ثلاث سور ، وخمس سور ، وسبع سور ، وتسع سور ، وإحدى عشرة سورة ،
وثلاث عشرة سورة ، وحزب المفصل فيما بين قاف وأسفل.
وقوله - صلى الله عليه وسلم - :
"طرأ على حزبي من القرآن : هو من قولهم طرأ علينا يطرأ طَرءاً وطروءً.
إذا طلع عليهم من بلد آخر ، فلما خطر بباله - صلى الله عليه وسلم - حزبه صار كأنه
طرأ عليه".
وحدثني المظفر الجوهري ، رحمه الله ، بالسند المتقدم إلى أبي بكر
عبد الله بن أبي داود ، حدثنا محمود بن آدم المروزي حدثنا بشر بن
السري ، حدثنا محمد بن مسلم ، عن إبراهيم بن ميسرة ، عن عثمان بن
عبد الله بن أوس ، عن المغيرة بن شعبة ، قال : استأذن رجل على
(1/214)
رسول الله - صلى الله عليه
وسلم - ، وهو بين مكة والمدينة ، قال :
إنه قد فاتني الليلة جزئي من القرآن فإني لا أوثر عليه شيئاً.
قال عبد الله : وحدثنا يعقوب بن سفيان ، قال : حدثنا ابن أبي مريم
قال : أنبأنا يحيى بن أيوب قال : حدثني ابن الهاد ، قال : سألني نافع بن
جُبَيْر فقال : في كم تقرأ القرآن ؟
فقلت - : ما أُجَزِّئُهُ ، فقال نافع : لا تقُلْ : ما أُجَزئُهُ ، فإن رسول الله -
صلى الله عليه وسلم - كان يقول :
"قرأت جزءاً من القرآن ".
وقال عبد الله : حدثنا هارون بن سليمان ويحيى بن حكيم ، قالا :
حدثنا عبد الله بن بكر السهمي قال : حدثنا عمرو بن منخل السدُوسي.
عن مطهر بن خالد الربعى ، عن سالم ، وقال يحيى عنْ سلام أي محمد
الحماني : قال أبو بكر بن أبي داود : ليس هو سالم ، ولا سلام إنما هو
راشد أبي محمد الحماني ، قال : جمع الحجاج بن يوسف الحفاظ
والقراء ، وكنت فيهم فقال : أخبروني عن القرآن كله كم هو من حرف
قال : . فجعلنا نحسب حتى أجمعوا أن القرآن كله بثلاتممائة ألف حرف
وأربعين ألف حرف وسبع مائة حرف ونيف وأربعين حرفاً.
قال : فأخبروني إلى أي حرف ينتهي نصف القرآن ؟
فحسَبوا ، وأجمعوا أنه ينتهي في الكهف (وَلْيَتَلَطفْ) في الفاء
قال : فأخبروني بأسباعه على الحروف ، فإذا أول سبع في النساء
(فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ) في الدال ، والسبع الثاني في
الأعراف (حَبِطَتْ) في التاء
قلت : يعني قوله عز وجل : (وَلِقَاءِ الْآخِرَةِ حَبِطَتْ)
والسبع الثالث في الرعد (أُكُلُهَا دَائِمٌ)
(1/215)
الألف آخر (أكلُهَاْ) والسبع
الرابع في الحج (لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا)
في الألف ، والسبع الخامس في الأحزاب (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ)
في الهاء ، والسبع السادس في الفتح (الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ) في
الواو.
والسابع ما بقي من القرآن.
قال فأخبروني بأثلاثه قالوا : الثلث الأول رأس مائة من براءة ، والثلث
الثاني رأس إحدى ومائة من طسم الشعراء ، والثلث الثالث ما بقي من
القرآن.
قال الحماني وسألنا عن أرباعه فإذا أول ربع خاتمة سورة الأنعام.
والربع الثاني في الكهف (وليتلطف) والربع الثالث خاتمة الزمر ، والربع
الرابع ما بقي من القرآن.
قال الحماني : عملناه في أربعة أشهر وكان الحجاج يقرؤه في كل ليلة.
وقال عبد الله حدثنا محمد بن عامر بن إبراهيم عن أبيه ، عن الفيض
بن موسى قال : حدثنا عبد الواحد العطار ، عن هلال الوراق ، وعاصم
الجحدري أنهما قالا : نصف القرآن خاتمة الكهف ، وخاتمته (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ
النَّاسِ).
وثلث القرآن خاتمة براءة ، وخاتمة طسم القصص ، وآخر القرآن.
وربع القرآن خاتمة الأنعام ، وخاتمة الكهف ، وخاتمة يس ، وآخر
القرآن.
(1/216)
وخمس القرآن خاتمة المائدة ،
وخاتمة يوسف ، وخاتمة الفرقان.
وخاتمة حم السجدة ، وآخر القرآن.
وسدس القرآن خاتمة النساء ، وخاتمة براءة ، وخاتمة الكهف.
وخاتمة طسم القصص ، وخاتمة الدخان ، وآخر القرآن.
وسبع القرآن (يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا) في النساء ، وفي سورة
الأعراف (إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ).
وفي سورة إبراهيم (لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (25).
وفي المؤمنين (أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ
(55).
وفي سبأ (فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (20).
وخاتمة الفتح ، وآخر القرآن.
وثمن القرآن البقرة ، وآل عمران ، وخاتمة الأنعام ، وخاتمة هود.
وخاتمة الكهف ، وخاتمة الشعراء ، وخاتمة يس ، وخاتمة والذاريات ، وآخر
القرآن.
ولم يحفظ التسع.
وعشره البقرة ، ومائة من آل عمران ، وخاتمة المائدة ، وخاتمة
الأنفال ، وخاتمة يوسف ، وخاتمة الكهف ، وخاتمة الفرقان ، وخاتمة
الأحزاب ، وخاتمة حم السجدة ، وخاتمة الواقعة ، وآخر القرآن.
والقرآن كله ستة آلاف آية ، ومائتان وأربع آيات ، وهو مائة وأربع
عشرة سورة مع فاتحة الكتاب.
وقال عبد الله : حدثنا شعيب بن أيوب قال : حدثنا يحيى بن آدم
قال :
أسباع القرآن :
السبع الأول خمس مائة وسبع وأربعون آية ، والسبع الثاني خمس
(1/217)
مائة وسبعون آية ، والسبع
الثالث ستمائة وإحدى وخمسون آية.
والسبع الرابع تسعمائة وثلاث وخمسون آية والسبع الخامس ثمانِ مائة
وثمانِ وستون آية ، والسبع السادس تسع مائة وست وثمانون آية.
والسبع الآخر ألف آية وستمائة وأربع وعشرون آية.
فجميع آي القرآن ستة آلاف ومائتا آية وتسع وعشرون آية في
الجملة.
نقصان (ثلاثون) آية خطأ في الحساب.
وجميع حروف القرآن ثلاثمائة ألف حرف وواحد وعشرون ألف
حرف ومئتا حرف وخمسون حرفاً.
قال يحيى بن آدم : حدثنيه يزيد بن أسحم قال : أعطانيه حمزة
الزيات من كتابه ، فيصير كل سبع من أسباع القرآن خمسة وأربعين ألف :
حرف وثمانِ مائة حرف واثنين - وتسعين حرفًا ، تبقى ستة أحرف.
قال أبو بكر بن أبي داود : القائل حدثنيه يزيد بن أسحم عن
يحيى بن آدم : وأسباع القرآن : السبع الأول في النساء (يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا
(61).
(1/218)
والثاني في الأعراف (إِنَّا
لَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ (170).
والسبع الثالث في إبراهيم (كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا
فِي السَّمَاءِ (24) . . . إلى قوله : (لعلهم يَتَذَكرُونَ).
والرابع في المؤمنين قوله عز وجل : . . . نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ
(55).
والخامس في سبأ (فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (20).
والسادس خاتمة الفتح ، والسابع بقية القرآن.
وقال عبد الله بن أبي داود : حدثنا يعقوب بن سفيان ، حدثنا عبد الله
بن الزبير الحُميدي ، حدثنا أبو الوليد عبد الملك بن عبد الله بن مسعود.
عن إسماعيل بن عبد الله بن قسطنطين ، عن حميد الأعرج أنه حسب
حروف القرآن ، فوجد النصف الأول من القرآن ينتهي إلى خمس وستين آية
من سورة الكهف عند قوله (هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا
عُلِّمْتَ رُشْدًا (66) قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (67).
وهو الربع الثاني والسدس الثالث والثمن الرابع والعشر الخامس ، وصار
(مَعِيَ صَبْرًا) من النصف الآخر إلى أن يختم القرآن.
والثلث الأول ينتهي إلى بعض إحدى وتسعين
آية من براءة عند قوله : ( . . . كَذَبُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ سَيُصِيبُ)
إلى الياء من (سَيُصِيْبُ) وهو السدس الثاني ، والتسع الثالث.
وصارت الياء من (سيصيب) من الثلث الأوسط ينتهي إلى بعض
ستٍ وأربعين آية من سورة العنكبوت عند قوله : (إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ
إِلَّا)
وهو السدس الرابع ، والتسع السادس ، وصارت (الَّذِين ظَلَمُوا) من الثلث الآخر ،
والثلث الآخر ينتهي إلى أن يختم القرآن.
(1/219)
والربع الأول ينتهي إلى أول
آية من سورة الأعراف إلى (وذِكْرَى
لِلْمُؤْمِنِينَ) وهو الثمن الثاني وصارت (اِتبِعُوا) من الربع الثاني ، والربع
الثاني ينتهي إلى (إِنكَ لَنْ تَسْتَطِيْعَ) حيث انتهى النصف ، والربع الثالث
إلى بعض مائة وثمان وأربعين آية من سورة الصافات عند (فَآمَنُوا فَمَتَّعْنَاهُمْ)
وهو الثمن السادس ، وصارت (إِلَى حِينٍ) من الربع الآخر.
: الربع الآخر إلى أن يختم القرآن.
والخمس الأول ينتهي إلى بعض اثنتين وثمانين آية من سورة المائدة
عند قوله : (أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ) ، وهو العشر الثاني ، وصارت (وَفِي
الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ) من الخمس الثاني ، والخمس الثاني ينتهي إلى
بعض ست وأربعين من سورة يوسف عند قوله تعالى : (لَعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ)
وهو العشر الرابع ، وصارت (لَعَلَّهُمْ) من الخمس الثالث.
أوالخمس الثالث ينتهي إلى بعض إحدى وعشرين آية من سورة الفرقان عند
قوله عز وجلٌ (أَوْ نَرَى رَبَّنَا) ، وهو العشر السادس.
وصارت (لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا) من الخمس الرابع ، والخمس الرابع ينتهي إلى بعض خمس
وأربعين آية من سورة حم السجدة عند قوله عز وجل :
(مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ) ، وهو@العشر الثامن ، وصارت (أَسَاءَ
فَعَلَيْهَا) من الخمس الخامس ، والخمس الخامس ينتهي إلى أن يختم القرآن :
والسدس الأول ينتهي إلى بعض إحدى وأربعين ومائة من سورة
النساء عند قوله عز وجلٌ : (إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا) وصارت (كُسَالَى) من
السدس الثاني ، والسدس الثاني ينتهي إلى إحدى وتسعين آية من سورة
براءة في (سُيُصِيْبُ) إلى الياء ، وهو الثلث الأول والتسع الثالث ، وصارت
(1/220)
الباء من (سيصيب) منْ السدس
الثالث والسدس الثالث ينتهي إلى بعض
خمس وستين آية من سورة الكهف عند (إِنَّكَ لَن تَستَطِيعَ) ، وهو النصف
الأول ، والربع الثاني ، والثمن الرابع ، والعشر الخامس ، وصارت (معيَ
صبراً) من السدس الرابع ، والسدس الرابع - ينتهي إلى بعض ست وأربعين
آية من سورة العنكبوت عند قوله عز وجل : (بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا) ، وهو
التسع السادس ، وصارت (الذين ظلموا) من السدس الخامس.
والسدس الخامس ينتهي إلى بعض أربع وثلاثين آية من حم الجاثية عند
قوله عز وجل : (فَالْيَوْمَ لَا يُخْرَجُونَ مِنْهَا) وصارت (وَلَا هُمْ
يُسْتَعْتَبُونَ)
من السدس الآخر ، والسدس الآخر ينتهي إلى أن يختم القرآن.
والسبع الأول ينتهي إلى بعض ست وخمسين آية من سورة النساء
عند قوله عز وجل : (أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَنُدْخِلُهُمْ) ، وصارت
(وَنُدْخِلُهُمْ) من السبع الثاني ، والسبع الثاني ينتهي إلى مائة وسبع وستين آية
من الأعراف عند
قوله عز وجل : (إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْـ) وصارت (عِقَابِ) من السبع
الثالث ، والسبع الثالث ينتهي إلى بعض أربع وعشرين آية من سورة إبراهيم
عند قوله عز وجل : (وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْـ) ، وصارت (كُمْ) من السبع
الرابع ، والسبع الرابع ينتهي إلى بعض سبع وأربعين آية من سورة المؤمنين
عند قوله عزَّ وجلَّ : (وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوْسَى الكِتابَ) ، وصارت (لَعَلَّهُمْ
يَهْتَدُونَ) من السبع الخامس ، والسبع الخامس ينتهي إلى بعض ثمانِ
عشرة آية من سورة سبأ عند (قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْ) وصار (نَا) من السبع
السادس ، والسبع السادس ينتهي إلى آخر حرف من الآية الثانية من سورة
الحجرات (وَأنتمْ لاَ تَشعُرُونَ) وصارت (إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ) من السبع
الآخر والسبع الآخر إلى أن يختم القرآن .
(1/221)
والثمن الأول ينتهي إلى بعض
مائة وخمس وتسِعين آية من سورة آل
عمران عند قوله عز وجل : (مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ) وصارت الواو والياء
والهاء والميم التي في (مَأْوَاهُمْ) من الثمن الثاني ، والثمن الثاني ينتهي إلى
أول
آية من سورة الأعراف عند (وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنَيْنَ) ، وهو الربع الأول.
- وصارت (اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ) من الثمن الثالث ، والثمن الثالث
ينتهي
إلى بعض سبع وثلاثين آية من سورة هود عند (وَفَارَ) وصارت (التَّنُّورُ)
من الثمن الرابع ، والثمن الرابع ينتهي إلى خمس وستين آية من سورة
الكهف عند (إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ) حيث انتهى النصف الأول ، وهو الربع
الثاني ، والعشر الخامس ، وصارت (مَعِيَ صَبْراً) من الثمن الخامس.
والثمن الخامس ينتهي إلى آخر سورة الشعراء (أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ) الياء
من (يَنْقَلِبُونَ) من الثمن الخامس والنون والقاف واللام والباء والواو والنون من
الثمن السادس ، والثمن السادس ينتهي إلى بعض مائة وثمانية وأربعين آية
من سورة (والصافات) عند (فآمَنُوا فَمَتعْنَاهُمْ) وهو الربع الثالث ، وصارت
(إلى حينٍ) من الثمن السابع ، والثمن السابع ينتهي إلى أول عشر من
سورة النجم. إلى قوله عز وجل : (فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى (10).
وصارت (مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ) من الثمن الآخر ، والثمن الآخر إلى أن يختم القرآن.
والتسع الأول ينتهي إلى بعض مائة وثلاثة وأربعين آية من سورة آل
عمران عند (فَقَدْ رَأْيتُمُوْهُ وَأ) فالواو والألف آخر التسع الأول ، والنون
والتاء والميم من التسع الثاني ، والتسع الثاني ينتهي إلى بعض أربع
وخمسين آية من سورة الأنعام عند (لِيَقُولُوا أَهَؤُلَاءِ مَنَّ اللَّهُ
عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا)
وصارت (أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ) من التسع الثالث ، والتسع
الثالث
(1/222)
ينتهي إلى بعض إحدى وتسعين
آية من سورة براءة عند (سَيُصِيبُ) إلى
الياء ، وهو الثلث الأول ، والسدس الثاني ، وصارت الباء من (سَيُصِيبُ) من
التسع الرابع ، والتسع الرابع ينتهي في بعض إحدى عشرة آية من سورة
النحل (وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي) وصَاْرَتْ (ذَلِكَ) من التسع الخامس.
والتسع الخامس ينتهي في بعض ثمانِ وعشرين آية من سورة الحج عند
(وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَ) وصارت النون والعين والألف والميم التي في
(الْأَنْعَامُ)
من التسع السادس والتسع السادس ينتهي في بعض ست وأربعين آية من
سورة العنكبوت (وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ
أَحْسَنُ إِلَّا) ، وهو
الثلث الأوسط ، والسدس الرابع ، وصارت (الذين ظلموا) من التسع
السابع ، والتسع السابع ينتهي إلى بعض تسع آيات من أول سورة المؤمن
عند (يُنَادَوْنَ لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْـ) وصارت الفاء
والسين والكاف
والميم من (أَنْفُسَكُمْ) في التسع الثامن ، والتسع الثامن ينتهي في بعض
سبع عشرة آية من أول سورة الواقعة عند (وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ (14) عَلَى)
وصارت (سُرُرٍ) من التسع الآخر والتسع الآخر إلى أن يختم القرآن.
والعشر الأول ينتهي إلى بعض إحدى وتسعين آية من سورة آل عمران عند . (لَنْ
تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا) وصارت (تُحِبُّونَ) من
العشر الثاني ، والعشر الثاني ينتهي إلى بعض اثنتين وثمانين آية من سورة
المائدة عند (لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ
عَلَيْهِمْ) ، وهو
الخمس الأول ، وصارت (وَفِي الْعَذَابِ) من العشر الثالث ، والعشر
الثالث ينتهي إلى بعض اثنتين وثلاثين آية من سورة الأنفال عند (فَأَمْطِرْ
عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ الْتِنَا) ، وصارت (بِعَذَابٍ أَلِيمٍ)
من العشر
الرابع ، والعشر الرابع ينتهي إلى بعض ست وأربعين آية من سورة يوسف
عند قوله عزَّ وجلَّ :
(1/223)
(لَعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى
النَّاسِ) وهو الخمس الثاني ، وصارت (لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ)
من العشر الخامس ، والعشر الخامس ينتهي إلى خمس وستين
آية من سورة الكهف عند قوله : (إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ) وهو النصف الأول.
والربع الثاِني ، والسدس الثالث ، والثمن الرابع ، وصارت (مَعِيَ صَبْرًا)
من العشر السادس ، والعشر السادس ينتهي إلى بعض إحدى وعشرين آية
من سورة الفرقان عند (لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلَائِكَةُ أَوْ نَرَى
رَبَّنَا) وهو
الخمس الثالث وصارت (لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ) من العشر السابع.
والعشر السابع ينتهي إلى بعض إحدى وثلاثين آية من سورة الأحزاب
(وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ) ، وصارت (صَالِحًا)
من العشر
الثامن ، والعشر الثامن ينتهي إلى بعض خمس وأربعين آية من سورة حم
السجدة عند (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ) وهو الخمس الرابع ، وصارت
(أَسَاءَ فَعَلَيْهَا) من العشر التاسع ، والعشر التاسع ينتهي إلى بعض
خمس وعشربن آية من سورة الحديد عند (وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ
وَالْكِتَابَ) وصارت (فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ) في العشر العاشر ، والعشر العاشر
ينتهي إلى آخر القرآن.
* * *
ذكر أنصاف الأسداس :
وهي أجزاء اثني عشر ، الأول من ذلك خاتمة البقرة ، وهذا قول
المعلى بن عيسى الورَّاق ، وقال محمد بن الجهم السمري (لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ
الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) من آل عمران " وقيل : عند قوله عزَّ وجلَّ : (وَقِنَا
عَذَابَ النَّارِ)
منها والجزء الثاني ينتهي إلى السدس الأول ، والثالث إلى
الربع الأول والرابع إلى الثلث الأول ، والخامس إلى آخر الرعد ، وقيل :
إلى قوله عز وجل : (وَبِئْسَ الْمِهَادُ) منها.
(1/224)
والجزء السادس إلى انتهاء
النصف الأول ، والسابع في النور (وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ) وقيل : إلى
قوله : (وَأَنَّ اللَّهَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (20).
والثامن ألخر القصص ، وقول الجماعة هو آخر الثلث الثاني.
والتاسع هو الربع الثالث ، والعاشر هو السدس الخامس ، والحادي عشر
آخر الامتحان ، وقيل : خاتمة الصف ، والثاني عشر خاتمة الناس.
وأما أنصاف الأسباع :
فحدثني أبو القاسم شيخنا ، رحمه الله ، قال : حدثنا أبو الحسن علي
بن محمد بن هذيل ، حدثنا أبو داود ، حدثنا أبو عمرو عثمان بن سعيد
الداني ، رحمه الله ، قال : رواية الحلوانى عن ابني ذكوان : نصف السبع
الأول من أول البقرة إلى مائتين وخمس وستين آية (لعلكم تتفكرون) ، ونصف
الثاني عشرون آية من الأنعام (فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ) ونصف الثالث ستون آية
من سورة يونس (وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَشْكُرُونَ) ونصف الرابع عند اثنتين
وتسعين آية من الكهف (لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا) ، ونصف الخامس عند
أربعين آية من القصص (فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ) ، وقيل :
عند
قوله : (نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) في رواية ابن المنادي.
وليس مما رواه أبو عمرو الداني ، ونصف السبع السادس أربعون آية من
المؤمن (يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ) ونصف السبع السابع
إلى آخر التغابن.
وقال ابن ذكوان : َ أخذت هذه الأجزاء عن أصحابنا
ومشايخنا أهل الشام.
(1/225)
وأما أجزاء خمسة عشر فداخلة
في أجزاء ثلاثين ، وأجزاء ستين
وسأذكرها إن شاء الله تعالى فتعرف منها أجزاء خمسة عشر.
وأما أجزاء ستة عشر وهي أنصاف الأثمان فنصف الثمن الأول
(وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ) ، ونصف الثمن الثاني (وَلَهُمْ
عَذَابٌ مُقِيمٌ)
في العقود ، ونصف الثمن الثالث في التوبة (وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ (10) .
ونصف الثمن الرابع آخر الحجر ، ونصف الثمن
الخامس آخر الحج ، ونصف الثمن السادس آخر لقمان ، ونصف الثُمن
السابع آخر الشورى . ونصف الثمن الثامن آخر المعارج.
ذكر أجزاء أربعة وعشرين :
وهي القراريط ، وهي أرباع الأسداس.
قال أبو عمرو الداني - رحمه الله -
(1/226)
وبها قرأت على شيخنا فارس بن
أحمد ، رحمه الله. الأول رأس
إحدى وستين ومائة من البقرة (وَلاَ هُمْ يُنْظرُونَ).
والثاني آخر البقرة ، والثالث آخر آل عمران ، والرابع رأس ست وأربعين ومائة من
النساءً (شَاكِرًا عَلِيمًا) ، والخامس رأس عشر ومائة من المائدة
(وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ)
والسادس (أو هُمْ قَائِلُونَ) من الأعراف - ، والسابع آخر
الأعراف ، والثامن (حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ) من التوبة ، والتاسع
رأس
أربع وأربعين من هود (وَقِيلَ بُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ)
والعاشر آخر الرعد ، والحادى عشر رأس الثمانين من النحل
(وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ)
والثاني عشر (لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا) من الكهف.
الثالث عشر رأس إحدى وستين آية من الأنبياء (لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ (61).
والرابع عشر رأس عشر من النور (وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ (10).
والخامس عشر ْرأس عشرين ومائتين من الشعراء (إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ
(220)
والسادس عشر رأس خمس وأربعين من العنكبوت (وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ
(45).
والسابع عشر رأس اثنتين وستين من الآحزاب . . . . تَبْدِيلاً)
الثامن عشر (لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (144).
وهو الربع الثالث.
والتاسع عشر رأس سبعين آية من المؤمن (فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (70) إِذِ
الْأَغْلَالُ) ، والموفي عشرين رأس إحدى وثلاثين آية من الجاثية (وَمَا نَحْنُ
بِمُسْتَيْقِنِينَ (32).
والحادي والعشرون آخر الطور.
والثاني والعشرون آخر الامتحان.
والثالث والعشرون آخر المزمل.
والرابع والعشرون آخر القرآن.
وهذه التجزئة على ما ذكره أبو عمرو الداني - رحمه الله - وقد خولف في مواضع.
(1/227)
ذكر أجزاء سبعة وعشرين لصلاة
القيام :
وحدثنا الخاقانى ، وخلف بن إبراهيم بن محمد المقرئ في
الإجازة ، قالا : حدثنا أبو بكر محمد بن عبد الله المقرئ الأصبهانى قال :
هذه أجزاء سبعة وعشرين على عدد الحروف ، أولها في البقرة (فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ
عَلِيمٌ) بعده (إن الذِينَ يَكْتُمُونَ) الثاني (وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ
يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ)
الثالث (وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) - بعده - (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا)
الرابع في النساء (لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا (82).
الخامس في المائدة (مَا تُقُبِّلَ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)
السادس في الأنعام (وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ (62)
السابع في الأعراف (وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (53).
الثامن في الأنفال (خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (25)
التاسع في التوبة (خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (100)
بعده (وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ).
العاشر في هود (فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ
مِنَ الصَّادِقِينَ (32)
الحادي عشر في يوسف (إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ
الْحَكِيمُ (100).
الثاني عشر في النحل (فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ (29)
والثالث عشر في بني اسرائيل (فَأَبَى الظَّالِمُونَ إِلَّا كُفُورًا (99)
الرابع عشر في طه (إِلَى أُمِّكَ مَا يُوحَى (38).
الخامس عشر في الحج (سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (36)
(1/228)
السادس عشر في النور
(وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (59)
بعده (وَالْقَوَاعِدُ)
السابع عشر في النمل (وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ (39)
الثامن عشر في العنكبوت (وَكَفَرُوا بِاللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (52)
التاسع عشر في الأحزاب (وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيبًا (52).
العشرون في الصافات (لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ (35)
الحادي والعشرون في المؤمن (فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَمَا كَانَ لَهُمْ
مِنَ اللَّهِ مِنْ وَاقٍ (21)
الثاني والعشرون في الزخرف (وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ (37).
الثالث والعشرون في الفتح (وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا (23)
الرابع والعشرون في الواقعة (إِلَى مِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ (50)
الخامس والعشرون في التغابن (وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (13)
السادس والعشرون في الإنسان (إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (3)
السابع والعشرون إلى آخر القرآن.
قال : وعدد كل جُزْء من ذلك على الحقيقة اثنا عشر ألفَ حرف
وسبع مائة وخمسة وخمسون حرفًا على زيادة حرفين في الجزء الأخير على
سائر الأجزاء.
* * *
ذكر أجزاء ثمانية وعشرين :
وهي أرباع الأسباع.
الربع الأول مائة وثلاث وخمسون من البقرة (إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ
(153).
الثاني ثلاثون ومائة من آل عمران (لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)..
الثالث اثنتا عشرة من المائدة (فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ).
(1/229)
الرابع ثلاث آيات من سورة
الأعراف (أَوْ هُمْ قَائِلُونَ (4)
الخامس أربعون آية من التوبة (وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ).
السادس ثماني عشرة آية من يوسف (وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ)
السابع مائة وعشرون من النحل (وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (120)
الثامن إحدى عشرة من الأنبياء (وَأَنْشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آخَرِينَ (11).
التاسع : عشرون من سورة الشعراء (فَعَلْتُهَا إِذًا وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ
(20).
العاشر (اثنتان من لقمان في عدد أهل المدينة (وَرَحْمَةً لِلْمُحْسِنِينَ (3).
الحادي عشر مائة وأربع وأربعون من الصافات (إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (144).
الثاني عشر ستون من الزخرف (مَلَائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ (60)
الثالث عشر إحدى وتسعون من الواقعة (وَجَنَّتُ نَعِيمٍ (89).
الرابع عشر خاتمة الإنسان فهذه الأجزاء في أرباع الأسباع على ما ذكر ابن المنادي
رحمه الله قال : فإذا أردت أن يُستكْمَلَ لك هذا الوردُ يعني ورد ثمانية وعشرين
فاقصد باب الأسباع ، وباب أنصافها فألف من أجزائها يستكْمَلْ لك ذلك إن شاء الله.
قلت : وذلك أنه أراد بهذه التجزئة أرباع الأسباع فالجزء الأول هو
نصف نصف السبع الأول والجزء الثاني هو نصف نصفه الثاني.
والجزء الثالث هو نصف نصف السبع الثاني.
والجزء الرابع هو نصف نصفه الثاني وكذلك إلى آخر الأجزاء.
ويبقى أربعة عشر جزءاً ، وهي أنصاف الأسباع ، فيكمل بذلك ثمانية وعشرون جزءاً.
* * *
ذكر أجزاء ستين :
قال أبو عمرو الداني ، رحمه الله : وهذه الأجزاء أخذتها في غير
واحد من شيوخنا ، وقرأت عليهم بها.
(1/230)
الأول في البقرة (مِنْ بَعْدِ
مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (75).
وقال غير أبي عمرو (وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ (79)
قال أبو عمرو : والثاني رأس أربعين ومائة (عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ).
الثالث رأس مائتي آية (وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ).
وقال غيره : (وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ (200)
وقيل : (لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ (205)
وقيل : (يَا أُولِي الْأَلْبَابِ).
الرابع رأس خمسين ومائتي آية (وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ).
الخامس في آل عمران (وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ (14)
وقال غير أبي عمرو : (وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (15)
وقيَل : (العزيز الحكيم).
قال أبو عمرو - رحمه الله - : والسادس (وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (22)
وقيل : (وَأولَئكَ هُمُ الضالون)
وقيل : (وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (135).
والسابع (ولا هم يحزنون) وقال غير أبي عمرو رأس مائة وخمس وستين
(إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (20)
وقيل : (وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ) - قبل ذلك بآيتين.
والثامن في النساء (إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا) باتفاق.
والتاسع رأس خمس وثمانين منها (إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا
(86)
ولم يوافَقْ على ذلك.
قال غير أبي عمرو : (وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتًا (85)
وقيل : (لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا (82).
والعاشر رأس مائة وست وأربعين آية منها (وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا)
باتفاق.
(1/231)
الحادي عشر (فَلَا تَأْسَ
عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ) في
المائدة ، ولم يوافقه على ذلك أحد.
وقال غيره : (فَإِنَّا دَاخِلُونَ (22)
وقيل : (فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (23).
والثاني عشر (وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ فَاسِقُونَ (81)
ووافقه على ذلك بعضهم ، وقيل : (وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ (82)
وقيل : ، (فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ)
وقيل : (فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (92).
قال أبو عمرو : والثالث عشر رأس أربع وثلاثين آية من الأنعام
(بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ (33).
قال أبو عمرو : وقيل : رأس ست وثلاثين منها (فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ)
، ولم يقل غيره غير ذلك.
والأول ((بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ (33)
يُرْوَى عن خلف بن هشام البزار.
والرابع عشر (فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ) باتفاق.
والخامس عشر (أَوْ هُمْ قَائِلُونَ) في الأعراف
وقيل : آخر الأنعام.
قلت : وعلى هذا القول جميع الناس.
والسادس عشر (وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ (87)
ووافقه على ذلك بعضهم ، وقال غيره : (وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ (89).
والسابع عشر (أجْرَ الْمُصْلِحِينَ) ولم يوافق عليه.
وقيل : (وَلَعَلهُمْ يَتقُونَ).
والثامن عشر (وَنِعْمَ النَّصِيرُ (40).
في الأنفال باتفاق.
والتاسع عشر عند أبي عمرو في التوبة (وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (33)
وقيل : (وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ)
وقيل : (أنى يُؤْفَكُونَ).
(1/232)
العشرون (أَلَّا يَجِدُوا مَا
يُنْفِقُونَ) باتفاق ، وهو الثلث.
الحادي والعشرون (وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (30)
في يونس ، ولم يوافق عليه ، فقال قوم : (وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ
مُسْتَقِيمٍ (25).
وذكره أيضاً أبو عمرو ، فقال : وقيل : رأس خمس وعشرين (إِلَى صِرَاطٍ
مُسْتَقِيمٍ).
وقال آخرون : قبل هذاَ بآية (لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (24).
وقال بعضهم (وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِالْمُفْسِدِينَ (40).
والثاني والعشرون إلى آخر السورة ، ولم يوافق عليه.
ثم قال أبو عمرو بعد ذلك : وقيل : رأس خمس آيات من هود (عَلِيمٌ بِذَاتِ
الصُّدُورِ (5).
وبهذا القول قال قوم ، وقال آخرون : (إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ (10)
الثالث والعشرون (وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ (83).
ثم قال : وقيل : (الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ (87).
وقيل : (رَحِيمٌ وَدُودٌ (90).
هذا كله قول أبي عمرو ، ووافقه قوم على (الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ).
فقط ، وقال قوم : (مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ (82).
الرابع والعشرون (كَيْدَ الْخَائِنِينَ (52).
في يُوْسُف باتفاق.
وهو الخمس الثاني في قول الجميع الخامس والعشرون (وَبِئْسَ المِهَادُ)
في الرعد باتفاق.
والسادس والعشرون آخر إبراهيم باتفاق.
والسابع والعشرون (وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ (50)
في النحل ، في قول أبي عمرو وغيره.
وقيل : (أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَتَّقُونَ (52)
وعن خلف صاحب حمزة - رحمهما الله - (وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (44).
وقيل : (أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (40).
(1/233)
والثامن والعشرون آخر السورة
باتفاق.
والتاسع والعشرون فىٍ سبحان (أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا (98).
بعده (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ) ولم يوافق عليه.
وقال قوم : (إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا (96).
الآية التي قبل ذلك بآيتين ، وقيل : (وَكَفَى بِرَبكَ وَكِيْلاً).
الثلاثون موضع النصف في قول الجميع وذلك في سورة الكهف.
الحادي والثلاثون آخر مريم ، وقيل : (وَيَأْتِينَا فَرْدًا (80).
وهذان القولان لأبي عمرو ، رحمه الله ، ولم يوافق عليهما ، وقال غيره :
(إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا (84).
وعن خلف بن هشام (وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا (92).
الثاني والثلاثون آخر طه باتفاق.
الثالث والثلاثون آخر الأنبياء ، ووافق أبا عمرو بعضهم.
وقيل : (إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ (4)
أربع آيات من الحج ، وقيل : مائة وآية من الأنبياء.
الرابع والثلاثون آخر الحج باتفاق.
الخامس والثلاثون (وَأَنَّ اللَّهَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (20).
منَ النور ، وقيل : (تَوَّابٌ حَكِيمٌ (10)
هذان القولان لأبي عمرو ، ولم يوافق على الثاني.
وقال غيره : (وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ
(21)
السادس والثلاثون (وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا (20)
في الفرقان هذا قول أبي عمرو وغيره.
وقيل : قبل ذلك بآية ، وقيل : بعده بآية.
(1/234)
السابع والثلاثون (فَاتَّقُوا
اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (110) ..
في الشعراء بعده (قَالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ)
ووافق أبا عمرو على ذلك غيره ، وقيل : (فَافْتَحْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحًا
وَنَجِّنِي وَمَنْ مَعِيَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (118).
بعد القول الأول بثماني آيات ، وقال أبو عمرو أيضاً : (وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ
الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (104).
بعده (كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ (105).
ولم يوافق عليه ، وهو قول حسن.
الثامن والثلاثون في النمل (بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ (55).
باتفاق.
التاسع والثلاثون في القصص (إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ
(50)
ووافق أبا عمرو على ذلك بعضهم.
وقيل : (نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (25)
وقيل : (عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ).
وقيل : (وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (47).
وقيل : (أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (56)
وقيل : (أَفَلَا تَعْقِلُونَ (60).
الأربعون (وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ (45)
في العنكبوت ، وهو الثلث الثاني باتفاق من الجميع.
الحادي والأربعون (إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ (21)
في لقمان ، وقيل : (فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (11).
بعده (وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ).
ووافق أبا عمرو غيره على الموضعين جميعاً.
والثاني والأربعون (ؤوَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا (19)
في الأحزاب ، وعلى ذلك مع أبي عمرو غيره ، وقيل : (بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا (40) ،
بعد ذلك بعشر آيات بعدها (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إذْكُرُوا اللَّهَ
ذِكْرًا كَثِيرًا (41).
الثالث والأربعون قال أبو عمرو ، رحمه الله : رأس ثلاثين آية في
(1/235)
سبأ (وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ)
، قال : وقيل : رأس ثلاث وعشرين (وَهُوَ الْعَلِي
الْكَبِيْرُ)
وقال غيره : (بَلْ هُوَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (27)
وعن خلف : (هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (33)
رأس ثلاث وثلاثين منها.
الرابع والأربعون (وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ (27)
في يس.
وقال غيره : (يَا لَيْتَ قَوْمِيْ يَعْلَمُون)
الخامس والأربعون (إِلَى يَوْمِ يبعَثوْنَ) من الصافات.
السادس والأربعون (عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ (31)
من الزمر باتفاق.
السابع والأربعون (يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ (40)
عند أبي عمرو وغيره ، وقال قوم : (إِلَّا فِي تَبَابٍ (37).
الثامن والأربعون (وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (46)
في حم السجدة ، وقال غيره : (الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (30).
وقيل : عند (مُرِيبٍ (45).
التاسع والأربعون قال أبو عمرو : (فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ
الْمُكَذِّبِينَ (25)
في الزخرف.
قال : وقيل : (مُسْتَمْسِكُونَ (21).
قال : وقيل : (مُقْتَدُوْنَ).
الأقوال الثلاثة لأبي عمرو.
وقال غيره : (وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ (33).
الخمسون آخر الجاثية ، وقال غير أى عمرو : (وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ (32).
الحادي والخمسون (عَذَابًا أَلِيمًا)
في الفتح ، وقال غير أبي عمرو : آخر سورة القتال ، وقبل : (وَسَيُحْبِطُ أَعْمَالَهُمْ
(32).
منها ، وقال قوم : (فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا (10)
في الفتح ، وقيل : (صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا (20).
(1/236)
الثاني والخمسون (إِنَّهُ
هُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ (30)
في الذاريات باتفاق.
الثالث والخمسون آخر القمر ، وقال غير أبي عمرو : (يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ
وَالْمَرْجَانُ (22).
وقال خلف : (وَالنَّخْلُ ذَاتُ الْأَكْمَامِ (11).
ِالرابع والخمسون آخر الحديد باتفاق.
الخامس والخمسون آخر الصف ، وقال غير أبي عمرو : (أَنْ تَقُولُوا مَا لَا
تَفْعَلُونَ (3).
وعن خلف (لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (5) .. منها.
السادس والخمسون آخر التحريم باتفاق.
السابع والخمسون آخر نوح باتفاق.
الثامن والخمسون آخر المرسلات عند أبي عمرو وغيره ، وقال
آخرون : خاتمة النبأ.
التاسع والخمسون آخر الطارق عند أبي عمرو وحده.
وقال خلف : خاتمة الأعلى ، وقيل : خاتمة الغاشية.
الستون آخر القرآن.
وأما أجزاء ثلاثين فداخلة في هذه الأجزاء كل جزءين منها جزء من ثلاثين.
وكذلك أجزاء خمسة عشر كل أربعة أجزاء جزء من خمسة عشر ، وكذلك العشرة كل ستة منها
جزء من عشرة ، وإنما ذكرت أجزاء عشرة فيما تقدم لأن الذي ذكرته على عدد الحروف وهذه
الأجزاء على الكلمات ، ولهذا يجيء بعضها أطول من
(1/237)
بعض ، وكذلك أجزاء عشرين كل
ثلاثة أجزاء من ستين جزء من عشرين
وكذلك أجزاء أربعين كل جزء ونصف من الستين جزء من أربعين.
وأنا أذكر أنصاف الأحزاب من أجزاء الستين معستعينًا بالله وهو خير
معين وهي :
أجزاء مائة وعشرين
فنصف الحزب الأول (فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ
يَحْزَنُونَ (38).
ونصف الحزب الثان ((أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
(106).
وقيل : بعده بآية.
ونصف الحزب الثالث (فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ (175).
ونصف الحزب الرابع (فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (229).
بعده (فَإِنْ طَلَّقَهَا).
ونصف الحزب الخامس (هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (275).
بعده (يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا)
وقيل : قبل هذا بآية ، وقيل : بآيتين.
ونصف الحزب السادس (وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (52).
ونصف الحزب السابع (أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ (128).
ونصف الحزب الثامن (وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرَارِ (198)
وقيل : آخر السورة ، وقيل : (وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا (6).
من سورة النساء.
ونصف الحزب التاسع (لَا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا (53).
ونصف الحزب العاشر (وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا (113).
ونصف الحزب الحادي عشر (إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ) أول آية من المائدة ،
وقيل : في رأس ست منها (لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (6).
(1/238)
ونصف الحزب الثاني عشر (إِنَّ
اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (51)
ونصف الحزب الثالث عشر (وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ الشَّاهِدِينَ (113).
ونصف الحزب الرابع عشر (وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (71)
وقيل : (مُسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (67).
ونصف الحزب الخامس عشر (وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ
(141).
ونصف الحزب السادس عشر وهو الحزب الأول من الربع الثاني
(أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (43).
ونصف الحزب السابع عشر (وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ (137)
ونصف الحزب الثامن عشر آخر الأعراف.
ونصف الحزب التاسع عشر آخر الأنفال.
ونصف الحزب الموفي عشرين (وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ
(58).
ونصف الحزب الحادي والعشرين (لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا كَانُوا
يَعْمَلُونَ (121) ، بعده (وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً).
ونصف الحزب الثاني والعشرين (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ
(67).
في يونس بعده (قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ)
ونصف الحزب الثالث والعشرين (وَقِيلَ بُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (44).
بعده (وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ).
ونصف الحزب الرابع والعشرين أربعِ عشرة آية من يوسف (قَالُوا لَئِنْ أَكَلَهُ
الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّا إِذًا لَخَاسِرُونَ (14).
أو قبل ذلك بآية.
ونصف الحزب الخامس والعشرين (يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ
(105).
ونصف الحزب السادس والعشرين (فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ (10).
في إبراهيم ، وقيل : بعد ذلك (وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ
(12).
وقيل : (ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ (18).
ونصف الحزب السابع والعشرين (عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (93).
في سورة الحجر بعده
(1/239)
ً(فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ).
الثامن والعشرون نصفه (فَأَلْقَوْا إِلَيْهِمُ الْقَوْلَ إِنَّكُمْ لَكَاذِبُونَ
(86).
ونصف الحزب التاسع والعشرين (قُلْ كُونُوا حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا (50)
رأس خمسين آية من بني إسرائيل
وقيل : عند قوله عز وجل (وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلًا (65).
بعده (رَبُّكُمُ الَّذِي يُزْجِي لَكُمُ).
والأول هو الأصح.
ونصف الحزب الموفي ثلاثين (وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا (28).
ونصف الحزب الحادي والثلاثين ، وهو أول الربع الثالث ، أعني هذا الحزب (قَدْ
جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا (24).
ونصف الثاني والثلاثين (فَأُولَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَى (75)
في طه
وقيل : (وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى (73)
وقيل : (فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى (67).
ونصف الحزب الثالث والثلاثين من الأنبياء (بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ
(57).
ونصف الحزب الرابع والثلاثين من الحج (وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ
(39).
ونصف الحزب الخامس والثلاثين من المؤمنين (عَنِ الصِّرَاطِ لَنَاكِبُونَ (74)
وقيل : (لِلْحَقِّ كَارِهُونَ (70).
ونصف الحزب السادس والثلاثين في النور (بَلْ أُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (50) ،
ونصف الحزب السابع والثلاثين ست آيات من
الشعراء (مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (6).
ونصف الحزب الثامن والثلاثين (وَهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ (5).
فى النمل بعده (وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ) ، وقيل : (ظُلْمًا وَعُلُوًّا
فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (14).
وقيل : آخر الشعراء.
والحزب التاسع والثلاثون نصفه في القصص (وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ (12)
ونصف الحزب الموفي أربعين آخر القصص.
والحادي والأربعون نصفه في الروم (كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ (26)
وقيل : (ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ
(30).
وقيل : في لقمان
(1/240)
(فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ
الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (11).
ونصف الحزب الثاني والأربعين في السجدة (مَتَى هَذَا الْفَتْحُ إِنْ كُنْتُمْ
صَادِقِينَ (28).
والثالث والأربعون نصفه في الأحزاب (لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا (63).
والرابع والأربعون نصفه في فاطر (فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ وَإِلَى
اللَّهِ الْمَصِيرُ (18).
والخامس والأربعون في الصافات نصفه (قُلْ نَعَمْ وَأَنْتُمْ دَاخِرُونَ (18).
والسادس والأربعون نصفه في (ص) (فَبِئْسَ الْقَرَارُ (60).
بعده (قَالُوا رَبَّنَا مَنْ قَدَّمَ لَنَا هَذَا).
وقيل : نصفه (أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ (45).
السابع والأربعون نصفه في الزمر (فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ (72)
وقيل : (وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ (70)
وقيل : آخرها.
ونصف الحزب الثامن والأربعين آخر المؤمن.
ونصف الحزب التاسع والأربعين في الشورى (إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ (29).
ونصف الحزب الموفى خمسين في الدخان (قَوْمٌ مُجْرِمُونَ (22).
بعده (فَأَسْرِ بِعِبَادِي)
وقيل : نصفه (كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (25).
(1/241)
وقيل : نصفه (وَمَا كَانُوا
مُنْظَرِينَ (29).
والحزب الحادي والخمسون نصفه خاتمة الأحقافِ.
وأقول : بل نصفه فى سورة محمدٍ - صلى الله عليه وسلم - (كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ
اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ (9).
بعده (أَفَلَمْ يَسِيرُوا).
والثاني والخمسون نصفه (فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (11)
في الحجرات.
والثالث والخمسون نصفه (مِنْ رَبًهِمُ الْهُدَى)
في النجم ، وقيل : (وَهُوَ أعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدَى).
والرابع والخمسون نصفه (أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِئُونَ (72)
في الواقعة.
والخامس والخمسون نصفه في الحشر (فَأُوَلئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)
والسادس والخمسون نصفه (وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (10)
في التغابن ، وقيل : (وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (6)
وقيل : خاتمتها.
السابع والخمسون نصفه في سورة الحاقة (لِنَجْعَلَهَا لَكُمْ تَذْكِرَةً)
والثامن والخمسون نصفه (وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ (15)
في القيامة.
والتاسع والخمسون نصفه في المطففين (إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ
يَسْتَوْفُونَ (2)
هكذا ذكروا ، وهو - غلط ، بل النصف (وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ (4)
وقيل : آخرها.
ونصف الموفى ستين خاتمة والتين والزيتون.
(1/242)
ذكر أرباع أجزاء الستين :
وكان شيخنا أبو القاسم ، رحمه الله ، يأخذ بذلك على من يجمع
القراءات ، فيقرأ عليه الجزء من الستين في أربعة أيام ، والناس إلى اليوم
يجتمعون بجامع مصر بعد تسليم الإمام من صلاة الصبح حول المصحف
الكبير ، ولذلك المصحف قارئ مجيد يجلس على دكةٍ ، والمصحف بين
يديه ، وعنده شمعتان عن يمينه وشماله ، ورجلان قائمان بين يديه ، يفتح
أحدهما المصحف ، ويصفح للقارئ أوراقه ، ويقرأ هذا الجزء على الناس
بصوت رفيع ، ويدعو عَقِيب ذلك ، ويتفرق الناس.
يفعل هذا في كل يوم على الدوام ، ولهذا القارئ على هذه القراءة
في كل شهر خمسة دنانير مصرية.
وأنا أذكر من كل جزء من أجزاء الستين الربع الأول والربع الثالث لأن الربعين
الآخرين قد ذكرتهما
أما الربع الثاني فإنه نصف الحزب وقد ذكرته ، وأما الربع الرابع فهو رأس
الحزب وقد ذكرته.
الحزب الأول من أجزاء الستين ربعه الأول (أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا
خَالِدُونَ (25).
وربعه الثالث (رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (59).
الحزب الثاني : ربعه الأول (قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَاءَ اللَّهِ مِنْ
قَبْلُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (91)
والربع الثالث منه (وَلَا تَنْفَعُهَا شَفَاعَةٌ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ (123).
الحزب الثالث : الربع الأول (أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ
وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (157).
(1/243)
والثالث (لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا
مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (188).
الحزب الرابع : ربعه الأول (يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ
(218)
والربع الثالث (وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا
تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (237).
الحزب الخامس : الربع الأول (يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ
حَكِيمٌ (260)
الربع الثالث (وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (282).
الحزب السادس الربع الأول (فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ
الْكَافِرِينَ (32).
الربع الثالث (يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ
الْعَظِيمِ (74).
الحزب السابع : الربع الأول (ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (112)
والربع الثالث (وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ (152).
الحزب الثامن : الربع الأول (وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ
الْغُرُورِ (185)
والربع الثالث في النساء (فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا
حَكِيمًا (11). بعده (وَلَكُمْ نِصفُ).
الحزب التاسع : الربع الأول (إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا
فَخُورًا (36) ، وقيل : قبل ذلك بآية الربع الثالث (يَا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ
فَأَفُوزَ فَوْزًا عَظِيمًا (73).
الحزب العاشر : الربع الأول (دَرَجَاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكَانَ
اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (96)
الربع الثالث (فَعِنْدَ اللَّهِ ثَوَابُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَكَانَ اللَّهُ
سَمِيعًا بَصِيرًا (134).
(1/244)
الحزب الحادي عشر : الربع
الأول (سَنُؤْتِيهِمْ أَجْرًا عَظِيمًا (162)
بعده (إِنَّا أوْحَيْنَا إِلَيْكَ)
الربع الثالث في المائدة (وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (11)
بعده (وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ)
الحزب الثاني عشر : الربع الأول (أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ
السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ
وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (40).
الربع الثالث (وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ (66)
الحزب الثالث عشر : الربع الأول (وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ
(96).
الربع الثالث (الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (12)
في الأنعام بعده (وَلَهُ مَا سَكَنَ).
الحزب الرابع عشر : الربع الأول (وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالظَّالِمِينَ (58).
بعده (وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ)
الربع الثالث (وَضَلَّ عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ (94).
الحزب الخامس عشر : الربع الأول (وَهُوَ وَلِيُّهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ
(127).
والربع الثالث (وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا
وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَهُمْ بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ (150).
* * *
ابتداء الربع الثاني من القرآن :
الحزب الأول : الربع الأول منه (أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ)
71 : 33 ، ، الربع الثالث (نَاصِحٌ أَمِينٌ (68).
الحزب الثاني : الربع الأول منه (وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ (116)
الربع الثالث (وَأَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ (155).
الحزب الثالث : الربع الأول منه (إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ
يُؤْمِنُونَ (188).
(1/245)
الربع الثالث (وَاتَّقُوا
فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ
اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (25).
الحزب الرابع : الربع الأول (إِنَّهُمْ لَا يُعْجِزُونَ (59).
الربع الثالث (فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ (18).
في التوبة.
الحزب الخامس : الربع - الأول (سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ
بِالظَّالِمِينَ (47)
الربع الثالث (مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (74))
بعده (وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ).
الحزب السادس : الربع الأول (لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا)
الربع الثالث في يونس (وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ
الْعَالَمِينَ (10).
الحزب السابع : الربع الأول (وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (44)
الربع الثالث (وَلَا تَتَّبِعَانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ (89).
الحزب الثامن : الربع الأول (وَأَخْبَتُوا إِلَى رَبِّهِمْ أُولَئِكَ أَصْحَابُ
الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (23)
الربع الثالث (فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ
مُجِيبٌ (61)
في قصة صالح عليه السلام.
الحزب التاسع : الربع الأول (فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ (107)
بعده (وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا).
وقال قوم. (غَيْرَ مَنْقُوْص)
الربع الثالث (لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ (35).
الحزب العاشر : الربع الأول (وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ (76).
الربع الثالث (وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ إِنَّ فِي ذَلِكَ
لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (4).
(1/246)
الحزب الحادي عشر : الربع
الأول (فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ (32)
بعده (أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ).
وقيل : (وَمَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَاقٍ (34).
الربع الثالث (وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ
(27).
الحزب الثاني عشر : الربع الأول (ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ آمِنِينَ (46).
الربع الثالث (إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَالسُّوءَ عَلَى الْكَافِرِينَ (27).
الحزب الثالث عشر : الربع الأول (لِكَيْ لَا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا إِنَّ
اللَّهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ (70).
الربع الثالث (ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ
رَحِيمٌ (110).
الحزب الرابع عشر : الربع الأول (لَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ
فَتَقْعُدَ مَذْمُومًا مَخْذُولًا (22)
الربع الثالث (وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا (70).
الحزب الخامس عشر : الربع الأول (وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرْفَقًا
(16).
الربع الثالث (وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا (49).
الربع الثالث من القرآن العزيز.
الحزب الأول : الربع الأول (فِي غِطَاءٍ عَنْ ذِكْرِي وَكَانُوا لَا
يَسْتَطِيعُونَ سَمْعًا (101).
الربع الثالث (وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا (57).
الحزب الثاني : الربع الأول (رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ
ثُمَّ هَدَى (50).
الربع الثالث (وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا (114).
(1/247)
الحزب الثالث : الربع الأول
(مِنْ دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (29).
الربع الثالث (إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ
عَالِمِينَ (81).
الحزب الرابع : الربع الأول (إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ (18)
السجدة ، الربع الثالث (فَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ (57).
بعده (وَالَّذِينَ هَاجَرُوا)..
الحزب الخامس : الربع الأول (أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُرَابًا
وَعِظَامًا أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ (35).
الربع الثالث آخر السورة.
الحزب السادس : الربع الأول (وَمَثَلًا مِنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ
وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ (34).
الربع الثالث (فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهَ
إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (62).
الحزب السابع : الربع الأول (إِلَّا كُفُورًا (50).
بعده (وَلَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا).
الربع الثالث (خَطَايَانَا أَنْ كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ (51).
الحزب الثامن : الربع الأول (إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ
(164).
في قصة لوط عليه السلام الربع الثالث السجدة في النمل.
الحزب التاسع : الربع الأول (فَهُمْ مُسْلِمُونَ)
بعده (وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ).
الربع الثالث (أَقْبِلْ وَلَا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ (31).
الحزب العاشر : الربع الأول (وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (70)
الربع الثالث (وَيَرْحَمُ مَنْ يَشَاءُ وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ (21).
(1/248)
الحزب الحادي عشر : الربع
الأول آخر العنكبوت.
الربع الثالث (مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ (49.
الحزب الثاني عشر : الربع الأول (فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ
مِمَّا تَعُدُّونَ (5).
الربع الثالث (وَإِذًا لَا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلًا (16).
الحزب الثالث عشر : الربع الأول (تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ
وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْرًا كَرِيمًا (44)
الربع الثالث (إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (6).
الآية السادسة من سبأ.
الحزب الرابع عشر : الربع الأول (فَكَذَّبُوا رُسُلِي فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ (45)
الربع الثالث (بَلْ إِنْ يَعِدُ الظَّالِمُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا إِلَّا غُرُورًا
(40).
الحزب الخامس عشر : الربع الأول (وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ
(59)
الربع الثالث في والصافات (ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ (82).
* * *
الربع الرابع من القرآن العزيز :
الحزب الأول : الربع الأول (وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ (20)
الربع الثالث (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا
يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ (9).
الحزب الثاني : الربع الأول (إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ
هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53).
وقيل : قبل هذا بآية.
الربع الثالث (إِنَّهُ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقَابِ (22).
في المؤمن.
(1/249)
الحزب الثالث : الربع الأول
(فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ
(65).
الربع الثالث (مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ (25).
بعده (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا).
الحزب الرابع : الربع الأول (إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (12).
بعده (شَرَعَ لَكُمْ).
الربع الثالث (وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ
الْإِنْسَانَ كَفُورٌ (48).
الحزب الخامس : الربع الأول في الزخرف (بِالْعَذَابِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ
(48).
الربع الثالث (هَذَا هُدًى وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَهُمْ
عَذَابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ (11).
الحزب السادس : الربع الأول (وَبِمَا كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ (20).
بعده (وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ).
الربع الثالث آخر السورة.
الحزب السابع : الربع الأول (وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا (28).
بعده (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ).
الربع الثالث (فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ (22).
الحزب الثامن : الربع الأول (وَأَمْدَدْنَاهُمْ بِفَاكِهَةٍ وَلَحْمٍ مِمَّا
يَشْتَهُونَ (22)
الربع الثالث (أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ (10).
الحزب التاسع : الربع الأول (فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (61).
بعده (وَمِنْ دُونِهِمَا جَنَّتَانِ (62.
الربع الثالث (هِيَ مَوْلَاكُمْ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (15).
في الحديد.
الحزب العاشر : الربع الأول (وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (13).
بعده ( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْمًا)
الربع الثالث (وَاغْفِرْ لَنَا رَبَّنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ
(5).
في الامتحان.
(1/250)
الحزب الحادي عشر : الربع
الأول (وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَفْقَهُونَ (7)
الربع الثالث آخر الطلاق.
الحزب الثاني عشر : الربع الأول آخر الملك.
الربع الثالث (وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ يُنْجِيهِ (14).
الحزب الثالث عشر : الربع الأول (وَكَانَتِ الْجِبَالُ كَثِيبًا مَهِيلًا (14).
الربع الثالث (رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا (20).
الحزب الرابع عشر : الربع الأول (اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (17).
الربع الثالث (فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ (26).
الحزب الخامس عشر : الربع الأول آخر الفجر.
الربع الثالث آخر والعاديات.
وهذا الورد مبني على الذي قبله ومأخوذ منه وكذلك الذي قبله مأخوذ
من ورد الستين.
قال أبو الحسين بن المنادي ، رحمه الله : وكان الأصل ورد
الثلاثين ؛ لأنه مقسوم على الحروف ، ثم فَرَّع الناس ورد الستين على
الكلمات ، وكذلك ما فرّعوه من ورد الستين.
والورد إذا قسم على الكلام تباينت قسمته ؛ لأن الكلمات متباينة.
ألا ترى أن منها ما هو عشرة أحرف.
وذلك (أَنُلْزِمُكُمُوهَا)
ومنها ما هو حرفان نحو : (إن) و (عن).
قال ابن المنادي : وقد قُسّم القرآن العزيز على مائة وخمسين
جزءاً ، عمل ذلك بعض أهل البصرة ، وكأنه أخذ ذلك من وِرْد الثلاثين
فجعل كل جزء من ثلاثين خمسة أجزاء.
(1/251)
قال : وقد رأيت القرآن
مكتوباً عليها ، وذكر هذه الأجزاء جزءا جزءاً.
لم أرَ أني أطول الكتاب بذكره ، لأن جزء المائة والعشرين يغني عنه ؛ لأن
جزء المائة والعشرين جعل لقراء المساجد ، وهذا قريب منه ، وكذلك ورد
ثمانية وعشرين يغني عنه ورد سبعة وعشرين ؛ لأنه قريب منه.
وقد قسّم القرآن الكريم على ثلثمائة وستين جزءاً لمن يريد حفظ
القرآن ، فإذا حفظ كل يوم جزءاً حفظ القرآن في سنة.
وهذه الأجزاء هي أسداس الأحزاب ، يعني أحزاب الستين.
ويقال إن المنصور قال لعمرو بن عبيد : إني أريد أن أحفظ القرآن ، ففي كم تقول :
إني أحفظه ؟ فقال : إذا يسَّره الله عز وجل ففي سنة ، فقال :
إني أحب أن أجزئ ذلك على نفسي أجزاء لا تزيد ولا تنقص أحفظ منها كل يوم جزءاً ، لا
أخل به يومًا واحداً ، فقال عمرو : أتحبّ أن أصنع ذلك ؟
قال : نعم.
فقسَّم القرآن على ذلك ، وكتبها مصاحف ، وجعل كل اثني عشر من تلك
الأجزاء جزءاً واحداً ، فصارت ثلاثين جزءاً ، وفصل بين الأجزاء بخط من
ذهب في آخر كل جزء.
قال أبو العيناء : وبلغني أن المنصور حفظ بهذه الأجزاء القرآن.
وعلَّم ابنه المهدي بها القرآن.
قال أبو العيناء : وبها حفظت القرآن ، وعلمت بها جماعة من
أهلي ، فحفظوا بها القرآن ، وهي مباركة.
الجزء الأول منها (فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (15)
رأس خمس عشرة آية من البقرة.
الثاني سبع وعشرون منها (أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (27)
الثالث أربعون منها (وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ (40).
الرابع ست وخمسون منها (لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (56).
(1/252)
الخامس ثلاث وستون منها
(لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (63).
السادس خمس وسبعون منها (وَهُمْ يَعْلَمُونَ (75).
السابع خمس وثمانون (عَمَّا تَعْمَلُونَ (85) - بعده - (أولئك الذِين).
الثامن ثلاث وتسعون (إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (93).
التاسع مائة وخمس آيات (وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (105).
العاشر مائة وست عشرة (كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ (116).
الحادي عشر ست وعشرون بعد المائة (وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (126.
الثاني عشر إحدى وأربعون بعد المائة (عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (141).
الثالث عشر خمسون بعد المائة (وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (150).
الرابع عشر أربع وستون بعد المائة (لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (164).
الخامس عشر ست وسبعون بعد المائة (لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ (176)
السادس عشر في الآية الرابعة بعد مائة وثمانين عند قوله عز وجل :
(مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ).
هذا تحقيق القسمة ، فإن كملت الآية فإلى قوله جمز وبئ : (وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ
لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (184).
السابع عشر (بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ)
في آية أربع وتسعين بعد المائة.
الثامن عشر ثلاث آيات بعد المائتين (وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ
(203).
التاسع عشر أربع عشرة آية بعد المائتين (أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ
(214).
العشرون إحدى وعشرون بعد المائتين (لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (221).
الحادي والعشرون ثلاثون بعد المائتين (وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا
لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (230).
الثاني والعشرون خمس وثلاثون بعد المائتين (غَفُورٌ حَلِيمٌ (235).
الثالث والعشرون خمس وأربعون بعد المائتين (وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (245).
الرابع والعشرون اثنتان وخمسون بعد المائتين (وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ
(252).
الخامس والعشرون (مِائَةَ عَامٍ) في تسع وخمسين بعد المائتين.
(1/253)
السادس والعشرون (إِعْصَارٌ
فِيهِ نَارٌ) في آية ست وستين بعد المائتين.
السابع والعشرون خمسِ وسبعون بعد المائتين (وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ
النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (275).
الثامن والعشرون (فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ) في آية اثنتين وثمانين بعد
المائتين وهي آية الدين.
التاسع والعشرون ست آيات من آل عمران (العزيْزُ الحكيم).
الثلاثون خمس عشرة منِ آل عمران (وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ).
الحادي والثلاثون ست وعشرون (بِغيرِ حسَابٍ).
الثاني والثلاثون سبع وثلاثون (وَنَبِيًاً مِنَ الصالِحِينَ).
الثالث والثلاثون خمسون منها (فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (50) - بعده -
(إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ).
الرابع والثلاثون خمس وستون (وَمَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلَّا
مِنْ بَعْدِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (65).
الخامس والثلاثون بعض آية ثمان وسبعين (لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ).
السادس والثلاثون تسعون منها (وَأُولَئِكَ هُمُ الضَّالُّونَ (90).
السابع والثلاثون مائة وآيتان منها. (إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (102).
الثامن والثلاثون مائة واثنتا عشرة (وكانوا يعتدون)
التاسع والثلاثون مائة وأربع وعشرون (مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُنْزَلِينَ (124).
الأربعون مائة وأربعون (مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ
(140).
الحادي والأربعون مائة واثنتان وخمسون (وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ
(152).
الثاني والأربعون مائة وثلاث وستون (هُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ
بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ (163).
الثالث والأربعون مائة وسبع وسبعون
(1/254)
(لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ
شَيْئًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (177).
الرابع والأربعون (وَلَا تكتُمُونَهُ) في آية سبع وثمانين بعد المائة.
الخامس والأربعون الثامنة والتسعون بعد المائة (خَيْرٌ لِلأبرَارِ).
السادس والأربعون سبع آيات من النساء (نَصِيْباً مَفْرُوْضاًً)
السابع والأربعون اثنتا عشرة منها (وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ (12)
بعده (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ).
الثامن والأربعون ثلاث وعشرون منها (إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا (23)..
التاسع والأربعون (عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ) بعض آية ثلاث وثلاثين.
الخمسون بعض آية ثلاث وأربعين (فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً).
الحادي والخمسون خمس وخمسون (بِبِجَهَنَّمَ سَعِيرًا (55).
الثاني والخمسون أربع وستون (لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا (64).
الثالث والخمسون ست وسبعون (إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا (76).
الرابع والخمسون خمس وثمانون (عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتًا (85).
الخامس والخمسون اثنتان وتسعون (تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا
حَكِيمًا (92).
السادس والخمسون الآية التي بعد المائة (كَانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِينًا (101).
السابع والخمسون عشر بعد المائة (يَجِدِ اللَّهَ غَفُوراً رَحِيْماً).
الثامن والخمسون خمس وعشرون بعد المائة (وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا
(125).
التاسع والخمسون خمس وثلاثون بعد المائة (فَإِن الله كَانَ بِمَا تَعْمَلُوْنَ
خَبِيْراً).
الستون سبع وأربعون بعد المائة (شَاكِرًا عَلِيمًا (147).
الحادي والستون إحدى وستون بعد المائة (وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ
عَذَابًا أَلِيمًا (161).
(1/255)
الثاني والستون اثنتان وسبعون
بعد المائدة ، (فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعًا (172).
الثالث والستون : الثالثة من المائدة (لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ
(3).
الرابع والستون عشر منها (أوْلَئِكَ أصحَابُ الْجَحِيْمِ).
الخامس والستون ست عشرة (إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيْمٍ) - بعده - (لَقَدْ
كفَرَ الَذِيْن).
السادس والستون خمس وعشرون (هَا هُنَا قَاعِدُوْن).
السابع والستون خمس وثلاثون (وَجَاهِدُوا في سَبِيْلِهِ لَعَلكُمْ تُفْلِحُوْنَ).
الثامن والستون ثلاث وأربعون (وَمَا أُوْلَئْكَ بِالْمُؤْمِنِينَ).
التاسع والستون خمسون (لِقَوْم يُوْقِنُونَ).
السبعون ستون (أُولَئِكَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضَلُّ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ (60).
الحادي والسبعون تسع وستون (وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ).
الثاني والسبعون إحدى وثمانون (وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ فَاسِقُونَ (81).
الثالث والسبعون اثنتان وتسعون (الْبَلاَع المُبِينُ).
الرابع والسبعون ثلاث بعد المائة (وَأَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ (103).
الخامس والسبعون اثنتا عشرة بعد المائة (اتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ
مُؤْمِنِينَ (112).
السادس والسبعون الآية الثالثة من الأنعام (مَا تَكْسِبُوْنَ).
السابع والسبعون ثماني عشرة منها (وَهُو الْحَكِيمُ الْخَبِيْرُ).
الثامن والسبعون ثلاث وثلاثون (بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُوْنَ).
التاسع والسبعون ثمان وأربعون (إِلَّا الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ (47).
الثمانون ستون (بِمَا كُنتْمْ تَعْمَلُونَ).
الحادي والثمانون اثنتان وسبعون (وَهُوَ الَّذِي إِلَيهِ تُحْشَرُون).
الثاني والثمانون سبع وثمانون (وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (87).
الثالث والثمانون ست وتسعون (ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (96).
الرابع والثمانون عشر بعد المائة (فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (110).
الخامس والثمانون إحدى وعشرون بعد المائة (إِنكُمْ لَمُشْرِكُونَ).
(1/256)
السادس والثمانون ثلاثون بعد
المائة (أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ (130).
السابع والثمانون إحدى وأربعون بعد المائة (إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ
(141).
الثامن والثمانون تسع وأربعون بعد المائة (لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ (149).
التاسع والثمانون سبع وخمسون بعد المائة (بِمَاْ كَانُوْا يَصْدِفُونَ).
التسعون الرابعة من سورة الأعراف (أوْهُمْ قائِلُوْنَ)
الحادي والتسعون أربع وعشرون منها (وَمَتَاعٌ إِلَى حِيْنٍ).
الثاني والتسعون في بعض السابعة والثلاثين (نَصِيْبُهُمْ مِنَ الْكِتَاب).
الثالث والتسعون ثمان وأربعون (وما كنتم تستكبرون).
الَرابع والتسعون ستون (إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (60).
الخامس والتسعون ثلاث وسبعون (عَذَابٌ أَلِيمٌ (73).
السادس والتسعون سبع وثمانون (وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ (87).
السابع والتسعون رأس المائة (وَنَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ
(100).
الثامن والتسعون أربع وعشرون بعد المائة (ثُمَّ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ
(124).
التاسع والتسعون سبع وثلاثون بعد المائة (وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ (137).
المائة ثمانِ وأربعون بعد المائة (اتَّخَذُوهُ وَكَانُوا ظَالِمِينَ (148).
الواحد بعد المائة ثمان وخمسون بعد المائة (لَعَلَّكُم تهتَدُون) .
(1/257)
الثاني بعد المائة مئة وسبع
وستون (وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (167).
الثالث بعد المائة ست وسبعون بعد المائة (لَعَلَّهُمْ يَتَفَكرُوْنَ).
الرِابع بعد المائة تسع وثمانون بعد المائة ، (صالحاً لَنَكُوننَّ مِنَ
الشّاكرِيْنَ).
الخامس بعد المائة آخر السورة.
السادس بعد المائة ثلاث عشرة من الأنفال (فَإِن اللَّهَ شَدِيْدُ الْعِقَاب).
السابع بعد المائة ست وعشرون منها (لَعَلَّهُمْ تَشْكُرُوْنَ).
الثامن بعَد المائة أربعون منها (وَنِعْمَ النصِيْرُ).
التاسع بعد المائة خمسون منها (عَذَابَ الْحَرِيقِ (50).
العاشر بعد المائة خمس وستون منها (مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ
لَا يَفْقَهُونَ (65).
الحادي عشر بعد المائة آخر السورة.
الثاني عشر بعد المائة تسع من التوبة (سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (9).
الثالث عشر بعد المائة عشرون (هُمُ الْفَائِزُونَ (20).
الرابع عشر بعد المائة إحدى وثلاثون (سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (31).
الخامس عشر بعد المئة تسع وثلاثون (عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ).
السادس عشر بعد المائة تسع وأربعون (لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ (49).
السابع عشر بعد المائة إحدى وستون (يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ
أَلِيمٌ (61).
الثامن عشر بعد المائة (سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ
(71).
إحدى وسبعون. التاسع عشر بعد المائة إحدى وثمانون (حَرًّا لَوْ كَانُوا
يَفْقَهُونَ (81).
العشرون بعد المائة ثلاث وتسعون (فَهُم لاَ يَعْلَمُوْنَ).
الحادي والعشرون بعد المائة مائة وثلاث (وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (103)
الثاني والعشرون بعد المائة مائة واثنتا عشرة (وَبَشرِ المؤْمِنِيْنَ).
الثالث والعشرون بعد المائة مائة واثنتان وعشرون (لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُوْنَ).
الرابع والعشرون بعد المائة أربع آيات من يونس (بِمَاْ كَانُوْا يَكْفُرُوْنَ).
(1/258)
الخامس والعشرون بعد المائة
ست عشرة منها (أفَلاَ تَعْقِلُوْنَ).
السادس والعشرون بعد المائة (إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ).
السابع والعشرون بعد المائة سبع وثلاثون منها (لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ
الْعَالَمِينَ (37).
الثامن والعشرون بعد المائة أربع وخمسون (وَهُمْ لاَ يُظْلَمُوْنَ).
التاسع والعشرون بعد المائة ثمان وستون (أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا
تَعْلَمُونَ (68).
الثلاثون بعد المائة ثلاث وثمانون منها (فِي الْأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ
الْمُسْرِفِينَ (83).
الحادي والثلاثون بعد المائة سبع وتسعون منها (حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ
الْأَلِيمَ (88).
الثاني والثلاثون بعد المائة آخر السورة.
الثالث والثلاثون بعد المائة ست عشرة آية من هود (وَبَاطِلٌ مَاْ كَاْنُوْا
يَعْمَلُونَ).
الرابع والثلاثون بعد المائة إحدى وثلاثون منها (إِنِّي إِذًا لَمِنَ
الظَّالِمِينَ (31).
الخامس والثلاثون بعد المائة خمس وأربعون (وَقِيلَ بُعْدًا لِلْقَوْمِ
الظَّالِمِينَ (44).
السادس والثلاثون بعد المائة ثمان وخمسون منها (مِنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ (58).
السابع والثلاثون بعد المائة إحدى وسبعُوْنَ (وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ
(71).
الثامن والثلاثون بعد المائة سبع وثمانون (إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ
(87).
التاسع والثلاثون بعد المائة مائة وآيتان - منها (وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ
(103).
الأربعون بعد المائة عشرون ومائة (وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (120).
الحادي والأربعون بعد المائة ست عشرة من يوسف (عِشَاءً يَبكُوْنَ).
الثاني والأربعون بعد المائة الثامنة والعشرون منها (إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ
(28).
الثالث والأربعون بعد المائة رأس الأربعين (وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا
يَعْلَمُونَ (40).
(1/259)
الرابع والأربعون بعد المائة
اثنتان وخمسون (لَا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ (52).
الخامس والأربعون بعد المائة سبع وستون (فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ (67).
السادس والأربعون بعد المائة ثمانون (وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ (80).
السابع والأربعون بعد المائة خمس وتسعون (إِنَّكَ لَفِي ضَلَالِكَ الْقَدِيمِ
(95).
الثامن والأربعون بعد المائة مائة وتسع آيات (اتَّقَوْا أَفَلَا تَعْقِلُونَ
(109).
التاسع والأربعون بعد المائة ثمانِ آيات من الرعد (عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ (8).
الخمسون بعد المائة سبع عشرة آية منها (كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ
(17).
الحادي والخمسون بعد المائة ثلاثون منها (وَإِلَيْهِ مَتَابِ (30).
الثاني والخمسون بعد المائة أربعؤن منها (وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ (40).
الثالثَ والخمسون بعد المائة تسع من إبراهيم (تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ (9).
الرابع والخمسون بعد المائة عشرون منها (وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ
(20).
الخامس والخمسون بعد المائة إحدى وثلاثون (لَا بَيْعٌ فِيْهِ وَلاَ خِلاَلٌ)
السادس والخمسون بعد المائة آخر السورة.
السابع والخمسون بعد المائة ثمانٍ وعشرون من الحجر (مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ
مَسْنُونٍ (28).
الثامن والخمسون بعد المائة ثلاث وستون (بِمَا كَانُوا فِيهِ يَمْتَرُونَ (63).
التاسع والخمسون بعد المائة اثنتان وتسعون (لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (92).
الستون بعد المائة أربع عشرة من النحل (وَلَعَلَّكمْ تَشكرُونَ).
الحادي والستون بعد المائة اثنتان وثلاثون (ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ
تَعْمَلُونَ (32).
الثاني والستون بعد المائة ثلاث أربعون (إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (43).
(1/260)
الثالث والستون بعد المائة
اثنتان وستون (وَأَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ (62).
الرابع والستون بعد المائة (بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (75).
رأس خمس وسبعين.
الخامس والستون بعد المائة ست وثمانون (إِنَّكُمْ لَكَاذِبُونَ (86).
السادس والستون بعد المائة ثمانٍ وتسعون (فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ
الرَّجِيمِ (98).
السابع والستون بعد المائة مائة وثلاث عشرة (العَذَاْبُ وَهُمْ ظَالِمُون).
الثامن والستون بعد المائة آحر السورة.
التاسع والستون بعد المائة خمس عشرة آية من سبحان (حَتى نَبْعَثَ رَسُوْلًا).
السبعون بعد المائة اثنتان وثلاثون منها (وَسَاءَ سَبِيْلاً).
الحادي والسبعون بعد المائة سبع وأربعون (إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا (47)
الثاني والسبعون بعد المائة إحدى وستون (لِمَنْ خَلَقْتَ طِيْناً".
الثالث والسبعون بعد المائة سبع وسبعون (لَا يَلْبَثُونَ خِلَافَكَ إِلَّا
قَلِيلًا (76).
الرابع والسبعون بعد المائة خمس وتسعون (مِنَ السَّمَاءِ مَلَكًا رَسُولًا (95).
الخامس والسبعون بعد المانة آخر السورة.
السادس والسبعون بعد المائة سبع عشرة آية من الكهف (وَلِيًّا مُرْشِدًا (17).
السابع والسبعون بعد المائة ثمان وعشرون منها (وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا (28).
الثامن والسبعون بعد المائة ثلاث وأربعون منها (وَمَا كَانَ مُنْتَصِرًا (43).
التاسع والسبعون بعد المائة ست وخمسون (وَمَا أُنْذِرُوا هُزُوًا (56).
الثمانون وماثة أربع وسبعون (لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا (74).
الحادي والثمانون بعد المائة تسعون منها (مِنْ دُونِهَا سِتْرًا (90).
الثاني وثمانون بعد المائة آخر السورة.
الثالث والثمانون بعد المائة اثنتان وعشرون من مريم (مَكَانًا قَصِيًّا (22).
الرابع والثمانون بعد المائة أربعون منها
(وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا (42).
(1/261)
الخامس والثمانون بعد المائة.
إحدى وستون منها (إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا (61).
السادس والثمانون بعد المائة اثنتان وثمانون (وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا
(82).
السابع والثمانون بعد المائة خمس عشرة ، من طه (بِمَا تَسْعَى (15).
الثامن والثمانون بعد المائة سبع وأربعون (وَالسَّلَامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ
الْهُدَى (47).
التاسع والثمانون بعد المائة سبعون (بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى (70).
التسعون بعد المائة ست وثمانون (فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي (86).
الحادي والتسعون بعد المائة مائة وخمس عشرة (وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً).
الثاني والتسعون بعد المائة آخر السورة.
الثالث والتسعون بعد المائة سبع عشرة آية من الأنبياء (إِنْ كُنَّا فَاعِلِينَ).
الرابع والتسعون بعد المائة ثلاث وثلاثون (فِي فَلَكٍ يَسْبَحُوْنَ).
الخامس والتسعون بعد المائة خمسون (أفانتم له منكرون)
السادس والتسعون بعد المائة أربع وسبعون (كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَاسِقِينَ (74).
السابع. والتسعون بعد المائة تسعون (وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً
لِلْعَالَمِينَ (91).
الثامن والتسعون بعد المائة آخر السورة.
التاسع والتسعون بعد المائة إحدى عشرة من الحج (ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ
الْمُبِينُ (11)).
المائتان ثلاث وعشرون منها (وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ (23).
الواحد بعد المائتين ست وثلاثون منها (سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ
(36).
(1/262)
الثاني بعد المائتين إحدى
وخمسون (فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (51).
الثالث بعد المائتين ستون وست (ثُمَّ يُحْيِيكُمْ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَكَفُورٌ
(66).
الرابع بعد المائتين آخر السورة.
الخامس بعد المائتين أربع وعشرون من المؤمنين (بِهَذَا فِي آبَائِنَا
الْأَوَّلِينَ (24).
السادس بعد المائتين خمس وأربعون منها. (وَأَخَاهُ هَارُونَ بِآيَاتِنَا
وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ (45).
السابع بعد المائتين ثلاث وسبعون (وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلَى صِرَاطٍ
مُسْتَقِيمٍ (73).
الثامن بعد المائتين رأس المائة منها (وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ
يُبْعَثُونَ (100).
التاسع بعد المائتين ثلاث آيات من النور (وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ
(3).
العاشر بعد المائتين عشرون منها (وَأَنَّ اللَّهَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (20).
الحادي عشر بعد المائتين بعض آية إحدى وثلاثين (أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ).
الثاني عشر بعد المائتين ثمان وثلاثون (وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ
حِسَابٍ (38).
الثالث عشر بعد المائتين خمسون منها (بَلْ أُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (50).
الرابع عشر بعد المائتين ستون منها (خَيْرٌ لَهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ
(60).
الخامس عشر بعد المائتين خمس من سورة الفرقان (تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً
وَأَصِيلًا (5)).
السادس عشر بعد المائتين عشرون منها (وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا (20).
السابع عشر بعد المائتين أربعون منها (بَلْ كَانُوا لَا يَرْجُونَ نُشُورًا (40).
الثامن عشر بعد المائتين ستون منها (وَزَادَهُمْ نُفُوراً).
التاسع عشر بعد المائتين آخر السورة.
العشرون بعد المائتين ثمان وعشرون من سورة الشعراء (وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنتمْ
تَعْقِلُوْنَ).
الحادي والعشرون بعد المائتين اثنتان وستون (إِن مَعِيَ ربي سَيَهْدِيْنِ).
الثاني والعشرون بعد المائتين مائة آية وآية (مِنْ شَافِعِينَ (100) وَلَا صَدِيقٍ
حَمِيمٍ (101).
(1/263)
الثالث والعشرون بعد المائتين
مائة وأربعون وخمس (إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ (164).
في قصة لوط.
الرابع والعشرون بعد المائتين مائة وثلاث وخمسون (مِنَ الْمُسَحَّرِينَ (185).
في قصة شعيب.
الخامس والعشرون بعد المائتين آخر السورة.
السادس والعشرون بعد المائتين عشرون من النمل (أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ
(20). السابع والعشرون بعد المائتين رأس أربعين (فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ
(40).
الثامن والعشرون بعد المائتين خمس وخمسون (بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ (55).
التاسع والعشرون بعد المائتين سبعون (وَلَا تَكُنْ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ
(70).
الثلاثون بعد المائتين تسع وثمانون (وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ (89).
الحادي والثلاثون بعد المائتين اثنتا عشرة من القصص (وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ (12).
الثاني والثلاتون بعد المائتين أربع وعشرون منها (إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ
(24).
الثالث والثلاثون بعد المائتين خمس وثلاثون (وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ
(35).
الرابع والثلاثون بعد المائتين ثمانِ وأربعون (وَقَالُوا إِنَّا بِكُلٍّ
كَافِرُونَ (48).
الخامس والثلاثون بعد المائتين ثنتان وستون (الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ (62).
بعده (قَالَ الَّذِينَ).
السادس والثلاثون بعد المائتين سبع وسبعون (إِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ
الْمُفْسِدِيْنَ).
السابع والثلاثون بعد المائتين آخر السورة.
الثامن والثلاثون بعد المائتين ثماني عشرة آية منَ العنكبوت (إِلَّا الْبَلَاغُ
الْمُبِينُ (18) ".
التاسع والثلاثون بعد المائتين ثلاث وثلاثون (كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ (33)
بعده - (إِنَّا مُنْزِلُونَ).
الأربعون بعد المائتين خمس وأربعون (وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ (45).
الحادي والأربعون بعد المائتين ثمان وخمسون
(1/264)
(نِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ
(58).
الثاني والأربعون بعد المائتين سبع من الروم (بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ
(8).
الثالث والأربعون بعد المائتين أربع وعشرون (بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ
لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (24).
الرابع والأربعون بعد المائتين ثمانِ وثلاثون (هُمُ الْمُفْلِحُونَ (38) - بعده -
(وَمَا آتَيْتُمْ).
الخامس والأربعون بعد المائتين اثنتان وخمسون( إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ (52).
السادس والأربعون بعد المائتين اثنتا عشرة من لقمان (غَئغَنِيٌّ حَمِيدٌ (12).
السابع والأربعون بعد المائتين خمس وعشرون (بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ
(25).
الثامن والأربعون بعد المائتين ثلاث من السجدة (لَعَلَّهُمْ يَهْتَدوْنَ)
التاسع والأربعون بعد المائتين اثنتان وعشرون (إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ
مُنْتَقِمُونَ (22).
الخمسون بعد المائتين ست من الأحزاب (فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا (6).
الحادي والخمسون بعد المائتين ثماني عشرة (وَلَا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا
قَلِيلًا (18).
الثاني والخمسون بعد المائتين (وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا (30).
الثالث والخمسون بعد المائتين تسيع وثلاثون (وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا (39).
الرابع والخمسون بعد المائتين اثنتان وخمسون (وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ
رَقِيبًا (52).
الخامس والخمسون بعد المائتبن اثننان وستون (وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ
تَبْدِيلًا (62).
السادس والخمسون بعد المائتين ثلاث من سبأ (إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (3).
السابع والخمسون بعد المائتين بعض آية خمس عشرة (عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ.
الثامن والخمسون بعد المائتين ثلاثون (سَاعَةً وَلَا تَسْتَقْدِمُونَ (30).
(1/265)
التاسع والخمسون بعد المائتين
ثلاث وأربعون (إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ (43).
الستون بعد المائتين ست من فاطر (إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ
أَصْحَابِ السَّعِيرِ (6).
الواحد والستون بعد المائتين سبع عشرة (وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ
(17).
الثاني والستون بعد المائتين اثنتان وثلاثون (ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ
(32).
الثالث والستون بعد المائتين ثلاث وأربعون (وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ
تَحْوِيلًا (43).
الرابع والستون بعد المائتين ست وعشرون من يس (يَا لَيْتَ قَوْمِيْ يَعْلَمُوْنَ).
الخامس والستون بعد المائتين خمسون (وَلَا إِلَى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ (50).
السادس والستون بعد المائتين اثنتان وسبعون (وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ (72).
السابع والستون بعد المائتين خمس عشرة من الصافات (إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ (15).
الثامن والستون بعد المائتين خمسون (يَتَسَاءَلُوْنَ) - بعده -
(قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ).
التاسع والستون بعد المائتين مائة وآية (فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ (101).
السبعون بعد المائتين مائة وأربع وأربعون (إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (144).
الواحد والسبعون بعد المائتين خمس من (ص) (لَشَيْءٌ يُرَادُ (6).
الثاني والسبعون بعد المائتين خمس وعشرون (وَحُسْنَ مَآبٍ (25) - بعده - (يَا
دَاوُودُ).
الثالث والسبعون بعد المائتين ست وأربعون (بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ (46).
الرابع والسبعون بعد المائتين آخر السورة.
الخامس والسبعون بعد المائتين خمس عشرة من الزمر (ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ
الْمُبِينُ (15).
السادس والسبعون بعد المائتين (إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ (30).
السابع والسبعون بعد المائتين خمس وأربعون
(مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (45).
الثامنِ والسبعون بعد المائتين إحدى وستون (لَا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلَا هُمْ
يَحْزَنُونَ (61).
التاسع والسبعون بعد المائتين آخر السورة.
(1/266)
الثمانون بعد المائتين خمس
عشرة من المؤمن (لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلَاقِ (15).
الواحد والثمانون بعد المائتين ثمان وعشرون (مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ (28).
الثاني والثمانون بعد المائتين أربعون (يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ (40).
الثالث والثمانون بعد المائتين خمس وخمسون (بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ (55).
الرابع والثمانون بعد المائتين تسع وستون (أَنَّى يُصْرَفُونَ (69).
الخامس والثمانون بعد المائتين آخر السورة.
السادس والثمانون بعد المائتين سبع عشرة من السجدة (بِمَاْ كأنُوْا يَكْسِبُوْنَ).
السابع والثمانون بعد المائتين اثنتان وثلاثون (نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ (32)
الثامن والثمانون بعد المائتين ست وأربعون (بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (46).
التاسع والثمانون بعد المائتين سبع من عسق (وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ (7).
التسعون بعد المائتين سبع عشرة منها (لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ (17).
الواحد والتسعون بعد المائتين تسع وعشرون (إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ (29).
الثاني والتسعون بعد المائتين أربع وأربعون (إِلَى مَرَدٍّ مِنْ سَبِيلٍ (44).
الثالث والتسعون بعد المائتين إحدى عشرة من الزخرف (كَذَلِكَ تُخْرَجُونَ (11).
الرابع والتسعون بعد المائتين ثلاثون (وَإِنَّا بِهِ كَافِرُونَ (30).
الخامس والتسعون بعد المائتين ثمان وأربعون (لَعَلَّهُم يَرْجِعُوْنَ).
السادس والتسعون بعد المائتين سبعون (أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ (70).
السابع والتسعون بعد المائتين اثنتا عشرة من الدخان (إِنَّا مُؤْمِنُونَ (12).
الثامن والتسعون بعد المائتين اثنتان وخمسون (فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (52).
التاسع والتسعون بعد المائتين ست عشرة من الجاثية. (عَلَى العَالَمِيْنَ).
الموفى ثلاثمائة اثنتان وثلاثون منها (وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ (32).
الواحد بعد الثلاثمائة إحدى عشرة من الأحقاف (إِفْكٌ قَدِيمٌ (11).
(1/267)
الثاني بعد الثلاثمائة اثنتان
وعشرون منها (إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (22).
الثالث بعد الثلاثمائة آخر السورة.
الرابع بعد الثلاثمائة خمس عشرة من سورة محمد - صلى الله عليه وسلم - (لَذَّةٍ
لِلشَّارِبِينَ).
الخامس بعد الثلاثمائة تسع وعشرون منها (أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ
(29).
السادس بعد الثلاثمائة سبع آيات من الفتح (وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا (7).
السابع بعد الثلاثمائة تسع عشرة آية من الفتح (عَزِيْزاً حَكِيْماً).
الثامن بعد الثلاثمائة في بعض التاسعة والعشرين (رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ).
التاسع بعد الثلاثمائة إحدى عشرة من الحجرات (فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ
(11).
العاشر بعد الثلاثمائة إحدى عشرة من (ق) (كَذَلِكَ الْخُرُوجُ (11).
الحادي عشر بعد الثلاثمائة ثمان وثلاثون منها (وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ (38).
الثاني عشر بعد الثلاثمائة ثلاثون من الذاريات (إِنَّهُ هُوَ الْحَكِيمُ
الْعَلِيمُ (30).
الثالث عشر بعد الثلاثمائة خمس من الطور (وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ (5).
الرابع عشر بعد الثلاثمائة ثمان وثلاثون منها (بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ).
الخامس عشر بعد الثلاثمائة ست وعشرون من النجم (لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى (26).
السادس عشر بعد الثلاثمائة آخر السورة.
السابع عشر بعد الثلاثمائة اثنتان وثلاثون من القمر (فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (32) -
بعده - (كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ).
الثامن عشر بعد الثلاثمائة إحدى وعشرون من سورة الرحمن عز وجل
(لَا يَبْغِيَانِ (20).
التاسع عشر بعد الثلاثمائة اثنتان وستون منها (وَمِنْ دُونِهِمَا جَنَّتَانِ (62).
العشرون بعد الثلاثمائة تسع وأربعون من الواقعة
(1/268)
(قُلْ إِنَّ الْأَوَّلِينَ
وَالْآخِرِينَ (49).
الواحد والعشرون بعد الثلاثمائة تسعون منها
(وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ (90).
الثاني والعشرون بعد الثلاثمائة إحدى عشرة من الحديد (وَلَهُ أجْرٌ كَرِيمٌ).
الثالث والعشرون بعد الثلاثمائة عشرون منها "إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ (20).
الرابع والعشرون بعد الثلاثمائة آخر السورة.
الخامس والعشرون بعد الثلاثمائة عشر من المجادلة (فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ
(10).
السادس والعشرون بعد الثلاثمائة إحدى وعشرون منها
"إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ (21).
السابع والعشرون بعد الثلاثمائة ثماني آيات من الحشر
(أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (8).
الثامن والعشرون بعد الثلاثمائة إحدى وعشروْن منها (لَعَلَّهُمْ يَتَفَكرُونَ).
التاسع والعشرون بعد الثلاثمائة ست آيات من
الامتحان (هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (6).
الثلاثون بعد الثلاثمائة خمس من الصف (وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ
الْفَاسِقِينَ (5).
الواحد والثلاثون بعد الثلاثمائة ثلاث من الجمعة (وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ
(3).
الثاني والثلاثون بعد الثلاثمائة خمس من المنافقين (وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ (5).
الثالث والثلاثون بعد الثلاثمائة ست من التغابن (وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (6).
الرابع والثلاثون بعد الثلاثمائة اثنتان من الطلاق (يَجْعَلْ لَهُ
مَخْرَجاً).
الخامس والثلاثون بعد الثلاثمائة الأولى من التحريم وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ
(1).
السادس والثلاثون بعد الثلاثمائة آخر السورة.
السابع والثلاثون بعد الثلاثمائة اثنتان وعشرون من الملك (صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ
(22).
الثامن والثلاثون بعد الثلاثمائة ثلاثون من (ن) (عَلَى بَعْضٍ يَتَلَاوَمُونَ
(30).
التاسع والثلاثون بعد الثلاثمائة سبع من الحاقة (أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ (7).
(1/269)
الأربعون بعد الثلاثمائة خمس
من المعارج (صَبْرًا جَمِيلًا (5).
الواحد والأربعون بعد الثلاثمائة ثلاث من نوح (وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ (3).
الثاني والأربعون بعد الثلاثمائة آخر السورة.
الثالث والأربعون بعد الثلاثمائة عشرون من سورة الوحي (وَلَا أُشْرِكُ بِهِ
أَحَدًا (20).
الرابع والأربعون بعد الثلاثمائة آخر (يا أيها المزمل).
الخامس والأربعون بعد الثلاثمائة ثلاث وثلاثون من المدثر (وَاللَّيْلِ إِذْ
أَدْبَرَ (33).
السادس والأربعون بعد الثلاثمائة إحدى وثلاثون من القيامة (وَلاَ صَلَّى).
السابع والأربعون بعد الثلاثمائة إحدى وعشرون من الإنسان (شَرَاباً
طَهُوْراً).
الثامن والأربعون بعد الثلاثمائة أربعون من المرسلات (يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ
(40) - بعده - (إِنَّ الْمُتَّقِينَ).
التاسع والأربعون بعد الثلاثمائة آخر (عَم يَتَسَاءَلونَ ".
الخمسون بعد الثلاثمائة عشر من عبس (عَنْهُ تَلَهَّى).
الواحد والخمسون بعد الثلاثمائة عشر من الانفطار (وَإِنَّ عَلَيْكُم
لَحَافِظِينَ). الثاني والخمسون بعد الثلاثمائة ثمان من الشفق (حِسَاباً
يَسِيْراً).
الثالث والخمسون بعد الثلاثمائة عشر من البروج (وَلَهُمْ عَذَابُ
الْحَرِيْقِ).
الرابع والخمسون بعد الثلاثمائة آخر (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى).
الخامس والخمسون بعد الثلاثمائة من الفجر (الْمَالَ حُبًّا جَمًّا (20).
(1/270)
السادس والخمسون بعد
الثلاثمائة خمس من الليل (أعْطَى وَاتَّقَى).
السابع والخمسون بعد الثلاثمائة آخر سورة العلق.
الثامن والخمسون بعد الثلاثمائة آخر (إِذَا زُلْزِلَتِ).
التاسع والخمسون بعد الثلاثمائة آخر الليل.
الستون بعد الثلاثمائة آخر الناس.
وهذه التجزئة مباركة ، ولها فوائد منها أنك تعرف بها أثلاث
الأحزاب ؛ لأن كل جزئين منها ثلث حزب ، وكل ثلائة نصف حزب ، وكل
أربعة ثلثا حزب.
وكذلك تعرف بها نصف القرآن ، لأن نصف القرآن منها مائة
وثمانون ، وثلث القرآن . وهو مائة وعشرون ، والربع وهو تسعون جزءاً.
والخمس وهو اثنان وسبعون جزءاً ، والسدس ، وهو ستون جزءاً ، والثمن.
وهو خمس وأربعون جزءاً ، والتسع ، وهو أربعون جزءاً.
ومنها أنها تعين على حفظ القرآن ؛ لأنه لا يثقل على من يريد حفظه أن يحفظ منها كل
يوم جزءاً..
* * *
ومما روي في الإعانة على حفظ القرآن العزيز
ما حدثني به الإمام أبو الفضل الغزنوي ، رحمه الله ، بالسند
المتقدم إلى أبي عيسى ، رحمه الله ، قال : حدثنا أحمد بن الحسن.
حدّثنا سليمان بن عبد الرحمن الدمشقيّ ، حدثنا الوليد بن مسلم.
حدثنا ابن جريج ، عن عطاء بن أبي رباح ، وعكرمة مولى ابن
عباس ، عن ابن عباس أنه قال :
"بينما نحن عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذ
جاءه عليٌّ بن أبي طالب ، رضي الله عنه ، فقال :
بأبي أنت وأمي ، تفلَّت هذا القرآن من صدري ، فما أجدني أقدر
عليه ، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
"يا أبا الحسن أفلا أعَلمُكَ كلماتٍ يَنْفَعُكَ
(1/271)
اللَّهُ بِهنَّ ، وينفعُ بهن
من علَّمْتَهُ ، وُيثَبتُ ما تَعَلمْتَ في صدرك قال :
أجلْ يا رسولَ اللَّهِ فَعلمْنِي ، قال : إذا كان ليلة الجمعة فإن استطعت - أن
تقوم في ثلث الليل الآخر ، فإنها ساعة مشهودة ، والدعاء فيها مستجاب.
وقد قال أخي يعقوب لبنيه : (سوف أسَتْغَفِرُ لَكمْ رَبي) يقول : حتى تأتي
ليلة الجمعة ، فإن لم تستطع فقم في وسطها ، فإن لم تستطع فقم
في أولها ، فَصَل أربع ركعات ، تقرأ في الركعة الأولى بفاتحة الكتاب
وسورة يس ، وفي الركعة الثانية بفاتحة الكتاب وحم الدخان ، وفي
الركعة الثالثة بفاتحة الكتاب والم تنزيل السجدة ، وفي الركعة الرابعة
بفاتحة الكتاب وتبارك المفصل ، وإذا فرغت من التشهد فاحمد اللَّهَ.
وأحْسِن الثناء على اللَّهِ ، وصَل عليَّ وأحْسِنْ ، وعلى سائر النبييين
واستغفر للمؤمنين والمؤمنات ، ولإخوانك الذين سبقوك بالإيمان ، ثم قل
في آخر ذلك : اللهم ارحمني بترك المعاصي أبداً ما أبْقَيْتَنِيْ.
وارحمني أن أتكلفَ ما لا يعنيني ، وارزقني حسن النظر فيما يرضيك
عني.
اللهم بديع السموات والأرض ذا الجلال والإكرام ، والعزة التي
لا ترام أسالك يا اللَّهُ يا رحمنُ بجلالِكَ ونورِ وجهِكَ أن تُلْزِمَ قلبي حِفْظَ
كِتَابَكَ كما عَلمْتَنِيْ ، وارزقني أن أتلوه على النحو الذي يرضيك عني.
اللهُم بديعَ السمواتِ والأرضِ ذا الجلالِ والإكرام ، والعزة التي لا
تُرامُ ، أسالك يا اللهُ يا رحمنُ بجلالكِ ونورِ وجهِكً أن تُنَوِّرَ بكتابِكَ
بَصَرِيْ ، وأنْ تُطْلِقَ به لساني ، وأنْ تُفَرج به عَنْ قلبي ، وأنْ تَشْرَح بِه
صَدْرِي ، وأن تعمل به بدني فإنه لا يُعِيْنني على الحق غيرُك ، ولا يُؤتيْنيهِ
إلا أنت ولا حولَ ولا قوةَ إلا بالله العلى العظيم.
(1/272)
يا أبا الحسن : تفعل ذلك ثلاث
جمع ، أو خمساً ، أو سبعاً.
تجاب بإذن الله ، والذي بعثني بالحق ما أخطأ مؤمناً قط ".
قال ابن عباس : فوالله ما لبث عليٌّ إلا خمساً أو سبعاً حتى جاء رسول الله - صلى
الله عليه وسلم - في مثل ذلك المجلس فقال : يا رسول الله إني كنت فيما خلا لا آخذ
إلا أربع آيات ، ونحوهن فإذا قَرَأتهُن عَلَى نفسي تفَلَّتْنَ ، وأنا أتعلم اليوم
أربعين آية ونحوها ، فإذا قرأتهن على نفسي فكأنما كتاب الله بين عينى ، ولقد كنت
أسمع الحديث فإذا رددته تفلَّت ، وأنا اليوم أسمع
الأحاديث ، فإذا تحدثتُ بها لم أخرم منها حرفاً.
فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عند ذلك : مؤمن وربِّ الكعبةِ يا أبا
الحسن".
(1/273)
أقوى العُدَدِ في معرفةِ العَدَدِ
عدد آي القرآن ينقسم إلى المدنى الأول ، والمدنى الآخر.
والمكي والكوفي ، والبصري ، والشامي.
فالمدني الأول رواه نافع بن أبي نعيم ، رحمه الله ، عن أبي جعفر يزيد بن القعقاع ،
وشيبة بن نصاح ، وبه أخذ القدماء من أصحاب نافع.
والمدنى الأخير فهو الذي رواه إسماعيل بن جعفر بن أبي كثير
الأنصاري ، عن سليمان بن مسلم بن جَمَّاز ، عن شيبة بن نصاح بن
سرجس بن يعقوب مولى أم سلمة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وعن أبي جعفر يزيد
بن القعقاع مولى عبد الله بن عيَّاش بن أبي ربيعة المخزومي ، وعليه الآخذون لقراءة
نافع اليوم ، وبه ترسم الأخماس ، والأعشار ، وفواتح السور في مصاحف أهل المغرب.
وأما المكي فمنسوب إلى عبد الله بن كثير ، رحمه الله ، وغيره من
أهل مكة ، وهم يروون ذلك عن أبي بن كعب ، رحمه الله.
وأما العدد الكوفي فرواه حمزة بن حبيب الزيَّات ، رحمه الله.
يسنده إلى أبي عبد الرحمن السلمي ، وأبو عبد الرحمن يسند بعضه إلى
على بن أبي طالب ، رضي الله عنه.
(1/274)
وأما العدد البصري فمنسوب إلى
عاصم بن ميمون الجحدري
وأما العدد الشامي فعن يحيى بن الحارث الذماري ، رحمه الله .
(1/275)
فاتحة الكتاب
هي سبع آيات باتفاق إلا أنهم اختلفوا في الآية السابعة فعد
الكوفيون والمكي (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) آية من الفاتحة.
ولم يعدوا (أنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ).
وبالعكس المدنيان والبصري والشامي . وعدَّ (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ
الرَّحِيمِ) آية من الفاتحة الشافعى رحمه الله ، وأبو ثور ، وأحمد ، وإسحاق ، وأبو
عبيد ، وأهل الكوفة ، وأكثر أهل العراق ، وابن شهاب الزهري ، وعمرو بن دينار ،
وابن جريج ، ومسلم بن خالد ، وسائر أهل المدينة ، وهو مذهب ابن عمر ، والصحيح عن
ابن عباس ، وبه تقول جماعة ، وأصحاب ابن عباس : سعيد بن جبير ، وعطاء ومجاهد وطاووس.
وقد روي الجهر بها في الصلاة عن أبي هريرة ، وعمَّار ، وابن
الزبير ، واختلف في ذلك عن عمر ، وعلي ، وكان أحمد وإسحاق ، وأبو
عبيد ، وسفيان ، وابن أبي ليلى ، والحسن بن حَيّ ، وابن شبرمة
يخفونها في صلاة الجهر.
(1/277)
وكذلك يقول إبراهيم النخعي ،
والحكم بن عيينة ، وحمَّاد ، وهو
مذهب عبد الله بن مسعود ، رضي الله عنه ، وإلى ذلك ذهب أبو حنيفة.
رضي الله عنه ، وقال الكرخى ، وغيره من أصحابه : لم يحفظ عنه أنها
من فاتحة الكتاب ، أوليست منها ، ومذهبه يقتضي أنها ليست بآية منها.
قالوا : لأنه يسر بها في صلاة الجهر ، والإسرار بها لا يدل على ما قوَّلوه
به ؛ لأن جماعة من فقهاء الكوفة قد عدوها منها وهم يُسرون بها اتباعاً
للسنة في صلاة الجهر ، واقتداء بالآثار الواردة في ذلك.
وقال داود : هي آية ، مفردة في كل موضع كتبت فيه في المصحف.
وليست بآية في شيء مما افتتح به.
وإنما هي آية في قوله عز وجل : (وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
(30).
لا غير.
قال الرازي : ومذهب أبي حنيفة يقتضي عندي ما قاله داود.
وكذلك قال مالك ، رضي الله عنه ، إلَّا أنه قال : إن الله - عز وجل - لم
ينزلها في شيء من كتابه إلا في وسط سورة النمل ، ولا تقرأ في الفاتحة
في الفريضة سرًّا ولا جهراً.
وقال بجميع ذلك من قوله الأوزاعي ، وابن جرير الطبري.
وعدوا كلهم (أنعمت عليهم) آية.
وحجة من عدَّها
(1/278)
آية ما روى الليث بن سعد ،
رحمه الله ، قال : حدثني خالد بن يزيد.
عن سعيد بن أبي هلال ، عن نُعَيم المُجْمر قال : صليت وراء أبي هريرة
فقرأ : (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ).
ثم قرأ بأم القرآن حتى بلغ (وَلَا الضَّالِّيْنَ " فقال : آمين ، وقال الناس
: آمين ، وكان يقول كلما ركع وسجد : الله أكبر ، وإذا قام من الجلوس قال : الله
أكبر ، ويقول إذا سلَّم : والذي نفسي بيده إني لأشبهكم صلاةً برسول الله - صلى
الله عليه وسلم -.
والليث بن سعد إمام قدوة ، وخالد بن يزيد الإسكندري ، وسعيد بن أبي هلال من الثقات
عند أهل الحديث.
وروى العلاء بن عبد الرحمن ، عن أبيه ، عن أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه
وسلم - كان إذا افتتح الصلاة جهر بها (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ).
قالوا : ومما يدل على أنها آية من أول فاتحة الكتاب أن أم سلمة
وصفت قراءة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالت :
"كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يُقطع قراءته
آية ، آية (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ).
(الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2).
فهذا دليل على أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يقرؤها كذلك.
ويجهر بها.
وعن عبد الله بن عمر ، وابن عباس ، رضي الله عنهما : أنهما كانا
إذا افتتحا الصلاة يقرأان (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ).
وكذلك روي
(1/279)
عن عبد الله بن الزبير.
وروى سفيان الثوري ، رحمه الله ، عن عاصم.
قال : سمعت سعيد بن جبير يقرأ (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ)
في كل ركعة.
وروي عن ابن جريج قال : أخبرني أبي : أن سعيد بن جبير
أخبره ، عن ابن عباس قال في قوله عزَّ وجلَّ : (وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعاً)
قال هي أم القرآن.
قال عبد الرزاق قرأها على ابن جريج (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (1)
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2) الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (3) مَالِكِ
يَوْمِ الدِّينِ (4) إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5) اهْدِنَا
الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ
الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (7)
آية آية ، وقال : قرأها على أبي كما قرأتها عليكَ ، وقال قرأها على ابن عباس كما
قرأتها عليك.
وقال ابن عباس : قد أخرجها الله لكم - يعني فاتحة الكتاب - وما أخرجها
لأحد قبلكم.
وعن سعيد بن جبير سألت ابن عباس ، رضي الله عنه ، عن قول
الله عز وجل : (وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ
الْعَظِيمَ (87).
قال : هي أم القرآن ، استثناها الله عز وجل لأمة محمد - صلى الله عليه وسلم -
وأخرها حتى أخرجها لهم ، ولم يعطها أحداً قبل أمة محمد - صلى الله عليه وسلم -
(1/280)
قال سعيد : ثم قرأها ابن عباس
فقرأ فيها (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ).
قال ابن جريج : قلت لأبي : أخبرك سعيد بن جبير أن ابن عبّاس
قال له : (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) آية من فاتحة الكتاب ؟
قال : نعم.
وعن عكرمة عن ابن عباس أنّه كان يجهر ب (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ)
ويقول : هو شيء ، أخلسه الشيطان من عامة الناس.
وهذا هو الأكثر والأشهر عن ابن عباس أنه كان يجهر بها ، وأنها أول آية في فاتحة
الكتاب ، وعلى ذلك جميع أصحابه.
ولا خلاف في ذلك عن ابن عمر ، وابن الزبير ، وشدّاد بن أوس.
وعطاء ، ومجاهد ، وطاووس ، وسعيد بن جبير ، وعكرمة ، ومكحول.
وعمر بن عبد العزيز ، وابن شهاب الزهري.
وقال محمد بن كعب القرظي : فاتحة الكتاب سبع آيات ب (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ
الرَّحِيمِ).
وكان ابن شهاب يقول : من ترك (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ)
فقد ترك آية من فاتحة الكتاب.
وعن أبي المقدام صلّيت خلف عمر بن عبد العزيز فسمعته يقرأ :
(بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ).
(1/281)
وقال أبو عبيد : أخبرنا ابن
أبي مريم ، عن عبد الجبار بن عمر ، أنه
سمع كتاب عمر بن عبد العزيز يقرأ : استفتحوا بـ
(بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ)..
وكان عمر بن عبد العزيز ، رحمه الله : يقتدي بعمل أهل
المدينة ، ويحمل عليه الناس.
وقال الشافعيّ ، رضي الله عنه : حدثنا عبد المجيد بن عبد العزيز
قال : أنبأنا ابن جريج ، قال : أخبرني عبد الله بن عثمان بن خثيم ، أن أبا
بكر بن حفص بن عمر بن سعيد أخبره ، أن أنس بن مالك أخبره ، قال :
صلَّى معاوية بالمدينة صلاة يجهر فيها بالقراءة فلم يقرأ (بِسْمِ اللَّهِ
الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) ، ولم يكبر في الخفض والرفع ، فلما فرغ ناداه
المهاجرون والأنصار : يا معاوية نقصت الصلاة
أين (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) ؟
وأين التكبير إذا خفضت ورفعت ؟
فكان إذا صلَّى بهم بعد ذلك قرأ (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) ،
وكبَّر.
وهذا يدل على أن الجهر بها في أول الفاتحة في الصلاة من عمل
أهل المدينة ، وأنها آية منها لقولهم : نقصت الصلاة.
وروى عكرمة ، عن ابن عباس أنّه كان يفتتح ب (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ
الرَّحِيمِ) يجهر بها ، وكان يقول : إنما ذلك شيء سرقه الشيطان
من الناس.
وأما من لم يعدّها آية من الفاتحة.
وأسقطها منها ، فإنه احتج بما رواه قيس بن عباية قال : حدّثني ابن عبد الله بن
مغَفَّل عن أبيه ، قال :
(1/282)
سمعني أبي وأنا أقرأ (بِسْمِ
اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) فقال : يا بنى إياك
والحدث ، فإني صليت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كبر ، ومع أبي بكر ، وعمر
، وعثمان ، فلم أسمع أحداً منهم يقرؤها.
فإذا قرأت فقل : (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ).
وقيس بن عباية الحنفى أبو نعامة ثقة عند أهل الحديث إلا أنه لم
يرو هذا الحديث عن ابن عبد الله بن مُغَفَّل سواه فابن عبد الله بن
مُغَفَل مجهول ؛ لأن المجهول عندهم من لم يرو عنه إلا رجل واحد.
والمجهول لا تقوم به حجة ، وقد ذهب إلى هذا الحديث من أسقطها.
وذهب إليه من أسر بها ؛ لأنه قال : لم أسمع ، أو ما سمعت أحداً
منهم ؟.
واحتجوا أيضاً بماْ رواه أبو الجوزاء ، واسمه أوس بن عبد اللّه ، من
رَبَعَة الأزْد ، عن عائشة ، رضي الله عنها ، "أن النبي - صلى الله عليه وسلم
- كان يفتتح الصلاة بالتكبير والقراءة ب (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)
، ويختمها بالتسليم ".
قال أهل الحديث : هذا حديث مرسل ؛ لأن أبا الجوزاء لا يعرف
له سماع من عائشة رضي الله عنها ، وأيضاً فإنه لا حجة فيه لمن أسقط
(بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) ؛ لأن قولها يفتتح الصلاة ب (الْحَمْدُ
لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) لم تُردْ به نفي (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ
الرَّحِيمِ) ، وإنما
(1/283)
أرادت كان - صلى الله عليه
وسلم - يفتتح الصلاة بهذه السورة ويختمها بالتسليم.
وهذا واضح.
واحتجوا أيضاً بما روى مالك ، رحمه الله ، عن العلاء بن عبد
الرحمن ، عن أبي السائب مولى هشام بن زهرة أنه سمعه يقول : سمعت
أبا هريرة يقول : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول :
"من صلَّى صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن فهي خِدَاجٌ هي خِدَاجٌ: غير تمام.
قال : قلت : يا أبا هريرة : إني أحياناً أكون وراء الإمام قال : فَغَمَز ذراعي ،
ثم قال : اقرأ بها في نفسك يا فارسي ، فإنى سمعت رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم
- يقول : "قال الله تعالى : قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ، فنصفها لي ،
ونصفها لعبدي ، ولعبدي ما سأل ".
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
"اقرؤوا : يقول العبد : (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) يقول الله :
حمدني عبدي. يقول البعد : (الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) ، يقول الله : أثنى على عبدي.
يقول العبد : (مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) يقول الله تعالى : مجَّدني
عبدي.
يقول العبد : (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) فهذه الآية بيني وبين
عبدي ، ولعبدي ما سأل.
يقول العبد : (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ
أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (7)
(1/284)
فهؤلاء لعبدي. ولعبدي ما سأل
".
وليس لهم حديث في سقوط (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) من أولِ الفاتحة
أقوى من هذا الحديث لقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
"اقرؤوا يقول العبد : (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)
قالوا : ولم يقل : (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) ثم قال ، بعد أن عذ
(الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) آية : يقول (الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ)
فعدَّها
آية ، قالوا : ثم قال : يقول العبد : (مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) فعدّها آية ، ثم
قال :
يقول العبد : (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) فعدهَا آية ، فتمَّت
أربعاً.
ثم قرأ إلى آخر السورة فقال : هؤلاء ، ولم يقل : هاتان ، فدل ذلك
على ثلاث آيات لتتم سبع آيات ؛ إذ أجمع المسلمون على أنّها سبع
آيات ، قالوا فدل هذا الحديث على أن (أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ) آية ، وأنّ
(بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) ليست آية ، وهذا حديث لا خلاف في
صحته ، وثقة رواته.
والكلام على هذا الحديث من وجهين : قول الأئمة ، والمعنى.
أما قول الأئمة ، قال يحيَى بن معين : العلاء بن عبد الرحمن ليس
حديثه بحجّة ، هو وسهيل قريب من السواء.
وقال أحمد بن حنبل ، رحمه الله : هو عندي أقوى من سهيل بن أبي صالح ، ومحمد بن
عمرو.
(1/285)
وقال ابن أبي خيثمة : . سمعت
يحيَى بن معين يقول : العلاء بن
عبد الرحمن ليس بذاك ، لم يزل الناس ينفون حديثه.
وقال أبو حاتم الرازي : روى عن العلاء الثقات ، وأنا أنكر من
حديثه أشياء.
وقال أبو عمر بن عبد البر : العلاء ليس بالمتين عندهم ، وقد
انفرد بهذا الحديث ، وليس يوجد إلا له ، ولا تروى ألفاظه عن أحد
سواه. والله أعلم.
وأما من جهة المعنى فأقول مستعيناً بالله : إنه ليس بحجة في
إسقاط (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) من الفاتحة ؛ لأنه إنما لم يذكر
(بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) ؛ لأن المراد منها موجود في قوله في
الآية
الثالثة (الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ). فلو قال : اقرؤوا : يقول العبد (بِسْمِ اللَّهِ
الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) ، يقول الله عز وجل : أثنى علي عبدي ، ثم قال بعد
ذلك يقول العبد : (الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) لقال : يقول الله عز وجل : أثنى
عليَّ عبدي ، - واستغنى بإحدى الآيتين عن الأخرى.
وأما قوله يقول الله عزَّ وجل : هؤلاء لعبدي ، فإنما أراد هؤلاء الكلمات ويعضد هذا
الذي قلناه حديث نعيم المجمر "صليت وراء أبي هريرة".
والجمع بين الحديثين أولى من تعارضهما ، والله أعلم.
(1/286)
وابن أبي هلال الذي يرويه عن
نعيم المجمر عن أبي هريرة ؛ ليس بدون العلاء بن عبد الرحمن عند أهل الحديث.
ومما يشهد لصحة ما رواه أبو سعيد المَقْبُرِيّ ، وصالح مولى التوءمة عن أبي هريرة
"أنّه كان يفتتح ب (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ).
وأما إثباتها آية في أول كل سورة فلم يذهب إليه أحد من أهل
العدد.
وقال ابن عباس - رضي الله عنهما - : من تركها فقد ترك مائة وأربع
عشرة آية.
قال الشافعي رحمه الله : وأخبرنا عبد المجيد عن ابن جريج
عن نافع عن ابن عمر أنه كان لا يدع (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) لأم
القرآن والسور التي بعدها وكذلك كان عطاء وأكثر أصحاب ابن
عباس" . . . يقرؤونها في فاتحة الكتاب ، وفي السورة التي يقرؤون
بعدها ، وروى ابن شهاب عن سالم عن ابن عمر : أنه كان يقرأ
(بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) في أول فاتحة الكتاب ، ويقرؤها كذلك فىِ
السورة التي يقرأ بعدها.
وكذلك روى نافع عنه ، وروي عن ابن الزبير مثل ذلك.
وعن سعيد بن جبير أن المؤمنين في عهد النّبي - صلى الله عليه وسلم - كانوا
لا يعلمون انقضاء السورة حتى تنزل (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ)
فإذا نزلت (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) علموا أن السورة قد
انقضت ، ونزلت الأخرى.
(1/287)
وكذلك روى سعيد بن جبير ، عن
ابن عباس.
وروى المختار بن فلفل عن أنس قال : "بينما النبي - صلى الله عليه وسلم - ذات
يوم بين أظْهُرِنا إذْ أغْفَى إِغْفَاءَةً ، ثم رفع رأسه مبتسماً.
قلنا : ما يضحكك يا رسول اللّه ؟
قال : نزلت عليّ آنفاً سورة فقرأ (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ).
(إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ (1) فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (2) إِنَّ
شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ (3).
ثم قال : هل تدرون ما الكوثر ؟
قالوا : الله ورسوله أعلم.
قال : نَهْرٌ وَعَدَنِيْه ربّي في الجنّة آنيته أكثر من عدد الكواكب ، تَرِدُ
عَلَيْهِ
أمتي ، فيختلج العبد منهم فأقول : يا ربِّ إنه من أمتي ، فيقال : إنّك لا تدري ما
أحدث بعدك ؟.
فمذهب ابن عبّاس ، ومن ذكرناه أنّها آية في أول كل سورة من
تلك السور ، وهو مذهب ابن عمر ، وابن الزبير ، وعطاء ، ومكحول.
وطاووس ، وابن مبارك ، والشافعي ، وقد اختلف عنه ، وتحصيل مذهبه ما
ذكرته.
* * *
سورة البقرة :
(الم)
عدَّها أهل الكوفة.
(1/288)
(وَلَهُمْ عَذَابٌ ألِيْمٌ)
انفرد بها الشاميّ.
(مُصْلِحُوْنَ) أسقطها الشامى وحده.
(إلا خَائِفِيْنَ) أسقطها الجميع إلا البصري.
(واتَقُونِ يَا أولِي الألْبَابِ) أسقطها المدني الأول.
(في الأخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ) أسقطها المدنى الأخير.
(وَيَسْألُوْنَكَ مَاذَا يُنْفِقُوْنَ) عدَّها المدنيّ الأول ، والمكي.
(لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَرُوْنَ) عدَّها الكوفيّ والشامى والمدني الأخير.
(قَوْلًا مَعْرُوفًا) للبصري وحده.
(الحَي الْقيومُ) للمدنى الأخير ، والبصري ، والمكي.
(مِنَ الظلُمَاتِ إلى النوْرِ) للمدنى الأول.
فالاختلاف في إحدى عشرة آية فهي في الكوفي مائتان وثمانون
وست آيات ، وخمس آيات في المدنيين والمكي والشامي ، وسبع آيات
في البصَري.
* * *
آل عمران :
(الم) الكوفيّ.
(وَأنْزَلَ التوْرَاةَ والإنْجيْلَ) أسقطها الشامي وحده.
(وَأنْزَلَ الفُرْقَانَ) أسقطها الكوفي وحده.
(وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ (48).
عدها الكوفي وحده.
(وَرَسُولًا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ) عدَّها البصري.
(1/289)
(مِما تحبونَ) أسقطها الكوفي
والبصري.
(مَقَامُ إبْرَاهِيمَ) عدَّها أبو جعفر يزيد بن القعقاع المدني.
ووافقه الشامي ، ولا نظير لها.
فاختلافها سبع آيات وهي مائتا آية في جميع العدد.
* * *
سورة النساء :
(وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ (44) للكوفي والشامي.
(فَيُعَذِبُهُمْ عَذَاباً ألِيْماً) للشامي وحده فهي مائة
وست وسبعون آية عند الكوفي ، وتنقص آية للمدنيين ، والبصري
والمكي ويزيد آية الشامي.
واختلافها آيتان.
* * *
سورة المائدة :
(أوْفُوا بِالْعُقُود) أسقطها الكوفي وحده ، وكذلك قوله عز
وجل : (وَيَعْفُوْ عَنْ كثِيْرٍ).
(فَإِنكُمْ غَالِبُونَ) البصري وحده.
اختلافهما ثلاث آيات : وهي في الكوفي مائة
وعشرون ، وفي المدنى والمكي والشامي تزيد اثنتين ، وفي البصري تزيد
ثلاث آيات.
* * *
سورة الأنعام :
(وَجَعَلَ الظلُمَاتِ وَالنورَ) للمدنيين والمكي.
(1/290)
(لَسْتُ عَلَيْكُمْ
بِوَكِيْلٍ) للكوفى.
(وَيَوْمَ يَقُوْلُ كُنْ فَيَكُوْنُ) أسقطها الكوفي وحده.
وكذلك (إلى صِرَاطٍ مُسْتَقِيْمٍ).
اختلافها أربع آيات ، وهي مائة وستون وخمس آيات للبصريَ والشامي ، وسبع آيات
للمدنيين والمكي.
* * *
سورة الأعراف :
(المص) للكوفي.
(مُخْلِصينَ لَهُ الدِّيْنَ) للبصري والشامي.
(كمَا بَدَأكُمْ تَعُودُونَ) للكوفي.
(ضِعْفاً مِنَ الئارِ@71 : 38 ، للمدنيين والمكي.
(الحُسْنَى عَلَى بَنِي إسرَائِيلَ) مدنيين ومكي.
اختلافها خمس آيات ، وهي في الكوفيّ والمدنيين والمكّي مائتان وست آيات.
وفي البصري والشاميّ تنقص آية.
* * *
سورة الأنفال :
(ثُمَّ يُغْلَبُونَ) للبصريْ والشامي.
(لِيَقْضِيَ الَّلهُ أمْراً كَانَ مَفْعُولاً) للجميع إلا الكوفي.
(1/291)
(بِنَصْرِهِ وبالمُؤْمِنِينَ)
للجميع إلا البصري.
اختلافها ثلاث آيات ، وهي في الكوفي سبعون وخمس آيات ، وقال الشامي :
وسبع آيات ، وقال الباقون : وست آيات.
* * *
سورة التوبة :
(أنً اللهَ بريءٌ مِنَ المُشْرِكينَ) للبصري.
(إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا) للشامى.
(قَوْمِ نوحٍ وَعَادٍ وثَمُودَ) للمدنيين والمكي.
اختلافها ثلاث آيات ، وهي مائة وتسع وعشرون في الكوفيَ.
وثلاثون للباقين.
* * *
سورة يونس عليه السلام
(دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) للشامي وحده.
(لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ)
أسقطها الشاميَ وحده.
(وشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ) عدّها الشاميّ وحده.
وهي مائة وتسع آيات في جميع العدد إلا الشامي فإنها فيه مائة وعشر.
* * *
سورة هود عليه السلام :
(أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (54)
للكوفي وحده.
(يُجَادِلُنَا في قَوْمِ لُوطٍ) أسقطها البصري وحده.
(مِنْ سِجِّيلٍ) للمدني الأخير ، والمكي.
(مَنْضُودٍ) أسقطها المدني الأخير ، والمكي.
(1/292)
(خَيْر لكم إنْ كُنْتُمْ
مُؤْمِنينَ) للمدنيين والمكىي (وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ).
للكوفيّ والبصريّ والشاميّ.
(إنَّا عَامِلُون) أسقطها المدنيّ الأخير والمكي.
اختلافها سبع آيات ، وهي في الكوفيّ مائة وعشرون ثلاث آيات ، وآيتان في المدنيّ
الأول ، والشاميّ ، وآية في المدنى الأخير والبصري والمكيّ.
* * *
يوسف عليه السلام :
ليس فيها اختلاف وهي مائة وإحدى عشرة آية عند الجميع.
* * *
الرعد :
(لفي خلق جديد) أسقطها الكوفى.
(يَسْتَوِي الأَعْمَى والبَصِيْرُ) للشامي.
(تَسْتَوِي الظلُمَاتُ والنورُ) أسقطها الكوفى
(مِنْ كُل بَاب) للكوفي والبصري والشامي.
اختلافها أربع آيات وهي في الكوفي ثلاث وأربعون آية ، وأربع وأربعون في
المدنيين والمكيّ ، وخمس وأربعون في البصري ، وست وأربعون في
الشاميّ.
* * *
سورة إبراهيم عليه السلام :
(الناسَ مِنَ الظلُمَاتِ إلَى النورِ) أسقطها الكوفى
والبصري ، وكذلك (قَوْمَكَ مِنَ الظلُمَاتِ إلَى النُّورِ)
(وَعَادٍ وَثَمُودَ) أسقطها الكوفي والشامي.
(1/293)
(ويَأتِْ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ)
للكوفي والمدنيّ الأول والشامي.
(وفَرْعُهَا في السمَاءِ) أسقَطَهَا المَدَنِي الأول.
(وَسَخرَ لكم الَليلَ والنهَارَ) أسقطها المكي والبصريّ.
(عَمَّا يَعْمَلُ الظَالِمُونَ) أسقطها الكل إلا الشامي.
اختلافها سبع ، وهي خمسون وآيتان في الكوفي ، وآية في
البصريّ ، وأربع آيات في المدنيين ، والمكي ، وخمس آيات في
الشامي.
* * *
الحجر :
ليس فيها اختلاف ، وهي تسعون وتسع آيات.
* * *
النحل :
مائة وعشرون وثمانِ آيات ، ليس فيها اختلاف.
* * *
سورة بني إسرائيل :
(يَخِزوْنَ لِلأذْقَاْنِ سُجداً) للكوفي وحده ، والباقون لا خلاف
عندهم.
عدَّها عطاء بن يسار ، وعاصم الجحدري ، ويحيى بن الحارث
الذّماري ، وأُبى بن كعب ، وأهل مكة ، مائة وعشر آيات ، وكذلك قال
عكرمة ، وقتادة ، والحسن ، والكلبيّ ، وهي في الكوفي مائة وإحدى عشرة
آية.
وعند المدنيين والبصريّ والمكيّ والشامي مائة وعشر آيات.
* * *
سورة الكهف :
مائة وعشر آيات في الكوفيّ ، وخمس آيات في المدنيين والمكي ،
(1/294)
وإحدى عشرة آية في البصري ،
وست آيات في الشامي.
اختلافها عشر آيات : (إِلا قَلِيْل) للمدني الأخير.
(فَاْعِل ذَلِكَ غَداً) للمدنى الأول ، والكوفي والبصري
والمكي والشامي.
(وَجَعَلْنَاْ بَيْنَهُمَا زَرْعاً) أسقطها المدنى الأول والمكي.
(أنْ تَبِيْدَ هَذِهِ أبَداً) أسقطها المدني الأخير والشامي.
(وآتَيْنَاْهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً) أسقطها
المدني الأول ، والمكي.
(فَآتْبَعَ سَبَباً) أثبتها الكوفي والبصري ، وكذلك (ثُمَّ أتْبَعَ
سَبَباً) ، وكذلك أيضاً (ثُمَّ أتْبَعَ) الثانية.
(وَوَجَدَ عَنْدَهَا قَوْماً) أسقطها المدنى الأخير والكوفى.
(بِاْلأخْسرِ يْنَ أعْمَاْلاً) أسقطها المدنيان والمكي.
* * *
سورة مريم عليها السلام :
تسعون وثمانِ آيات في الكوفي والمدنى الأول والبصري والشامي.
وتسع في المدني الأخير والمكي.
اختلافها ثلاث آيات :
(كهيعص) للكوفى.
(وَاْذُكْر فِي اْلكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ) للمدنى الأخير والمكي
(فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدًّا) أثبتها الكل إلا الكوفى.
(1/295)
سورة طه :
مائة وثلاثون وخمس آيات في الكوفي ، وأربع آيات في المدنيين.
والمكيّ ، وآيتان في البصريّ ، ومائة وأربعون آية في الشاميّ.
اختلافها إحدى وعشرون آية.
(طه) للكوفى.
(كي نُسَبحَكَ كَثِيْراً) أسقطها البصريّ وحده.
(ونذكرك كثيراً) مثله.
(محبَّة مِني) أسقطها البصريّ وحده.
(وفتنَّاك فتوناً) عدَّها البصري والشامي.
(كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلاَ تَحْزَنَ) عدَّها الشامي وحده.
(فَلَبِثْتَ سِنِيْنَ في أهْلِ مَدْيَنَ) عدَّه الشامي وحده.
(واصطنعتك لنفسي) للكوفي والشامي.
(مِنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ) للكوفي.
(فَأرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إسْرَائيلَ) للشامي وحده.
(وَلَقَدْ أَوْحَيْنًَاً إلَى مُوْسَى) للشامي وحده.
(غَضْبَانَ أَسِفَاً) للمدنيّ الأول والمكيّ.
(وَعْداً حَسَناً) للمدنى الأخير.
(وَكَذَلِكَ أَلْقَى السَّامِرِي) أسقطها المدنى الأخير وحده.
(وَإلَهِ مُوسَى) عدَّها المدنى الأول والمكي.
(1/296)
(فَنَسِيَ) أسقطها المدنى
الأول والمكي.
(أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلًا) عدَّها المدنى الأخير وحده.
(إِذْ رَأيْتَهُمْ ضَلُّوْا) عدَّها الكوفي وحده.
(قَاعًا صَفْصَفًا) عدَّها البصري ، والكوفي ، والشامي.
(مِنيْ هُدًى) أسقطها الكوفي وحده.
وكذلك (زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا).
واعلم أن من أهْلِ العدد من يقول : اختلافها سبع عشرة ، فلا يذكر أربع آيات انفرد
بها الشامي : (تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ " ، (سِنِيْنَ في أهْلِ
مَدْيَنَ) ، (فَأرْسِلْ مَعَنَا بَنِيْ إِسْرَائيلَ).
(وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوْسى).
* * *
سورة الأنبياء عليهم السلام :
اختلافها آية :
(مَا لَا يَنْفَعُكُمْ شَيْئاً وَلَا يَضُرُّكُمْ) عدَّها الكوفي وحده.
فهي مائة واثنتا عشرة آية عنده وعند الباقين وإحدى عشرة.
* * *
سورة الحج :
(مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ) للكوفي وحده.
(مَا فِي بُطُونِهِمْ وَاْلجُلُودُ) كذلك (وَعَاْدٌ وَثَمُوْدُ) عدَّها
الكل إِلا الشامي.
(وَقَوْمُ لُوْطٍ) أسقطها البصري ، والشامي.
(هُوَ سَمَّاكممُ المُسْلِمِينَ) لم يعدَّها إِلا المكي.
اختلافها خمس آيات ، وهي
(1/297)
سبعون وثمانِ آيات في الكوفي
، وسبع آيات في المكي ، وست آيات في
المدنيين ، وخمس آيات في البصري وأربع في الشامي.
* * *
سورة المؤمنين :
اختلافها آية واحدة (وَأَخَاه هَارُونَ) أسقطها الكوفى
وحده ، وهي في الكوفي مائة وثماني عشرة آية ، وفي الباقين مئة وتسع
عشرة آية.
* * *
سورة النور :
اختلافها آيتان :
(بِالْغُدُو وَالآصَالِ) عدَّها الكوفي ، والبصري ، والشاميّ.
وكذلك (يَذْهَبُ بِاْلأبْصَاْرِ).
وهي ستون وأربع آيات عند هؤلاء ، وعند المدنيين والمكي اثنتان
وستون.
* * *
سورة الفرقان :
هي سبعون وسبع آيات في العدد كله لا اختلاف فيها.
* * *
سورة الشعراء :
اختلافها أربع آيات
(طسم) للكوفى
(1/298)
(فَلَسَوْفَ تعْلَمُونَ) للكل
إلا الكوفى.
(أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ) للكلً إلا البصري.
(وَمَا تَنَزلَتْ بِهِ الشيَاطِينُ) للكل إلَّا المدنى الأخير
والمكي.
وهي مائتان وسبع وعشرون في الكوفي ، والمدنى الأول.
والشامي ، وست وعشرون في المدنى الأخير ، والبصريَ ، والمكي.
* * *
سورة النمل :
اختلافها آيتان :
(مُمَردٌ مِنْ قَوَارِيرَ) في الجميع إلَّا الكوفى.
(وَأُولُو بَأس شَدِيدٍ) عدَّها المدنيان والمكي.
وهي تسعون وثلاث آيات في الكوفي ، وأربع في البصري ، والشامي ، وخمس
في المدنيين والمكي.
* * *
سورة القصص :
وهي في جميع العدد ثمانون وثمانِ آيات :.
(طسم) عدَّها الكوفى.
(أمةً مِنَ الناسِ يَسْقُونَ) أسقطها الكوفى.
اختلافها آيتان.
* * *
سورة العنكبوت :
هي ستون وتسع آيات في جميع العدد.
اختلافها ثلاث آيات :
(الم) عدَّها الكوفى.
(1/299)
(وتَقطَعونَ السبيلَ) أسقطها
الكوفي ، والبصري.
والشامي.
(مُخْلِصِيْنَ لَهُ الدِّيْنَ) عدَّها البصري ، والشامي.
* * *
سورة الروم :
ستون آية عند الكوفي ، والمدنى الأول ، والبصري ، والشامي.
وتسع وخمسون في المدنى الأخير والمكي ، وكذلك قال أُبى بن كعب.
اختلافها أربع آيات :
(الم) للكوفى
(غُلِبَتِ الرُّومُ) للكوفي ، والمدنى الأول ، والبصري والشامي.
(فِي بِضْعِ سِنِيْنَ) للبصري ، والمدنى الأخير ، والمكي.
والشامي.
ً(يُقْسِمُ الْمُجْرِمُوْنَ) للمدنى الأول وحده.
* * *
سورة لقمان عليه السلام :
(الم) للكوفى.
ً(مخلصين له الدِّين) للبصري ، والشامي.
اختلافها موضعان ، وهي ثلاثون وأربع آيات في الكوفي والبصري والشامي ، وثلاث آيات
في المدنيين والمكي.
* * *
سورة السجدة :
ثلاثون آية في جميع العدد إلَّا البصري ، فإنها فيه تسع وعشرون.
اختلافها آيتان :
(1/300)
(الم) للكوفى.
(أَءِنا لَفِيْ خَلْقٍ جَدِيدٍ) أسقطها الكوفي ، والبصري.
* * *
سورة الأحزاب :
ليس فيها اختلاف ، وهي سبعون وثلاث آيات عند الجميع.
* * *
سورة سبأ :
اختلافها آية واحدة :
(عَنْ يَمِيْنٍ وَشِمَالٍ) عدَّها الشامي وحده ، فهي خمسون
وأربع آيات عند الجميع إلَّا الشامي ، فإنها في عدده : وخمس آيات.
* * *
سورة الملائكة :
اختلافها سبع آيات (لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيْدٌ) للبصري.
والشامي.
(وَمَا يَسْتَوي اْلأعْمَى وَالْبَصِيْرُ) أَسْقَطَها البصري
وكذلك (وَلاَ الظلمَاتُ وَلَا النوْرُ) عدَّها الجميع إلا البصري.
(بِمُسْمِع مَنْ فِي الْقُبوْرِ) أسقطها الشامي.
(بِخَلْقٍ جَدِيْدٍ) أسقطها البصري.
(لِسُنةِ اللَّهِ تَبْدِيْلاً) أسقطها المدنى الأول ، والمكي ، والكوفى.
(أَنْ تَزُولاَ) عدَّها البصري وحده ، وهي في
(1/301)
الكوفي ، والمدنى الأول ،
والبصري ، والمكي أربعون وخمس آيات ، وفي
المدنى الأخير والشامي ست وأربعون.
* * *
سورة يس :
اختلافها آية واحدة (يس) للكوفي وحده.
وهي ثمانون وثلاث آيات في الكوفي ، وآيتان في سواه.
* * *
سورة الصافات.
اختلافها آيتان :
(وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ) أسقطها البصري.
(وَإِنْ كَانُوْا لَيَقُولُونَ) أسقطها أبو جعفر يزيد وحده.
وعدَّها الباقون وهي في الكوفي والمدنيين والمكي والشامي مئة وثمانون
آية وآيتان ، وفي البصري مئة وثمانون وآية.
* * *
سورة (ص) :
اختلافها ثلاث آيات :
(ذِي الذكْرِ) عدَّها الكوفى.
(كُل بَنَّاءٍ وَغَوَّاْصٍ) أسقطها البصري.
(وَالْحَق أقُولُ) عدَّها الكوفي.
وهي ثمانِ وثمانون آية في الكوفي ، وست آيات في المدنيين والمكي والشامي ، وخمس في
البصري.
(1/302)
سورة الزمر :
اختلافها سبع :
(فِيْمَا هُمْ فِيْهِ يَخْتَلِفُوْنَ) أسقطها الكوفى.
(مُخْلِصاً لَهُ الدِّيْنَ) عدَّها الكوفي والشامي.
(مُخْلِصاً لَهُ دِيْني)عدَّها الكوفى.
(فبَشرْ عِبَادِ) أسقطها المدنى الأول والمكي.
(فَمَاْ لَهُ مِنْ هَاْدٍ) عدَّها الكوفي.
(تَجْرِيْ مِنْ تَحْتِهَا الأنهَارُ) عدَّها المدنى الأول والمكي.
(فَسَوْفَ تَعْلَمُوْنَ) عدَّها الكوفي ، وهي سبعون وخمس آيات فى الكوفي ، وآيتان
في المدنيين والبصري والمكي ، وثلاث في الشامي.
* * *
سو رة المؤمن :
اختلافها تسع : (حم) للكوفى.
(كَاظِمِيْنَ @401 : 18 ، أسقطها الكوفى.
(يَوْمَ التَلَاقِ) أسقطها الشامى.
(يَوْمَ هُمْ بَارِزُوْنَ) عدَّها الشامي.
(وَأَوْرَثْنَا بَنِيْ إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ) أسقطها المدنى الأخير ، والبصري.
(اْلأعْمَى وَاْلبَصِيْرُ) عدّها الكوفي ، والمدنى الأخير
والشامى (وَالسَّلَاسِلُ يُسْحَبُونَ) عدَّها الكوفي والمدنيّ الأخير والشاميّ .
(1/303)
(في اْلحَمِيْمِ) عدَّها
المدنى الأول والمكي.
(أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تُشْرِكُونَ) عدَّها الكوفي والشامي.
وهي ثمانون وست آيات في الشامي ، وخمس آيات في الكوفي ، وأربع في
المدنيين والمكي ، وآيتان في البصري.
* * *
سورة السجدة :
اختلافها آيتان :
(حَمَ) لَلكوفيّ ، (وعاد وثمود) للمدنيين والكوفي والمكي.
وهي خمسون وأربع آيات في الكوفي وثلاث في
المدنيين والمكي ، وآيتان في البصري والشامي.
* * *
سورة حم عسق :
اختلافها ثلاث آيات :
(حمَ) للكوفى.
(عسق) للكوفى.
(كَاْلأعْلَامِ) للكوفي ، وهي في الكوفي خمسون وثلاث
آيات ، وخمسون فيما سواه.
* * *
سو رة الزخرف :
اختلافها آيتان :
(حم) للكوفى.
(1/304)
(إِلا الَّذِي فَطَرَنِي
فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ) أسقطهاْ الكوفي
والشامي ، فهي في الشامي ثمانون وثمانِ آيات ، وتسع آيات فيما سواه.
* * *
سورة الدخان :
اختلافها أربع آيات :
(حم) للكوفى.
(إِن هَؤُلَاءِ لَيَقُوْلُوْنَ) للكوفى.
(إِنَّ شَجَرَتَ الزَّقُّومِ) أسقطها المدنى الأخير ، والمكي.
(فِي الْبُطُوْنِ) أسقطها المدنى الأول ، والمكي ، والشامي.
فهي خمسون وتسع آيات في الكوفي ، وسبع في البصري ، وست في
المدنيين والمكي والشامي.
* * *
سورة الجاثية :
اختلافها آية :
(حم) للكوفي ، فهي في الكوفي ثلاثون وسبع آيات.
وست فيما سواه.
* * *
سورة الأحقاف :
اختلافها آية :
(حم) للكوفي ، فهي في الكوفيّ ثلاثون وخمس
آيات ، وأربع فيما سواه.
* * *
سورة محمد - صلى الله عليه وسلم - :
اختلافها آيتان :
(1/305)
(حَتى تَضَعَ الْحَرْبُ
أَوْزَارَهَا) عدَّها الكل إلَّا الكوفى.
(للشَارِبِينَ) عدَّها البصري وحده.
وهي في الكوفي ثلاثون وثماني آيات ، وتسع في المدنيين ، والمكي والشامي. وأربعون
في البصري.
* * *
سورة الفتح :
وهي عشرون وتسع آيات لا اختلاف فيها.
نظيرها (إِذَا الشمسُ كُورَتْ).
* * *
سورة الحجرات :
ثماني عشرة آية في جميع العدد.
* * *
سورة (ق) :
أربعون وخمس آيات في جميع العدد.
* * *
سورة الذاريات :
ستون آية في جميع العدد.
* * *
سورة الطور :
اختلافها آيتان :
(وَالطُّوْرِ) للكوفي ، والبصري ، والشامي.
(إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا) للكوفي والشامي ، وهي أربعون
وتسع آيات في الكوفي ، والشامي ، وثمانِ آيات في البصري ، وسبع في
المدنيين والمكّى .
(1/306)
سورة والنجم :
اختلافها ثلاث آيات :
(فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى) للشامي.
(لاَ يُغنِيْ مِن الْحَق شَيْئاً) للكوفى.
(وَلَمْ يُرِدْ إِلا الْحَيَاةَ الدنيَاْ) أسقطها الشامي وحده ، فهي ستون وآيتان
في الكوفي ، وإحدى وستون فيما سواه.
* * *
سورة القمر :
ليس فيها اختلاف ، وهي خمسون ، وخمس آيات في الجميع.
* * *
سورة الرحمن عزّ وجلّ :
اختلافها أربع آيات : (الرَّحْمَنُ) للكوفي والشامي.
(خَلَقَ اْلإنْسَانَ) للكوفي ، والبصري ، والشامي.
(شُوَاْظٌ مِنْ نَاْرٍ) للمدنيين ، والمكي.
(يُكَذبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ) للجميع إلَّا البصري.
وهي سبعون وثماني آيات في الكوفي والشامي ، وست في المدنيين والمكي.
وسبع في البصري.
* * *
سورة الواقعة :
اختلافها أربع عشرة آية :
(فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ) أسقطها المكي والكوفى.
(وَأصحَابُ الْمَشْأمَةِ) أسقطها الكوفي وحده.
(1/307)
(مَوْضوْنَةٍ) أسقطها البصري
والشامي
(وَأبَارِيْقَ) عدَّها المدنى الأخير والمكي.
(وَحُوْرٌ عِيْنٌ) عدَّها المدنى الأول ، والكوفى.
(وَلَا تَأثِيْماً) أسقطها المدنى الأول والمكي.
(وَأصحَابُ الْيَمِيْنِ) أسقطها المدنى الأخير ، والكوفى.
(إِنْشَاءً) أسقطها البصري.
(وَأصحَابُ الشمَالِ) أسقطها الكوفى.
(سمُوم وَحَميم) أسقطها المكي.
(وَكَانُوْا يَقُوْلُوْنَ) عدَّها المكي.
(اْلأولِينَ والآخِرِيْنَ) عدَّها المدنى ، والكوفي ، والبصري.
(لَمَجْمُوعُونَ) عدَّها المدنى الأخير ، والشامي.
(فرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ)عدَّها الشامي.
وهي تسعون وست آيات في الكوفي ، وتسع في المدنيين والمكي والشامي ، وسبع في
البصري.
* * *
سورة الحديد :
اختلافها آيتان :
(مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ) للكوفى.
(وَآتَيْنَاهُ الإنْجِيلَ) للبصري. وهي عشرون وتسع آيات
في الكوفي ، والبصري ، وثمانِ آيات في المدنيين ، والمكي ، والشامي.
(1/308)
سورة المجادلة :
اختلافها آية :
(فِي الأذُلِّيْنَ) أسقطها المدنى الأخير ، والمكي.
وهي إحدى وجمشرون آية في المكي ، والمدنى الأخير ، وآيتان فيما سوى
ذلك.
* * *
سورة الحشر :
أربع وعشرون آية لا خلاف فيها.
* * *
سورة الممتحنة :
ثلاث عشرة آية في جميع العدد.
* * *
سورة الصف :
أربع عشرة آية بإجماع.
* * *
سورة الجمعة :
إحدى عشرة آية باتفاق.
* * *
سورة المنافقون :
مثل الجمعة في العدد والإجماع.
سورة التغابن :
ثماني عشرة آية بلا خلاف.
(1/309)
سورة الطلاق :
اختلافها ثلاث آيات :
(يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ اِلْآخِرِ) عدَّها الشامي.
(يَجْعَل لَهُ مَخْرَجاًً) أسقطها المدني الأول ، والشامي ، والبصري.
(يَا أولِي اْلألْبَاب) عدَّها المدني الأول ، وهي إحدى
عشرة آية في البصري ، وَاثنتا عشرة فيما سوى ذلك.
* * *
سورة التحريم :
اثنتا عشرة آية بغير خلاف.
* * *
سورة الملك :
اختلافها آية :
(قَدْ جَاءَنَا نَذِيْرٌ) عدَّها المدنى الأخير ، والمكي.
وهي إحدى وثلاثون في المدني الأخير ، والمكي ، وهي ثلاثون فيما سوى
ذلك.
* * *
سورة (ن) :
خمسون وآيتان بإجماع.
* * *
سورة الحاقَّة :
اختلافها آيتان :
(اَلْحَاقَّةُ) عدَّها الكوفي
(كِتَابَهُ بشِمَالِهِ) مدنيان ومكي.
وأما قوله تعالى (مَا الحَاقَّةُ) فَإنها آية باتفاق ، والسورة
خمسون وآية في البصري والشامي ، وآيتان فيما سوى ذلك.
(1/310)
سورة سأل سائل :
أربعون وأربع آيات في العدد كله إلَّا الشامي ، فإنها فيه أربعون
وثلاث آيات ، أسقط (خَمْسِيْنَ ألْفَ سَنَةٍ) وعدَّها الباقون.
* * *
سورة نوح عليه السلام :
اختلافها أربع آيات :
(وَلَا سُوَاعاً) أسقطها الكوفي ، وكذلك (فَأُدْخِلُوا نَارًا).
(وَنَسْراً) عدَّها المدنى الأخير ، والكوفي ، والمكي.
(وَقَدْ أضَلُّوا كَثِيراً) عدَّها المدنى الأول ، والمكي.
وهي عشرون وثماني آيات في الكوفي ، وتسع في البصري ، والشامي ، وثلاثون في
المدنيين والمكي.
* * *
سورة الجن :
اختلافها آيتان :
(لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ) عدَّها الشامي وحده.
(ولن أجد من دونه ملتحدًا) أسقطها الشامي وحده ، فهي تسع
وعشرون في الشاميّ ، وثمان وعشرون فيما سواه.
* * *
سورة المزمل :
اختلافها ثلاث آيات :
(يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ) عدَّها المدنى الأول ، والكوفي ، والشامي.
(1/311)
(إِناْ أَرْسَلْنَا
إِلَيْكُمْ رَسُوْلاً) عدَّها المكي.
(الوِلْدَانَ شِيْباًً) أسقطها المدني الأخير ، وهي تسع عشرة
آية في البصري ، وثماني عشرة آية في المدنى الأخير ، وعشرون آية فيما
سوى ذلك.
* * *
سورة المدثر :
اختلافها آيتان :
(فِي جَناتٍ يَتَسَاءَلُونَ) عدَّها الجميع إلَّا المدنى الأخير.
(عَنْ اْلمجْرِمِينَ) عدَّها أيضاً الجميع إِلا المكي والشامي.
وهي خمسون وست آيات في المدنى الأول ، والكوفي والبصري ، وخمس
في المدنى الأخير ، والمكي ، والشامي.
* * *
سورة القيامة :
اختلافها آية : (لِتَعْجَلَ بِهِ) عَدَّها الكوفي وحده ، فهي
فيه أربعون آية ، وفيما سواه تسع وثلاثون.
* * *
سورة الإنسان :
إحدى وثلاثون آية باتفاق.
* * *
سورة المرسلات :
خمسون آية في الجميع.
* * *
سورة النبأ :
اختلافها آية :
(عَذَاباً قَرِيباً) عدَّها البصري وحده ، فهي فيه إحدى
وأربعون آية ، وفيما سواه أربعون.
(1/312)
سورة النازعات :
اختلافها آيتان :
(ولأنْعَامِكُمْ) لم يعدّها البصريّ ، والشاميّ ، وعدَّها سواهما.
(فَأما مَنْ طَغَى) عدّها الكوفيّ ، والبصريّ ، والشاميّ.
فهي في الكوفيّ أربعون وست ، وخمس فيما سواه.
* * *
سورة عبس :
اختلافها آيتان :
(وَلأِنْعَامِكمْ) أسقطها البصري ، والشامي.
(فإذا جَاءَتِ الصَّاخَّةُ) أسقطها الشامي وحده ، فهي
في الشاميّ أربعون ، وفي البصريّ أربعون وآية ، وفيما سوى ذلك
أربعون وآيتان.
* * *
سورة كَوِّرت :
هي عشرون وتسع آيات باتفاق.
* * *
سورة انفطرت :
تسع عشرة آية بإجماع.
* * *
سورة المطففين :
ست وثلاثون آية بغير خلاف.
* * *
سورة انشقَّت :
اختلافها آيتان :
(1/313)
(كِتَابَه بِيَمِيْيهِ)
أسقطها البصري ، والشامي ، وكذلك
(وَرَاءَ ظَهْرِهِ) وهي في البصري والشامي عشرون وثلاث
آيات ، وخمس فيما سوى ذلك.
* * *
سورة البروج :
عشرون وآيتان بلا خلاف.
* * *
سورة الطارق :
اختلافها آية (يَكِيْدُونَ كَيْداًً) أسقطها المدنى الأول
وحده ، فهي فيه ست عشرة آية ، وفيما سواه سبع عشرة آية.
* * *
سورة الأعلى عزَّ وجلَّ :
تسع عشرة آية في الجميع.
* * *
سورة الغاشية :
عشرون وست آيات بغير خلاف.
* * *
سورة والفجر :
اختلافها أربع آيات : (وَنَعَّمَهُ) عدَّها المدنيان ، والمكي.
(فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ ) كذلك
(بِجهنَّمَ) عدَّها المدنيان ، والمكي ، والشامي.
(فَادخُلِيْ فِي عِبَادِيْ) عدَّها الكوفي وحده ، فهي ثلاثون
آية في الكوفي ، والشامي ، وثلاثون وآيتان في المدنيين والمكي ، وتسع
وعشرون في البصري.
* * *
سورة البلد :
عشرون آية بلا خلاف فيها.
(1/314)
سورة الشمس :
اختلافها آية :
(فعَقَرُوْهَا) عدَّها المدنى الأول وحده فهي ست
عشرة آية ، وخمس عشرة فيما سواه.
* * *
سورة والليل :
إحدى وعشرون آية في جميع العدد.
وليس (أعْطَى) رأس الآية وإنما رأس الآية (وَاتَّقَى) بغير خلاف.
* * *
سورة والضحى :
إحدى عشرة آية بإجماع.
* * *
سورة (ألم نشرح) :
ثماني آيات باتفاق.
* * *
سورة والتين :
مثلها.
* * *
سورة العلق :
اختلافها آيتان :
(أرَأيتَ الَّذِي يَنْهَى) عدَّها الجميع إلا الشامي.
(لَئِنْ لَمْ يَنْتهِ) عدَّها المدنيان والمكي.
وهي ثماني عشرة في الشامي ، وتسع عشرة في الكوفي ، والبصري ، وعشرون في المدنيين
والمكي.
(1/315)
سورة القدر :
اختلافها آية :
(ليلة القدر) الثالثة عدَّها الشامي ، والمكي ، فهي فيهما ست
آيات ، وفيما سواهما خمس.
* * *
سورة (لم يكن) :
اختلافها آية :
(مُخْلِصِين لَهُ الدِّين) عدَّها البصري وحده ، فهي فيه تسع
آيات ، وفي غيره ثماني آيات.
سورة (إذا زلزلت) :
اختلافها آية : (أشْتاتاً) أسقطها المدنى الأول.
والكوفي ، فهي فيهما ثماني آيات ، وفيما سواهما تسع آيات.
* * *
سورة العاديات :
إحدى عشرة آية بغير اختلاف.
* * *
سورة القارعة :
اختلافها ثلاث آيات :
(القارعة) الأولى عدَّها الكوفي.
(مَوازِينُهُ) أسقطها البصري ، والشامي ، فهي فيهما
(1/316)
ثماني آيات ، وهي عشر آيات في
المدنيين والمكي ، وإحدى عشرة آية في
الكوفي.
* * *
سورة التكاثر :
ثماني آيات بغير اختلاف.
* * *
سورة العصر :
لم يختلف في أنها ثلاث آيات ، ولكن اختلفوا في رأس آيتين :
(والعصر) عدَّها الجميع إلا المدنى الأخير.
(وتوَاصوْا بِالْحق) أسقطها الجميع إلَّا المدنى الأخير.
* * *
سورة الهمزة :
تسع آيات بغير خلاف.
* * *
سورة الفيل :
خمس آيات بإجماع.
* * *
سورة قريش :
اختلافها آية :
(مِنْ جُوعٍ) عدَّها المدنيان والمكي ، فهي فيهما خمس
آيات ، وهي فيما سواهما أربع آيات.
* * *
ًسورة (أرأيت) :
اختلافها آية : (يُرَاءُونَ) عدَّها الكوفي ، والبصري.
فهي فيهما سبع آيات ، وست فيما سواهما.
(1/317)
سورة الكوثر :
ثلاث آيات بغير خلاف.
* * *
سورة الكافرون :
ست آيات في الجميع بغير خلاف.
* * *
سورة النصر :
ثلاث آيات بغير خلاف.
* * *
سورة تبَّت :
خمس في جميع العدد.
* * *
سورة الإخلاص :
اختلافها آية :
(لَمْ يَلِدْ) عدَّها المكي ، والشامى ، فهي فيهما خمس
آيات ، وهي أربع آيات في سواهما.
* * *
سورة الفلق :
خمس آيات باتفاق.
* * *
سورة الناس :
اختلافها آية : (اَلْوَسْوَاسِ) عدَّها المكي ، والشامي.
فهي فيهما سبع آيات ، وهي ست آيات فيما سواهما.
وقال بعض من عني بهذا الشأن جملنا عدد آي القرآن مع آي
(1/318)
فاتحة الكتاب كل ذلك في العدد
الكوفي ، فكان ذلك ستة آلاف آية.
ومائتي آية وستاً وثلاثين آية.
وجملنا ذلك كله للمدني الأخير ، وهو عدد إسماعيل بن جعفر
المدني ، فكان ستة آلاف آية ، ومائتي آية ، وأربع عشرة آية ، وكان في
المدني الأول ، فكان ستة آلاف آية ومائتي آية وسبع عشرة آية.
وحسبناه في عدد أهل البصرة فكان ستة آلاف آية ومائتي آية وأربع آيات. وجمعناه على
عدد أهل الشام فكان ستة آلاف آية ومائتي آية وسبعا وعشرين آية.
وحسبنا حروف القرآن فكان ثلاثمائة ألف حرف وواحداً وعشرين
ألف حرف.
وعددنا الكلمات فكانت اثنتين وسبعين ألف كلمة ، وقد عدُّوا
كلمات كل سورة وحروفها وما أعلم لذلك من فائدة ؛ لأن ذلك ، إن أفاد
فإنما يفيد في كتاب يمكن الزيادة ، والنقصان منه ، والقرآن لا يمكن ذلك
فيه.
على أن ما يمكن أن يزاد فيه ، وينقص منه لا يفيد فيه حصر كلماته.
وحروفه ، فقد تبدل كلمة موضع أخرى ، وحرف مكان حرف ، والقرآن
بحمد الله محفوظ من جميع ذلك.
ثم إني رأيتهم قد اختلفوا في عدد الكلمات والحروف ، فلم يحصل
من ذلك حقيقة يقطع بها.
(1/319)
فإن قيل : فما الموجب
لاختلافهم في عدد الآي ؟
قلت : النقل والتوقيف ، ولو كان راجعاً في الرأي لعدَّ الكوفيون (المر) آية كما
عدوا (الم).
وكيف عدوا (المص) ، ولم يعدوا (المر) ؟.
ومالهم لم يجدوا (طس) ، و (ص) كما عدوا (طسم) ، و (طه) ، و (يس) ؟
وكيف عَدوا (كهَيعص) آية واحدة ، وعدوا (حَم عسق) آيتين ؟.
وَلم عدَّ الشامي (غشاوة ولهم عذاب أليم) وأسقط
(إنما نحن مصلحون) ؟.
وَلم عدَّ الجميع إلا الشامي (وَأنْزَلَ التوْرَاةَ وَاْلإنْجِيلَ)
في آل عمران ؟.
وَلم أسقط الكوفي وحده (وَأنْزَلَ الْفُرْقانَ) وعدَّها غيره ؟.
وَلم أسقط الجميع (فَإذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإنكُم غَالِبُوْنَ) إلا البصري ؟.
وَلم عدَّ الكوفي (مِنَ اْليَمِّ مَا غشِيَهُمْ) في طه ؟.
وقد مرَّ في السور من هذا كثير يدلك على التوقيف.
وقد صنف عبيد الله بن محمد الناقط كتاباً اعتُمِدَ فيه على قياس رؤوس الآي. فما
رآه موافقاً للقياس عدَّه ، وما كان على خلاف ذلك اختارَ تركه.
(1/320)
مثال ذلك أنه قال في سورة
النساء في قوله عز وجل : (وَيُرِيْدُوْنَ أنْ
تضِلوْا السبِيْلَ) عدَّها أهل الكوفة قال : والقياس تركها ، ونحن لا
نعدَّها.
قال : لأنها ليست متسقة على ما قبلها ولا ما بعدها.
والكتاب كله كذلك.
ولو كان العدد بالأشباه لما عدوا (فَيْ ثَقُلَتْ مَوَازِيْنُهُ)
في القارعة ونحو ذلك ، وكذلك (وَأما مَنْ خفتْ مَوَازِينَه)
وهو كثير.
فإن قيل : فلو كان ذلك توقيفاً لم يقع اختلاف ، قلت : الأمر في
ذلك على نحو من اختلاف القراءات ، وكلها مع الاختلاف راجع إلى
النقل ، والله أعلم.
ومما يؤيد ما ذكرته من أن عدد الآي راجع إلى التوقيف ما روى
عاصم ، عن زِر ، عن عبد الله بن مسعود أنه فال : اختلفنا في سورة من
القرآن ، فقال بعضنا : ثلاثين ، وقال بعضنا : اثنتين وثلاثين ، وأتينا
النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فأخبرناه ، فتغير لونه ، فأسرَّ إلى علي بن أبي
طالب بشيْء.
فالتفت إلينا عليٌّ ، رضوان الله عليه ، فقال :
"إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأمركم أن تقرؤوا القرآن كما عُلِّمْتمُوهُ).
ففي هذا دليل على أن العدد راجع إلى التعليم ، وفيه أيضاً دليل على تصويب العددين
لمن تأمل بفهم .
(1/321)
ذِكرُ الشوَاذ
الشاذ مأخوذ من قولهم : شَذ الرجلُ يشِذ شُذُوذاً ، إذا انفرد عن
القوم ، واعتزل عن جماعتهم.
وكفى بهذه التسمية تنبيهاً على انفراد الشاذ ، وخروجه عما عليه الجمهور.
والذي لم يزل عليه الأئمة الكبار القدوة في جميع الأمصار من
الفقهاء ، والمحدثين ، وأئمة العربية توقيرُ القرآن ، واجتنابُ الشاذ ، واتباع
القراءة المشهورة ، ولزوم الطرق المعروفة في الصلاة ، وغيرها.
قال ابن مهدي : لا يكون إماماً في العلم من أخذ بالشاذ من العلم.
ولا يكون إماماً في العلم من روى عن كل أحد ، ولا يكون إماماً في العلم
من روى كل ما سمع.
وقال الحارث بن يعقوب : الفقيه كل الفقيه من فَقُهَ في القرآن.
وعرف مكيدة الشيطان.
وقال خلاد بن يزيد الباهلي : قلت ليحيى بن عبد الله بن أبي
مليكة : إن نافعاً حدثني عن أبيك ، عن عائشة ، رضي الله عنها ، أنها كانت
تقرأ (إذ تَلِقُوْنَهُ) وئقولؤ إنَما هو وَلْقُ الكذب ، فقال
له يحيى : ما يضرك ألَّا تكون سمعته من عائشة ؟
نافع ثقة على أبي ،
(1/322)
وأبي ثقة على عائشة وما يسرني
أني قرأتها هكذا ، ولي كذا وكذا.
قلت : لِمَ ؟ وأنت تزعم أنها قالت ؟
قال : لأنه غير قراءة الناس ، ونحن لو وجدنا
رجلاً يقرأ بما ليس بين اللوحين ما كان بيننا وبينه إلا التوبة ، أو نضرب
عنقه ، - نجيء به عن الأمة ، عن الأمة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، عن
جبريل ، عن الله عز وجل ، وتقولون أنتم : حدثنا فلان الأعرج ، عن فلان الأعمى ، ما
أدري ماذا! أَن ابن مسعود يقرأ غير ما في اللوحين ، إنما هو ، والله ، ضرب العنق ،
أو التوبة.
وقال هارون : ذكرت ذلك لأبي عمرو - يعني القراءة المعزوة"
إلى عائشة - فقال : قد سمعت هذا قبل أن تولد ، ولكنا لا نأخذ به.
وقال محمد بن صالح : سمعت رجلاً يقول لأبي عمرو : كيف
تقرأ : (لَا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ (25) وَلَا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ (26)
؟
قال : (لَا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ) ، فقال له الرجل : كيف ؟ وقد جاء عن النبي
- صلى الله عليه وسلم - : ((لَا يُعَذَّبُ عَذَابُهُ أَحَدٌ).
فقال له أبو عمرو : لو سمعت الرجل الذي قال :
سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما أخذته عنه.
وتدري ما ذاك ؛ لأني أتهم
(1/323)
الواحد الشاذ إذا كان على
خلاف ما جاءت به العامة.
وقراءة الفتح ثابتة أيضاً بالتواتر ، وقد تواتر الخبر عند قوم دون قوم ، وإنما
أنكرها أبو عمرو لأنها لم تبلغه على وجه التواتر.
وعن أبي حاتم السجستانى ، رحمه الله ، قال : أول من تتبع بالبصرة
وجوه القرآن ، وألّفها ، وتتبع الشاذ منها فبحث عن إسناده : هارون بن
موسى الأعور ، وكان من العتيك مَوْلَى.
وكان من القراء ، فَكَرِهَ الناس ذلك ، وقالوا : قد أساء حين ألّفها ، وذلك أن
القراءة إنما يأخذها قرون وأمة عن أفواه أمة ، ولا يلتفت منها إلى ما جاء من وراء
وراء.
وقال الأصمعي عن هازون المذكور : كان ثقة مأموناً.
قال : وكنت أشتهي أن يضرب لمكان تأليفه الحروف ، وكان الأصمعي لا يذكر أحداً بسوء
إلا من عَرَفَهُ ببدعة.
(1/324)
قلت : وإذا كان القرآن هو
المتواتر ، فالشاذ ليس بقرآن ؛ لأنه لم
يتواتر ، فإن قيل : لعله قد كان مشهوراً متواتراً ، ثم ترك حتى صار شاذاً.
قلت : هذا كالمستحيل بما تحققناه من أحوال هذه الأمة ، واتباعها لما جاء
عن نبيها - صلى الله عليه وسلم - ، وحرصها على امتثال أوامره ، وقد قال لهم - صلى
الله عليه وسلم - :
"بلغوا عني ولو آية"
وأمرهم باتباع القرآن ، والحرص عليه ، وحضهم على تعلمه.
وتعليمه ، ووعدهم على ذلك بالثواب الجزيل ، والمقام الجليل.
فكيف استجازوا تركه ، وهجروا القراءة به حتى صار شاذا بتضييعهم إياه.
وانحرافهم عنه ؟.
فإن قيل : منعوا من القراءة به ، وأحرقت مصاحفه.
قلت : هذا من المحال ، وليس في قدرة أحد من البشر أن يرفع ما أطبقت عليه الأمة ،
واجتمعت عليه الكافة.
وأن يختم على أفواههم ، فلا تنطق به ، ولا أن
يمحوه من صدورهم بعد وعيه وحفظه.
ولوتركوه في الملأ لم يتركوه في الخلوة ، ولكان ذلك كالحامل لهم على أدائه ، والجد
في حراسته كي لا يذهب من هذه الأمة كتابها ، وأصل دينها.
ولو أراد بعض ولاة الأمر في زماننا هذا أن ينزع القرآن ، والعياذ بالله ، من أيدي
الأمة ، أو شيئًا منه ، ويعفي أثره لم يستطع ذلك.
فكيف يجوز ذلك في زمن الصحابة والتابعين ؟ وهم هم ، ونحن نحن.
على أنه قد روي أن عثمان ، رضي الله عنه ، قد قال لهم بعد ذلك
لما أنكروا عليه تحريق المصاحف ، وأمرهم بالقراءة بما كتب : اقرؤوا كيف
شئتم ، إنما فعلت ذلك لئلا تختلفوا .
(1/325)
فإن قيل : فقد قال الطبري إن
عثمان - رضي الله عنه - إنما كتب ما
كتب من القرآن على حرف واحد من الأحرف السبعة التي نزل بها القرآن.
قال : وليس اختلاف القراء الآنَ الذي أراد النبي - صلى الله عليه وسلم - بقوله :
"إن هذا القرآن نزل على سبعه أحرف".
واختلاف القراء عن هذا بمعزل.
قال : لأن ما اختلف فيه القراء لا يخرج عن خط المصحف ، والذي كتب على حرف واحد.
قال : والستة الأحرف قد سقطت وذهب العمل بها بالإجماع
على خط المصحف المكتوب على حرف واحد.
فالجواب : أن هذا الذي ادعاه من أن عثمان ، رضي الله عنه ، إنما
كتب حرفاً واحداً من الأحرف السبعة التي أنزلها الله عز وجل : لا يُوَافَقُ
عليه ، ولا يُسلَّمُ له ، وما كان عثمان ، رضي الله عنه ، يستجيز ذلك ، ولا
يستحل ما حرَّم الله عز وجل من هجر كتابه ، وإبطاله وتركه ، وإنما قصد سدَّ باب
القالة ، وأن يدعي مدعٍ شيئاً ليس مما أنزل الله فيجعله من كتاب الله
عز وجل ، أو يرى أن تغيير لفظ الكتاب العزيز بغيره مما هو بمعناه لا بأس
فلما كتب هذه المصاحف ، وأمر بالقراءة بما فيها لم يمكن أحداً من
أولئك أن يفعل ما كان يفعل ، والذي فعل ذلك مخطئ ؛ لأن عمر - رضي الله عنه - أنكر
على هشام بن حكيم لفظاً لم يسمعه من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
(1/326)
وعمر رضي الله عنه يعلم أن
ذلك جائز في العربية ، وأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : "هكذا
أنزلت ".
فلو أن تغيير القرآن لا يجوز لما أنكر عمر ، رضي الله عنه ، ما
أنكره.
فأراد عثمان - رضي الله عنه - أن يجمع القرآن كله بجميع وجوهه
السبعة التي أنزل عليها سداً لباب الدعوى ، ورداً لرأي من يرى تبديل
حرف منه بغيره.
ألا ترى أنه أحضر الصحف التي كتبها الصديق - رضي الله عنه -
وكانت بالأحرف السبعة ، واستظهر من ذلك بما كتب بين يدي
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الرقاع ، والأكتاف واللخاف ، أراده أن لا
يبقى لقائل قول ، ولا لمدع دعوى.
وأما قوله إنما كتب حرفاً واحداً من الأحرف السبعة فغير
صحيح ، فقد كتب في بعض المصاحف (وأوْصى) وفي بعضها
(وَوَصى) ، وكتب في بعضها (وَقَالُوا اتخذَ اللَّهُ) ، وفي بعضها
(قَالُوْا . . . ) وكتب (سَارِعُوا إِلَى مَغفِرَةٍ) في موضع بغير واو ، وفي
مصحف (وَسَاْرِعُوْا . . . ).
وكتب في المدنى والشامي (يَرْتَدِدْ) ، وفي غيرهما (يَرْتَدَّ) بدال واحدة.
و (تَجْرِي تَحْتَهَا) في سورة التوبة ، وفي بعض المصاحف (مِنْ تَحْتِهَا).
(وَبِالزبُرِ وَبالكتاب) في آل عمران في المصحف الشامي ، وفي غيره (والزبُر
وَاْلكِتَاْبِ) إلى غير ذلك من
(1/327)
المواضع نحو : (شُرَكَائِهِمْ
، وَشُرَكاؤهُمْ) ، (وَأَن اللَّهَ الْغنِي).
و (فإن اللَّهَ هُوَ الْغنِي) ، (وَكُلٌّ وَعَدَ الله) ، (وكُلاً) إلى غير ذلك
مما تركت ذكره خشية الإطالة.
وقد ذكرت أن الأمة لا ترضى لأحد من خلق الله بترك كتاب الله ، وما
ثبت عن رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - ، وأن أحدًا لا يقدر أن ينتزع من أيديها
ما اشتهر بينها ، وتداولته النقلة ، واستمرت على تلاوته الألسنة حتى يصير نسياً
منسياً لا يعرفه إلَّا الشاذ منهم بعد أن كان يعرفه الكبير والصغير ، والذكر
والأنثى.
هذا من المحال في مجرى العادة ، والذي لا يشك فيه أن عثمان ، رضي
الله عنه ، كتب جميع القرآن بجميع وجوهه ، ولم يغادر منه شيئاً ، ولو ترك
شيئاً منه لم يوافق عليه ، وقد جاء بعده على عليه السلام ، ولم يزد على
ما كتبه حرفاً.
قال عبد الواحد بن عمر بن محمد بن أبي هاشم : وقد نبغ نابغ في
عصرنا هذا ، فزعم أن كل مَنْ صح عنده وجه في العربية بحرف من القرآن
يوافق خط المصحف ، فقراءته جائزة في الصلاة ، وفي غيرها ، فابتدع بدعة
ضل بها عن قصد السبيل ، وتورط في منزلة عظمت بها جنايته على الإسلام
وأهله ، وحاول إلحاق كتاب الله عز وجل من الباطل ما لا يأتيه من بين
يديه ، ولا من خلفه ، إذ جعل لأهل الإلحاد في دين الله بسيء قِراءته طريقاً
إلى مغالطة أهل الحق بتخير القراءات من جهة الكتب ، والاستخراج
(1/328)
بالآراء دون الاعتصام ،
والتمسك بالأثر المفترض على أهل الِإسلام قبوله.
والأخذ به كابراً عن كابر ، وخالفاً عن سالف.
وكان أبو بكر بن مجاهد ، رحمه الله ، استتابه عن بدعته ، وأحضره
السلطان ليؤدبه ، واستوهب من السلطان تأديبه عند توبته ، وإظهاره الإقلاع
عن بدعته ، ثم عاد إلى ما كان عليه ، واستغوى من أصاغر المسلمين.
وأهل الغفلة ، والغباوة جماعة ظناً منه أن ذلك يكون للناس ديناً ، وأن
يجعلوه فيما ابتدعه إماماً ، ولن تعدو ضلالته مجلسه ؛ لأن الله عز وجل قد
أعلمنا أنه حافظ كتابه من لفظ الزائغين ، وشبهات الملحدين بقوله عز
وجل : (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (9).
وأبو طاهر عبد الواحد هذا إمام من أئمة القرآن ، وهو صاحب ابن مجاهد ، وفي هذه
الشواذ قطعة كبيرة من هذا الوجه الذي ذكره.
قال الأصمعي : سمعت نافعًاً يقرأ : (يَقُصُّ الْحَقَّ) فقلت له : إن أبا
عمرو يقرأ : (يَقْضِي الْحَقَّ) ، وقال : القضاء مع الفصل ، فقال نافع :
وي يا أهل العراق! تقيسون في القرآن !!.
قلت : معنى قول أبي عمرو : القضاء مع الفصل : أي أني
اخترت هذه القراءة لهذا ، ولم يرد ردَّ القراءة الأخرى ، ومعنى قول
نافع : تقيسون في القرآن ، لم يرد به أن قراءهم أخذوها بالقياس وإنما
يريد أنهم اختاروا ذلك كذلك ، والقراءتان ثابتتان عندهما.
قال ابن أبي هاشم : قال : يريد أنا لم نأخذ القراءة على قياس
(1/329)
العربية ، إنا أخذناها
بالرواية ، وقال بعض أصحاب سُلَيْم : قلت
لسُلَيْم في حرف من القرآن : من أي وجه كان كذا وكذا ؟
فرفع كمه ، وضربني به ، وغضب ، وقال : اتقِ الله لا تأخذن في شيء من هذه ، إنما
نقرأ القرآن على الثقات من الرجال الذين قرؤوه على الثقات.
وقال الكسائى ، رحمه الله : لو قرأت على قياس العربية لقرأت
(كِبْرَهُ) برفع الكاف ؛ لأنه أراد عُظْمَهُ ، ولكني قرأت على الأثر.
وقال يحيى بن آدم : حدثنا أبو بكر بن عيَاش بحروف عاصم في
القراءة ، وقال : سألته عنها حرفاً حرفاً ، فحدثني بها ، ثم قال : أقرأنيها
عاصم كما حدثتك بها حرفاً حرفاً ، تعلمتها منه تعلَماً ، أختلِف إليه نحواً
من ثلاث سنين كلَّ غداة في البرد ، والأمطار حتى استحيى من أهل مسجد
بني كاهل في الصيف ، والشتاء ، وأعملت نفسي فيها سنة بعد سنة.
فلمَا قرأت عليه قال لي : أحمد الله ، فإنك قد جئت ، وما تحسن شيئاً.
قال : تعلمت القراءة عن عاصم كما يتعلَّم الغلام في الكُتَّاب ، ما
أُحسِن غيرَ قراءته.
وقال أبو بكر بن عيَّاش : قال عاصم : ما أقرأني أحد
(1/330)
حرفاً إلا أبو عبد الرحمن
السلَمى ، وكان أبو عبد الرحمن قد قرأ على
على ، رضي الله عنه.
فإن قيل : فهل في هذه الشواذ شيء تجوز القراءة به ؟
قلت : لا تجوز القراءة بشيء منها لخروجها عن إجماع المسلمين ، وعن الوجه
الذي ثبت به القرآن ، وهو التواتر ، وإن كانت نقلته ثقات ، وإن كان
موافقاً للعربية ، وخط المصحف لأنه جاء من طريق الآحاد ، فتلك
الطريق لا يثبت بها القرآن ، ومنها ما نقله من لا يعتد بنقله ، ولا يوثق
بخبره ، فهذا أيضاً مردود لا تجوز القراءة به ، ولا يقبل ، وإن وافق العربية.
وخط المصحف نحو : (مالكَ يوم الدين) بالنصب.
ولقد نبغ في هذا الزمان قوم يطالعون كتب الشواذ ، ويقرؤون بما
فيها ، وربما صحفوا ذلك ، فيزداد الأمر ظلمة وعمى.
فإن قيل : فقراءة الكسائي (هل تستطيعُ ربَّك)
راجعة إلى ما روى عبادة بن نُسَيّ عن عبد الرحمن بن غنم ، قال :
(1/331)
سألت معاذ بن جبل عن قول
الحواريين (هل تستطيع ربَّك - أو يستطيع
ربُّك " ؟ فقال : أقرأني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (هل تستطيع ربَّك)
مرارًاً بالتاء والنصب.
وهذا حديث يرويه محمد بن سعيد الشامي وهو مشهود
على كذبه ، ورداءة مذهبه.
قلنا : ليس هذا الحديث هو أصل القراءة ، ولا هي راجعة إليه.
والقراءة ثابتة مقطوع بصحتها ، وإذا علم ذلك من غير هذا
الحديث فلا يقدح ذلك فيه.
ومن الشاذ ما هو لحن ، فلا يقبل لخروجه عن الشهرة ، والعربية.
وكيف لا يخرج عن الشهرة ؟ وهو لحن ، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لأبيٍّ
، وهو يُقْرِئ رجلاً :
"قَوِّمْ لسانَهُ ، ثم عَلِّمْهُ ، فإنك مأجورٌ ، الذي أنزله لم يلحن
فيه ، ولا الذي نزل به ، ولا الذي نزل عليه ، وإنه قرآن عربي!
فإن قيل : فأين السبعة الأحرف التي أخبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن
القرآن أنزل عليها في قراءتكم هذه المشهورة ؟.
قلت : هي متفرقة في القرآن نحو : (يسيركم) (وينشركم).
ونحو. (يقص) (ويقضي) ، و (تحتها) (ومن تحتها) ، ونحو
(1/332)
(لنبوئنهم) (ولنثوينَّهم) ، و
(فتبينوا) و (فتثبتوا).
وجملة ذلك سبعة أوجه :
الأول : كلمتان يقرأ بكل واحدة في موضع أخرى نحو ما ذكرته.
والثاني : أن تُزاد كلمة في أحد الوجهين ، وتترك في الوجه الآخر
نحو : (تحتها ، ومن تحتها).
ونحو : (فإن اللَّه هو الغني ، فَإِن الله الغني).
والثالث : زيادة حرف ونقصانه نحو : (بما كسبت ، وفيما كسبت).
والرابع : مجيء حرف في موضع حرف نحو : (يقول ونقول ".
و (تَتْلُو) و (تبلو).
الخامس : تغيير حركات إما بحركات أخر ، أو بسكون نحو : (فَتَلَقى
آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ " ، ونحو (وَلْيَحْكًمْ أَهْلُ اْلإنْجِيلِ).
والسادس : التشديد والتخفيف نحو : (تسَّاقِط عليك)
و (تسَاقط) و (بلد مَيْت. وبلد ميِّت) ونحو ذلك.
(1/333)
والسابع : التقديم والتأخير.
كقوله عز وجل : (وقَاتَلُوْا وقُتِلُوْا ، وقُتِلُوْا
وَقَاتَلُوْا).
وقوله عز وجلَ. (ثُمَّ انْظُرْ أَنى يُؤْفَكُوْنَ) يقرأ على سبعة
أوجه ، وكذلك قوله عز وجل : (فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقًا فِي
الْأَرْضِ أَوْ سُلَّمًا فِي السَّمَاءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ).
وقوله عز وجل : (فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأسُنَا تَضَرَعُوا)
وكذلك نظائره .
(1/334)
الطَّوْدُ الرَّاسِخُ في
المَنسوخَ وَالناسخ
الناسخ : هو الخطاب الدال على ارتفاع الحكم الثابت بالخطاب
المتقدم على وجه لولاه لكان ثابتاً مع تراخيه عنه.
والمنسوخ : هو الحكم الزائل بعد ثباته بخطاب متقدم بخطاب واقع
بعده متراخ عنه دال على ارتفاعه على وجه لولاه لكان ثابتاً.
وأما النسخ : فإنه - زوال شرع بشرع متأخر عنه.
والنسخ في العربية : النقل ، تقول : نسخت الكتاب إذا نقلته :
والإزالة ، يقولون : نسخت الشمس الظل أي أزالته ، وحلَّت محله ، وتقول
أيضاً : نسخت الريح الأثر ، فهذه إزالة لا إلى بدل.
ونسخ القرآن بمعنى الإزالة.
وقولنا : ناسخ ومنسوخ : أمر يختص بالتلاوة.
وأما المتلو فلا يجوز ذلك فيه ، وكذلك المجاز أمر يختص بالتلاوة وكلام الله عز وجل
قديم لم يزل موجوداً ، وكان قبل إيجاد الخلق غير مكتوب ، ولا مقروء ، ثم بالِإنزال
كان مقروء ومكتوباً ، ومسموعاً.
ولم ينتقل بذلك من حال إلى حال كما أن الباري عز وجل قبل خلق
العباد لم يكن معبوداً ، وإنما عبد بعد إيجاد العباد ، ولم يوجب ذلك له
تغيراً سبحانه.
وحكمة النسخ اللطف بالعباد ، وحملهم على ما فيه إصلاح لهم.
ولم يزل الباري عز وجل عالماً بالأمر الأول ، والثاني ، وبمدة الأول ،
(1/335)
وابتداء مدة الثاني قبل إيجاد
خلقه ، وتكليفهم ذلك ، ونقلهم عنه إلى غيره.
وما زال عز وجل مريداً للأول إلى زمن نسخه ، مريداً لِإزالة حكمه إلى
بدل ، أو إلى غير بدل ، وكلامه صفة له لا تغيير فيه ، ولا تبديل.
وحقيقة - التخصيص ، والاستثناء تخالف حقيقة النسخ ؛ لأن
التخصيص أن يجيء اللفظ عاماً ، والمراد بعض متناولاته ، فإذا أتى ما دل
على أن المراد غير ظاهر اللفظ ظهر التخصيص.
وقالوا في حدّه : إخراج بعض ما يتناوله الخطاب ؛ ولأن الاستثناء
صيغة دالة على أن المستثنى غير داخل في الخطاب ، فالتخصيص قريب
من معنى الاستثناء إلَّا أن الاستثناء لا يكون إلا بحرف دال على إخراج
المستثنى ؛ لهذا قالوا في حده : صيغة دالة.
ودلالة التخصيص إما بنص آخر ، أو إجماع ، أو قرينة.
فالتخصيص نحو قوله عز وجل : (وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَذِيْنَ أُوتُوا
الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ)، بعد قوله : (ولا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتى
يُؤْمِن).
ولو كان هذا نسخاً لكانت آية البقرة المراد بها الكتابيات.
وقد روي عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أنه قال : آية المائدة ناسخة
لآية البقرة.
(1/336)
وقال قائلون : لا يصحّ هذا
إلا أن تكون آية البقرة في المشركات
من أهل الكتاب.
وأقول : إن هذا الذي قالوه غير مستقيم ، فإن قولنا : نسخ.
وتخصيص ، واستثناء اصطلاح وقع بعد ابن عباس ، وكان ابن عباس يسمي
ذلك نسخاً ، ولو وقع الاصطلاح على تسمية جميع ذلك نسخاً ويكون
النسخ على ثلاثة أضرب ، لم يمتنع لاجتماع المعاني الثلاثة في الإزالة
للحكم المتقدم.
والناسخ يكون مدنياً لا غير ، فإما أن ينسخ مكياً أو ينسخ مدنياً نزل
قبله ، وقد تقدم ذكر المدنى والمكي ونزيد هنا فنقول :
كل سورة فيها (كلَّا) فهي مكية ، وكل سورة افتتحت بالحروف
فهي مكية إلا البقرة وآل عمران ، واختلف في الرعد ، وكل سورة فيها قصة
آدم ، عليه السلام ، وإبليس ، لعنه الله ، فهي مكية إلا البقرة.
وما فيه ذكر المنافقين فهو مدنى.
وقيل : ما كان من السور فيه القصص ، والأنباء عن
القرون ، فهو مكى وما فيه فريضة أو حد فهو مدني ، وقيل : ما فيه
(يا أيها الذين آمنوا) فهو مدني ، وما فيه (يا أيها الناس) ولم يكن فيه
(يا أيها الذين آمنوا) فهو مكي.
وأما نسخُ المكيِّ المكيَّ فلم يُتَفَقْ عليه.
(1/337)
وقال العلماء : أول ما نسخ
الصلاة إلى بيت المقدس.
وهذا يدل على أن المكيّ ليس فيه منسوخ ؛ لأن البقرة مدنية ، والنسخ إنما يكون في
الأحكام ، ولا نسخ في الأخبار ؛ لأن خبر الله عزّ وجل حق لا يصح أن يكون على خلاف
ما هوعليه.
وليس في الفاتحة ناسخ ولامنسوخ.
* * *
سورة البقرة
وقد عدّ قوم من المنسوخ آيات كثيرة ليس فيها أمر ، ولا نهي ، وإنما
هي أخبار ، وذلك غلط نحو قوله عز وجلّ : (وَمِماْ رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ)
زعموا أنها منسوخة بإيجاب الزكاة ، وعدوا أيضاً من الأوامر
والنواهي جملة ، فقالوا : هي منسوخة نحو قوله عز وجل : (وَقُولُوا لِلنَّاسِ
حُسْنًا).
وقوله عز وجل : (وَلَا تَعْتَدُوْا إِن اللهَ لَا يُحِبَ الْمُعْتَدِين)
وذلك لا يصح ، ومتى كان للخطاب طريق في
الحكم بأنه محكم كان أولى من حمله على أنه منسوخ نحو قوله عزّ وجل :
(فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ).
فحملُ هذا على أنه محكم أَوْلى.
وأما قول عطاء في قوله عز وجل : (وَلاَ تَقُوْلُوْا رَاعِنَا وَقُولُوا
انْظُرْنَا)
إنّه ناسخ لما كانوا عليه من قولهم في الجاهلية ، والإسلام ؟
"راعنا سمعك" أي فَرّغْه لنا ، لما وجد اليهود بهذه الكلمة سبيلاً إلى
(1/338)
السب ؛ لأنها في كلامهم سب ،
فليس ذلك بصحيح ، ولو كان ذلك
ناسخاً لكان جميع ما أمرهم به من مكارم الأخلاق ، ومما يستحسن في
القول ، والفعل ناسخاً لما كانوا عليه.
ولهذه الآية نظائر كثيرة ، فَكُل ما قيل في ذلك : بأنه ناسخ لعادة
جرت ، أو شريعة تقدمت فهذه سبيله. فاعلم ذلك.
قوله عز وجل : (فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَاْمِ . . . ) الآية
قالوا : هي ناسخة للصلاة إلى بيت المقدس ، قالوا :
والصلاة إلى بيت المقدس أول ما نسخ ، وهذا ليس بناسخ لقرآن ؛ لأن
صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - لم تكن بقرآن أنزل عليه.
وقال ابن عباس - رضي الله عنهما - : أول ما نسخ من القرآن شأن
القبلة ، قال الله لنبيه - صلى الله عليه وسلم - : (وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ
وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ) فصلى النبي - صلى
الله عليه وسلم - نحو بيت المقدس ، ثم صرف إلى البيت العتيق ، فعلى هذا تكون الآية
ناسخة لقوله سبحانه : (فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ) لأنه سبحانه
أباح له - صلى الله عليه وسلم - استقبال ما شاء من الجهات ، ثم نسخه بما
ذ كرنا.
وقال عبد الله بن عمر ، رضي الله عنه : نزلت في صلاة التطوع
يصلي حيثما توجهت به الراحلة ، وقيل : نزلت في قوم عميت عليهم
القبلة ، فصلوا باجتهادهم إلى جهات مختلفة ، فأُعلموا أن صلاتهم جائزة.
وروى عامر بن ربيعة عن أبيه كنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في سفر ،
فتغمَّيت
(1/339)
السماء ، وأشكلت علينا القبلة
، فصلينا ، وعلّمنا ، فلما طلعت الشمس إذا
نحن قد صلينا إلى غير القبلة ، فنزلت (فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ
اللَّهِ).
ومن هذا قول الحسن البصري في قوله عزَّ وجلَّ : (الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ
بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى) إنها نزلت في نسخ التراجع الذي
كانوا يفعلونه ، إذا قَتَلَ الرجلُ امرأةً كان أولياؤها بالخيار بين قتله مع تأدية
نصف ديته ، وبين أخذ نصف دية الرجل وتركه ، وإن كان قاتلَ الرجلِ امرأة
كان أولياء المقتول بالخيار بين قتل المرأة ، وأخذ نصف دية الرجل ، وإن
شاؤوا أخذوا الدية كاملة ، ولم يقتلوها.
قال : فنسخت هذه الآية ما كانوا يفعلونه ، فإن كانت هذه الآية نزلت في ذلك فهي
محكمة ، ولا يقال : إنها ناسخة لفعلهم ؛ لأن فعلهم ذلك لم يكن بقرآن تزل ، ولا هو
حكم من أحكام الله عز وجل ، ولا يقال أيضاً لذلك الفعل الذي كانوا يفعلونه : منسوخ
؛ لأنه لم يكن حكماً ثابتاً بخطاب سابق لهذا الخطاب.
وعن ابن عباس أن هذه الآية منسوخة بقوله عزْ وجل في المائدة :
(وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ)
فهذه أوجبت قتل الرجل بالمرأة ، والمرأة بالرجل ، والحر بالعبد ، والعبد بالحر ،
وليس هذا مما أصححه عن ابن عباس ، رحمه اللّه ؛ لأنّ هذه الآية إنما هي إخبار من
الله عز وجل بما أنزل في التوراة.
فإن قيل : فقد قال بعد ذلك : (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ).
قلت : أراد الله سبحانه أن اليهود خالفوا التوراة ، ولم يحكموا بها ، وقد قال بعد
ذلك : (وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ
يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا
أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ
لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا).
(1/340)
فأعلمنا سبحانه أن لنا شرعة
تخالف شرعتهم ، ومنهاجاً يخالف منهاجهم.
وقال الشعبى وغيره : آية البقرة نزلت في قوم اقتتلوا ، فقتل بينهم
جماعة كثيرة ، وكانت إحدى الطائفتين تعاظمت على الأخرى ، وأرادت أن
تقتل بالعبد منها الحر من الأخرى ، وبالأنثى الرجل ، فنزلت ، ثم هي لمن
أراد مثل ما طلبوا ، قال هؤلاء : فهي محكمة.
وليس هذا بصحيح ، فإن الرجل يقتل بالمرأة عند عامة الفقهاء إلَّا ما ذكر عن عمر بن
عبد العزيز ، والحسن البصري ، وعطاء ، وعكرمة إلَّا أن يريدوا قتل الرجل الحر
بالأمة ، فيكون قول الله عز وجل : (وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى)
أي الأنثى من الإماء ْبالأنثى منهن أي لا يقْتَلُ بالأمة الرجلُ الحر ، وإنما يقتل
بها أنثى مثلها ، أو عبد مثلها ، وفيه بعد ؛ لأن قوله عز وجل : (وَالْأُنْثَى
بِالْأُنْثَى) يقتضي ألا تقتل أنثى إلَّا بأنثى.
وقيل : إنهم أرادوا قتل امرأتين بامرأة ، وقتل رجلين برجل ، فعلى
هذا يصح معنى الآية.
وقال السدي ، وغيره : اقتتل فريقان على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فأمر
النبي - صلى الله عليه وسلم - في ديات قتلاهم : ديات النساء بديات النساء ، وديات
الرجال بديات الرجال ، قال هؤلاء : فهي في شيء بعينه.
وهي على هذا الحكم باقية لمن أتى بعدهم ، وهي محكمة ، وعلى هذا الذي ذكره يصح
تأويل الآية ، ومعناها أيضا.
وذهب سعيد بن المسيب ، والثوري ، والنخعى ،
(1/341)
والشعبى ، وقتادة ، وأبو
حنيفة ، وأصحابه إلى أن آية البقرة منسوخة بقوله عز وجل : (أَنَّ النَّفْسَ
بِالنَّفْسِ) فأجروا القصاص بين الحر والعبد ، والذكر
والأنثى ، وقد مر الكلام على أنها منسوخة ، وأن آية المائدة لا تصلح أن
تكون ناسخة.
ومما عدوه ناسخاً وليس كما قالوا ، قوله عزَّ وجلَّ : (فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ
أَخِيْهِ شَيْءٌ فَاتبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ)
قالوا : هو ناسخ لما كان عليه بنو إسرائيل ، أباح الله به العفو عن القاتل ، وأخذ
الدية ، ولم يكن ذلك لهم.
والكلام في ذلك كما تقدم في قوله عز وجل : (لَا تَقُوْلُوْا رَاعِنَا) . . .
وقوله عز وجل : (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ
خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ) الآية.
يجوز أن تكون منسوخة بآية الميراث ، وأن تكون محكمة.
قالوا : كانت الوصية للوالدين والأقربين ، ثم نسخ ذلك.
وقيل : معناها أن يوصي للوالدين والأقربين بإمضاء ما فرض الله لهم ، وسوغه من مال
الميت ، وألا يتعدى حكم الله فيه ، فتكون على هذا محكمة.
قالوا : ومما يؤيد أنها منسوخة أنها نزلت قبل أن ينزل ما في النساء.
وقال طاووس ، والحسن ، وغيرهما : هي محكمة ، وقيل : بعضها
منسوخ ، وهو قوله تعالى : (لِلْوَالِدَيْنِ) ، وبعضها محكم ، وهو الوصية
للأقربين.
وممن قال ذلك الشعبي ، والنخعى ، واختاره الطبري ، ويروى
ذلك عن الحسن ، وعن قتادة ، والضحاك.
وقال الضحاك ، من مات ،
(1/342)
ولم يوص للأقربين فقد ختم
عمله بمعصية.
وقال الحسن ، وطاووس : إذا أوصى بثلث ماله لأجنبي فلقرابته من ذلك الثلثان ،
وللأجنبي الثلث.
وقال قوم في قوله عز وجل : (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى
الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ) :
إن الآية منسوخة ، وإن المسلمين كانوا يقتدون بفعل أهل الكتاب في صومهم ، فكانوا
إذا ناموا حرم عليهم بعد نومهم أن يأكلوا ، أو يشربوا ، أو يقربوا النساء ، وكذلك
بعد صلاة العشاء الآخرة ، وإن لم يناموا.
وليس هذا القول بشيء ، وإنما المعنى : فرض عليكم الصيام كما فرض على الذين من
قبلكم ، أي : أوجبه الله تعالى عليكم كما أوجبه على الذين من قبلكم.
قال عليٌّ ، رضي الله عنه : أولهم آدم ، وجميع الأمم ، مفروض
عليهم الصوم.
وقال قوم : أراد بقوله : (أَياماً مَعْدُوْدَاتٍ) يوم عاشوراء.
وثلاثة أيام من كل شهر كتب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صيامها حين هاجر
، ثم نسخ بشهر رمضان. وهذا غير صحيح ؛ لأنه بيَّن الأيام المعدودات بقوله عز وجلّ
: (شَهْرُ رَمَضَانَ).
وأما قوله عز وجلّ : (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيْقُونَهُ فِدْيَة طَعَامُ مِسْكِينٍ)
قيل : إنها منسوخة ، وكانوا من شاء صام ، ومن شاء أَفطر.
وأطعم مسكيناً عن كلِّ يوم ، ثم نسخ ذلك بقوله عزْوجل : (فَمَنْ شَهِدَ
مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ) ، وقد قيل : إنها محكمة ، وقوله
(1/343)
(وَعَلَى الَّذِينَ
يُطِيْقُوْنَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ)
يريد به من أفطر لمرض ، ثم صح ، فأطاق القضاء ، فلم يقضِ حتى أدركه فرض الصوم لعام
آخر ، فإنه يصوم الذي أدركه ، فإذا فرغ منه قضى الذي فاته ، وأطعم عن كل يوم مُداً
، وأما من اتصل به المرض ، فلم يطق أن يقضي حتى جاء الصوم الآخر فإنه يقضي إذا
أطاق بعد ذلك ، ولا إطعام عليه.
وهذا القول قول زيد بن أسلم ، وابن شهاب ، ومالك ، رحمه الله ، في رواية ابن وهب
عنه.
ويجوز ، والله أعلم ، أن تكون محكمة ، ويكون معنى قوله : (وَعَلَى
الذِينَ يُطِيْقُونهُ) : أي على الذين يتعمَّدون الفطر من غير عذر ، فإنهم
يلزمهم إطعام ستين مسكينًا ، أو العتق ، أو صوم شهرين. والسنة بيَّنت
الإطعام ، وزادت العتق ، والصيام ، وليس التأويل الأول ، كانوا من شاء
صام ، ومن شاء أفطر ، وأطعم ، بمتفق عليه بين الصحابة ، إنما ذلك قول
معاذ بن جبل ، رحمه الله ، وقد خالفه ابن عباس ، وأبو بكر الصديق.
رضي الله عنه -
وقرئ : (وعلى الذين يُطَوَّقونه) بضم الياء ، وفتح الطاء.
وتشديد الواو.
وقال ابن عباس ، رحمه اللّه : نزلت في الكَبِيْرِيْنَ الذين لا
يقدرون على الصوم ، والمريض ، وعلى هذه القراءة أيضاً عائشة ، رضي
الله عنها ، وعطاء ، وابن جبير ، وعكرمة.
(1/344)
وعن مجاهد : (يَطَّوَّقونه)
بفتح الياء ، وتشديد الطاء والواو أي
يتكلفونه ، ومعنى الأولى يُكَلفونه على جُهْد وعُسْر ، ولو كانوا في صدر
الإسلام على ما قيل من التأويل الأول لمنع شُهْرَةُ ذلك من وقوع هذا
الخلاف.
وأنا أذكر بعون الله تعالى الآيات التي قيل : إنها منسوخة.
ولها وجه تحمل عليه ، فتكون محكمة.
من ذلك : قوله عز وجل : (وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ
يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا)
قيل : هي منسؤخة نزلت في قتال من قاتل ، ونسخها الأمر بقتال
المشركين ، وهي محكمة على أن قوله عز وجل : (وَلاَ تَعْتَدُوا) أي لا
تعتدوا ، فتقتلوا الصبيان ، والنسوان ، ومن لا قدرة له على القتال.
كالشيخ الفاني ، والراهب الذي لا يقاتل.
وقوله عزَّ وجلَّ : (وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى
يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ)
قال قتادة : هي منسوخة بقوله عز وجل : (وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوْهُمْ).
وبقوله : (وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً)
وقيل : إنها ناسخة لقوله عزَّ وجلَّ : (وَاقْتُلُوهُمْ حَيْث ثَقِفتُمُوهُمْ)
ثم نسخت بقوله عز وجل : (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ)
فصارت ، أعني آية البقرة ناسخة لآية النساء بآية التوبة ، وهذا معدوم النظير.
(1/345)
وقيل : ليست آية البقرة
بناسخة ، ولا منسوخة ، وإنما هي مخصوصة
بالنهي عن القتال في الحرم ، ولا يحل القتال فيه إلَّا لمن قاتل.
قال ذلك مجاهد ، وطاووس ، وأكثر العلماء على وجوب
قتال المشركين أينما كانوا بآية التوية ، والتوبة نزلت
بعد البقرة بمدة متطاولة.
قوله عز وجل : (الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ
قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى
عَلَيْكُمْ)
قال مجاهد : هي محكمة ، والمعنى فمن اعتدى عليكم في الحرم فاعتدوا عليه
بمثل ما اعتدى عليكم ، فأباح أن تقاتل في الحرم من قاتلك ، ولا يحل أن
تبدأه بالقتال فيه ، وهو حكم ثابت عنده إلى الأبد.
وعن ابن عباس أنها منسوخة ، وقد نسخ اعتداء من اعتدى عليه برد أمره إلى السلطان ،
فلا يقتص بيده ، وإنما يقتص له السلطان ، قالوا : قال ابن عباس : نسخها قوله عز
وجل. : (فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا)
ولا يصح ذلك عن ابن عباس ؛ لأن (سبحان) مكية باتفاق ، والمكي لا ينسخ المدني.
قوله عز وجل : (وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ
مَحِلَّهُ)
قيل : هو منسوخ بقوله عز وجل بعد ذلك : (فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ
أَذًى مِنْ رَأْسِهِ)
قال كعب بن عجرة الأنصاري : لما نزلنا الحديبية مرَّ بي النبي - صلى الله عليه
وسلم - ، وأنا أطبخ قدراً لي ، والقمل يتناثر على رأسي ، فقال : يا كعب : لعلك
يؤذيك هَوَام رأسك ، فقلت : نعم ، فقال : احلق رأسك ، وننزل : (فَمَنْ كَان
مِنْكمْ مَرِيضاً) الآية.
(1/346)
وقال قوم : الآية محكمة ، ولم
يكن قوله عز وجل : (وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ)
متناولاً للمريض ، ولمن به أذى من رأسه.
قوله عز وجل : (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ..)
قال ابن عباس ، وقتادة ، والضحاك ، وابن المسيب.
والأوزاعي : هي منسوخة بآية السيف ؛ إذ أباحت قتالهم في كل مكان
وزمان.
وقال مجاهد ، وعطاء : هي محكمة ، ولا يجوز القتال في الأشهر
الحرم.
والعلماء على خلاف ذلك.
فإن قيل : فقد قال الله عز وجل : (فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ
فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ)
فهذا يؤيد قول عطاء ، ومجاهد ، وكيف تكون هذه الآية ناسخة لآية البقرة ؟ وإنما
أباحت قتل المشركين بعد انسلاخ الأشهر الحرم ؟
فالجواب : أن الأشهر الحرم في براءة ليست هي التي قال الله عزَّ وجلَّ فيها :
(مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ) إنما هي أربعة أشهر أخر ، وهي أشهر السياحة ، أُمر
المؤمنون بقتل المشركين بعد انسلاخها حيث وجدوهم ، وفي أي زمان
لقوهم ، وكان أولها بعد يوم النحر من ذلك العام.
وأما الأشهر الحرم التي حرم الله فيها القتال ، ثم نسخ ، فهي : محرَّم
(1/347)
ورجب وذو القعدة وذو الحجة
بغير خلاف ، وإنما الخلاف في أنها من
سنة ، أو من عامين.
فأهل المدينة يجعلونها في عامين ، يقولون : ذو القعدة وذو الحجة
ومحرم ورجب ، وقال أهل العراق : أولها محرم ، فتكون من عام واحد.
وقوله عز وجل : (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ
كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا)
قال بعض مؤلفي الناسخ والمنسوخ : أكثر العلماء على أنها ناسخة لما كان مباحاً من
شرب الخمر ، قال : لأن الله تعالى أخبرنا أن في الخمر إثماً ، وأخبرنا أن الإثم
محرم بقوله عز وجل : (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ
مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ)
قال : فنص على أن الإثم محرم ، وأخبر أن في شرب الخمر إثماً ، فهي محرمة بالنص
الظاهر الذي لا إشكال فيه.
قال : وما حرُم كثيره فقليله حرام ، كلحم الميتة ، والخنزير ، والدم.
وسورة البقرة مدنية فلا يعترض على ما فيها بما في الأنعام المكية في
قوله : (قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ
يَطْعَمُهُ) ؛ لأن هذا التحريم نزل بمكة ، والخمر نزل تحريمها بالمدينة ، وزادنا
الله في تأكيد تحريم الخمر بقوله : (فَهَلْ أَئتُمْ مُنتهُونَ) فهذا تهديد ، ووعيد
يَدُلان على تأكيد تحريم الخمر ، وزاد ذلك بياناً قول النبي - صلى الله عليه وسلم
- :
"حُرمَتِ الخمرُ بعَيْيهَاْ ، والمسكرُ من غيرها".
وأكدَّ الله تعالى ذلك وحققه بقوله :
(1/348)
(فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ
تُفْلِحُونَ)
ولعل من الله واجبة ، فضمن الفلاح مع اجتنابها ، ونظيره الخسران مع مواقعتها ،
وكما أنه تعالى حرم أكل الخنزير.
وقليله ككثيره بإجماع ، كذلك يجب أن تكون الخمر والمسكر من غيرها.
فقلتهما ككثرتهما في التحريم ، وزاد ذلك بياناً (مَاْ أَسكَرَ كَثِيْرُهُ.
فَقَلِيْلُهُ حَرَاْم".
قال : وقال ابن جبير : لما نزل (قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ
لِلنَّاسِ)
كره "الخمر قوم للإثم ، وشربها قوم للمنافع حتى نزل (لَا تَقْرَبُوا
الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى).
فتركوها عندالصلاة حتى نزل (فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) ، فحرمت
بهذا. فهذا يدل على أن آية البقرة منسوخة بآية المائدة ، والمائدة نزلت بعد البقرة
بلا شك ، وهذا سياق قول مكي بن أبي طالب في كتابه المسمى "بالموضح في الناسخ
والننسوخ".
وأقول مستعيناً بالله :
قوله : إنها ناسخة لما كان مباحاً من شرب الخمر يلزم منه أن الله عز
وجل أنزل إباحتها ، ثم نسخ ذلك.
ومتى أحل الله عز وجل شرب الخمر ؟
وإنما كانوا مسكوتاً عنهم في شربها ، جارين على عادتهم ، ثم نزل
التحريم ، كما سكت عنهم في غيرها من المحرمات إلى وقت التحريم.
وهذه الآية ، وما ذكر من الآيات ، الكل في التحريم كما جاء تحريم الميتة
في غير آية.
(1/349)
وقوله (إن الله عز وجل أخبرنا
أن في الخمر إثماً ، وأخبرنا أن الإثم
محرَّم ، إلى قوله فهي محرمة بالنص الظاهر الذي لا إشكال فيه ، كلام لا
وجه له ؛ لأن الإثم هو الذنب وإذا كان الذنب كبيراً ، أو كثيراً في ارتكاب
شيء لم يجز ارتكابه ، فكيف يسمعون قول الله عزَّ وجلَّ : (قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ
كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا) ، ثم
يقدمون عليها مع
التصريح بالخسران ؟
إذ كان الإثم أكبر من النفع ، بل هذا كافٍ في التحريم.
وقوله : فأخبر أن في شرب الخمر إثماً ، ونضق على أن الإثم محرئم ر
بقوله : (وَاْلإثْمَ وَالْبَنْيَ " لا حاصل له ؛ لأنه إن أراد أن الخمر هي
الإثم
فكيف يقول : فنص على أن الإثم محرم ، وأخبر أن في شرب الخمر إثما
فكيف تكون هي الإثم المحرم على هذا ؟
وإن أراد بالإثم الذنب لم يحتج إلى شيء آخر ، وإنما معنى آية الأعراف إنما حرَّم
ربي الفواحش وما فيه الإثم.
وكلامه كله فاسد إلى آخره.
وقوله : لعل من الله عز وجل واجبة ليس بصحيح ، فقد قال عز
وجل : (فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى (44).
وقد ألانا له القول : (فَكَذَّبَ وَعَصَى (21) ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَى (22)
فَحَشَرَ فَنَادَى (23) فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى (24).
وإنما معنى قوله عز وجل : (لعلكم تفلحون) فاجتنبوه راجين الفلاح ، أو فاجتنبوه ،
وانووا إرادة الفلاح.
وأما قول ابن جبير: كره الخمر قوم للإثم ، وشربها قوم للمنفعة.
وأي منفعة تبقى مع أن الإثم أكبر منها ؟
فكيف يقدم مقدم على الانتفاع
(1/350)
بشيء فيه وبال أكثر ، وأكبر
من الانتفاع به ؟
وأطرف من هذا قوله : تركوها عند الصلاة.
فاعلم أن الآية محكمة غير ناسخة ولا منسوخة ، وهي مصرحة
بتحريم الخمر.
وأما قوله عز وجل : (تَتخِذُوْنَ مِنْهُ سَكَرًا)
فإن قلنا : السكَر الطعم كما قال :
جَعَلْتَ عَيْبَ الأكْرمِيْنَ سَكَرًا.
فلا كلام ، وإن قلنا : إن السكر الخمر ، فليس فيه دليل على
الإباحة ، لأنه عز وجل امتن عليهم بما ذكره من ثمرات النخيل والأعناب.
ثم قال : تتخذون من المذكور سكراً ، ورزقًا حسنًا ، فنبَّه بقوله عز وجل :
(وَرِزْقًا حَسَنًا) على أن السكر ليس كذلك ، وأشار فيه إلى ذم الخمر إنْ
كان المراد بالسكر الخمر.
ْوإن كان المراد بالسكر الطُعْم فهو سكر ورزق حسن.
أي تتخذون منه طُعْمًا تأكلونه رطبًا ، ورزقًا حسنًا يعني التمر والزبيب.
وزعموا أن قوله عز وجل : (وَمَنَافعُ للِناسِ)
منسوخ بنسخ إباحة الخمر ، وهذا ما أدري ما يقال فيه.
وقالوا في قوله عز وجل : (قُلِ الْعَفْوَ)
هي منسوخة بفرض الزكاة ، وحكوا ذلك عن ابن عباس.
والعفو : القليل الذي لا يظهر
(1/351)
في المال نقصه ، وقال طاووس :
هو اليسير من كل شَيْء.
وقال الحسن ، وعطاء : العفو : ما لا يكون إسرافاً ، ولا إقتاراً.
وقال مجاهد : العفو : الصدقة عن ظهر غنى.
وقال الربيع : العفو : ما طاب من المال ، وكذلك قال قتادة.
وقال قوم : كانوا قبل فرض الزكاة قد فرض عليهم من كان له مال
أن يمسك لنفسه منه ألف درهم ، أو قيمة ذلك من الذهب ، ِ ويتصدق
بالباقي ، وإن كانوا من أهل الزراعة أمسكوا ما يقيمهم حولًا ، وتصدقوا بما
بقي ، ومن لم يكن له إلَّا العمل بيده أمسك ما يقوته يومه ، وتصدق بما
بقي ، فشق ذلك عليهم ، فأنزل الله عز وجل فرض الزكاة.
قلت : فلتكن آية الزكاة إذاً ناسخة لا منسوخة ؛ لأنها موافقة لقوله عزَّ وجلَّ :
(قلِ الْعَفْوَ) ؛ لأنها نقيض ما كانوا فيه من الجهد ، واستفراغ الوسْع ، وهذه
حقيقة العفو.
كما قالوا : العفو : الأرض السهلة ، والآية محكمة.
فإن أُريد بها الزكاة فذاك ، وإن أريد بها التطوع فذاك.
قوله عز وجل : (وَلاَ تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتى يُؤْمِن..)
قيل : سب نزولها أن مرثد بن أبي مرثد بعثه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى
مكة ليخرج ناسًا من المسلمين ، فقالت له عناق ، وهي
امرأة كان يخلو بها في الجاهلية ، هل لك في الخلوة ؟
فقال : حال بيننا الإسلام ، قالت له : فتزوج بي ، فقال : أرجع إلى رسول الله - صلى
الله عليه وسلم - ، فاستأمره ، فنزلت هذه الآية ، فالآية على هذا محكمة ؛ لأن نكاح
الكفار غير أهل الكتاب محرم.
وقيل : هي محكمة محرمة لنكاح المشركات ، والكتابيات اللواتي في دار الحرب ، ويروى
ذلك عن ابن عباس ، وقاله
(1/352)
قتادة ، وابن جبير ، وأكثر
العلماء.
وعن ابن عمر : أنها محكمة عامة في كل مشركة كتابية حربية وغير حربية.
وقيل : إنه إنما كره ذلك ، ولم يحرمه ؛ لأنه آية المائدة أباحت نكاح الكتابيات
كلهن الحربيات والذميات.
وقيل : هي عامة في الكتابيات كلهن ، وهي منسوخة بآية المائدة ، وكره بعض العلماء
نكاح الحربيات ، ولم يحرمه ، وروي مثل ذلك عن مالك ، وحرمه جماعة منهم ، وخصوا آية
المائدة بالذميات ، وآية المائدة عن أكثر العلماء عامة في كل كتابية ، وعلى ذلك
أكثر الصحابة والعلماء.
وأدخلوا في هذا الباب قوله تعالى : (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ . . . )
وقالوا : هي ناسخة لما كان عليه بنو إسرائيل من اجتناب
الحائض على كل حال من مؤاكلة ، ومضاجعة ، وغير ذلك..
فنسخ ، فإنا لا نعتزلها إلا في الوطء خاصة.
قالوا : وإنما أدخلنا ذلك في باب الناسخ والمنسوخ لقوله عزَّ وجلَّ :
(فَبِهدَاهم اقْتَدِه)
قالوا : فشريعتهم لازمة لنا حتى نؤمر بتركها.
والصحيح أن مثل هذا لا يدخل في الناسخ والمنسوخ ؛ لأنه لم
ينسخ قرآنًا ؛ ولأن الحاجة إلى معرفة الناسخ والمنسوخ أن لا يظن في
منسوخ أنه محكم ، فيعمل به.
وأما إذا لم تكن آية منسوخة تحتاج إلى بيان أنها منسوخة ، فلا وجه
لذكر الناسخ لغير القرآن ، ولا فائدة في ذكره ، ولا يضرنا أن نجهل معا
كان حُرم على من كان قبلنا ، أو أحِل لهم حتى يقال : نسخت هذه الآية
ما كان عليه من قبلنا .
(1/353)
ومن ذلك قولهم : كان الرجل
يؤلي من امرأته السنة وأكثر من ذلك.
ولا تطلق عليه ، فنسخ ذلك بقوله عز وجل : (لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ
تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ).
ومن ذلك قولهم في قوله عز وجل : (الطلاَقُ مَرتَانِ)
وقالوا : هي ناسخة لشيْء كانوا عليه في أول الإسلام.
كان الرجل يطلق ثلاثاً ، وهي حبلى ، ويكون بارتجاعها ما دامت في العدة.
وقيل : هي ناسخة لما كانوا عليه في الجاهلية ، ثم في صدر الإسلام.
كان أحدهم يطلق امرأته ثلاثًا ما شاء مرة بعد مرة يطلقها ، وإذا كادت
تخرج من اْلعدة ارتجعها ، يفعل ذلك ما شاء ، فنسخ ذلك من فعلهم بهذه
الآية ، ولا تدخل هذه الآية في الناسخ لما ذكرته.
وقيل : هي منسوخة بقوله عز وجل : (فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ).
والآيتان محكمتان لم تنسخ واحدة منهما الأخرى التي
في البقرة لبيان عذة الطلاق ، والتي في الطلاق فيها بيان وقت الطلاق.
وقوله عز وجل : (وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ
قُرُوءٍ)
قالوا : هي عامة في كل مطلقة ، فنسخ منها غير المدخول
بها ، والتي يئست من المحيض ، والحامل ، قال ذلك قتادة ، وليس كما
ذكروا ، وإنما أريد بالمطلقات المدخول بهن اللواتي يحضن الخاليات
عن الحمل يَدُلك على ذلك قوله عز وجل : (ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ) .
(1/354)
ومن ذلك قوله عز وجل : (وَلَا
يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا).
قال أبو عبيد : نسخ ذلك بقوله : (إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ
اللَّهِ).
وهذا ظاهر الفساد ، وهذا استثناء ، وليس بنسخٍ.
وقال قوم : هومنسوخ بقوله عزَّ وجلَّ : (فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ
نَفْسًا فَكُلُوهُ).
وليس كذلك ؛ لأن آية البقرة في منع الزوج
من ارتجاع ما أعطاه من غير رضا المرأة ، والتي في النساء في إباحة ذلك
إذا كان عن رضا فليس بينهما نسخ.
ومن ذلك قولهم في قوله عز وجل : (وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ
حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ) إنه منسوخ بقوله عز وجل : (فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَنْ
تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا).
وليس كذلك ، فإنه تعالى قال : (لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ).
ومن ذلك قوله عز وجل : (وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِك).
اختلف في الوارث ، فقيل : هو من يرث ولاية الرضيع إذا مات قام
ورثته مقامه ، وكان عليهم للصبى ما كان على أبيه ، وقيل : الوارث من يرث الصبى إذا
مات.
قال ابن عباس على وارث الصبى من أجر الرضاع ما كان
على أبيه إن لم يكن للصبى مال.
وقال زيد بن ثابت : يلزم من يرث الصبى
من النفقة على رضاعه بقدر حصته من ميراثه منه.
وروى سعيد بن المسيب ، وسلمان بن يسار أن رجلاً مات ، وترك ابناً
مسترضعاً ، ولم يترك مالًا ، فقضى عمر ، رضي الله عنه ، أن رضاعه على
ورثته وقال : لو لم أجد له ورثة جعلته على عاقلته.
وقال قتادة : رضاع الصبيَ على جميع ورثته بالحصص.
وقيل : الوارث من يرث الولاية على
(1/355)
الرضيع ينفق من مال الصبى
عليه مثل ما كان ينفق أبوه.
وقيل : الإشارة في قوله عز وجل : (مثل ذلك) إلى ترك المضاررة.
وقيل : الوارث : الصبي ؛ لأنه وارث الأب ، فعليه النفقة في ماله.
أي أن نفقة الرضاعة على الصبى في ماله ، قال ذلك الضحاك ، واختاره الطبري ، وقال مكي
: وهو قول حسن ، وما أراه كما قال.
وعن مالك ، رحمه الله أن الآية منسوخة قال : ولا يجب على
الرجل نفقة أخ ، ولا ذي قرابة ، وليست الآية بمنسوخة ، ولم يذكر مالك.
رحمه الله ، لها ناسخاً.
ومن ذلك قوله عز وجل : (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا
يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا)
قالوا : نسخ منها الحوامل بقوله عز وجل : (وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ
أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ).
وهذا ليس بنسخ ، والآية ليست في الحوامل ؛ يدل على
ذلك قوله عز وجل : (فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا
فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ)
أي في ابتغاء الأزواج ، والحامل ليس لها ذلك.
ومن ذلك قوله عز وجل : (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ
أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ)
قال جماعة : هي منسوخة بالتي تقدمت ، وهو قوله عز وجل : (يَتَرَبَّصْنَ
بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا)
قالوا : نسخت هذه الحول ، ونسخت آية الميراث النفقة عليها إلى الحول.
وقال الربيع : كانت المرأة إذا توفي عنها
(1/356)
زوجها أقامت إن شاءت حولاً ،
ولها السكنى ، والنفقة ، فنسخ ذلك آية
الميراث.
وقال عبد الملك بن حبيب : كانت الحرة المتوفى عنها زوجها تخير
بين أن تقيم في بيته ، وينفق عليها من ماله سنة ، وبين أن تخرج ، فلا يكون
لها شيء من ماله ، فنسخ ذلك بآية الميراث.
وليست هذه الآية بمنسوخة بالتي قبلها ؛ لأن الناسخ يتاخر نزوله
عن المنسوخ ، فكيف يكون نزولها متأخراً ، ثم توضع في التأليف قبل ما
نزلت بعده ناسخة له من غير فائدة في لفظ ولا معنى ؟
واحتجوا لذلك بأن المكي قد يؤخر عن المدنى في السور ، وليس هذا مثل ذلك ، وليس في
تقديم السورة ، وتأخيرها شيء من الإلباس بخلاف الآيات.
وقال الزمخشري : فإن قلت : كيف نسخت الآية المتقدمةُ المتأخرةَ ؟
قلت : قد تكون الآية متقدمة في التلاوة وهي متأخرة في التنزيل كقوله
تعالى : (سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ) مع قوله : (قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي
السمَاءِ).
والذي قال غير صحيح ، بل التلاوة على ترتيب التنزيل ، وقد تقدم أن قوله عز وجل :
(فَوَل وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ) نزل بعد قولهم : (مَا وَلَّاهُمْ
عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا) أي دُمْ على ذلك (وَحَيْثُ مَا
كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ).
وقد قيل : إن أول ما نزل في ذلك قوله عز وجل :
(وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ
اللَّهِ).
قيل : أعلم الله نبيه ما هم قائلون ، فقال : إذا قالوا ذلك فقل لهم : (وَلِلَّهِ
الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ) ، وقد تقدم أيضاً قوله : (وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ
إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى).
(1/357)
فهذا يدل على ما قلناه من أن
قوله عز وجل : (فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ) أمر بالدوام على
ما كان أمره به من اتخاذ المقام مصلى ، ثم إن هذه الآيَات كلها في قصة واحدة ،
بخلاف الناسخ
والمنسوخ ، ولم يقل أحد من المفسرين إن قوله عز وجل : (سَيَقُول
السفَهَاءُ) أنزل بعد قوله تعالى : (قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ
. . . فَوَلِّ وَجْهَكَ) الآية ، وإنما وهم الزمخشري ، فظن أن الإخبار
بما يكون بعد الشيء قبل وقوعه هو الواقع بعده ، وهذا غلط بين.
وإنما مثاله أن يقول الملك لمن يريد أن يوئيه ناحية : سيطعن السفهاء في
ولايتك ، ثم يقول له بعد ذلك : تولى ناحية كذا.
كذلك قال الله تعالى : (سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ
قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا) الآية إخباراً بما سيكون بعد التولية ،
ثم قال سبحانه بعد ذلك : (قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ). الآية ،
وهذا واضح جداً ، وقد خفي عليه هذا ، فصار إلى ما صار إليه من تقدم الآية في
التلاوة ، وتأخرها في الإنزال ، وليس بهين أن يجعل كلام الله عز وجل بهذه المثابة.
بل أقول : إن الآية غير منسوخة بالتي تقدمت ، بل معناها : أن
المتوفى عنها زوجها كانت لها متعه ، كما أن للمطلقة متعة ، وكانت متعة
المتوفى عنها زوجها أن تخير بعد انقضاء العدة بين أن تقيم إلى تمام
الحول ، ولها السكنى ، والنفقة ، وبين أن تخرج ؛ يدل على صحة ذلك
قوله سبحانه وتعالى : (مَتَاْعاً إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ).
أي لا تخرج إذا لم ترد ، ثم قال تعالى : (فَإِنْ خَرَجْنَ فَلَا جُنَاحَ
عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ).
(1/358)
وأباح لها أن تخرج ، ولو كانت
العدة حولاً لم يبح لها ذلك ، ولم تكن مخيرة فيه ، ومن لم يفرق بين هذا ، وبين
قوله عز وجل : (يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا
فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ
بِالْمَعْرُوفِ).
ويميز بين المكث الواجب كيف جاء بهذا اللفظ ؟
وبين المكث الراجع إلى الاختيار كيف جاء باللفظ الآخر ؟
فقد سلب آلة التمييز.
بل الآية المتأخرة دالة على تقدم الأولى بقوله عز وجل : (فَإِنْ خَرَجْنَ فَلَا
جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ)
أي فَإِن اخْتَرْنَ الخروج بعد بلوغ الأجل المذكور في الآية المتقدمة فلا حرج.
وقد قال مجاهد : إن الآية محكمة ، ولها السكنى ، والنفقة من مال
زوجها إن شاءت ، وإن قلنا : إن ذلك قد كان ، ثم بطل بأنه "لا وصية
لوارث "
فذاك موافق لما عليه الجمهور.
وَأمَّا أن نقول : إنها منسوخة بما تقدمها فلا.
وهذا الموضع من أقبح ما ذكروه في كتاب الله عز وجل ، ثم ذكر بعد هذه المتعة متعة
الطلاق ، فقال عز وجل عَقِيب هذه الآية : (وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ
بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ (241).
ومن ذلك قول ابن زيد في قوله عز وجل : (إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفًا)
إنه منسوخ بقوله عز وجل : (وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ)
(1/359)
وليس كما قال ، بل هي محكمة ،
والمراد بذلك
التعريض بالنكاح.
ومن ذلك قوله عز وجل : (وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى
الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ (236)
قال ابن المسيب : وحبت المتعة لغير المدخول بها بهذه الآية ، وبقوله تعالى في
الأحزاب (فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ)
قال : ثم نسخ ذلك بقوله عزٍ وجل : (وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ
تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ).
وهذا ليس بنسخ لذلك لأن الأولى في التي لم يفرض لها ، والثانية في التي قد فرض
لها.
وقال ابني المسيب أيضاً : كانت المتعة واجبة بقوله عز وجل في سورة
الأحزاب (فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ) ، ثم نسخت بآية البقرة ، وهو قوله عز
وجل : (حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ).
قال : ولم يقل : حقاً عليكم ، ولا واجباً عليكم ، وهذا أيضاً ليس كذلك ؛ لأن قوله
عز وجل : (حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ) و (حَقًّا عَلَى المُتقِينَ) لا يعارض
قوله عز وجل : (فَمَتِّعُوهُنَّ) ؟ ولذلك قال عليٌّ ، رضي الله عنه : المتعة واجبة
لكل مطلقة ، وإليه ذهب الحسن البصري ، والضخاك ، وابن جبير ، وقال
شريح : هي مندوب إليها ، فمتِّع إن كنت تحب أن تكون من
المحسنين ، ألا تحب أن تكون من المتقين.
(1/360)
وقال ابن عباس - رحمه الله -
وغيره : هي واجبة للتي لم يفرض
لها إذا طلقت قبل الدخول على الموسر خادم ، ويمتع المتوسط بالورِق.
ودون المتوسط بالكسوة والنفقة ، وكذلك قال قتادة.
وليس الغرض إيراد المذاهب ، وإنما الغرض أن الآية غير منسوخة
ولا ناسخة.
ومن ذلك قوله عزَّ وجلَّ : (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ)
قال قوم : هي منسوخة بقوله عز وجل : (جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ
وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ) ، والجمهور على أنها محكمة.
قال ابن عباس - رحمه الله - : نزلت في أهل الكتاب لا يُكْرَهون إذا
أدوا الجزية ..
ومن ذلك قوله عز وجل : (وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ).
قالوا : هي ناسخة لما كانوا عليه من بيع المعسر فيما عليه
من الديون ، وقد قدمت أن مثل هذا لا يجمل أن يذكر في الناسخ
لأنه نقل عن فعل كانوا عليه بغير قرآن نزل فيه ، ولا أمر من الله عزَّ وجلَّ.
ولو كان ذا ناسخاً لكان القرآن كله ناسخاً ؛ لأنه نزل في تغيير ما كانوا عكيه ،
وإبطاله .
(1/361)
ومن ذلك قوله عز وجل : (إِذَا
تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ) - إلى قوله عز وجل -
(وَلَا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَى أَجَلِهِ)
فأمر بالكتاب والإشهاد ، قالوا : ثم نسخ جميع
ذلك بقوله سبحانه وتعالى : (فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي
اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ) وليس هذا بنسخ ، وفيه بيان كون الأمر بالكتابة
والإشهاد ليس على الوجوب.
وذهب ابن عمر ، وابن عباس ، وأبو موسى الأشعري ، وجابر بن
زيد ، وابن سيرين ، والضحاك وأبو قلابة ، وعطاء ، والشعبى ، وداود إلى
وجوب الكتاب والإشهاد ، وأوجبوا على ربِّ الدين أن يكتب ، وأن يشهد
إذا قدر على ذلك.
قالوا : وأما قوله عز وجل : (فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا) فإنَما ذلك عند
عدم القدرة على الكتابة أوالإشهاد ، وإذا عفا عن الرهن ، أو لم يجده.
وقال الشعبي وعطاء : أشهد إذا بعت أو اشتريت بدرهم ، أو
بنصف درهم ، أو بثلث درهم ، وبهذا يقول الطبري وعلى الجملة فالآية
محكمة على كل حال.
ومن ذلك قوله - عز وجل - في قوله عز وجل : (وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ
أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ) إنه منسوخ بقوله عز وجل :
(1/362)
(لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ
نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا) ، وليس في هذين ناسخ ولا
منسوخ ، والنسخ لا يدخل في الأخبار.
ففي هذه السورة ثلاثون موضعاً أدخلت في الناسخ ، والمنسوخ لم
يقع الاتفاق على شيء منها ، بل فيها ما لا يشك في أنه ليس بناسخ ، ولا
منسوخ ، ومستند قولهم في ذلك الظن لا اليقين ، ولا يثبت ناسخ القرآن.
ومنسوخه بالظن ، والاجتهاد.
* * *
سورة آل عمران
ذكروا فيها أربعة عشر موضعاً ليس منها موضع متفق على صحة النسخ
الأول (فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ)
قالوا : نسخها قوله عنر وجل : (وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ).
وليس هذا بنسخ إذ يجوز أن يجمع بين الأمرين.
الثاني (وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ) قالوا : نسختها آية
السيف ، والمعنى : فإنما عليك البلاغ ، وليس عليك الهداية ؛ لأنه قال قبل
ذلك : (فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا).
الثالث قوله عز وجل : (لا يتخد المؤمنون) قالوا : نسخ
(1/363)
منها (إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا
مِنْهُمْ تُقَاةً) بآية السيف ، وليس كما - فالوا قال الحسن :
إنما ذلك في الكفار إذا أَكْرَهُوا المؤمنين علن الكفر فيتكلمون بذلك.
وقلوبهم كارهة ، وقال قتادة : التقية أن تصل رحمك من الكفار من غير أن
تواليهم علن المسلمين ، وقيل : نزلت في عمار بن ياسر ، رحمه الله لأنه
خاف أن يقتله المشركون ، فتكلَّم ببعض ما أحبوا ، وفي حاطب بن أبي
بَلتَعَةَ حين كتب بأخبار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى كفار مكة ليرعوه
في أهله وماله ، وقلبه مطمئن بالإيمان.
الرابع والخامس والسادس : من قوله " عز وجل : (كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ
قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ) - إلى قوله - (وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ
(88).
قالوا : نسخها قوله : (إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا) وهذا ليس بناسخ ولا
منسوخ.
السابع : قوله عزَّ وجلَّ : (آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ
أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزًا)
قالوا : هو منسوخ بقوله - صلى الله عليه وسلم - :
"لا صَمتَ يوماً إلى الَليل ".
وفساد هذا القول واضح.
الثامن قوله عزَّ وجلَّ : (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ
اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا).
(1/364)
سَبِيْلا ، قال السدي : هو
منسوخ بقوله سبحانه (مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا) وهذا أيضاً باطل.
التاسع : قوله "عز وجل : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ
حَقَّ تُقَاتِهِ)
قال قتادة : هي منسوخة بقوله عزَّ وجلَّ : (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ)
وقال السدي ، وابن زيد ، والريع بن أنس.
وجماعة من العلماء : ليس هذا بنسخ.
والآيتان معناهما واحد ، والأمر بتقوى الله لا ينسخ ، وقوله : (حَقَّ تُقَاتِهِ)
أي ما أطقتم.
قيل : يا رسول الله : ما حق تقاته ؟
قال : أن يطاع فلا يُعصَى ، وأن يُذْكَرَ فلا يُنسى ، وأن يُشكَر فلا يُكفَر -
وقال ابن عباس أن تجاهد في الله حق جهاده ، ولا تأخذك : فيه
لومة لائم ، وأن تقوم لله بالقسط ، ولو على نفسك ، أو أبيك ، أو ابنك.
وهذا كله لا ينسخ.
العاشر : قوله عز وجل : (لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذًى)
قالوا : هي منسوخة بقوله عز وجل : (قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ
وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ)
وهذا أيضاً فاسد.
(1/365)
الحادي عشر : قوله عز وجل :
(لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ)
قالوا : هو ناسخ للقنوت الذي كان يفعله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للدعاء
على الكفار ، وليس هذا شرط الناسخ لأنه لم ينسخ قرآناً.
الثاني عشر : قوله عز وجل : (وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا
وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا).
قالوا : هي منسوخة بقوله عز وجل : (عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ
نُرِيدُ)
وهذا ظاهر البطلان.
الثالث عشر : قوله عز وجل : (وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ
اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169) فَرِحِينَ
بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ
يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ
(170).
قالوا : هذا ناسخ لقرآن كان يُقْرأ ، نَزل في الذين قتلوا
يوم بئر معونة ؛ لألهم لمَّا أُدخلوا الجنة قالوا : يا ليت قومنا يعلمون بما
كرمنا ربنا ، فقال تعالى : أنا أعلمهم عنكم فأنزل (بلغوا عنا قومنا أن قد
لقينا ربنا فرضي عنا ورضينا عنه ".
روى مطرَّف ، عن مالك ، عن ابن شهاب ، عن أنس ، قال : فكان ذلك قرآناً قرأناه ، ثم
نسخ بقوله : (وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ
أَمْوَاتًا) ، وليس هذا من شرط الناسخ والمنسوخ ؛ لأن ذلك لم يثبت قرآناً ، فينسخه
هذا ، ولو كان أيضاً قرآناً يتلى لم يكن منسوخاً ، ولم يكن هذا ناسخاً له ؛ لأن
ذلك خبر.
الرابع عشر : قوله عز وجل : (وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ
عَزْمِ الْأُمُورِ (186).
قالوا نسختها آية السيف ، وليس هذا مما ينسخ .
(1/366)
سورة النساء :
الكلام فيها في ثلاثين موضعاً :
الأول : قوله عز وجل : (فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ . . .
إلى آخر الآية ، قالوا : هي ناسخة لما كان في الجاهلية من نكاح ما شاؤوا
من النساء ، وهذا لا يسمى ناسخاً ، وقد تقدم القول فيه.
الثاني : قوله عز وجل : (وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ)
قالوا : هي منسوخة بقوله عز وجل : (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ
الْيَتَامَى ظُلْمًا . . . ).
وقيل : نسخت بقوله : (وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ)
والجمهور على أنها محكمة ، واختلفوا في معناها.
فقال سعيد بن المسيب وربيعة : المعنى : ومن كان فقيراً من
اليتامى فليأكل بالمعروف ، لئلا يذهب ماله ، ويبقى فقيراً.
وقال الحسن ، وقتادة ، والنخعى ، وعطاء ، وابن زيد : معنى بالمعروف : أي للوصى سد
جوعته إذا احتاح ، وليس عليه رد ذلك.
وقيل : أبيح له أكل التمر واللبن لقيامه عليه ، فكأنه أجرة له.
وقال أبو العالية : معنى بالمعروف : أي من الغلة ، ولا يأكل من
القاصر قرضاً ، ولا غير قرض.
وقيل : معنى قوله بالمعروف : القرض إذا احتاج ، والرد إذا أيسر.
ويدل على ذلك قوله عز وجل : (فَإذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أمْوَالَهُمْ)
أي ما اقترضتموه ، فأشهدوا عليهم .
(1/367)
قال ذلك عمر رضي الله عنه ،
وابن عباس ، والشعبى ، وابن جبير.
فالآية على جميع هذه الأقوال محكمة ، وإنما سُقْتُ هذه الأقوال لتعلم
أن القول بالنسخ ظن لا يقين.
الثالث قوله عز وجل : (وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى
وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا (8).
قيل : هي منسوخة بآية الوصية ، والميراث ، قاله ابن المسيب.
، وعن ابن عباس والضحاك ، والسدي ، وعكرمة نسخها آية الميراث.
وعن ابن عباس أيضاً أنها محكمة ، وكذلك قال ابن جبير ، ومجاهد.
وعطاء.
والأمر على الندب لا على الإيجاب ، وعن ابن عباس أيضاً أن
الخطاب للموصي ، يقسم وصيته بيده ، والأمر على الندب.
وروي عن مجاهد أيضاً ، والحسن ، والزهري أنها محكمة فيما
طابت به أنفس الورثة عند القسمة على الندب.
الرابع : قالوا : إن الورثة المذكورين في هذه الآيات كالآباء.
والأبناء ، والإخوة ، والأزواج كان ذكرهم عاماً ، ثم نسخت السنة من خالف دينه دين
الميت ، ونسخ الإجماع من أكثر - الأمة من كان فيه بقية رقٍّ ، فإنه لا يرث ، وليس
هذا بنسخ.
الخامس : قوله عزَّ وجلَّ : (وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ
ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا
قَوْلًا سَدِيدًا (9).
قالوا : تضمنت هذه الآية إمضاء الوصية على ما أمر الوصي ، ثم نسخت بقوله عز وجل :
(فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفًا أَوْ إِثْمًا فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلَا
إِثْمَ عَلَيْهِ)
(1/368)
أي فلا حرج على الموصى إليه
إذا خاف ذلك أن يأمر
الموصي بالعدل ، وهذا ليس بنسخ.
السادس : قوله عز وجل : (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى
ظُلْمًا)
قالوا : هو منسوخ بقوله : (وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ)
قالوا : والمعروف القرض ، فإن أيسر رد ، وإن مات فبل أن يوسر فلا
شيء عليه ، وليس هذا إن قيل بنسخ ؛ لأن هذا ليس بظلم.
السابع ، قالوا : قال الله تعالى (مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ) في أربعة
مواضع ، ولم نجد للموصي في ماله حداً ، ثم نسخ هذا بقوله عليه السلام
"الثلث والثلث كثير"
وهذا ليس بنسخ إنما هو بيان ، كما بين مقدار ما تجب
فيه الزكاة ، وعدد أركان الصلاة.
الثامن : قوله عز وجل : (وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ)
والتي بعدها هي منسوخة بالحدود ، وهذه الآية في النساء
المحصنات ، والأبكار ، والتي بعدها في الرجال ، الثيب منهم والبكر.
ونسخ الجميع بالحدود.
وقيل : إن الآية الأولى في المحصنين ، والثانية في البكرين وعليه جماعة.
والأول هو الصحيح ، وهو قول ابن عباس.
وقيل : ليس هذا بنسخ لأنه سبحانه وتعالى قال : (أوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُن سبِيلاً)
لأنه قد كان الحكم منتظراً .
(1/369)
التاسع : قوله عز وجل :
(ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيب)
قالوا : هي منسوخة بالتي بعدها ، وهي قوله عزَّ وجلَّ : (حَتَّى إِذَا حَضَرَ
أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ
وَهُمْ كُفَّارٌ)
قالوا : فقد احتجز التوبة في هذه الآية على أهل المعصية ، فقال عز وجل :
(وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا
حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ
يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (18).
قالوا : ثم نسخت في أهل الشرك ، أي : نسختها هذه الآية.
وبقيت محكمة في أهل الإيمان.
وقال قوم : نسخت هذه الآية ، وهي قوله عز وجل : (وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ
لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ) بقوله : (إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ
يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ) فحرم الله تعالى
مغفرته على من مات وهو مشرك ، - ورد أهل التوحيد إلى مشيئته - ، وهذا كله تخليط من
قائله ، ولا
نسخ في هذه الآيات ؛ لأنها أخبار جاءت تبين بعضها.
العاشر : قوله عز وجل : (لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا)
قالوا : فقوله : (وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا
آتَيْتُمُوهُنَّ)
هو منسوخ ، وكان الرجل إذا تزوج امرأة فاتت بفاحشة كان له أن
يأخذ ما أعطاها ، وقال الأكثر : هي محكمة ، وأنها إذا أتت بفاحشة كان له
أن يأخذ منها بالخلع وقيل إذا نشزت عنه جاز له أن يأخذ منها بالخلع.
وقال قوم : الفاحشة : الزنا ، وقيل : النشوز ، وقيل : فاحشة اللسان.
والصحيح أنْ لا نسخ.
وقالوا في أول الآية في قوله عزَّ وجلَّ : (لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا
النِّسَاءَ كَرْهًا)
(1/370)
هو ناسخ لما كانوا عليه في
الجاهلية ، إذا توفي الرجل كان ابنه
أولى بامرأته ، يمنعها من التزويج حتى تموت ، فيرثها.
وقال ابن عباس : كان حميم الميت يلقي ثوبه على المرأة ، فإن شاء
تزوجها بذلك ، وإن شاء حبسها حتى تموت ، فيرثها.
قال غيره : فنسخ ذلك بهذه الآية ، وقد بئنا فيما تقدم أن هذا وشبهه
ليس بنسخ.
الحادي عشر : قوله عز وجل : (وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ
النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ)
قال قوم : هي منسوخة ، والمعنى ولا ما قد سلف ، فأنزلوا عنه ، وقال قوم : محكمة ،
والمعنى إلا ما قد سلف ، فقد عفوت عنه.
وأما من قال : هي منسوخة ، والمعنى ولا ما قد سلف ، فلا
يخلو أن يريد ولا ما قد سلف من نكاح حلائل الآباء ، فأنزلوا عنه ، فإن أراد
هذا فكيف تكون منسوخة ؟
بل هي أولى بأن تكون محكمة ، وإن أراد بقوله : ولا ما قد سلف من الأنكحة الفاسدة
التي كانت في الجاهلية ، فأقرَّهم الإسلام عليها إذا أسلموا ، فاقتضت الآية نزولهم
عن النساء ، ثم نسخت ، فليس كذلك ، وليس في العربية (إِلَّا) بمعنى
"ولا" ، والآية محكمة ، والاستثناء منقطع.
والمعنى : لكن ما قد سلف ، فإنَّه مغفور.
وقيل : لكن ما قد سلف إنه كان فاحشة.
وقال الطبري : المعنى : ولا تنكحوا من النساء نكاح آبائكم (فما) بمعنى المصدر ،
والاستثناء منقطع كما سبق.
وقال الزمخشري في هذا الاستثناء : هو مثل قوله :
(1/371)
. . . .. غَيْرَ أَن
سُيُوْفَهُم
حيث استثنى من قوله : (ولاعيب فيهم ".
قال : يعني إن أمكنكم أن تنكحوا ما قد سلف فانكحوه ، فلا يحل
لكم غيره ، وذلك غير ممكن ، والغرض المبالغة في تحريمه ، وسد الطريق
إلى إباحته كما تعلق بالمحال في التأبيد في قولهم : حتى يَبْيَضَّ القَار".
و (حَتى يَلِجَ الْجَمَلُ فِيْ سَمِّ الْخِيَاطِ).
وقال في قوله عز وجل : (وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ
سَلَفَ)
ولكن ما مضى مغفور بدليل قوله : (إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا (23).
الثاني عشر : قوله عز وجل : (وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا
قَدْ سَلَفَ)
قالوا : المعنى : ولا ما قد سلف كما تقدم في التي قبلها.
والكلام على ما قالوه كما سبق.
الثالث عشر : قوله عز وجل : (فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ
أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً)
(1/372)
قالوا : هي في المتعة ، وقد
نسخت ، واختلفوا في ناسخها.
فقيل : هو قوله عز وجل : (وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ - فَلَهُن
الثمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ).
وعن الشافعي ، رضي الله عنه ، موضع تحريم المتعة قوله عزَّ وجلَّ :
(إلا عَلَى أزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أيمَانُهُمْ) - إلى قوله - (فَأُوَلئِكَ
هُمُ
الْعَادُونَ) ، قال : وقد أجمعوا على أنها ليست زوجة ، ولا
ملك اليمين ، وكذلك قالت عائشة ، رضي الله عنها ، كما الشافعى ، رضي
الله عنه ، قال : كانت المتعة أن يتزوج الرجل المرأة إلى أجل معلوم.
ويشترط أن لا طلاق بينهما ، ولا ميراث ، ولا عدة ، قالت : فحرَّمها الله
تعالى بقوله : (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُوْنَ).
وقال ابن المسيب : نسخت المتعة آية المواريث.
والظاهر قول من قال من العلماء : ليس قوله : (فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ
مِنْهُنَّ)
في المتعة ، وإنما ذلك في الزوجات ، وفي إيتاء الصداق ، فتكون
الآية محكمة.
الرابع عشر : قوله عز وجل : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا
أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ
تَرَاضٍ مِنْكُمْ)
قالوا : نسخها قوله عز وجل : (لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى
الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ)
قالوا : لأنهم لَمَّا نزلت : (لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ
بِالْبَاطِلِ)
اجتنبوا الأكل مع الأعمى ؛ لأنه لا يبصر.
فيختار لنفسه ما يريد ، والأعرج لا يتمكن في جلوسه ، والمريض يسبقه
الصحيح في الأكل ، والابتلاع ، فنسخت آية النور تحرُّجَهم.
قال ذلك الحسن وعكرمة.
والجمهور على أنها محكمة والمراد بالباطل : الغصب
(1/373)
والسرقة والبَخْسُ والربا
والقمار ونحو ذلك ، والقول بأنها منسوخة يؤدي
إلى إباحة أكلها بالباطل مع الأعمى والأعرج والمريض ، وإنما فعلوا ذلك
تورعاً ، وليس هذا أكل مال بالباطل ، ولا يقع مشاحَّة بين الناس في مثل
هذا. ، كما لا يتشاحون في أخذ هذا لقمة كبيرة ، وهذا لقمة صغيرة ، وقد
قال الزهري : نزلت آية النور في الثلاثة ؛ لأن الغزاة كانوا يخلفونهم في
بيوتهم يحرسونها إلى أن يعودوا ، - فأبيح لهم أن يأكلوا منها.
وقال ابن زيد : نزلت فيهم في رفع الحرج عنهم في الجهاد.
الخامس عشر قوله عز وجل : (وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ
نَصِيبَهُمْ)
قيل : هي منسوخة ، ومعنى المعاقدة عند من قال إنها :
منسوخة مختلف فيه فقيل : كانوا يتوارثون بالأخوَّة التي آخى بينهم رسول
الله - صلى الله عليه وسلم - أي : بين المهاجرين والأنصار ، ثم نسخ ذلك "
بقوله عز وجل : (وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ
وَالْأَقْرَبُونَ)
فهذه ، على قولهم ، آية نَسَخ أولها آخرها ، وقيل : بل كانوا يتعاقدون ويتحالفون
أنَّ من مات قبل صاحبه ورثه الآخر ، فنزلت هذه الآية تأمر بالوفاء بذلك ، ثم نسخت
بآية المواريث ، وبقوله عزَّ وجلَّ في آخر الأنفال : (وَأُولُو الْأَرْحَامِ
بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ).
وقيل : كان المهاجرون لمّا قدموا المدينة يورّثون الأنصار دون ذوي
أرحامهم لما بينهم من المودة ، فأنزل الله تعالى تقرير ذلك بقوله عز وجل :
(فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ) ثم نسخ ذلك بآية المواريث ، وبآخر
(1/374)
الأنفال ، وهذه الأقوال كلها
مروية عن ابن عباس ، واختلاف الرواية عن
شخص واحد دليل الضعف.
وقيل : هي محكمة ، وهو الصحيح إن شاء الله ، والمعنى : وفُّوا لهم
بما عاقدت أيمانكم من النصر والمعونة والرفد.
السادس عشر ، قوله عز وجل : (لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى
حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ)
قالوا : مفهوم خطاب هذه الآية جواز السكر ، وإنما حرم قربان
الصلاة في تلك الحال ، فنسخ ما فهم من جواز الشرب ، والسكر بتحريم
الخمر.
وروى أبو ميسرة عن عمر رضي الله عنه :
"أن منادي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لَمَّا نزلت كان ينادي عند
الإقامة : لا يقربن الصلاة سكران ".
وأعجب من هذا قول عكرمة : (لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى)
منسوخ بقوله عز وجل : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى
الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا)
.. الآية ، أي أنه أبيح لهم أن يؤخروا الصلاة حتى يزول السكر ، ثم نسخ ذلك ،
فأمروا بالصلاة على كل حال ، ثم نسخ
شرب الخمر بقوله عز وجل : (فَاجْتَنِبُوْهُ)
وبقوله سبحانه : (فَهْل أَنْتُمْ مُنْتَهُوْنَ)
وليس في هذا كله نسخ ، ولم ينزل الله تعالى هذه الآية في إباحة الخمر ، فتكون
منسوخة ، ولا أباح بعد إنزالها مجامعة
الصلاة مع السكر ، والآية محكمة على هذا ، لا على قول من قال : أراد
بالسكر سكر النوم ، وهو قول الضحاك وابن زيد.
(1/375)
السابع عشر قوله تعالى :
(وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مَنْكُمْ طَوْلًا.. ) الآية.
قيل : هي منسوخة بقوله عز وجل : (ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ)
فذلك نسخ بتلك الإباحة العامة ، وهو ظاهر
الفساد ، وإنما الإباحة المتقدمة لمن لم يجد الطول ، وخشي العنت.
الثامن عشر قوله عز وجل : (فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ)
قال قوم : هذا ناسخ لقوله عز وجل : (فَاجْلِدُوْا كُل وَاْحِدٍ مِنْهُمَاْ
مِائَةَ جَلْدَةٍ)
ولم يفرق بين الإماء وغيرهن ، وليس كما ذكروا.
ولم تكن الأمة داخلة في قوله عز وجل : (فَاجْلِدُوْا كُل وَاْحِدٍ مِنْهُمَاْ
مِائَةَ
جَلْدَةٍ) ، وإنما ذلك في الحرة بإجماع ، ولا كان حد الأمة قط أكثر من
خمسين محصنة أو غير محصنة.
التاسعٍ عشر قوله عز وجل : (فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي
أَنْفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا (63)
قالوا : هذا تقديم وتأخير ، وإنما المعنى : فعظهم ، وأعرض عنهم ، ثم نسخ الوعظ
والإعراض بآية السيف ، وليس كذلك ؛ لأن آية السيف في قتال المشركين ، وهذه الآية
في أهل النفاق.
وليس فيها تقديم ولا تأخير ، ومعنى (فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ) : دعهم ، ولا تعاقبهم.
واقتصر على وعظهم ، والقول البليغ هو التخويف.
الموضع الموفي عشرين قوله عز وجل : (وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ
جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا
اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا (64)
قالوا : نسخ بقوله عز وجل : (اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ)
(1/376)
وليس كذلك ، فإن آية النساء
في قصة مخصوصة ، لو
تابوا واستغفروا الله ، واستغفر لهم الرسول لغُفِرَ لهم ، وآية براءة في
المنافقين الذين استغفر لهم النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وهم مصرُّون على
النفاق ، ومعلوم أن المنافق والكافر إذا تاب ، واستغفر غُفِر له.
الحادي والعشرون قوله عز وجل : (فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعًا (71)
قالوا : هو منسوخ بقوله عز وجل : (وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا
كَافَّةً)
وما أحسب هؤلاء فهموا كلام الله عز وجل
أما قوله عز وجل : (خُذُوا حِذْرَكُمْ) فمعناه : احذروا عدوكم ، ولا
تغفلوا عنه ، فيتمكن منكم ، وانفروا إليه ثبات أي : جماعات سرية بعد
أخرى ، أو انفرٍ وا عسكراً واحداً.
وأما قوله عز وجل : (وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً . . . )
الآية فاختلف فيه ، فقيل : نزل في قوم بعثهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
يعلمون الناس الإسلام ، فرجعوا إليه - صلى الله عليه وسلم - لما نزل قوله عز
وجل : (مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ أَنْ
يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ)
خشية أن يكونوا داخلينَ فيمن تخلَّف عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فأنزل
الله عز وجل : (وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً . . . )
وهذا قول مجاهد : فهلَّا نفر من كل فرقة طائفة ليتفقهوا في الدين إذا
رجع بعض المعلمين إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبقي بعض ، فإذا نفروا
كلهم لم يبق من يعلّم ، فإذا رجع الذين تعلموا من أهل البوادي إلى قومهم أخبروهم
بما تعلموا لعلهم يحذرون مخالفه أمر الله تعالى ، فليس هذا بناسخ لقوله عز وجل :
(فَانْفِرُوْا ثُبَاتٍ أوِ انْفِرُوْا جَمِيعاً) ؛ لأن المعنى : إذا
(1/377)
نفرتم إلى العدو فعلى إحدى الحالتين
، إما مجتمعين ، أو سرايا متفرقين.
ولم يرد بقوله : (جميعاًً) لا يبقى منكم أحد.
وقال ابن عباس ، وقتادة : المعنى : ما كان المؤمنون إذا غزوا ، وليس
معهم النبي - صلى الله عليه وسلم - لينفروا كلهم ، ويتركوه لا يبقى منهم أحد عنده
، فإذا بقي بعد النافرين قوم ، ونزل قرآن تعلموه ، فإذا رجع النافرون أخبرهم
القاعدون بما نزل ، ثم ينفر القاعدون ، ويمكث الأولون عند النبي - صلى الله عليه
وسلم -.
وهذا المعنى أيضاً لا يعارض آية النساء ، فتكون هذه الآية ناسخة لها.
وروي عن ابن عباس أيضاً أنها نزلت في غير هذا المعنى ، وإنما
أقبلت قبائل مضر إلى المدينة من أجل الجدب الذي أصابهم بدعوة
النبي - صلى الله عليه وسلم - ، تأتي القبيلة بأسرها تزعم أن الإسلام أقدمها ،
وإنما أقدمها الضرُّ ، فاعلم الله تعالى النبي - صلى الله عليه وسلم - بأنهم
كاذبون.
ولو كان ذلك غرضهم لاكتفوا بإرسال بعضهم إلى المدينة ليتفقهوا ، ولينذروهم إذا
انقلبوا إليهم.
واختلاف الرواية دليل الضعف ، والمخبر عنه واحد ، والقصة واحدة ، ومع
ذلك فلا تعارض بين الآيتين ، ولا نسخ.
وقال عكرمة : إنما أنزلت في تكذيب المنافقين ؛ لأنهم لما نزل قوله
عز وجل : (مَا كَانَ لأِهْلِ الْمَديِنَةِ.. ) الآية
قال المنافقون لمن تخلف عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعذر من المؤمنين :
هلكتمِ بتخلفكم عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فأنزل الله تعالى : (وَمَا
كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً)
وهذا تأويل بعيد من سياق الآية ، ومع ذلك فلا نسخ.
وقال الحسن البصري : هي في الجهاد ، والمعنى : لتتفقه الطائفة
(1/378)
النافرة بما تراه من نصرة
وتُخْبِر إذا رجعت بما رأته من ذلك قومها
المشركين ، وتحذرهم أخذ الله تعالى وبأسه.
وروي أنها نزلت في أعراب قدموا المدينة ، فاغلوا الأسعار ، وملؤوا
الطرق بالأقذار.
الثاني والعشرون قوله عز وجل : (وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ
حَفِيظًا (80).
قالوا : نسخ بآية السيف ، وهذا كقوله عز وجل : (فإنما عليك البلاغ)
قد تقدم القول فيه.
الثالث والعشرون قوله عزّ وجل : (فَأعْرِضْ عَنْهُمْ)
قالوا : هو منسوخ بآية السيف ، وإنما هو كالذي قبله ليس بمنسوخ ، وإنما نزل في
المنافقين.
فإن قلت : أفلا يكون منسوخاً بقوله عز وجل : (جَاهِدِ الْكفارَ
وَالْمُنَافِقِينَ وَاغلُظْ عَلَيْهِمْ) ؟
قلت : قال ابن عباس : أمر بجهاد المنافقين باللسان ، والكفار بالسيف.
وقال الضحاك : جاهد الكفار بالسيف ، واغلظ على المنافقين بالكلام.
وقال الحسن وقتادة : واغلظ على المنافقين بإقامة الحدود عليهم.
وقيل : بإقامة الحجة عليهم.
فإن قلت : فكيف يكون قوله عز وجل في النساء : (فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ)
منسوخاً بهذه الآية ؟
قلت : آية النساء في قوم منهم بأعيانهم.
وقد قيل في معنى قوله : (فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ) : لا تخبر بأسمائهم .
(1/379)
الرابع والعشرون قوله عز وجل
: (فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ وَحَرِّضِ
الْمُؤْمِنِينَ).
قالوا : نسخ بآية السيف ، وليس كما قالوا ؛ لأن هذه الآية إنما نزلت بعد الأمر
بالقتال ، ولكن لمَّا ثبّطوا عن القتال على ما ذكر في الآيات قبلها ، وبيتوا غير
ما قالوا من إظهار الطاعة.
قال له الله عز وجل : (فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) ولا تعتمد على نصرهم ، فإن
تخلفوا عنك ، ولم يخرجوا معك ، فما كلفت غير نفسك وحدها
(وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ) ، أي : وما يلزمك في أمرهم إلَّا تحريض.
وفي هذا تحريك لَهُمْ وإلهاب.
وقيل : دعاهم إلى الخروج في بدر الصغرى ، فكرهوا الخروج.
فخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ولم يلوِ على أحد ، فلم يتبعه إلَّا
سبعون ، ولو لم يتبعه أحد لخرج وحده ، وكان أبو سفيان واعده اللقاء ، فكان الأمر
كما قال الله عز وجل : (يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا)
ورجع أبو سفيان ؛ لأنه لم يكن مع أصحابه زاد إلَّا السويق ، فقال لهم : هذا عام
مجدب ، ولم يقدم على لقاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
الخامس والعشرون قوله عز وجل : (إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَى قَوْمٍ
بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ).
قالوا : قال الله عز وجل : (فَإِنْ تَوَلَّوْا فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ
وَجَدْتُمُوهُمْ) ثم استثننى من ذلك أهل الميثاق ، ومن اتصل بهم وانحاز إلى جملتهم
، ثم نسخ - ذلك بقوله عز وجل في براءة (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ
وَجَدْتُمُوهُمْ).
قال قتادة : نبذ إلى كل ذي عهد عهده ، ثم أمر بالقتال ، والقتل حتى
يقولوا : لا إله إلا الله ، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد عاهد كفار
مكة عام الحديبية عهداً بقي من مدته عند نزول براءة أربعة أشهر ، فأمر الله عز وجل
نبيه - صلى الله عليه وسلم - أن يوفي بعهدهم إلى مدتهم ، وأن يؤخر قتال من لا عهد
له إلى انسلاخ
(1/380)
محرم ، ثم يقاتل الجميع حتى
يدخلوا في الإسلام ولا يقبل منهم سوى
ذلك ، هذا كله قول قتادة.
وقال السدي : كان آخر عهد الجميع تمام أربعة أشهر ذلك لعشر
خلون من ربيع الآخر ، وهذا كله كان في موسم سنة تسع.
وقال السدي : أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بإتمام أربعة أشهر لمن كان بينه
وبينه عهد أربعة أشهر فما دون ذلك ، وأما من كان عهده أكثر من أربعة أشهر فهو الذي
أمر - النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يتم له عهده في قوله عزَّ وجلَّ :
(فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ).
فمن نقض منهم العهد دخل فيمن أخر إلى تمام أربعة أشهر وهذا اختيار الطبري ، وهو
قول الضحاك.
فعلى هذا لا يكون قوله : (إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ
وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ).
منسنوخًاً ؛ لأنه قد جعل له حكم المعاهدين ، وأدخل في جملتهم ، وقد أخر
قتالهم إلى انقضاء مدتهم.
وروي أن عليًاً عليه السلام كان بقول في ندائه : من كان بينه وبين
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عهد فعهده إلى مدته !
ويدل عليه قوله عزَّ وجلَّ : (إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ
الْحَرَامِ فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ).
(1/381)
فأمر الله لمن استقام على
عهده ، ولم ينقضه بأن يتمَّ له عهده.
وأن يؤخر من نقض عهده وظاهر على النبي - صلى الله عليه وسلم - أربعة أشهر ، قال
الله عز وجل : (فَسِيْحُوْا فِي الأرْضِ أرْبَعَةَ أشْهُرٍ).
ففسح لمن كان له عهد ، ونقض قبل انتهائه ، ومن له أربعة أشهر فما دون أن يتصرفوا
في الأرض مقبلين ومدبرين ، ثم لا أمان لهم بعد ذلك.
قال مجاهد : أولها من يوم النحر إلى عشر من ربيع الآخر.
وقال الزهري : أولها من شوَال ، وآخرها آخر محرم ، وتسمى أشهر السماحة
أيضاً ؛ لأنه سمح لهم فيها بالتصرف.
وقال ابن عباس : من لم يكن له عهد فإنما جعل أجله خمسين
ليلة ، عشرين من ذي الحجة والمحرم يدل على ذلك قوله عزَّ وجلَّ :
(فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ)
وكان النداء بسورة براءة يوم عرفة ، وبه يتم خمسون ليلة ، وقيل : يوم النحر ،
ونزلت براءة أول شوال ، ومن ذلك اليوم أجَل أربعة أشهر لأهل العهد.
وقال الزهري : من أول شوال هو أول الأربعة أشهر وهو
للجميع ، فمن كان له عهد كان أجله أربعة أشهر من ذلك الوقت ، ومن لم
يكن له عهد انسلاخ الأشهر الحرم فذلك أربعة أشهرْ أيضاً.
السادس والعشرون قوله عز وجل : (أَوْ جَاءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ) الآية ،
قيل : معناه : ولا الذين جاؤوكم قد ضاقت صدورهم عن قتالكم ، وعن قتال قومهم.
قال الحسن ، وعكرمة ،
(1/382)
وابن زيد : هو منسوخ بالجهاد.
وأقول ، والله أعلم : إن هؤلاء الذين حصرت صدورهم عن القتال هم الذين ذكروا في
قوله عزَّ وجلَّ : (إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ
وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ) ذكر لهم حالتان : الاتصال بالمعاهدين ، أو المجيء إلى
النبى - صلى الله عليه وسلم -.
والتقدير : إلا الذين حصرت صدورهم فاتصلوا بقومٍ بينكم وبينهم ميثاق أو جاؤوكم ،
يدل على ذلك قراءة أبيٍّ : (بينَكُم وَبَينهُمْ مِيْثَاْق حَصِرَتْ صُدُوْرُهُمْ)
، وليس في قراءته (أو جاءوكم).
وقوله عزَّ وجلَّ : (فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا
الْمُشْرِكِينَ)
إنما أراد كفار مكة ومن معهم ، يدل على ذلك قوله عز وجل : (أَلَا تُقَاتِلُونَ
قَوْمًا نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ) ؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم -
عام الحديبية حين قاضى المشركين أدخل معه بني كعب بن خزاعة في
القضية ، وأدخل المشركون معهم بني بكر بن كنانة في القضية ، فنقض
المشركون أيمانهم ، وأغاروا مع بني بكر بن كنانة على بني كعب بن خزاعة
قبل انقضاء مدة العهد ، فغضب النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وقال : لأنتصرن لهم ،
فنصره الله عز وجل بفتح مكة ، وشفى صدور بني خزاعة ، وأذهب غيظ قلوبهم ، وهم القوم
المؤمنون ، وحلفاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فتأمل هذا ، فإنه لا يعارض
ما في سورة النساء إلَّا أن يكون الذين حصرت صدورهم ممن نقض العهد ، ونكث اليمين ،
وأعان على خزاعة.
والجرأة على الناسخ والمنسوخ خطر عظيم.
ولا يعارض ما في سورة النساء أيضاً قوله عز وجل : (وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ
كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً).
(1/383)
السابع والعشرون قوله عز وجل
(سَتَجِدُونَ آخَرِينَ) الآية.
قالوا : نسخها آية السيف.
الثامن والعشرون قوله عز وجل : (إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ
وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ)
ذهب قوم إفي أنها منسوخة بقوله عز وجل : (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا
فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا)
ورووا عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أنه قال في قوله عز وجل في
سورة الفرقان : (وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا
بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68)
يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا (69)
إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ . . . ).
إن هذا لأهل الشرك إذا أسلموا ، ولا توبة للقاتل متعمداً.
وروي أن رجلاً سأل أبا هريرة ، وابن عمر ، وابن عباس عن قتل
العمد ، فكلهم قال : هل يستطيع أن يحييه ؟!.
والصحيح أن هذا ليس من الناسخ والمنسوخ في شيء ؛ لأن هذا إخبار من الله عز وجل ،
وإخبار الله تعالى صدق لا يدخله نسخ.
وآية الفرقان وآية النساء محكمات ، وقد قال الله - عز وجل - في
سورة النساء (إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ
ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ)
(1/384)
ثم قال عز وجل : (وَمَنْ
يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا) ، ثم
قال بعد ذلك أيضاً : (إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ
مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ).
فإن قيل : إنْ قلت : إن هذه أخبار ، والنسخ لا يدخل الأخبار.
فما تقول في تعارضها ؟
قلت : قوله عز وجل : (فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا)
قد روى ابن سيرين عن أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال في الآية :
"هو جزاؤه إن جازاه ".
وقال الطبري : جزاء القاتل جَهَنم حقاً ، ولكن الله تعالى يغفر.
ويتفضل على من آمن بالله وبرسوله فلا يجازيهم بالخلود فيها ، فإما أن
يغفر فلا يدخلهم ، وإما أن يدخلهم ، ثم يخرجهم بفضل رحمته ، وهذا خبر
عام ولا يجوز نسخه.
وكذلك روي عن إبراهيم التيمي ، ومجاهد.
وقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كاف.
وإنما أذكر هؤلاء لأن ذكرهم كالشهادة لصحة الحديث.
فإن قيل : فما تقول فيما تقدم ذكره عن ابن عباس ؟
قلت : قد روى عاصم بن أبي النجود ، عن ابن جبير ، عن ابن عباس ، رضي الله عنهما ،
أنه قال : هو جزاؤه إن جازاه..
(1/385)
وروي عن أبي طلحة ، عن ابن
عباس في قوله عز وجل : (وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ
يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا (110).
قال : فلو كانت ذنوبه أعظم من السموات ، والأرض ، والجبال
لجاز أن يغفرها الله تعالى.
قال ابن عباس : وقد دعا الله عز وجل إلى مغفرته من قال : (عزيرٌ
ابن الله) ، ومن زعم (أن الله فقير ، ومن زعم أن (يد الله مغلولة) ، ومن
زعم أن (الله ثالث ثلاثة) ، فقال الله عز وجل : (أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ
وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (74).
قال ابن عباس : وقد دعا الله عز وجل إلى التوبة من هو أعظم جرماً من هؤلاء ، من
قال : (أنا ربكم الأعلى) ، (مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي).
قال : ومن أيأس العباد من التوبة فقد جحد كتاب الله ، ومن تاب إلى الله تاب الله
عليه ، قال : وكما لا ينفع مع الشرك حسنات ، كذلك نرجو أن يغفر الله ذنوب
الموحدين.
قال ابن عباس : مع قول النبيّ - صلى الله عليه وسلم - :
"لو وضعت لا إله إلا الله في كفّة ووضعت السماوات والأرض وما بينهن وما فيهن
في كفّة لرجحت لا إله إلا اللّه "
وهذا هوالصحيح عن ابن عبّاس إن شاء الله ، إذ أجمع المسلمون
على صحة توبة قاتل العمد.
وكيف لا تصح توبته ؟ وتصحّ توبة
(1/386)
الكافر ، وتوبة من ارتد عن
الإسلام ، ثم قتل المؤمنين متعمداً ، ثم رجع
إلى الإسلام ؟.
قال عبد الله بن عمر ، رضي الله عنه : كنا ، معشر أصحاب
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، لا نشك في قاتل المؤمن ، وآكل مال اليتيم ،
وشاهد الزور ، وقاطع الرحم ، يعني لا نشك في الشهادة لهم بالنار ، حتى نزلت (إِنَّ
اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ
يَشَاءُ) فأمسكنا عن الشهادة لهم.
فإن قيل : فما تقول في قولهم : هل يستطيع أن يحييه ؟
قلت : ذلك على وجه تعظيم أمر القتل والزجر ، أو يكون ذلك قبل أن تنزلاً (إِنَّ
اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ) على قول ابن عمر ، ومن زعم أن القاتل
عمداً لا توبة له ، جعل الغفران لما دون الشرك في آية الفرقان منسوخاً.
قالوا : ونزلت آية الفرقان ، فيما روى زيد بن ثابت ، قبل آية النساء بستة
أشهر ، وقد قدمت أن النسخ لا يدخل الأخبار ، فلا نسخ في جميع هذه
الآية ، وكلها محكمة.
التاسع والعشرون قوله عز وجل : (وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ
عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ
يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا)
زعم قوم أنها منسوخة بما جاءت به السنة من جواز قصر الصلاة
في السفر من غير تقييد بالخوف ، وهذا غير صحيح ، وصلاة الخوف باقية
لم تنسخ ، والقصر في السفر غير صلاة الخوف.
الثلاثون قوله عز وجل : (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ
النَّارِ).
(1/387)
زعموا أنه منسوخ بقوله عز وجل
ة (إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا)
فما أدري أي الأمرين أعجب ؟
إدخال النسخ في الأخبار ، أو جعل الاستثناء نسخاً ؟.
فهذه ثلاثون موضعاً لا ترى فيها لا ناسخاً ومنسوخاً متيقناً.
* * *
سورة المائدة :
هي من آخر ما نزل من القرآن ، وهي في الإنزال بعد براءة عند
أكثر العلماء.
وقال آخرون : براءة بعدها.
وذهب جماعة إلى أن المائدة ليس فيها منسوخ ؛ لأنها متأخرة النزول.
وقال آخرون : فيها من المنسوخ عشرة مواضع :
الأول قوله عز وجل : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ
اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلَائِدَ وَلَا
آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْوَانًا)
قال الشعبي ، وغيره : ولم ينسخ من المائدة غير هذه الخمسة ، نسخها الأمر بقتال
المشركين ، وقال ابن زيد : هذا كله منسوخ بالأمر بقتالهم كافة.
وقال ابن عباس ، وقتادة : (وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ) يعني منع المشركين
من الحج ، ثم نسخ ذلك بالقتل.
والشعائر جمع شعيرة ، وشعيرة بمعنى مشعرة ، أى : معلمة .
(1/388)
واختلف فيها ، فقيل : حدوده
التي جعلها أعلاماً لطاعته في الحج.
قال ابن عباس : هي مناسك الحج ، نهاهم أن يحلوا ما منع المحرِم من إصابته ..
وقال زيد ابن أسلم : هي ست : الصفا والمروة ، والبدن
والجمار ، والمشعر الحرام ، وعرفة ، والركن.
قال : والحرمات خمس : البلد الحرام ، والكعبة البيت الحرام ، والشهر الحرام ،
والمسجد الحرام ، والمحرم حتى يحل.
وقال الكلبى : كانت عامة العرب لا يعدون الصفا والمروة من
الشعائر ، ولا يقفون إذا حجوا عليهما ، وكانت الحُمس لا يعدون عرفات
من الشعائر ، ولا يقفون بها في الحج ، فنهى الله تعالى المؤمنين عن
ذلك.
وقال السي : شعائر الله حرمه ، وقيل : هي العلامات بين الحل
والحرم ، نفوْا أن يجاوزوها غير محرمين.
وقال عطاء : شعائر الله حرماته نهاهم عن ارتكاب سخطه ، وأمرهم
باتباع طاعته.
وقيل : الشعائر الهدايا ، وقيل : الإشعار أن تجلل ، وتقلد ،
(1/389)
ويطعن في سنامها ، فيعلم بذلك
أنها هدي.
والشهر الحرام : قيل : هو القعدة ، وقيل : هو رجب كانت مضر تحرم فيه القتال ،
فأمروا بأن يحرموه ، ولا يقاتلوا فيه عدوهم ، وقيل : كانوا يحلونه مرة ، ويحرمونه
أخرى ، فنهوا عن إحلاله.
والهدي : ما أهداه المسلمون إلى البيت من بعير ، أو بقرة ، أو
شاة ، حرم الله عز وجل أن يمنع أن يبلغ محله.
والقلائد : قيل : هي الهدايا المتقلدات ، نَهَى عن الهدي غير المقلد.
وعن المقلد ، وقيل : هي ما كان المشركون يتقلدون فيه ، كان أحدهم
إذا خرج من بيته يريد الحج تقلد من السَمُرِ ، فلا يعرض له أحد ، وإذا
انصرف تقفد من الشعر قلادة فلا يعرض له أيضاً.
وقيل : إنما نهى الله عز وجل أن ينزع شجر الحرم فيتقلد به على
عادة الجاهلية.
وقيل : كان الرجل إذا خرج من أهله حاجاً ، أو معتمراً.
وليس معه هدي جعل في عنقه قلادة من شعر ، أو وبر ، فأمن بها إلى
مكة ، وإذا قفل من مكة علق في عنقه من لحاة شجر مكة فيأمن بها حتى
يصل إلى أهله.
وقوله عز وجل : (وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ)
قيل : نهوا أن
(1/390)
يعرضوا لمن أمَّ البيت الحرام
من المشركين.
واختلف في سبب نزولها.
فقيل : نزلت في الحطم البكري . قال ابن جريج : قدم على النبي - صلى الله عليه وسلم
- فقال : إني داعية قومي وسيدهم فاعرض عليَّ أمرك ، فقال النبي - صلى الله عليه
وسلم - :
"أدعوك إلى الله أن تعبده ، ولا تشرك به شيئاً ، وأن تقيم الصلاة ، وتؤتي
الزكاة ، وتصوم رمضان ، وتحج البيت.
فقال الحطم : في أمرك غلظة.
أرجع إلى قومي ، فأذكر لهم ما ذكرت ، فإن أقبلوا ، أقبلت معهم ، وإن أدبروا كنت
معهم ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - :
"لقد دخل بوجه كافر ، وخرج بعقبى غادر ، وما الرجل بمسلم".
فمرَّ على سرح للمسلمين ، فانطلق به ، وطلب ، فلم
يدرك ، ثم إنه خرج إلى الحج بتجارة عظيمة ، فأراد أصحاب رسول الله - صلى الله عليه
وسلم - أن يعرضوا له ، ويأخذوا ما معه ، فأنزل الله عز وجل : (يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ . . . ) الآية.
ولَما استاق السَّرْح ؟ قال :
قد لفها اللْيلُ بِسَواقٍ حُطَمْ
ليس بِراعِي إِبِل وَلا غَنَمْ
ولا بجزَّارٍ على ظَهْرِ وَضَمِْ
باتوا نياماً وابنُ هنْدٍ لم يَنمْ
باتَ يُقَاسِيْها غلامٌ كالزُّلَم
خَدَلجُ الساقَيْنِ خَفَّاقُ القَدَمْ
(1/391)
وهذا القول يبطل قوله عز وجل
: (يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْوَانًا).
وقال ابن زيد : جاء ناس من المشركين يوم الفتح يقصدون البيت.
فقال المسلمون : نغير عليهم ، فقال الله عز وجل في ذلك :
(وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ) نسخها آية القتل في براءة.
وقد تقدم أنها نزلت بعد براءة عند أكثر العلماء ، وهذا مانع من أن تكون براءة
ناسخة لها ، ومن قال : ليس فيها منسوخ قال : أما الشعائر فحدود الله عز وجل.
وأما الشهر الحرام فذو القعدة لا يحله المحرم فيتعدى فيه إلى ما أمر
باجتنابه .
(1/392)
وأما الهدي : فظاهر.
وأما القلائد : فالنهي عن نزع شجر الحرم ليتقلد به ، أو عن الهدي
المقلد ، والتقدير على حذف مضاف أي ولا ذي القلائد.
ولا آمين البيت الحرام ، قيل : انها للمسلمين ؛ لأن المشركين لا
يبتغون رضوان الله فنهِيَ المسلمون عنهم لأجل ذلك ، يجوز أن يكون
آمين حالًا من المخاطبين أي : لا تحلوا شعائر الله آمين البيت الحرام ، أي
لا تحلوها قاعدين عن الحج ، ولا آمين البيت الحرام.
وقوله : (يبتغون فضلاً) على الالتفات ، كقوله عزَّ وجلَّ : (وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ
ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ
الرَّسُولُ).
الثاني قوله عزَّ وجلَّ : (وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ
عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا).
قال ابن زيد : نسخ بالأمر بالقتل والجهاد ، والأكثر على أنها
محكمة ، وإنما نزلت ناهية عن المطالبة بدخول الجاهلية لصدهم إياهم
عام الحديبية.
وقد لعن النبي - صلى الله عليه وسلم - من قتلَ بذحل في الجاهلية.
وهذا أولى ، وأحسن عند الأكثر.
الثالث قوله عز وجل : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ)
(1/393)
قال قوم : هي منسوخة ؛ لأنها
تقتضي إيجاب الوضوء
على من قام إلى الصلاة ، وإن لم يكن محدثاً.
وقال عكرمة ، وابن سيرين : بإيجاب ذلك على كل قائم إلى الصلاة ، وإن لم يكن
محدثاً.
وإنما معنى الآية : إذا قمتم إِلى الصلاة محدثين.
يدل على ذلك قوله عز وجلّ (وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا.. ) الآية.
فالآية محكمة عند العلماء ، ومعناها على ما ذكرته.
الرابع قوله عز وجل : (وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى
الْكَعْبَيْنِ)
قال قوم : هو منسوخ بوجوب غسل الرجلين.
قال الشعبي : نزل القرآن بمسح الرجلين ، وجاءت السنة بالغسل.
والصحيح أنها محكمة.
قال أبو زيد : المسح خفيف الغسل ، وأريد ترك الإسراف ؛ لأن
غسل الرجلين مظنة ذلك.
وقال أبو عبيد في قوله عز وجل : (فطفق مسحاً).
المسح ها هنا : الضرب ، كذلك المسح ها هنا الغسل ، وقيل : المسح :
التطهير ، يقال : تمسَّحت للصلاة ، كما يقال : تطهرت لها ، وقيل : قراءة
الخفض معناها مسح الخفين ، وقراءة النصب لغسل الرجلين ، والصحيح
أنها محكمة.
الخامس قوله عز وجل : (فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَح)
قال قتادة : نسخها قوله عز وجل : (قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ
وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ)
(1/394)
وقال ابن عباس : نسخها قوله
عز وجل :
(فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتمُوْهُم)
وقيل : بقوله عز وجل : (وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً)
والصحيح أنها محكمة ، لا سيما على قول من قال : إن المائدة بعد براءة ، وإنما نزلت
في قوم من اليهود أرادوا الغدر بالنبي - صلى الله عليه وسلم - فحماه الله عز وجل ،
وأمره بالعفو ، والصفح ما داموا في الذمة ، والسياق يدل على ذلك.
السادس قوله عز وجل : (إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ
وَرَسُولَهُ)
قالوا : هو منسوخ بقوله (إلا الَّذِينَ تابُوْا)
وهذا ظاهر الفساد ، وقد تقدم له نظائر.
السابع قوله عز وجل : (فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ
عَنْهُمْ وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ)
قالوا : نسخ هذا التخيير بقوله : (وَأنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أنْزَلَ اللَّهُ)
فأوجب عليه الحكم بينهم ، ونسخ التخيير.
وقيل : هي محكمة ، وهو الصحيح.
أما المعنى : إن أردت الحكم فاحكم بينهم بما أنزل الله ، وهو معطوف على قوله :
(وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ).
وقال ابن عباس ، ومجاهد ، وقتادة ، وعطاء الخراسانى ، وعمر بن عبد العزيز ، وعكرمة
، والزهري : ليس للإمام أن يردهم إلى أحكامهم إذا جاؤوه ، وهو أحد قولي الشافعى -
رضي الله عنه -
وقال عطاء بن أبي رباح ، والحسن البصري ، ومالك ، والشعبى ،
(1/395)
والنخعي ، وأبو ثور : الإمام
مخير ، وهو أحد قولي الشافعي - رضي الله عنه -.
الثامن قوله عز وجل : (مَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ)
قيل : نسخ بالجهاد ، وقد سبق القول على مثله.
التاسع قوله عز وجل : (عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ)
قيل : هي منسوخة بالأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، والأكثر على أنها
محكمة.
والمعنى : عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا أمرتم
بالمعروف ، ونهيتم عن المنكر ، فلم يقبل منكم.
وقال ابن عمر - رحمه الله - : هذه الآية لأقوام يأتون بعدنا ، إن قالوا لم يقبل
منهم ، وأما نحن فقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
"ليبلغ الشاهد الغائب ".
وكنا نحن الشهود وأنتم الغُيَّب.
وقال جبير بن نفير : قال لي جماعة من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في
هذه الآية : عساك أن تدرك ذلك الزمان ، فإذا رأيت شحاً مُطَاْعاً ، وَهَوىً
الإيضاخ 272 ، ونراصخ القرآن 48 1 ، والقرطبئ 6/ 185 - 187.
ابن سلامة 42 ، ونراصخ القرآن 149.
"هي ، : ليست في ظ.
الإيضاح 274 ، وابن سلامة 42 ، ونراصخ القرآن 149.
الإيضاح 274 ، ونراصخ القرآن 150 - 151 ، والقرطبئ 6/ 342.
إفي ظ : (رضي الله عنه".
ا لقرطبئ 6/ 343.
افي ظ : (فكنا".
ا
ًاً ا لمرطبي 6/ 343.
( هو أبر عبد الرحمن الحضرمن الحمصئ ، جير بن نقير بن مالك بن عامر ، الإمام
الكبير.
أ@رك حياة النبئ @ وحذث عن أبي بكلر ، وعمر ، وطلشة ، وكان جير من علماء الشام.
ترفي في صنة 75 هـ.
السير 4/ 76.
396
(1/396)
متبعاً ، وإعجاب كل ذي رأي
برأيه ، فعليك نفسك لا يضرك من ضل إذا
اهتديت.
وقال ابن مسعود : لم يجئ تأويل هذا بعد ، إن القرآن أنزل حيث
أنزل ، فمنه ، ومنه ، ومنه ، ومنه أي فمنه آيات قد مضى تأويلهن قبل أن
ينزلن ، ومنه آيات قد وقع تأويلهن على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ومنه
آيات قد وقع تأويلهن بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - بيسير ، ومنه آيات يقع
تأويلهن يومٍ الحساب.
فما دامت قلوبكم واحدة ، وأهواؤكم واحدة ، ولم تلبسوا شيعا ، ولم يذق
بعضكم بأس بعض ، فاؤمروا بالمعروف وانهوا عن المنكر ، فإذا اختلفت
الأقوال ، والأهواء ، ولبستم شيعاً ، وذاق بعضكم بأس بعض ، فأمرؤ
حجيج نفسه عند ذلك جاء تأويل هذه الآية ، فهي على هذا
محكمة.
العاشر قوله عز وجل : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ)
قال قوم : أجاز في هذه الآية شهادة غير أهل الملة بقوله عز وجل :
(وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ)
والجمهور على أنها محكمة.
قال الحسن ، وعكرمة : من غيركم : أي من غير قبيلتكم : أي
من سائر المسلمين ، ويروى ذلك عن الشافعى - رضي الله عنه -
ومالك ، ويدل على ذلك قوله عز وجل : (تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلَاةِ)
وذا لا يقال لغير المسلمين .
(1/397)
وعن ابن عباس ، وعائشة ، رضي
الله عنهما ، وأبي موسى
الأشعري ، وابن سيرين ، ومجاهد ، وابن جبير ، والشعبى ، وابن المسيب.
والنخعي ، والأوزاعي ، وشريح : أنها محكمة . ومعنى من غيركم ، أراد
من أهل الكتاب ، وشهادتهم جائزة في الوصية خاصةً في السفَر عند فَقْد
المسلمين للضرورة.
* * *
سورة الأنعام :
فيها ستة عشر موضعاً :
الأول : قوله عزّ وجلّ : (قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ
يَوْمٍ عَظِيمٍ (15)
قالوا : نسخ بقوله تعالى (لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ
وَمَا تَأَخَّرَ).
وهذا غير صحيح ، والخوف مشروط بالعصيان ، وكيف لا يخاف اللّه من عصاه ؟
وقد قال - صلى الله عليه وسلم - : "والله إني لأخوفكم للّه "
هذا مع العصمة ، وإنما معنى الآية : قل لهؤلاء الذين لا
يخافون ما في معصية اللّه من العذاب العظيم.
الثاني : قوله عز وجل : (قُلْ لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيْلٍ)
قالوا : نسخ بآية السيف ، والصحيح أنها محكمة ، وإنما
أمر - صلى الله عليه وسلم - بأن يخبر عن نفسه بذلك ، والنبيّ - صلى الله عليه وسلم
- داعٍ ومبلغ ، وليس
(1/398)
بوكيل على من أرسل إليه ، ولا
بحفيظ أعماله.
الثالث : قوله عز وجل : (وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا
فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ) إلى آخر الآية التي بعدها (لَعَلهُمْ يَتقُوْنَ).
قالوا : نسخ ذلك بقوله عز وجل : (فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي
حَدِيثٍ غَيْرِهِ)
وعند أهل التحقيق لا نسخ في هذا ؛ لأن قوله عز وجلّ :
(وَمَا عَلَى الَذِينَ يَتقُونَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ)
خبر ، أي ليس على من اتقى المنكر من حساب من
ارتكبه من شيء إنما عليه أن ينهاه ، ولا يقعد معه راضياً بقوله.
الرابع : قوله عز وجل : (وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِبًا
وَلَهْوًا)
قالوا : نسخ بآية السيف ، وهذا تهديد ووعيد.
ومثل هذا لا نسخ فيه.
الخامس : قال الله تعالى (ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُوْنَ)
قالوا : نسخ بآية السيف ، والكلام فيه كالذي قبله.
السادس : قوله عز وجلّ : (وَمَا أنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ)
وهو كالذي تقدَّم في ذكر النسخ فيه ، والجواب عنه.
(1/399)
السابع : قوله تعالى :
(وَأعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِيْنَ)
قالوا : نسخ بآية السيف ، وقد تقدم القول في مثله.
الثامن : قوله عز وجل : (وَمَا جَعَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيْظاً وَمَا أنْتَ
عَلَيْهِمْ بِوَكِيْلٍ)
قالوا : نسخ بآية السيف وقد تقدم قولنا فيه ، وفي نظائره.
التاسع : قوله عز وجل : (وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ
فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ)
قالوا : نسخت بآية السيف.
قالوا : لأن الله تعالى أمرهم بقتلهم ، والقتل أغلظ ، وأشنع
من السب ، فهو داخل في جنب القتل ، وذلك أن المشركين قالوا :
لَتَنْتَهُنً عن سبِّ آلهتنا أو لنهجُوَنَّ ربَّكم ، فأمر الله المسلمين ألّا
يسبوا
آلهتهم لئلا يسبوا الله عز وجلّ ؛ لأن المسلمين إذا علموا أنهم يسبون
الله عزّ وجل إذا سبوا آلهتهم ، كانوا لسب آلهتهم متسببين في سب
الله - عز وجل - فليس هذا نهياً عن سب آلهتهم ، إنما هو في الحقيقة نهي
عن سبّ الله - عز وجل - وفعل ما هو سبب له ، وذريعة إليه ، وليست
آية القتال من هذا في شيء ، وهذا الحكم باق ، ولا يجوز أن يسب ما
يسبّ الله عزَّ وجلَّ بسببه.
العاشر : قوله عز وجلّ : (وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ
عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ)
(1/400)
قال عكرمة ، وعطاء ومكحول :
هي منسوخة بقوله عز وجل : (وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ)
وهم لا يسمُّون.
ويروى عن أبي الدرداء وعبادة بن الصامت مثل ذلك ، وأجازوا
أكل ذبائح أهل الكتاب وإن لم يذكر عليها اسم الله - عز وجل -.
وذهب جماعة إلى أن هذه الآية محكمة ، ولا يجوز أن نأكل
من ذبائحهم إلَّا ما ذكر اسم الله عليه ، وروي ذلك عن علي ، وعائشة.
وابن عمر ، رضي الله عنهم ، وكذلك لو ذبح المسلم ولم يذكر اسم
الله عليه لم يؤكل عندهم إذا تعمد ذلك ، وقال بجواز الأكل :
جماعة من الأئمة ، وتأوَّلوا قوله عز وجل : (وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ
يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ) بالميتة ، (وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ
بِهِ) أي ما ذكر عليه اسم غير
الله عز وجل ، والآية على هذا أيضاً محكمة.
وذهب قوم إلى أن قوله عز وجل : (وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ
اللَّهِ عَلَيْهِ) يراد به ما ذبح للأصنام ، وآية المائدة في إباحة ذبائح أهل
الكتاب ، فالآيتان
محكمتان في حكمين مختلفين ، ولا نسخ بينهما ، وكره مالك ،
(1/401)
رحمه الله ، أكل ما ذبح
الكتابيون ، ولم يذكروا عليه اسم الله عز وجل.
وما ذبحوه لكنائسهم ، وما ذكروا عليه اسم المسيح ، ولم يحرم ذلك
عملًا بظاهر قوله عز وجل : (وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ
لَكُمْ).
وقد قال الله عز وجل : (وَمَا أهِلً بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ).
(وَمَا أهِل لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ)
وقال عطاء ، ومكحول ، وربيعة ، وعبادة بن الصامت ، وُيروى عن أبي الدرداء : تؤكل ،
وإن سمُّوا عليها غير اسم الله عز وجل ، ولو سمعته يقول
باسم جرجس ؛ لأن الله عز وجل قد علم ذلك منهم ، وأباح لنا
ذبائحهم.
والصحيح انتفاء النسخ في هذه الآية.
الحادي عشر : (قُلْ يَا قَوْمِ اعْمَلُوْا عَلَى مَكَانَتِكُمْ).
الثامن عشر : (فَذَرْهُمْ وَما يَفْتَرُوْنَ).
الثالث عشر : (قُلِ انْتَظِرُوا إنَّا مُنْتَظِرُونَ)
قالوا : نسخ جميع ذاك بآية السيف ، وهذا تهديد ووعيد ، وليس بمنسوخ بآية
السيف.
الرابع عشر : قوله عز وجل : (قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا)
(1/402)
الآية.
قال قوم : هي منسوخة بما حرمه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
والآية محكمة ، وحكمها باق ، وما حرمه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مضموم إلى
ما حرمته الآية.
وقال قوم : هي محكمة ، وهي جواب قوم سألوا عما ذكر فيها ، والذي حرم رسول الله -
صلى الله عليه وسلم - مضموم إليها.
وقال سعيد بن جبير ، والشعبى : هي محكمة ، وأكل لحوم الحمر جائز.
إنما حرمه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -في ذلك الوقت لعلة ولعذر ، قالا : وذلك
أنها تأكل القذر مع أنه - صلى الله عليه وسلم - لم يحرمه ، وإنما كرهه.
وأقول ، والله أعلم : إن الآية محكمة ، ومعنى قوله عز وجل :
(قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا) أي لا أجد محرماً مما
حرمتموه
مما ذكر قبلها إلَّا ما كان من ذلك ميتة ، أو دماً مسفوحاً.
الخامس عشر : قوله عز وجل : (وَلَا تَقْرَبُوْا مَالَ الْيَتِيْمِ ألَّا بِالتيْ
هِيَ أحْسَنُ)
قالوا : هي منسوخة بقوله عز وجل : (وَإنْ تُخَالِطُوْهُمْ فِإخوَانُكمْ)
وليست منسوخة ، وإنما النهي أن يقرب مال اليتيم بغير الحسنى ، والمخالطة داخلة في
قوله عز وجل : (إلا بِالتِي هِيَ أحْسَنُ).
السادس عشر : قوله عز وجل : (إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا
شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ
يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (159)
قال السدي : نسختها آية السيف ، وليست آية
(1/403)
السيف ، والأمر بالقتال
معارضاً لما في هذه الآية.
ومعنى (لست منهم في شيء) أي من السؤال عن تفرقهم.
ومعنى تفرقة الدين اختلافهم فيه ، وقيل : إنما أمرهم في المجازاة إلى الله عز
وجلّ.
ْفعلى هذا هي محكمة ، وقيل : إنما هو خبر من الله عز وجل لنبيه - صلى الله عليه
وسلم - عمن يحدث في دينه من بعده من أمته ، أو يكفر ، وقد جعلوا آية السيف ناسخة
لمائة وأربع وعشرين آية ، وليس ذلك عن يقين منهم.
وإنما يظنون إذا سمعوا أمر الله سبحانه وتعالى لنبيه وللمؤمنين
بالصبر ، وترك الاستعجال ظنوا أن ذلك منسوخ بآية القتال ، وإنّما
يكون منسوخاً بآية القتال النهي عن القتال ، وإنّما كان النبي - صلى الله عليه
وسلم - يشكو إلى الله عز وجل ما يلاقيه من أذى المشركين ، فيأمره بالصبر ، ويعده
بالنصر ، ويقص عليه أنباء الرسل ، وما صبروا عليه من الأذى في ذات الله عز وجل :
(وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ
فُؤَادَكَ)
ولم ينسخ بآية السيف شيء من ذلك ، ولا يحل أن يقال بالظن : هذا ناسخٌ لكذا ، ولا
هذا منسوخٌ بكذا ، ولو كان هذا الناسخ والمنسوخ مقطوعا به لم يقع فيه اختلاف ، كيف
؟ وهذا يقول في الآية : منسوخة ، ويقول الآخر : بل هي محكمة ، ثم إن رسول الله -
صلى الله عليه وسلم -
لم يكن قادراً على القتال فكيف ينهى عنه ؟
وكيف يقول للعاجز عن القيام : لا تقم ؟
وإنما هذا الفقير يؤمر بالصبر على الفَقْرِ ، فإذا استغنى
(1/404)
وجبت عليه الزكاة ، فوجوب
الزكاة لم يعارض الصبر ، فيكون ناسخاً
له.
والنسخ إنما هو رفع حكم الخطاب الثابت بخطاب آت بعده.
لولاه لكان ثابتا.
وهذا واضح.
فإن قيل : فما تصنع فيما يروى عن السلف - رضي الله عنهم -
كابن عباس وغيره ؟
فقد أطلقوا على ذلك النسخ.
قلت : لم يريدوا بالنسخ ما حددناه به إنما كانوا يسمون ما
تغير الأحوال ناسخاً.
* * *
سورة الأعراف :
قالوا : فيها موضعان :
الأول : قوله عز وجل : (وَأمْلِيْ لَهُمْ . . . )
قالوا : نسخ بآية السيف ، وهذا خطأ.
والثاني : قوله عز وجل : (خْذِ الْعَفْوَ.. ) الآية ، قالوا :
هي من أعجب الآيات ، أولها منسوخ وآخرها منسوخ ، وأوسطها
محكم.
قالوا : قوله تعالى (خُذِ الْعَفْوَ) منسوخ بالزكاة.
وقال ابن زيد : منسوخ بآية السيف بالأمر بالغلظة ، والقتال.
والصحيح أنها محكمة.
قال مجاهد : (خذ العفو) : يعني به الزكاة ؛ لأنها قليل من كثير.
وقال سالم والقاسم : هي محكمة ، والمراد بالعفو غير الزكاة ، وهو
ما كان عن ظهر غِنَىً ، وذلك على الندب.
وقال عروة بن الزبير ، وأخوه عبد الله : هي محكمة ، والعفو : من أخلاق الناس ،
وقال ابن زيد :
(1/405)
(وَأعْرِضْ عنِ
الْجَاهِلِيْنَ) منسوخ بآية السيف ، وليس كما قال.
قال العلماء : أعرض عن مودتهم ، والانبساط إليهم في المجالسة.
والمخالطة.
وهذا لا ينسخ.
* * *
سورة الأنفال :
فيها تسعة مواضع :
الأول : قوله عز وجل : (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ).
نزلت في غنائم بدر ، روي أنهم سألوه عنها لمن هي ؟
وروي أنهم سألوها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
والأنفال : جمع نفل ، والنفل : ها هنا العطية ، سميت العطية
بذلك ؛ لأنها تفضل مِن الله عز وجل ، وعطية لهذه الأمة ، لم يجعلها
لمن كان قبلهم ، وقيل : أراد بالأنفال الزيادات التي يزيدها الإمام لمن
شاء في مصلحة المسلمين ، وقيل : الأنفال ما شذَّ من العدو من عبد أو
دابة ، للإمام أن يعطي ذلك لمن يشاء.
وقال مجاهد : الأنفال : الخمس ، فذهب قوم ممن قال : الأنفال : الغنيمة إلى أنها
منسوخة بقوله عز وجل (وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ
لِلَّهِ خُمُسَهُ).
وذهب قوم منهم إلى أنها محكمة ، والحكم في الغنيمة لله ولرسوله.
وقيل : إن أولي القوة غنموا يوم بدر أكثر من غيرهم ، فرأوا
أنهم أحق بما غنموه فنزلت ، وقيل : كانوا ثلاث فرق ، فرقة اتبعت
(1/406)
العدو ، وفرقة حازت الغنائم ،
وفرقة لزمت النبي - صلى الله عليه وسلم - وقالت كل فرقة : نحن أحق بالغنيمة ،
فنزلت. أي (الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ)
أي الحكم فيها لله وللرسول لا لكم.
ومن قال : الأنفال غير الغنيمة على ما سبق قال : هي محكمة
لا غير والقضاء بأنها محكمة ظاهر ، وقول مجاهد : الأنفال :
الخمس ، جمع بين الآيتين فيكون (وَاعْلَمُوا أنما غَنِمْتُمْ) مفسرة لقوله
عز وجل : (قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ).
الثاني : قوله عز وجل (وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ) الآية
قالوا : نسخها قوله عزّ وجل : (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ
عَلَى الْقِتَالِ) الآيتين ، قالوا : فأطلق في هاتين الآيتين أن يفرّوا ممن هو
أكثر من هذا العدد ، وقال الحسن : ليس الفرار من الزحف من الكبائر.
والآية في أهل بدر خاصة ، وقال ابن عباس : هي محكمة.
وحكمها باق إلى يوم القيامة ، والفرار من الزحف من الكبائر ، وأكثر
العلماء على ذلك ، وأيضاً فهي خبر ، والخبر لا ينسخ..
الثالث : قوله عز وجلّ : (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ
وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (33)
قالوا : هي منسوخة بما
(1/407)
بعدها (وَمَا لَهُمْ أَلَّا
يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ)
وليس كما قالوا ، والسورة مدنية ، ذكر فيها ما فعلوه بمكة.
فقيل : إنما منعهم من إنزال العذاب بهم في ذلك الوقت أنك كنت فيهم.
وما عذب الله تعالى أمة من الأمم إلا بعد إخراج نبيهم من بينهم ، فالعذاب لا ينزل
مع حالين :
إحداهما أن يكون النبي فيهم.
أي بين القوم ، أو يستغفرون ويتوبون.
وهؤلاء ما استغفروا ، ولا تابوا ، ولا بينهم نبيهم فما لهم ألا يعذبهم الله ؟
وعبَّر عن إخراج النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وعن ترك التوبة ، والاستغفار
بقوله : (وَهُمْ يَصُدونَ عَنِ الْمَسْجدِ الْحَرَامِ)
وصدهم عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
وعن المسجد الحرام ، وتركهم الاستغفار مفهوم من قوله عز وجل :
(وَهُمْ يَصُدونَ عَنِ الْمَسْجدِ الْحَرَامِ) ؛ لأنهم لو آمنوا ، واستغفروا لما
صدوا عنه ، وما صدوه عن المسجد الحرام إلا بعد خروجه من بينهمْ.
فكأنه قيل : ومالهم ألا يعذبهم الله ، ، ولست بين ظهرانيهم ، وليسوا
بمستغفرين ، ولا تائبين ؟
الرابع : قوله عز وجل : (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ
لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ)
قالوا : هو منسوخ بآية السيف ، وليس كذلك.
إنما أمره الله تعالى بدعوتهم إلى الإسلام ، ووعدهم الغفران على
ترك الكفر ، والهلاك إن عادوا إلى قتاله ، وأنه يفعل بهم ما فعل
بالأولين ، وهم الذين قتلوا يوم بدر.
(1/408)
الخامس : قوله عز وجل : (وَإِنْ
جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ)
قيلِ : نزلت في اليهود ، ثم نسخت بقوله - عز وجل - :
(قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا
يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ
مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ
صَاغِرُونَ (29).
وليس هذا بنسخ ؛ لأن إعطاء الجزية ميل إلى السلم.
وقال قتادة : نسخها (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِيْنَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوْهُمْ).
ولا هذا أيضاً ؛ لأن هذا محمول على من لم يكن بيننا وبينهم صلح.
وعن ابن عباس ، رحمه الله ، نسخها (فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ
وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ).
وقيل في الجواب عنه : إنما أمره في عمورة الأنفال بالصلح إن جنحوا إليه.
وابتدؤوا بطلبه ، وفي سورة القتال نهاه أن يكون هو المبتدئ بالصلح.
فالآية محكمة ، وليس ما في القتال بناسخ لها.
السادس : قوله عزَّ وجلَّ : (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ
عَلَى الْقِتَالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا
مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِنَ الَّذِينَ
كَفَرُوا)
فأوجب الله عز وجل على الواحد أن يقف لعشرة من الكفار.
قال ابن عباس : وكان هذا ، والعدد قليل ، فلما كثروا نسخ ذلك بقوله عزَّ وجلَّ :
(الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ
مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ
يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (66).
ولا شك في أن هذه منسوخة بهذه.
وأمَّا من قال : هذا ليس بنسخ ، وإنما هو تخفيف ، ونقص من العدة ، وحق الناسخ أن
يرفع حكم المنسوخ كله ، ولم يرتفع ، وهي باقية على حكمها الآن ، من وقف
(1/409)
لعشرة فأكثر فهو مثاب مأجور ،
ليس ذلك بمحرم عليه ، فإنه عن
المعرفة بمعزل ؛ لأن الوقوف للعشرة كان واجباً فرضاً على الواحد.
وليس هو الآن بواجب ، فقد ارتفع ذلك الحكم كله ، ونسخ.
السابع : قوله عز وجل : (مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى
يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ).
روي عن ابن عباس رحمه الله أنّها منسوخة بقوله عز وجل : (فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ
وَإِمَّا فِدَاءً).
ومكان ابن عباس رحمه الله من العلم يجل عن هذا ، وهل هذا إلا
عتاب للنبي - صلى الله عليه وسلم - لما أسر أهل بدر ، ولم يقتلهم ، وقبل منهم
الفداء ؟
ولو كان هذا تحريماً ، ومنعاً لم يجز أن يأخذ الفداء ، ولقتلهم وقت نزول
هذه الآية ، ولرجع عن قبوله ، وقد قال عز وجل : (فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ
حَلَالًا طَيِّبًا)
قيل : أراد الفداء ؛ لأنه من جملة الغنائم.
على أن هذه الآية قد أباحت المنَّ ، وقبول الفداء بعد الإثخان ، وآية
القتال نزلت بعد الإثخان ، فهما في معنى واحد ، ولا نسخ.
الثامن : قوله عز وجل : (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ
وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا).
واختلف في تفسير هذا ، فقيل : معناه : ما لكم من ميراثهم من شيء حتى يهاجروا ، أي
إنهم لمّا لم يهاجروا لم يتوارثوا ، فلا ميراث بين المسلم المهاجر ، والمسلم الذي
لم يهاجر ، ثم نسخ ذلك بقوله عز وجل : (وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى
بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ)
(1/410)
أي أولى بالميراث ، وقيل :
كان المسلمون المهاجرون ، والأنصار
يتوارثون ، يرث بعضهم بعضاً ، وقيل : لبث المسلمون زماناً يتوارثون
بالهجرة ، ولا يرث المؤمن الذي لم يهاجر من قريبه المهاجر شيئاً.
فنسخ ذلك قوله عز وجل : (وَأولُو الأرْحَامِ) ، والظاهر أن قوله عزّ
وجلّ : (وَأولُو الأرْحَامِ) ليس بناسخ لما ذكروه ، وإنما المعنى أن
أولي الأرحام المهاجرين بعضهم أولى ببعض ، أيْ أنّ الموارثة بالرحم.
والقرابة بين المهاجرين أولى من التوارث بالهجرة ، وإذا اجتمع القرابة
والهجرة كان ذلك مقدّماً على مجرد الهجرة الذي كانوا يتوارثون به.
وإنما نسخها آية المواريث.
واختار الطبريّ : أن تكون الولاية بمعنى النصرة ، وليس كما قال ، وإن كان الولي في
اللغة الناصر ؛ لأن قوله عز وجلّ : (وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ
فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ) يرد ذلك.
وعن ابن عباس رحمه الله أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لَمَّا آخى بين
أصحابه كانوا يتوارثون بذلك ، ثم نسخ بالآية المذكورة.
وقيل : والذين آمنوا ، ولم يهاجروا : يراد به الأعراب الذين آمنوا ، ولم يهاجروا
لا ميراث بينهم ، وبين أقاربهم ممن هاجر .
(1/411)
التاسع : قوله عز وجل :
(وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إلا عَلَى قَوْم
بَيْنَكُمْ وَبَيْنهُمْ مِيْثَاقٌ)
قالوا : كان بين النبي - صلى الله عليه وسلم - وبين أحياء من العرب موادعة ، لا يقاتلهم
، ولا يقاتلونه ، وإن احتاج إليهم عاونوه ، وإن احتاجوا إليه عاونهم ، فصار ذلك
منسوخاً بآية السيف.
والصحيح أنها في المسلمين الذين لم يهاجروا ، إما الذين
بقوا بمكة ، وإما الأعراب المسلمين الذين لم يهاجروا ، والثاني : قول
ابن عباس : لأنهم - أعني - الفريقين من جملة المسلمين لهم ما لهم من
نصر المسلم المسلمَ ، وعليهم ما على المسلمين من الوفاء بعهد
المعاهدين ، وميثاقهم.
* * *
سورة التوبة :
فيها ثمانية مواضع :
الأول : قوله عزَّ وجلَّ : (فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ)
قالوا : هو منسوخ بقوله عز وجل : (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ
وَجَدْتُمُوهُمْ) ، وإنما قال عز وجل ذلك بعد انسلاخ الأشهر الحرم ، وهي
مدة الذين نقضوا عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وأما الذين لم ينقضوه
شيئاً ، ولم يظاهروا عليه أحداً ، فقد أمرنا بأن نتمَّ عهدهم إلى مدتهم.
الثاني : قوله عزَّ وجلَّ : (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ .
. . ) إلى قوله عز وجل : (كُلَّ مَرْصَدٍ)
قالوا : هذه الآية التي نسخت مائة وأربعاً وعشرين آية نُسخت بقوله عز وجل في آخرها
(فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا
سَبِيلَهُمْ)
ولا يقول مثل هذا ذو علم ، إنما هو خبط جاهل في كتاب الله
(1/412)
إنما قال عز وجل :
(فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ) ، ما قال : اقْتُلُوا
الْمُسْلِمِيْنَ.
وقال الحسن ، والضحاك ، والسدي ، وعطاء : هي منسوخة من
وجه آخر ، وذلك أنها اقتضت قتل المشركين على كل حال ، فنسخت
بقوله عز وجل : (فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً) ، فلا يحل قتل
أسير صبراً ، وقال قتادة ، ومجاهد : بل هي ناسخة لقوله تعالى (فَإِمَّا مَنًّا
بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً) ، فلا يجوز في أسرى المشركين إلَّا القتل دون المنِّ
والفداء ، وقال ابن زيد : الآيتان محكمتان.
أما قوله عز وجل : (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ)
فإنه قالَ بعد ذلك : (وَخُذُوْهُمْ) أي للمنِّ أو الفداء ، على حسب ما يرى الإمام
، وقد فعل جميع ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فقتل من الأسرى يوم بدر
عقبة بن أبي معيط ، والنضر بن الحارث ، ومنَّ على قوم ، وقبل الفدية من قوم.
الثالث : قوله عز وجل : (إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ
الْحَرَامِ فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ).
قالوا : نسخ بآية السيف ، وهذا مستثنى ، وليس بناسخ لما تقدم.
وكيف يكون الاستثناء نسخاً ، ولم يدخل في الأول في مراد المتكلم
ولو قال قائل : اضرب القوم إلا زيدا لم يكن زيد داخلاً في المضروبين في نية
المتكلم ، وقد انكشف ذلك للسامع أيضاً.
الرابع : قوله عز وجل : (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا
يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (34) يَوْمَ
يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ
وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ
تَكْنِزُونَ (35).
قالوا : نسخ
(1/413)
جميع ذلك بآية الزكاة ، وعن
عمر بن عبد العزيز - رحمه الله - : أراها
منسوخة بقوله عزّ وجل : (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ
وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا).
والصحيح أنها محكمة غير منسوخة.
والكنز عند العلماء : كلُّ مال وجبت فيه الزكاة ، ولم تؤد زكاته.
قال ابن عمر ، رضي الله عنه : كل مال أديت زكاته فليس بكنز.
وإن كان مدفوناً ، وكل مال لم تؤد زكاته فهو كنز يكوى به صاحبه ، وإن
لم يكن مدفوناً.
وعن ابن عباس : هي فيمن لم يؤد زكاته من المسلمين ، وهي
في أهل الكتاب كلهم ؛ لأنهم يكنزون ، ولا ينفقون في سبيل الله ، وإنما
ينفق في سبيل الله المؤمنون.
الخامس : قوله عزَّ وجلَّ : (إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا)
- إلى
قوله عز وجل : (ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُم إنْ كُنتمْ تَعْلَمُوْنَ)
قالوا : نسخ هذه الآيات قوله عز وجل : (وَمَا كَانْ الْمُومِنُونَ لِيَنفِرُوْا
كافة)
ورووا ذلك عن ابن عباس ، وقال الحسن ، وعكرمة ، وكثير
من العلماء : هي محكمة ، ومعنى (إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ) أي إذا
احتيج إليكم ، واستنفرتم ، ولم تنفروا.
السادس : قوله عزّ وجل : (عَفا اللهُ عَنكَ لِمَ أذِنْتَ لَهُمْ) - إلى
قوله - (فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ (45).
قالوا : نسخ هذه الآيات
(1/414)
الثلاث قوله عز وجل :
(فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ) ،
قال ذلك الحسن وعكرمة ، واختلف عن ابن عباس ، فقيل عنه مثل هذا ، وقيل عنه : إنه
قال : الثلاث محكمات نزلن في المنافقين الذين استأذنوا في القعود ، والتي في النور
إنما هي في المؤمنين ، يستأذنون لبعض أمورهم ، ثم يعودون إليه - صلى الله عليه
وسلم -
قيل : كان ذلك ، وهم يحفرون الخندق ، وهذا هو الحق والصواب ، الاستئذانان مختلفان
، ولا نسخ بينهما.
السابع : قوله عز وجل : (اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ . . . )
الآية.
قالوا : هي منسوخة بقوله عز وجل : (وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ
أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ).
وهذا غير صحيح ، بل هو مؤكد للأول ، وإنما معنى الأول : أن استغفارك لهم غير نافع
، ففعله ، وتركه سواء ، ولم يرد بذلك الصلاة عليهم ، ولا تخييره بين الاستغفار
وتركه ، وكيف يستغفر لهم ، أو يصلي عليهم ، وقال الله عز وجل له في الآية (ذَلِكَ
بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ).
فإن قلت : فقد روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : لأزيدن على السبعين
، فنزلت (سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ
لَهُمْ) ؟
قلت : يرد هذه الرواية قوله عز وجل : (إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً
فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ
وَرَسُولِهِ)
فكيف يقول - صلى الله عليه وسلم - : لأزيدن على السبعين ، وهو يعلم أن الزيادة على
(1/415)
السبعين إلى ما لا نهاية له
من العدد لا تنفع الكافر ؟
هذا ما لا يصح.
فإن قيل : فكيف كفن ابن أبيٍّ في قميصه ، وهو رأس المنافقين ؟
قلت - أرسل إليه عند موته يطلب قميصه فقال - صلى الله عليه وسلم - : إني أؤمل أن
يدخل في الإسلام خلق كثير ، وإن قميصي لن يغني عنه منَ الله
شيئاً ، فأسلم ألف من الخزرج لَمَّا رأوه طلب الاستشفاء بقميص النبي - صلى الله
عليه وسلم -.
فإن قيل : ألم يقم على قبره ، ويصل عليه ؟
قلت : قد روي أنه - صلى الله عليه وسلم - لم يصل عليه ، وإن كان قد صلى عليه ،
فذلك لظنه أنه قد تاب حين
بعث يطلب قميصه لينال بركته ، ويتقي به عذاب الله عز وجل ، وهذا
إيمان إن كان صادراً عن صدر سليم.
فإن قلت : ألم يجذبه عمر رضي الله عنه حرصاً على ترك الصلاة
عليه ، وقال له : أليس قد نهاك الله عز وجل ؟
فقال : إنما خيرني بين الاستغفار وتركه ، فصلى عليه ؟
قلت : هذا بعيد أن يظن النبي - صلى الله عليه وسلم - أن
ذلك تخيير ، وقد أخبره بكفرهم ، وهذا ظاهر لمن تأمله.
الثامن : قوله عز وجل : (الْأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا) - إلى قوله -
وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)
قالوا : نسخ ذلك بقوله عز وجل : (وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ
وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ قُرُبَاتٍ عِنْدَ اللَّهِ
وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ أَلَا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَهُمْ) الآية.
وهذا مما ينبغي أن يتصامم عنه ، ولا يسمع .
(1/416)
سورة يونس عليه السلام
فيها سبعة مواضع :
الأول : قوله عزّ وجلّ : (إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (15)
قالوا : نسخت بقوله عز وجل : (لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ
ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ).
وما ذلك بصحيح فإن خوفه على المعصية من عذاب الله ، لو قدر وقوعها منه - وحاشاه -
لم يزل ، ولا نسخ ، وهو - صلى الله عليه وسلم - يقول ، لَمَّا قام حتى تورمت قدماه
، وقيل له : أتفعل هذا بنفسك ، وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك ، وما تأخر :
"والله إني لأخوفكم لله"
على أن هذه الآية نزلت في طلبهم منه تبديل كلام الله.
والإتْيان بغيره ، فقال الله عز وجلّ : (قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ
مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ
إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (15).
أفهذا ينسخ بما ذكروه ؟
الثاني قوله عز وجل : (لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَقُلْ
إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ
(20)
قالوا : نسخت بآية السيف ، وليس ذلك بصحيح ، إنّما نُزَل ذلك في طلبهم الآيات
المهلكة (لا تأتِيْنا الساعةُ) - (أَمْطِرْ عَلينا حِجَارة من السماء)
فقيل له : (قُلْ (ولا اعْلَمُ الْغَيْبَ)
كما قال نوح عليه السلام لمّا قيل له : (قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ
جِدَالَنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (32).
(1/417)
(قَالَ إِنَّمَا يَأْتِيكُمْ
بِهِ اللَّهُ إِنْ شَاءَ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ (33)
وكذلك أمر نبّينا - صلى الله عليه وسلم - أن يقول : (إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ
فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ (20).
وهذا تهديد ووعيد ، أي : فانتظروا ما طلبتم إني منتظر معكم ، وكما قال له : (قُلْ
لَوْ أَنَّ عِنْدِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ لَقُضِيَ الْأَمْرُ بَيْنِي
وَبَيْنَكُمْ)
ومثل هذا لا ينسخ بآية القتال.
الثالث : قوله عز وجلّ : (وَإِنْ كَذً بُوْكَ فَقُلْ لِيْ عمَلِيْ وَلَكُمْ
عَمَلُكُمْ) الآية
قالوا : نسخت بآية السيف.
الرابع : قوله عز وجل : (وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ
نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ اللَّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا
يَفْعَلُونَ (46).
الخامس : قوله عز وجل : (أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا
مُؤْمِنِينَ (99).
السادس : قوله عز وجل : (فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ
ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ (108).
السابع : قوله عزّ وجلّ : (وَاصْبِرْ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ وَهُوَ خَيْرُ
الْحَاكِمِينَ (109).
قالوا : نسخ جميع ذلك بآية السيف ، ولم ينسخ بآية السيف شيء من ذلك ، ولا هي
معارضة له .
(1/418)
سورة هود عليه السلام
فيها ثلاثة مواضع :
الأول : قوله عز وجل : (إنمَا أنْتَ نَذِيْرٌ).
قالوا : نسخت بآية السيف ، والكلام في ذلك كما تقدم.
الثاني : قوله عزَّ وجلَّ : (مَنْ كَانَ يُرِيْدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا
وَزِيْنَتَها)
قالوا : نسخت بقوله عز وجل : (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ
فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ)
وذلك باطل ؛ لأنّه خبر ، والخبر لا يدخله النسخ ، ورووا ذلك عن ابن عبّاس ، ومكانه
في العلم والمعرفة يرد ذلك ، وقيل في قوله تعالى : (لِمَنْ نُرِيْدُ) أي لمن نريد
إهلاكه.
الثالث : قوله عزَّ وجلَّ : (وَقُلْ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ اعْمَلُوا عَلَى
مَكَانَتِكُمْ إِنَّا عَامِلُونَ (121) وَانْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ (122).
إلى آخر السورة ، زعموا أئه منسوخ بآية السيف ، وليس كما زعموا ، وقد تقدم القول
في مثل ذلك.
* * *
سورة يوسف عليه السلام
ليس فيها ناسخ ولا منسوخ ، وزعم من لا معرفة له أن قوله عز
وجل : (تَوَفنِيْ مُسْلِماً وَألْحِقْنيْ بِالصَّالِحِيْنَ) منسوخ بقوله
عليه السلام : "لا يتمنين أحدُكم الموتَ لضر نزل به.
فهذا باطل
(1/419)
ظاهر البطلان ؛ لأن هذا خبر ،
أخبر الله به عن يوسف عليه السلام.
فكيف يصح نسخه ؟
ولأن يوسف عليه السلام سأل الله الوفاة على الإسلام ، ونحن نسأل الله عز وجل
برحمته ، وبكرمه أن يقبضنا على الإسلام ، وليس قول النبي - صلى الله عليه وسلم -
في الحديث المذكور من هذا ، إنما ذلك
في من اشتد ألمه لضر نزل به ، فتمنى الخلاص منه بالموت ضجراً.
وكراهة لما ابتلي به.
* * *
سورة الرعد
ليس فيها شيء من المنسوخ والناسخ ، وزعم زاعمون أن قوله عز
وجل : (وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ)
منسوخ بقوله عز وجل : (إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ).
وذلك ظاهر البطلان ، وهذا خبر حق ، وقول صدق لا يدخله نسخٌ.
وما زال ربنا عز وجل غافراً غير معاجل بالعقوبة (وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ
النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ).
فله الحمد على حلمه مع علمه ، وله الحمد على عفوه مع قدرته.
وقالوا في قوله عز وجل : (فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ
(40).
نسخ بآية السيف ، وليس كما قالوا ، وقد تقدم القول فيه .
(1/420)
سورة إبراهيم عليه السلام
ليس فيها من المنسوخ والناسخ شيء.
وأما قول عبد الرحمن بن زيد بن أسلم إن فيها آية منسوخة ، وهي قوله عز وجل :
(وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ
كَفَّارٌ (34). نسخها قوله عز وجل في النحل : (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ
لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (18).
فمما لا يُلتفت إليه ، ولا يُعرج عليه ، ولا يستحق أن يكون جوابه إلَّا السكوت.
* * *
سورة الحجر
ليس فيها منسوخ ولا ناسخ ، وزعموا أن قوله عز وجل : (ذَرْهُمْ
يَأكلُوا . . . ) الآية منسوخ بآية السيف ، وهذا وعيد وتهديد.
وآية السيف لا تنسخ الموعظة والتهديد.
قوله عزّ وجل : (فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ (85).
قالوا : نسخ بآية السيف ، وهو أمر من الله عز وجل لنييه - صلى الله عليه وسلم -
بالصبر في حال لم يكن فيها مطيقاً لقتالهم ، فليس بمنسوخ بآية السيف ".
وقوله عز وجل : (لَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا
مِنْهُمْ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ (88).
(1/421)
قالوا : نسخ بآية السيف ،
وإنما المعنى : إنا أعطيناك المثاني.
والقرآن العظيم ، فالذي أعطيناك أفضل من كل عطية ، فلا تمدن عينيك
إِلى دنياهم ، واستغن بما أعطيناك عما متعنا به صنوفاً منهم.
وقالوا في قوله عزَّ وجلَّ : (وَقُلْ إنيْ أنَا النذِيْرُ الْمُبِيْنُ)
نسخ معناه بآية السيف دون لفظه ، وليس كما قالوا ، وذلك
محكم لفظاً ومعنىً.
وقالوا في قوله عز وجل : (فَاصدع بِمَا تُومَرُ).
هذه الآية نصفها محكم ، ونصفها منسوخ ، وهو قوله عزَّ وجلَّ :
(وَأعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِيْنَ).
وهذا كأنه نوع من اللعب ، وإنما المعنى بلغ ما أمرت
بتبليغه ، واصدع به ، ولا تخشى المشركين ، فإنا قد كفيناك المستهزئين.
وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يخفي أمره مخافتهم ، فأمره الله بإظهار أمره ،
وإظهار القرآن الذي يوحى إِليه ، وقيل : لم يزل النبي - صلى الله عليه وسلم - بمكة
مستخفياً حتى نزلت ، فخرج هو وأصحابه.
وعن ابن عباس : المستهزئون : الوليد بن المغيرة ، والعاص بن
وائل السهمى ، وعدي بن قيس ، والأسود بن عبد يغوث الزهري ، وهو
ابن خال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وأبو زمعة الأسود بن عبد المطلب ،
كانوا يستهزئون برسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فبينما النبي - صلى الله عليه
وسلم - ومعه جبريل عليه السلام إِذ
مروا به واحداً بعد واحد ، فإذا مرَّ واحد منهم قال له جبريل : كيف تجد
هذا ، فيقول النبى - صلى الله عليه وسلم - : بئس عبد الله ، فيقول جبريل عليه
السلام كفيناك هو ، فهلكوا في ليلة واحدة ، أما الوليد فتعلق بردائه سهم فقعد
ليخلصه
(1/422)
فقطع أكحَله ، فنزف فمات ،
وأما الأسود بن عبد يغوث فأتى بغصن فيه
شوك ، فضرب به وجهه فسالت حدقتاه على وجهه ، وأما العاص بن وائل
فوطئ شوكة فتساقط لحمه عن عظمه ، وأما الأسود بن عبد المطلب
وعدي بن قيس فأحدهما لدغته حية فمات ، والآخر شرب من جرة
فما زال يشرب حتى انشق بطنه أي إنا كفيناك الساخرين منك.
الجاعلين مع الله الهاً آخر.
قال عكرمة : هم قوم من المشركين ، كانوا يقولون : سورة البقرة ، سورة العنكبوت ،
يستهزئون بالقرآن وأسمائه.
* * *
سورة النحل :
فيها خمسة مواضع :
الأول : قوله عز وجل : (تَتخِذُوْنَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً)
قالوا : نسخت بقوله عز وجل في المائدة. (فَاجْتَنِبُوهُ)
أو بقوله سبحانه : (فَهَلْ أنْتُمْ مُنتهُونَ)
وليس هذا بمنسوخ بهذا ؛ لأن الله عز وجل أخبر عن حالهم في سورة النحل.
وعما كانوا يفعلون ، ولم يبح لهم بذلك الخمر ، ولا أمر باتخاذها.
قالوا : وهذا الخبر ، وشبهه جائز نسخه ؛ لأن الخبر على ضربين : ضرب
لا يجوز نسخه مثل أن يخبر الله عز وجل عن شيء أنه كان ، أو أنه
سيكون.
وضرب يجوز نسخه مثل أن يخبرنا عزَّ وجلَّ عن قوم أنهم فعلوا
(1/423)
شيئاً ، واستباحوه ، أو
تمتعوا به ، ولم يُحرم ذلك عليهم ، ثم أخبرنا أنه
محرم علينا ، فنسخ ما كان أخبرنا به أنه كان مباحاً لمن كان قبلنا ، فهذا
نسخ المسكوت عنه من فهم الخطاب ؛ لأنه قد فهم من قوله (تَتخِذُوْنَ
مِنْهُ سَكَراً) أنه كان مباحاً لهم ، وسكت عن حكمنا فيه ، فجاز أن
يكون لنا مباحاً أيضاً ، ثم نسخ جواز إباحته بالتحريم في المائدة ، وهذا
غير صحيحٍ ؛ لأنا لم نفهم من قوله عز وجل : (تَتخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً)
أنه كان مباحا لهم ، ولو فهمنا ذلك مثلاً لم ندر ما حكمه فيه علينا ؟
فكما يجوز أن يكون مباحاً لنا ، كذلك يجوز أن يكون محرماً علينا ، ثم إن
القرآن إنما ينسخ القرآن ، وليس تجويزنا أن يكون مباحاً لنا بقرآن.
فينسخ على أن الله عز وجل قد أومأ إلى تحريمه ، وعرض بذمه بقوله عز
وجل بعده : (وَرِزْقًاً حَسَناً) ، فأشار بذلك إلى أن السكر رزق مذموم
غيرحسن.
وقال أبو عبيدة : السكر الطعم ، وقيل : السكر ما سدَّ الجوع.
وفيما قدمته ما يغني عن هذين التأويلين.
الثاني : قوله عز وجل : (فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ
الْمُبِينُ (82).
قالوا : نسخ بآية السيف ، وقد تقدم مثل هذا ، والجواب عنه : وَإِنما المعنى :
فإنما عليك البلاغ ، وليس عليك هداهم.
الثالث : قوله عز وجل : (مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ)
قال قوم : نسخ هذا بقوله : (إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ
بِالْإِيمَانِ)
وقد بينت أن
(1/424)
الاستثناء ليس بنسخ ، وقال
قوم : الآية كلها منسوخة بقوله عز وجل :
(ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا)
يعني أنهم فتنوا عن دينهم ، فاخبر عز وجل أنهم إذا هاجروا وجاهدوا وصبروا
فإنه غفور رحيم.
وهذا غلط ظاهر ، لأن هذا فيمن أسلمٍ بعد أن أكره
على الكفر ، فكفر ، وذاك في من (شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً) ودام عليه
(ذلك بأنهم استحبوا الحياة الدنيا على الآخرة وأن الله لا يهدي القوم
الكافرين ، أولئك الذين طبع اللَّه على قلوبهم - إلى قوله - هم
الخاسرون).
وقد قرئ "فَتَنُوا" بفتح الفاء والتاء.
أي فَتَنوا غيرهم عن دينهم ، ثم أسلموا ، وتابوا.
الرابع : قوله عزّ وجل : (وَجَادِلْهُمْ بِالتِيْ هِيَ أحْسَنُ)
قالوا : هو منسوخ بآية السيف ، وقيل : بل هي محكمة ، والتي هي أحسن :
اللين غير فط غليظ ولا جاف.
وقيل : الانتهاء إلى ما أمر الله به ، ونهى عنه ، وكل ذلك غير منسوخ ، وما زال
يدعو إلى الله عز وجل بالرفق واللين ، وما قاتل قوماً قط حتى دعاهم إلى الإيمان ،
وعرضه عليهم ، وبَيَّنه لهم ، وأما المفاجأة بالقتال من غير أن يقدم القول ،
والدعاء إلى الإسلام فلا.
وكان أمره - صلى الله عليه وسلم - وحاله ، كما قيل :
أنَاةٌ فَإِنْ لم تُغْنِ أرْدَفَ بَعْدها . . . وَعِيْدَاً فَإِنْ لم يُغْنِ
أغْنَتْ صَوَارِمُهْ
(1/425)
الخامس : قوله عزّ وجل : (وَاصْبِرْ
وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ)
قالوا : نسخ الصبر بآية السيف.
ولا يصح ما قالوه ، لأنه قد قال عزّ وجلّ قبلها : (وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا
بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ
(126).
فما نزلت إلَّا بعد الأمر بالقتال.
وكان المسلمون قد عزموا على المثلة بالمشركين لما فعل المشركون يوم
أحد بحمزة رحمه الله وغيره من المسلمين ، وقالوا : لنمثلن بهم مثلة لم
يمثلها أحد من العرب ، فقال لهم الله عز وجل : (وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا
بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ) . . . إما عن المُثلة
المماثلة لما فُعل
بَكم ، وإا عن تركها رأساً ، والاقتصار على القتل دونها.
ثم قال لنبيه - صلى الله عليه وسلم - : ((وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا
بِاللَّهِ) ؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - لَمَّا وقف على عمِّه حمزة ، رضي الله
عنه ، فنظر إلى شيء لم ينظر قط إلى شيء كان أوجع لقلبه منه ، ونظر إليه ، وقد مثل
به فقال : "رحمة الله عليك ، فإنك كنت ، ما علمتك ، فعولا للخيرات ، وصولاً
للرحم ، ولولا حزن من بعدك عليك لسرَّني أن أدعك حتى تحشر من أفواه شتى ، أما
والله مع ذلك لأمثلن بسبعين منهم ".
فنزل جبريل عليه السلام ، والنبي - صلى الله عليه وسلم - واقف ، بخواتيم
سورة النحل : (وإن عاقَبتم) الآيات الثلاث ، فصبر النبي - صلى الله عليه وسلم -،
وكفر عن يمينه ، ولم يمثلْ بأَحدٍ.
فقوله عز وجل لنبيه - صلى الله عليه وسلم - : (واصْبِرْ) كما يقال لمن يُعَزى في
مصيبة : اصبر واحتسب ، وهذا حكم باق إلى يوم القيامة ، ولم ينسخ ، وكل من نزلت به
نازلة فهو مأمور بالصبر ، وهذه السورة مكية إلا الآيات الثلاث .
(1/426)
سورة بني إسرائيل
الأول : قوله عزّ وجلّ : (وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا
(24)
قالوا : هو منسوخ بقوله عزّ وجل : (مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا
أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى)
قالوا : وبقوله عز وجل : (فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ
تَبَرَّأَ مِنْهُ).
وذا غير صحيح ؛ لأن الآية خطابها للمؤمنين في الاستغفار ، لا لآبائهم
المؤمنين إذا ماتوا ، وقد علموا أن الله لا يغفر لمن مات كافراً فلا وجه
لتناولها الآباء الكفَار.
الثاني : قوله عز وجل : (وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتيْمِ إلا بِالَّتِيْ هِيَ
أحْسَن)
قالوا : هو منسوخ بقوله عز وجل : (وَإنْ تُخَالِطُوْهُمْ فَإخْوَانُكمْ).
وقال آخرون : هو منسوخ بقوله عز وجل :
(فَلْيَأكلْ بِالْمَعْرُوْفِ) وليس ذلك بصحيح ، فإن الله
عز وجل قال : (إلا بِالتي هِيَ أحْسَنُ)
وقال في الأخرى : (وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ).
الثالث : قوله عزّ وجل : (وَمَا أرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ وَكِيْلاً)
قالوا : نسخ بآية السيف ، وقد تقدم الكلام على مثله ، وإنما الرسول - صلى الله
عليه وسلم - مبلغ ، وليس بوكيل ، وليست الهداية إليه.
الرابع : قوله عز وجلّ : (وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا)
زعموا أن ابن عباس رحمه الله ، قال : هي منسوخة بقوله
(1/427)
عز وجل في الأعراف :
(وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ) الآية.
أي أنه أمر في " سبحان " ألَا يُخافت بصلاته ، وأمره في الأعراف
بالمخافتة ، وقد تقدم أن ابن عباس رضي الله عنهما ، يطلق النسخ
على غير ما نطلقه نحن عليه ، هذا إنْ صحَ ذلك عنه ، وقد قال أبو
موسى ، وأبو هريرة ، وعائشة ، رضي الله عنهم : المراد بالصلاة ها هنا :
الدعاء ، وقد نهى النَبي - صلى الله عليه وسلم - عن رفع الصوت بالدعاء ، وقال :
"إنكم لا تنادون أصم " ، وقيل : يا رسول الله : أقريب ربنا فنناجيه أم
بعيد فنناديه ؟
فأنزل الله عز وجل : (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ)
فالآية على هذا محكمة ، وقال الحسن : المعنى لا
تجهر بصلاتك أي لا تراء بها في العلانية ، ولا تخافت بها أي تهملها
وتتركها في السر ، ولكن هذا التأويل يبطله قوله عز وجل : (وابتغْ بين
ذلك سبيلاً) إلا أن يريد أن الإخلاص والمحافظة سبيل
بين الرياء والتهاون ، فتكون الآية على هذا محكمة.
الخامس : قوله عز وجل : (إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا (34).
قال السدي : هذا منسوخ بقوله عز وجل : (إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ
اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا)
قال : فاقتضى قوله عز وجل (إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا) أنَ من يسأل عن
العهد يجوز أن يدخل الجنة ، ثم نسخ ذلك بقوله عز وجل : (أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ
لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ
يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (77).
(1/428)
وليس الأمر كما قال ، فإن
قوله عز وجل :
(إن الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأيْمَانِهِمْ) نزلت في اليهود ،
وعهد الله
عز وجل في كتابهم من نعت النبي - صلى الله عليه وسلم - ، (وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ
مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا
تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا
قَلِيلًا).
وقيل : إن قوماً من اليهود اشتدت عليهم معيشتهم ، فلجؤوا إلى المدينة ، فلما رجعوا
سألهم رؤساؤهم عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، فقالوا : هو الصادق لا شك فيه
، فقال رؤساؤهم حرمتم أنفسكم برنا ونفعنا ، فَحَكُّوْا من كتبهم صفة النبي - صلى
الله عليه وسلم - ، وأثبتوا صفة
غيره ، وقالوا لرؤسائهم إنْ كنا لغالطين ، وقالوا : إن الأمر فيه كما
تقولون ، وأخرجوا ما غيروه ، وبدلوه ، فنفعوهم وبروهم.
وأما قوله عز وجل : (وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا)
أي إذا عاهدتم الناس عهداً على شيء ، فأوفوا به فإن العهد مسؤول أي مطلوب ، أو
مسؤول عنه ، وليس بين الآيتين تعارض.
السادس : قال السدي في قوله عز وجل : (وَأوْفُوا الْكيْلَ إذَا كِلْتُمْ) الآية
نسخها قوله عز وجل : (وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ)
قال : فآية "سبحان " تقتضي أن من نقص الكيل والوزن كان مؤمناً ، ثم أوجب
الله تعالى له الويل ، والآية محكمة عند جميع العلماء ، وإنما أخبر الله تعالى في
" سبحان " أن إيفاء الكيل
(1/429)
والوزن العدل خير لمن فعله ،
وأحسن عاقبة ، والتأويل : العاقبة.
ومثل هذا من الخبر لا ينسخ ، وأخبر تعالى في المطففين بالويل
لمن طفف ، ولا تعارض بينهما ، ولا نسخ.
* * *
سورة الكهف
وليس في سورة الكهف شيء.
إلَّا أن السدي قال في قوله عز وجل : (فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ
فَلْيَكْفُرْ): هو منسوخ بقوله عز وجل : (وَمَا تَشَاْءوْنَ إلا أنْ يَشَاءَ
اللَّهُ).
والذي قاله باطل ، والمراد التهديد لا التخيير ، ولو فرض ما قاله لم يكن
قوله عز وجل : (وَمَا تَشَاْءوْنَ إلا أنْ يَشَاءَ اللَّهُ) معارضاً له ، ويلزم من
القول بأن هذا على التخيير إباحة الكفر ، ومن اعتقد أن الله عز وجل
أباح الكفر فهو كافر ..
* * *
سورة مريم عليها السلام
ليس فيها من المنسوخ شيء ، وقال قوم : قوله عز وجل :
(وَأنْذِرْهُمْ يَوْيَم الْحَسْرَةِ) نسخ بآية السيف وهذا من أعجب
الجهل ؛ أترى أنه لما نزلت آية السيف بطل إنذاره ، وتذكيره بيوم القيامة ؟
وقالوا فى قوله عزَّ وجلَّ : (فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا (59).
قالوا : نسخ بقوله : (إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ) وقد تقدم ذكر هذا.
وكذلك قالوا في قوله عز وجل : (وَإنْ مِنْكُمْ إلا وَارِدُهَا)
(1/430)
هو منسوخ بقوله : (ثُمَّ
نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا) ، وهذا خبر ، والخبر لا يصح نسخه من الله عز وجلّ ،
وأيضاً فإنّ الذين اتقوا نجوا بعد الورود ، فأين النسخ ؟
وعن النبي - صلى الله عليه وسلم - : الورود : الدخول ، لا
يبقى برٌّ ، ولا فاجرٌ إلَّا دخلها ، فيكون على المؤمنين برداً وسلاماً.
وسأل جابر بن عبد الله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك ، فقال :
"إذا دخل أهل الجنّة الجنة ، قال بعضهم لبعض : أليس وعدنا ربنا أن نرد النار
، فيقال لهم : قد وردتموها ، وهي خامدة ".
وقال ابن مسعود ، وقتادة ، والحسن : الورود : الجواز على الصراط.
وقال بعضهم : يجوز أن يكون خطاباً للكفار ، أعني منكم ، وعلى الجملة فهو غير
منسوخ.
وقالوا في قوله عزّ وجل : (فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدًّا) :
نسخ معناه بآية السيف ، وهذا خبر جاء على لفظ الأمر ، إعلاماً بأن ذلك
كائن ، ولا بد ؛ لأنّ أمر الله لنفسه بمعنى الخبر ، وقيل : إنه دعاء أي
فمد الله له في عمره ، وعلى الجملة فليس بمنسوخ.
وقالوا في قوله عز وجل : (فَلاَ تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ) : إنه
منسوخ بآية السيف ، وهذا تهديد ووعيد ، وليس بمنسوخ بآية
السيف .
(1/431)
سورة طه
ليس فيها منسوخ ، وأما قولهم في قوله عزَّ وجلَّ : (وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ
مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ) :
هو منسوخ بقوله عزَّ وجلَّ : (سَنُقْرِئُكَ فَلاَ تَنْسَى) فهو ظاهر البطلان.
فإن أمره بالتأني إلى أن تسمع من الملك حكم ثابت لم ينسخ.
وكذلك قوله عز وجل : (فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ
رَبِّكَ).
قالوا : إنه منسوخ بآية السيف ، وبإنزال الفرائض.
وليس كذلك.
قوله عز وجل : (فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُوْلُوْنَ) فقد تقدم القول في مثله.
وأما قوله عز وجل : (وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ) فقد قيل :
أراد بقوله : (قَبْلَ طُلُوْعِ الشَمْسِ) صلاة الفجر (وَقَبْلَ غُرُوبِهَا) :
الظهر
والعصر ، (وَمِنْ آنَاءِ الليْلِ) : العشاء الآخرة ، (وَأطْرَافَ النَّهَارِ) :
المغرب
والصبح ، وكرر ذكرها كما قال عز وجل : (حافظوا على الصلوات
والصلاة الوسطى).
وكذلك قوله عزّ وجل : (قُلْ كُلٌّ مُتَرَبِّصٌ فَتَرَبَّصُوا)
قالوا : نسخ بآية السيف ، وهذا وعيد ليس فيه نسخ.
* * *
سورة الأنبياء عليهم السلام
ليس فيها شيء من المنسوخ ، وقال قوم في قوله عزَّ وجلَّ :
(1/432)
(إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ
مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ (98) :
إنه منسوخ بقوله عزّ وجل : (إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى
أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ (101).
فما أدري بم يُرَد هذا القول لكثرة الوجوه المبطلة له ؟
أبكونه خبراً من الله عز وجل ، وخبره لا ينسخ.
أم بكونه خطاباً لكفار قريش بقوله عز وجل : (إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ
دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ (98).
وَمَا كانُوْا يَعْبُدُوْنَ الْمَسِيحَ ، وَلاَ الملائكة ، أم بقوله : (وَمَا تَعْبُدُوْنَ).
و"ما" لما لا يعقل ، أم بكونه قد تبيَّن بقوله سبحانه (إِنَّ الَّذِينَ
سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى) أنه لم يرد العموم بقوله : (وَمَا
تَعْبُدُوْنَ مِنْ دُوْنِ اللَّهِ) ؟
* * *
سورة الحج
ليس فيها منسوخ وقالوا في قوله تعالى : (وَإنْ جَادَلُوْكَ فَقُلِ
اللهُ أعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُوْنَ) ، نسخها آية السيف !
وقد قلنا إن آية السيف لا يصح أن تكون ناسخة لشيء من هذا ؛ لأنه - صلى الله عليه
وسلم - لم يكن قادراً على القتال منهياً عنه ، وإنما تنسخ آية السيف آية يكون فيها
نهيه عن القتال ، ولا تجد ذلك في القرآن ؛ لأن - العاجز عن القتال لا يُنهى عنه.
أفترى أنه بعد آية السيف لا يجوز أن يقول لهم : (اللهُ أعْلَمُ بِمَا
تَعْمَلُوْنَ).
وما يُروى عن السلف رحمهم الله مثل ابن عباس ، وغيره من
إطلاق النسخ في هذا إنما يريدون به الانتقال من حال إلى أخرى.
فأطلقوا على ذلك النسخ ، ونحن نريد بالنسخ رفع الحكم الثابت نصاً
بنص آخر ، لولاه لكان الأول ثابتاً ، وابن عباس وغيره لا يريدون بالنسخ
هذا.
(1/433)
وقالوا في قوله عزّ وجلّ :
(وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ)
هو منسوخ بقوله عزّ وجل : (فَاتَقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ)
وقد تقدم الكلام في هذا.
وأمّا ما ذكروه في قوله تعالى : (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ
وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى) من أنه منسوخ بقوله تعالى : (سَنُقْرِئُكَ
فَلاَ تَنْسَى)
فهذيان لا يسمع ، ولا يلوى عليه.
* * *
سورة المؤمنون
لا نسخ فيها.
وأما قولهم في قوله عزّوجلّ : (فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ)
وقوله تعالى : (ادْفَعْ بِالَّتِيْ هِيَ أحْسَنُ السَّيئَةَ)
إنهما منسوختان بآية السيف ، فغير صحيح ، وقد تقدّم الكلام
في مثله.
* * *
سورة النُّور
قوله عزّ وجلّ : (الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً
وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ
عَلَى الْمُؤْمِنِينَ (3)
في معنى هذه الآية أقوال :
قال ابن المسيّب ، فيما رواه مالك ، عن يحيَى بن سعيد ، عنه :
إنّها عامة ، وإنها منسوخة بقوله عزّ وجلّ : (وَأنْكحُوا الأيَامَى مِنْكُمْ)
ولم يفرّق بين زانية ، ولا عفيفة ، فكلّ من زنى بامرأة ، أو
رُمِيَ بها غيره جاز له أن يتزوّجها.
قال الشافعي - رحمه الله - : الآية
(1/434)
منسوخة ، إن شاء الله ، كما
قال ابن المسيب ، وكذلك يقول ابن عمر :
هي منسوخة بجواز نكاح الزانية ، وسالم ، وجابر بن زيد ، وعطاء.
وطاووس ، ومالك ، وأبو حنيفة ، والقول بأن الآية منسوخة يوجب أن
الزاني كان محرماً عليه أن ينكح عفيفة ، ولا يجوز له أن ينكح إلَّا زانية
أو مشركة ، وأن الزانية لا ينكحها إلا زانٍ أو مشرك ، وادعاء ذلك ليس
بالهيِّن ، ومتى أباح الله عز وجل نكاح المشركات غير الكتابيات لزناة
المسلمين ؟
ومتى أباح الله للزانية المسلمة أن تنكح المشرك ؟
فهذا القول واهٍ ظاهر السقوط.
ثم إن قوله عز وجل : (وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ)
يوجب على هذا القول أن يكون الزاني ، والزانية غير المشركين أن
يكونا غير مؤمنين.
وقال مجاهد ، وقتادة ، والزهري : هذه الآية نزلت في
قوم من المؤمنين أرادوا نكاح مومسات معلوم منهن الزنا في
الجاهلية.
وقال ابن عمر ، رحمه الله : استأذن رجل من المؤمنين النبي - صلى الله عليه وسلم -
في نكاح اْمرأة يقال لها أم مهزول ، اشترطت له أن تنفق عليه ، وكانت تسافح.
والآية لا تطابق ما ذكروه ، فكيف يكون سبباً لنزولها ؟
وكان ينبغي على ما ذكروه أن يكون أول الكلام : المؤمنون لا ينكحون
الزواني.
وفي ذلك أيضاً ما ذكرته فيما سبق.
وعن ابن عباس رحمه الله المراد بالنكاح الوطء ، أي أن الزاني
من أهل القبلة لا يزني إلا بزانية مثله من أهل القبلة ، أو بمشركة ،
(1/435)
والزانية من أهل القبلة لا
تزني إلا بزان مثلها من أهل القبلة ، أو
بمشرك ، وحرم ذلك أي وحرم الزنا على المؤمنين ، واختار هذا القول
الطبري.
وقال في قوله عز وجل : (وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ)
أي وحرم على المؤمنين نكاح المشركات الوثنيات ، وعلى المؤمنات نكاح
المشركين ، وليس هذا القول بمستقيم ، وأي فائدة في الإخبار بأن الزاني
لا ينكح إلا زانية أي لا يطإ إلَّا زانية ، وفي أن الزانية لا يطؤها إلا زانٍ ؟
ورد قوم من العلماء القول بأن المراد بالنكاح الوطء ، بقوله عز وجل :
(وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ) ، وقال : هو محرم على المؤمنين.
وغيرهم ..
وإنما المراد بالنكاح التزويج أي وحرم نكاح البغايا والزناة ، وهذا
الرد غير سديد ؛ لأنه لا يلزم من قوله عز وجل : (وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ)
أن يكون مباحاً لغيرهم ، وقد قال عز وجل :
(حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ) و (حرمت عليهم أمهاتُكم) الآية ، وإنما رده
بما ذكرته.
وقال صاحب الكشاف في هذه الآية : الفاسق الخبيث الذي من
شأنه الزنا والتقحب لا يرغب في نكاح الصوالح من النساء ، واللائي
على خلاف صفته ، وإنما يرغب في فاسقة خبيثة من شكله ، أو مشركة.
والفاسقة الخبيثة المسافحة كذلك لا يرغب في نكاحها الصلحاء من
الرجال ، وينفرون عنها ، وإنما يرغب فيها من هو من شكلها من الفسقة.
أو المشركين ، ونكاح المؤمن الممدوح عند الله الزانية ورغبته فيها.
وانخراطه بذلك في سلك الفسقة المتسمين بالزنا مُحرم عليه - محظور
(1/436)
لما فيه من التشبه بالفساق ،
وحضور موقع التهمة ، والتسبب لسوء القالة
فيه ، والغيبة ، وأنواع المفاسد ، ومجالسة الخطائين كم فيها من التعرض
لاقتراف الآثام ، فكيف بمزاوجة الزواني ، والقحاب.
وقد نبه تعالى على ذلك بقوله (وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ
مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ).
وقد قال هذا ، وهو يحسب أنه قد قال شيئاً.
ومتى كان الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة ؟
بل الزاني المتوغل في الزنا أكثر غيرةً من غيره.
ألا ترى إلى قوله "بقدر العفة تكون الغيرة"
فهو لا يرضى لنفسه أن تكون قعيدة بيته إلَّا في أبلغ درجات التصون ، وتراه يتخيل
من أدنى شيء لما عرفه من أحوال الزناة ، ولهذا أجاز مالك - رحمه الله - ولاية
الفاسق في النكاح.
ومتى أبيح للزاني نكاح المشركة الوثنية حتى لا يرغب إلا فيها ؟
ومتى رأينا الزناة يطلبون المشركات لنكاحهن كتابيات أو
غبر كتابيات ؟ ثم إن نكاح المشركات ليس فيه شيء مما ذكر ، ولو كان
فيه ذلك ، لما أباح الله عز وجل نكاح الكتابيات ، وأحله للمؤمنين.
فكيف تكون مخالطتهن والكون معهن محرم على المسلمين ؟.
ْفإن قيل : فما بقي للآية معنى تحمل عليه ؟
قلت : معناها تنفيرهمْ عن الزنا ، وتقبيحه في نفوسهم ؛ لأنّه عز وجل ذكر في الآية
التي قبلها حذ الزاني ، ونهى عن الرأفة بمن زنا ، وذكر أنها لا تجامع
الإيمان ، ثم قال في هذه الآية كالمؤكد لذلك إذا كان الزاني المشهور
بالزنا غير مرضي لنكاح من وليتم أمره ، بل هو مردود عن ذلك مصدود
استنكافاً له ، فلا ينكح إلا زانية مثله ، والزانية لا تجد ناكحاً لهجنتها إلا
(1/437)
زانياً ، أو مشركاً إن كانت
بشركة ، فإذا كانت هذه حال الزنا عندكم
فكيف ترضونه لأنفسكم ؟ فقد حرمه الله عليكم لما فيه من رفع
أقداركم ، وصرف السوء والفحشاء عنكم.
والزاني في قوله عز وجل (الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً
وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ) عام في كل زان مسلم
أو مشرك ، وفي كل زانية فهذا الجنس لا ينكح إلا زانية إن كان مسلماً ، أو مشركة إن
كان مشركاً ، ونزه الله المؤمنين من ذلك ، فحرّمه عليهم ، والآية محكمة ، والله
أعلم.
وقوله عز وجل : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ
بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا).
ليس بمنسوخ بقوله تعالى : (لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتًا
غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهَا مَتَاعٌ لَكُمْ) كما ذكروا ؛ لأن الأوْلى في البيوت
المسكونة ، يدل على
ذلك قوله عزَّ وجلَّ : (وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا) ، والثانية في البيوت التي
ينزلها المسافرون ، وبيوت الخانات ، والبيوت التي ليس بها أرباب ، ولا
سكان.
وقوله عز وجل : (وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ) الآية ،
ليس ذلك بمنسوخ ، بل هو محكم واجب على جميع النساء.
وقال قوم : نسخ بعضها. بقوله عز وجل : (وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي
لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ
غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ).
(1/438)
وليس هذا بناسخ ؛ لما تقدم
لمن تأمل.
وقوله عز وجلّ : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ
مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ).
روي عن ابن عباس - رحمه الله - أنّها منسوخة ، وكذلك قال
سعيد بن المسيّب ، وهذا مما يوضح مما قلته من أنّهم كانوا يطلقون
النسخ على غير ما نطلقه نحن عليه ؛ لأن ابن عباس ، رحمه الله.
سئل عن هذه الآية فقال : لا يعمل بها اليوم.
قال : وذلك أنّ القوم لم يكن لهم ستور ، ولا حجال ، فربما دخل الخادم والولد
واليتيم على الرجل ، وهو يجامع ، فأمر الله عز وجل بالاستئذان في هذه الساعات
الثلاث ، ثم جاء الله عز وجلّ باليسر ، وبسط الرزق ، فاتخذ الناس الستور والحجال ،
فرأى الناس أن ذلك قد كفاهم عن الاستئذان.
وقال ابن المسيب : هي منسوخة لا يعمل بها اليوم ، وهذا من قوله
دليل واضح على ما ذكرته ، فلا تغتر بقولهم منسوخ ، فإنهم لا يريدون به
ما تريد أنت بالنسخ ، والدليل على هذا أن هذه الآية لم يرَ ، لها ناسخ
من القرآن ، ولا من السنة على قول من يجيز نسخه بالسنة ، وأن حكمها
باق فيمن يكون حاله كحال من أنزلت فيه بإجماع.
قال الشعبي : ليست منسوخة فقيل له : إن الناس لا يعملون بها اليوم ، فقال : الله
المستعان.
وأكثر العلماء على أنها محكمة ، وحكمها باق ، والاستئذان غير
منسوخ.
(1/439)
وقوله عز وجل : (فَإِنْ
تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ)
قالوا : نسخت بآية السيف ، وهذا خبر ، وخبر الله عز
وجل لا ينسخ.
* * *
سورة الفرقان
ليس فيها نسخ.
وقالوا في قوله عز وجل : (وَإذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُوْنَ قَالُوْا سَلاَماً).
قال أبو العالية : قوله : (قَالُوا سَلاَماً) منسوخ بآية السيف
وتكلم في ذلك سيبويه ، ولم يتكلم في شيء من الناسخ
والمنسوخ إلَّا في هذه الآية.
قال : ولم يؤمر المسلمون يومئذ أن يسلموا على المشركين ، قال : ولكنه على قولك
"لاخير بيننا ولا شر ".
يعني - أن قوله (قَالُوْا سَلاَماً) معناه : تسلُّماً منكم ومتاركة ، لا نجاهلكم
(1/440)
لا خير بيننا ولا شر ، أي
نتسلم منكم تسلماً ، فأقيم السلام مقام التسلم.
وهذا التأويل يحتاج فيه إلى إثبات أن الجاهلين هم المشركون ، وأيضاً
فإن الله عزّ وجلّ وصف المؤمنين وأثنى عليهم بصفات ، منها : الحلم
عند جهل الجاهل ، والمراد بالجاهلين السفهاء ، وهذه صفة محمودة
باقية إلى يوم القيامة ، وما زال الإغضاء عن السفهاء ، والترفع عن مقابلة
ما قالوه بمثله من أخلاق الفضلاء ، وبذلك يقضي الورع ، والشرع.
والأدب والمروءة ، ثم وأي حاجة إلى القول : بأن ذلك منسوخ ؟
وقال زيد بن أسلم : التمست تفسير هذه الآية ، فلم أجده عند أحد
فأنبِئت في النوم ، فقيل لي : هم الذين لا يريدون فساداً في الأرض.
وقال ابن زيد : هم الذين لا يتكبرون في الأرض ، ولا يتجبرون ، ولا
يفسدون ، وهو قوله عز وجل : (تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ
لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا).
وقال الحسن : يمشون حلماء علماء لا يجهلون.
فإن جهل عليهم لم يجهلوا ، وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً ، أي إذا خاطبهم
الجاهلون بما يكرهون من القول أجابوهم بالمعروف ، والسداد من الخطاب ، قالوا :
تسلماً منكم ، وبراءة بيننا ، وبينكم ، ذلَّت والله منهم الأسماع ، والأبصار ،
والجوارح حتى يحسبهم الجاهل مرضى ، وما بالقوم من
مرض ، وإنهم لأصحاء القلوب ، ولكنهم دخلهم من الخوف ما لم يدخل
غيرهم ، ومنعهم من الدنيا علمهم بالآخرة ، فلما وصلوا إلى بغيتهم
(قالوا : الحمد لله الذي أذهَبَ عنا الحَزَن ، والله ما حزنتهم الدنيا ،
(1/441)
ولا تعاظم في أنفسهم ما
طلبواْ به الجنة أبكاهم الخوف من النار ، وأنه من
لم يعتز بعز الله يقطّع نفسه حسرات.
وكلام الحسن ، وما ذكرته من كلام غيره يدلّ على أنّ الآية محكمة ، وقول سيبويه
الذي قاله فيه نظر ؛ لأنه قال : لم يؤمر المسلمون يومئذ إن يسلّموا على المشركين ،
وهذا ليس بأمر ، إنّما هو شيء حكاه الله عزّ وجل عنهم ، وأثنى عليهم به.
فإن قيل : أراد سيبويه ، رحمه الله : لم يؤمروا أن يسلموا عليهم ، فكيف يسلمون
عليهم ؟
قلت : لا يفتقرون في ذلك إلى أمر من الله عز وجلّ ، فقد كانوا يسلمون عليهم.
وإن كان (سلام عليكم) أصله الدعاء ، إلَّا أنه قد يقوله من لا يريد الدعاء إنما
يريد الإحسان والإجمال في المخاطبة ، فإن أراد سيبويه هذا ، فهو حسن وإن أراد أنهم
لم يأتوا بالتسليم مريدين به التبرؤ ، فإن ذلك يبطل بقوله عز وجل في سورة القصص
حين أثنى على قوم من أهل الكتاب أسلموا (وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا
عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ
لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ (55).
وهذه الآية أخت تلك ، وقد عيب عليه قوله : "لا خير بيننا ولا شر".
وقال مكي في هذه الآية : إن هذا ، وإن كان خبراً ، فهو من الخبر الذي يجوز نسخه.
قال : لأنَه ليس فيه خبر من الله عز وجلّ لنا عن شيء يكون ، أو
شيء كان ، فينسخ بآية لا تكون ، أو بآية لم تكن. هذا الذي لا يجوز
فيه النسخ ، وإنما هذا خبر من الله عز وجل لنا أن هذا الأمر كان من فعل
هؤلاء الذين هم عباد الرحمن قبل أن يؤمروا بالقتال ، وأعلمنا في موضع
(1/442)
آخر نزل بعد فعلهم ذلك أنه
أمر بقتالهم ، وقتلهم ، فنسخ ما كانوا عليه.
قال : ولو أعلمنا في موضع آخر أنهم لم يكونوا يقولون للجاهلين
سلاماً لكان هذا نسخاً للخبر الأول ، وهذا لا يجوز ، وهو نسخ الخبر
بعينه ، والله عز وجل يتعالى عن ذلك.
قال : فإذا كان الخبر حكاية عن فعل قوم جاز نسخ ذلك الفعل
الذي أخبرنا به عنهم بأن يأمر بأن لا يفعلوه ، ولا يجوز نسخ ذلك الخبر.
والحكاية بعينها بأنها لم تكن ، أو كانت على خلاف ما أخبر به أولاً.
فاعرف الفرق في ذلك ، وقوله هذا لو فرضنا أن تأويل الآية أن الجاهلين
هم المشركون لا يصح به نسخ الآية ، لأن الله عز وجل إن كان نهاهم
عن فعله ، أو أمرهم أن لا يفعلوه بآية السيف ، فإن هذا الخلق الذي
أخبر به عنهم ، وهو قولهم (سلاماً) لم يكن بأمر من الله عزَّ وجلَّ ، وإنما
كانوا يفعلون ذلك من عند أنفسهم حلماً ، وتبرؤوا من المشركين كما
زعم من قال ذلك.
فإذا نزلت آية السيف ناسخة لذلك كانت ناسخة عادة كانوا
يفعلونها ، ولم تكن ناسخة قرآناً ، وهذه الآية مخبرة بما كانوا يفعلونه.
فكيف تنسخها آية السيف ؟
وهذا واضح.
وقالوا في قوله عزَّ وجلَّ : (وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا
آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ
وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68) يُضَاعَفْ لَهُ
الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا (69).
ذلك منسوخ بالاستثناء ، وهو قوله عز وجل : (إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ
عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ).
وهذا ظاهر البطلان ، وقد تقدم القول في مثله.
(1/443)
سورة الشعراء
ليس فيها نسخ.
وزعم قوم أن قوله عز وجل : (وَالشعَرَاءُ يَتبِعُهُمُ الْغاوُوْنَ)
منسوخ بقوله عزَّ وجلَّ : (إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ
وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا) . . . ، إلى آخرها وليس ذلك بنسخ لما ذكرت.
* * *
سورة النمل
ليس فيها نسخ.
وقال قوم في قوله عزَّ وجلَّ : (وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآنَ فَمَنِ اهْتَدَى
فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ) الآية : هو منسوخ بآية السيف ، وقد تقدم القول
في مثله ، وأنَه ليس بمنسوخ كما ذكروا.
* * *
سورة القصص
ليس فيها نسخ . وأمَّا قول من قال في قوله عز وجل : (وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ
أَعْرَضُوا عَنْهُ) الآية : إنه منسوخ بآية السيف
فقد قدمت القول فيه.
قال مجاهد : هي محكمة ، والمعنى أن المؤمنين كانوا إذا
أذاهم الكفار أعرضوا عنهم ، وقالوا : سلام عليكم أي : أمنة لكم منا ،
(1/444)
ولا نجاوبكم ، ولا نسابكم. لا
نبتغي الجاهلين : أي لا نطلب عمل
الجاهلين.
* * *
سورة العنكبوت
لا نسخ فيها.
وأمَّا قوله عزَّ وجلَّ : (وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي
هِيَ أَحْسَنُ)
وقول من قال : نسخت بآية السيف.
وهو قول قتادة ، فالآية محكمة عند الجمهور.
قال ابن زيد : هي محكمة ، والمراد من آمن من أهل الكتاب ، يعني : لا تجادلوا من
آمن من أهل الكتاب فيما يحدثون به عن كتابهم لعله كما يقولون.
وكانوا يفسرون التوراة بالعربية.
وقال مجاهد : هي محكمة ، والمراد المعاهدون أي إنما ئجادل من لا عهد له ،
ويُقِاتَل حتى يعطي الجزية أو يسلم ، وقيل : الذين ظلموا هم المفرطون في العناد ،
الذين لم تنفع فيهمْ المجادلة بالتي هي أحسن ، وقيل : الذين ظلموا.
واعتدوا ، فجعلوا لله ولداً ، أو شريكاً ، والذين قالوا : إن الله فقير ، ويد
الله مغلولة ، تعالى عن قولهم ، وقيل : من نقض الذمة ، ومنع الجزية.
فحينئذ يجادل بغير التي هي أحسن أي السيف.
وعن النبي - صلى الله عليه وسلم - "ما حدثكم به أهل الكتاب فلا تصدَقوهم ولا
تكذبوهم ، وقولوا آمنا بالله ، وكتبه ورسله ، فإن كان باطلاً لم تصدقوهم ، وإن كان
حقاً لم تكذبوهم"
فهي على جميع ما ذكرته محكمة ،
(1/445)
والظاهر أنها نزلت فيمن آمن ،
وأعطى الجزية إذا ذكر للمسلمين شيئاً من
كتابه فلا يجادل ، فأما من أقام على الكفر ، ولم يدخل في الذمة فجداله
السيف.
وقوله عزَّ وجلَّ : (وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا . . . )
إلى آخره ، هو المراد بالتي هي أحسن ، وقيل : إن هذه السورة نزل
من أولها إلى رأس العشر بمكة ، ونزل باقيها بالمدينة ، وإذا كانت
مجادلة الذين ظلموا منهم السيف فكيف تنسخها آية السيف ؟
وهي آية السيف ، والذين ظلموا هم الذين ذكرهم في براءة في قوله عز
وجل : (قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ
وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ
الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ
يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ (29).
وقالوا في قوله عز وجل : (قُلْ إِنَّمَا الْآيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا
أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ (50).
نسخ معنى النذارة بآية السيف ، وهذا ظاهر البطلان.
* * *
سورة الروم
ليس فيها نسخ.
وقالوا في قوله عزَّ وجلَّ : (فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا
يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ (60)
(1/446)
نسخها آية السيف ، وقد تقدم
رد ذكر ذلك.
* * *
سورة لقمان
ليس فيها نسخ.
وزعم قوم أن قوله عزَّ وجلَّ : (أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ)
منسوخ بقوله - صلى الله عليه وسلم - :
"لا تَقُلْ مَا شَاءَ اللَّهُ وَشِئت ، وَلكنْ قلْ ما شاء الله ثُمَّ
شِئْت".
أي نسخ الجمع بين الشكرين بالواو ، فيستوي الشكران ، ولكن يكون بثم فيقدم الشكر
لله كالمشيثة ، فعلى هذا لا يجوز أن تتلى هذه الآية ، وهذا خلف من القول.
وقالوا في قوله عز وجل : (وَمَنْ كَفَرَ فَلاَ يَحْزُنْكَ كُفْرُهُ)
نسخ معناها بآية السيف ، وليس كما قالوا ، وقد تقدم
الجواب.
* * *
سورة السجدة
ليس فيها نسخ.
وأما قولهم : إن قوله عز وجل في آخر السورة :
(فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَانْتَظِرْ إِنَّهُمْ مُنْتَظِرُونَ (30)
منسوخ بآية السيف ، فليس كذلك ، وهو وعد من الله لنبيه - صلى الله عليه وسلم - ،
ووعيد لهم ، وليس معنىٍ قوله
عز وجل : (فَأعْرِضْ عَنْهُمْ) اترك قتالهم ، فإنه - صلى الله عليه وسلم - لم يكن
قادرا على ذلك .
(1/447)
سورة الأحزاب
ليس فيها نسخ.
وقالوا : نسخ قوله عز وجل : (وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَدَعْ
أَذَاهُمْ)
بآية السيف ، وليس كذلك.
وقد تقدم القول في مثله
وقوله عزَّ وجلَّ : (لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلَا أَنْ
تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلَّا مَا
مَلَكَتْ يَمِينُكَ).
زعم قوم أنه منسوخ ، واختلفوا في ناسخه ، فقال قوم : نسخت بالسنة. رووا عن عائشة ،
وأم سلمة : "ما مات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى أحل له النساء
" -
وأخبار الآحاد لا تنسخ القرآن ؛ لأن القرآن العزيز مقطوع به ، وخبر
الواحد ليس كذلك ، فكيف يزال ما قطع به بما لم يقطع به ؟.
وقيل : الناسخ قوله عزَّ وجلَّ : (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا
لَكَ أَزْوَاجَكَ)
قالوا : هي من الأعاجيب نسخها بآية قبلها في النظم ، وقيل : نسخت بقوله عزَّ وجلَّ
قبلها ، (تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ)
وهذا القول إنما يقوله من قاله ظناً.
ألا ترى اختلاف القولين في الناسخ ما هو ، وإنما حملهم على ذلك ما
ظنوه من التعارض ، ولا تعارض لأن قوله عز وجل : (إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ
أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ) لا يعارض قوله سبحانه (لَا يَحِلُّ
لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلَا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ
أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلَّا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ)
(1/448)
ولا قوله عز وجل : (تُرْجِي
مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ) ؛ لأن
قوله عز وجل : (إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ) وقوله تعالى (تُرْجِي مَنْ
تَشَاءُ مِنْهُنَّ)
في نسائه اللاتي كن في عصمته ، فكيف يكون ذلك ناسخاً لقوله : (لَا يَحِلُّ لَكَ
النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ) وهذا في هذا الطرف كقول من قال في
الطرف الآخر : بل (لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ) ناسخ لما تقدم من
الآيتين ، وقد بينت أنه لا تعارض.
فلا ينسخ المتقدم المتأخر ، ولا المتأخر المتقدم.
وقد قال الحسن ، وابن سيرين : إنها محكمة ، وحرم الله على نبيه - صلى الله عليه
وسلم - أن يتزوج على نسائه ؛ لأنهن اخترن الله ورسوله فَجُوْزِيْنَ في الدنيا بهذا
، وهو قول حسن ، وهو الذي يشهد به القرآن ، وإن كان ابن
عباس - رضي الله عنهما - قد روي عنه أنها منسوخة بما تقدم.
فقد روي عنه أنها محكمة ، وقال : نهى الله رسوله - صلى الله عليه وسلم - أن يتزوج
بعد نسائه الأوَل شيئاً.
وكذلك قال قتادة : لما اخترن الله ، ورسوله ، والدار الآخرة قصره
الله عليهن ، وقصرهن عليه ، فقال عزَّ وجلَّ : (لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ
بَعْدُ) أي من بعد التسع اللواتي مات عنهن.
وقال أبى بن كعب : (وَلَا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ) معناه : ليس
لك أن تطلقهن بعد أن اخترن الله ورسوله ، وقيل : معنى (مِنْ بَعْدُ) أي
من بعد هذه القصة ، والسبب المتقدم الذكر.
(1/449)
وقال مجاهد ، وابن جبير :
إنما حربم عليه نكاح الكتابيات ؛ لأنهن
كوافر لئلا يكن أمهات للمؤمنين ، ومعنى (من بعد) أي من بعد
المسلمات أي من بعد نِكَاحِهِن.
* * *
سورة سبأ
ليس فيها نسخ.
وقوله عزَّ وجلَّ : (قُلْ لَا تُسْأَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا)
زعم قوم أنها منسوخة بآية السيف ، وقد تقدم القول في
مثله.
* * *
سورة فاطر
ليس فيها نسخ.
وقالوا في قوله عز وجل : (إِنْ أَنْتَ إِلَّا نَذِيرٌ (23)
معناها منسوخ بآية السيف ، وليس كذلك ، وقد تقدم.
* * *
سورة يس
لا نسخ فيها.
وليس بصحيح قول من قال : (فَلَا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ)
نسخ بآية السيف.
* * *
سورة الصافات
ليس فيها نسخ .
(1/450)
وقوله عزَّ وجلَّ :
(فَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ (174) وَأَبْصِرْهُمْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ
(175) :
وكذلك : (وَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ (178) وَأَبْصِرْ).
زعم قوم أن الآيات الأربعٍ نسخن بآية السيف ، وليس
كذلك ؛ لأني قد بينت أنه - صلى الله عليه وسلم - لم يكن قادرا على قتالهم ، فيؤمر
بتركه ، ثم جاءت آية السيف آمرة بالقتال.
* * *
سورة (ص)
لا نسخ فيها.
وقوله عز وجل : (اصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ)
زعموا أنه منسوخ بآية السيف وقد تقدم إبطاله ، وكذلك
قوله عز وجل : (إِنْ يُوحَى إِلَيَّ إِلَّا أَنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ (70)
قالوا : معناها منسوخ بآية السيف ، وليس كذلك . وكذلك قوله عز وجل :
(فَطَفِقَ مَسْحاً بالسوقِ والأعْنَاقِ)
قالوا : هو منسوخ بتحريم ذلك بالإجماع ، وبالسنة ، وهذا خلف من القول ، إنما حكى
الله تعالى ذلك عن نبيه ، ولم يشرع ذلك لنا ، ثم ينسخ بسنة ، ولا بإجماع.
وقوله عز وجل : (وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ)
زعم قوم أنَ ذلك منسوخ ، قالوا : وقال به مالك بن أنس ، رحمه
الله ، وقال : البرُّ بأتم الأفعال ، والحنث بأقلها احتياطاً للدين ، فلا
يجزئ عن مائة ضربة ضربة واحدة بمائة قضيب.
وقال مجاهد وغيره : هذا حكم خُصَّ به أيوب عليه السلام.
(1/451)
قال بعض مصنّفي الناسخ
والمنسوخ : وجعل الشافعي الآية
محكمة عامة معمولًا بها.
قال : وهو قول عطاء ، وأجاز في الرجل يحلف ليضربن عبده عشر ضربات أن يضربه ضربة
واحدة بعشرة قضبان.
وجعل الآية محكمة غير منسوخة ، ولا مخصوصة.
قال : وهذا مذهب يدل على أن شريعة مَنْ قبلنا لازمة لنا حتى يأتي
نص ينقلنا عنها.
قال : وهذا مذهب يتناقض ؛ لأن شرائع مَنْ قَبلنا
مختلفة في كثير من الأحكام ، والبينات ، والرتب ، والأعداد ، وغير ذلك
من تحريم ، وتحليل كما قال عزّ وجل : (لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً
وَمِنْهَاجًا)
قال : وإذا كانت مختلفة في التحريم والتحليل فكيف يلزمنا تحريم شيء وتحليله في
الحال الواحدة ؟
ولأن الشرائع مختلفة فبأي شريعة يلزمنا العمل ؟
إذ لا سبيل إلى العمل بالجميع لاختلافها.
وأما قوله عزّ وجل : (فَبِهُدَاهُم اقْتَدِهْ)
فإنما أراد الإيمان بالله ، وملائكته ، وكتبه ، ورسله ، وما لا تختلف فيه الأديان
، إذ غير جائز أن يكون المراد : فبشرائعهم اقتد.
قال : فإن ادعى مدع أنّ أيوب عليه السلام برَّ بذلك من يمينه ، وأنه إجماع من
شرائع الأنبياء ، فيلزمنا فعله ، سئل عن الدليل ، فلا يجد إليه سبيلاً.
قال : واختلف أصحاب مالك في مذهبه ، فمنهم من قال : مذهبه
العمل بشريعة من قبلنا ؛ لأنه قد - احتج بقوله عز وجل : (وكتَبْنَا عَلَيْهِمْ
فِيهَا) الآية.
(1/452)
ومنهم من قال : ليس ذلك مذهبه
، لأنه لم يخرج الحالف بمثل
يمين أيوب عليه السلام ، بمثل ما برَّ به في يمينه.
قال : والذي عليه أكثر أصحابه أن ما قصَّ الله علينا من شرائع مَنْ كان قبلنا ،
ولم ينسخه قرآن ، ولا سنة ، ولا افترض علينا ضده ، فالعمل به واجب نحو قوله تعالى
: (وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا).
قال : وقد اعترض على هذا القول بقصة أيوب عليه السلام في
بره بضوبة فيها مائة قضيب ، ولا يقول به مالك ، واعترض بقصة موسى
عليه السلام في تزويج إحدى الابنتين من غير تعيين.
فأقول : إن مالكاً ، رحمه الله ، إذا قال بنسخ هذه الآية فهو يقول :
بأن شريعة مَنْ قبلنا لازمة لنا ،ووإلا فلا حاجة أن يجعل الآية منسوخة.
وأما الشافعي ، رحمه الله ، فما حجته فيما صار إليه في أن من
حلف ليضربن عشر ضربات ، فضرب بعشرة قضبان أنه يخرج من يمينه.
إلا أنه رأى أن عشرة قضبان يصيب كل واحد منها المضروب هي كعشر
ضربات ، لا فرق بين ذلك ، كما لو كان في يديه قضيبان يضرب بهما
مرة واحدة بكلتا يديه أن ذلك مساو لضربة بيده الواحدة مرتين ، وكما
لو ضربه عشرة في مرة واحدة كان ذلك بمنزلة عشر ضربات من واحد.
لا فرق بين ذلك ، وليست الآية بحجة لما ذهب إليه ؛ لأن الآية لم
(1/453)
يشترط فيها أن يصيب جميع
قضبان الضغث جسم المضروب.
والشافعى ، رحمه الله ، يشترط ذلك.
فإن قيل : فقد جاء في الكلام في هذه المسألة ما يدل على
اعتقادهم أن الشافعي ، رحمه الله ، إنما بَنَى الكلام فيها على الآية.
قال أبو حامد : إذا قال لأضربنك مائة خشبة حصل البر ، بالضرب بشمراخ
عليه مائة من القضبان ، قال : وهذا بعيد على خلاف موجب اللفظ ، قال
الله تعالى : (وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ)
في قصة أيوب ، ثم لا بد أن يتثاقل على المضروب بحيث تنكبس به
القضبان حتى يكون لكل واحد أثر ، ولا بأس أن يكون وراء حائل إذا
كان لا يمنع التأثير أصلًا ، وفيه وجه أنه لا بد من ملاقاة الجميع بدنه.
ولا يكفي انكباس البعض على البعض ، قال : ثم لو شككنا في حصول
التثقيل أو المماسة إن شرطناها ، قال الشافعى : حصل البر ، ونص أنه
لو قال : لا أدخل الدار إلَّا أن يشاء زيد ، ثم دخل ، ومات زيد ، ولم
يعرف أنه شاء أم لا ، حنث ، فقيل قولان بالنقل ، والتخريج لأجل
الإشكال ، وقيل : الفرق أن الأصل عدم المشيئة ، ولا سبب يظن به
وجودها ، وللضرب ها هنا سبب ظاهر ، قال : ولو قال : مائة سوط بدل
الخشبة لم يكفه الشماريخ ، بل عليه أن يأخذ مائة سوط ، ويجمع.
ويضرب دفعة واحدة ، ومنهم من قال : يكفيه الشماريخ كما في لفظ
الخشبة.
أما إذا قال لأضربن مائة ضربة لا يكفي الضرب مرة واحدة
بالشماريخ ، فاستبعاده ذلك الحكم من الآية يدل على أن الآية هي
الأصل في ذلك ، قلت : لا يليق نسبه مثل هذا إلى الشافعى ، رحمه
الله ، وكيف تكون الآية عنده الأصل في هذه المسائل ؟
وليس في الآية صورة يمين أيوب عليه السلام ، إنما فيها سورة خروجه من اليمين.
(1/454)
وهذه الأحكام تختلف باختلاف
صور اليمين ، ونحن لا ندري هل
حلف أيوب عليه السلام ليضربن مائة سوط ، أو مئة ضربة ، أو مائة
عصا ، أو مائة خشبة ؟
ثم إن سورة خروجه من اليمين أيضاً غير مذكورة
في الآية ، إنما قال عزَّ وجلَّ : (خُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً) ، والضغث الحزمة
الصغيرة إما من المنبات ، أو من قضبان الشجر ، فأين شرط المماسة ، أو
الانكباس ؟
وعلى الجملة فليست الآية من هذه المسائل في شيء.
ولا يصح أن يقال : إنها منسوخة ، وكيف تنسخ ، وهي خبر عما أمر الله
به أيوب عليه السلام ، ورخص فيه له رحمة منه بالحالف ، والمحلوف
عليه ؟ وإن كانت منسوخة فأين الناسخ ؟
أيجوز أن يكون الناسخ لها قول إمام من الأئمة بخلافها مع أنه خبر لا يجوز نسخه ؟.
وأما شريعتنا فناسخه لجميع الشرائع ، ولا يلزمنا العمل بشيء من
شرائع مَنْ قبلنا ، ولو قص علينا ، وإنما عملنا بما فرض الله لنا ، وأمرنا
به ، وقوله تعالى : (وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ)
الآية لم يلزمنا
ما فيها ؛ لأن الله عز وجل كتبه عليهم في التوراة ، وإنما لزمنا ذلك بما
أنزله إلينا كقوله عز وجل : (يَا أيهَا الذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ
القِصَاصُ فِي
القَتْلَى) ، وبما حكم به نبينا - صلى الله عليه وسلم - في ذلك ، وقد قال الله
عز وجل : (وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ
يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا
أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ)
أي أنهم يهوون أن تحكم بشريعتهم.
فلا تحكم بها (لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ
اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً) إلى آخر
(1/455)
الآية.
ثم قال عزْ وجل : بعدها : (وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ
وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ
اللَّهُ إِلَيْكَ).
وأما قوله عز وجلّ : (ثُمَّ أوْحَيْنَا إلَيْكَ أنِ اتَبِعْ مِلَّةَ إبْرَاهِيْمَ
حَنِيفاً)
فإنما معناه : أن شريعتك هذه هي ملة إبراهيم ، فاتبعها ، وقال عز وجلّ :
(وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ
عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ
سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا
عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ)
فمعنى قوله عز وجل : (مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ) أي اتبِعوا ملتكم هذه فهي
ملة أبيكم إبراهيم ، وقد عدَّ قوم هذه الآية من المتشابه ، وليس كذلك ، وإنما أشكل
عليهم عود الضمير ، والمعنى ، والله أعلم ، أن قوله : (هُوَ اجْتَبَاكُمْ) عائد
إلى ربكم ، وقوله : (وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ) متعلق به.
وقوله عز وجل : (هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ) عائد أيضاً إلى ما
عاد إليه الضمير الأول أي سمَّاكم فيما تقدم من الزمان لأنبيائه ، وفيما أنزله من
كتبه.
وفي هذا أي وفي زمانكم هذا.
* * *
سورة الزمر
ليس فيها نسخِ.
وزعم قوم أن قوله عز وجل : (اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ
فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (39).
منسوخ بآية السيف ، وكذلك قوله عز وجل : (ومَا أنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ).
وليس ذلك بمنسوخ.
والقول فيه كما تقدم .
(1/456)
وقوله عز وجل : (إن اللّه
يَغْفِرُ الذُنُوبَ جَمِيعاً)
قال قوم : هو منسوخ بقوله عز وجل : (إن الله لَا يَغْفِر أنْ يُشْرَكَ بِهِ)
وليس كما زعموا ، وإنما المعنى : لا تقنطوا من رحمة الله ، عز وجل.
للذّنوب التي ارتكبتموها في حال الكفر ، فإن الإسلام يمحوها.
(وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ) - إلى قوله عَز وجل - وكُنْتَ مِنَ
الكافِرِيْنَ).
وهذا خبر لا يجوز نسخه.
* * *
سورة المؤمن
ليس فيها نسخ.
وهي أول آل حم نزولاً ، ثم التي تليها إلى
انقضاء السبع ، فهي في التأليف على حسب النزول عند قوم.
وقالوا في قوله عز وجل : (فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ)
في الموضعين منها إنه منسوخ بآية السيف ، وليس كذلك ، وقد سبق
القول في ذلك.
* * *
سورة فصلت (السجدة)
ليس فيها نسخ.
وقال ابن حبيب في قوله عز وجل : (اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ) :
هو منسوخ بقوله عز وجل : (وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ)
وليس هذا بمنسوخ كما ذكر وقد قدمت القول في مثل هذا.
وكيف يظن من لديه تحصيل أن قوله عز وجلّ :
(اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ) تفويض ؟
وهذا قول مظلم ، كيفما تدبرته ازداد ظلمة.
ومما فيه أنه كان لنا أن نعمل ما شئنا من غير مشيئة الله تعالى ،
(1/457)
ثم نسخ بأنا لا نشاء شيئاً
إلّا أن يشاء الله ، وهذا ضرب من الهذيان.
وقالوا في قوله عز وجل. (ادْفَعْ بالتِي هِيَ أحْسَنُ) :
إنه منسوخ بآية السيف ، وليس كذلك ، إنما هذا ندب إلى الحلم عند جهل الجاهل.
قال ابن عبّاس : هما الرجلان يسبُّ أحدهما الآخر ، فيقول
المسبوب للسابِّ : إن كنت صادقاً فغفر الله لي ، وإن كنت كاذباً فغفر الله
لك ، فيصير السابُّ كأنه صديق لك ، وقريب منك ، والحميم الخاص
بك.
قاله أبو العباس محمد : وقيل : الحميم : القريب ، أي ادفع بحلمك
جهل من جهل ، وبعفوك إساءة المسيء ، وقال ابن عبّاس : أمر الله
المسلمين بالصبر عند الغضب ، وبالعفو ، والحلم عند الإساءة ، فإذا
فعلوا ذلك عصمهم الله من الشيطان ، وخضع لهم من أساء حتى يصير
كأنّه ولي حميم.
وقال مجاهد : ادفع بالسلام إساءة من أساء إليك تقول
له إذا لقيته : السلام عليكم ، وقال عطاء مثل ذلك.
* * *
سورة الشورى
ليس فيها نسخ ، وما ذكروه عن وهب بن منبّه أنه قال في قوله
عزّ وجلّ : (وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الأرْضِ) :
هو منسوخ بقوله عز وجل في سورة المؤمن : (وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلذِينَ آمَنُوا).
وقيل : هو منسوخ بقوله عز وجلّ : (فَاغْفِرْ لِلذِينَ تَابُوْا)
وهذا تفسير استغفارهم ، وليس غير الأول ، وعلى الجملة فليس هذا بناسخ لما في
الشورى ، فإن استغفارهم للمؤمنين ليس بمعارض لقوله
(1/458)
(وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ
فِي الأرضِ)
وهذا خبر من الله عز وجل ، فلا يصح أن تتناقض أخباره ، وينسخ بعضها بعضاً ، وأيضاً
فإن سورة المؤمن نزلت قبل الشورى ، فيؤدي هذا إلى أن الله عز وجل أنزل كلاماً
منسوخاً حين أنزله.
وقالوا في قوله عز وجل : (وَمَا أنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ)
هو منسوخ بآية السيف ، وليس كذلك ، وإنما المعنى : والذين اتخذوا من
دونه أولياء ، أي آلهة يعبدونها من دون الله ، الله حافظ عليهم أعمالهم
يحصيها ، ويجازيهم عليها ، وما أنت عليهم بوكيل بحفظها عليهم.
إِنما أنت مبلغ ، ورسول ، ومنذر ، فعليك التبليغ والحساب على الله
عزَّ وجلَّ.
وقالوا أيضاً في قوله عز وجل : (لَنَا أعْمَالُنَا وَلَكُمْ أعْمَالُكُمْ)
إِلى آخر الآية : منسوخ بآية السيف ، وليس كما قيل ، وهو خطاب لليهود.
والنصارى أي : لنا جزاء أعمالنا ، ولكم جزاء أعمالكم ، لا حجة بيننا
وبينكم.
قال مجاهد ، وابن زيد ، وغيرهما : لا خصومة ؛ لأن الحق قد
تبين لكم ، فجد لكم بعد ذلك فيما علمتم صحته عناد ، فلا نحاجكم
فيما علمنا أنكم تعلمون صحته ، وتنكرونه ، (الله يجمع بيننا) وبينكم
في الموقف.
وقالوا في قوله عز وجل : (مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي
حَرْثِهِ) :
هو منسوخ بقوله عز وجل :
(1/459)
(مَنْ كَانَ يُرِيدُ
الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ)
روى ذلك الضحاك ، عن ابن عباس ، رحمه الله ، وليس بين الآيتين نسخ.
وهما محكمتان ، وهذا خبر ، والخبر من الله عز وجل لا ينسخ ، ولا
تعارض بين الآيتين أيضاً ؛ لأن معنى قوله عز وجل : (نزِدْ لَهُ في حَرثِهِ)
إن شئنا ، و (مَنْ كَانَ يُرِيْدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا) إن شئنا ؛
لأن من
المعلوم أن الأشياء إنما يفعلها بمشيئته ، ولا مكره له عليها ، فمعنى
الآيتين واحد.
وأيضاً فإن (سبحان) نزلت قبل (الشورى) ، فإن كانت آية ناسخة
لآية بعدها ، فالآية الثانية نزلت منسوخة ، وإذا نزلت منسوخة سقطت
فائدتها ، هذا لو كان ذلك في الأحكام فكيف في الأخبار التي لا يجوز
نسخها ؟
وفي هذه الرواية عن ابن عباس رضي الله عنه نظر.
وقال بعض العلماء : معنى قول ابن عباس ، رضي الله عنه في
هذا ، ونظيره ، إن صح قولهم عنه ، أنه ناسخ ومنسوخ ، أي هو على
نسخته ، أي مثله في المعنى ، وإن لم يكن مثله في اللفظ ، ولا يعجبني
هذا التأويل.
وقالوا في قوله عز وجل : (قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا
الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى) :
هو منسوخ بقوله عزَّ وجلَّ في سورة سبأ : (قلْ مَا سَألْتُكُمْ مِنْ أجْرٍ فَهُوَ
لَكُمْ) وهذا غير صحيح ، لأن (سبأ) نزلت قبل (الشورى) فتكون آية الشورى قد نزلت
منسوخة ، ومعنى قوله : (مَا سَألْتُكُمْ مِنْ أجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ)
أي إني لا أسالكم أجراً ، فإن
(1/460)
سألتكم أجراً فخذوه ، فهو لكم
، وقوله (إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى) ، لا
يعارض هذا ، ولا ينافيه ، وقيل : معناه : ما سألتكم من أجر إلَّا ما
هو لكم ، وعائد بنفعه عليكم ، وهو الإيمان ، والإسلام ، وطاعة الله عز
وجل ، فتكون الآية على هذا في معنى إلَّا المودة في القربى ؛ لأن المودة
في القرابة تلزمهم كما تلزمه ، فإذا سألهم المودة في القربى ، فقد سألهم
ما هو لهم ، وما نفعه لهم ، وذلك أن بطون قريش كلها بينها وبينه - صلى الله عليه
وسلم - قرابة ، فما سألهم على ما جاء به من الهدى ، والفوز ، والنجاة إلا مودتهم ،
وصلة الرحم بينهم وبينه ، ولا خفاء أن ذلك راجع بالنفع عليهم ، فالذي سألهم هو
لهم.
وقيل : إن الأنصار افتخرت بأفعالها على قريش ، فقال بعض
عترة النبي - صلى الله عليه وسلم - لهم : لنا الفضل عليكم ، فقال لهم النبي - صلى
الله عليه وسلم - : يا معشر الأنصار : ألم تكونوا أذلة ، فأعزكم الله بي ؟ قالوا :
بلى يا رسول الله ، فقال : ألم تكونوا ضُلالاً ، فهداكم الله بي ؟ قالوا : بَلَى
يا رسول الله
قال : أفلا تجيبونني ؟
قالوا : ما نقول يا رسول الله ؟
قال : ألا تقولون : ألم يخرجك قومك ، فآويناك ؟
ألم يكذبوك ، فصدقناك ؟
ألم يخذلوك ، فنصرناك ؟
فما زال يقول حتى جثوا على الركب ، وقالوا :
أموالنا ، وما في أيدينا لله ولرسوله ، فنزلت (قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ
أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى).
وهذا المعنى أيضاً لا يعارض آية سبأ ؛ لأن مودة قرابة النبي - صلى الله عليه وسلم
- نفعها لهم.
على أن هذا التأويل يعترض عليه أن السورة مكية ، والمعنى الأول أحسن ، وعليه
العلماء.
(1/461)
فال ابن عباس : المعنى : قل
لقريش : لا أسالكم على ما جئتكم
به أجراً إلا أن تتوددوا إلى الله عز وجل ، وتتقربوا إليه بالعمل الصالح.
وكذلك قال الحسن : إلَّا التقرب إلى الله عز وجل ، والتودد إليه بالعمل
الصالح.
وقالوا في قوله عز وجل : (وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ
يَنْتَصِرُونَ (39)
إنه منسوخ بآية السيف ، وليس كذلك.
قال النخعي : كانوا يكرهون أن يذلوا أنفسهم ، فيجترئ عليهم
الفساق ، وهذا تأويل حسن به يظهر معنى الآية ؛ لأن من كان بهذه
المثابة استحق أن يثنى عليه ، فلذلك أثنى الله عزَّ وجلَّ عليهم.
وقال السدي : هو كل باغ أباح الله عز وجل الانتصَار منه.
وقالوا في قوله عزَّ وجلَّ : (وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا)
نسخ بقوله عز وجل : (فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ)
وهذا غير صحيح ؛ لأن الله عز وجل حدَّ لمن جازى من أساء ألا يتجاوز
المماثلة ، ولم يحتم عليه أن يجازي المسيء ، ولا أوجب ذلك عليه ، ثم
ندب إلى العفو بقوله سبحانه : (فأجْرُهُ عَلَى اللَّهِ) فأي نسخ في هذا ؟
وكذلك قالوا في قوله عز وجل : (وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ
مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ (41) إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ
يَظْلِمُونَ النَّاسَ). الآية.
قالوا : هاتان الآيتان منسوختان بقوله عز وجل :
(ولَمَنْ صَبَرَ وغَفَرَ إن ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأمُورِ)
والقول فيها كالقول في التي قبلها .
(1/462)
ومن العجائب قولفم :
(إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي
الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ)
إنه منسوخ.
وقالوا في قوله عزَّ وجلَّ : (ومَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَمَا لَهُ مِنْ سِبِيلٍ)
إلى قوله - (فَإِنْ أَعْرَضُوا فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا إِنْ
عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ).
نسخ جميع ذلك بآية السيف ، وقد سبق من القول في ذلك ما
فيه كفاية.
* * *
سورة الزخرف
لا نسخ فيها.
وقد سبق من القول في ذلك ما فيه كفاية. -
وقالوا في قوله عز وجل : (فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتى يُلاَقُوا
يَوْمَهُمُِ الَذِي يُوْعَدُونَ)
وقوله عز وجل : (فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وقُلْ سَلاَمٌ فسَوْفَ يَعْلَمُونَ)
نسختا بآية السيف ، وقد تقدم رد ذلك.
* * *
سورة الدخان
لا نسخ فيها.
وقوله عز وجل (فَارْتَقِبْ إِنَّهُمْ مُرْتَقِبُونَ (59)
قالوا : هو منسوخ بآية السيف ، وقد تقدم الدليل على بطلان ذلك
ونظائره.
* * *
سورة الشريعة
قوله عز وجل : (قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لَا يَرْجُونَ
أَيَّامَ اللَّهِ)
روي عن ابن عباس ، رضي الله عنه ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم -
كان يعرض عن المشركين إذا آذَوْه ، وكانوا يهزؤون به ، ويُكَذَبُونَهُ ، ثم
(1/463)
أمره الله عز وجل أن يقاتلهم
كافةً".
قال : فكأنَّ هذا من المنسوخ.
وقد قلت فيما تقدم : إن ابن عباس - رضي الله عنهما - ، يُسمي تغير الأحوال نسخاً ،
وإنما يصح أن يكون هذا منسوخاً على المراد بالنسخ ، عندنا أن يكون النبي - صلى
الله عليه وسلم - قادراً على قتالهم منهياً عنه ، ثم جاء الأمر بالقتال ، فيكون
ذلك ناسخاً ، وليس في هذه الآية زيادة على الآيات التي أمر فيها بالصبر ، وقد أشار
فيها إلى وعيدهم ، والنصر عليهم بقوله سبحانه : (لِيَجْزِيَ قَوماً بِمَا كَانُوا
يَكْسِبُونَ).
وقد روي عن ابن عباس أيضاً ، والضحاك ، وقتادة : أنها نزلت في رجل من المشركين
سبَّ عمر بن الخطاب ، رضي الله عنه ، فهمَّ أن يبطش به ، فنزلت ، وذلك بمكة قبل
الهجرة.
فإن أريد بالذين آمنوا عمر ، رضي الله عنه ، وأريد بالذين لا
يرجون أيَّام الله ذلك الذي سبَّه فقوله عز وجل : (وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ
كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً) لا يكون ناسخاً لهذه ، وإن
أريد العموم ، فقد كانوا غير قادرين على قتالهم ، فلا يكونون منهيين
عنه ، وإنما كانوا مأمورين بالصبر.
وقال قتادة ، والضَّحَّاك : نسخها (فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ)
وقال أبو هريرة - رحمه الله - نسخها (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ
ظُلِمُوا).
ولو كان قولهم في النسخ راجعاً إلى النقل لما اختلفوا في الناسخ ما هو ؟ واختلافهم
يدلّ على أنهم قالوا ذلك ظناً .
(1/464)
سورة الأحقاف
ليس فيها نسخ.
وقال قوم : فيها آيتان : الأولى : قوله عز وجل : (وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي
وَلَا بِكُمْ)
قال أبو القاسم هبة الله بن سلامة : وليس في كتاب الله عَز وجل منسوخ طال حكمه
كهذه الآية ، عمل بها بمكة عشر سنين ، وعيَّره به المشركون.
ثم هاجروا إلى المدينة فبقوا ست سنين يعيرهم المنافقون.
فلما كان عام الحديبية خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على أصحابه ، ووجهه
يتهلل ، فقال : لقد نزلت على اليوم
آية ، أو قال : - آيات ، هي أحب إليَّ من حمر النعم ، أو قال : مما طلعت
عليه الشمس.
فقال له أصحابه وما ذلك يا رسول الله ؟
فقرأ عليهم : (إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا (1) لِيَغْفِرَ لَكَ
اللَّهُ) - إلى قوله عزَّ وجلَّ - (وكانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً).
فقال له أصحابه : ليهنك ما أنزل الله فيك ، فقد أعلمك ما يفعل بك.
فماذا يفعل بنا ؟ فنزلت : (وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ
فَضْلًا كَبِيرًا (47).
وقوله عز وجل : (لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي
مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ
سَيِّئَاتِهِمْ وَكَانَ ذَلِكَ عِنْدَ اللَّهِ فَوْزًا عَظِيمًا (5).
(1/465)
فقال المنافقون ، والمشركون :
قد أعلمه الله ما يفعل به ، وما يفعل بأصحابه.
فماذا يفعل بنا ؟ فنزلت (بَشرِ المُنَافِقِينَ بِأن لَهُمْ عَذَاباً ألِيماً).
ونزلت (وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ) ، من أهِل المدينة.
(وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ) ، من أهل مكة ، وغيرهم (الظَّانِّينَ
بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ . . . ).
وقال ابن أبي : هب أنه غلب اليهود ، فكيف له قدرة بفارس
والروم ؟ فنزلت (وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ).
أكثر من فارس والروم.
قال : وليس فىِ كتاب الله عز وجل كلمات منسوخة ، نسختها سبع آيات إلا هذه.
وقال مكي بن أبي طالب ، رحمه اللّه : روي عن ابن عباس
أنه قال : نسخها (إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا) الآية قال : وإلى
هذا ذهب ابن حبيب ؛ لأن الله جل ذكره قد أعلمه حاله ، وأنه مغفور له
كل ذنوبه في الآخرة.
قال مكي : وهذا يجوز على قول من قال : معناها : ما يفعل بي ، ولا بكم في الآخرة ؟
قال : فأما من قال : ما يفعل بي ، ولا بكم في الدنيا من تقلب الأحوال فيها ،
فالآية عنده محكمة ، وهو قول الحسن ، رحمه الله ، وهو قول حَسَنٌ ؛ لأنّ النبي -
صلى الله عليه وسلم -
(1/466)
إنما نفى عن نفسه علم الغيب
فيما يحدث عليه ، وعليهم في الدنيا
قال : ألا ترى إلى قوله (إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ)
يريد في الدنيا ، قال : وأيضاً فإن الآية خبر ، ولا ينسخ الخبر.
وأيضاً فإنه - صلى الله عليه وسلم - قد علم أنَّ من مات على الكفر فهو مخلد في
النار ، فكيف يقول : (مَا أدْري مَا يُفْعَلُ بِيْ وَلاَ بِكُمْ) في الآخرة ، وقد
أعلمه الله عزّ وجل بما يؤول إليه أمر الكفار في الآخرة ، وهذا مثل قوله
ْ(وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا
مَسَّنِيَ السُّوءُ)
أي لو علمت الغيب لتحفظت من الضرّ ، فلم
يلحقني في الدنيا ضر.
قال : فالظاهر أن الآية محكمة نزلت في أمور الدنيا.
وأقول مستعيناً بالله : إن الآية محكمة على كل حال.
قول مكي : إن نسخها إنما يجوز على قول من قال :
"ما يفعل بي ولا بكم في الآخرة دون الدنيا" ؛ لأن الله قد أعلمه أنه
مغفور له فى الآخرة ، فليست بمنسوخة ، وإن كان الله عز وجل قد أعلمه بذلك ؟ - لأن
المعنى : أنّي لا أعلم من الأمير شيئاً إلا ما أعلمني به الله عز وجل ، يدل
على ذلك قوله عز وجل (إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ) ، وليس لي من علم
الغيب شيء ؛ لأنهم كانوا يسألونه عن المغيبات ، فأمر بأن يقول : ما أنا
ببدع من الرسل : خارج عما كانوا عليه ، إذ كانوا إنما يفوهون بما يُوحى
إليهم ، ولا يخبرون بغير ذلك (قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ
تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ) ، فإعلامه بعد ذلك
بما يكون
منه في الآخرة لا يكون ناسخاً لهذا.
وأما قول هبة الله : فقال المشركون ، وقال المؤمنون : فما يكون
(1/467)
منا ، فأنزل الله عز وجل كذا
وكذا إلى آخر ما ذكره فكلام غير مستقيم.
أما ما ذكره عن المؤمنين ، وما أنزل فيهم من قوله عز وجل (وَبَشرِ المُؤْمِئِينَ)
فلا يكون ناسخاً لهذه الآية ؛ لأن قوله عزّ وجل : (قُلْ مَا
كنْتُ بِدْعاً مِنَ الرسُلِ) الآية إنما هو خطاب للمشركين
فكيف ينسخه (وبشر المؤمنين) ؟
وكذلك قوله في المنافقين ، وأما ما ذكره عن المشركين في قوله عزّ وجلّ :
(والمُشْرِكينَ والمُشْرِكَاتِ) فليس بناسخ لهذه الآية ؛ لأن الإعلام وقع بتعذيب
ْالمشركين ، والمشركات ، ولم يقع بتعذيب المخاطبين ، ولا أعلم بما
يفعل بهم ، ولقد آمن منهم جمع كثير ، وعدد كثير ، فليس في الإعلام
بتعذيب الكافرين والمنافقين ، وفوز المؤمنين ، ونعيمهم في الآخرة نسخ
لقوله سبحانه : (وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ) ؛ لأن ذْاك إعلام
بعاقبة
الفريقين من المؤمنين وغيرهم ، وهذا خطاب لقوم لا يدرى من أي
الفريقين هم في الآحْرة..
والآية الثانية قوله عز وجلّ : (فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ
الرُّسُلِ)
قالوا نسخ بآية السيف ، وقدْ ذكرت أن ذلك غير صحيح ، وقدمت القول فيه.
* * *
سورة محمد - صلى الله عليه وسلم -
ليس فيها نسخ.
وقال ابن جريج ، والسدي ، وغيرهما في قوله عز وجل :
(فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا
أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً
حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا)
نسخ جميع ذلك بآية السيف ، فلا يجوز المنّ على المشرك ، ولا الفداء ، إلا على من
لا يجوز قتله كالصبي ، والمرأة .
(1/468)
وقال الضحاك ، وعطاء : هذه
الآية ناسخة لقوله عز وجل :
(فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ)
فلا يقتل مشرك صبراً ، لكن يمنُّ عليه ، ويفادى به إذا أسر ، وهذا يدلك على أنهم
تكلموا في النسخ بالظن ، والاجتهاد ، فمن ثم قال قوم : هو منسوخ.
وقال قوم : بل هو ناسخ ، وقال عامة العلماء بأنْ لا نسخ ، والنبي - صلى الله عليه
وسلم - مخير بين الفداء ، والمنِّ ، والقتل ، والاسترقاق.
وروي مثل هذا عن ابن عباس - رحمه الله -.
وقالوا في قوله عز وجل : (وَلَا يَسْألْكمْ أمْوَالَكمْ).
قال هبة الله : هو منسوخ بقوله عز وجل : (إِنْ يَسْأَلْكُمُوهَا فَيُحْفِكُمْ
تَبْخَلُوا وَيُخْرِجْ أَضْغَانَكُمْ (37).
وهذا من أعجب ما مرَّ بي ، وكيف يقول هذا ذو لبٍّ ومعرفة ؟
وهل يفهم من هذا أنه عاد إلى خلاف ما أخبر به ؟
وإنما المعنى : ولا يسألكم جميع أموالكم ، فيكون ذلك إحفاء في
المسألة.
ألا ترون أنه يدعوكم لتنفقوا في سبيل الله ، فيبخل بعضكم.
فكيف لو سألكم أموالكم ؟
ولم يذكروا في الفتح ، ولا في الحجرات شيئاً من المنسوخ
فلتهنهما العافية.
* * *
سورة (ق)
ليس فيها منسوخ.
وقالوا : فيها آيتان منسوختان :
(1/469)
قوله عزَّ وجلَّ : (فَاصْبِرْ
عَلَى مَا يَقُولُونَ)
وقوله عز وجل : (وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ).
قالوا : نسختا بآية السيف.
وقد قدمت القول في ذلك ، وقد قال قوم في الآية الأولى : إنها نزلت
في قوم من اليهود سألوا النبي - صلى الله عليه وسلم - مسائل بمكة ، وتكلموا بكلام
منكر ، فأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بالصبر عليهم ، فهي مخصوصة في قوم
بأعيانهم.
* * *
سورة الذاريات
ليس فيها منسوخ.
وقال الضحاك في قوله عز وجل : (وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ
وَالْمَحْرُومِ (19).
هو منسوخ بآية الزكاة.
قال : وحسُن نسخه ؛ لأنه خبر في معنى الأمر.
وقال الحسن ، والنخعى : الآية محكمة ، وفي المال حق غير
الزكاة.
قال مكى ، وهو الذي يوجبه النظر ، وبه قال أهل العلم : إنها في
غير الزكاة على الندب لفعل الخير ، والتطوع بالصدقة ، فهي ندب غير
منسوخة.
فأما قول الضحاك فليس بشيء ؛ لأن الله عز وجل ما أوجب في
المال قبل الزكاة فرضاً آخر ، فتنسخه الزكاة.
وقول الحسن ، والنخعى : إن في المال حقاً غير الزكاة ، فهذه
الآية ليست في ذلك ، وإنما وصفهم الله عزَّ وجلَّ بما فعلوه من غير
إيجاب عليهم ، ولا ندب لهم ، وإنما فعلوا ذلك ، ويفعلونه تسخياً.
ومروءة ، سواء أكانوا ممن تجب عليهم الزكاة أم ممن لا يبلغ مالهم ذلك ،
(1/470)
يرون أن عليهم حقاً للسائل
والمحروم ، فالسائل الذي يسأل الناس.
والمحروم الذي لا يسأل ، قاله الزهري.
وقال ابن عباس : المحارَف ، وقال ابن الحنفية : هو الذي لم
يشهد الحرب ، فيكون له سهم في الغنيمة ، وقال زيد بن أسلم : هو
الذيِ لحقته في زرعه جائحة ، فاهلكته وأتلفته.
وقال عكرمة : هو الذي لا يُنمَّى له شيء ، وهذا هو قول ابن عبَاس بعينه ، وفي
معناه أيضاً قول مالك ، رحمه الله : هو الفقير الذي يحرم الرزق ، وعن عمر بن عبد
العزيز : المحروم : الكلب.
وهو بعيد من سياق الآية.
وقال هبة الله في قوله عز وجل : (فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَمَا أَنْتَ بِمَلُومٍ (54).
هو منسوخ بقوله عز وجل : (وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ
(55).
وقال الضحاك : هي منسوخة بالأمر بالإقبال عليهم ، وتبليغهم الرسالة ، ووعظهم.
ويلزم من هذا أنه أمر في هذه الآية بترك التبليغ للرسالة ، ثم
أرسل بعد ذلك ، فنسخ ما كان أمر به من ترك الرسالة ، والإنذار ، وهذا
لم يكن قط ، وإنما معناه : فتول عن تكذيبهم ، وإصرارهم على الكفر.
كما قال عز وجل : (فَأعْرِضْ عَنهُمْ) ولم يرد بذلك الإعراض عن
التبليغ ، والإنذار ، وإنما أراد الإعراض عما يصدر منهم ، وما كان يشق
عليه من ضلالهم ، وما يأخذ به من شدة الحرص على إيمانهم
(لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (3).
قال بعض
(1/471)
العلماء : وليس قوله (فَمَا
أنْتَ بِمَلُوْمٍ)
بوقف ، بل هو مأمور بالتذكير مع التولي ، وقال قتادة :
ذكر لنا أنها لَمَّا نزلت اشتد ذلك على أصحاب رسول الله.
فظنوا أن الوحي قد انقطع ، وأن العذاب قد حضر ، فأنزل الله بعد
ذلك (وَذَكرْ فَإن الذكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤمِنِيْنَ).
قلت : وفي هذا دليل على أنه لم يرد بالتولي ما وقع للضحاك.
وقال مكي : الظاهر في هذه الآية إنها منسوخة بالأمر بالقتال في
براءة ، وغيرها وليس ى لك ؛ لأنها لا تتضمن الأمر بترك القتال.
* * *
سورة الطور
ليس فيها نسخ ، وقال قوم : فيها ثلاث آيات نسخت بآية
السيف : (قُلْ تَرَبَّصُوا فَإِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُتَرَبِّصِينَ (31)
(وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ) ، (فذَرْهُمْ حَتى يُلَاقُوْا يَوْمَهُم الَذِي
فِيْهِ يُصْعَقُونَ).
وقد تقدَم قولي في رد هذا وشبهه.
وقالوا في قوله عزَّ وجلَّ : (وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ (48).
إنه فرض عليه - صلى الله عليه وسلم - حين يكبر تكبيرة الإحرام
"سبحانك اللهم وبحمدك تبارك اسمك وتعالى جدُّك ولا إله غيرك ، ، ثم إن
(1/472)
ذلك منسوخ بالإجماع على أنه
ليس بفرض ، وما ادعوه من ذلك ، فلا
دليل عليه ، ومن أين علم أن ذلك كان مفروضاً عليه ؟
وقد قال العلماء : حين تقوم من نومك ، وقال سفيان : حين تقوم إلى الصلاة المكتوبة
، وقيل التسبيح : أريد به الصلاة ، وقيل : . هو تكبيرة الإحرام.
* * *
سورة النَّجم
ليس فيها منسوخ.
وأما قوله : (فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنَا)
وقولهم : إنه منسوخ بآية السيف ، فقد بينت بطلانه ، وأما
قوله عز وجل : (وَأنْ لَيْسَ لِلإنسَانِ إلا مَا سَعَى)
وقولهم : إنه منسوخ بقوله عزَّ وجلَّ : (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ
ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ)
قالوا : لأنه عز وجل أخبر أنه أدخل الأبناء مدخل الآباء ، وألحقهم بهم لصلاح
الآباء. واحتجوا بقول ابن عباس ، رحمه الله : هو المؤمن يرفع الله به ذريته لتقر
بذلك عينه ، وإن كانوا دونه في العمل.
وعنه أيضاً : المؤمن يُلحق الله به ذريته الصغار التي لم تبلغ الإيمان.
والجواب : أن هذا خبر من الله عزّ وجلّ
(1/473)
لا يجوز نسخه ، وليس قوله عزّ
وجل : (وَالذِيْنَ آمَنُوا واتَبَعَتْهُمْ)
مما يعارض قوله عز وجل : (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى).
ولو كان ذلك على ما توهموه لم تصحّ مضاعفة الحسنات ، ولا أن تبدّل بها السيئات ،
ولم تصحّ الصدقة عن الميت ، ولا الحجّ عنه ، وقد صحّ في الخبر خلاف ذلك..
وأما إلحاق الأبناء بالآباء لصلاح الآباء فإنهم لم يعطوا سعي
آبائهم ، ولكنهم لما كانوا مؤمنين ضاعف الله لهم الحسنات ، وألحقهم
بآبائهم في الدرجات ، وإنما يكون هذا نسخاً لو أعطاهم أعمال آبائهم.
وأما إكرامهم لأجل الآباء فلا يعارض قوله : (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا
مَا سَعَى) ، وهذا كقوله عليه السلام : "من سَنَّ سُنَّةً حَسنةً فله أجرها
وأجرُ مَنْ عَمِلَ بها إلى يوم القيامة من غير أن ينقص من أجورهم
شيء".
فهذا لما سنَّ السنة الحسنة ضاعف الله له الأجر ، وما أعطاه
سعيَ غيره.
وأما الصدقة عن الميت والحج فإن الذي تصدق وحج لما
نواه عن الميت ، ولم ينوه عن نفسه كان كالنائب عنه ، والوكيل فيه.
وإنما يكون معارضا للآية لو نواه عن نفسه ، فأعطى ما عمل لنفسه
لغيره ، فليس للإنسان إلّا ما سعى.
وأما من قال في قوله عزَّ وجلَّ :(وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى)
: هو محكم ، فلا ينفع أحداً عمل أحد من صدقة ، ولا صيام ، ولا حجّ ، فقد خالف
الخبر ، وإن كانت الآية محكمة كما ذكر إلَّا أن المعنى ما سبق وتقرر.
(1/474)
سورة القمر
ليس فيها نسخ.
وأما قولهم في قوله عزَّ وجلَّ : (فَتَوَل عَنْهُمْ)
إنه منسوخ بآية السيف فقد تقدم القول فيه.
* * *
سورة الرحمن عزَّ وجلَّ
ليس فيها نسخ.
وكذلك الواقعة ، ومن العجائب قول مقاتل بن
سليمان في قوله عز وجل : (ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (13) وَقَلِيلٌ مِنَ
الْآخِرِينَ (14) :
إنه منسوخ بقوله عز وجل : (ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (39) وَثُلَّةٌ مِنَ
الْآخِرِينَ (40) ، وهذا مما يجب أن يتصامم عنه.
فإن قيل : فكيف يتصامم عنه ، وقد روى أبو هريرة : لمّا نزلت : (ثُلَّةٌ مِنَ
الْأَوَّلِينَ (13) وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ (14).
شقَّ ذلك على أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فنزلت
(ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (39) وَثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ (40).
قلت : ذلك لا يصح أن يكون ناسخاً للأول ؛ لأنه خبر ، وخبر الله عز وجل لا ينسخ ،
وأيضا فإن الثاني في أصحاب اليمين ، والأول في السابقين ، وليس في الحديث ما يوهم
ما ذكروه ، ولم يفهموا معنى الحديث ، وإنما معناه أنهم لما شق عليهم قلة السابقين
أخبرهم الله عز وجل بكثرة أصحاب اليمين فسروا بذلك ، وقال - صلى الله عليه وسلم -
:
" الثلُثان من أمتي ، لأرجو أن يكونوا نصف أهل الجنة ، ويغلبوهم
في النصف الثاني".
(1/475)
سورة الحديد
لا نسخ فيها
* * *
سورة المجادلة
قوله عز وجل : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ
فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً)
هي منسوخة بالتي بعدها ، وقيل : نسخت بالزكاة في الآية التي بعدها.
وروي عن عليٍّ عليه السلام أنه قال :
"إن في كتاب الله آية لم يعمل بها أحد قبلي ، ولا يعمل بها أحد
بعدي ، كان عندي دينار فصرفته بعشرة دراهم فكنت إذا ناجيت رسول
الله - صلى الله عليه وسلم - تصدقت بدرهم".
وفي طريق أخرى فكنت كلما أردت أن أسأله عن مسألة تصدقت بدرهم ، حتى لم يبق معي غير
درهم واحد.
فتصدقت به ، وسألته ، فنسخت الآية ، ونزل ناسخها : (أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ
تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتَابَ
اللَّهُ عَلَيْكُمْ . . . ) الآية.
واختلفوا في سبب الأمر بذلك ، فقال قائلون : كان ذلك تعظيماً
لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وقال ابن عباس وقتادة : أكثروا من المسائل
على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى شقوا عليه ، فأراد الله أن يخفف عن نبيه
- صلى الله عليه وسلم - ، فصبر كثير
من الناس ، وكفوا عن المسألة ، ثم وسع الله عليهم بالآية التي بعدها.
وابن عباس ، رحمه الله ، يجل محله من العلم عن مثل هذا ، لأنه قول
(1/476)
ساقط من قبل أن ذلك لا يكفهم
عن المسألة ؛ لأنه عز وجل قال :
(فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً) فلو تصدق أحدهم بتمرة واحدة
أجزأه ، فمن يشق عليه أن يتصدق بذلك.
وقال الزمخشري : كفَّ الأغنياء شحاً ، والفقراء بعسرتهم ، وهذا
غير صحيح ، لأن ذلك إنما كان على الأغنياء لقوله سبحانه :
(فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (12).
وأيضاً فكيف يُخَففُ عن نبيه ثم يعود فيشق عليه ؟.
وقال ابن زيد : ضيق الله عليهم في المناجاة هي لا يناجي أهل
الباطل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فشق ذلك على أهل الحق. فقالوا : يا
رسول الله لا نستطيع ذلك ، ولا نطيقه ، فنزل التخفيف.
وأقول : إن المراد بذلك ، والله أعلم ، أنه جعل هذه الصدقة تطهيراً لهم قبل
المناجاة ، كما جعل طهارة الأعضاء قبل المناجاة الأخرى ، فإن المصلي يناجي ربه عز
وجل يدل على ذلك قوله سبحانه : (ذَلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَأطْهَرُ)
ولو كان للتخفيف عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يؤمر به الأغنياء دون
الفقراء ، والفقراء أكثر ، ومسائلهم أعظم ، قال الله عز وجل : (فَإِنْ لَمْ
تَجِدُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ).
واختلفوا في مدتها :
فقال قوم : ساعة من نهار ، وسياق الحديث عن عليٍّ عليه السلام
يردُّ هذا ، وقال ابن عباس : كان المسلمون يقدمون بين يدي النجوى
صدقة ، فلما نزلت الزكاة نسخ هذا.
وقيل : كان ذلك عشر ليالٍ ، ثم نسخ ، وهذا الناسخ والمنسوخ لا نظير له ، أما
المنسوخ فإنه إنما كان
(1/477)
راجعاً إلى اختيار الإنسان ،
فإن أحب أن يناجي تصدق ، وإلا فلا.
وليست المناجاة بواجبة ، وأما الناسخ فقد ارتفع حكمه ، وحكم المنسوخ
بوفاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
فإن قيل : أي فائدة في الأمر بهذه الصدقة ؟ ونسخها قبل العمل بها ؟
قلت : تعريف العباد برحمة الله لهم ، وإظهار المنَّة عليهم ، وتمييز
لولي من أوليائه بفضيلة لم يجعلها لغيره ، وهو عليٌّ عليه السلام.
قال عبد الله بن عمر ، رحمه الله : كانت لعليٍّ ثلاث ، لو كانت
لي واحدة منهن كانت أحبَّ إليَّ من حمر النعم ، تزويجه فاطمة ، رضي
الله عنها ، وإعطاؤه الراية يوم خيبر ، وآية النجوى.
* * *
سورة الحشر
قوله عز وجل : (مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى
فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ
وَابْنِ السَّبِيلِ)
زعم قتادة أنها منسوخة بقوله عز وجل : (وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ
شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ) الآية.
وقال : كان في أول الإسلام يقسم الغنيمة على الأصناف المذكورة في سورة الحشر ، ولا
يعطي لمن قاتل شيئاً إلا أن يكون من هذه الأصناف ، قال : ثم نسخ ذلك في سورة
الأنفال ، فَجعل الخمس للأصناف المذكورين في سورة الأنفال ، وجعل لمن قاتل الأربعة
الأخماس.
والذي قاله لا يصح من قبل أن سورة الأنفال نزلت قبل سورة الحشر على ما ذكره عطاء
الخراسانى ، ورواه.
فكيف ينزل الناسخ قبل المنسوخ ؟
(1/478)
وأيضاً فإن آية الحشر في
الخراج ، قال القاضي إسماعيل بن
إسحاق ، رحمه الله : قوله عز وجل : (مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ
أَهْلِ الْقُرَى) : هو في الخراج ، ولم يختلف المسلمون أن خراج هذه
القرى التي افتتحها المسلمون تفرق في جميع ما يقرب إلى الله ورسوله
من ذي القربى وغيرهم من السبل ، والطرق ، والثغور ، وعمارة المساجد
وفي جميع نوائب المسلمين من أرزاق في يقوم بمصالحهم ، والذب
عنهم ، يفعل في ذلك كله بالاجتهاد والتوخي.
قال : وقد جاء عن عمر ، رضي الله عنه ، أنه قرأ هذه الآية حتى بلغ : . . . ،
لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ
وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ
اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (8) وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا
الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا
يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى
أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ
فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (9) وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ
يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا
بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا
إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (10).
فقال عمر. ، رضي الله عنه : هذه الآية قد استوعبت
الناس كلهم ، فلم يبق أحد إلَّا وله في هذا المال حق ، حتى الراعي
بعَدَن ، قال : فعلم أن عمر ، رحمه الله ، لم يعن أن يقسم الخراج
على أجزاء معلومة ، وإنما يقسم على الاجتهاد ، والتوخي في منافع
المسلمين ، ومصالحهم.
قال : وقد جاء. عن عمر بن عبد العزيز ، رحمه الله ، أنه قال : سبيل الخراج ، وسبيل
الخمس واحد .
(1/479)
قال القاضي إسماعيل : وهذا
الذي مضى عليه العمل ، والذي
يتشاكل على ما جاء من القرآن في الموضعين ، قال : فهذه جملة أمر
الخراج ، وأمر الخمس ، فأمَّا ما يأخذه المسلمون من أموال الكفار بغير
قتال ، مثل أن تلقي الريح مراكب الكفار إلى سواحل المسلمين.
فيأخذونها ، أو يضل قوم من الكفار ، فيقعون في أيدي المسلمين ، فإن
ذلك داخل في قوله عز وجل (وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا
أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ).
فهذه الغنيمة إليَّ ، وإلى المسلمين يصرفها في مصالحهم ، ويجري أمرها مجرى الخراج
والخمس ، وإن رأى أن يخص بها الجماعة الذين تولوا أخذها من
المسلمين خص من ذلك بما رأى على الاجتهاد فيه.
قال : وأما غنائم بدر : فإن الأمرَ رد فيها إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
يقسمها على ما يرى ، ولم يكن فيها أربعة أخماس لمن شهد الوقعة ؛ لأن ذلك قبل أن
ينزل (وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ).
قال : وأما قوله عز وجل : (وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ
لِلَّهِ خُمُسَهُ) الآية ، فذلك إذا غنم المسلمون غنيمة من الكفار بقتال كان
لمن حضر الوقعة أربعة أخماس الغنيمة ، والخمس الباقي في الوجوه
التي ذكر الله عز وجل ، يعني التي تقدم ذكرها في قوله عز وجل :
(مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى).
قال : وقد ذهب بعض الناس إلى أن الخمس يقسم أخماساً ، ثم
اضطربوا في سهم النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فدل اضطرابهم في ذلك. على أنهم لم
يبنوا أمرهم على أصل ثابت ، واضطربوا أيضاً في أمر ذي القربى فقال : يصير في
الكراع ، والسلاح ، قال : وجميع هذا الذي وصفناه من قولهم غير مأخوذ به ، ولا
معمول عليه ، وإنما العمل في الخمس على ما روي
(1/480)
فيه من عمل أبي بكر ، وعمر
وعثمان ، وعليٍّ ، رضوان الله عليهم ، أنَهُ يقسم على الاجتهاد ، فإن رأى الإمام
أن يعطي ذوي القربى - أكثر من خمس
الخمس لخلة تكون فيهم ، أو لكثرة عدد أعطاهم ، وإن رأى أن ينقصهم
من خمس الخمس نقصهم ، وكذلك يفعل في اليتامى ، والمساكين.
وابن السبيل ، يعطيهم على الاجتهاد على قدر خلتهم ، وإن رأى أن
يصرف منه ما رأى في مصالح المسلمين ، وثغورهم ، ونوائبهم فعل ؛ لأن
ذلك كله داخل في قوله عز وجل : - (وَلِلرَّسُولِ) ؛ لأن المعنى فيه.
والله أعلم ، فيما يقرب من الله ورسوله.
قال : وقد أعيد هذا اللفظ الذي ذكر في الخمس في قوله عز وجل
(مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى) الآية.
فدل جميع ما ذكرته على أن الآية التي في الحشر ليست
منسوخة بآية القتال الأنفال لأمرين :
أحدهما : أن آية الحشر في خراج القرى ، وفيما أفاء الله على
المسلمين من غير قتال ، وآية الأنفال في غنيمة القتال ، هذا مع أن
الأنقال نزلتْ قبل سورة الحشر ، والناسخ إنما ينزل بعد المنسوخ لا
قبله ، وإنما غلط قتادة ، ومن قال بقوله ؛ لأنه رأى غنيمة القتال في بدر
قد قسمت على ما في سورة الحشر من آية الخراج ، فلما نزلت
(وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ) ظنَّ أنها ناسخة لما في سورة
الحشر.
والذي في سورة الحشر حكمه باقٍ لم ينسخ ، والتي في سورة الأنفال لم
تنسخ قرآناً ، وإنما نسخت ما فعله النبي - صلى الله عليه وسلم - في غنيمة بدر ،
فتأمل هذه النكتة فإنها فائدة جليلة ، ومعنى دقيق لا تجده في كتاب.
وقد قال جماعة من العلماء منهم سفيان الثوري ، رحمه الله :
الغنيمة غير الفيء ، والغنيمة : ما أخذ عن قتال ، وغلبة ، فيكون
(1/481)
خمسه للأصناف المذكورين في
الأنفال ، وأربعة أخماسه لمن قاتل
عليه ، والفيء : ما صولح عليه أهل الحرب من غير قتال ، فحكمه أن
يقسم على المذكورين في سورة الحشر ، ولا خمس ، فالآية محكمة
على هذا.
ومما يؤيد هذا قول بعض العلماء أن آية الحشر نزلت في
بني النضير حين خرجوا من ديارهم بغير حرب ، وتركوا أموالهم ، فجعلها
الله عز وجل لنبيه - صلى الله عليه وسلم - خاصة ، فلم يستأثر النبي - صلى الله
عليه وسلم - بها ، وفرقها على
المهاجرين ، ولم يعط الأنصار منها شيئاً إلا رجلين "سَهْل بن حُنَيْف.
وسِمَاك بن خَرَشَة أبي دجانة " وهذا كله داخل في قول القاضي :
إسماعيل رحمه الله.
* * *
سورة الامتحان
قوله عز وجل : (لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي
الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا
إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (8).
قال هبة الله : هي منسوخة بما بعدها ، وهو قوله عز وجل (إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ
اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ)
وهذا كلام ساقط ؛ لأن الآية الأولى : معناها : جواز
الإحسان والبر من المسلمين إلى أقاربهم المشركين الذين لم يقاتلوا ،
(1/482)
ولم يعاونوا من قاتل ، ولم
يخرجوا المسلمين من مكة ، ولم يساعدوا
على ذلك من أراده.
والثانية : في منع البرّ والصلة إلى من هو على خلاف الصفة الأولى ، فالأولى في قوم
، والثانية في قوم آخرين ، فكيف تكون ناسخة لها ؟.
قال الحسن وغيره في المذكورين في الآية الأولى : هم خزاعة.
كانوا عاهدوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على ألَّا يقاتلوه ، ولا يعينوا
عليه ، ولم ينقضوا عهدهم ، فالآية على هذا محكمة.
وقال مجاهد : هي في الذين آمنوا بمكة ، ولم يهاجروا.
أباح الله للمهاجرين أن يبروهم.
والقول الأول أقوى ، وهي على هذا أيضاً محكمة غير منسوخة.
وقال قتادة ، وابن زيد : هي منسوخة بآية السيف ، ولا يصح ما
قالا ، وقد قال جماعة من العلماء : هي محكمة عامة في كل مسلم بينه
وبين مشرك قرابة فبره جائز.
قوله عزَّ وجلَّ : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ
مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ
عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ
حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآتُوهُمْ مَا أَنْفَقُوا ).
وذلك أن سُبَيْعةَ بنت الحارث من قريش جاءت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
فقالت : (يا رسول الله جئتك مؤمنة بالله ، مصدقة لما جئت به ، فقال - صلى الله
عليه وسلم - : نِعْمَ ما جئتِ به ، ونعم ما صدقتِ به ، فجاء زوجها فقال : يا محمد
(1/483)
ارددها عليَّ ، فإن ذلك من
شرطنا عليك ، وهذه طِيْنة كتابنا لم تجف.
وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - شرط لهم عام الحديبية ذلك فنزلت (فَلَا
تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ
لَهُنَّ وَآتُوهُمْ مَا أَنْفَقُوا) ، فأعطاه النبي - صلى الله عليه وسلم - مهره
الذي كان أعطاها"
ثم نسخ ذلك ، فلا يرد إلى الكفّار ، مهر ، ولا غيره ، ولا يجوز لنا أن نرد من
جاءنا مسلماً إلى الكفّار ، ولا يجوز المصالحة على ذلك ، وإنّما كان هذا في قضيّة
مخصوصة ، زال حكمها بزوالها.
قوله عز وجل : (وَلاَ تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ)
قيل : في غير الكتابيات ، وقيل : هو منسوخ بقوله تعالى : (وَالْمُحْصنَاتُ مِنَ
الَّذِينَ اوْتوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ).
وقوله عز وجل : (وَاسْأَلُوا مَا أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُوا مَا أَنْفَقُوا)
هذا الحكم زال بزوال المهادنة.
قوله عز وجل : (وَإنْ فَاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أزْوَاجِكُمْ إلى الْكُفارِ.. )
الآية.
هذا أمر اختص بزمان المهادنة التي جرت بين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ،
وبين أهل مكة ، وذلك أن أم الحكم بنت أبي سفيان فرَّت
من زوجها عياض بن غَنْم إلى الكفّار ، ولحقت بهم ، فأنزل الله عزَّ وجلَّ
هذه الآية ، فكان الحكم لمن فاتت زوجته إلى الكفار أن يعطي ما أنفق
(1/484)
عليها من غنائم الكفار ، ثم
زال هذا الحكم ، ونسخ ، وقد أجاز بعضهم
أن يكون منسوخاً بقوله عز وجل : (وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ
فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ) ؛ لأنه بين مصارف الغنيمة ، ولم يذكر
فيها هذا ، ولا جعل لمن ذهبت زوجته مما غنم المسلمون شيئاً ، وذا غير
صحيح ؛ لأن الأنفال نزلت قبل سورة الممتحنة ، ولا يصح نزول الناسخ
قبل المنسوخ.
وقال ابن زيد" . وقتادة ، نسحْت هذه الأحكام التي في هذه السورة براءة ؛ إذ
أمر الله عز وجل نبيه - صلى الله عليه وسلم - أن ينبذ إلى كل ذي عهد
عهده ، وأن يقتلوا حيث وجدوا ، وأمر بقتال أهل الكتاب حتى يعطوا
الجزية.
وليس في الصف ، ولا في الجمعة ، ولا في المنافقين ، ولا فيما
بعد ذلك إلى سورة (ن) منسوخ.
* * *
سورة (ن)
قال هبة الله : وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يعجب بها.
قلت فيكون بسورة (والضحى) أشد إعجاباً.
قال : وفيها منسوختان :
قوله عز وجل : (سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ)
نسخها آية السيفْ ، وهذا خبر ، والخبر لا ينسخ ، وهو وعيد من الله عز
وجل.
قال : الآية الثانية : قوله عز وجل : (فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ)
قال : نسخ الله أمره بالصبر بآية السيف ، وقد مضى من القول
في مثل هذا ما فيه كفاية.
(1/485)
سورة الحاقة
ليس فيها نسخ
* * *
سورة المعارج
قال هبة الله : فيها منسوختان :
الأولى : قوله عز وجل : (فاصبرصبراً جميلاً)
نسخ بآية السيف.
الثانية قوله عز وجل : (فَذَرْهُمْ يَخُوْضُوْا وَيَلْعَبوا)
نسخ الله ذلك بآية السيف.
وهذا يدل ممن قاله على أنه أمره أن يتركهم
خائضين لاعبين ، وإنما هذا تهديد ووعيد ، ولا يقال إنه منسوخ بآية
السيف.
* * *
سورة نوح
وليس في نوح ولا في سورة الجن نسخ.
* * *
سورة المزمل
قوله عز وجل : (قُمِ الليْلَ إلا قَلِيلاً)
قالوا : أمره الله بقيام الليل عن آخره ، ثم استثنى بقوله (إلا قَلِيلاً) ، ثم نسخ
القليل بنصفه ، فقال : (نِصْفَهُ أوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً) إلى الثلث ، فنسخ
الله من
الليل ثلثه ، ثم قال : (أوْزِدْ عَلَيْهِ) أي من النصف إلى الثلث.
وهذا كما تراه خبط صادر عن عدم التحصيل.
وإنما المعنى أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كانت حاله تختلف في قيام الليل
، فيقوم مرة نصف الليل ، ومرة يقوم قبل النصف ، ومرة يقوم بعده ، ولا يخص وقتاً
واحداً ، فقال له الله - عز وجل -
(1/486)
مهوناً عليه أمره في ذلك :
(قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا (2) نِصْفَهُ)
أي انقص من النصف قليلاً ، ولم ينسخ الله بهذا من الليل ثلثه كما زعم من
تقدم ذكره.
ثم قال عزَّ وجلَّ : (أوْزِد عَلَيْهِ) يجوز أن تكون الهاء
عائدة على النصف ، وهو الظاهر لقوله عزَّ وجلَّ : (إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ
تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ).
أي أقل من ثلثي الليل ، وهذا تصريح بالزيادة على النصف.
وقيل : يجوز أن تكون الهاء عائدة على القليل ، كأنه قيل : قم نصف الليل إلَّا
قليلًا ، أوزد على ذلك القليل.
وكذلك قالوا في الهاء في (منه) : إنها عائدة على القليل أيضاً.
قال الزمخشري : "فيكون التخيير على هذا فيما وراء النصف
فيما بينه وبين الثلث ، وهذا غير مستقيم ، لأن القليل المستثنى من
النصف غير معلوم ، فكيف تعقل الزيادة عليه ، أو النقصان منه ؟
ويدل على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقوم الليل تطوعاً قوله عزَّ وجلَّ
: (إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ) ،
وهذا هو الزيادة على النصف ، ونصفه فيمن قرأ بالنصب ، وثلثه أي وتقوم النصف والثلث
، وفي قراءة الخفض فى النصف والثلث : المعنى : وتقوم أدنى من النصف والثلث ،
والمعنى أن الله عزَّ وجلَّ قد رضي منك هذه الأحوال كلها ، فأيها اتفق لك فهو حسن
، ولا يريد الله بك ، وبمن يقوم معك العسر ، فيضيق عليكم بوقت تتكلفونه ، وقد (علم
أن سيكونُ منكم مرضى) يجدون خفة في بعض هذه الأوقات دون بعض ، ومسافرون لا يمكنهم
مع أحوال السفر إلا
التخفيف عليهم ، والمجاهدون كذلك.
فإن قيل : كيف يكون تطوعاً ، وقد قال عز وجل :
(1/487)
(فَتَابَ عَلَيْكُمْ) ؟
قلت : (فَتَابَ عَلَيْكُمْ) كقوله عز وجل : (فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتَابَ
اللَّهُ عَلَيْكُمْ)
أي رخص لكم ، فلا تبعة عليكم ، فلما كانت
حالُهم في أنْ لا تبعة حالَ التائب ، عبر عن الترخيص بالتوبة ، ويلزم من
قال بالوجوب أن تكون الآية منسوخة ؛ لأنه قد ثبت أن لا فرض من
الصلاة إلَّا الخمس ، وهو إجماع المسلمين ، وقول الأعرابي :
"هل علي غير ذلك " فقال - صلى الله عليه وسلم - :
"إلا إلا أن تطّوع "
ولا بد من ذكر أقوال العلماء ؛ لأنه من غرض الناسخ والمنسوخ.
قال أكثرهم : كان قيام الليل فرضاً على النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وعلى
المسلمين ، ثم خفف عنهم في الآيتين في آخر السورة ، فنسخ بهما
أولها ، وقد قلت : إن ذلك ليس بنسخ ، وإنما هو تخفيف في المقدار ؟
لأنهم لا يحصونه.
وقيل : كان فرضاً على النبي - صلى الله عليه وسلم - وحده ، ثم نسخ
بآخر السورة.
وقيل : كان ندباً ، وهو الصواب ، إن شاء الله ، والقول بأنه كان
تطوعاً أوضح منه.
وقوله عز وجل : (قُمِ الليْلَ) أي دم على ما تطوعت به مدحاً
لحاله ، وتحسيناً لها.
وقال ابن عباس : كان بين أول السورة وآخرها سَنَة.
وعن عائشة - رضي الله عنها - "لما نزلت (يَا أيهَا المزْملُ) كان الرجل يربط
الحبل ، ويتعلق به ، فمكثوا بذلك ثمانية أشهر ، فرأى الله عز وجل ما
يبتغون من رضوانه ، فرحمهم ، فردَّهم إلى الفريضة".
وترك قيام الليل ".
وأنت في هذه الرواية بين أمور ثلاثة :
(1/488)
إما إبطال قول من يقول : إن
المزمل من أول ما نزل ؛ لأن عائشة
رضي الله عنها ، لم تكن هناك في ذلك الوقت.
وإما أن يصحح أن المزمل من أول ما نزل ، فتبطل هذه الرواية.
وإما أنْ نقول : إن عائشة - رضي الله عنها - سمعت بذلك من غيرها.
فأخبرت به.
ومما يدل على أن عائشة رضي الله عنها أخبرت عن
مشاهدة لا عن سماع أنها سئلت : ما كان تزميله ؟
قالت : كان مرطاً طوله أربع عشرة ذراعاً نصفه عليَّ ، وأنا نائمة ، ونصفه عليه ،
وهو يصلي ، فقيل لها : فما كان ؟
فقالتْ : والله ما كان خَزًّا ، ولا قَزًّا ، كان سَدَاهُ شَعْراً" .
ولُحْمَته وَبَراً ، ويؤيد هذا ما دلت عليه السورة من كثرة
المسلمين بقوله : (وَطَائِفةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ)
وفي قوله : (وَطَائِفةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ) دليل على أنه لم يكن فرضاً ، إذ لو
كان فرضاً لقام الكل. ، ولم يخص طائفة منهم.
وقال ابن جبير : مكث النبي - صلى الله عليه وسلم - يقوم الليل ، كما أمره الله عز
وجل ، عشر سنين ، ثم خفف عنهم بعد عشر سنين.
وقال عكرمة : (قم الليْلَ إلا قَلِيْلًا) نسختها التي في آخرها (عَلِمَ أَنْ لَنْ
تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ).
وقد بينت أن ذلك في القيام المقدر ، والوقت المعين ، علم أن لن تحصوا ذلك ،
فاقرؤوا ما تيسر من القرآن ؛ لأنه يلزم من قراءة ما تيسر من القرآن قيام ما اتفق
من الأوقات.
وقال قتادة : قاموا حولين حتى انتفخت أقدامهم ، وسوقهم ، فأنزل
الله عز وجل تخفيفاً في آخر السورة ، فهذه أقوال العلماء .
(1/489)
فإن حملت أول السورة على
التطوع أو على الندب ، وآخرها على
ترك المؤاخذة بالمقدار كان الآيتان محكمتين ، وإن حملت أولها على
الوجوب كان آخرها ناسخاً لأولها ، وكانوا في آخرها مأمورين بأن يصلوا
ما تيسر لهم ، ثم كان آخرها أيضاً منسوخاً بالصلوات الخمس.
جعلنا الله من الذين يستمعون القول ، فيتبعون أحسنه.
قوله عز وجل : (إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا (5).
زعموا أنه منسوخ بقوله عز وجل : (يُرِيْدُ اللَّهُ أنْ يُخَففَ عَنْكُمْ).
وهذا خبر لا يجوز نسخه.
وعن ابن عباس ، رضي الله عنه ، (كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا نزل عليه
الوحي ثقل عليه ، ونربَّد له وجهه.
وعن عائشة ، رضي الله عنها :
"كان ينزل عليه في اليوم الشديد البرد فيفصم عنه ، وإن جبينه ليتفصد
عرقاً".
وقال زيد بن ثابت : "أملي عليَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
(لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ
وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ)
فجاء ابن أم مكتوم وهو
(1/490)
يملها عليَّ ، فقال : يا رسول
الله : لو أستطيع الجهاد لجاهدت ، قال :
فأنزل الله عليه ، وفَخِذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على فخِذي ، فثقلت حتى
خشيت أن يرتض فخذي ، فأنزل الله عز وجل : (غَيْرُ أولي الضرَرِ).
وقيل : ثقيل في الميزان ، وقيل : ثقيل على أهل النفاق.
وقال الحسن : إن الرجل ليهذّ القرآن ، ولكن العمل به ثقيل.
وقال قتادة : فرائض القرآن وحدوده ثقيلة والله.
وعن عروة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا أوحي إليه ، وهو على ناقته ،
وضعت جرانها ، فما تستطيع أن تتحرك حتى يُسرَّى عنه ".
وقال ابن زيد : هو والله ثقيل مبارك كما ثقل في الدنيا ثقل في الميزان يوم
القيامة.
وقوله عر وجل : (وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيْلاً)
قالوا : نسخ بآية السيف ، وقد قدمت القول في ذلك.
وقوله عز وجل : (وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ) الآية قالوا :
نسخت بآية السيف ، وهذا تهديد ووعيد غير منسوخ بها.
وقوله تعالى : (إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ
سَبِيلًا (19).
قالوا : نسخ ذلك بقوله سبحانه وتعالى : (وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ
اللَّهُ).
وقد تقدم ذكره ، والقول في إبطاله.
* * *
سورة المدثر
لا منسوخ فيها.
(1/491)
وقالوا في قوله عز وجل :
(ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا (11)
أي خلِّي بيني وبينه ، فإني أتولى إهلاكه مع القصة إلى آخرها : نسخ
ذلك بآية السيف ، وكيف يعده بإهلاكه ، وبأنه يتولى ذلك منه على ما
ذكروه ، ثم ينسخه بآية السيف ؟
* * *
سورة القيامة
لا نسخ فيها.
وقالوا في قوله عز وجل : (لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (16) :
إنه منسوخ بقوله عز وجل : (سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى (6).
وهذا خلف من القول ؛ لأن الله - عز وجل - لم يأمره بالنسيان ، ثم
نهاه عنه ، وأظنهم توهموا ذلك وأن (لا) في قوله : (فَلَا تَنْسَى) للنهي.
وما هي للنهي لا من جهة المعنى ، ولا من جهة اللفظ..
أما اللفظ فغير مجزوم ، وأمَّا المعنى فليس النسيان مما يقدر الإنسان على اجتنابه
، فينهى عنه.
وهذا خبر أخبر الله - عز وجل - به نبيه - صلى الله عليه وسلم - أن يقرئه ، فلا
ينسى ، فما معنى النسخ ؟
فإن قالوا : كان يعجل بالقرآن خوف النسيان ، فقال الله عز وجل :
(سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى) قلت : فأين النسخ ، والآيتان في معنى واحد ؟
قال ابن عباس : كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يلقي في التنزيل شدة ، فكان يحرك
شفتيه كراهة أن يتفلت منه ، فأنزل الله عز وجل ذكره ((لَا تُحَرِّكْ بِهِ
لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (16) إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ (17).
(1/492)
أي جمعه في صدرك ، وأن تقرأه
(فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ (18).
أي فأنصت ، واستمع (ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ (19).
أي علينا أن نبينه بلسانك قال : فكان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا
ْأتاه جبريل عليه السلام يستمع فإذا انطلق قرأه كما قرأ.
وقال الضحاك : كان يفعل ذلك مخافة أن ينساه ، فقيل له : إن
علينا أن نحفظه في قلبك ، وأن تقرأه بعد حفظه.
وروي ذلك عن ابن عباس أيضاً ، ومجاهد ، وقتادة ، وقال قتادة : إن علينا جمعه
وقرآنه : أي جمعه في قلبك حتى تحفظه ، وقرآنه أي تأليفه.
فأي فرق بين هذه الآية ، وبين آية الأعلى ؟
فالقول بأن هذا منسوخ بذاك خطأ من جهة أن
الخبر لا يدخله النسخ ، ومن جهة أن المعنى فيهما واحد ، وما كان
ينبغي أن فتكلم على هذا ، فإنه لفساده يوقع كلام المتكلم عليه في
الضيم.
* * *
سورة الإنسان
ليس فيها منسوخ ، وزعم هبة الله ، وأظنه نقله عن غيره ، أن
فيها آيتين منسوختين وبعض آية :
قوله تعالى : (وَأسِيْراً)
قال : هذا منسوخ ، وهو من غير أهل القبلة ، والله تعالى مدح قوماً بإطعام الأسير ،
ولم ينه عن ذلك إذا
(1/493)
كان مشركاً ، فكيف يكون
منسوخاً ، وفي إطعام الأسير المشرك مثوبة ؟
وقد قال قتادة : إنه المأسور المشرك.
وقال الحسن : ما كان أسراؤهم إلا المشركين ، وقال عكرمة : الأسير في ذلك الزمان
المشرك ، وقال مالك : يعني أسرى المشركين.
وقال مجاهد وابن جبير ، وعطاء : المراد بالأسير المسجون من المسلمين.
وهذا كله من صفة الأبرار.
والآية غير منسوخة ، وليس قول قتادة : وأخوك المسلم أحق منه.
مما يوجب تقويله بالنسخ.
قال : والآية الكاملة قوله عزَّ وجلَّ : (فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ). الآية.
قال : نسخت بآية السيف ، وليس في هذا نهي عن القتال ، فيكون
منسوخاً بالأمر بالقتال ، وحكم الأمر بالصبر في الشدائد باقٍ.
والآية الأخرى قوله عز وجل : (فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا (29).
قالوا : نسخ ذلك بقوله عز وجل : (وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ).
وهذا ضرب من الجهل عظيم ، فإنه عز وجل
لم يطلق المشيئة للعبيد ، ثم حجزها عنهم ، ونسخها ، وإنما أعلم أن
العبد إذا شاء أمراً من صلاح ، أو ضلال ، فلا يكون ذلك إلَّا أن يشاء
الله ، وهذا وعيد وتهديد ، لأن الله عزَّ وجلَّ بيَّن في هذه السورة
الطريقين ، ثم قال على وجه التهديد : من شاء النجاة اتخذ إلى ربه
سبيلاً ، ومن شاء غير ذلك فسيرى ما يناله من العذاب الأليم المعدِّ
للظالمين .
(1/494)
سورة المرسلات
ليس فيها ناسخ ولا منسوخ
* * *
سورة النبأ
ليس فيها ناسخ ولا منسوخ.
وروي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - هاجر من
غداة يوم إنزالها فهي في آخر المكي الأول ؛ لأن المكي الأول ما نزل
قبل الهجرة ، والمكي الثاني بعد الفتح.
* * *
سورة النازعات
لا ناسخ فيها ولا منسوخ
* * *
سورة عبس
كذلك.
وقالوا : قوله عز وجبن : (فَمَن شَاءَ ذَكَرَهُ)
منسوخ بقوله : (وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ).
وقد تقدم القول فيه.
وكذلك سورة التكوير.
وقالوا في قوله عزَّ وجلَّ : (لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ (28).
هو منسوخ بقوله عز وجل : (وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ
الْعَالَمِينَ (29).
وقد تقدم.
(1/495)
وليس في سورة الانفطار ولا ما
بعدها إلى الطارق ناسخ ولا منسوخ.
* * *
سورة الطارق
قوله عز وجل : (فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا (17)
نسخ بآية السيف ، وقد تقدم القول في ذلك.
* * *
سورة الأعلى
لا نسخ فيها.
* * *
وكذلك الغاشية
وقالوا في قوله عزَّ وجلَّ : (لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِر)
نسخت بآية السيف ، وليس بصحيح وقد تقدم.
وليس بعد ذلك في السور ناسخ ولا منسوخ إلى "والتين والزيتون ".
فإنِهم زعموا أن قوله عز وجل (أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ (8).
نسخ منها المعنى بآية السيف ، وهو غير صحيح.
وليس في باقي القرآن نسخ باتفاق إلَّا ما ذكروه في سورة العصر
في قوله عز وجل (إنَّ الإنْسَانَ لَفِيْ خُسْرٍ).
قالوا : هو منسوخ بالاستثناء بعده .
(1/496)
وقالوا في (قُلْ يَا أيُّهَا
الْكَافِرُونَ).
نسخ منها (لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ) بآية السيف ، ولا يصح.
قال أبو القاسم هبة الله بن سلامة : كل ما في القرآن من
(أَعْرِضْ عَنْهُمْ ) ، و (تَوَلَّ عَنْهُمْ) ، وما شاكل هذا المعنى فناسخه آية
السيف ، وقد أوضحت القول في ذلك.
قال : وكل ما في القرآن (إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ
عَظِيمٍ)
نسخه (لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ).
قلت : أفترى أنه زال خوفه من الله ، وقد قام - صلى الله عليه وسلم - حتى تورمت
قدماه ؟
فقيل له : أتفعل هذا ، وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ؟
فقال : "أفلا أكون عبداً شكوراً"
وقال : "والله اني لأخوفكم لله ".
و "كان يسمع لصدره أزِيْز كأزيز المِرْجل ".
قال : وكل ما في القرآن من خبر الذين أوتوا الكتاب ، والصفح
عنهم نسخه (قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ
الْآخِرِ).
وقد قدمت القول في ذلك.
قال : وكل ما في القرآن من الأمر بالشهادة نسخه : (فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ
بَعْضًا).
وكل ما في القرآن من التشديد
(1/497)
والتهديد نسخه بقوله عز وجل :
(يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ اليُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ
الْعُسْرَ) ، وقد قدمت القول في جميع ذلك.
قال ، رحمه الله : وهذه الجملة - يعني ما ذكره في كتاب الناسخ
والمتسوخ له - استخرجتها من كتب المحدثين ، وشيوخ المفسرين.
وعلمائهم من كتاب الكلبي عن ، أبي صالح.
حدثنا أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد البروري ، حدثنا أبو جعفر
أحمد بن الفَرَج بن جِبْرِيل المُفَسِّر ، حدثنا أبو عمر حَفْص بن عُمَر
الدوْرِي ، عن محمد بن السائب الكَلْبِى ، عن أبي صالح مولى أم هانئ
بنت أبي طالب أخت عليٍّ عليه السلام عن ابن عباس.
قال : ومن كتاب مقاتل بن سليمان ، أخبرنا به عبد الخالق بن
الحسين السقَطِى ، حدثنا عبد الله بن ثابت عن أبيه عن الهذيل بن
حبيب عن مقاتل.
ومن كتاب مجاهد بن جبر حدثنا به أبو بكر محمد بن الخضر بن
زكريا عن مجاهد.
ومن كتاب النضْر بن عَرَبِى ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، حدثنا
عمر بن أحمد الدوْرِي وأبو بكر بن إبراهيم البزار ، قالا : حدثنا عمر بن
أحمد الدوري ، عن محمد بن إسماعيل الحَسانِي ، عن وكيع بن
الجراح ، عن النضْر بن عَرَبِى عن عكرمة.
ومن كتاب محمد بن سَعْد العَوْيخى ، عن أبيه ، عن جدّه ، عن
عطئة ، عن ابن عباس. حدثنا به المظفر بن نَظيف قال : حدثنا به ابن
كامل القاضي ، حدثنا محمد بن سَعْد العَوْفِى ، عن أبيه ، عن جدّه ، عن
عطية ، عن ابن عباس.
ومن كتاب سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة.
حدثنا به أبو القاسم
(1/498)
عبيد الله بن جَنِيْقَا
الدَّقَاق ، حدثنا أبو الحسن على بن محمد المِصْري
الوَاعِظ ، حدثنا الحسين بن عبد الله بن محمد ، عن محمد بن يحيَى.
عن سعيد عن قتادة ، قال : فهذه الجملة كافية.
قلت : وهبة الله هذا رجل صالح ، وقد سمعت كتابه هذا من أبي
محمد القاسم بن علي بن الحسن بن هبة الله الحافظ رحمه الله.
وأنابه عن أبي الكرم يحيَى بن عبد الغفار بن عبد المنعم ، عن أبي
محمد رزق الله بن عبد الوهاب بن عبد العزيز التمِيْمِي ، عن هبة الله
المصنف.
وإنما وقع الغلط للمتأخرين من قبل عدم المعرفة بمراد
المتقدمين ، فإنهم كانوا يطلقون على الأحوال المنتقلة النسخ.
والمتأخرون يريدون بالنسخ نزول النص ثانياً رافعاً لحكم النص الأول.
ولا يثبت النسخ باجتهاد مجتهد من صحابى ، ولا غيره ، ولا بدَّ في ذلك
من النقل ، والله أعلم.
(1/499)
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ
الرَّحِيمِ
مراتب الأصول وغرائب الفصول
حدثني أبو المظفر بن فيروز الجوهري ، رحمه الله ، قال : حدثنا
أبو الفضل محمد بن ناصر ، قال : حدثنا أبو طاهر محمد بن أحمد بن
أبي الصقر الأنباري ، قال : حدثنا أبو علي الحسين بن ميمون بن
محمد بن عبد الغفار ، حدثنا أبو الحسن محمد بن عبد الله بن زكريا بن
حيويهْ ، حدثنا أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب بن علي النسائي ، أخبرنا
سليمان بن داود ، عن ابن وهب قال : أخبرني يونس ، عن ابني شهاب.
عن عبيد الله بن عبد الله بن عُتْبة أن عبد الله بن عباس كان يقول :
(كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أجود الناس ، وكان أجود ما يكون في رمضان
حين يلقاه جبريل في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن ، قال : فكان رسول الله - صلى
الله عليه وسلم - حين يلقاه جبريل كالريح المرسلة.
قال النّسائي : وأخبرنا نصر بن على ، عن معتمر ، عن أبيه ، عن
الأعمش عن أبي ظبيان ، قال : قال لنا ابن عباس : أي القراءتين
تقرؤون ؟
قلنا : قراءة عبد الله ، قال : "إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان
يعرض عليه القرآن في كل عام مرة ، وإنه عرض عليه العام الذي قبض فيه مرتين فشاهد
عبد الله ما نسخ" .
(1/501)
وبالإسناد أخبرنا عمرو بن
منصور ، حدثنا عاصم بن يوسف ، حدثنا
أبو بكر بن عياش ، عن أبي حصين ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة
قال : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعرض عليه القرآن في كل رمضان فلما
كان العام الذي قبض فيه النبي - صلى الله عليه وسلم - عرض عليه مرتين ".
"وكان - صلى الله عليه وسلم - يعتكف في العشر الأواخر ، فلما كان العام الذي
قبض فيه اعتكف عشرين".
وقال أبو عبيد القاسم بن سلام ، رحمه الله ، في كتاب
"القراءات " له.
هذه تسمية أهل القرآن من السلف على منازلهم ، وتسميتهم.
وآرائهم : فمما نبدأ بذكره في كتابنا سيد المرسلين ، وإمام المتقين محمد
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذي نزل عليه القرآن ، ثم المهاجرون ، والأنصار
، وغيرهم من أصجاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من حفظ عنه منهم في القراءة
شيء ، وإن كان ذلك حرفاً واحداً فما فوقه قال : فمن المهاجرين : أبو بكر الصديق ،
وعمر بن الخطاب ، وعثمان بن عفان ، وعلي بن أبي طالب ، وطلحة بن عبيد الله ، وسعد
بن أبي وقاص ، وعبد الله بن مسعود ، وسالم مولى أبي حذيفة ، وحذيفة بن اليمان ،
وعبد الله بن
(1/502)
عباس وعبد اللّه بنَ عمر ،
وعبد اللّه بن عمرو ، وعمرو بن العاص ، وأبو
هريرة ، ومعاوية بن أبي سفيان ، وعبد الله بن الزبير ، وعبد اللّه بن
السائب قارئ مكة.
ومن الأنصار رضي الله عنهم : أبى بن كعب ، ومعاذ بن جبل.
وأبو الدرداء ، وزيد بن ثابت ، ومُجَمِّع بن جارية ، وأنس بن مالك.
قال : ومن أزواج النبيّ - صلى الله عليه وسلم - : عائشة ، وحفصة ، وأم سلمة.
قال : وقد علمنا أن بعض من ذكرنا أكثر في القراءة ، وأعلى من
بعض غير أنّا سميناهم على منازلهم في الفضل ، والإسلام.
وإنما خصصنا بالتسيمة كلّ من وصف بالقراءة ، وحكي عنه منها شيء ، وإن
كان يسيراً ، وأمسكنا عن ذكر من لم يبلغنا عنه منها شيء ، وإن كانوا
أئمة هداة في الدين.
فأمَّا سالم الذي ذكرناه فإنه كان مولى لامرأة من الأنصار ؛ وإنما نسبناه لأبي
حذيفة ؛ لأنه به يعرف.
(1/503)
وأما حذيفة بن اليمان فإن
عِداده في الأنصار ، وإنما ذكرناه في
المهاجرين ؛ لأنه خرج مع أبيه مهاجراً إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ولم
يكن من ساكني المدينة ، فهو مهاجري الدار أنصاري العِداد ، ونسبه في عبس بن قيس
عيلان.
قال أبو عبيد رحمه الله : ثم التابعون :
فمنهم من أهل المدينة : سعيد بن المسيب ، وعروة بن الزبير.
وسالم بن عبد الله ، وعمر بن عبد العزيز قد كان بالمدينة والشام.
وسليمان بن يسار ، وعبد الرحمن بن هرمز الذي يعرف بالأعرج ، وابن
شهاب ، وعطاء بن يسار ، ومعاذ بن الحارث الذي يعرف بمعاذ
القارئ ، وزيد بن أسلم.
قال : ومن أهل مكة : عبيد بن عمير الليثي ، وعطاء بن أبي
رباح ، وطاووس ، وعكرمة مولى ابن عباس ، وعبد الله بن أبي مليكة.
(1/504)
ومن أهل الكوفة : علقمة بن
قيس ، والأسود بن يزيد ، ومسروق بن
الأجدع ، وعبيدة السلماني ، وعمرو بن شرحبيل ، والحارث بن قيس.
والربيع بن خثيم ، وعمرو بن ميمون ، وأبو عبد الرحمن السلمي ، وزر بن
حبيش ، وأبو زرعة بن عمرو بن جرير ، وسعيد بن جبير ، وإبراهيم بن
يزيد النخعى ، وعامر الشعبى ، وهو عامر بن شراحيل.
ومن أهل البصرة : عامر بن عبد الله ، وهو الذي يعرف بابن عبد
قيس ، كان يقرئ الناس ، وأبو العالية الرياحى ، وأبو رجاء العطاردي.
ونصر بن عاصم الليثى ، ويحيى بن يعمر ، ثم انتقل إلى خراسان ، وجابر
ابن زيد ، والحسن بن أبي الحسن ، ومحمد بن سيرين ، وقتادة بن
دعامة.
ومن أهل الشام : المغيرة بن أي شهاب المخزوي صاحب
عثمان بن عفان في القراءة.
قال : كذلك حدثني هشام بن عمَّار الدمشقى ، قال : حدثني عراك بن خالد المُرِّي.
قال : سمعت يحيى بن الحرث الذماري ، يقول : ختمت القرآن على عبد الله بن
(1/505)
عامر اليَحْصَبِي ، وقرأ عبد
الله بن عامر على المغيرة بن أبي شهاب
المخزومي ، وقرأ المغيرة على عثمان ليس بينه وبينه أحد.
قال : فهؤلاء الذين سميناهم من الصحابة ، والتابعين هم الذين يحكى عنهم عُظْم
القراءة ، وإن كان الغالب عليهم الفقه ، والحديث.
قال : ثم قام من بعدهم بالقرآن قوم ليست لهم أسنان من ذكرنا ، ولا قُدْمَتُهُمْ ،
غير أنهم تجردوا للقراءة ، واشتدت بها عنايتهم ، ولها طلبهم حتى صاروا بذلك أئمة
يأخذها الناس عنهم ، ويقتدون بهم فيها ، وهم خمسة عشر رجلاً
من هذه الأمصار المسماة في كل مصر منهم ثلاثة رجال :
فكان من قرّاء المدينة : أبو جعفر القارئ واسمه يزيد بن القعقاع
مولى عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة المخزوي ، وشيبة بن نِصاح
مولى أم سلمة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ونافع بن عبد الرحمن بن أبي
نعيم.
وكان أقدم هؤلاء الثلاثة أبو جعفر قد كان يقرئ الناس بالمدينة قبل وقعة
الحرة ، حدثنا ذلك إسماعيل بن جعفر عنه.
(1/506)
ثم كان بعده شيبة على مثل
منهاجه ، ومذهبه ، ثم ثالثهما نافع بن
أبي نعيم ، وإليه صارت قراءة أهل المدينة ، وبها تمسكوا إلى اليوم.
فهؤلاء قراء أهل الحجاز في دهرهم.
وكان من قراء مكة : عبد الله بن كثير وحميد بن قيس الذي
يقال له الأعرج ، ومحمد بن محيصن.
فكان أقدم هؤلاء الثلاثة ابن كثير ، وإليه صارت قراءة أهل مكة ، وأكثرهم به اقتدوا
فيها ، وكان حميد بن قيس قرأ على مجاهد قراءته ، فكان يتبعها لا يكاد يعدوها إلى
غيرها ، وكان ابن محيصن أعلمهم بالعربية ، وأقواهم عليها ، فهؤلاء قراء أهل مكة في
زمانهم.
وكان من قرّاء الكوفة : يحيَى بن وثاب ، وعاصم بن أبي
النجود ، والأعمش ، وكان أقدم الثلاثة ، وأعلاهم يحيى.
يقال :
(1/507)
إنه قرأ على عبيد الله بن
نُضَيْلة صاحب عبد الله ، ثم تبعه عاصم.
وكان أخذ القراءة عن أبي عبد الرحمن السلمي ، وزر بن حبيش ، ثم
كان الأعمش ، فكان إمام الكوفة المقدم في زمانه عليهم حتى بلغ الى
أن قرأ عليه طلحة بن مُصَرف ، وكان أقدم من الأعمش - فهؤلاء
الثلاثة هم رؤساء الكوفة في القراءة ، ثم تلاهم حمزة بن حبيب
الزيات رابعاً ، وهو الذي صار عظم أهل الكوفة إلى قراءته من
غير أن يطبق عليه جماعتهم.
وكان ممن اتبع حمزة في قراءته سُلَيْم بن عيسى ، وممن وافقه.
وكان ممن فارقه أبو بكر بن عياش فإنه اتبع عاصماً ، وممن وافقه.
وأمَّا الكسائى فإنه كان يتخيرّ القراءات ، فأخذ من قراءة حمزة
(1/508)
ببعض ، وترك بعضاً فهؤلاء
قراء أهل الكوفة.
وكان من قرّاء أهل البصرة : عبد الله ابن أبي إسحاق الحضرمي ، وأبو
عمرو بن العلاء ، وعيسى بن عمر الثقفي ، وكان أقدم الثلاثة ابن أبي إسحاق ، وكانت
قراءته مأخوذة عن يحيَى بن يعمر ، ونصر بن عاصم.
وكان عيسى بن عمر عالماً بالنحو غير أنه كان له اختيار في القراءة
على مذاهب العربية يفارق قراءة العامة ، ويستنكرها الناس ، وكان
الغالب عليه حب النصب ما وجد إلى ذلك سبيلًا منه قوله : (حَمَّالَةَ الْحَطَبِ) ،
و (الزَّانِيَةَ وَالزَّانِي) ، و (وَالسَّارِقَ وَالسَّارِقَةَ).
وكذلك قوله (هَؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرَ لَكُمْ).
والذي صار إليه أهل البصرة في القراءة.
فاتخذوه إماماً أبو عمرو بن العلاء فهؤلاء قرآء أهل البصرة ، وقد كان لهم
رابع ، وهو عاصم الجحدري ، لم يرو عنه في الكثرة ، ما روي عن
هؤلاء الثلاثة.
وكان من قرّاء أهل الشام : عبد اللّه بن عامر اليحصبى ، ويحيى بن
الحارث الذماري ، وثالث قد سمي لي بالشام ، ونسيت اسمه/ فكان
أقدم هؤلاء الثلاثة عبد الله بن عامر ، وهو إمام أهل دمشق في دهره.
وإليه صارت قراءتهم ، ثم اتبعه يحيَى بن الحارث ، وخلفه في القراءة.
وقام مقامه.
قال : وقد ذكروا الثالث بصفة لا أحفظها ، فهؤلاء قراء
الأمصار الذين كانوا بعد التابعين.
(1/509)
قلت : هو أبو خليد بن سعد
صاحب أبي الدرداء ، ولكن أطبق
أهل الشام على ابن عامر ويحيَى بن الحارث ، وأهل الآفاق ، ورجع
يحيى إلى قراءته ، والنقل عنه ، والتعويل عليه.
وهذا الذي ذكره أبو عبيد - رحمه الله - يعرفك كيف كان هذا
الشأن من أول الإسلام إلى آخر ما ذكره ؟.
فلما كان العصر الرابع سئة ثلاثمائة وما قاربها كان أبو بكر بن
مجاهد - رحمه الله - ، قد انتهت إليه الرياسة في علم القراءة ، وتقدم
في ذلك على أهل ذلك العصر ، اختار من القراءات ما وافق خط
المصحف ، ومن القراء بها ما اشتهرت عدالته ، وفاقت معرفته ، وتقدم
أهل زمانه في الدين ، والأمانة ، والمعرفة ، والصيانة ، واختاره أهل عصره
في هذا الشأن ، وأطبقوا على قراءته ، وقصد من سائر الأقطار ، وطالت
ممارسته للقراءة ، والإقراء ، وخص في ذلك بطول البقاء ، ورأى أن
يكونوا سبعة تأنساً بعدة المصاحف الأئمة ، وبقول النبي - صلى الله عليه وسلم - :
"إن هذا
(1/510)
القرآن أنزل على سبعة أحرف من
سبعة أبواب ، فاختار هؤلاء القراء
السبعة أئمة الأمصار ، فكان أبو بكر ، رحمه الله ، أول من اقتصر على
هؤلاء السبعة ، وصنف كتابه في قراءاتهم ، واتبعه الناس على ذلك.
ولم يسبقه أحد إلى تصنيف قراءة هؤلاء السبعة.
وقد تكلم محمد بن جرير الطبري في قراءة ابن عامر ، رحمه الله.
فقال : وقد زعم بعضهم أن عبد الله بن عامر أخذ قراءته عن المغيرة بن
أبي شهاب المخزومي ، وعليه قرأ القرآن ، وأن المغيرة قرأ على عثمان
ابن عفان ، قال (وهذا غير معروف عن عثمان ، وذلك أنَا لا نعلم أحداً
ادعى أن عثمان أقرأه القرآن ، بل لا يحفظ عنه من حروف القرآن إلا
أحرفاً يسيرة ، ولو كان سبيله في الانتصاب لأخذ القرآن على من قرأ عليه
السبيل التي وصفها الراوي عن المغيرة بن أبي شهاب ما ذكرنا كان لا
شك قد شارك المغيرة في القراءة عليه ، والحكاية عنه غيره من
المسلمين ، إما من أدانيه ، وأهل الخصوص به ، وإمّا من الأباعد
والأقاصي ، فقد كان له من أقاربه ، وأدانيه من هو أمسّ رَحِماً ، وأوجب
حقاً من المغيرة كأولاده ، وبني أعمامه ، ومواليه ، وعشيرته ، ومن الأباعد
من لا يحصى عدده كثرة ، وفي عدم مدعي ذلك عن عثمان الدليل
الواضح على بطول قول من أضاف قراءة عبد الله بن عامر إلى المغيرة
ابن أبي شهاب ، ثم إلى أن أخذها المغيرة بن أبي شهاب عن عثمان قراءة
عليه ، قال : وبعد :
فإن الذي حكى ذلك ، وقاله رجل مجهول من أهل الشام لا يعرف
(1/511)
بالنقل في أهل النقل ، ولا
بالقرآن في أهل القرآن ، يقال له : عِراك بن
خالد المري ، ذكر ذلك عنه هشام بن عمَّار.
وعراك لا يعرفه أهل الآثار ، ولا نعلم أحداً روى عنه غير هشام بن عمار.
قال : وقد حدثني بقراءة عبد الله بن عامر كلها العباس بن الوليد
البيروتي ، وقال : حدثني عبد الحميد بن بكار ، عن أيوب بن
تميم ، عن يحيَى بن الحارث ، عن عبد الله بن عامر اليحصبي أن
هذه حروف أهل الشام التي يقرؤونها.
قال : فنسب عبد الله بن عامر قراءته إلى أنها حروف أهل الشام في هذه الرواية التي
رواها لي العباس بن الوليد ، ولم يضفها إلى أحد منهم بعينه ، ولعله أراد بقوله :
إنها حروف أهل الشام أنه قد أخذ ذلك عن جماعة من قرائها" . . . فقد
(1/512)
كان أدرك منهم من الصحابة ،
وقدماء السلف خلقاً كثيراً.
ولو كانت قراءته أخذها ، كما ذكر عراك بن خالد ، عن يحيَى بن الحارث عنه ، عن المغيرة
بن أبي شهاب ، عن عثمان بن عفان ، لم يكن ليترك بيان ذلك ، إن شاء الله ، مع جلالة
قدر عثمان ، ومكانه عند أهل الشام ليعرفهم
بذلك فضل حروفه على غيرها من حروف القُرّاء.
وهذا قول ظاهر السقوط.
أما قوله : إنا لا نعلم أحداً ادعى أن عثمان أقرأه القرآن ، فهذا غير
صحيح.
فإنه إن لم يعلم ذلك فقد علمه غيره.
فإن أبا عبد الرحمن السلمي رحمه الله قرأ على عثمان ، رضي الله عنه ، وروى
أنّه علّمه القرآن.
وقرأ أيضاً على عثمان ، رحمه الله ، أبو الأسود الدؤلي.
وروى الأعمش ، عن يحيَى بن وثاب ، عن زر بن حبيش
الأسدي ، عن أبي عمرو عثمان بن عفان رضي الله عنه ، وذكر حروفاً من
القرآن تكون أربعين حرفاً.
وقال لي شيخنا أبو القاسم الشاطبي رحمه الله : إياك وطعن الطبري على ابن عامر.
ثم إن هذا لا يلزم ، إذ لا يمتنع أن يكون أقرأ المغيرة وحده لرغبة المغيرة في ذلك
، أو لأن عثمان ، رضي الله عنه ، أراد أن يخصه بذلك.
وقد رأينا من العلماء المشهورين من لم يأخذ عنه إلا النّفر اليسير.
بل منهم من لم يأخذ عنه إلا رجل واحد ، هذا لو انفرد المغيرة بالأخذ
عنه ، وقد أخذ عنه أبو عبد الرحمن ، وأبو الأسود الدؤلي ، وزر بن حبيش
(1/513)
كما تقدم.
وما ذكره من أن عثمان رضي الله عنه ما انتصب لإقراء
القرآن ، فقد تبين بقراءة من ذكرناه عليه خلاف ذلك.
وأما قوله : قد كان له من أقاربه من هو أوجب حقاً من المغيرة
فهذا لا يلزم أيضاً ، إنما يكون قادحاً لو كان غير المغيرة من أقاربه قد
سأله ذلك ، فأبى أن يقرئه.
فأمَّا كون أقاربه لم يقرؤوا عليه فكثير من
العلماء قد أخذ عنهم الأجانب ، والأباعد دون الأقارب.
وعن قتادة : أزهد الناس في العالِم أهْله ، وعن الحسن : أزهد
الناس في العالم جيرانه.
وأما قوله في عراك : إنه مجهول لا يعرف بالنقل في أهل النقل.
ولا بالقرآن في أهل القرآن ، فكفى به تعريفاً ، وتعديلًا أخذ هشام عنه.
وهشام ثقة أمين عند أئمة الحديث.
وما كان هشام ليقدم على هذه العظيمة ، فيسند كتاب الله عز وجل عن رجل مجهول غير
عدل.
فإن كان الطبري لم يعرفه فلا يضره ذلك ، وقد عرفه هشام.
وأما ما رواه عن ابن عامر أنه قال : هذه حروف أهل الشام التي
يقرؤونها ، فليس في ذلك ما يناقض رواية هشام عن عراك ، بل في ذلك
تأييد لروايته ، وتقوية لها ؛ إذ كان أهل الشام قد أجمعوا عليها.
ولا يلزمه أن يذكر الإسناد في كل وقت.
ومن أين للطبري أنه كان يقوِّله ذلك في كل وقت ، ولا يذكر
(1/514)
إسناداً ؟ وفساد قوله ظاهر
لمن تأمله ، وقد تابعه على ذلك عبد الواحد بن
أبي هاشم صاحب ابن مجاهد ، رحمه الله.
قال : وكان ممن حفظت عنه تضعيف إسناد قراءة ابن عامر أبو بكر
شيخنا ، ومحمد بن جرير.
قال : وهذان كانا علمي زمانهما.
وذكر عن الطبري نحواً مما ذكرته ، ثم قال : وأما أبو بكر شيخنا
فإني سمعته يقول : إنما قراءة ابن عامر شيء جاءنا من الشام ، ثم قال :
يعني بذلك ، والله أعلم ، أنها لم تجئ مجيء القراءة عن الأئمة التي
يقوم بأسانيدها الحجة ، ثم قال بعد ذلك : ولولا أن أبا بكر شيخنا جعله
سابعاَ لأئمة القراء ، فاقتدينا بفعله ، لما كان إسناد قراءته مرضيًّا ، ولكان
أبو محمد سليمان بن مهران الأعمش بذلك أولى منه ؛ إذ كانت قراءته
منقولة عن الأئمة المرضيين ، موافقة للمصحف المأمور باتباع ، ما فيه.
فأمَّا قول ابن مجاهد : إنما قراءة ابن عامر شيء جاءنا من الشام فلا يدل
ذلك على ما تأوله ابن أبي هاشم.
ومن أين تكون قراءة ابن عامر إلَّا من تلك الجهة ؟
وكيف يريد ذلك ، ويطعن على رواتها ، وهم أئمة ثقات ؟
وأمَّا قوله : إنه كان يبدل منه قراءة الأعمش فما عرف غرض ابن مجاهد ، رحمه الله ،
إنما قصد ابن مجاهد أمرين :
أحدهما : أن يأتي بسبعة أئمة للمعنى الذي قدمت ذكره.
والثاني : أن يكونوا من البقاع التي سيَّر إليها عثمان - رضي الله عنه -
(1/515)
عنه ، المصاحف ؛ لأن كل من في
تلك البقاع إنما قرأ أهلها بما في
تلك المصاحف ، فأراد ، رحمه الله ، أن يأتي بقراءة أهل الشام التي في
مصحفهم ، ولو جعل الأعمش أو غيره سابعاً لم يحصل هذا الغرض.
فذكر الأمصار الخمسة لهذا المعنى ، وذكر ثلاثة من أهل الكوفة
للمعنى الآخر ، وهو مراعاة عدد السبعة الأحرف التي نزل بها القرآن.
والسبعة الأبواب التي نزل منها.
والدليل على أن ابن مجاهد لم يرد ما تَأوله عبد الواحد أنه قال في
كتابه : وعلى قراءة ابن عامر أهل الشام ، وبلاد الجزيرة إلَّا نفراً من أهل
مصر ، فإنهم ينتحلون قراءة نافع ، والغالب على أهل الشام قراءة عبد الله
ابن عامر اليحصبي.
ثم قال : فهؤلاء السبعة من أهل الحجاز والعراق والشام خلفوا في
القراءة التابعين ، وأجمع على قراءتهم العوام من أهل كل مصر من هذه
الأمصار ، وغيرها من البلدان التي تقرب من هذه الأمصار إلَّا أن
يستحسن رجل لنفسه حرفاً شاذاً ، فيقرأ به من الحروف التي رويت عن
بعض الأوائل منفردة ، فذلك غير داخل في قراءة العوام.
ولا ينبغي لذي لب أن يتجاوز ما مضت عليه الأئمة ، والسلف بوجه يراه جائزاً في العربية
، أو مما قرأ به قارئ غير مجمع عليه.
وقد أضاف قوم بعد أن مجاهد إلى هؤلاء السبعة يعقوب
الحضري ، وكان فاعل ذلك نسب ابن مجاهد إلى التقصير في اقتصاره
على السبعة ، ولم يكن عالماً بغرض ابن مجاهد.
وقراءة يعقوب خارجة
(1/516)
عن غرض ابن مجاهد لنزول
الإسناد ؛ لأنه قرأ على سلام بن
سليمان ، وقرأ سلام على عاصم ، ولما في قراءته من الخروج عن
قراءة العامة.
وكذلك من صنف العشرة.
فإن قيل : فما معنى قول النبي - صلى الله عليه وسلم - :
"من أراد أن يقرأ القرآن غَضًّا فليقرأ بقراءة ابن أم عبد".
يعني ابن مسعود ، رحمه الله ؟ قيل : معنى ذلك أن ابن مسعود كان يرتل القرآن إذا
قرأ ، فأراد النبي - صلى الله عليه وسلم - ترتيل
القراءة لا غير.
وهذا قول الحسين بن علي الجعفي ، وقراءة الكوفيين
هي قراءة عبد الله ، لأن عمر ، رضي الله عنه ، بعث به إلى الكوفة
ليعلمهم ، فأخذت عنه قراءته ، ولم تزل قراءته معروفة ينقلها الناس عن
أصحابه مثل علقمة ، والأسود بن يزيد ، ومسروق بن الأجدع ، وأبي واثلة
وأبي عمرو الشيباني ، وزِر بن حبيش ، وعبيدة.
فلما جمع عثمان - رضي الله عنه - الناس على حرف كان أول من قرأ به بالكوفة أبو عبد
الرحمن عبد الله بن حبيب السلمي ، فأقرأ بجامع الكوفة أربعين سنة إلى أن
(1/517)
مات في زمن الحجاج.
وكان قد أخذ القراءة عن عثمان ، وعليّ ، وابن مسعود ، وزيد ، وأبيّ ، وقرأ على
عليّ ، رضي اللّه عنه ، وقرأ عليه عليّ ، وهو
يمسك المصحف ، وأقرأ الحسن والحسين.
وعن عطاء بن السائب قال : كنا نقرأ على أبي عبد الرحمن ، وهو يمشي.
وقال أبو عون الثقفى : كنت أقرأ على أبي عبد الرحمن
السلمي ، وكان الحسن بن علي يقرأ عليه.
وقال أبو حُصَين : كنا نذهب بأبي عبد الرحمن من مجلسه ، وكان
أعمى ، فلما مات أبو عبد الرحمن خلفه عاصم ، وكان عاصم ممن أخذ
عنه ، وعن زِر.
وانتهت قراءة ابن مسعود إلى الأعمش ، وقرأ عليه حمزة ، وعلى
جماعة قد ذكرناهم في (فتح الوصيد).
وممن قرأ عليه حمزة جعفر بن محمد الصادق.
وقرأ جعفر عليه السلام على أبي الأسود
(1/518)
الدؤلي ، وقرأ أبو الأسود على
على عليه السلام ، وقرأ على على
النبي - صلى الله عليه وسلم -.
فقراءة حمزة ، رحمه الله ، ترجع إلى عبد الله بن مسعود ، وإلى
على عليه السلام.
فكان إذا حقق روى ذلك عن ابن أبي ليلى عن
على عليه السلام ، وكان إذا حدر روى ذلك عن أبي محمد الأعمش
عن عبد الله بن مسعود ".
وحدثني الشيخ أبو البركات داود بن أحمد البغدادي ، رحمه الله.
حدثنا الشيخ أبو الكرم المبارك بن الحسن بن أحمد الشهرزوري - رحمه الله -
قال : قرأ على الشريف أبي محمد أحمد بن علي بن
محمد الهاشمى ، قال : قرأت على أبي على الأهوازي ، حدثنا أبو
عبد الله بن زاذان الكرخي ، حدثنا أبو العباس محمد بن الحسن بن
يونس ، قال : قرأت على جعفر بن محمد الوزان ، قال : قرأت على سُليم
قال : قرأت على حمزة بن حبيب ، قال : قرأت على جعفر الصادق
بالمدينة ، فقال : ما قرأ على أقرأ منك ، ولست أخالفك في شيء من
قراءتك إلَّا في عشرة أحرف ، فإني لست أقرأ بها ، وهي جيدة في العربية
قال : قلت : جعلت فداك ، فيم تخالفني ؟
قال : أنا اقرأ في سورة النساء
(1/519)
" والأرحام " نصباً
، و (قرأ (يبشِّر) بالتشديد ، وقرأ (تفجر)
بالتشديد ، وأقرأ (وحرام على قرية) ، وأقرأ (ويتناجون) بألف.
وأقرأ (وما أنتم بمصرخيَّ) بفتح الياء ، وأقرأ (سلام على آل
ياسين) مقطوعاً ، وأقرأ "ومكر السيئ) بالخفض ، وأظهر اللام
عند التاء والثاء والسين نحو : (بل تأتيهم) و (هل تنقمون) و (هل
ثوب) ، و (بل سولت) ، وافتح الواو في قوله تعالى : (وَلداً)
و (وَلَدُه) في جميع القرآن ، هكذا قراءة علي بن أبي طالب.
وفي طريق أخرى هكذا كان يقرأ علي بن أبي طالب.
قال حمزة :
(1/520)
فهممت أن أرجع عنها ، وخيرت
أصحابي فيها ، فتبين أن هذه المواضع
المذكورة جاءت في قراءة حمزة ، رحمه الله ، من قراءة ابن مسعود.
رضي الله عنه.
قال الوزان : وأنا إذا قرأت لنفسي لا أقرأ إلَّا بها.
كذا وقع في أصل السماع ، وأظنه لا أقرأ بها.
وقد قال سُلَيم : سمعت حمزة يقول : ما قرأت حرفاً إلا بأثر.
وقال حمزة لشعيب بن حرب وقد قرأ عليه : يا أبا صالح : الزم هذه القراءة فما منها
حرف إلا ولو شئت رويت لك فيه حديثا.
وقال حسين الجعفى ، وقد ذُكر له هذا عن حمزة : وهل يجوز إلا ذاك ؟
وهل يتوهم عليه إلا ذاك.
(1/521)
قال أبو بكر بن عيَّاش ، رحمه
الله ، وذكر حمزة عند الأعمش.
فقال : ذاك تفاحة القراء ، أو سيد القراء.
وقال فيه أيضاً : ما قرأ حرفاً إلا بأثر ، وقال سفيان الثوريّ ، رحمه
الله : ما أراه قرأ حرفاً إلا بأثر.
وقد اختار قوم قراءة عاصم ونافع فيما اتفقا عليه.
وقالوا : قراءة هذين الإمامين أصح القراءات سنداً ، وأفصحها في العربية ،
وبَعْدهما في الفصاحة قراءة أبي عمرو والكسائي.
وإذا اجتمع للحرف قوته في العربية ، وموافقة المصحف.
واجتماع العامة عليه ، فهو المختار عند أكثرهم.
وإذا قالوا : قراءة العامة ، فإنما يريدون : ما اتفق عليه أهل المدينة ، وأهل
الكوفة ، فهو عندهم سبب قوي يوجب الاختيار ، وربما اختاروا ما اجتمع عليه أهل
الحرمين وسموه أيضاً بالعامة.
وأدرك عاصم من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أربعة وعشرين ، وهو أكثر
السبعة رواية للحديث والآثار.
وروى عن أبي رِمْثَة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -.
وممن روى عن عاصم عطاء بن أبي رباح.
ومات عاصم - رحمه الله -
(1/522)
سنة سبع وعشرين ومائة.
وأما الكسائي فإن قراءته راجعة إلى حمزة ، وإلى حروف رويت عن رسول الله - صلى الله
عليه وسلم - وعن علي رضي الله عنه ، وعن عبد الله بن عباس ، وعن الحسن بن علي رضي
الله عنهما.
وحدثنا أبو البركات داود بن أحمد البغدادي ، حدثنا أبو الكرم
الشهرزوري ، أنبأنا أبو القاسم على بن أحمد ، عن أبي الحسين
الحمامي ، عن أبي طاهر عبد الواحد بن أبي هاشم ، حدثنا أحمد بن
فرج قال : سمعت محمد بن أبي عمر المقرئ يقول : سمعت يحيَى بن
معين يقول : ما رأيت بعيني هاتين أصدق لهجة من الكسائي.
وكان الكسائي يجلس في مجلس حمزة متشحاً بكساء ، فإذا أراد حمزة القيام
قال : اعرضوا على صاحب الكساء ، فسمي لذلك الكسائي.
ومما يؤيد هذا أنه أحرم في كساء ، وقيل له : لِمَ سُميتَ بالكسائي ؟
فقال : لأنني أحرمت في كساء.
وأما ابن كثير فكان إمام الناس في القراءة بمكة إلى أن مات سنة
عشرين ومائة ، وهو ينقل قراءته عن مجاهد بن جبر ، عن عبد الله بن
عباس ، عن أبي بن كعب ، وقرأ أبى على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
قال أبو طاهر عبد الواحد : وقرأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على أبى أيضاً.
فإن كان أراد
(1/523)
أن رسول الله - صلى الله عليه
وسلم - قرأ على أبي كما نقول : قرأ ابن عباس على أبى فذلك غلط عظيم ، وخطأ في دين
الله عز وجل ، إنما كان المعلم في ذلك الوقت يقرأ على المتعلم ليأخذ عنه قراءته ،
فأمره الله عز وجل أن يقرأ على أبيٍّ ليأخذ عنه القراءة عناية من الله عز وجل
بأبيٍّ.
ألا ترى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لَمَّا قال لعبد الله بن مسعود : اقرأ
علي ، قال : أقرأ عليك ، وعليك أنزل ؟ ف
قال - صلى الله عليه وسلم - :
"إني أريد أن أسمعه من غيري ".
فأعظم عبد الله قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : اقرأ على لِمَا ألفه من قراءة
المعلم على المتعلم.
وقرأ مجاهد بن جبر أيضاً على عبد الله بن السائب ، وقرأ ابن
السائب على أبي.
وقال مجاهد بن جبر : كنا نفخر على الناس بقراءتنا على عبد الله بن السائب ، وقال
مجاهد : ختمت القرآن على ابن عباس سبع عشرة ختمة ، ولو لم يكن لابن كثير إلَّا أن
الشافعى ، رحمه الله ، قرأ بقراءته لكفته.
قال محمد بن عبد الله بن عبد الحكم : أخبرنا الشافعى ، رحمه الله ، قال : قرأت على
ابن قسطنطين.
وأخبرني ابن قسطنطين أنه قرأ على شبل بن عبَّاد ، وأخبره شبل أنه قرأ
على عبد الله بن كثير ، وأخبره عبد الله أنه قرأ على مجاهد ، وأخبره مجاهد
أنه قرأ على ابن عباس ، وأخبره ابن عباس أنه قرأ على أبي بن كعب.
وقرأ أبى على النبي ي. قال ابن عبد الحكم وأخبرنا الشافعي ،
(1/524)
رحمه الله ، أنّه قرأ على
إسماعيل بن عبد اللّه بن قسطنطين ، وقرأ
إسماعيل على شبل ، وقرأ شبل على ابن كثير ، وقرأ ابن كثير على
مجاهد ، وقرأ مجاهد على عبد الله بن السائب ، وقرأ عبد الله بن السائب
على أبي ، وقرأ أبي على النّبي - صلى الله عليه وسلم -.
وقد روى جماعة من الأئمة عن ابن كثير الحروف اليسيرة من
قراءته مثل : أبي عمرو بن العلاء ، والخليل بن أحمد ، وحماد بن سلمة.
وابن جريج ، وغيرهم.
وأما نافع ، رحمه اللّه ، فإنه أدرك جماعة من الأئمة المقتدى بهم
في القرآن عبد الرحمن بن هرمز الأعرج مولى محمد بن ربيعة بن
الحارث بن عبد المطلب ، وأبا جعفر يزيد بن القعقاع القارئ
مولى عبد اللّه بن عيّاش بن أبي ربيعة ، وشيبة بن نصاح مولى أم سلمة
زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وسالم بن جندب ، ويزيد بن رومان وغيرهم.
قال نافع : فنظرت إلى ما اجتمع عليه أكثر من واحد ، فأخذت به.
وما شذَّ فيه واحد تركته حتى أئفت هذه القراءة في هذه الحروف التي
اجتمعوا عليها.
قال قالون : وكان نافع أكثر اتباعاً لشيبة من اتباعه لأبي جعفر ،
(1/525)
وقال الأصمعي : قال لي نافع :
تركت من قراءة أبي جعفر سبعين
حرفاً.
قال سليمان بن مسلم : سمعت أبا جعفر يحكي لنا قراءة أبي
هريرة في (إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ) يحْزِنها شِبْهَ الرثاء.
قال سليمان : ورجع شيبة إلى قراءة أبي جعفر بعد ما مات أبو جعفر.
قال نافع : لما غُسِّل أبو جعفر ، رحمه الله ، نظِر فإذا ما بين نحره
إلى فؤاده مثل ورقة المصحف ، قال : فما شك من حضر أنه نور
القرآن.
وقال الليث بن سعد ، رحمه الله : حججت سنة ثلاث عشرة
ومائة ، وإمام الناس في القراءة نافع بن أبي نعيم ، وقال أبو عبد الله
محمد بن إسحاق المسيبى : سأل الكسائى أمير المؤمنين أن يجمع
بينه وبين أبي فسأله عن (مَا لِيَ لَا أَعْبُدُ) و (مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ)
و (لِيَ نَعْجَةٌ) ، (ولي دِينِ). فنصب (ما لي لا أعبد)
و (لي ديني) ووقف (ما لي لا أرى الهدهد) و (لي نعجة).
(1/526)
فقال الكسائي هذا لا أعلمه
بعلمي ، ولا يعلمه أحد إلا بالتعلم.
ثم سأله عن حروف كيف كان أبو جعفر يقرؤها ؟
وكيف كان شيبة يقرؤها ؟
فقال له : قراءة نافع فيها كذا وكذا ، وهي قراءتنا ، وإنه قد كفانا
المؤونة ، حتى لو أدْرَكْنا من أدْرِك ما عدونا نافعاً ؛ لأنه أخبرنا أنه أدرك
هؤلاء القوم ، فنظر إلى ما اجتمع عليه اثنان منهم ، فأخذه ، وما شذ فيه
واحد ، فتركه.
قال : فإني على حال أحب أن تعلمني ، فأبى ، فكلم
الكسائي الفَضْلُ ، وذكر أنه إنما سأل أمير المؤمنين هارون هذا المجلس
لهذا المعنى ، فقال له الفضلُ : أحب أن تجيبه إن خفَّ عليك ، فإن له
من أمير المؤمنين ومنا مكاناً ، فقال : ما يثقل على أن أكون أعلمه إلا أنه
شيء قد أمتناه بالمدينة.
واجتمعوا على قراءة نافع.
قال : فإني أحبُّ أن تفعل ، قال : سل عما بدا لك ، فأخذ يسأله ، وهو يجيبه ، قال :
فيها أبو جعفر ، وشيبة ، وفلان.
وقال محمد بن إسحاق أخبرني أبي أنه لَمَّا صلى بالناس بالمدينة
جهر بـ (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) قال : فأتاني الأعشى أبو بكر ابن
أخت
مالك بن أنس ، رحمه الله ، فقال : إن أبا عبد اللّه يقرأ عليك السلام
ورحمة الله ، ويقول لك : من خفته على خلاف أهل المدينة فإنك
(1/527)
ممن لم أخف ، وقد كان منك شيء
، قلت : ما هو ؟
قال : الجهر ب (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ)
قلت : فأبلغه عني السلام كما أبلغتني ، وقل
له : إنى كثيراً ما سمعتك تقول : لا تأخذوا عن أهل العراق ، فإني لم
أدرك أحداً من أصحابنا يأخذ عنهم ، وإنما جئت في تركها عن حُميد
الطويل ، فإن أحببت أخذنا عن أهل العراق أخذنا هذا وغيره من
قولهم ، وإلا تركنا حُميداً مع غيره ، فلم يكن على به حجة ، وقد
سمعتك كثيراً ما تقول : خذوا كل علم من أهله.
وعلم القرآن بالمدينة عن نافع.
فسألته عن قراءة (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) ، فأقرأني بها.
وقال : أشهد أنها من السبع المثاني ، وأن الله عز وجل أنزلها.
وحدثني عن نافع مولى ابن عمر ، عن ابن
عمر أنه كان يبتدئ بها ، ويفتتح كل سورة.
وحدثني ابن أبي ذئب ، عن ابن شهاب قال : مضت السنة بقراءة
(بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ)
وقال ابن وهب : قال مالك : استشارني نافع بن أبي نعيم في
(1/528)
الإمامة ، فأشرت عليه ألّا
يفعل ، وقلت له : إنك إمام وتزل ، فتحمل
زلتك في الآفاق.
وقال أبو قرّة موسى بن طارق قرأت على نافع بن
عبد الرحمن بن أبي نعيم المدنى بالمدينة ، وقال نافع حين قرأت عليه :
إنه قرأ على سبعين من التابعين.
وقال ابن وهب ، رحمه الله : قراءة أهل المدينة سُنَّة ، فقيل له :
قراءة نافع قال : نعم.
وقال ابن أبي أويس : قال لي مالك : قرأت على نافع بن أبي نعيم.
* * *
ذكر أحوال القراء في إقرائهم وقراءتهم وماَ يتَّصِلُ بَذِلِكَ
كان القراء ، في الأمر الأول ، يقرأ المعلّم على المتعلّم اقتداءً
برسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - ، فإنه كان يتلو كتاب اللّه - عز وجل - على
الناس كما أمره اللّه عزَّ وجلَّ ، كذلك كان جبريل عليه السلام يعرضه على رسول
اللّه - صلى الله عليه وسلم - ، كما قال
اللّه عز وجلَّ : (فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبعْ قُرْآنَهُ).
وكانوا يلقنونه من يتعلّمه خَمْساً خَمساً ، ويقولون : إن جبريل عليه السلام كذلك
كان يلقّنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
(1/529)
وروى أبو العالية ، عن عمر بن
الخطاب ، رضي الله عنه ، أنه
قال : تعلموا القرآن خمساً خمساً فإن جبريل نزل به على النبي - صلى الله عليه وسلم
- خَمْساً خَمْساً.
وحدثنا شيخنا أبو القاسم الشاطبى ، رحمه الله ، عن ابن هذيل
أبي الحسن على بن محمد ، عن أبي داود ، عن أبي عمرو الداني.
رحمه الله ، حدثنا فارس بن أحمد ، حدثنا أحمد بن محمد ، حدثنا أبو
بكر الرازي ، حدثنا الفضل بن شاذان ، حدثنا جعفر بن عمر ، حدثنا عبد
الرحمن بن مهدي ، عن يونس ، عن أبي رجاء ، قال : ، كان أبو موسى
يعلمنا القرآن خمس آيات خمس آيات.
وعن أبي بكر بن عيَّاش ، رحمه الله ، لمَّا أتت لي إحدى
وعشرون سنة أتيت عاصماً ، فأخذت عنه القرآن خمساً خمساً.
قال : وأخبرني أنه أخذه على زِر ثلاثاً ثلاثاً.
قال : فأخبرني أنه أخذه على ابن مسعود آية آية ، قال : فكنت إذا فرغت منها يقول لي
: خذها إليك ، فهي خير مما طلعت عليه الشمس ، ولهي خير من الدنيا وما فيها.
وقال عاصم : تعلم يحيَى بن وثاب من عُبيد بن نُضَيْلة آية آية.
وكان ، والله ، قارئاً ، فهذه حال التلقين.
(1/530)
وأما من يريد تصحيح قراءة ،
أو نقل رواية ، أو نحو ذلك ، فلا
حرج على المقرئ أن يقرئه ما شاء.
وقد قرأ ابن مسعود على النبي - صلى الله عليه وسلم - من أول سورة النساء إلى قوله
- عز وجل - : (وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا (41).
وكان نافع ، رحمه الله يقرئ ثلاثين آية.
وكان حمزة يقدم الفقهاء فأول من يقرأ عليه سفيان الثوري ، ومُنْدَل بن على ، وأبو
الأحْوَص ، ووكيع ، فيقرئهم خمسين خمسين ، ثم يقرئ بعدهم
الكسائى ، وسُليماً ، ونحوهما ثلانين آية ثلاثين آية.
وكان عبد الله بن صالح واليشكري والطبقة الثالثة يقرئهم عشر آيات عشر آيات ، وكان
إذا جلس طرح له ما يجلس عليه.
وكان أبو عبد الرحمن السلمي ، وعاصم يبدأان بأهل السوق لئلا
يحبسوا عن معايشهم ، وكان نافع يبدأ بمن سبق ولا ينظر إلى حاله.
وكذلك كان الكسائي.
(1/531)
وقال نافع ، رحمه الله ، لورش
لَمَّا قدم عليه ، وسأله أن يقرأ
عليه : بت في المسجد ، فلما اجتمع إليه أصحابه
قال لورش : أبت في المسجد ؟
قال : نعم ، قال : أنت أوْلَى بالقراءة.
وروى أنه لما قرأ استحسن الجماعة قراءته ، فوهبوه نوبتهم.
واستمروا على ذلك حتى قرأ القرآن كله في خمسين يوماً.
وفي هذا دليل على أن المقرئ له أن يقرئ ما شاء من القرآن لمن يحفظه.
ويعرضه عليه.
وكان نافع رحمه الله يقرئ الناس بالقراءات كلها.
قال أبو دِحْية المُعَلَّى بن دِحية : فجئته بكتاب الليث بن سعد ، رحمه الله.
لأقرأ عليه ، فوجدته يقرئ الناس بجميع القراءات ، فقدت : يا أبا
رويم أتقرئ الناس بجميع القراءات ؟
فقال : سبحان الله العظيم ، أأحرم من نفسي ثواب القرآن ؟
أنا اقرئ الناس بجميع القراءات حتى إذا جاء من يطلب حرفي أقرأته به.
وقال الأعشى : كان نافع يسهل القراءة لمن قرأ عليه إلَّا أن يقول
له إنسان : أريد قراءتك ، فيأخذه بالنبر في مواضعه ، وإتمام الميمات.
(1/532)
وكانوا يقولون : قراءة نافع
بَز القراءة قلت : وذلك ، والله أعلم ، لما
فيها من الأنواع.
وقال صالح بن أحمد بن حنبل ، رحمه الله : سألت أبي أيُّ القراءة
أحب إليك ؟
قال : قراءة نافع.
وكان ابن كثير رحمه الله ، وهو أبو معبد عبد الله بن كثير ، إمام أهل مكة في
القرآن ، أجمعوا على قراءته لما مات مجاهد بن جبر سنة ثلاث ومائة ، ثم ما زال إمام
الناس في القراءة بمكة إلى أن توفي بها سنة عشرين ومائة.
قال الأصمعي : قلت لأبي عمرو بن العلاء : قرأت على ابن كثير ؟
قال : نعم ، ختمت على ابن كثير بعدما ختمت على مجاهد ، وكان ابن
كثير أعلم باللغة من مجاهد.
وكان ابن كثير يعظ الناس ، ويقص عليهم ، وكان إذا أراد إقراء
القرآن وعظ أصحابه ، ثم أقرأهم لتكون قراءتهم القرآن على ما أثر فيها
الوعظ من الرقة ، وكان ورعاً ، وكانوا يقولون : قراءة ابن كثير خز
القراءة ، وإنما وصفوها بذلك ، والله أعلم ، للينها ، وحسنها.
وسهولتها.
وكان ابن كثير ، رحمه الله ، لا يقرأ ، ولا يقرئ بشيء يبتدعه.
لذلك أجمع الناس على قراءته ، ورغبوا عن قراءة محمد بن عبد الرحمن بن محيصن
السهْمى.
(1/533)
قال ابن مجاهد : ذكر لي أحمد
بن أبي خيثمة ، عن خلف ، عن
عبيد ، عن شبل بن عبَّاد ، قال : حدثني حميد ، قال : قال مجاهد : ابن
محيصن يبني ، ويرصص في العربية ، يريد مدحه بذلك ، غير أنه كان له
اختيار في القراءة على مذاهب العربية ، يخرج به عن إجماع أهل بلده.
فرغب الناس عن قراءته لذلك.
وأجمعوا على قراءة ابن كثير لاتباعه.
وروى ابن مجاهد بإسناده عن ابن أبي بزة ، قال : قلت لوهب بن
واضح أخبرني عن ابن محيصن على من قرأ ؟ وقراءة من هذه ؟
قال : سبق اللحن ، قال : قلت : أي شيء تعني بسبق اللحن ؟
قال : كان رجلًا قرشياً عربى اللسان ، وكان في عصر مجاهد فما زادني عليه.
وكان حميد بن قيس أيضاً في عصر ابن كثير قرأ على مجاهد.
وأخذ القراءة عن حميد سفيانُ بن عيينة ، وعبد الوارث بن سعيد ، وأبو
عمرو بن العلاء.
قال عبد الوارث : جاءني أبو عمرو بن العلاء ، فقال : انطلق بنا
نقرأ على حميد بن قيس ، قال عبد الوارث : قراءة حميد بن قيس قراءة
مجاهد.
قال أبو بكر بن مجاهد : وكان حميد ممن لزم قراءة مجاهد.
وتمسك بها غير أني لم أرَ أهل مكة يعدلون بقراءة ابن كثير قراءة أحد
(1/534)
ممن كان في عصره . قلت : وذلك
أنه اتَّبَعَ فاتُّبع ، وغيره ترك الاتباع
فتُرِك اتّباعُه.
وفي قراءة ابن محيصن ما ينكره أهل العربية نحو"فَيَطْمِع" بفتح
الياء وكسر الميم ، فأين يبني ويرصص ؟ وأين العربية ؟.
ومن أصحاب ابن كثير إسماعيل بن قسطنطين شيخ الشافعيّ ، رحمه الله.
أخبرنا الحافظ أبو طاهر أحمد بن محمد السَلفيّ ، رحمه الله ، قراءة عليه ، وأنا
أسمع في جمادى الآخرة سنة اثنتين وسبعين
وخمسمائة ، قال : أخبرنا الشيخ أبو الحسن عليّ بن الحسن بن الحسين
السلَميَ الموازينيَ ، قراءة عليه ، وأنا أسمع ، بجامع دمشق سنة عشر
وخمسمائة ، عن القاضي أبي عبد الله محمد بن سلامة بن جعفر
القضاعي المصري ، قال : قرأت على أبي عبد الله محمد بن أحمد بن
شاكر القطان ، قال : حدَثنا الحسن بن علي بن الفضل المعافري.
قال : حدثنا محمد بن علي بن الحسين الصدفيّ ، حدَثنا محمد بن
عبد الله بن عبد الحكم ، قال : سمعت الشافعي يقول : كان إسماعيل بن
قسطنطين قارئ أهل مكة ، وكان الناس يجيئون بمصاحفهم ، فيقرأ
عليهم ، فيصلحون بقراءته ، وكان يجلس على موضع مرتفع.
وكان أبو عمر بن العلاء سيّد عصره ، وأوحد زمانه ، ولد بمكة ،
(1/535)
ونشأ بالبصرة ، ومات ، رحمه
الله ، بالكوفة عند محمد بن سليمان
الهاشمى سنة أربع وخمسين ومائة ، وله من العمر ست وثمانون سنة.
وذلك في أيامٍ المنصور ، وكان اختياره في قراءته التخفيف والتسهيل ما
وجد إليه سبيلا ، وأطبق الناس على قراءته ، وكانوا يشبهونها بقراءة ابن
مسعود ، وكان بعضهم يوصي بعضاً بقراءته.
وقال نصر بن على : قال أبي : قال لي شعبة : انظر ما يقرأ أبو عمرو ، وما يختار
لنفسه ، فاكتبه ، فإنه سيصير للناس أستاذاً
قال نصر : قلت لأبي : كيف تقرأ ؟
قال : على قراءة أبي عمرو.
قال نصر : قلت للأصمعي : كيف تقرأ ؟
قال : على قراءة أبي عمرو.
وقال عبد الله بن جعفر : قدم علينا أبو عمرو المدينة فتفوضت إليه
الخلق ، وقرأنا عليه ، فما نعد من قرائنا قارئاً لم يقرأ على أبي
عمرو.
وقال وكيع : قدم أبو عمرو بن العلاء الكوفة ، فاجتموا إليه كما
اجتمعوا على هشام بن عروة.
وقال الأصمعي : قال أبو عمرو بن العلاء : الحقّ نُتَف ، ويكره الإكثار في كل باب ،
وأحسن الأشياء في ذلك أن يقصد إلى إيجاز الكلام.
وقال أبو عبيدة مَعمَرُ بن المثنى : كان أبو عمرو بن العلاء أعلم
الناس بالقرآن ، والعربية ، وأيام العرب ، والشعر ، وأيام الناس ، وكان
(1/536)
ينزل خلف دار جعفر بن سليمان
الهاشمي ، وكانت دفاتره ملءَ بيت إلى
السقف ثم تنسَّك فأحرقها.
وقال الأصمعى : قلت لأبي عمرو : من يقول (مُرية) ؟ قال : بنو
تميم ، قلت : أيهما أكثر من العرب ؟ قال : (مُرية) ، قلت فلأي شيء
قرأت (مِرية) ؟ قال كذلك أقرئتها هناك ، يعني بالحجاز.
وقال اليزيدي : قال أبو عمرو : سمع قراءتي سعيد بن جبير.
فقال : الزم قراءتك هذه.
وقال الأصمعى : سمعت أبا عمرو يتكلم في شيء ، من القراءة.
فاعترض فيه الأعمش ، فقال : عميش لو شئت أخبرتك أن الله لم يعلمك
من هذه الأشياء إلَّا ، يسيراً.
قال الأصمعي : وقال أبو عمرو : لقد حفظت من علم القرآن أشياء
لو كتبت ما قدر الأعمش على حملها.
وقال الأخفش : مرَّ الحسن بابي عمرو بن العلاء ، وحلقته متوافرة.
والناس عكوف ، فقال : من هذا ؟
قالوا : أبو عمرو ، فقال : لا إله إلا الله ، كادت العلماء تكون أرباباً.
وقال الأصمعى سمعت أبا عمرو يقول : كنت رأساً في القراءة.
والحسن حيٌّ ، وقال : سمعت أبا عمرو يقول ، ولم يقله ، إن شاء الله ،
(1/537)
بغياً ، ولا تطاولاً : ما
رأيت أحداً قبلي أعلم مني.
قال الأصمعي : وأنا لم أرَ بعد أبي عمرو أعلم منه ، قال : وكان كثيراً ما يقول :
يا بني : إن طفئت شحمة عيني هذه لم تر من يشفيك من هذا البيت ، أو من هذا الحرف.
قال : وكان أبو عمرو إذا دخل شهر رمضان لم يتم فيه بيت شعر.
وقال : سمعت أبا عمرو يقول : أشهد أن الله يضل ويهدي ، وللُه ، مع
هذا ، الحجة على عباده.
وكان أبو عمرو ، رحمه الله ، من الطبقة الرابعة من التابعين
بالبصرة ، وقد روى عن أنس بن مالك.
قال الأصمعي : حدثتا أبو عمرو بن العلاء ، عن أنس بن مالك أن النبي - صلى الله
عليه وسلم - كانت له خرقة يتنشف
بها بعدالوضوء ولايعرف له عن أنس سواه.
وقال أبو عبيدة : كان أبو عمرو من التابعين رأى أنس بن مالك.
وسمع منه ، وكان رأساً في أيام الحجاج.
وقال أبو علي الأهوازي ، رحمه الله ، في كتابا الإيضاح وغاية
الانشراح : روى أبو عمرو الحديث عن الحسن البصري ، ومحمد بن
سيرين ، وأبي سلمة ، ونافع مولى ابن عمر ، وعكرمة بن خالد
المخزومي ، ويحيَى بن عبيد الزهرانى ، وإبراهيم التيمى ، ومجاهد بن
(1/538)
جبر ، وإسماعيل بن أبي خالد ،
وابن شهاب الزهري ، وعطاء بن أبي
رباح ، وفرقد السبخيّ ، ومحفد بن مسلم ، وسعيد المقبري ، وأبي
يعقوب ، وعبد الملك بن عمير ، وعبد الرحمن بن أبي بكرة.
وعبد الله بن الوليد الأنصاري ، ومحمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى.
وبُدَيل بن مَيْسرة ، ويحيَى بن مسعود ، وزُهير بن علقمة ، وجعفر بن
محمد بن علي بن الحسين ، عليهم السلام ، والرحَّال ، ومسلم الأعور.
وطلحة بن عمرو ، وعلي بن زيد بن جُدعان ، وجعفر بن زيد العذري.
ويونس بن عبيد ، وإياس بن جعفر الحنفي ، وإياس بن أصبح ، وداود بن
أبي هند ، وجعفر بن إياس ، وصخر والوليد بن السمط ، وهشام بن
عروة ، وموسى بن عقبة ، ويونس بن جبير ، وعمرو بن مرة ويعقوب بن
عطاء ، وروى أيضاً عن أبيه عن جدّه ، وعن محمد بن إسحاق.
وحنظلة بن أبي سفيان المخزومي ، قال أبو علي الأهوازي : ولولا
خشية الإطالة لذكرت عن كل واحد منهم حديثاً.
وكتاب (الإيضاح) المذكور من أحسن الكتب ، وأفضلها ، مشحون بالفوائد ، وقد قرأت
بجميع ما فيه على شيخنا الإمام العلامة أبي اليُمْن زيد بن الحسن
الكندي ، رحمه الله ، وقرأ هو بجميع ما فيه على شيخه الإمام أبي محمد
عبد الله بن علي بن أحمد بن عبد الله ، وقرأ أبو محمد رحمه الله بما فيه
على شيخه أبي العز محمد بن الحسين بن بندار ، وقرأ أبو العز بما فيه
على شيخه أبي على غلام الهراس ، وقرأ بما فيه على مصنفه أبي علي
الحسن بن علي بن يزداد الأهوازي ، ولم يختلف في اسم ما اختلف في
اسم أبي عمرو.
(1/539)
قال يعقوب بن إسحاق الحضري :
كان أبو عمرو يسمى العُرْيان ؛ لأنه
كان فقيراً ، لا مال له ، والعرب تسمي من لا مال له العُرْيان.
قال الحضرمي : وسمعت عصمة بن عروة الفُقيْمى يقول : اسم أبي عمرو
عُيَيْنة ، بيائين ونون ، تصغير عين.
وروى أبو خالد سليمان بن خالد ، عن اليزيدي قال : اسم أبي
عمرو بن العلاء يحيَى بن العلاء ، وقال عبد الوهاب بن عطاء الخفاف :
اسمه عتيبة ، تصغير عتبة ، وقال أحمد بن يزيد : سمعت من يقول :
اسم أبي عمرو عمَّار ، وقال سعيد بن أوس الأنصاري : اسمه محمد.
وقال شجاع بن أبي نصر البلخى : اسمه خير ..
وقال أبو سعيد الأصمعى : اسمه فائد ، وقال أيضاً : اسمه حميد.
وروى السوسي عن اليزيدي قال : كان أبو عمرو بن العلاء يعرف بأربعة أسماء : عُرْيان
، وزَبَّان ، وعثمان ، ومحبوب.
قال : والغالب عليه الذي يعرف به في أهله ، وأولاده محبوب.
وقال أبو بكر الصولي : قال القتيبي : : اسم أبي عمرو جَزْء.
قال أبو زيد سعيد بن أوس الأنصاري : اسمه أبو عمرو ، ولا اسم
له غيره ، وكذا قال الأصمعى ، وقال أبو الفتح عامر بن محمد بن صالح
أوقية ، حدثنا أبو مخمد اليزيدي قال : أبو عمرو بن العلاء لا يعرف له اسم. ،
وسمَّاه أبو داود السجستاني زبان ؛ لأنه قال في القصيدة التي له في محنة
أهل العلم :
(1/540)
وعشرين عاماً فرَّ زبان
هارباً . . . أبو عمرو النحوي يأوي البواديا
وكان الحجاج طلب العلاء أباه ، فخرج هارباً منه ، وخرج معه أبو
عمرو ، وهما يريدان اليمن.
قال أبو عمرو فإنَّا لنسير في صحراء اليمن إذا رجل ينشد :
رُبما تكره النُفُوسُ مِنَ الأمـ . . . رِ لَهُ فَرْجَة كَحَلِّ العِقَالِ
قال : فقال له أبي : ما الخبر ؟
فقال : مات الحجاجٍ ، قال أبو عمرو : فأنا بقوله : "فَرجة" يعني بفتح
الفاء أشدُّ سرورا مني بموت الحجاج ، فقال أبي : هذا ، والله ، الرغبة في العلم.
اضرب ركابنا إلى البصرة.
وكان ابن عامر ، رحمه الله ، إمام القراءة بالشام ، وله فضيلة
على غيره من القراء السبعة بتقدم زمانه ، لأنه ولد في حياة رسول الله - صلى الله
عليه وسلم - ولقي من الصحابة جماعة ، وقرأ على غير من قدمت ذكره.
روي أنه قرأ من الصحابة على أبي الدرداء ، ومعاذ بن جبل ، وكان
سنه يوم مات أبو الدرداء ثلاثاً وعشرين سنة ، وكان له ، يوم مات رسول
الله - صلى الله عليه وسلم - ، سنتان ، وولد في قرية من قرى البلقاء ، يقال لها :
رُحَاب ، وانتقل إلى دمشق بعد فتحها ، وله تسع سنين ، وأقام بها إلى أن مات وله
مائة وعشر سنين في أيام هشام بن عبد الملك.
(1/541)
قال سويد بن عبد العزيز
التنوخي : كان أبو الدرداء إذا صلى
الغداة في جامع دمشق اجتمع الناس للقراءة عليه ، فكان يجعلهم عشرة
عشرة ، ويجعل على كل عشرة منهم عريفاً ، ويقف هو قائماً في
المحراب يرمقهم ببصره ، وبعضهم يقرأ على بعض ، فإذا غلط أحدهم
رجع إلى عريفهم ، فإذا غلط عريفهم رجع إلى أبي الدرداء ، فسأله عن
ذلك.
وكان ابن عامر عريفاً على عشرة ، وكان كبيراً فيهم ، فلما مات أبو
الدرداء خلفه ابن عامر ، وقام مقامه مكانه ، وقرأ عليه جمعيهم ، فاتخذه
أهل الشام إماماً ، ورجعوا إلى قراءته.
وعن أبي عبيد الله مسلم بن مشكم ، قال لي أبو الدرداء : اعدد
من يقرأ عندي القرآن ، فعددتهم ألفاً وستمائة ونيفاً ، وكان لكل عشرة
منهم مقرئ ، وكان أبو الدرداء يطوف عليهم قائماً يستفتونه في حروف
القرآن ، فإذا أحكم الرجل منهم تحول إلى أبي الدرداء.
وروى خالد بن يزيد عن عبد الله بن عامر أنه قال : بعث عمر بن
الخطاب ، رضي الله عنه ، إلى كل مصر من الأمصار رجلًا من الصحابة
يعلمهم القرآن ، والأحكام ، فبعث إلى الشام معاذ بن جبل ، وأبا
الدرداء ، قال ابن عامر : وقرأت عليهما.
وروى يحيَى بن الحارث الذماري عن عبد الله بن عامر أنه قرأ
على فضالة بن عبيد ، وقرأ فضالة على النبي - صلى الله عليه وسلم - .
(1/542)
وروى خالد بن يزيد وسعيد بن
عبد العزيز أن عبد الله بن عامر
كان يمسك المصحف على فضالة بن عبيد في جمع دمشق عند
المحراب العتيق الذي تسميه العامة محراب بني أمية ، وابن عامر ينظر في
مصحف فضالة ، وفضالة يقرأ ظاهراً ، فكانت قراءة فضالة التي قرأها
على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسمعها ابن عامر منه من فيه.
وروى أيوب بن تميم ، عن يحيَى بن الحارث ، وغيره ، عن
عبد الله بن عامر أنه قال : قرأت القرآن مراراً بدمشق على معاوية بن أبي
سفيان.
وقال يحيَى أيضاً : أخبرنا ابن عامر أنه قرأ على واثلة بن
الأسقع ، وأن واثلة قرأ على النبيّ - صلى الله عليه وسلم - ، وروى عبد الرحمن بن
العلاء بن زبر ، عن عبد الله بن عامر قال : قرأت على معاوية بن أبي سفيان ، وعلى
واثلة بن الأسقع ، وقرأ على النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وكذلك روى عنه غير ابن
زبر.
ومن العجيب أن الطاعن على قراءة ابن عامر تعلق في تضعيفها
بما هو تقوية لها ، وذلك أنه تعلق بما روى يحيَى بن الحارث ، عن ابن
عامر أنّه كان يقرأ هذه الحروف ، ويقول : هي قراءة أهل الشام ، وليس في
هذا ما يدل على أنها موقوفة عليه ، وأنها لا إسناد لها ، بل فيها أن أهل
الشام أجمعوا كلهم عليها ، ولم يخالفها أحد منهم.
وكان بحمص من القراء يُعَدُّ أبو بحرية عبد الله بن قيس
السَّكُوْنِى ، وقراءته مشهورة عند علماء هذا الشأن ، وكان بها أيضاً
(1/543)
خُلَيُد بن سَعْد صاحب أبي
الدرداء ، وبعد هذين يزيد بن
قُطَيْب ، وقرني بن أيوب ، ثم بعدهما أبو البرهسم عمران بن
عثمان الزُّبِيْدي ، وأبو إسحاق إبراهيم ابن أبي عَبْلة المقدِسي
العُقَيليَ ، وبعدهما شُرَيح بن يزيد الحَضْرَمي ، وأبو محمد
كثير بن عبيد المَذْحِجِى وبعدهما : حَيْوَة بن شُرَيح الحَضْرَمي ،
(1/544)
وأبو معاوية عثمان بن خالد.
وبعدهما إسماعيل بن عمرو السكونيّ.
وكان بدمشق بعد أبي الدرداء ، ومعاذ بن جبل.
عبد الله بن عامر اليحصبى ، ويحيَى بن الحارث الذماري وهما من
التابعين.
وكان بها بعدهما الوليد بن مسلم وابنه هبة الله بن الوليد.
وسويد بن عبد العزيز ، ومحمد بن شعيب بن شابور وأيوب بن
مدرك الحنفي ، وعراك بن خالد المري ، ويحيَى بن حمزة ،
(1/545)
وأيوب بن تميم ، ومحمد بن عبد
الواحد وهؤلاء معرفون بالأمانة
مشهورون عند النقلة.
فقوله قراءة أهل الشام ، وحروف أهل الشام إنما يريد به من ذكرته
من الصحابة والتابعين ، وما خلت دمشق قط من قيّم بقراءة الشاميين.
وإمام فيها.
وكان بعد من ذكرناه عبد الله بن ذكوان ، وهشام بن
عمار ، والوليد بن عتبة ، وبعد هؤلاء أبو عبد الله الأخفش
وأبو عبيدة بن عبد الله بن ذكوان ، وأبو عبد الله بن هشام بن عمار وأبو
الحسن بن أبي رجاء ، وأبو الفضل بن كراز ، وأبو بكر المريّ ، وأبو
الحسن بن أنس.
(1/546)
وبعدهم كان بها أبو الحسن بن
الأخرم ، وأبو القاسم بن
السقر ، وأبو الفضل بن أبي داود ، وأبو الحسن المري ، وأبو علي بن
عتاب ، وأبو الحسن السلمي ، وأبو العباس الخاقاني ، وأبو بكر بن أبي
حمزة ، قال أبو علي : وما رأيت بها مثل أبي بكر محمد بن أحمد بن
محمد بن عبد الله بن هلال السلمي من ولد أبي عبد الرحمن
السلمي إماماً في القراءة ، ضابطاً في الرواية ، قيماً بوجوه القراءات.
يعرف صدراً من تفسير القرآن ، ومعاني القراءات ، قرأ على أبي
الحسن بن الأخرم ، وعلى سبعة من أصحاب الأخفش ، له منزلة في
الفضل والعلم ، والدراية والأمانة ، والدين والورع ، والتقشف والفقر
والصيانة.
مات بدمشق يوم الأحد لسبع خلون من ربيع الآخر سنة ثمان
وأربعمائة - رحمه الله -.
قال أبو علي : وكيف يسوغ لقائل أن يقول : إن قراءتهم ليست
مضافة إلى أحد ؟ وهؤلاء يأخذون عمن تقدمهم حتى يتصل برسول
الله - صلى الله عليه وسلم -.
وقال محمد بن موسى الدمشقى : قال إبراهيم بن أدهم ، رحمه
الله : أهل الشام ليس لهم في القرآن رأي قال : قلت له : وقد قرأت بها ،
(1/547)
قال نعم ، يعني ، رحمه الله ،
أن قراءتهم راجعة إلى النقل لا إلى الرأي.
وكذلك قال محمد بن موسى : إنما قراءة أهل الشام رواية عن الأئمة.
وقال خالد بن يزيد : وكانوا يسمون عبد الله بن عامر الإمام لعلمه
بقراءته ، وقيامه بها ، وبحثه عنها.
وقال يحيَى بن الحارث بن عمرو : كان عبد الله بن عامر قاضي
الجند ، وكان على بناء مسجد دمشق ، وكان رئيس المسجد لا يرى فيه
بدعة إلَّا غيرها ، وكان مجلسه من الجامع الموضع المعروف بالروضة.
وفيه كان يجلس ابن ذكوان ، وقرأ عليه جماعة من التابعين وتابع
التابعين.
وعدَّ أبو علي ، رحمه الله ، ممن قرأ على ابن عامر ستة
وأربعين إماماً في القراءة ، وكان يحيَى بن الحارث الذمَارِي من
التابعين من الطبقة الثانية ، لقي واثلة بن الأسقع ، وأخذ عنه ، قال : وقلت
له : بايعت يدك هذه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟
فقال : نعم ، قلت : فأعطني أقَبلها ، قال : فأعطانيها فقبلْتها
وكان أيوب بن تميم من تابعي التابعين ، قال ابن ذكوان : قال
لي أيوب بن تميم : قلت الأوزاعي : يا أبا عمرو : أهل دمشق يسألونني
أن أصلي بهم ، قال : فما عليك ، تحمد ، وتؤجر.
وكان عبد الله بن ذكوان إمام المسجد الجامع بدمشق في الصلوات الخمس إلَّا الجمعة ،
(1/548)
فكان هشام إمامه في الخطبة ،
وصلاة الجمعة.
ومات ابن ذكوان رحمه الله قبل هشام بثلاث سنين.
قال أحمد بن يزيد الحلوانى : قدمت دمشق سنة اثنتين وأربعين ومائتين بعد وفاة ابن
ذكوان ، فقرأت على هشام بن عمار ، وختمت عليه لابن عامر ، ورجعت إلى بلدي ، فبلغني
عن هشام حروف لم يأخذ بها عليَّ ، فرحلت إليه ثانية ، وقرأت عليه بتلك الحروف ،
وأجازها لي ، وختمت عليه ختمة ثانية ، ورجعت إلى حلوان ، ثم بلغني عنه حروف لم
يأخذ بها عليَّ ، فرحلت إليه ثالثة ، وقرأت عليه بتلك الحروف ، وأجازها لي ، وختمت
عليه ختمة ثالثة.
ورجعت إلى حلوان ، فورد على كتابه أني أخذت عليك
(ثم كيدوني) في الأعراف بياء في الوصل ، وهو بياء في الحالين.
وقال أبو بكر النقاش : حدَّث أبو عبيد بالقراءة عن هشام بن عمَّار.
قبل وفاة هشام بنحو من أربعين سنة.
قال أبو زرعة : كان القراء بدمشق الذين يحكمون القراءة الشامية
العثمانية ، ويضبطونها ثلاثة : هشام بن عمار ، والوليد بن عتبة.
وعبد الله بن ذكوان.
وقال الوليد بن عتبة : ما بالعراق أقرأ من
(1/549)
عبد الله بن ذكوان.
وقال أبو زرعة : وأنا أقول : لم يكن بالعراق ، ولا بالحجاز ، ولا بالشام ، ولا
بمصر ، ولا بخراسان في زمن عبد الله بن ذكوان أقرأ من عبد الله بن ذكوان عندي.
وكان أبو عبد الله هارون بن موسى بن شريك الأخفش إمام الجامع
بدمشق ، وكان حسن الصوت بالقرآن ، طيب القراءة ، وعاش طويلاً.
وكان قَيِّماً بالقراءات السبْعِ أئمة الأمصار ، وقرأ بقراءات كثيرة ، وله
كتب في القراءات مشهورة.
قال أبو علي : وقرأ أيضاً باختيار أبي عبيد على أبي محمد
البيساني عنه ، وكان عالماً بالتفاسير ، والنحو ، والغريب ، والشعر.
قال : وهو الذي شهر قراءة أهل الشام ، ولولا ضبطه لها لكانت قد
ارتفعت من طريق ابن ذكوان.
قال : ويقال له بدمشق أخفش باب الجابية ، وكان بداريا أخفش آخر من أهل القرآن
والفضل ، إلَّا أنه لم يذكر ، وذهب اسمه ، واندرس علمه ، قال : وما رأيت أحداً روى
عنه ، ولا ذكره في كتبه.
وكان بعد هارون بن موسى بن شريك الأخفش ، أبو الحسن بن
(1/550)
الأخرم ، وهو محمد بن النضْر
بن مُر بن الحُر بن حسان أخذ القراءة عن
الأخفش ، وتقدم فيها ، وقرأ عليه ، ببغداد ، جماعة منهم أبو طاهر بن
أبي هاشم ، وكان قد رحل إلى بغداد ليقرأ على أبي بكر بن
مجاهد.
قال : قدمت بغداد في سنة عشرين وثلاثمائة في وفد
الدمشقيين ، فأتيت مسجد أبي بكر بن مجاهد.
فحزرت أن فيه ثلانمائة متصدر ، ولم أجد موضعاً ، فجلست في أقصى المسجد ، فسمعت
رجلًا يقرأ على واحد منهم بقراءة ابن عامر ، ويغلط فيها ، فرددت عليه ، فانتهروني
، وصاحوا على ، فخرجت فإذا بخياط على باب المسجد ، فجلست إليه ، والتمست منه خياطة
خَرْق كان في ذراعي ، فقال لي : من أين أنت ؟ فقلت : من الشام جئت إلى أبي بكر بن
مجاهد ، فلم أصل
إليه ، فقال لي بعد ما خاط الخرق : إن للشيخ أبي بكر امرأة شامية
فاسألها ، لعلك أن تصل بها إلى حاجتك ، فمضيت إلى باب داره.
فخرجت إليَّ جارية ، وقالت : من أين أنت ؟
قلت من الشام ، قالت من أي الشام ؟
قلت من دمشق ، قالت : من أي موضع منها ؟
فذكرته ، وكانت قائمة وراء الباب تسمع ، فلما ذكرت المكان قالت :
كيف مولاي أبو الحسن بن الأخرم ، وأخوه ؟
فقلت : أنا أبو الحسن بن الأخْرم ،
(1/551)
ففرحت فرحاً حتى كادت أن تظهر
لي ، وسرَّت لي ، وجعلت تسألني عن
واحد واحد من أهلي ، وجيراني ، وإخواني ، وأصدقائي ، وقالت : ألك
حاجة ؟ قلت : نعم ، أريد أن أقرأ على الشيخ ؟
فقالت : كفيت المؤنة في ذلك ، فسل غيرها ، قلت : لا حاجة لي سواها ، قالت : إذا
كان من غد فاغد إلى المسجد ، فإنك تصل إلى جميع ما تريده ، فغدوت إلى المسجد ،
فوقفت على الباب ، فإذا الشيخ قد أمر لي بالدخول ، وإذا جماعة من أصحابه قد
تبادروا إليَّ يقولون لي : ادخل ادخل ، وقد رمقني
الجماعة بأبصارهم ، ووسعوا لي من كل موضع ، فلما دنوت منه سلمت
عليه ، وجلست بين يديه ، فقال لي : أنت أبو الحسن بن الأخْرَم ؟
قلت : نعم ، فأخذ يسألني عن حروف الشاميين ، وأنا أجيبه عن جميع ما يسألني عنه ،
ثم سألني عن حروف غير الشاميين ، ثم سألني عن غرائب حروف القراءة ، ثم سألني عن
الشاذ ، وعن غرائب الشواذ ، ثم سألني عن معاني ما سألني عنه من الحروف ، وأنا
أجيبه عن جميع ما يسألني عنه.
فضرب بيده على يدي ، وقبض عليَّ ، وجذبني إلى عنده ، وأقعدني إلى
جنبه ، ثم قال لأصحابه : هذا صاحب أبي عبد الله هارون بن موسى بن شريك الأخفش.
فلما قام عند انقضاء مجلسه اجتمع إليَّ جميع أصحابه ، وقرؤوا عليَّ.
وأدخلني ابن مجاهد على الوزير علي بن عيسى ، فقضى جميع
حوائجنا التي جئنا من أجلها إلى بغداد ، وألزمني الوزير المقام عنده.
ورجع جميع من كان معي إلى دمشق ، فأقمت ببغداد سبع سنين كلما
(1/552)
أردت الرجوع منعني من ذلك ،
ثم ورد على الخبر بوفاة أخي ، فدخلت
على الوزير ، وقلت : لا بد لي من الرحيل إلى دمشق ، فقال : نحن
نكتب إلى العمال بدمشق ، ونأمرهم أن يتولوا أمر جميع ما لك بها.
قلت : لي أشياء لا يضبطونها وتضيع عليَّ ، فأذن لي بالمسير إلى دمشق
سنة سبع وعشرين وثلاثمائة.
قال أبو بكر أحمد بن نصر بن منصور الشذائي : قرأت ببغداد
على أبي الحسن بن الأخرم إلى سورة التوبة ، ثم خرج فخرجت معه.
فكنت أقرأ عليه في الطريق إلى أن ختمت عليه بدمشق.
ثم من بعد ابن الأخرم أبو بكر السلمي هو : محمد بن أحمد بن محمد بن عبد الله بن
هلال بن عبد العزيز بن عبد الكريم بن عبد الله بن حبيب السلَمي.
فهو من ولد أبي عبد الرحمن عبد الله بن حبيب السُّلمي ولد سنة سبع
وعشرين وثلاثمائة في أيام الراضي ، ومات في يوم الأحد آخر النهار
السابع من شهر ربيع الآخر ، ودفن بباب الصغير يوم الاثنين الثامن من
سنة سبع وأربعمائة ، وله من العمر ثمانون سنة ، رحمه الله ، وأخذ عنه
أبو علي الأهوازي ، رحمه الله.
(1/553)
قال أبو علي : قرأت برواية
ابن ذكوان على أبي بكر محمد بن أحمد
بن محمد بن عبد الله بن هلال السُّلَمي من ولد أبي عبد الرحمن السُّلمِي
بدمشق في منزله بدرب الحبالين في سنة اثنتين وتسعين وثلاثمائة.
وأخبرني أنه قرأ بها القرآن من أوله إلى آخره ثلاث ختمات على أبي
الحسن بن الأخْرم ، وأخبره أنه قرأ على أبي عبد الله هارون بن موسى
ابن شريك الأخفش.
وأخذ عن الأهوازي المصينى الضرير الأبهري ، وأخذ عنه
الشريف الخطيب ، وأخذ عنه أبو الجود غياث بن فارس
اللخمى ، رحمه الله ، وأخذتها أنا عنه ، وقرأ بها أيضاً على
الأخفش أبو بكر النقاش ، وقرأ على النقاش بها عبد العزيز بن
(1/554)
جعفر الفارسي ، وقرأ على عبد
العزيز بن جعفر أبو عمرو
عثمان بن سعيد الدانى ، وقرأ على أبي عمرو أبو داود سليمان بن
نجاح ، وقرأ على أبي داود أبو الحسن بن هذيل ، وقرأ على ابن
هذيل شيخنا أبو القاسم الشاطبي ، رحمه الله ، وقرأت عليه بها.
وقد تقدم أن عاصماً ، رحمه الله ، قرأ على أبي عبد الرحمن
السُّلَمي ، وقرأ أيضاً على أبي مريم زِر بن حُبَيْش الأسدي .
(1/555)
وروى أبو بكر بن عيَّاش رحمه
الله عن عاصم أنه قال : ما أقرأني أحد من
الناس حرفاً واحداً إلا أبو عبد الرحمن السُّلمي ، وكان أبو عبد الرحمن
قد قرأ على على رضي الله عنه.
قال أبو بكر : وما أقرأني أحد غير عاصم ، تعلمت منه القرآن حرفاً
حرفاً ، وكان يقول لي : تعلم القرآن آية آية.
كما قرأ يحيَى بن وثاب على عُبَيْد بن نُضَيْلة.
قلت : لا أطيق ذلك يطول علي ، فأخذت القرآن منه خمساً خمساً.
قال عاصم : وكنت أرجع من عند أبي عبد الرحمن ، فأعرض على زِر بن حُبَيْش ، وكان
زِر عربيا فصيحاً ، وكان قد قرأ على عبد الله بن مسعود ، قال أبو بكر : فقلت لعاصم
: قد استوثقت لنفسك ، أخذت القرآن من وجهين ، قال أجل.
قال عاصم : قال أبو عبد الرحمن : ما رأيت أحداً أقرأ للقرآن من على بن
أبي طالب رضي الله عنه.
قال أبو بكر : وكان عاصم من أفصح الناس مقدماً في زمانه ، مشهوراً بالفصاحة ،
معروفاً بالإتقان ، وكان أبو عبد الرحمن السُّلَمى رحمه الله مقدماً في هذا الشأن
، معظماً في ذلك الزمان ، أقرأ بجامع الكوفة القرآن أربعين سنة ، ابتدأ بالإقراء
في أيام عثمان ، رضي الله عنه ، إلى أيام الحجاج ، وقيل : بل إلى ولاية
(1/556)
بشر بن مروان ، ومات في أيام
عبد الملك سنة ثلاث وسبعين ، وكان
تعلم القرآن من عثمان بن عفان ، ثم عرضه على علي ، رضي الله عنه.
وعلى زيد بن ثابت ، وعلى أبي بن كعب ، وعلى عبد الله بن مسعود.
قال أبو عبد الرحمن : قرأت على عثمان بن عفان ، رضي الله
عنه ، ثم قرأت على عليٍّ ، رضي الله عنه ، من بعده ، ثم قرأت من بعده
على زيد بن ثابت ، وكانت قراءتهم سواء ، وهي قراءة أصحاب رسول
الله - صلى الله عليه وسلم - ، منهم أبو بكر وعمر ، ولم يخالفهم إلا أربعة : ابن
مسعود ، وأبي بن كعب ، ومجمع ، وسالم مولى ابن حذيفة.
وكان أبو عبد الرحمن روى عن عثمان ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال :
"خيركم من تعلَّم القرآن وعلَّمه "
قال : فذاك أجلسني هذا المجلس ، فلم يزل يقرئ الناس إلى إمارة الحجاج.
وكان أبو الأحوص يقول : خذوا منه فإنه فقيه.
وكان أبو عبد الرحمن إذا جمع الرجل عنده ، دعاه ، وأجلسه بين يديه ، ووعظه ، وأمره
بما شاء الله عز وجل أن يأمره ، ثم يقول له : ما أعلم أحداً أفضل منك ، إن أخذت بما
تعلمت.
وقال عاصم ، وكان يقول لنا ، ونحن غلمة أيفاع : لا تأتوا
القُصاص غير أبي الأحوص ، وإياكم وشقيقاً ، وسعد بن عبيدة ، يعني
(1/557)
شقيقاً الضَّبِّي ، وكان له
رأي ، وليس بشقيق ، أبي وائل ، وكان
يكره أن يقول : أسقطت ، ولكن أغفلت.
قال عبد الأعلى : وكان أبو عبد الرحمن يؤمنا ، فيدعو على قطري ويسميه في الصلاة ،
فقلت له : فقال : إني سمعت علياً ، رضي الله عنه ، يفعله.
قال أبو حيوة : وسأله رجل عن حرف من كتاب الله عز وجل له
وجهان ، فأخبره بهما ، فقال له الرجل : أيُّهما أحَبُّ إليك ؟
فغضب ، فقال الرجل : ما الذي أغضبك ؟
قال : قولك : أحب إليك! إني أحب هذا وهذا ، قال : فكيف أقول ؟
قال : قل : بأيهما تأخذ ؟
وقال عطاء بن السائب : كنا نقرأ على أبي عبد الرحمن ، وهو يمشي ، قلت : وقد عاب
قوم علينا الإقراء في الطريق ، ولنا في أبي عبد الرحمن ، رحمه الله.
أسوة ، كيف ؟ وقد كان لمن هو خير منا قدوة.
قال عاصم : فكان زِر من أعرب الناس ، وكان عبد الله يسأله عن
العربية ، وقال : ما رأيت أقرأ من زر ، فقال أبو البلاد : نحن أقرأ منه.
نحن أعرف بالألف الطويلة من الألف القصيرة.
قال عاصم : وأخبرني زِر ، قال : وفدت في خلافة عثمان ، وإنما حملني على الوفادة
لُقي أبى بن كعب ، وأصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فلقيت صفوان بن
عسَّال.
فقلت له : هل رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟
قال : نعم ، وغزوت معه ثنتي عشرة غزوة.
قال إسماعيل : رأيت زر بن حُبَيْش ، وأن لَحْيَيْهِ ليضطربان من
(1/558)
الكبر ، وقد أتى عليه عشرون
ومائة سنة ، قال : وكان أبو عمرو الشيبانى
قد أتى عليه تسعَ عشرة ومائة سنة ، وقرأ زر على عثمان بن عفان.
وعلى علي بن أبي طالب ، وعلى زيد بن ثابت ، وأبي بن كعب.
وعبد الله بن مسعود.
وهو مشهور القراءة على عثمان ، وعلي ، رضي الله عنهما.
وقال عاصم : كان زِر كثير الصحبة لعبد الله بن مسعود.
قال عاصم : وقرأت عليه (ربَّما) فى سورة الحجر مشدداً ، فقال : أنت تستهي الرب ،
يعنى أنه كان يقرأ بالتخفيف.
وقال شريك بن عبد الله القاضي :
كان عاصم صاحب مد وهمزٍ وقراءة شديدة.
وقال أبو بكر بن عياش : كان عاصم شديد التنطع ، يعني التجويد.
قال : وكان إذا سمعته يقرأ كان في صوته الجلاجل.
وقال الحسن بن صالح : ما رأيت أفصح من عاصم ، وكان إذا تكلم يكاد
يدخله الخيلاء ، وكان مع فصاحته وبلاغته يستعمل الغريب في
كلامه ، فربما إذا تحدث سمعه السامع فلا يدري ما يقول ؟
فيسأل عن ذلك أهل الغريب فيخبرونه.
قال : سمعت مِسْعر بن كِدام يقرأ على عاصم ، فلحن ، فقال له عاصم : أرغلت يا أبا
سلمة ؟
قال شريك : فسألت عن الإرغال ، فلم أر أحداً يخبرني عنه ، حتى لقيت أعرابياً
فصيحاً لم أر أعلم منه باللغة ، والعربية ، فقلت له :
ما الإرغال فيكم ؟
فقال : الحمل يفطم ثم يرجع فيرضع ، فعلمت أنه أراد رجعت صبياً
لا تفهم .
(1/559)
وقال له رجل : كيف تقرأ (رسل
اللَّه ، الله) ؟ فقال : الأولى
شهمة ، والثانية ضئيلة ، يعني اللام الأولى والثانية من اسم الله عز وجل.
أي الأولى مفخمة ، والثانية مرققة.
قال صالح بن أحمد بن حنبل سألت أبي : أي القراءة أحب إليك ؟
فقال : قراءة نافع ، قلت : فإن لم توجد قال : قراءة عاصم.
وكان عاصم لا يرى أن يعلم القرآن لمن لا يفهمه من العجم ، والجهَّال ، وقال :
كانوا يكرهون أن يعلموا القرآن الرجل الأعجمي ومن لا يعقل.
قال أبو بكر بن عيَّاش : قال عاصم : قرأ رجل أعجمي :
(فَتُوْبُوا إلَى بَارِئِكُمْ فَاْقْتُلُوْا أنْفُسَكُمْ) فأدركوه ، ومعه حديدة
يريد
أن يقتل نفسه ، وهو معظم في أهل الحديث ، روى عن ثلاثة ، من
أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنس بن مالك ، والحرث البكري ، وأبي رمثة العبدي
، وهو رفاعة بن يثربي ، وقيل هو حبيب بن حيَّان العبدي.
وقال ابن معين : هو يثربي بن عوف فهو من التابعين.
وروى عنه من أجلّاء التابعين ممن روى عن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
جماعة : منهم : عطاء بن أبي رباح ، وقد روى عطاء عن ثلاثة عشر رجلاً من الصحابة.
وروى عن عاصم أيضاً عرفجة بن عبد الواحد وهو من التابعين أيضاً.
ومن تعظيم التابعين له أنّه كان إذا قدم من سفر قبّل أبو وائل يده.
قال عاصم : كنت إذا قدمت من سفر استقبلني أبو وائل ، فقبّل يدي ، وفي
أخرى ظهر كفّي.
(1/560)
وروى عنه القراءة ثمانية وأربعون
من الأئمة والعلماء ، وكان
مجلس عاصم ، وحلقته في مسجد الكوفة ، وكانوا يقولون : قراءة عاصم
قُبَاطِي القراءة ، وكان أبو بكر بن عياش ، رحمه الله ، من العلماء
بقراءة عاصم واختلف في اسمه فقيل : اسمه أبو بكر.
قال يزيد بن مهران : سألت أبا بكر بن عيَّاش ما اسمك ؟
فقال : يوم وضعتني أمي سمتني أبا بكر.
وقيل : اسمه سالم ، وقيل : شعبة ، وقيل : مطرف ، قال
ذلك الهيثم بن عدي ، قال : اسم أبي بكر مطرف بن عيَّاش النهشلي.
وممن اشتهرت عنه قراءة عاصم أيضاً حفص ، ويكنى أبا عمر.
وهو ابن أبي داود سليمان البزاز ، وإنما كان يدعى حفصياً ، فغير إلى
حفص.
قال حفص : اشتكيت ، فجاءني علقمة بن مرثد ، وقيس بن مسلم.
وذكر أصحابه ، يسألون عن حفص ، فلم يُعرف ، فقال بعض أهل
الحي : لو كان هؤلاء عُواد عبد الملك بن عمير كان كثيراً.
قال وكيع : وكان ثقة ، يعني حفصاً.
فهذان الإمامان اشتهرت عنهما قراءة عاصم : فأمَّا ما روي عن ابن مجاهد أنه بلغه عن
يحيَى بن معين أنه قال : الرواية الصحيحة التي رويت من قراءة عاصم رواية أبي عمر
حفص بن سليمان ، فما أظن هذا صحيحاً عن يحيَى بن معين ، وكيف يقول هذا ؟ وأبو بكر
بن عيَّاش إمام كبير ، وهو ثقة عند يحيى
وغيره ، فيما يقول ، وينقل.
(1/561)
قال يحيَى بن آدم ، قال لي
أبو بكر بن عيَّاش : إنك لتسألني عن
شيء ، من هذه الحروف أعملت نفسي فيه زماناً سنة بعد سنة ، وسنة
بعد سنة ، في الصيف والشتاء والأمطار.
قال : وذكر من اهتمامه بهذه الحروف ، وطلبه لها من عاصم اهتماماً ، وطلباً شديداً
، قال : وقال لي : انما تعلمت من عاصم كما يتعلم الصبى من المعلم ، فلقي مني شدة.
فما أحسن غير قراءة عاصم ، وهذا الذي أخبرك به من القرآن إنما تعلمته
من عاصم تعلماً.
قال أبو بكر : وقال لي عاصم ، حين سمع قراءتي :
أحمد الله ، فإنك قد جئت ، وما تحسن شيئاً ، فقلت : إنما خرجت من
الكُتَّاب ، ثم جئت إليك.
وقال : لقد فارقت عاصماً ، وما أسقط من القرآن حرفاً ، وقال : تعلمت القرآن من
عاصم خمساً خمساً ، ولم أتعلم
من غيره ، ولا قرأت على غيره ، واختلفت إليه نحواً من ثلاث سنين في
الحر والشتاء والأمطار حتى ربما استحييت من أهل مسجد بني كاهل.
وكيف يقول يحيَى ذلك ؟ وإلى أي شيء يسند قوله ؟
وإنما يعلم هذا من قرأ على عاصم ، وسمع ذلك منه ، أو علمه من حاله إذ كان تجريح
أبي بكر لا سبيل إليه.
وقال أبو بكر بن عياش : نظرت إلى أقرأ الناس ، فلزمته عاصماً.
ونظرت إلى أفقه الناس ، فلزمته مغيرة ، فأين تجد مثلي ؟
قال : وختمت على عاصم ثلاث ختمات.
وقال بشر بن الحارث : وذكر المحدثين ، والفقهاء ، فقال : فيهم
أبو بكر بن عيَّاش.
وقال أبو عيسى النخعي : لم يفرش لأبي بكر بن عيَّاش فراش
خمسين سنة .
(1/562)
وقال عبد الله بن أحمد : قال
لي أبي : رأيت أبا بكر بن عيَّاش
بالكوفة يوم الجمعة جاء إلى المسجد على حمار ، فنزل.
ثم جاء إلى سارية من سواري المسجد ، - فما زال قائماً يصقي.
ثم حسر عن كم قميصه ، فنظرت إلى ساعده ما بقي عليه إلا الجلد على العظم ، فتعجبت
من صبره على القيام ، وضعفه.
وقال ابن المبارك : ما رأيت أحداً أشرح للسنة من أبي بكر بن
عيَّاش.
وقال أبو بكر بن عياش : إمامنا يهمز (مؤصدة) ، فأشتهي أن
أسد أذني إذا سمعته يهمزها . ؟
وقد تقدم أن عاصماً قرأ على أبي عبد الرحمن وعلى زر.
فمن ها هنا وقع الخلف بين أبي بكر وحفص ، أقرأ هذا بإحدى القراءتين.
والآخر بالأخرى يدل على ذلك قول نعيم بن ميسرة : سألت عاصماً.
فقال : (مَنْ تَحْتَها) منتصبة الميم والتاء ، - فقلت : عمن ؟
فقال : عن زر يا بنيَّ ، يعني قوله عز وجل (فناداها من تحتها).
وهي قراءة أبي بكر عنه.
وقال يحيى بن آدم : سألت أبا بكر عن قراءة عاصم أربعين سنة.
ثم إن الإمامة رجعت بعد عاصم بالكوفة إلى حمزة.
قال محمد بن الهيثم المقرئ : أدركت الكوفة ، ومسجدها ، الغالب عليه قراءة حمزة ،
ولا أعلمني أدركت حلقة من حلق المسجد ، وهم يقرؤون قراءة عاصم.
قلت : "وسبب ذلك أن حفصاً انتقل إلى بغداد ، وامتنع أبو بكر من
(1/563)
الإقراء ، فذهبت قراءة عاصم
من الكوفة إلا من نفر يسير أخذوها عن أبي
يوسف الأعشى ، عن أبي بكر.
قال خلف البَزار : دخلت الكوفة لأقرأ على أبي بكر ، فلقيت أبا شهاب ، فقال لي :
أنا أكلّمه حتى يأخذ عليك.
فقال : قد لقيته ، فاذهب إليه ، فلما وقفت بين يديه ازدراني فتنحيت من
بين يديه ، ورحت إلى أبي شهاب. ق
ال : أنا أكلمه حتى يأخذ عليك قلت : والله لا رجعت إلى إنسان ازدراني ، ولا قرأت
عليه أبداً ، ثم ذهبت إلى يحيَى ، فأخذت القراءة عنه وهو حي.
فكانت الإمامة لحمزة بعد عاصم لعدالته ، وشهادتهم له بالثقة في
النقل ، واتباع ما كان عليه السلف ، فكان حينئذ إمام عصره بالكوفة
وغيرها ، وقدوة أهل زمانه في القراءة لفضله ، وشرف أخلاقه ، واستقامة
طرائقه ، وورعه ، وزهده ، أخذ القراءة عن الأعمش ، وعن حمران بن
أعين ، وعن ابن أبي ليلى ، وأخذ الأعمش عن يحيَى بن وثاب ، وأخذ
يحى عن علقمة ، عن عبد الله ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
وأخذ حمران عن عُبيد بن نُضَيْلة عن علقمة عن عبد الله ، وقرأ
حمران أيضاً على أبي حرب بن أبي الأسود ويقال : على أبي
الأسود ، وقرأ أبو الأسود على عثمان وعلي ، رضي الله عنهما ، وقرأ
ابن أبي ليلى على المنهال بن عمرو ، وقرأ المنهال على سعيد بن جبير.
وقرأ سعيد على ابن عبّاس ، وقرأ ابن عباس على أُبيّ ، وقرأ أُبيّ على
رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
قال حمزة رحمه الله : قرأت القرآن على ابن أبي ليلى أربع مرات.
(1/564)
ويقال : إنه لم يقرأ على
الأعمش ، إنما كان يسأله عن حروف
القرآن حرفاً حرفاً.
قال ابن نمير : حضرت حمزة ، وهو يسأل الأعمش عن حروف
القرآن ، فكان يقرأ ، فيقرأ له الأعمش الحرف الذي بعد ما قرأ ، وقيل :
بل قرأ عليه.
قال سُليم : جاء حمزة إلى الأعمش ، وهو يقرئ ، فلما رأوه
قالوا : حايك ، فلما وصلَتْ النوبة إليه جلس ليقرأ ، فابتدأ يوسف.
فقالوا : الآن صح أنه حايك.
وكان الأعمش إذا قرئ عليه سورة يوسف طالب بتحقيق - (أحَدَ عَشَرَ)
و (مَا لَكَ لَا تَأْمَنَّا) ، و (يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ) فلما بلغ (أحَدَ
عَشَرَ) لم يأخذ عليه ، فلما بلغ (تَأْمَنَّا) لم يأخذ عليه ، فلما بلغ (يَا صَاحِبَيِ
السِّجْنِ) لم يأخذ
عليه ، فلما فرغ الجزء لم يبق في ذلك المجلس أحد إلا صار صديقاً
لحمزة.
وعن سليم أيضاً : رأيت حمزة ، وعبد الله بن إدريس يقرأان على
الأعمش ، وكان الأعمش إذا رأى حمزة مقبلًا قال هذا حَبْر القرآن.
وقال شريك ، وسئل عن الهمز : هذا حمزة يهمز ، ما علمت
بالكوفة أقرأ ، ولا أفضل منه ، قال : ومَن مثل حمزة ؟
وقرأ شريك ، فهمز ، فقيل له : أتهمز ؟ وقريش لا تهمز.
فقال : هذا سيدنا حمزة يهمز ، أفلا أهمز أنا ؟
وقال جرير : وددت أن أستطيع أصنع ما يصنع حمزة سيدنا ، وسيد
القراء.
(1/565)
وقال أسود بن سالم ، سألت
الكسائي عن الهمز ، والإدغام في
القرآن ألكم فيه إمام ؟
فقال : نعم يا أبا محمد ، هذا حمزة الزيات يهمز ، ويكسر ، وهو إمام من أئمة
المسلمين ، وسيد القراء ، والزهاد ، ولو رأيته لقرَّت عينك به من نُسْكِه.
قال سُليم : قال لي حمزة : كنا عند الأعمش ، فقال لعيسى بن
عمر : كيف تسكت على (الظنون) و(الرسول) و (السبيل) ) ؟
فقال : (الظنونا) و(الرسولا) و (السبيلا) ، فقال يا حمزة : كيف تقرأ أنت ؟
قلت : (الظنون) و (الرسول) و (السبيل) ، فقال : يا حمزة إذا قمت من
عندي فأحسن تعليم هذا.
قال حمزة : فغضب عليَّ عيسى بن عمر ، فلم يكلمني حتى مات.
وقال إبراهيم الأزرق : كنا عند سفيان أنا وحمزة ، فقال سفيان :
حدثنا أبو يزيد الأسدي ، عن سعيد بن جبير أنه قرأ (سَلَفاً) ا
الناس يقرؤون (سُلَفاً) ، فقال سفيان : يا أبا عمارة : من الناس ؟
فقال حمزة : أنا ، فقال : صدقت.
وقال يحيَى بن معين : حمزة الزيات أبو عمارة ثقة ، وكذلك قال
فيه أحمد بن حنبل ، رحمه الله.
وقال رجل لسليم ، رحمه الله : جئتك لأقرأ عليك التحقيق ، فقال
سُليم : يا ابن أخي شهدت حمزة ، وأتاه رجل في مثل هذا ، فبكى.
وقال : يا ابن أخي : إن التحقيق صون القرآن ، فإن صنته فقد حققته.
وهذا هو التشديق.
(1/566)
وقال أبو بكر بن عيَّاش : ذكر
حمزة عند الأعمش ، فقال : ذاك
تفاحة القراء ، وسيد القراء.
وقال محمد بن فضيل : ما أحسب أن الله عز وجل يدفع البلاء عن أهل الكوفة إلَّا
بحمزة.
وكان حمزة ، رحمه الله ، يقرأ في كل شهر خمساً وعشرين ختمة.
ولم يلقه أحدٌ قط إلَّا وهو يقرأ.
وقال حمزة ، رحمه الله : ما قرأت حرفاً إلا بأثر.
وعن شعيب بن حرب أنه قرأ على حمزة بالكوفة ، وبالجبل ، فختم
عليه ختمات ، وقال له : يا أبا صالح الزم هذه القراءة فما منها حرف
قرأته إلَّا ولو شئت رويت لك فيه حديثاً.
وقال شعيب بن حرب : لو أردت أن أسند قراءة حمزة حرفاً حرفاً
لفعلت.
وقال عبد العزيز بن محمد ، وكنا عند الأعمش : ترون هذا الفتى
ما قرأ حرفاً إلا بأثر.
وعن الوليد بن بكير : أتيت سفيان الثوري أعوده ، فأتاه حمزة.
فلما ولى قال سفيان : ترون هذا ما أراه قرأ حرفاً إلا بأثر.
قال سُليم ، وذكر عند حمزة ولد ، فقال : ما قرأت حرفاً إلا بأثر.
وقد عاب قوم قراءة حمزة ، رحمه الله ، وإنما كان يأخذ المبتدئين
بالتأني والترتيل ، وينهاهم مع ذلك عن تجاوز الحد.
وقال محمد بن الهيثم النخعى : صليت خلف حمزة ، رحمه الله ،
(1/567)
فكان لا يمد في الصلاة ذلك
المد الشديد ، ولا يهمز الهمز الشديد.
وقال سليم : قال حمزة : ترك الهمز في المحاريب من الأستاذية.
وقال له رجل : يا أبا عمارة : رأيت رجلاً من أصحابك في الزياتين همز حتى
انقطع زره ، فقال : لم آمرهم بهذا كله ووقف عليه الثوري ، رحمه
الله ، فقال يا أبا عمارة : ما هذا الهمز ، والمد ، والقطع الشديد ؟
فقال : يا أبا عبد الله هذه رياضة للمتعلم ، قال : صدقت.
وقال خلف : سألت سليماً عن التحقيق ، فقال لنا : حمزة يقول :
إنا جعلنا هذا التحقيق ليستمر عليه المتعلم ، وإنما اتخذه الناس إماماً
في القراءة لعلمهم بصحة قراءته وأنها مأخوذة عن أئمة القرآن الذين
تحققوا بإقرائه ، وكانوا أئمة يقتدى بهم من التابعين ، وتابعي التابعين.
فمن شيوخ حمزة رحمه الله الأعمش ، وحمران بن أعين.
ومحمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى.
فقراءة حمزة ترجع إلى عثمان ، وابن مسعود ، وعلي بن أبى طالب ، رضي الله عنهم ؛
لأن الأعمش قرأ على يحيَى بن وثاب الأسدي مولى الكاهليين ، وقرأ يحيَى بن وثاب على
أبي عبد الرحمن السُلَمي ، وقرأ أبو عبد الرحمن على عثمان وعلى علي ، رضي الله
عنهما ، وقرأ أبو عبد الرحمن أيضاً على أبى بن كعب ، وعبد الله بن مسعود ، وزيد بن
ثابت ، وقرؤوا على النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وقرأ يحيى بن وثاب أيضاً على
أبي مسلم عبيدة بن عمروبن قيس السلماني قاضي البصرة ، وعلى أبي شبل علقمة بن قيس
بن عبد الله النخعي ، وعلى أبي عبد الرحمن الأسود بن يزيد ، وعلى أبي عائشة مسروق
بن الأجدع بن مالك الوادعي ، وأخبروه أنهم قرؤوا على عبد الله بن
مسعود .
(1/568)
وقال الأعمش : ما رأيت أحداً
كان أقرأ من يحيَى بن وثاب ، وقرأ
الأعمش أيضاً على زِر ، وزيد بن وهب ، وقرأ على عبد الله بن مسعود.
وما يروى عن حمزة ، رحمه الله ، من شدة الأخذ ، والمطالبة.
والتحقيق ، فذكر أنه أخذ ذلك عن حمران بن أعين ، وابن أبي ليلى.
وأنهما أخذا ذلك عن على رضي الله عنه ، وقرأ محمد بن أبي ليلى شيخ
حمزة على أخيه ، وقرأ أخوه على أبيه ، وقرأ أبوه على عبد الله بن مسعود.
وقال حمزة : قرأت على أبي بكر محمد بن عبد الرحمن بن أبي
ليلى ، وقرأ على المنهال بن عمرو ، وعلى سعيد بن جبير وقرأ على
عبد الله بن عباس ، وقرأ على أبي ، وقرأ على النبي - صلى الله عليه وسلم -.
قال حمزة : وقرأت على حمران ، وقرأ على عُبَيد بن نُضَيلة ، وقرأ
عبيد على علقمة بن قيس ، وقرأ علقمة على عبد الله بن مسعود ، وقرأ
حمران أيضاً على أبي الأسود ظالم بن عمرو الدؤلي ، وقرأ أبو الأسود
على عثمان بن عفان ، وعلى علي بن أبي طالب ، رضي الله عنهما.
قال حمزة : وقرأ حمران أيضاً على أبي جعفر محمد بن علي الباقر
عن آبائه عن علي رضي اللّه عنهم.
قال حمزة : وقرأت أيضاً على أبي عبد الله جعفر بن محمد وقد تقدم ذكر ذلك.
وقد تكلم قوم في قراءة حمزة قال هشام بن عمَّار صاحب ابن
عامر : حدثنا جنادة بن محمد ، سمعت سفيان بن عيينة يقول : لا تصلوا
خلف من يقرأ بقراءة حمزة.
(1/569)
وعن أبي بكر بن عيَّاش :
قراءة حمزة بدعة.
وعن عبد الله بن إدريس أنه لعن من قرأ قراءة حمزة.
واعتمد من مال على حمزة ، رحمه الله ، على هذا.
وذكر أن أحمد بن حنبل - رحمه الله - كره قراءة حمزة.
فأمَّا ما روي عن سفيان بن عيينة فإن جنادة بن محمد غير معروف
عند أهل الحديث ، وقد كان هشام بن عمار يروي عن سفيان بن عيينة.
فكيف روى عن هذا الرجل المجهول عنه ؟ وإن صح أن سفيان قال
ذلك ، فهو مجهول عند أهل العلم.
على أن سفيان سمع من غير حمزة قراءة عزاها القارئ إلى حمزة ، فأنكر ما فيها من
الإفراط ، وتجاوز الحد.
وأما قول أبي بكر بن عيَّاش : قراءة حمزة بدعة ، فذلك مما لا
يضر ، ولا يعد طعناً ، فقد يبتدع الشيء ، ويكون حسناً ، على أنه لم
يبتدع ذلك ، ولكنه رواه عن أئمته ، على ما قدمناه.
ولم يكن أبو بكر ، رحمه الله ، يعرف غير قراءة عاصم ، فلما سمع ما لم يعرفه أنكره
، وسماه بدعة.
وأما عبد الله بن إدريس فإنه سمع من يقرأ ، ويتجاوز الحد.
وينسب ذلك إلى حمزة ، وحمزة بريء منه ، فقال ما قال.
وكان ينبغي له أن يلعن من قرأ تلك القراءة التي سمع ، ولا يلعن من قرأ بقراءة
حمزة.
وقد قال شعيب بن حرب : كنت ألوم من يقرأ بقراءة حمزة حتى
دخلت ، فقرأت عليه ، فلما رآه شعيب ، وسمع قراءته رضيها ، وقبلها.
وكان يقول بعد ذلك لأصحاب الحديث : تسألوني عن الحديث ، ولا
تسألوني عن الدر ، فقيل له : وما الدر ؟
فقال : قراءة حمزة .
(1/570)
وأما أحمد بن حنبل - رضي الله
عنه - ، فقد قال سويد : مضيت أنا.
وأحمد بن رافع إلى أحمد بن حنبل ، رحمه الله ، فقال : ما حاجتكما ؟
قلنا : نحن نقرأ قراءة حمزة ، وبلغنا أنك تكره قراءته ، فقال أحمد.
رحمه الله : حمزة قد كان من العلم بموضع ، ولكن لو قرأتم بحرف نافع
وعاصم ، فدعونا له ، وخرجنا وخرج معنا الفضل بن زياد ، فقال لنا : إني
لا أصلي به ، وأقرأ قراءة حمزة ، فما نهاني عن شيء منها قط ، وكان
حمزة رحمه الله أجل ، وأورع من أن يبتدع.
قال الكسائى ، رحمه الله : قال حمزة بن حبيب الزيات : كان
الرجل بالكوفة إذا أراد أن يتعلم القرآن اختلف إلى المسجد يشاورهم.
ويسترشدهم حتى إذا اجتمع رأيهم على رجل قلده ، وقرأ عليه.
وقال يوسف بن أسباط : رأيت حمزة بعد موته في المنام كأنه يلعق
من سكرجة فيها خردل ، ويقول : آخ لحرارة طعمه ، قال : فتأولت ذلك
لشدة أخذه على من قرأ عليه.
وهذه الرؤيا لا تقوم بها حجة.
قال أحمد بن جعفر بن محمد بن عبيد الله بن المنادي : معنى هذا
المنام يرجع إلى الذي رآه ؛ لأنه كان يستعظم أخذ حمزة ، وله عنده هول
شديد ، فرأى ذلك لأجل ما كان عنده منه ، وهذا الذي قاله ابن المنادي.
رحمه الله ، هو الحق.
ومن رأى رجلاً جليل القدر في المنام على حال سيئة ، أوْ رَآه قصيراً ، أو ضئيلاً ،
فإنما رأى اعتقاده فيه ، وأين هذه الرؤيا ؟
من رؤيا حمزة ، رحمه الله ، أنه قرأ القرآن كله على ربِّ العزة ؟
وقد حدثني بها الشيخ الإمام أبو القاسم الشاطبى رحمه الله بقراءتي عليه.
وحدثني بها غيره ، وهي مشهورة.
(1/571)
وكان حمزة - رحمه الله - ،
يقرئ الأول ، ولا يقدم أحداً على أحد.
وكان بنو عيسى بن موسى الهاشمى يأتونه ليقرؤوا عليه ، فلا يقدمهم.
فكانوا يختلفون إليه ، فلا يدركون القراءة عليه ، فقيل له : يا أبا عمارة :
إن هؤلاء الشباب ولد عيسى ، وعيسى - من علمت حاله ، وقدره ، شيخ
بني هاشم يأتون ، فلا تقرئهم ، فقال : ما ذاك لهم عندي إن كانوا يريدون
يقرؤون عندي فليرسلوا مواليهم ليأخذوا لهم موضعاً.
وأصحاب حمزة - رحمه الله - الذين أخذوا عنه القراءة : أبو
الحسن علي بن حمزة الكسائي ، وأبو عيسى سُلَيم بن عيسى الحنفي.
وأبو محمد عبد الرحمن بن أبي حماد الكوفي ، وأبو عمارة حمزة بن
القاسم الأحول وإسحاق بن يوسف الأزرق الواسطي والحسن بن عطية
القرشي وخالد بن يزيد الطبيب ، وأبو بشر الصباح بن دينار الأسدي.
وأبو علي محمد بن واصل ، وأبو أيوب سليمان الذي روى عنه أبو
الحارث الليث بن خالد قراءة حمزة ، وإبراهيم بن طعمة بن عمروا
الجعفي وإبراهيم بن إسحاق بن راشد النحوي ، والمنذر بن الصباح
الكوفي ، ونعيم بن يحيَى السعيدي ، والصباح بن محارب ، وأشعث بن
عطاف الأسدي أبو النضر ، وعبد المه بن صالح بن مسلم العجلى.
وعبيد الله بن موسى العبسى ، وعمرو بن ميمون القَناد ، أبو عثمان ، وعبد
الرحمن بن تيم السكري أبو سفيان ، وعائذ ابن أبي عائذ ، والحسن بن
عيسى ، أخذ عنهما أحمد بن جبير عن حمزة.
والحسين بن علي الجعفي ، وجرير بن عبد الحميد الضبى ، والحجاج بن محمد
الخراسانى ، ويحيَى بن آدم العجلى ، وخارجة بن مصعب.
وقبيصة بن عطية العامري ، وأبو زيد سعيد بن أوس الأنصاري ، وجعفر بن محمد
(1/572)
ابن المختار ، ومحمد بن سعيد
الرفاعي ، ومحمد بن حفص الحنفي.
وقرأ عليه أيضاً :
سفيان بن سعيد الثوري ، وإبراهيم بن أدهم ، وأبو الأحوص
سلام بن سليم الكوفي ، وأبو إسحاق الفزاري ، ووكيع بن الجراح ، وأبو
بكر محمد بن واصل المؤدب ، وخالد بن يزيد الكاهلى ، وبكر بن
عبد الرحمن القاضي ، والربيع بن زياد ، وعبد الرحمن بن قلوقا ، ويحيَى بن
علي الخزاز ، ومحمد بن زكريا الكسائي ، ويوسف بن أسباط صاحب
رؤيا الخردل ، وعثمان بن زائدة ، ومحمد بن فضيل ، ويحيَى بن اليمان.
وخلف بن تميم ، وإبراهيم الأزرق ، وجماعة غير هؤلاء.
أفيطعن في إمام قرأ عليه هؤلاء الأئمة ؟
وسادات الإسلام رضوا قراءته ، وقبلوها ، وأدوها ، وحملوها.
وكان الكسائي رحمه الله يفتخر به ، وقرأ عليه القرآن أربع
مرات ، وكان يسميه أستاذي ، ويجله ، ويرفع من قدره.
قال الكسائي : قال لي هارون الرشيد أمير المؤمنين : أقرئ محمداً قراءة
حمزة فقلت : هو أستاذي يا أمير المؤمنين.
وقال سُليم : رأيت سفيان الثوري يقرأ على حمزة ، قال : وسمعت
سفيان يقول : قرأت على حمزة أربع ختمات.
قال سليم : وسمعت حمزة يقول : أتاني سفيان بن سعيد الثوري ، وسألني أن آخذ عليه ،
فأقرأته ، فقرأ على أربع ختمات.
وقال شعيب بن حرب قرأ إبراهيم بن أدهم على حمزة.
وقال محمد بن موسى الدمشقى : قلت لإبراهيم بن أدهم يا أبا إسحاق ، وقد قرأت ، قال
: نعم ، على حمزة الزيات.
وكان الفضيل بن عياض ، رحمه الله ، يحب قراءة حمزة.
(1/573)
قال محمد بن الفضيل بن عياض :
منعني أبي أن أسمع من منصور بن
المعتمر ، وقال لي : لا تسمع من منصور ، ولا غيره ، حتى تختم القرآن
على حمزة.
وقال سليم : لقد أتيت حمزة ، والكسائي يقرأ عليه ، فأرعد ، فقال
له حمزة : كأنه أجل في عينك مني ، قال : لا ، ولكني إن أخطأت
علمتني ، وإن أخطأت ، وهذا حاضر يسمع ، شنع عليَّ.
ثم إن الإمامة أفضت بعد حمزة إلى أبي الحسن علي بن حمزة الكسائي ، فختم به قراء
الأمصار ، وأشرق به عصره واستنار ، وأبى عليه الأئمة ، واختاروه
قدوة للأمة.
قال يحيَى بن معين : ما رأيت بعيني هاتين أصدق لهجة من الكسائي.
وقيل لأبي عمر الدوري : لِمَ صحبتم الكسائي على الدعابة
التي كانت فيه ؟ قال : لصدق لسانه.
وقال الفراء : حدثنا الكسائى ، وكان ، والله ، ما علمته إلَّا ، صدوقاً ، عن
إسرائيل والقَرْزمي ، عن أبي إسحاق ، عن الأسود بن يزيد.
قال : قلنا لعبد الله : (فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) ، أو (مُذكر) ، فقال : أقرأني
رسول
الله - صلى الله عليه وسلم - (فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) بالدال.
وقال الفراء : لم يرَ مثل الكسائي ، ولا يرى مثله أبداً ، كنا نظن أنا
إذا سألناه عن التفسير لا يجيب عنه ذاك الجواب الثاقب ، فسألناه عنه ،
(1/574)
فأقبل يرمينا بالشهبان ، وكان
الرشيد معجباً به ، واختاره لنفسه ، ولولده.
ولا يختار الخليفة لنفسه إلَّا الأفضل.
وكان الرشيد يقول : ما رأيت أفضل منه ، ولا أورع ، ولا أبصر بالقرآن والعربية.
وقال الفراء : قال لي رجل من النحويين : ما اختلافك إلى الكسائي ؟
أنت مثله في العلم ، فأعجبتني نفسي ، فناظرته مناظرة الأكفاء ، فكأني كنت طائراً
يغرف من البحر بمنقاره.
وقال خلف بن هشام بن غالب : كنت أحضر بين يدي الكسائي.
وهو يقرأ على الناس ، وينقطون مصاحفهم بقراءته.
قال ابن مجاهد : وحدثني أحمد بن القاسم قال : حدثنا
إسحاق بن يوسف الأزرق ، قال : سمعت الكسائي ، وهو يقرأ على الناس
القرآن مرتين.
وقال أحمد بن الصباح : كان الكسائي يبدأ بمن سبق.
فيأخذ عليه ، وكان متواضعاً في علمه يأخذ على كل إنسان ، ولا يفضل
أحداً على أحد ، حتى كثر الناس عليه ، وكان يقرأ عليهم ، ويتبعون
ألفاظه ، وقال نصير : كان الكسائي لا يلتفت إلى ولد قرشي ما بقي عنده
واحد من العميان ، وروي أنه أعيا في مجلسه فمدَّ رجليه ، فقال بعض
جلسائه : أي شيء هذه المجالسة ؟
فقام الكسائي مغضباً ، فقيل له : ممه ؟
فقال : ما كنت لأجالس إنساناً يبخل عليَّ بما لا يضرُّه.
وأخذ عن الكسائي قراءته ، وقرأ عليه جماعة من أئمة القرآن.
والحديث ، والفقه ، والنحو والعربية.
منهم : أبو يوسف نصير بن يوسف النحوي ، وأبو عمر حفص بن عمر بن عبد العزيز الدوري
، وإبراهيم بن زاذان الخراسانى ، وسَوْرة بن المبارك الدينوري ، وأبو الحارث الليث
بن خالد المروزي ، وعصام بن الأشعث ، ويقال : ابن أبي الأشعث ، وأبو يزيد الخزاز
الكوفي ، وأحمد بن منصور النحوي أبو جعفر ، وأبو مسلم
(1/575)
عبد الرحمن ، وحميد بن الربيع
الخزاز ، ومحمد بن واصل النحوي
وأبو ذهل أحمد بن أبي ذهل ، وصالح بن عاصم الناقط وأيوب بن
المتوكل البصري ، وأحمد بن جبير الأنطاكى ، وأبو عبيد القاسم بن
سلام بن مسكين الخراسانى ، وقتيبة بن مهران ، وأبو عيسى خلاد بن
خالد المقرئ ، وأبو زكريا يحيَى بن زياد الفراء ، ومحمد بن
عبد الله بن الرومي ، وأبو جعفر محمد بن سعدان النحويين ، ويحيَى بن
آدم العجلى ، وهشام بن معاوية النحويين ، ومحمد بن سفيان الخزاز.
وأبو موسى هارون بن يزيد البغدادي.
وعبد الله بن بشير بن أحمد بن ذكوان ، وخلف بن هشام.
وعون بن الحكم ، ومحمد بن جعفر ، وعبد الله بن موسى أبو عبد
الرحمن ، ومحمد بن عبد الله بن يزيد البَجَلي ، وأبو محمد هاشم بن عبد
العزيز البربري ، وإسحاق بن إبراهيم بن أبي إسرائيل الخراسانى ، وأبي
حيوة شريح بن يزيد الحضري ، وأبو موسى عيسى بن سليمان
الشيزري ، وأبو محمد الطيب بن إسماعيل الذهلي الملقب بأبي
حمدون ، وأبو هشام محمد بن يزيد الرفاعي ، وزكريا بن وردان.
وحمدويه بن ميمون ، وعمر بن بكير ، ونوح بن أنس ، وعمر بن
نعيم بن ميسرة الرازي ، وحمدون بن الحارث الخزاز ، ومحمد بن المغيرة
الأسدي ، والفضل بن إبراهيم النحوي ، وهارون بن يزيد الفارسي ، وغير
هؤلاء.
وقد أحصي جميع من أخذ عنه ، فكان ذلك ثمانية وأربعين
كلهم أئمة وقدوة.
وقال نصير : دخلت عليه في مرضه الذي مات فيه بالري ، فأنشد يقول :
قَدَرٌ أحَلَّكَ ذَا النُّخَيْلِ وَقَدْ أرَى . . . وأبِي ومَالَكَ ذو النخيْلِ
بِدَارِ
(1/576)
إلا كَداركُمُ بذي بَقَرِ
اللوى . . . هَيْهَات داركم من المُزْدَارِ
قال : قلت : كَلا ، ويمتع الله الجميع بك ، قال : لئن قلت ذاك.
لقدكُنْتُ أقرئ الناس في مسجد دمشق ، فأغفيت في المحراب ، فرأيت
النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما يرى النائم داخلًا في باب المسجد ، فقام إليه
رجل ، فقال : بحرف من أقرأ ، فأومأ إليَّ.
وقال عبد الرحمن بن موسى : قلت له : لم سميت الكسائى ؟
قال : لأني أحرمت في كساء.
وقال خلف بن هشام البَزار ، كان من قرية من قرى السواد يقال
لها : باكسَّاء ، فنسب إليها ، وخفف فقيل له : الكسائي.
وقال أبو عمر الدوري : سُمِّي بذلك لأنه كان يبيع الأكسية ، فنسب
إليها ، وقال الحسين بن علي بن نجيح الجعفى : سمي بذلك لأنه كان
يتشح بكساء ، ويجلس في مجلس حمزة ، فيقول حمزة : اعرضوا على
صاحب الكساء ، فسمي الكسائي لذلك.
وقيل : إنه ارتحل إلى حمزة ، وعليه كساء جيد ، فجلس بين يديه ، فقرأ ثلاثين آية ،
وكان حمزة لا يقرئ أحداً أكثر من ذلك ، فقال له : اقرأ ، فقرأ أربعين آية ، ثم قال
له : اقرأ إلى أن قرأ مائة آية ، فقال له : قم.
ثم إنه افتقده بعد ذلك ، فقال : ما صنع صاحب الكساء الجيد ؟
فسمي الكسائي.
فهذه جملة من أخبار الأئمة رحمهم الله ذكرتها محذوفة الأسانيد ميلًا إلى التخفيف
والإيجاز ، وكتب الأئمة تشهد بصحة ما ذكرته ، وبالله التوفيق.
(1/577)
وينبغي لمن يقرئ القرآن أن
يكون متواضعاً لله عز وجل ، شاكراً
له على عظيم ما أنعم به عليه من إقراء كتابه الكريم ، وإذا سئل عن
مسئلة فليستعن بالله عزَّ وجلَّ على الجواب ، ثم يقرأ قوله عزَّ وجلَّ :
(سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ
الْحَكِيمُ (32).
فإذا فتح عليه بالجواب فليحذر العجب ، وليذكر قوله عز وجل :
(بَل اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ).
وقد روى سلمة بن عاصم ، عن الكسائي ، رحمه الله ، قال : صليت بالرشيد ، فأعجبتني
قراءتي ، فغلطت في آية ما أخطأ فيها صبى قط ، أردت إلى قوله (لعلهم يرجعون) فقلت :
(لعلهم يرجعين) قال : فوالله ما أجترأ هارون أن يقول لي : أخطأت ، ولكنه لما سلّمت
قال لي : أيّ لغة هذه ، قلت يا أمير
المؤمنين قد يعثر الجواد ، قال : أما هذه فنعم.
وكان شيخنا أبو القاسم ، رحمه الله ، يجلس على طهارة نعلم ذلك
منه بأنه كان يصلي الظهر بوضوء الصبح ، وكان إذا أذن المؤذّن لصلاة
الظهر انتصب قائماً يستبرئ نفسه ليعلم هل يحتاج إلى الوضوء ، فإن
رأى ذلك توضّأ ، وإلّا صلى على حاله تلك ، وكان لا يسجد إذا قرئت
عليه السجدة ، ولا يسجد أحد ممن يقرأ عليه ، وكذلك كان سنة
أشياخه ، والله أعلم ؛ لأنه شديد الاقتداء بمن أخذ عنه.
والسبب في ذلك أنّ حال المقرئ ، والمعلّم يخالف حال من يتلو القرآن لنفسه ، ولو
كلّف المقرئ ، والمعلم ذلك لأفضى الأمر إلى الحرج ، والمشقة.
وكذلك مس المعلم ألواح الصبيان ، وفيها القرآن على غير طهارة.
وكذلك قال الأئمة في كتبهم ، حتى قال بعض شيوخنا ، وكان قد قرأ
على خلق كثير ، وجم غفير : لم يكن أحد منهم يسجد إلَّا شيخ صالح.
يعني غير متحقّق بالإقراء ، ولا معرفة له بطريقهم.
وعلى هذه الصفة كان
(1/578)
شيخنا أبو الجيوش عساكر ،
رحمه الله ، يسجد ، وكان من عوام
المقرئين.
وكان شيخنا أبو الجود ، رحمه الله ، لا يسجد ، وكذلك كان
الغزنوي ، رحمه الله ؛ ولأن المقرئ يعلم الناس العلم ، والقارئ
متعلم.
وقد قال الشافعي ، رضي الله عنه : طلب العلم أفضل من
النافلة.
* * *
القراءات
باب الاستعاذة
جاء في رواية المسيبي عن نافع ترك التعوذ في أوائل السور.
وأبعاضها.
وفي رواية يونس عن ورش إخفاؤه ، وكذلك روى
الحلوانى عن خلف ، عن حمزة ، وابن زربي عن سليم عنه.
وبالإخفاء ، والإظهار معاً روى الحلواني عن خلاَّد.
والجماعة يأتون بالاستعاذة جهراً.
فأمَّا إسقاط التعوذ فلئلا يتوهم أن الأمر في الآية على
الوجوب ، وأما الإخفاء فليفرق بين القرآن وغيره.
والوجه الإتيان بالتعوذ جهراً ، والذي عليه إجماع الأمة
(أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ)
وأما غير هذا اللفظ فغير متفق عليه.
ورأيت بعضهم إذا قرأ قال في أول القراءة قبل الاستعاذة
(وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ (97) وَأَعُوذُ بِكَ
رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ (98).
فقلت له : فقد قرأت القرآن ، ولم تستعذ.
(1/579)
وأجمع المسلمون على أن
الاستعاذة قبل القراءة
وقال داود : الاستعاذة بعد الفراغ من القراءة ، وإنما معنى قوله عز وجل : (فَإِذَا
قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (98).
كقوله عليه السلام : "إذا أكلت فَسم بالله"
فيلزمه على هذا ألا يسمي إلَّا بعد الأكل ، فإن التزم
له ذلك كان خروجاً عن السُّنة ، وعما جاء عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من
التسمية قبل الأكل.
وقد روي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من طرق شتى الاستعاذة قبل القراءة ،
ولم يرو عنه - صلى الله عليه وسلم - الاستعاذة بعدها ، ولا تفهم العرب من قول الله
عز وجل : (فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ) الاستعاذة بعد
القراءة ، وإنما أتي داود من قبل العجمة.
وروي عن ورش الإمالة في أعوذ بالله ، وليس ذلك من رواية -
المصريين ، ولا المدنيين عنه ، وكذلك روي عن الكسائي في بعض
طرق قتيبة عنه ، وروى شجاع عن أبي عمرو : (الرجيم بسم الله)
بإخفاء الميم عند الباء في إدغام الكبير ، والباقون لا يخفون عنه ، لأن
الاستعاذة ليست من القرآن.
ويروى عن السوسى عن اليزيدي الإدغام في (وَاللَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)
إذا قرأ بالإدغام الكبير ، واستعاذ على ذلك.
(1/580)
التسمية
روى يونس ، عن ورش ، عن نافع : التسمية مخفاة بين السور.
وفي رؤوس الأجزاء ، وأينما ابتدى القارئ في جميع القرآن.
وروي عن حمزة مثل ذلك ، إلَّا في أوائل الأجزاء فإنه يجهر بها.
وروي عنه الجهر ، والإخفاء معاً في جميع القرآن بين السور وغيرها.
وروي عنه الجهر في رؤوس الأجزاء ، وتركها بين السور إلا أن يكون
أول السورة أول جزء ، فالتسمية جهراً حينئذ.
وروى الكسائي عن حمزة الجهر بالتسمية بين السور ، وفي
الأجزاء.
وروى شجاع عن أبي عمرو التخيير بين التسمية ، وتركها بين
السور ، وفي الأجزاء.
فالإخفاء بين السور فيه اتباع المصحف ، والإيماء
إلى أنها ليست من السورة ، والجهر بها في أوائل الأجزاء مع الإخفاء بين
السور لإحاطة العلم بأنّ التسمية حينئذ للتبرك ، والتخيير بين الترك
والتسمية في جميع ذلك لأن من ترك لم يترك قرآناً ، ومن لم يترك أتى
بها للتبرك..
* * *
وأما فاتحة الكتاب
فروى ابن صميف التجيبي ، عن الأزرق ، عن ورش ، عن نافع ترك
التسمية فيها ، وكذلك روى عن حمزة القاضي ، وابن الصباح.
والكاهلي.
ولست أصحح هذه الرواية عنه ، لأنه يعتقدها آية من
الفاتحة ، فكيف يسقطها ؟
وأما نافع فليست عنده بآية منها .
(1/581)
وروى الحلواني وابن زربى عن
سُليم عن حمزة إخفاءها في فاتحة
الكتاب ، وكذلك روى مواس عن يونس عن ورش.
واعلم أني إنما أذكر المذاهب الغريبة عن الأئمة ليكون ذلك
تكملة.
وأمَّا المشهور فلا حاجة إلى ذكره ؛ لأنه معلوم عند عامة القراء.
وروى يحيَى ، والأعشى ، عن أبي بكر ، عن عاصم ، رحمه الله.
التسمية في أول براءة في القراءة ، وهو القياس ؛ لأن إسقاطها إما أن
يكون لأن براءة نزلت بالسيف ، أو لأنهم لم يقطعوا بأنها سورة قائمة
بنفسها دون الأنفال.
فإن كان لأنها نزلت بالسيف فذاك مخصوص بمن نزلت فيه.
ونحن إنما نسمي للتبرك ، ألا ترى أنه يجوز بغير خلاف أن يقول مبتدئاً
(بسم اللَّه الرحمن الرحيم) (وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا
يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً)
وفي نظائرها من الآي ، وإن كان إسقاطها ؛ لأنها
لم يقطع بأنها سورة وحدها ، فالتسيمة في أوائل الأجزاء جائزة ، وقد علم
الغرض بإسقاطها ، فلا مانع من التسمية.
وقد روى زِر بن حُبَيْش إن عبد الله بن مسعود أثبتها في
مصحفه ، ولا نعد التسمية في أول براءة مخالفه للمصحف كما لم
نعد تركها بين السور لمن تركها مخالفه للمصحف.
* * *
باب الإدغام
يقال : أدغمت الفرسُ اللجامَ إذا أدخلتَه في فيه.
قال أهل العربية : ومن أخذ إدغام الحروف ، يقال : أدغمت
(1/582)
الحرف واذغمته ، والإدغام
افتعال من ذلك ، يقال أيضاً دغمهم الحر
بفتح الغين وكسرها أي غشيهم ، والأحسن أن يكون مأخوذاً من هذا.
وقد قيل : إنه مأخوذ منه.
ومعنى الإدغام أن تصل حرفاً ساكناً بحرف متحرك مماثل له يرتفع
العضو عنهما ارتفاعة واحدة
وإنما قلت : العضو ، ولم أقل : اللسان كما قال غيري ؛ لأن مثل :
ثوب بكر لا يقال فيهما : ارتفع اللسان عنهما ارتفاعة واحدة.
فإن قيل : هل دخل الحرف الذي أسكنته في الثاني ؟
قلت : ذاك محال أن يدخل حرف في حرف.
فإن قيل : فإذا لم يصح دخوله فيه ، وهو ساكن إلى جنبه ، فكذلك كان قبل الإدغام ،
فما الفرق بين حال الإدغام ، والإظهار ؟
قلت : يرتفع العضو في حال الإظهار ارتفاعتين.
وفي حال الإدغام ارتفاعة واحدة ، والدليل على ما قلته من كون الأول
ساكناً أن كل حرف مشدد في تقطيع العروض حرفان الأول ساكن
يقول :
بِسِقْطِلْ لِوَى ، بَيْنَدْ دَخُوْلِ ، فَحَوْمَلِ
فإن قلت : فلم أسكنوا الأول ؟
قلت : لو لم يسكنوه لفصَلت الحركة بينهما ، فلم تحصل الرفعة الواحدة.
وقد كره إدغام أبي عمرو قوم ، وعابوه ، وقالوا : إن ذلك تغيير لحروف القرآن ،
ويؤدي إلى زوال معاني كلماته ، وإنه لا أصل له ، ولا أثر يؤيده ، إنما هو شيء تفرد
به أبو عمرو.
وكذلك عابوا من الإدغام ما لم يتفرد به أبو عمرو.
(1/583)
قال عاصم : قرأت يوماً على
أبي عبد الرحمن السُّلَّمي حتى تحول
من مجلس القرآن إلى حلقة فيها نفر من الصحابة ، وكان إذا فرغ من
مجلس الإقراء يجلس إليهم ، وفيهم : زر بن حبيش ، وشقيق بن سلمة.
والمسيب ، وكان يجالسهمٍ يزيد بن الحكم الثقفي ، فقلت : إن أهل
المجلس يدغمون حروفا كثيرة ، ويقولون : ذلك جائز في الكلام.
فذكرت : (هل ترى) ، وقلت : يقولون : (هترى) ، و (لبثت) ، فقلت :
يقولون : (لبت) ، وأشباه ذلك ، فأعظموا ذلك جميعاً ، ثم قال أبو عبد
الرحمن : قاتلهم الله أخذوا هذا من قول الشعر ، فإن الشاعر يدغم.
وينقص من الحروف ، لئلا ينكسر عليه البيت.
وقال عاصم في هذا الحديث ، فقلت في (مَا هِيَهْ).
(ما هي) ، فقال أبو عبد الرحمن ، ويحك رأس آية ، فلم نقصت ؟
قال : وكان في ذلك منهم كلام ، وذكرت له : (يتسنَّه) ، فقلت :
(يتسن).
فهذا معنى قول أبي عبد الرحمن يدغم وينقص..
وقال أبو العباس بن مسروق : وسمعت أبا حمدون المقرئ.
يقول : صليت ليلة ، فقرأت ، فأدغمت حرفاً ، فحملتني عيني.
فرأيت كأنَّ نوراً قد تلبب بي ، وهو يقول : بيني وبينك الله.
فقلت من أنت ؟
قال : أنا الحرف الذي أدغمتني.
قلت : لا أعود فانتبهت ، فما عدت أدغم حرفاً.
(1/584)
وكان أبا عبد الرحمن ،
والجماعة الذين ذكرهم عاصم لم يبلغهم
الإدغام ، وترك هاء السكت في الوصل ، فأنكروا ذلك.
وأما أبو حمدون فكان من الأئمة الزهاد الفضلاء ، وقد تقدم أنه
أخذ القراءة عن الكسائي ، وقرأ أيضاً على يعقوب الحضرمي ، وكان
يعقوب لا يدغم دال (قد) وذال (إذ) ، ولا تاء التأنيث.
ولا لام (هل وبل) ، فيجوز أن يكون أخذ ذلك من يعقوب ، وكان الحرف الذي أدغمه من
هذه الحروف ، وكان في نفسه شيء من إدغام الكسائى لذلك ، فرأى ذلك في منامه ، أو
يعني بقوله : فما عدت أدغم حرفاً في الصلاة ، فقد كره بعض الأئمة الإدغام في
الصلاة ، مع أن القراءة المنقولة عنه
الإدغام ، وسأذكر ذلك فيما بعد ، إن شاء الله ، ولا يشك في دينه.
وصلاحه.
قال أبو العباس بن مسروق ، وكان من أصحاب أبي حمدون.
وممن أخذ القراءة عنه : حدثني أبو حمدون المقرئ قال : كنت ليلة
قائماً أصلي ، وصاحب لي يقال له : محمد الحناط ، قائم يصلي بحذائي
على سطح ، فحملتني عيني ، فرأيت كأنَّ موسى بن عمران ، عليه
السلام ، قد أهوى إليه بحربة ليطعنه بها ، فأوجزت الصلاة ، وناديت يا
محمد ، يا محمد! ويحك ، مالك ولموسى بن عمران ؟
قال : قرأت ، فبلغت إلى قوله عز وجل : (رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ).
فقلت : ما كان أجرأه! يقول لله عز وجل : (أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ)
قلت : فإني قد رأيته يومئ إليك بالحربة ليطعنك بها .
(1/585)
وكان أبو حمدون يقصد المواضع
التي ليس فيها أحد يقرئ
الناس ، فيقرئهم حتى إذا حفظوا انتقل إلى آخرين بهذا النعت.
ذكر ذلك ابن المنادي أبو الحسن.
وأما قول من قال : إن الإدغام شيء انفرد به أبو عمرو ، وإنه غير مأثور ، فليس
كذلك.
فقد روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال في كلام له :
"ليس لهذا بُعِتُّ " با لإدغام.
قال أبو عمرو الداني : هكذا رواه أئمتنا.
قال أبو عمرو : وروى سفيان ، عن عمرو بن دينار ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ،
عن أبي بن كعب : أن النبي - صلى الله عليه وسلم -
قرأ : (لَتخَذْتَ عَلَيْهِ أجْراً) مدغماً ساقطة الذال مكسورة الخاء.
وسمع ابن عباس يقرأ (كَمْ لَبِثْتَ قَاْلَ لَبثْتُ) و (هَلْ ترَى) بالإدغام.
وروي الإدغام عن أبي الدرداء ، والحسن ، وعبد الله بن
كثير ، والأعمش ، وابن محيصن ، وطلحة بن مصرف ، وعيسى بن عمر.
ومسلمة بن محارب ، روى عيسى عن الحسن (فطبع على)
بالإدغام ، وروى عنه سليمان بن أرقم (شهر رمضان) .
(1/586)
وروى لي أبو القاسم شيخنا ،
رحمه الله ، عن ابن هذيل ، عن أبي
داود ، عن أبي عمرو ، حدّثنا فارس بن أحمد المقرئ ، حدّثنا عبد اللّه بن
الحسين ، حدثنا أحمد بن موسى عن مضر بن محمد ، حدثنا حامد بن
يحيى البلخى ، عن الحسن بن محمد ، عن شبل ، عن عبد الله بن كثير.
رحمه اللّه ، أنّه كان يدغم في الرفع نحو (يَشْفَعُ عِنْدَهُ) ، و (يَعْلَمُ
مَا) وكل شيء كان في القرآن مرفوعاً.
قال أبو عمرو : حدثنا خلف بن إبرهيم بن حمدان المقرئ.
وذكر إسناداً له ، عن الأعمش أنه كان يدغم كل شيء في القرآن إذا
التقى حرفان من جنس واحد نحو (إنَّهُ هُوَ) و (يَعْلَمُ مَا).
و (يَشْفَعُ عِنْدَهُ) ، (ونُسَبِّحَكَ كَثِيْراً) ، و (لَا أبْرَحُ حَتَى).
قال أبو عمرو : وحدثنا علي بن الحسن الشافعى ، حدثنا
الحسن بن رشيق ، حدثنا أحمد بن شعيب قال : قال لي أحمد بن نصر.
حدثنا متُّ بن عبد الرحمن ، عن عيسى بن عمر الكوفي ، عن طلحة
(1/587)
اليمانى (إنهُ هُوَ التوابُ)
، يدغم هذه عند مثلها إذا التقيا في جميع
القرآن.
قال أبو عمرو : وأخبرنا أحمد بن عمر القاضي ، حدثنا علي بن
أحمد بن محمد بن سلامة ، حدثنا أبو عبد الرحمن ، أخبرني
أحمدبن نصر ، حدثنا متّ ، عن عيسى ، عن طلحة أنه قرأ : (لِيُوْسُفَ
في الأرضِ) و (إِنَّكَ كَادِحٌ).
قال أبو عمرو : وحدثنا خلف بن حمدان المالكي المقرئ ، حدثنا
أحمد بن محمد ، حدثنا علي بن عبد العزيز ، حدثنا القاسم بن سلام.
حدثنا حجاج بن محمد ، حدثنا عيسى بن مجاهد ، حدثنا هارون بن
موسى ، عن ابن محيصن أنه كان يدغم كل شيءٍ في القرآن من حرفين
يلتقيان من جنس واحد نحو : (يَعلم ما) ، (وأنه هو) و (يَشفع
عنده) ، و (لا أبرح حتى) ، و (نسبحك كثيراً) وشبهه.
قال : وحدثني فارس بن أحمد ، حدثنا عبد الله بن الحسين ، حدثنا أحمد بن
موسى ، حدثنا نصر بن محمد حدثنا حامد بن يحيَى ، عن الحسن بن
محمد ، عن شبل بن عباد ، عن ابن محيصن أنه كان يدغم في الرفع
نحو (يشفع عنده) ، و (يعلم ما) ، وكل شيء في القرآن إذا كان
أول المثلين مرفوعاً.
(1/588)
روى أبو عمرو ، عن عيسى بن عمر
أنه كانت قراءته (نسبحك
كثيراً ، ونذكرك كثيراً إنك كنت بنا بصيراً) بالإدغام.
قال : وحدثنا طاهر بن غلبون المقرئ ، حدثنا أبو بكر بن مجاهد.
قال : كان مسلمة بن محارب من علماء العربية ، وكان يقرأ بالإدغام
بقراءة أبي عمرو ، ويزيد حروفاً لم يدغمها أبو عمرو.
قال : وأخبرنا أبو الحسن شيخنا ، يعني : ابن غلبون ، قال : حدثنا
عبد الله بن المبارك ، حدثنا جعفر بن سليمان ، حدثنا صالح بن زياد.
عن اليزيدي ، عن أبي عمرو أنه قال : الإدغام كلام العرب الذي يجري
على ألسنتها ، ولا يحسنون غيره.
وتصديق ذلك في كتاب الله عز وجل : (فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) ، و (أطيرنا).
و (اثَّاقَلْتُمْ).
و (فمن اضطر) وقبل كل شيء (بسم اللَّه الرحمن الرحيم).
والإدغام لا ينقص من الكلام شيئاً إلَّا أنك إذا أدغمت شددت الحرف.
فلم ينقص منه شيئاً.
قال : والعرب إذا أرادت التخفيف أدغمت ، فإذا كان الإدغام
أثقل من الإتمام أتمت.
(1/589)
ولا يحمل هذا الكلام من أبي
عمرو على أنه أراد أن العرب لا
تحسن الإظهار ألبتة ، وإنما أراد أنها لا تحسنه في مثل (مدَّكر) ، ونحو
الراء من (الرحمن) ، والراء من (الرحيم) ، وإذا كان الإدغام في كلامها
واجباً فكيف يعاب الإدغام إذا كان جائزاً ؟
والإدغام ، والإظهار فيما يجوز إظهاره لغتان نزل بهما القرآن.
* * *
غرائب الإدغام
روى ابن جبير ، عن اليزيدي (الْمَوْتِ تَحْبِسُونَهُمَا)
5 : 106 ، ، و (الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا) بإظهار التاء في
ذلك ، وقد نسِبَ ابن جبير في ذلك إلى الغلط على اليزيدي.
وكان ابن مجاهد يكره إدغام الواو من نحو : (هُوَ وَمَنْ " و (هوَ
وَالمَلاَئِكةِ) ، وذلك رأي منه في ظاهر الأمر.
وقد روى ابن سعدان ، وابن جبير عن اليزيدي إدغام ذلك عن أي
عمرو ، وكذلك روى محمد بن عمر بن رومي ، عن اليزيدي عن
أبي عمرو ، وكذلك روى محمد بن عمر أنه قرأ : (هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ)
مدغمة.
وحكى القاسم بن عبد الوارث ، عن أبي عمر ، عن اليزيدي (مِنْ أَنْصَارٍ (192)
رَبَّنَا).
بالإدغام ، وذلك
(1/590)
مردود ، وكان ابن مجاهد يكره
أيضاً إدغام (آلَ لُوْطٍ) ولم يرو ذلك.
ولا عزاه إلى أحد ، وقياس قول اليزيدي يقتضي الإدغام.
وكره ابن مجاهد أيضاً إدغام (يحزنك كفره) (وَمَنْ يَيْتَغ
غيْرَ الإسْلَام) وبابه.
والذي روى عبد الرحمن ، عن أبيه ، عن أبي عمرو الإدغام في (يَيْتَغِ غيْرَ
الإسْلاَم) وكذلك روى الأصبهانى ، عن ابن سعدان ، عن اليزيدي ، وحكى الخزاعي عن
أصحابه (يَلْهثْ ذلِكَ) بالإدغام ، عن ابن كثير ، وقال ابن مجاهد : قرأتها على
قنبل بالإظهار ، وكذلك روى حفص عن عاصم ، وروى الحلواني عن القوَّاس (اتخذتم)
بالإدغام ، وعن حفص فيما رواه أبو
عمرو عن أبي عمارة عنه (غرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ) ، بالإظهار.
وفي رواية الأعشى عن أبي بكر إظهار (اتخذتم)
و (اتخذت) و )لاتخذت) وفي قوله عز وجل : (ثُمَّ أخَذْتُ الَّذِينَ كَفَرُوْا)
في سورة فاطر ، ويدغم (أخذتم) في كل القرآن.
وقد روي عن الأعْشَى أيضاً أنه أدغم
(1/591)
(أخَذْتُ الَّذِينَ كَفَرُوا)
، وعن الأعشى (حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا) ، و (بَعُدَتْ
ثَمُودُ) ، و (وكَذبتْ ثَمُودُ) ، و (كَانتْ ظَالِمَةً) ، و (لَقَدْ ضَل).
و (لَقَدْ صَرفْنَا) يدغم جميع ذلك.
وروي عنه (وَدَّتْ طَائِفَة) بإظهار التاء.
وحكى ابن جبير عن الكسائي عن عاصم أنه يدغم (وقَالَتْ طَائِفَةٌ)
و (وَدَّتْ طَائِفَةٌ) لا يقطع التاء قطعاً شديداً
قال : (وَمَنْ يَرِدْ ثَوَابَ) . و (لَقَدْ صَدَقَكُم) يقرأ عاصم
على قريب من الإدغام ، وقال مثل ذلك عن عاصم في قوله عزّ وجلّ :
(قَدْ سَمِعَ اللَّهُ) (إذْ ظَلَمُوْا) (حُرِّمَتْ ظُهُوْرهَا)
(1/592)
(كَهيعص ذِكْرُ) (وَلَقَدْ
ذَرَأْنَا) (وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ) و (أثْقَلَتْ دَعَوَا)
(نَضِجَتْ جُلُوْدُهُمْ) و (حَصِرَتْ صُدُوْرُهُم) و (لَهُذدِّمَتْ صَوَامِعُ)
(كمَا بَعُدَتْ ثَمُوْدُ) (إذْ دَخَلُوْا عَليْهِ) (وَلَقَدْ زَيَّنَّا)
(أجِيْبَتْ دعْوَتُكُمَا)
(خبَتْ زِدْنَاهُمُ) ، (قَدْ شَغَفَهَا) (فَهَلْ تَرَىْ لَهُمْ) و (هَلْ تَرَى
مِنْ فطُوْرٍ)
أهْل الْمَدِيْنَةِ على قريب من الإدغام وعاصم أشد إظهاراً ، ولا يفحش
عاصم الإظهار.
وحكى ابن جبير عن الكسائي عن عاصم أيضاً إدغامهم نحو :
(لَقَدْ جِئْنَاهُمْ) و (قَدْ ضَلُّوْا) وبيَّن الذال في (اتخَذْتُمْ) وهذا -
(1/593)
غريب ، وكان حَمزة ، رحمه
الله ، فيما ذكر عبد الواحد ، لا يدغم في
الصلاة.
قال : وحدثنا القطيعي ، حدثنا أبو هشام ، حدثنا سليم ، عن
حمزة ، رحمه الله : أنه كان يكره الإدغام في الصلاة ويقرأ :
(وَالصَّافَّاتِ صَفًّا (1) فَالزَّاجِرَاتِ زَجْرًا (2) فَالتَّالِيَاتِ ذِكْرًا
(3).
(والذارِيَاتِ ذَرْواً) ا ، يبين التاء ويخفض.
وروى نصير عن الكسائي في : (أوَعَظْتَ) و (نَخْسِفْ بِهِمْ) لا يظهر
الفاء والظاء إظهاراً بيناً ، ولا يدغم إدغاماً حتى لا يبقى منهما شيء ، ولكن
يخفيهما ، ولم يرو عن أحد أنّه أدغم هذا غير الكسائي أعني : الفاء في
الباء.
وقال أبو طاهر في رواية أبي الحارث ، عن الكسائي : (وَمَنْ
يَفْعَلْ ذَلِكَ) بإدغام اللام في الذال هذا لا يليق بمذهب الكسائى.
رحمه الله ، فإنَه قد أظهر هذه اللام أعني التي سكونها غير لازم عند حرف
هو أقرب إليها من الدال ، وهو قوله عز وجل : (وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ).
قال : فلو كان يرى إدغامها في الذال لكان قد أدغمها فيما هو أشبه
بمخرجها من الذال ، قال : وذلك أن الفراء ، وقطرباً زعما أن اللام
والنون مخرجهما واحد ، ولم نره أدغم لاماً أصلها الحركة في حرف
يقرب منها غير ما ذكرنا عن أبي الحارث.
قال : ولست أشك أنه وهْمٌ منه .
(1/594)
قلت : ليست القراءة بقياس
إنما ترجع إلى النقل ، وقول أبي
طاهر غير محقق.
وروى ابن سعدان ، عن المسيبى ، عن نافع أنه أدغم النون
الساكنة والتنوين عند الغين والخاء وروى أيضاً ، أعني ابن سعدان.
عن اليزيدي عن أبي عمرو أنه أدغمها عند الخاء.
وحكى أبو عبد الرحمن عن اليزيدي عن أبي عمرو أنه أدغم
الحاء في العين في قوله عزَّ وجلَّ (فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النارِ)
وحدها.
وحكى أبو عمر في رواية أبي الزعراء عنه ، عن اليزيدي عن أبي
عمرو قال : من العرب من يدغم الحاء في العين كقوله (فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النارِ)
، قال : وكان أبو عمرو لا يرى ذلك.
وحكى قاسم بن عبد الوارث ، عن أبي عمر ، عن اليزيدي ، عن
أبي عمرو أنه أدغم (الْمسِيْح عِيْسى) و (فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا).
وحكى البرمكي ، عن أبي عمر ، عن اليزيدي أن أبا عمرو أدغم
(بِوَرِقِكُمْ) وحكى ابن واصل ، عن اليزيدي أنه أدغم (مِيْثَاقَكُمْ)
(1/595)
(وَمَا خَلْقُكُمْ).
وقال ابن جبير عن اليزيدي : أدغم (أنظُرْ إلَيْكَ) (1).
قال : وحكى أيضاً عن اليزيدي عن أبي عمرو إظهار (وَنحنُ لَهُ).
وإدغام (بعدَ ذَلِكَ).
وحكى أبو عبد الرحمن ، عن أبيه (دَاوُد ذَا الايْدِي) وكذلك حكى ابن عبد
الوارث ، عن أبي عمر ، عن اليزيدي عن أبي عمرو ، وزاد ابن عبد
الوارث في روايته (لِدَاوُدَ سُلَيْمَانَ) و (دَاوُدَ زَبُوْراً)
بالإدغام.
وحكى ابن جبير عن اليزيدي (بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ)
بالإدغام ، وكذلك روى الأصبهاني عن ابن سعدان عن اليزيدي.
وحكى ابن عبد الوارث ، عن أبي عمر ، عن اليزيدي ، عن أبي عمرو أنه
أدغم (بِبَعضِ ذُنُوْبِهِمْ) و (مِلْءُ الأرْضِ ذَهَباً).
__________
(1) تسهل همزة (إليك) بنقلها إلى الساكن قبلها ، ثم تدغم الراء في اللام بعد
تسكينها. : انظر الإقناع : 213.
(1/596)
وروى العبَّاس ، عن أبي عمرو
إدغام الباء في الفاء في قوله : (لاَ رَيْبَ فِيْهِ)
في جميع القرآن.
وحكى أبو عبد الرحمن ، عن أبيه أنّه قال :
يلزم أبا عمرو أن يدغم : (طَلّقَكَن).
قال الشيخ عبد الواحد : وإلزامه ذلك أبا عمروٍ يؤذن بأنّه لم يكن يرى إدغامه.
قال : وكان أبو بكر ، رحمه الله ، لا يرى إدغامه ، يعني ابن مجاهد.
قال أبو طاهر : ولم يلتق في القرآن غين مع غين إلَّا في
قوله عز وجل (وَمَنْ يَبْتَغِ غيْرَ الإسْلاَمِ)
قال : وإدغامه عندنا قبيح لسقوط الياء بعد الغين ، وقد روى أبو عبد
الرحمن ، عن أبيه ، عن أبي عمرو إدغامه ، وكذلك روى
الأصبهاني ، عن ابن سعدان ، عن اليزيدي ، ولم يلتق في القرآن
خاءان.
فإن قلت : فما وجه إدغام التنوين والنون عند الغين ، والخاء
فيما رُوي عن نافع وعن أبي عمرو ؟
قلت : الإدغام لغة بعض العرب ، والبيان أشهر ، وأجود ، وأكثر ، وإنما أخفاها بعض
العرب عند الغين ، والخاء إجراء لهما مجرى القاف ؛ لأنهما من المخرج الثالث ، وهو
أدنى مخارج الحلق إلى اللسان.
(1/597)
ذكر الإمالة
والإمالة والتفخيم لغتان ، وبجميع ذلك نزل القرآن ، وليس بعض
القراءة بذلك أولى من بعض ، ولم يزل نقل ذلك متواتراً من زمان رسول
الله - صلى الله عليه وسلم - حتى وصل إلينا.
وقد روي في الإمالة آثار أنا ذَاكِرُها : من ذلك :
ما روى صفوان بن عسَّال : أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرأ : (يَا
يحيى) ، فقيل له : يا رسول الله تميل ، وليس هي لغة
قريش ، فقال : هي لغة الأخوال بني سعد".
وحدثنا أبو البركات البغدادي ، حدثنا المبارك بن الحسن بن
أحمد بن علي الشهرزوري ، أنبأنا أبو الحسن على بن الحسين بن أيوب
البزَاز ، حدثنا عبد الغفار بن محمد بن جعفر المؤذن ، حدثنا أبو على
محمد بن أحمد بن الحسن بن إسحاق الصواف ، حدثنا عبد الله بن
أحمد بن حنبل ، حدثنا محمد بن سعدان الضرير ، حدثنا أبو عاصم
الكوفي الضرير ، عن محمد بن عبد اللّه ، عن عاصم ، عن زِر بن حبيش.
قال : قرأ رجل على عبد الله بن مسعود (طه) ولم يكسر ، فقال
عبد الله بن مسعود : (طِهِ) وكسر الطاء والهاء ، فقال الرجل : (طَهَ) ولم
يكسر ، فقال عبد اللّه : (طِهِ) وكسر ، ثم قال عبد اللّه : واللّه لهكذا
علمنّي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
وقال أبو عبد الرحمن السلمي : أقرأني على بن أبي طالب (رأى كوكباً).
بالإمالة.
وحدثنا أبو القاسم بن فِيْرة الشاطبي
(1/598)
شيخنا ، رحمه الله ، حدثنا
أبو الحسن بن هذيل ، حدثنا أبو داود ، عن
أبي عمرو الداني ، قال : الفتح والإمالة فيما اختلف القراء فيه لغتان
مشهورتان مستعملتان فاشيتان على ألسنة القراء ، والفصحاء من العرب
الذين نزل القرآن بلغتهم.
قال : والفتح لغة أهل الحجاز ، والإمالة لغة عامة أهل نجد من
تميم ، وأسد ، وقيس.
قال : والفتح عند علمائنا الأصل ، والإمالة فرع داخل عليه ، ودليل
ذلك من خمسة أوجه :
أحدها : أن كل حرف يمال فجائز أن يفتح ابتداء ولا يجوز أن
يمال إلَّا عند وجوب سبب يدعو إلى إمالته ، كالياء والكسرة ونحوهما.
والثاني : أن الإمالة تجعل الحرف بين حرفين ، وليس الأصل أن
يكون الحرف بين حرفين ، وإنما الأصل أن يخرج كل حرف من موضعه
خالصاً غير مختلط بغيره.
الثالث : إطلاق/النحويين القول بجواز رسم ما كان من ذوات
الياء بالألف التي الفتح منها ، وإن لم يقع فيه إشكال..
والرابع : أن الكاتب إذا أشكل عليه الحرف ، فلم يدر أمن ذوات
الياء هو أو من ذوات الواو ؟ رسمه بالألف لا غير.
والخامس : أن الصحابة رضوان الله عليهم رسموا في المصاحف
كلها (الصلاة ، والزكاة ، الحياة ، النجاة ، ومشكاة ، وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ)
بالواو -
(1/599)
وقال النحاة : رسموها كذلك
على لغة أهل الحجاز لشدة تفخيمهم.
فتوهموا لشدة الفخامة أنها واو ، فرسموها على ذلك.
فهذا كله يدل على أن الأصل الفتح ، وإنما عدل عنه من اختار الإمالة من القراء ،
والعرب رغبة في أن يتناسب الصوت بمكانها ، ولا يختلف ، فيخف على اللسان ، ويسهل في
النطق.
قلت : أما القراء فما قرأ أحد منهم بالإمالة لما ذكره ، وإنما قرأ بها
من قرأ لما رواه ، ونقله ؛ ألا ترى أنهم يميلون الشيء في موضع.
ويفتحونه بعينه في موضع آخر.
قال أبو عمرو : فلذلك نحا بالفتحة نحو الكسرة ، فمالت الألف التي بعدها نحو الياء
، ولا بد في الألف الممالة من هذا ، وذلك أنها صوت لا معتمد لها في الفم ، فلا
تكون أبداً إلا تابعة للحركة التي قبلها تدبرها ، فلذلك إذا أريد تقريبها من الياء
بالإمالة تخفيفاً ، وتسهيلاً لزم أن تقرب الفتحة التي قبلها من الكسرة ، إذ الكسرة
من الياء فتقوى بذلك على إمالة الألف بعدها.
قال : والفتح على ضربين ، فتح شديد ، وفتح متوسط.
فالفتح الشديد : هو نهاية فتح القارئ لفيه بلفظ الحرف الذي
يأتي بعده ألف ، ويسمى أيضاً التفخيم ، والقراء يعدلون عنه ، ولا
يستعملونه ، وأكثر ما يوجد في ألفاظ أهل خراسان ، ومن قرب منهم ؛
لأن طباعهم في العجمة جرت عليه ، واستعملوه كذلك في اللغة
العربية ، وهو في القراءة مكروه معيب.
قلت : قوله هو نهاية فتح القارئ لفيه بلفظ الحرف الذي يأتي بعده ألف لو أبدل لفظه
القارئ بالمتكلم
(1/600)
كان أشذ.
والفتح المتوسط هو ما بين الفتح الشديد ، والإمالة
المتوسطة ، وهو الذي يستعمله أصحاب الفتح من القرّاء كابن كثير.
وعاصم ، وغيرهما.
قال : والإمالة أيضاً على ضربين : متوسطة ، وشديدة.
والقرّاء يستعملونهما معاً.
فالإمالة المتوسطة هي أن يؤتى بالحرف بين الفتح
المتوسط ، وبين الإمالة الشديدة.
والإمالة الشديدة هي أن تقرب الفتحة من الكسرة ، والألف من الياء من غير قلب خالص
، ولا إشباع مبالغ.
والمصنفون من القراء المتقدمين قد يعبرون عن هذين الضربين
من الممال بالكسر مجازاً واتساعاً ، كما يعبرون عن الفتح بالتفخيم.
ويعبرون أيضاً عنهما بالبطح والإضجاع.
قلت : وقد عبر عنهما سيبويه بالإجناح.
قال أبو عمرو : وذلك كله حسن مستعمل بدليل تسمية العرب
الشيء باسم ما هو منه ، وما قاربه ، وجاوره ، وكان بسبب منه ، وتعلق به
ضرباً من التعلق.
قال : ولهذا يعبر عن الإشمام بالضم في نظائر ذلك.
ثم قال : وعلماؤنا مختلفون في أي هذه الأوجه الثلاثة أوجه من
طريق النظر ، وأولى من جهة القياس ؟.
فقال بعضهم : أوجهها ، وأولاها الفتح إذ هو الأصل ، وممن ذهب إلى ذلك أبو عبيد
القاسم بن سلاّم.
واحتج بالحديث المروي عن زيد بن ثابت ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو ما
حدثنا محمد بن أحمد بن على ، قال : حدثنا محمد بن القاسم ، حدّثنا بشر بن موسى ،
حدثنا محمد بن مقاتل ، أخبرنا عمّار بن عبد الملك ، قال :
(1/601)
حدثني محمد بن عبد العزيز
القرشي قاضي المدينة ، حدثنا أبو الزناد
عن خارجة بن زيد بن ثابت أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : "نزل
القرآن بالتفخيم".
قال أبو عمرو : قال أبو عبيد : ولو نظر في مثل هذا ، يعني فيما
أميل ، لانقلاب ألفه من ياء إلى الأصل للزم من رد الياء إلى الياء أنْ تردَّ
الواو إلى الواو ، وهم إنما يرجعون الواو إلى الألف ، فيقولون : عفا ، ودنا
بالألف ؛ لأنهما من : "عفوت" و "دنوت".
قال أبو عبيد : واحتجوا في الإضجاع بالخط ، فقالوا : رأينا المصاحف كلها بالياء في
هذه الحروف ، ثم قال : والذي عندنا في ذلك أنه يلزم من أضجع
إتباعاً للخط أن يضجع على والى ولدى ؛ لأنهن جميعاً كتبن بالياء.
وليس أحد يتكلم بهن بالإضجاع.
قال أبو عمرو : وقال آخرون : أوجهها الإمالة الخالصة لموافقتها
المرسوم المجتمع عليه.
وقال غيرهم : بل أوجهها الإمالة المتوسطة التي هي بين بين ، وإلى ذلك ذهب الفراء
وجماعة من العلماء ، وهو القول عندي ؛ وذلك لأمور ثلاثة :
أحدها : أن في ذلك إعلاماً بأن أصل الألف الياء ، وتنبيهاً على
انقلاب الألف إلى الياء كما هو في الإمالة المحضة أو ذلك ضرب منها.
قلت : إنما يصح هذا الذي ذكره أبو عمرو لو كانت الإمالة تختص
(1/602)
بذوات الياء ، فقد أميل جملة
مما هو من ذوات الواو.
قال أبو عمرو : والثاني : موافقة رسم الإمام الذي ألزم أهل
الإسلام اتباعه بإجماع من الصحابة الذين هم الحجة.
وذلك أن عامة الحروف المختلف فيها مرسومة فيه بالياء ، والإمالة منها.
قلت : إنما قرأ القراء بما نقلوه ، ولم يعتمدوا على الخط ، وإن
كانوا مجمعين على القراءة بما في المصحف لا بما يخالفه.
فأمَّا الكتابة فما اعتمدوا في القراءة عليها دون النقل ؛ ألا ترى أنهم لم يتبعوا
في القراءة رسم الحياة ، والزكاة ، والصلاة ، ورسم "لا أوضعوا".
و"لا إلى الجحيم " ، و"لا أذبحنّه " ، وإذا كان الأمر على هذا
لم يلزم
من قرأ بالتفخيم معتمداً على النقل ما ذكره أبو عمرو.
وقال أبو عمرو : والثالث أن المعنى لا يتغير بذلك ، بل هو باق
على توفره مع زيادة الأمرين اللذين ذكرناهما.
قلت : وهذا الذي ذكره أبو عمرو ، رحمه الله ، لا يقتضي اختيار الإمالة المتوسطة ،
على الإمالة المحضة ، ولا على التفخيم.
أما الإمالة المحضة فلا يتغير فيها أيضاً المعنى ، كما لا يتغئر في المتوسطة.
وأمَّا التفخيم فكيف يلزم من نقله عن أئمته أن يتركه إلى الإمالة المتوسطة ؛ لأنه
لا يغير المعنى.
(1/603)
والذي ذكره هؤلاء الأئمة من
الاختلاف في اختيار أحد المذاهب
الثلاثة سهو منهم ؛ لأنهم معترفون بأن الإمالة من وجوه القراءات السبعة
التي نزل بها.
وكذلك التفخيم ، وإمالة التوسط ، فكيف يصح مع هذا أن
يقال : هذا أولى من هذا ؟ وقد دلت الأخبار الصحيحة على أن الإمالة قد
نطق بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
وفي حديث الغامدية
"إما لا فاذهبي حتى تضعيه"
فرووا عنه - صلى الله عليه وسلم - (إمّا لا) بالإمالة.
وقد قال الله تعالى (فَإنمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ).
فالإمالة المحضة ، والمتوسطة ، والتفخيم كل ذلك لسانه - صلى الله عليه وسلم -.
ثم قال أبو عمرو ، رحمه الله ، مجيباً لأبي عبيد : فأمَّا ما احتج به أبو عبيد.
رحمه الله ، في اختيار الفتح ، وتغليبه بذلك على الإمالة ، فلا يلزم من
خالفه ، إذ ليس بدليل قاطع لاحتماله من وجوه الصواب ما هو أولى من
الوجه الذي وجهه إليه وذلك أن الحديث المسند الذي فيه نزل القرآن
بالتفخيم لا يدل ظاهره على أن التفخيم أحسن الوجوه كما ذهب إليه.
وإنما يدل على أن القرآن نزل بذلك ليعلم صحته ، وجوازه ، وإباحة
القراءة به.
والكل قائل بذلك ، ومستعمل له غير مخالف فيه ، ولا راد له ، كما
يقول : بالإمالة ، ويستعملها ، لورود الخبر بها أيضاً عن رسول الله - صلى الله
عليه وسلم - ، كما حدثنا على بن محمد بن خلف المالكي قراءة عليه ، - حدثنا عبد
الله بن أبي هاشم ، حدثنا عيسى بن مسكين ، وأحمد بن أبي سليمان قالا : حدثنا سحنون
بن سعيد ، عن عبد الرحمن بن القاسم ، عن مالك ،
(1/604)
عن ابن شهاب ، عن عروة بن
الزبير ، عن عبد الرحمن بن عبد القاريّ.
عن عمر بن الخطاب أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال :
"إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف فاقرؤوا ما تيسر منه".
قال : وكما حدثنا على بن محمد بن عبد الله قراءة عليه ، حدثنا عبد الله بن مسرور ،
حدثنا يوسف بن يحيى المَغَاميُ ، حدثنا عبد الملك بن حبيب ، حدثني طَلْق بن السمْح
، وأسد بن موسى قال : وحدثنا خلف ابن إبراهيم المقرئ ، حدثنا أحمد بن محمد المكي ،
حدثنا علي بن عبد العزيز ، حدَثنا أبو عبيد.
حدثنا نعيم بن حماد ، قال أبو عمرو : وحدثنا عبد الرحمن بن عثمان
قراءة عليه ، حدثنا أحمد بن ثابت التغلبي ، حدثنا سعيد بن عثمان
الأعناقي ، حدثنا نصر بن مرزوق ، حدثنا علي بن معبد ، قالوا : أخبرنا
بقية بن الوليد ، عن حصين بن مالك الفزاري ، عن حذيفة بن اليمان أنَه
سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول :
"اقرؤوا القرآن بألحان العرب" .
(1/605)
وقال علي بن معبد ، ونعيم :
بلحون العرب وأصواتها ، وإياكم
ولحون أهل الفسق وأهل الكتابين.
وقال أبو عمرو : فالإمالة لا شك من الأحرف السبعة ، ومن لحون العرب ، وأصواتها ،
فإن لحونها ، وأصواتها مذاهبها ، وطباعها.
فقد ثبت بها الخبر ، وصحت بها القراءة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، كما
ثبت الخبر بالفتح ، وصحت به القراءة
عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وإذا لم يكن كذلك ، ولم يكن في ذلك الخبر
دلالة على أن التفخيم أحسن الوجوه لا لفظاً ، ولا معنى ، لم يلزم احتجاج أبي عبيد
به من خالفه.
قلت : وكذلك ما أورده أبو عمرو ، رحمه الله ، من
الحديث يمنع ما صار إليه من اختيار الإمالة المتوسطة إذا كان معنى
السبعة الأحرف ما ذكره ، ثم قال أبو عمرو : على أن هذا الخبر
يحتمل وجهين من الصواب سوى ما ذكره ، وهما أولى به لصحة
دليلهما.
أحدهما : أن يكون معنى نزل القرآن بالتفخيم أي بالغلظة والشدة
على المشركين كما قال عز من قائل : (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ
وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ).
وقال عزَّ وجلَّ (وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ
كَافَّةً).
وقال عزَّ وجلَّ : (قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا
بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ).
وقال (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ
عَلَيْهِمْ)
(1/606)
وقال (فَاضْرِبُوا فَوْقَ
الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ (12)
في نظائر لذلك من الآي المنزلة بالغلظة ، والشدة عليهم.
قلت : هذا القول في تفسير الخبر بعيد ؛ لأنه إن كان معنى التفخيم الشدة فقد نزل
بالرحمة والرأفة.
قال الله عزّ وجلّ : (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ
لِلْمُؤْمِنِينَ)
وقال عزّ وجلّ : (فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلاَمٌ)
وقال تعالى : (فَأعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أنْفُسِهِمْ
قَوْلاً بَلِيْغاً).
وإنما يقال : منطق فخم إذا كان جزل الألفاظ.
قال أبو عمرو : والوجه الثاني أن يكون معنى : نزل بالتفخيم : أي
بالتعظيم ، والتبجيل ، أي عظموه وبجلوه.
فحضَّ بذلك على تعظيم القرآن وتبجيله ، قال : وهذان الوجهان أظهر من الوجه الذي
ذكره في هذا الخبر ، وأولى أن يحمل معناه عليهما على أن بعض المتقدمين قد فسَّر
معنى التفخيم في الخبر نفسه بأنه تحريك أوساط الكلم بالضم والكسر في المواضع
المختلف فيها دون إسكانها ؛ لأنه أشبع لها
وأفخم قال : وكذا جاء مفسَّرا عن ابن عباس ، رضي اللّه عنه ، قال :
حدثنا ابن خاقان المقري ، حدثنا أحمد بن محمد ، حدثنا على بن
عبد العزيز ، حدثنا القاسم ، قال : سمعت الكسائي يخبر عن سليمان.
عن الزهري ، قال : قال ابن عباس : نزل القرآن بالتثقيل والتفخيم نحو
قوله : "الجمعة" وأشباه ذلك من التثقيل وهذا من رواية أبي عبيد في
كتابه.
(1/607)
قال : وحدثنا محمد بن علي ،
حدثنا محمد بن القاسم ، حدثنا
بشر بن موسى ، حدثنا محمد بن مقاتل ، أخبرنا عمار بن عبد الملك.
أخبرني محمد بن عبد العزيز ، حدثنا أبو الزناد عن خارجة بن زيد عن
زيد بن ثابت أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال :
"نزل القرآن بالتفخيم".
قال محمد بن مقاتل : سمعت عماراً يقول : "عُذُراً أو نُذُراً"
قال أبو عمرو : ومما يبين صحة هذا ما رواه أبو عبيد أيضاً
في كتابه عن معمر بن المثنى عن العرب كما حدثنا ابن خاقان ، قال : حدثنا أحمد ،
قال : حدثنا علي ، قال : حدثنا أبو عبيد ، قال : قال لي أبو عبيدة : أهل الحجاز
يفخمون الكلام كلّه إلا حرفاً واحداً (عَشْرة) فإنهم يجزمونه ، قال : وأهل نجد
يتركون التفخيم في الكلام إلا هذا الحرف ، فإنهم يقولون :
عَشِرة ، بالكسر.
قال أبو عمرو : فما فسره ابن عباس ، ونقله الخبر ، وما رواه أبو
عبيد دال على خلاف ما حكاه من أن معنى التفخيم إشباع الفتح.
قال أبو عمرو : وأخبرنا الخاقاني أنّ محمد بن عبد اللّه حَدثهم قال : أخبرنا أبو
القاسم الرازي قال : حدثني عمى أبو زرعة قال حدثنا أبو بكر بن أبي
شيبة قال : حدثنا وكيع قال : حدثنا الأعمش ، عن إبراهيم قال : كانوا
يرون أن الألف والياء في القراءة سواء ، يعني بالألف والياء التفخيم
والإمالة.
فدل ذلك دلالة - قاطعة على تساوي اللغتين ، وأنهما عند كل
الصحابة ، رضوان الله عليهم ، في الفشوّ ، والاستعمال سواء.
(1/608)
قلت : هذا هو الصحيح ، ولا
وجه لاختيار شيء من ذلك.
وتفضيله على الآخر.
قال أبو عمرو : وأما ما حكاه من أنه لو نظر في مثل
هذا إلى الأصل للزم من رد الياء إلى الياء أن يرد الواو إلى الواو وهم
إنما يرجعون الواو إلى الألف فإنه لا يلزم أيضاً ، وذلك أنَ من أمال ما
كان من ذوات الياء لم يرد الياء إلى الياء ، وإنما يقرب الحرف الممال
من الياء بالإمالة ، وليس المقرب من الشيء هو إياه ، ولا مردود إلى
جملته.
قلت : أبو عبيد ، رحمه الله ، لا يجهل ذلك ، ولا من هو دونه.
فضلاً عنه ، وإنما أراد : للزم من رد ذوات الياء إلى الياء أن يرد ذوات
الواو إلى الواو.
قال أبو عمرو : وقد نحت العرب بالألف نحو الواو التي هي أصلها
لشدة تفخيمهم إياها في نحو : (الصلاة والزكاة).
ألا ترى أنك إذا جمعت قلت : صلوات ، وزكوات ، فظهرت الواو التي هي الأصل.
قال الفراء : ويقال : إنها كانت لغة الفصحاء من أهل اليمن
يشيرون إلى الرفع في الصلاة والزكاة ، قال : وترى أنها كتبت بالواو لهذه
اللغة.
قال أبو عمرو : فقد قرب هؤلاء الألف من الياء التي هي أصلها
بأن أمالوها ، وكتبوها بالياء من أجل ذلك ، وإن كان لا إمام لتلك اللغة
من أئمة القراء فقد صحت عن العرب ، وثت عن الفصحاء.
واستعملت في الكتابة.
وحكاية أبي عبيد إنما هي عنهم.
قلت : ليس هذا وجه الجواب لأبي عبيد إنما الجواب أن يقال : إنما لم يرد ذوات الواو
إلى الواو من رد ذوات الياء إلى الياء أنَه لم ينقله ، ولم يقرأ به أحد
(1/609)
من الصحابة الذين أخذوا
القراءة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ولا أحد ممن أخذ عنهم.
ولو كانت القراءة بالقياس لكان ذلك ، وإنما القراءة بالأثر
المنقول.
قال أبو عمرو : وأمَا قوله في (على والى ولدى).
إن من أمال من أجل الخط لزمه أن يميلهن لرسمهن بالياء.
فلا يلزم أيضاً ؛ لأن من خالفه يقول : لم تكتب ألفاتهن ياءات
للدلالة على أن ذلك أصلهن ، ولا على أن الإمالة جائزة فيهن
كما كتبن فيما عداهن من أجل ذلك ، بل
انما كتبوهن كذلك خشية الالتباس بما قد يشركهن في السورة ، فكتبوا
(على) التي تخفض ، وهي حرف ، بالياء للفرق بذلك بينها وبين (علا)
التي هي فعل نحو قوله عز وجل : (عَلاَ فِي الأرْضِ) (وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى
بَعْضٍ) وشبهه. وكتبوا (إلى) بالياء للفرق بينها ، وبين إلَّا المشددة اللام ، وقد
قرئ (إِلَّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ) و (إلى أن تُقَطَّعَ).
والفرق بينهما في السورة الياء والألف.
وكتبوا (لدى) بالياء للفرق بينها وبين اسم
الإشارة الذي دخلت عليه لام التوكيد إذا قيل : "لدا زيد" ، على أنه
قد كتب في المصاحف (لدا الباب) ، في يوسف بالألف
و (لدى الحناجر) في المؤمن بالياء.
وحكى أبو عبيد أنه رأى "حتى" في بعض المصاحف بالألف.
قال أبو عمرو : وقد رأيناها نحن في بعضها كذلك.
قال : والعرب لم تكن أهل شكل ونقط ،
(1/610)
وإنما كانت تفرق بين ما يثتبه
، ويشكل مما تتفق
صورته ، ويختلف لفظه ، أو معناه بالحروف.
ألا تراهم كتبوا : هذا عمرو بالواو للفرق بينه ويين عمر ، وكتبوا أولئك ، وأولي
بالواو للفرق بينه ، وبين إليك ، وإليَّ ، وكتبوا مائة بالألف للفرق بينها ويين
منه في نظائر لذلك.
وهم مع ذلك لا يلفظون بتلك الحروف التي أدخلوها للفرق.
فدل ذلك على صحة ما قلناه ، قال : ومما يدل على أنهم رسموا على
وإلى ولدى ، للفرق لا غير إجماعهم على ترك إمالتهن.
على أن أئمة القراءة لم تمل ما كان من ذوات الياء للرسم فقط ، بل إنما أمالته من
حيث صحة الرواية بإمالته عندهم عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم دلت على
حسنها ، وجوازها ، وتأكدها ، وقوتها برسم تلك الحروف بالياء إذ الإمالة من الياء
والياء من الأسباب الجالبة لها.
* * *
غرائب الإمالة
روي عن قنبل ، عن ابن كثير ، وابن ذكوان ترقيق اللام من :
(الم) قال ابن ذكوان : وكذلك اللام في كل القرآن ، وقال أبو بكر.
عن قنبل : وكذلك : (الر) و (المر) و (المص).
(1/611)
وقال أحمد بن جبير في مختصره
، عن سليم ، عن حمزة أنه
كان يقرأ : (الم) يفخم اللام ، ويملأُ بها الفم تفخيماً حسناً ، ولا يغلظ
التفخيم ، وكذلك حكي عن الكسائى ، عن أبي بكر ، عن عاصم أنه
كان يغلظ التفخيم في كل القرآن.
قال أبو طاهر بن أبي ، هاشم : قرأت على أبي بكر ، وأبي عثمان
بترقيق هذه اللام ، وكل لام مشدّدة قبلها كسرة ، أو ياء.
ولم أغلظ من اللامات المشدّدات إلا اللام التي في اسم الله عزّ وجلّ إذا تقدم الاسم
ضمّ أو فتح ، فإذا تقدّمه كسر كانت رقيقة.
قال : وكذلك أقرأني أبو بكر عن أصحابه ، عن اليزيديّ ، قال : وكذلك قرأت على
الأشنانيّ عن أصحابه عن حفص.
قال أبو طاهر : وقال الرازي : عن الخياط ، عن الشموني ، عن
الأعشى ، عن أبي بكر ، عن عاصم : (الم) لا يُغلظ اللام.
وقال ابن جبير ، عن اليزيدي ، عن أبي عمرو ، عن الكسائي.
عن إسماعيل بن جعفر ، عن نافع ، وعن المسيّبيّ عن نافع : كانا لا
يبلغان باللفظ ما يبلغ به حمزة.
قال : لأن مذهبهما الحدر إذا قرأا.
(1/612)
وقال أحمد بن صالح ، عن قالون
: (الم) اللام غير مفخمة.
وقال أحمد بن صالح عن قالون : (ذلك) الذال بين بين.
وكذلك التاء من (الكتاب).
وروى الشموني ، عن الأعشى ، عن أبي بكر ، عن عاصم : (الكتاب)
و (الحساب) و (بالعباد) بالإمالة ، وهذه الإمالة من أجل الكسرة.
وأما إمالة : (الم) فمثل إمالة (طس).
قال أبو علي في علة إمالة الفواتح : لأنها أسماء لما يلفظ به من الأصوات المنقطعة
في مخارج الحروف كما كان (غاق) اسماً لصوت الغراب.
و (طِيْخ) اسما لصوت الضاحك ، ولم يكن كالحروف التي يمتنع فيها الإمالة
نحو : (ما ولا) ونحوها من الحروف.
وقال في : الراء. فإن قلت هلَّا امتنعت الإمالة في (راء) لشبه الراء بالمستعلي ،
قيل : كما لم يمتنع الإمالة في (خاف) ، و (طاب) و (ضاق) ومع المستعلي لما أريد من
طلب الكسرة في "خِفت وطبت ".
قال : فإن قلت : فإن الأسماء لا تكون على حرفين ، أحدهما حرف لين.
قيل "لا يمتنع ذلك في هذه الأسماء ؛ لأن التنوين لا يلحقها فأمن أن تبقى على
حرف واحد
(1/613)
إلا أنهم قالوا :
"شاة" فجاء على حرفين لَمَّا أمن لحاق التنوين باتصاله
بعلامة التأنيث ، ومثله قولهم : باه فأبدلوا الألف - من الهمزة وأرادوا
الباءة كما أبدل في :
. . . لا هَنَاكِ المَرْتَعُ "
ثم حذف أحدهما لالتقاء الساكنين ، وأنشد محمد بن السريّ عن
أبي محمد اليزيديّ :
فياشر ملك مُلك قيس بن عاصم . . . على أن قيساً لم يطأ باه محرَم
قال : ومثل ذلك ما حُكيَ عن الكسائي أنه سمع : "اسقني شَربَة ما"
بلفظ التي للاستفهام ، هذا إذا وقف.
فإذا مضى قال : شربة إماً يا هذا . إلّا أن "باه" أحسن من ما لتكثرها
بعلامة التأنيث ووجهه : أنه جعل الهمزة التي قلبت على غير قياس في حكم المخففة على
القياس ، وحذف لالتقاء الساكنين ، فلحق التنوين الباقية فحذفت كما حذفت في عصا
ورحا.
قال : ومن ذلك قولهم : "أيش كان" أي : أي شيء ، فخفف ، وألقيت
الكسرة على الياء ، فأسكنت للاستثقال ، ثم حذفت لالتقائها مع التنوين ،
(1/614)
فإذا وقفت قلت : أيشْ ،
فاسكنت ، ومن قال : برجلي ، فأبدل من التنوين
الياء قال : أيشي . وقالوا : "رأيت رجلًا ذا مال " لاتصال المضاف إليه
به ، وكذلك فازيدٍ.
فإن قلت : هلّا استدللت بجواز الإمالة في نحو : راء ، وباء على أن الألف منقلبة عن
ياء ، كما استدللت بذلك في ألف (ذا) ؟
قيل : لا يجوز ذلك ؛ لأن هذه أسماء للأصوات ، والأصوات لا
تشتق كما لا تشتق الحروف.
فأمَّا ذا فمن الأسماء المظهرة.
ألا ترى أنه قد وصف ، ووصف به ، وحقّر في قولهم : مررت بذا الرجل ، ويريد وذيا ،
فصار بمنزلة سائر الأسماء الظاهرة ، وجاز الاستدلال على ألفه
كغيره من الأسماء.
وقال في إمالة "يس" ومما يحسن ذلك أنهم قالوا : "يا زيد"
في النداء ، فأمالوا الياء ، وإن كان حرفاً على حرفين ، والحروف التي
على حرفين لا تمال ، فإذا كانوا قد أمالوا ما لا يمال من الحروف لأجل
الياء ، فأَن يميلوا الاسم الذي هو ياء من يسن أجدر.
ألا ترى أنها أسماء لما يلفظ به.
وقد تفرد أبو عبد الرحمن قتيبة بن مِهران عن الكسائيّ بإمالة
أشياء لم يوافقه عليها غيره ، وكذلك تفرد نصير عنه بأمرين :
أحدهما : أنّه أمال أشياء لم يوافقه على إمالتها غيره.
(1/615)
والثاني : أن إمالته عنه بين
بين إلا أن أبا عمرو قد قال : إن
إمالة الكسائي دون إمالة حمزة.
فمما تفرد به قتيبة إمالة اسم الله عز وجل إذا دخل عليه لام الجر خاصة نحو : (لله)
. فإن دخل عليه غيرها لم يمل ، قال أبو عمرو الداني ، رحمه الله : وذلك من أجل ما
قد اكتنف من كسرة اللام من أوِله ، وكسرة الهاء في آخره ، وإن أصل ألفه الياء إذ
أصله لاه.
وكان لَيَهاً ، فلما تحركت الياء ، وانفتح ما قبلها ، قلبت
ألفاً ، وهو أحد قولي سيبويه في اسم الله عز وجل ، قال : فأماله لذلك
ليكون العلاج بالصوت فيه من جهة واحدة ، فيخص النطق ، ويحسن.
قال : وإنما خصه بالإمالة مع اللام دون غيرها من حروف الجر للمعنى
الذي فضلتها فيه معه ، وهو اختلاطها به في الخط دون حائل ، ومماثلتها
للام التي هي فاؤها المدغمة فيها في الخط والنطق ، قال : فمن أجل
هذه المناسبة التي بين اللام ، وبينه دون سائر حروف الجر ، كما ذكرته.
خصه بالإمالة معها دونها.
والذي ذكره أبو عمرو ، رحمه الله ، في اللام يبطل بالباء ، فإن الاسم معها قد
اكتنفه كسرتان ، وقد اختلط الباء به خطاً دون حائل إلَّا أن اللام باشرت الاسم ،
والباء باشرت الألف.
وهي زائدة على أن الاختلاط خطاً ليس الموجب للإمالة ، وأما
مماثلتها " اللام في اللفظ فليس ذلك مما يوجب الإمالة ، لأنَّ الموجب
للإمالة إنما هو الكسرة لا اللام ، وأجود من هذا أن يقال : إنما خص
الإمالة باللام لأن دخولها عليه أكثر من دخول الباء ، وأمال (إنا لله)
أعني فتحة النون من (نا) إتباعاً لإمالة اسم الله ، ولكسرة الهمزة قبلها ،
(1/616)
ودليل الإتباع أنه فتحها في
قوله عز وجل : (وَإنا إلَيْهِ رَاجِعُوْنَ).
وأمال ألف الجمع للكسرة بعدها والياء نحو : (الساجدين)
و (الراكعين) (وما هم بخارجين) ، (والغاوين)
(والغابرين) ولم يعتبر حرف الاستعلاء ؛ لأنه قبل الألف ؛ لأن
الانحدار من الصعود مستخف وفي قوله عز وجل : (وَمَا هُمْ بِخَارِجِيْنَ)
ما قوَّى الإمالة على حرف الاستعلاء مع ما ذكرته ، وهو
الراء المكسورة بعد الألف ، وكسرتها ككسرتين ، وبعدها كسرة أخرى ، وبعدها ياء ، مع
أن حرف الاستعلاء قبلها الباء مكسورة ، وكذلك أمال
(القائمين) و (القاعدين) و (بخارج) و (قائماً) و (القارعة)
و (ذو انتقام) و (نقاتل) و (الميقات) ، و (من مقامك) ،
(1/617)
و (والظالمين) و(ظالم)
و(طائفة) ، و(طائفتان).
و(قرطاس) و(طائف) ، و(الطارق) ، و(بطارد).
و(بضارين) ، و(غير مضار) ، و(الصابرين) و(الصادقين).
و(يا صالح) ، و(الصائمين) ، وأمال ألف (الكتاب)
و (الحساب) ، و (بغير حساب) ، إذا كانت في موضع جرٍّ في جميع
القرآن وكذلك (للناس) ونحوه من أجل الكسرة بعد الألف ، ومما
(1/618)
أماله للكسرة (بالوالدين) ،
و(بوالديه) و (والد).
وأمال : (الجاهلون) والجاعلون ) ، و(أنتم سامدون) ، و(فاعلين)
و(خامدين) و (لاعبين) و (في المساجد).
وقال أبو عمرو :
أمال هذه الأحرف السبعة من قولنا (الجاهلون) إلى قولنا
(المساجد) بين بين.
وأمال (آمنا) في إبراهيم ، و (في الأرحام) ، و (أولوا الأرحام) من أجل كسرة الميم
في جميع القرآن و (للرجال) و (للنساء) مجرورين في جميع القرآن لكسرة
الراء والنون ، وجرة الإعراب.
وقال أبو عمرو فيهما : بين بين
(1/619)
فأمال (أو تسريح بإحسان) ، و
(في المحراب) و (من المحراب).
و (لا يقطعون وادياً) و(بالواد) ، و(في كل وادٍ).
و (على وادِ النمل) ، وما كان من لفظه ، وأمال
(مهما) ، و (من أطرافها) ، و (في الأصفاد) ، و (مآرب أخرى).
و (من أساور) ، و (الباد) ، و (بإلحاد)، (وإِن الله لهاد) ، و (الزانية والزاني).
و (لا مولود هو جاز) و (محاريب وتماثيل) ، و(جفان) ، و (من الأحزاب) -
(1/620)
و (من بيننا وبينك حجاب) من
أجل كسرة الحاء و (أشداء على)
بين ين من أجل كسرة الشين ، و (فالجاريات يسراً).
و (فنعم الماهدون) كلاهما بين بين أيضاً وكذلك : (بحسبان).
و(دانٍ) ، و (الأكمام) و(آن) ، و(عاتية) و (إما شاكرًا) كل ذلك بين بين وأمال
(فاكهين) و (فاكهة) و (الحواريون) و (بالقارعة) و (أمشاج))
و (في جنة عالية) ، و (ليالٍ عشر) ، و (رحلة الشتاء) ، و (من شر حاسد).
ورويت عن شيخي أبي القاسم الشاطبى ، رحمه الله ، عن
(1/621)
ابن هذيل عن أبي داود عن أبي
عمرو ، حدثنا فارس بن أحمد ، حدثنا
عبد الله بن أحمد ، حدثنا إسماعيل بن شعيب قال : قال أحمد بن
محمد بن سلمويه ، سممعت أبا يعقوب إسحاق بن محمد بن يحيَى بن
منده يقول - : سمعت أبي يقول : سمعت عقيل بن يحيَى الظهرَاني
يقول : سمعت قتيبة يقول : قرأت على الكسائي ، وقرأ علي
الكسائي ، قال أبو عمرو : وكان من أصحابه جليلاً شارك الكسائي
في عامة رجاله ، وصحبه خمسين سنة ، وروى عن رجال الكسائى ، وأخذ
قتيبة القراءة أيضاً عَرْضاً وسماعاً عن سليمان بن مسلم بن جمَّاز
المدني.
قال أبو عمرو رحمه الله : وأمال قتيبة (مهما) للدلالة على أن ما
اسم تام وليست بحرف ، قال : فقوله : (مه) يعني اكفف و (ما) للشرط.
كأنهم قالوا لموسى عليه السلام (مهْ مَا تَأتِنَا بهِ مِنْ آيةٍ)
ف "تأتنا" جزم ب "ما" التي للشرط وعلامة الجزم حذف الياء.
وقوله : (فَمَا نحنُ لك بمؤْمنين) جواب الشرط ، ووصلت (مه) ب (ما)
في الخط ، فكتبتا (مهما) حرفاً واحداً ، ف (مه) : اسم للفعل ، و(ما) : اسم
للشرط ، فلذلك وصلا في الخط كما وصل غيرهما من الأسماء في
الخط نحو : ثلاثمائة ، وأربعمائة ، وكلهم ، وكلهن ، ورامهرمزْ قال :
(1/622)
وكذلك كتبوا في المصاحف :
(أيْنَمَا يُوَجهْهُ) في
نظائره ، وكذا (ما) وصلوا فيها من الحروف بالأسماء نحو : (عم يتساءلون).
و (مِم خُلِقَ) و (فِيْمَ أنت) وشبهه.
قال : وهذا هو الصحيح في هذه الكلمة.
قال : فأمَّا قول من قال من النحويين : إن الأصل في "مهما"
"ماما"
وإن "ما" الأولى للشرط ، و"ما" الثانية هي التى تزاد توكيداً
للشرط في
نحو قوله تعالى : (وإما تعرضنَّ) و (أينما تكونوا) ، ولكن أبدل
من الألف الأولى الهاء ليختلف اللفظ ، فليس ما قاله بمستقيم من
خمسة أوجه :
أحدها : أن اللفظ والخط بخلافه إذ الهاء بينهما لا الألف.
قلت : قول ضعيف من أبي عمرو ، رحمه الله ؛ لأنهم قالوا : كان الأصل
"ماما" ، ثم قلبوا ألف "ما" الأولى هاء ، ولو كانت بينهما الألف
لكان هو
اللفظ الذي فروا منه.
قال أبو عمرو :
والثاني : أنه عدول عن النطق الذي قد أمرنا بالتمسك به ، وألزمنا
اتباعه من غير ضرورة تدعو إلى خلافه ؛ إذ المعنى مستقيم على ما
ذكرناه فيه.
قال ، ويزيده بياناً قوله تعالي : (جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ)
(فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ)
(1/623)
قال بعض المفسرين في قوله :
(فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ) : أنهم قالوا
لهم : اسكتوا.
أفلا ترى إلى قرب (اسكتوا) من (اكفف) التي هي بمعنى (مه).
وقول أبي عمرو : إنه عدول عن النطق الذي أمرنا به.
وألزمنا إياه أضعف من قوله السابق ؛ لأنه لم يؤمر بأن يقول (ماما) وإنما
قيل له : كان الأصل ذلك ، ولا يقال لمن قال : كان أصل (استقام)
(استقوم) إن هذا عدول عن لفظ (استقام) ، فإن قيل : أراد أبو عمرو أن
تقديره الذي قدره أولى من تقدير غيره ؛ لأنه تقدير مع بقاء اللفظ على ما
هو عليه ، وتقدير غيره إخراج له عن ذلك ، فلا يؤاخذ بتقصير العبارة.
قيل : لو صح له ما قدره كان ذلك ، ولكن هذه اللفظة قد استعملتهما
العرب في مواضع لا يصح فيها (مه) أي : (اكفف) كما قال زهير :
فلا تكتمنَّ الله ما في صدوركم . . . ليخفى ومَهْمَا يكتم اللَّهُ يعلمِ
وكقوله :
ومهما تكنْ عند امرئ من خليقة . . . ولو خالها تخفى على الناس تُعْلمِ
ثم قال أبو عمرو :
والثالث : أنه إخلال بالمعنى.
قال : لأن حمل كل واحدة من الكلمتين على فائدة مجردة قائمة بنفسها كما بئناه أولى
من حمل إحداهما على الزيادة للتأكيد.
والجواب عن هذا : أنا قد بينا أن حمل "مهما" على (مه) بمعنى (اكفف)
و(ما) على الشرط لا يصح كما ذكرناه في شعر زهير ، ويقال له : وفي حملها على ما
ذكرته إخلال بمعنى
(1/624)
التأكيد ؛ إذ هما كلمتان لهما
فائدتان ، الأولى مجردة للشرط ، والثانية
مجردة للتأكيد ، فليس الحمل على ما ذكر ، لو صح الحمل عليه ، بأولى
من الحمل على ما ذكره الخليل ، رحمه الله.
ثم قال : والرابع : أنّ الكوفيين حكوا "مهمن" في "مهما" ، قال
فكما
أن (من) في (مهمن) اسم ، وليست بحرف زائد للتأكيد كذلك تكون
(ما) في (مهما).
والجواب أن هذه الرواية ، إن صحت ، فهي دليل على
قول الخليل ، رحمه الله ؛ لأن (ما) للشرط زيدت عليها (من) الشرطية
للتأكيد.
ألا ترى أنك تقول : "مهما تصلً فاذكرني في صلاتك"
ولو قلت : "مهمن تصل فاذكرني في صلاتك"
على أن تجعل "مَنْ" للشرط و "مه" بمعنى "اكفف" لم
يصح ذلك ، فدل على أنها زائدة للتأكيد ، وكذلك في شعر زهير ، (ومهما تكن عند امرئ
من خليقه) ، أو قلت : (مهمن يكن عند امرئ من خليقة) ، أي اكفف من يكن عند امرئ من
خليقة لم يجز ، وهذا أوضح ، ثم قال أبو عمرو :
والخامس : إن القراء قد أمالت "ما" هذه كما روى قتيبة عن
الكسائى قال : ولا شك أنه سمع الإمالة فيها من القراء ، والعرب.
فلذلك قرأ بها ، واستعملها ، فعلم بذلك أنها اسم لا حرف ، إذ الإمالة
فيما كان من الأسماء والأفعال جائزة حسنة كما قدمناه ، فلما كانت ها هنا
ليست بمشابهة لاسم ، ولا فعل ، وجازت الإمالة لألفها على قول من
تقوم به الحجة ، دل ذلك على أنها اسم لا محالة ، وسقط قول من
يخالفنا بدعوى مجردة لا دليل عليها ، ولا شاهد من نص ، أو قياس.
والجواب : أما قوله لا شك أنه يعني الكسائي سمع الإمالة من
(1/625)
القراء ، والعرب ، فلذلك قرأ
بها ، واستعملها ، فهذا إيذان منه بأن القراءة
راجعة إلى الرأي والقياس ، وإلى ما يجوز في العربية ، دون الآثار
المروية ، وليس ذلك بصحيح.
وأما قوله : إن صحة الإمالة فيها دليل على الاسمية ، فليس
كذلك ، فقد جاءت إمالة الحروف ، وقد روى نصير ، عن الكسائي.
رحمه الله ، إمالة (حتي) ، وقرئ "بلى" بالإمالة ، وأما نصير فإنه
روى عن الكسائي أنه أمال (فراشاً" و (بناءً) بين بين للكسرة ، وهكذا إمالته
بين بين في جميع ما أماله.
وحكى أبو عبيد أن إمالة الكسائي كذلك ، وأنها دون إمالة حمزة.
وكذلك أمال (الدماء) ، وما كان من لفظه حيث وقع.
وأمال الهاء كذلك في نحو : (وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا)
و (فِي أُمِّهَا) ، و (مِنْ تَحْتِهَا) و (مِنْ فَوْقِهَا)
(1/626)
و (من أنبائها) ، و (في
جيدها)
وشبه ذلك مما قبل الهاء فيه كسرة.
وأمال الناس في موضع الخفض ، و (تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ).
و (ترَاءى الْجَمْعَان) ، وتقرأ (تراءى) إذا وقف بإمالة الألف التي
رجعت في الوقف مع ما أماله في الوصل من أجلها ، وأمال النون والألف
من قوله عز وجل : (إنا لله) خاصة ، وفتحها في (وإنا إليه)
والإمالة من أجل كسرة الهمزة والفتح على الأصل و (من قطران)
لكسرة الطاء والنون ، و (رحلة الشتاء) كذلك من أجل الكسرة
والجرة ، و (إن شانئك) من أجل كسره النون ، و (الخناس)
من أجل كسره السين.
واحتج أبو عمرو لإمالة حتى من وجهين :
أحدهما : أن الألف وقعت رابعة ، وهو موضع يختص بالياء.
فلذلك أميلت ، قال : ألا ترى أن كل ألف وقعت رابعة فصاعداً من أي
جنس كانت فإنها تكتب بالياء ، ويجوز فيها الإمالة قال : فلذلك أمالها
على التشبيه بما قد أميلت ألفه الواقعة في هذا الموضع من الأسماء.
والأفعال ، ومن أجل ذلك كتبت بالياء أيضاً قال :
(1/627)
والثاني : أنه شئهها بألف شتى
من حيث كانت آخر الكلمة ، ولم
تكن بدلاً من ياء ، فلذلك أميلت ، وكتبت بالياء على التشبيه بألف "هذا"
الاسم المقصور.
ألا ترى أن من كلامهم أن يحملوا الشيء على حكم الشيء إذا
أشبهه في بعض معانيه ، ووجوهه ، قلت : شتى جمع شتيت
كمريض ومرضى.
قال الله عز وجل : (وقلوبهم شتى) أي متفرقة مختلفة.
وقال عز وجل : (إن سَعْيَكُمْ لَشَتَى)
والسعي بمعنى المساعي.
* * *
ذكر ميم الجمع
قد علم مذهب ابن كثير فيها ، وما من أحد من القراء إلا وقد جاء
عنه مثل ذلك إلَّا حمزة ، رحمه الله ، ولهم في ذلك مذاهب متشعبة.
ليس الغرض ذكرها.
وقد حدثني أبو البركات البغدادي ، حدثني أبو الكرم المبارك بن
الحسن ، أنبأنا أبو بكر محمد بن على الخياط المقرئ ، حدثنا أبو
(1/628)
الحسن على بن أحمد الحمامي
قراءة عليه ، حدثنا أبو بكر أحمد بن
محمد بن بشر المَرْوَرُوذي ، حدثنا أبو بكر محمد بن سليمان
الزينبي ، حدثنا محمد بن عبد الرحمن قنبل ، حدثنا وهب بن
واضح ، سمعت إسماعيل بن عبد الله بن قسطنطين يقول : قلت
(1/629)
لعبد الله بن كثير : عمن أخذت
الميمات ؟
فقال ، سألت مجاهداً كما سألتني ، فقال : سألت عبد الله بن عباس كما سألتني فقال :
سألت أبي بن كعب كما سألتني فقال : "سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
كما سألتني فقال : سألت جبريل كما سألتني فقال : هكذا وجدته في اللوح المحفوظ عن
القلم عن رب العالمين "
قلت : ولا يصح أن يقول أبى لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -
عمن أخذت الميمات ؟ ولا أن يقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لجبريل مثل ذلك.
ومجاز هذا أنّ أبُيًّا سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الميمات ، ولم يقل
عمن أخذتها ، وكذلك سؤال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لجبريل عليه السلام ،
إن صح.
* * *
ذكر القصر والمد
الغرض بمد الألف والواو الساكنة المضموم ما قبلها ، والياء
الساكنة التي قبلها كسرة إذا لقي هذه الأحرف همزة ، أو ساكن ، تمكين
هذه الأحرف ، وتبيينها ، وتقويتها ، لأنها هوائية ليس لها مخرج يحويها.
وتعتمد عليه اعتماداً قوياً ، لا سيما الألف ، فإنها لا اعتماد لها ألبتة على
شيء ، وأمَّا الواو فإنها تنضم بها الشفتان ، والياء يرتفع بها اللسان نحو
الحنك ، لذلك لم يبلغا في المد مبلغ الألف.
وقال الخليل - رحمه الله - : منتهى الصوت بحرف المد واللين
عند ابتداء الهمزة ، قال : ومن أجل ذلك ألحقوا بعد الواو ألفاً في
الكتاب في نحو : "آمنوا".
ولهذه الأحرف في أنفسها مد لا يتوصل إلى الإتيان بها إلَّا به ،
(1/630)
فإذا لقيت ساكناً ، أو همزاً
زيد على ذلك. ومدها مع الهمزة في كلمة
واحدة أقوى من مدها إذا لقيتها في كلمة أخرى للزوم الهمزة حرف
المد.
وأما في المنفصل فلا يقع ذلك ، إذا وقف على الكلمة الأولى.
ولقاؤها الساكن في كلمة على ثلاثة أضرب :
ساكن مدغم نحو : (الضالين) وساكن غير مدغم نحو :
(نون) و (لام) و (ميم) ، وما جاء في فواتح السور فإنها تمد في
ذلك كله مداً ممكناً.
فإن كان الساكن في كلمة أخرى نحو : (اطيرنا بك) حذف حرف المد لانفصاله ، وكذلك إن
كان الساكن مظهراً
نحو : (أولو العلم) ، و (كانتا اثنتين) ، و (عليهما ادخلوا)
وقال الزجاج ، وابن قتيبة : موجب تمكين المد بيان الهمزة لا بيان
الممدود ؛ لأن الهمزة خفية ، ومع خفائها ، ففي إخراجها كلمة ؛ لأنها
تخرج من الصدر كالسعلة لشدتها ، وبعد مخرجها ، فقويت بتمكين المد
في حرف المد قبلها.
وأما زيادة تمكين المد مع الساكن فلأجل التقاء الساكنين ، فكان
المد كالحركة ؛ لأنه يتميز به أحدهما من الآخر ، وقد سمى قوم من
القراء المد بأسماء مختلفة باختلاف مواضعه ، وجعلوه متفاوتاً على
(1/631)
حسب مواقعه ، وجعلوه عشرة
أنواع فقالوا في : (الضاليْنَ).
و (مَا مِنْ دَابة) مد الحجز ؛ لأنه حجز بين الساكنين ، وسموا
إِدخال الألف بين الهمزتين لمن يقرأ بذلك مد العدل ، وسموا
المدّ لأجل الهمز في كلمة مدّ التمكين نحو : (القائمين).
و (خائفين) و (أولئك).
فإن كان المدّ في كلمة ، والهمز في أخرى سمّوه مد الفصل ، وسموا المد قبل الهمزة
المسهّلة في مذهب من سهّل مدّ الروم نحو : (ها أنتم) في قراءة أبي عمرو ، ومن
وافقه ، قالوا : لأنّك تروم بعد الهمزة ، ولا تأتي بها.
وسموا المد في : (آلذكرَيْنِ) و (آللّهُ أذِنَ لَكُمْ) ، و (آلآنَ) مدّ الفرق ؛
لأنه فرق بين الاستفهام والخبر.
(1/632)
وسموا المد في نحو : (إِلَّا
دُعَاءً وَنِدَاءً) مد البنية.
قالوا : لأن الكلمة بنيت على المد دون القصر ، وسموا المد في نحو :
(لا إله إلا اللّه) مدّ المبالغة للتعظيم ، وسموا المد في نحو :
(آدم) و (آتى) مد البدل ؛ لأن المد بدل من الهمزة.
وسفوا المد في (جآء) ، و (شآء) مد الأصل لأن المد
والهمزة من أصل الكلمة ، فهذه عشرة أسماء ما أرى لها كبير فائدة.
* * *
مسئلة :
إن قيل لِمَ لم يدغمْ أبو عمرو بن العلاء ، رحمه اللّه ، في إدغامه
الكبير : (أنا نذير) ، وقد التقى النونان في اللفظ ؟
فالجواب : أنهم حافظوا على حركة هذه النون بأنهم وقفوا عليها بالألف ، أو بالهاء
لا بد من ذلك ، فإذا وقعت المحافظة عليها في الوقف الذي تذهب فيه الحركة فكيف لا
يحافظ عليها في الوصل الذي تثبت فيه.
(1/633)
وأيضاً فإنهم أرادوا الفرق
بينها وبين أن الناصبة للفعل ، وإنما
يفرق بينهما بحركة هذه ، فلو أدغمت لأشبهت ما قصد التفرقة بينه وبينه
في نحو : (أَنْ نَأْخُذَ).
* * *
مسألة :
إن قيل : لمَ أدغم حمزة في وقفه حرف المد في :
(خطيئة) ، و (قروء) ؟ ، ولا يجيز أحد إدغام نحو : (قالوا وأقبلوا).
ولا نحو : (في يوم) ؟
فالجواب : أن ذلك للتفرقة بين الزائد والأصلي.
فإن قيل : فلِمَ أدغم في نحو : زيديّ ؟
قيل : حملاً على التثنية في نحو : زيدَيْ ، والشبه بينهما ظاهر.
والله أعلم.
(1/634)
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ
الرَّحِيمِ
منهاجُ التوفيق إِلى معرفة التجويد والتحقيق
التجويد مصدر جوَّد تجويداً إِذا أتى بالقراءة مجوَّدة الألفاظ ، بريئة
من الجور في النطق بها ، لم تهجنها الزيادة ، ولم يَشِنها النقصان.
والتحقيق : مصدر حفق تحقيقاً إِذا أتى بالشيء على حقه ، وجانب الباطل
فيه وقوله عز وجل : (وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا (4).
أي رتبه وبينه وتأنَّ فيه.
وقال الحسن وقتادة : اقرأه قراءة بينة ، زاد قتادة : "وترسل فيه "
ويقال : ثغر رَتِل إذا لم يركب بعضه بعضاً.
"وقد نعتت قراءة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أم سلَمة ، رضي الله عنها
، فذكرت : "قراءة مفسرة حرفاً حرفاً".
وقالت أيضاً : "كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقطع قراءته آية آية"
، وعنه - صلى الله عليه وسلم - "أنَه لم تكن قراءته بالخفية
(1/635)
ولا بالرفيعة".
وعن على ، رضي الله عنه : كان النبي - صلى الله عليه وسلم - حسن الصوت مادًّا ليس
له ترجيع.
وعن أنس : "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان لا يرجِّع ".
وأما قول عبد الله بن المغفل : "سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقرأ سورة
الفتح - يرجِّع ، فلم يرد ترجيع الغناء.
كيف ؟ وقد نهى عن ذلك - صلى الله عليه وسلم - فقال :
(1/636)
"اقرؤوا القرآن بألحان
العرب وإياكم وألحان أهل الفسق وأهل الكتابين ، فإنه
سيجيء قوم من بعدي يرجِّعون بالقرآن ترجيع الغناء.
والرهبانية ، والنوح لا يجاوز حناجرهم ، مفتونة قلوبهم ، وقلوب من
يعجبهم شأنهم ".
ويجوز أن يكون الراوي أراد بقوله : يرجِّع أي يكرر
الآية أو بعضها وكذلك قول أم هانئ بنت أبي طالب "كنت أسمع
(1/637)
قراءة النبي - صلى الله عليه
وسلم - ، وأنا نائمة على فراشي
يرجِّع بالقرآن".
وجميع ما عليه القراء من القراءة تجويد وتحقيق ، وأن قراءة ابن
كثير مع تسهيله كقراءة حمزة ، لأن المراد بالتجويد إعطاء الحروف
حقها ، وإخراجها من مخارجها ، واجتناب اللحن الخفي على ما سيأتي
بيانه وذلك لا يختلف بحذرٍ ولا تأنٍ.
قال عبدالله بن ذكوان : يجب على قارئ القرآن أن يقرأ بترتيل.
وترسل ، وتدير ، وتفهم ، وخشوع ، وبكاء ، ودعاء ، وتحفظ ، وتثبت ، وأن يزين قراءته
بلسانه ، ويحسنها بصوته ، ويعرف مخارج الحروف في
مواضعها ، ويستعمل إظهار التنوين عند حروف الحلق إظهاراً وسطاً بلا
تشديد ، وإخراج الهمزة إخراجاً وسطاً حسناً ، ويشدد المضاعف
تشديداً وسطاً من غير إسراف ، ولا تعد ، وتفخيم الكاف والراء والزاي
والخاء والحاء والطاء بلا إفحاش ، ولا إسراف ، وترقيق الراء ، وتصفية
السين ، وإظهار طنين النون عند الخاء ، وإظهار الهاء ، وإخراجها من
الصدر ، وإدغام ما يحسن فيه الإدغام ، وإظهار ما يحسن فيه الإظهار.
وأما قراءة حمزة ، رضي الله عنه ، فهي نقل عن أئمته ، ولم يقرأ
حرفاً إلا بأثر ، ونسب قوم إليه قراءة لا تجوز من مدٍّ مفرط ، وهيئة
(1/638)
شنيعة في إخراج الهمز ، وقد
حدثني أبو البركات البغدادي ، حدثنا أبو
الكرم بن الحسن الشهر زوري ، حدثنا أبو محمد الصريفيني الخطيب.
حدثنا أبو حفص الكَتانِي ، حدثنا أبو بكر بن مجاهد قال : كان حمزة بن
حبيب بعيداً مما حكوه عنه ، ينهى عن الإفراط ، ويأمر بالتوسط.
قال أبو بكر بن مجاهد : ولقد أنبأنا العباس بن محمد الدوري ، حدثنا
عبد الله بن صالح العجلى ، قال : قرأ أخ لي أكبر مني على حمزة.
فجعل يمد ، فقال له حمزة : لا تفعل ، أما علمت أن ما كان فوق
الجعودة فهو قطط وما كان فوق البياض فهو برص ، وما كان فوق
القراءة فليس بقراءة.
والذي نسبه هؤلاء إلى حمزة ، رحمه الله ، هو الذي أنكره الأئمة.
وقال أحمد ، رحمه الله : لا تجوز الصلاة به ، وحمزة منه بريء.
وما كان يرى ذلك ، بل كان ينهى عنه.
قال عبَيْد الله بن موسى : قال لي حمزة إني أكره ما تجيئون به يعني من التشديد.
وقال له رجل : يا أبا عمارة : رأيت رجلاً من أصحابك في الزياتين همز حتى انقطع زره
، فقال : لم آمر بهذا كله.
وأما ما كان يأمر به المتعلمين من الترتيل ، فقد قال سليم : وقف سفيان الثوري ،
رحمه الله ، على حمزة ،
(1/639)
فقال يا أبا عمارة : ما هذا
الهمز والمد والقطع الشديد ؟
فقال : يا أبا عبد الله : هذا رياضة للمتعلم ، فقال : صدقت.
وقال خلف : سألت سُلَيماً عن التحقيق فقال : سمعت حمزة يقول : إنا جعلنا هذا
التحقيق يستمر عليه المتعلم.
قلت : وليس هذا هو التجوبد ، إئما التجويد : إعطاء الحروف
حقها ، وإخراجها من مخارجها ، وإنما أراد حمزة ، رحمه الله ، أن يستمر
المتعلم على ذلك ، فلا يخل به في حال الحدر والإسراع.
فأمَّا من اتخذ ذلك فرضاً ، ورآه واجباً ، فأفرط فيه مبالغاً ، فليس رأيه ذلك
بصواب.
قال الشيخ أبو محمد عبد الله بن أحمد بن أحمد الخشاب.
رحمه الله : وقد كره بعض الأئمة ممن لا يختلف في ورعه ، وعلمه قراءة
حمزة بن حبيب لإفراط مده ، قال : وكأنه رأى أن تكلف ذلك شاق
بعض المشقة ، والقرآن قد يسره مُنْزِلُه سبحانه.
قال : ولقد أخبرت عن خالي الإمام الشهيد أبي الحسن علي بن
عثمان بن محمد الدينوري ، وكان ، رضي الله عنه ، الغاية في وقته في
القراءة إجادة وطيباً ، وعلماً بالتلاوة ، وكثرة درس ، أنه لَمَّا قرأ لحمزة :
أعقبه إفراطه مده ، نفث دم ، ومرضاً في صدره.
قلت : وحمزة ، رحمه الله ، منزه عن مثل هذا ، وهو لم يقرأ حرفاً
(1/640)
بغير أثر ، ولا يصح أن يكون
مثل هذا مأثوراً ، لأن الله عزَّ وجلَّ أنزل
القرآن شفاءً لَأدْواءِ القلوب ، والأجسام ، فكيف يكون سبباً للأمراض.
والأسقام ؟
وقد قرأت على سيد العلماء أبي القاسم ، رحمه الله ، وعلى غيره.
فلم أر أحداً منهم يأمر بذلك ، ولا يعرفه.
ومما ابتدع الناس في قراءة القرآن أصوات الغناء ، وهي التي
أخبر بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنها ستكون بعده.
ويقال : إن أول ما غُنَي به من القرآن قوله عزَّ وجلَّ (أَمَّا السَّفِينَةُ
فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ).
نقلوا ذلك من تغنيهم بقول الشاعر :
أمَّا القطاة فإني سوف أنعتها نعتاً . . . يوافق عندي بعض ما فيها
وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في هؤلاء :
"مفتونة قلوبهم وقلوب من يعجبهم شأنهم".
وابتدعوا أيضاً شيئاً سمّوه الترعيد ، وهو أن يرعد صوته كالذي يرعد
من برد وألم ، وقد يخلطه بشيء من ألحان الغناء.
وآخرسمّوه الترقيص ، وهو أن يروم السكوت على الساكن ، ثم ينفر مع الحركة كأنه في
عَدْو ، وهرولة.
وآخر يسمى التطريب ، وهو أن يترنم بالقرآن
(1/641)
ويتنغم به ، فيمد في غير
مواضع ، المد ، ويزيد في المد على ما ينبغي
لأجل التطريب ، فيأتي بما لا تجيزه العربية.
ونوع آخر يسمى التحزين ، وهو أن يترك طباعه ، وعادته في التلاوة ، فيأتي بالتلاوة
على وجه آخر ، كأنه حزين يكاد يبكى ، مع خشوع وخضوع ، ولا يأخذ الشيوخ بذلك لما
فيه من الرياء.
ومن ذلك نوع آخر أحدثه هؤلاء الذين يجتمعون ، فيقرؤون كلهم
بصوت واحد ، فيقولون في نحو قوله عز وجل : (أفَلاَ تعقلون) (أوَ لا
يعلمون) : (أفل يعقلون) (أولَ يعلمون) ، فيحذفون الألف.
وكذلك يحذفون الواو ، فيقولون : (قالُ آمنا) ، والياء فيقولون : (يومَ
الدن) في (يوم الدين) ويمدون ما لا يمد لتستقيم لهم الطريق التي
سلكوها ، وينبغي أن يسمى التحريف.
وأما قراءتنا التي نأخذ بها فهي القراءة السهلة المرتلة العذبة
الألفاظ التي لا تخرج عن طباع العرب ، وكلام الفصحاء على وجه من
وجوه القراءات السبعة ، فنقرئ لكل إمام بما نقل عنه من مدٍّ ، أو قصر ، أو
همز ، أو تخفيف همز ، أو تشديد ، أو تخفيف ، أو إمالة ، أو فتح ، أو
إشباع ، أو اختلاس.
وخلط بعض القراءات ببعض عندنا خطأ.
وعلى الجملة ، فمن
(1/642)
اجتنب اللحن الجلي ، والخفي
فقد جود القراءة ، وقد قيل للحن غَمَز
كغمَرِ اللحْم.
فأمَّا اللحن الجلي فهو تغيير الإعراب.
والخفي هو ألَّا يوفي الحرف حقه ، وأن يقصر في صفته التي
هي لَه ، أو يزيد على ذلك كالإفراط في التمطيط ، والتعسف في
التفكيك ، والإسراف في إشباع الحركات ، وفي التشديد.
وأما ما ينسب إلى حمزة ، رحمه الله ، من قراءته ، وتسميتهم إياها تحقيقاً ، فذلك
تجوز ممن قاله ، فإن التحقيق هو إعطاء الحرف حقه مع الإسراع ، أو
التمكث.
ألا ترى إلى قول الخاقاني :
فَذُو الحِذق معْطٍ للحروف حًقُوقَها . . . إذَا رَتَّلَ القرآنَ أوْ كَانَ ذَا
حَدْرِ
وقال ابن مجاهد ، وقد سئل عن وقف حمزة على الساكن قبل
الهمزة ، والإفراط في المد : كان يأخذ بذلك المتعلم ، ومراده أن يصل
المتعلم إلى ما نحن عليه من إعطاء الحروف حقها.
وجاء رجل إلى نافع فقال : خذ على الحَدر ، فقال نافع : ما الحدر ؟
ما أعرفها ، أسمعنا قال : فقرأ الرجل ، فقال نافع : حَدْرنا ألا
نسقط الإعراب ، ولا نشدد مخففاً ، ولا نخفف مشددا ، ولا نقصر
(1/643)
ممدوداً ، ولا نمد مقصوراً ،
قراءتنا قراءة أكابر أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سهل جزل ، لا نمضغ
ولا نلوك ، نسفل ولا نشدد ، نقرأ على أفصح اللغات وأمضاها ، ولا نلتفت إلى أقاويل
الشعراء ، وأصحاب اللغات أصاغر عن أكابر ، ملي عن وفي.
ديننا دين العجائز ، وقراءتنا قراءة المشايخ ، نسمع في القرآن ، ولا نستعمل فيه
الرأي.
ثم قرأ نافع ، رحمه الله : (قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى
أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ
بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا (88).
قال أبو عمرو عثمان ، رحمه الله : لا يتمكن التجويد ، ولا يتحصل
التحقيق إلا بمعرفة حقيقة النطق بالمحرك ، والمسكن ، والمختلس.
والمرام والمشم ، والمهموز ، والمسفل ، والمحقق ، والمشدد.
والمخفف ، والممدود ، والمقصور والمبين ، والمدغم ، والمخفي.
والمفتوح ، والممال.
قلت : ومن جملة التجويد معرفة أحكام النون الساكنة ، والتنوين
في الإدغام والإظهار والقلب والإخفاء ، وقد ذكرت ذلك مشروحاً في فتح
الوصيد.
قال أبو عمرو الداني ، رحمه الله : فأمَّا المحرك من الحروف
بالحركات الثلاث فحقه أن يلفظ به مشبعاً ، وأن يؤتى بالحركات كوامل
من غير اختلاس ، ولا توهين يؤول إلى تضعيف الصوت بهن ، ولا إشباع
(1/644)
زائد ، ولا تمطيط بالغ يوجبان
الإتيان بعدهن بواو ، أو ألف ، أو ياء غير
ممكنات فضلاً عن الإتيان بهن ممكنات.
وأمَّا المسكن من الحروف فحقه أن يخلى من الحركات الثلاث.
ومن بعضهن من غير وقف شديد ، ولا قطع مسرف عليه سوى احتباس
اللسان في موضعه قليلاً في حال الوصل.
وأئا المختلس حركته من الحروف فحقه أن يسرع اللفظ به إسراعاً
يظن السامع أن حركته قد ذهبت من اللفظ لشدة الإسراع وهي كاملة في
الوزن ، تامة في الحقيقة إلَّا أنها لم تمطط ، ولا ترسِّل بها ، فخفي
إشباعها ، ولم يتبين تحقيقها.
ومما ينبغي ألَّا يشبع الكسرة في نحو : (لا شِيَةَ فيها) و (الغاشية) و (دِية) ،
ونحو ذلك من الكسرات الكائنة قبل هذه الياء المفتوحة لئلا تشبع الكسرة ، فتتولد
منها ياء ساكنة قبل الياء المفتوحة ، وذلك لحن ، فإن كانت الياء ساكنة أشبعت
الكسرة نحو : (بَيْتِي) فيمن أسكن الياء ، و (إني)
و (وجهي).
ومختلس لمن يفتح هذه الياءات ، فعلى هذا تكون الكسرة في نحو : (العاديات) مختلسة ،
وفي نحو : (فالمغيرات) مشبعة.
وكذلك الضمة قبل الواو المفتوحة تكون
(1/645)
مختلسة لئلا يتولد من إشباعها
واو ساكنة قبل الواو المفتوحة نحو :
(هو الله) ، وكذلك الواو المشددة نحو : (قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ).
فإن كانت الواو ساكنة مضموماً ما قبلها ، ولقيت واواً نحو : (آمَنُوا وكَانُوا
يَنقُونَ) أشبعت الضمة قبلها ، ومكنت الواو بعدها ، وخففت الواو
الثانية تخفيفاً حسناً متحرزاً من أن يصير مثل (عَفَوْا وقَالُوا".
و (آوَوْا وَنَصَرُوا) ، لأن هذه تدغم في التي بعدها.
وأما المرام حركته عند الوقف ، أو في حال الوصل ، فحقه أن
يضعف الصوت بحركته أي حركة كانت ، ولا يتم النطق بها ، فيذهب
بذلك معظمها ، ويسمع لها صوت خفي يدركه الأعمى بحاسة سمعه.
وهو مع ذلك في الوزن محرك ، وكذا حق المخفي حركته من الحروف
سواء.
قال سيبويه : "المخفي بوزن المظهر".
وقال غيره : هو بزنته إلا أنه أنقص صوتاً منه.
وحقيقته في اللغة : الستر ، ومن ذلك قوله عز وجل (أكَادُ اخْفِيهَا)
أي أسترها.
قال : والمخفي
(1/646)
شيئان حرف وحركة ، فإخفاء
الحرف نقصان صوته ، وإخفاء الحركة
نقصان تمطيطها.
وأما المشم من الحروف في حال الوصل ، أو الوقف فحقه أن يخلص سكون الحرف ، ثم يومي
بالعضو ، وهما الشفتان إلى حركته ليدل بذلك عليها من غير صوت خارج إلى الحرف.
وإنما هو تهيئة العضو لا غير يعني بالتهيئة أنه يراه المهيأ له ، ولا يعرف
ذلك الأعمى ، لأنه برؤية العين ، ويختص به من الحركات الرفع والضم
لا غير ، لأنهما من الواو ، والواو تخرج من بين الشفتين ، وبهما
نعالج.
وأما الإشمام في نحو : (قيل) على مذهب من أشم أوله الضم
دلالة على الأصل ، فحقه أن ينحى بكسرة فاء الفعل المنقولة من عينه
نحو الضمة كما ينحي بالفتحة في قوله عز وجل : (من النار)
و (من نهار) ونحوه إذا أريد الإمالة المحضة نحو الكسرة ، فكذلك ينحى
بالكسرة إذا أريد الإشمام نحو الضمة ، لأن ذلك كالممال سواء.
وهذا الذي لا يجوز غيره عند العلماء من القراء والنحويين.
وأمَّا المهموز فحقه أن تخرج همزته مع النفس إخراجاً سهلًا بغير
شدة ، ولا كلفه ، ولا عنف ، ولا صعوبة ، وذلك لا يتحصل للقراء إلا
بالرياضة الشديدة ، والدرس المشبع ، والهمزة إذا سفلت بين بين أشير
إليها بالصدر إنْ كانت مفتوحة ، وإن كانت مكسورة جعلت كالياء
المختلسة الكسرة ، وإن كانت مضمومة جعلت كالواو المختلسة الضمة
(1/647)
من غير إشباع ، وتلك الكسرة ،
والضمة هي التي كانت مع الهمزة إلا
أنها مع الهمزة أشبه منها مع الحرف المجعول خلفاً منها.
ومعنى بين بين أي بين الهمزة المحققة ، وبين الحرف الساكن الذي منه حركتها ،
فالمفتوحة بين الهمزة والألف ، والمكسورة بين الهمزة والياء الساكنة.
والمضمومة بين الهمزة والواو الساكنة ، فهي ضعيفة ليس لها تمكن
المحققة ، ولا خلوص الحرف الذي منه حركتها ، وهي فى الوزن
كالمحققة إلَّا أنها بالتوهين ، والتضعيف تقرب من الساكن ، فلذلك لا
يبتدأ بها ، فإن أبدلت ثبت المبدل منها دونها إما مدغماً ، وإما مظهراً.
فإن أُلقيَ حركتها على ساكن قبلها تحرك بها ، وذهبت من اللفظ رأساً
لسكونها ، وتقدير سكون الحرف المحرك بحركتها ، وكانت بالحذف
أولى لاستثقالها ، وزوال حركتها.
وأمَّا الممدود فعلى ضربين : طبيعي ، ومتكلف.
فالطبيعي حقه أن يؤتى بالألف ، والواو ، والياء التي هي حروف
المد واللين ممكنات على مقدار ما فيهن من المد الذي هو صفتهن من
غير زيادة ، ولا إشباع ، وذلك إذا لم يلق واحدة منهن همزة ، ولا حرفاً
ساكناً ، ويسمي القراء هذا الضرب مقصوراً ، لأنه قصر عن الهمزة
الموجبة لزيادة الإشباع لخفائها ، وشدتها أي حبس عنها ، ومنع منها.
قال الله عز وجل : (حُوْرٌ مَقْصُوْرَاتٌ) أي محبوسات.
ويقدرونه مقدار الألف إن كان ألفاً ، ومقدار ياء إن كان ياء.
ومقدار واو إن كان واواً.
والمتكلف حقه أن يزاد في تمكين الألف ، والياء ، والواو على ما فيهن من المد الذي
لا يوصل إلى النطق بهن إلا
(1/648)
به من غير إسراف في التمكين ،
ولا إفراط في التمطيط ، وذلك إذا لقين
الهمزات ، والحروف السواكن لا غير.
وحقيقة النطق بذلك أن تمد الأحرف الثلاثة ضِعْفَيْ مَدهن في الضرب الأول ، والقراء
يقدرون ذلك مقدار ألفين إن كان حرف المد ألفاً ، ومقدار يائين إن كان ياءً ،
ومقدار واوين إن كان واواً لما دخله من زيادة التمكين ، وإشباع المد دلالة على
تحقيقه.
وأما المبين من الحروف فحقه إذا التقى بمثله ، وهما متحركان.
أو بمقاربه ، وهو متحرك ، أو ساكن أن يفصل بينهما من غير قطع
مُسْرف ، ولا سكت شديد مع إخلاص سكون الساكن ، وإشباع حركة
المتحرك.
قلت : وإذا كانت الواو ساكنة مضموماً ما قبلها ، ولقيت واواً
نحو : (آمَنُوا وكَانُوا يَتقُونَ) ، و (هَاجَرُوا وجَاهَدُوا) ، ونحو :
(صَابِرُوا ورَابِطُوا واتقُوا اللهَ) أشبعت الضمة التي قبل الواو ، ومكنت
الواو الساكنة تمكيناً جيداً ، وحققت الواو المفتوحة تحقيقاً حسناً لئلا
يصير مثل : (عفَوْا وقالُوا) فإن الواو الأولى في ذلك تدغم في
الثانية ، فإن كانت الواو المضموم ما قبلها مفتوحة نحو : (هُو اللهُ)
كانت الضمة قبل هذه الواو غير مشبعة ، بل قريبة من الاختلاس ، فإنها
إذا أشبعت جاء بعدها واو ساكنة قبل الواو المفتوحة ، وكذلك تخفف
الضمة قبل الواو المشذدة نحو. (القوة) و (النبوة) ، لأنها إذا
(1/649)
أشبعت ضعف تشديد الواو بعدها
، إنما تضم كما تضم القاف من (قل).
وكذلك الياء المفتوحة المكسور ما قبلها نحو : (الغاشية)
و (الخالية) و (ماهيه) و (شية) و (دية) ، لا تشبع
الكسرة قبل هذه الياء ، ولكن تخفف لئلا يتولد في اللفظ ياء ساكنة قبل
الياء المفتوحة ، وذلك لحن ، فإن كانت الياء ساكنة أشبعت الكسرة قبلها
نحو (بَيْتيْ لِلطائِفِيْنَ) لمن يسكن الياء من بيتي
وكذلك : (وَجْهِيْ لِلذِيْ) فعلى هذا يفرق بين لفظ (العاديات)
و (الموريات) وبين لفظ (المغيرات).
فإن اجتمع ياءان الأولى ساكنة مكسور ما قبلها نحو : (فِيْ يَوْم).
و (في يُوْسُفَ) ، و (الذِيْ يُوَسْوسُ)
فالكسرة قبل الياء الأولى مشبعة ممكنة ، والياء المفتوحة مخففَّة.
فإن كانت الياء الأولى مفتوحة فمن أدغم الأولى في الثانية شدد
تشديداً جيداً ، ومن أظهر فالواجب أن يأتي بهما مخففتين ، وكذلك
(1/650)
المجتمعتان في كلمة ، والأولى
مكسورة نحو : "أنْ يُحْيي)
و (مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ) ، فمن أظهر فالواجب أن يأتي بهما مخففتينِ مبينتينِ
كيلا تختلط إحداهما بالأخرى ، وكذلك إن سكنت الثانية نحو :
(يَسْتَحْيِي) ، أسكنت الحاء قبل الأولى إسكاناً جيداً ، وكسرت بعدها
الياء كسراً خفيفاً وأسكنت الياء الثانية.
قال أبو عمرو : وأما المدغم من الحروف فحقه إن التقى بمثله ، أو
بمقاربه ، وهو ساكن أن يدخل فيه إدخالاً شديداً ، فيرتفع اللسان
بالحرفين ارتفاعة واحدة ، لا يفصل بينهما بوقف ، ولا غيره ، ويعتمد
على الآخر اعتمادة واحدة ، فيصيرا لتداخلهما كحرف واحد غير
أن احتباسه في موضع الحرف لما زاد فيه من التضعيف أكثر من احتباسه
فيه بالحرف الواحد ، والحرفان المتقاربان إذا أدخل أحدهما في الآخر
قلب الأول منهما إلى لفظ الثاني قلباً صحيحاً ، وأدغم فيه إدغاماً تاماً.
هذا ما لم يكن للأول صوت يبقى ، نحو صوت النون ، والتنوين إذا
أدغما في الياء ، والواو ، وصوت الطاء إذا أدغمت في التاء ، وبقي
ذلك الصوت مع الإدغام فإن الأول يقلب قلباً صحيحاً ، ولا يدغم
إدغاماً تاماً ، إذ لو فعل ذلك به لذهب ذلك الصوت بذهابه لعدم وجوده
في غيره.
(1/651)
قلت : وكذلك كان يكون الحكم
في قوله عز وجل : (أَوَعَظْتَ)
إلا أن أجلاء القراء أجمعوا على إظهاره ، ولم يدغموه ؛ لأن الصوت
الزائد فيه دون ما في الطاء ، فرأوا أنهم إذا أدغموه لم يبق من ذلك
الصوت إلا شيء خفي فأظهروه لذلك ، وفي إظهاره تنبيه على أن إظهار
هذا الجنس ، وإدغامه جائز.
وقد روى نصير وجماعة عن الكسائي : (أوعت) بإدغام الظاء
وصوتها كما تقول : أوعدت من الوعد.
قال أبو عمرو : ومخرج كل مدغم من مخرج المدغم فيه ، لا من
مخرجه ، وذلك من حيث انقلب إلى لفظه ، واعتمد اللسان عليه دونه.
قال : ومعنى الإدغام : إدخال شيء في شيء ، وتغييبه فيه ، مأخوذ من
قول العرب أدغمت الفرس اللجامَ إذا أدخلته في فيه..
وقال بعض أهل اللغة : الدغم : التغطية ، وقد أدغمه إذا غطاه.
قال : وأما المخفي فعلى نوعين : إخفاء الحركات ، واخفاء التنوين
والنون.
وأما إخفاء الحركات فحقه أن يضعف الصوت بهن ولا يتم.
وأما إخفاء النون والتنوين فحقه أن يؤتى بهما لا مظهرين ، ولا
مدغمين ، فيكون مخرجهما من الخياشيم لا غير ، ويبطل عمل اللسان
بهما ، ويمتنع التشديد لامتناع قلبهما ، وذلك إذا لقيا حروف اللسان غير
الراء والياء واللام.
(1/652)
قال : وقال لي الحسين بن عليّ
: قال لنا أحمد بن نصر :
المخفي : ما يبقى معه غنَّة.
قلت : وقد وقع الاختلاف بين القراء في الميم من نحو قوله
تعالى : (هم فيها خالدون) ، و (نذرهم في طغيانهم).
فمذهب ابن مجاهد والبغداديين أبي جعفر بن فرج وأبي علي
الصواف ، وابن شنبوذ ، وابن المنادي ، وابن مقسم ، وأبي بكر النقاش.
وأبي الحسين بن بُوْيَان ، وعبد الواحد بن أبي هاشم إظهارها عند الفاء.
ويأخذون بذلك لسائر القراء وعلى ذلك جميع أهل الأمصار ، وهو اختيار
عامَة القراء.
وقال جماعة بإخفاء الميم الساكنة عند الفاء إذا كانا
في كلمتين ، منهم أبو عبيد ، واللؤلؤي وأبو برزة عن الدوري
عن اليزيدي ، وأبو زيد عن أبي عمرو ، وابن جرير عن السوسس.
عن اليزيدي ، ويظهرون غنة الميم.
وروي عن الكسائي إدغام ذلك حيث كان مع إظهار الغنة من غير
استثناء شيء من ذلك ، وعلى ذلك الكوفيون.
والإخفاء مذهب البصريين ، وعليه قراءتهم ، وبه أخذ ابن الجرير ، والمعدل ،
(1/653)
والعدوي ، ونص عليه سيبويه ،
وبه أخذ الرازيون أيضاً كالفضل بن
شاذان وأبوه وبنوه ، والعباس بن الفضل وأبو علي بن العباس.
فأما عند الواو نحو : (عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُون) ، (أنْتُمْ
وأزْوَاجُكُمْ) ، ونحو ذلك فيجب إظهار الميم ، وبيانها ، وبيان سكونها ، وكثير من
الناس لا يحسن ذلك ، فيحرك الميم ، وهو خطأ يجب التحفظ منه.
قال أبو عمرو : وأما المفتوح فحقه أن يؤتى به بين التفخيم
الشديد الذي يستعمله أهل الحجاز في نحو (الصلاة والزكاة) فينحون
بالألف نحو الواو من شدة التفخيم.
قال : وهذه اللغة لا تستعمل في القرآن ، لأنه لا إمام لها ، وبَيْنَ الإمالة
المحضة التي يستعملها القراء التي هي دون الكسر الصحيح.
قال أبو عمرو : وأما الممال فعلى ضربين : مشبع ، وغير مشبع.
فالمشبع حقه أن يؤتى به بين الكسر الشديد الذي يوجب القلب
لشدته ، وليس له إمام ، وبين الفتح الوسط الذي ذكرناه ووصفنا حقيقته
وغير المشبع حقه أن يؤتى به بين الفتح الوسط وبين الإمالة التي دون
الكسر ، ويسميه القراء بين اللفظين. انتهى كلامه.
واعلم أن الحرفين المتحركين تشبع حركة الأول منهما لينفصل
بذلك من صاحبه سواء كانا مثلين نحو : (عَدَداً) و (جَعَلَ لَكُمْ) .
(1/654)
أو غير مثلين إلَّا أن
الحركتين متماثلتان نحو : (كتَبَ رَبُّكمْ).
و (جَعَلَ بَيْنَهُمَا) أو مختلفي الحركة من الضرب الأول نحو :
(إبْرَاهِيمَ مُصَلَّى) ، و (يَعْلَمُ مَا).
أو من الضرب الثاني نحو : (الحَمْدُ لِلَّهِ) ، و (قَالَ مُوْسَى) ، و (حَاقَ
بِهِمْ) أو كانت حركة الأول من الحرف المتحرك بعده نحو : (فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ).
(نعْبُدُ وإيَّاكَ) ، ونحو كسرة الصاد من (الصيام) ، والخاء من
(الخيام) ، وضمة الياء من (ليواطئوا).
كل ذلك تشبع فيه الحركة وتظهر ليتخلص مما بعده.
وكذلك إن وقع بين المتحركين ساكن بينتَ حركتهما.
وأظهرت الساكن بينهما نحو : (مُسْتَهْزِئُونَ) ، (والمُنخَنِقَة)
(1/655)
ومن ذلك (الذي اْؤتمن) يظهر
كسرة الذال ، وضمة التاء لتباين
الهمزة الساكنة بينهما ، وإن سكن الثاني من المثلين نحو :
(صددتم) ، و (قصصنا) ، و (ضللنا) وجب بيانهما.
وأما عكس هذا فإنه يدغم الأول في الثاني ، ولا ينبغي أن
يبالغ في تشديد المدغم حتى يخرج عما يجب له ، وذلك من الخطأ
الذي يظنه الجهال تجويدا نحو : (لكم ما) ، و (منهم من).
و (قد دخلوا) ، و (إذ ذهب مغاضباً).
ومما تجب العناية به اللام إذا سكنت قبل النون نحو :
(جَعَلْنَا) ، و (أنزلنا) فإن بيان اللام إن لم يعن بِه صارت
مدغمة فى النون ، فإن لم يتبين صار قولك : (أسَلْنَا) كقولك : (ألَنَّا).
وقال أبو عمرو الداني ، رحمه الله : قال لي الحسين بن شاكر
(1/656)
السمسار : قال لي أحمد بن نصر
: وجدت جماعة قرؤوا على شيخنا.
يعني ابن مجاهد ، وعلى غيره من القراء ، لا يفرقون بين : (ألَنَّا)
و (أسَلْنَا).
قلت : أراد أنهم لا يبينون سكون اللام في (أسلنا) فإذا لم يفعلوا
ذلك صارت على لفظ (ألَنَّا) ، مدغمة.
قال أبو عمرو : والفرق بينهما أن لام الفعل في (ألنَّا) نون ، وفي
(أسلنا) لام ، فلما اتصلا بالضمير أدغمت النون في النون في (ألنا).
ولم تدغم اللام في النون في (أسلنا) لاختلافهما ، وكون سكون اللام
عارضاً ، فتشديد النون في (ألنَّا) وتخفيفها في (أسلنا) هو المفرق
بينهما.
قلت : فإن لقيها لام نحو : (أنزل لكم) ، و (جعل لها)
ميزتَها من التي بعدها بتمكين حركتها ، لا سيما إذا اتصلت باللام
المغلظة من اسم الله عز وجل نحو : (قال اللّه) ، و (أحل الله البيع).
فإن لم يلقها شيء من ذلك تحفظت فيها ، فأتيت بها رقيقة
خفيفة متحركة كانت ، أو ساكنة نحو : (جعل على) ، و (قلتم)
(وليجدوا فيكم غلظة) من غير مبالغة في الترقيق ، وإفحاش.
(1/657)
قال ابن مخلد : كان القراء
يكرهون تغليظ اللامات في القرآن
قلت : وقد وقع الإجماع منهم على تغليظ اللام من اسم الله عز
وجل إذا لم يكن قبلها كسرة ، وعلى ترقيقها مع الكسرة نحو : (لِله)
وترقيقها في هذا طلباً للمشاكلة ، وتفخيمها في غيره من خصائص هذا
الاسم الشريف تعظيماً له.
فأمَّا الإمالة قبله نحو : (فسيرى الله) و (حتى نرى اللَّه) ، فكان بعض الشيوخ
يرقق اللام من أجل الإمالة.
منهم أبو الحسن عبد الباقي بن فارس ، وكان بعضهم يغلظها ، منهم أبو
العباس أحمد بن نفيس ، وهو الصواب ؛ لأن الإمالة ليست كالكسرة
فيرقق لها اللام.
والراء إن كانت ساكنة ، وقبلها كسرة رققت لمشاكلة اللفظ ، وإن
لم يكن قبلها كسرة فخمت ، وأظهر تفخيمها ، وجهرها ، وسواء وقع
بعدها كسرة نحو : (مَرْجِعُهُمْ) أو ياء غير ساكنة نحو : (مَرْيَمُ)
و (قَرْيَة) أو لم يقع.
ورقق قوم الراء في نحو قوله عز وجل : (بَيْنَ المَرْءِ) لمكان كسرة الهمزة والجلة
على التفخيم ، وكذلك رققها آخرون في : (قرية) و (مريم) و (من قريتكم).
(1/658)
قال أبو عمرو الداني ، رحمه
الله : وذلك خطأ لا شك فيه قال : لأن الياء
المفتوحة لا توجب ترقيقاً ، ولا إمالة ، بل هي كسائر الحروف ، قال : ولو
كان ذلك صحيحاً لوجب أن يحكم به للياء الساكنة ، والكسرة ، فيلزم
ترقيق الراء في نحو : (لبشرين) و (أغريْتا) و (البَحْرين)
وفي نحو : (من كل كرب) ، و (من قرن).
قال : ففي انعقاد الإجماع على تفخيم الراء في ذلك دليل بين على خطأ
من رفق الراء لمكان الياء في نحو : (مريم) و (قرية) انتهى
كلامه.
فإن كانت الراء مشددة فأحسن النطق بها من غير مجاوزة للحد.
وفي المجاوزة ما يجعلها راءات نحو : (مَسنِيَ الضرُّ) و (فمن اضطر).
و (إلى البرِّ).
وحروف الضفير المحركة ، والساكنة يجب تبيين صفيرها.
وتصفيتها ، وتخليصها نحو : (مَسْروراً) و (البحر المسجور)
(1/659)
و (يبسط) ، و (أساطير) و
(كباسط) و (بالقسط)
و (من صلصال) ، و (حصحص الحق) و (فاصطادوا)
و (اصطبر عليها) و (فاصدع) و (لو حرصتم)
و (الوزن) و (استفزز) (ما كنزتم فذوقوا ما كنتم تكنزون)
و (مزدجر).
وتبين الدال عند الخاء نحو : (مُدْخلاً) ، و (يدخلون).
وعند النون نحو : (قد نرى) و (لقد نصركم اللّه) (ثم رددناه) ، والضاد تبين عند
التاء نحو : (أفضتم) و (خضتم)
(1/660)
وعند الجيم نحو : (واخفض
جناحك) وعند الطاء نحو : (فمن اضطر)
ومن الناس من لا يحسن بيان سكونها فيقول : (فمن اضطر)
فيضم الضاد فيجب التحفظ من ذلك.
والجيم حرف مجهور فيجب أن يبين صوتها ، وأن يظهر جهرها
لئلا ينالها شيء من صوت الشين نحو : (العجل بكفرهم)
و (جعل) ونحوه.
وينعم بيان صوتها إذا كانت ساكنة عند التاء نحو :
(فاجتنبوه) و (اجترحوا) و (من حيث خرجت) ، وعند الزِاي
نحو : (الرجز) و (يجزون) ، وعند السين نحو : (رجساً إلى رجسهم)
وعند الهاء نحو : (لا تجهر) ، وعند الشين في : (أخرج شَطْأه).
وكل ما يصح في الإدغام الكبير لأبي عمرو إدغامه فواجب إظهاره
(1/661)
لغيره ، والعناية بتبيينه ،
وايضاخه. وفي النون الساكنة والتنوين جانب
كبيرا من التجويد من الإظهار ، والإدغام بغنَة ، وبغير غنة ، والإخفاء
والقلب. وقد ذكرت ذلك في شرح القراءات مبيناً. ومنهم من
يخفيها عند الغين والخاء ، والعمل إنّما هوعلى الإظهار ، ومن أجاز الإخفاء
فلقربهما من حروف الفم التي يخفيان عندها. ومن أظهر أجرى
الغين والخاء مجرى باقي حروف الحلق ، ولا يصح أن يجتمعا مع الألف
من أجل السكون ، ولا تكون النون الساكنة في كلمة واحدة مع الراء
واللام ، لأنها (") تقارب هذين الحرفين جداً في المخرج ، وتخالفهما
في الصفة ، وهي الغنة ، فيثقل الجمع بينهما ، وبينها.
وهذه عمدة المفيد وعدة المجيد في معرفة التجويد :
يا مَنْ يَرُوْمُ تِلاَوَةَ القرآنِ . . . وَيرُوْدُ شَأوَ أئمةِ الإتقانِ
لا تحسب التجويدَ مدًّا مُفْرِطاً . . . أومدّ ما لا مدَّ فيه لوانِ
أو أن تشددَ بعد مد همزةً . . . أو أن تلوكَ الحرفَ كالسكرانِ
أوأن تَفُوهَ بهمزة مُتَهَوعاً . . . فَيَفِرُّ سامعها من الغَثَيان
للحرف ميزان فلا تكُ طاغياً . . . فيه ولا تكُ مُخْسِرَ الميزانِ
فإذا همزتَ فَجِئْ به مُتَلَطفاً . . . مِنْ غَيْرِ مَا بُهْرٍ وَغَيْرِ تَوَانِ
وامددْ حروفَ المد عند مسكنٍ . . . أوهمزة حسناً أخا إحسان
والمذ من قبل المسكن دون ما . . . قد مد للهمزاتِ باستيقانِ
والهاء تخفى فاحل في إظهارها . . . في نحو من هادٍ وفي بهتانِ
(1/662)
وجباههمْ بيِّن وأوجههم بلا .
. . ثقل تزيدُ به على التبيانِ
والعين والحا مظهر فالغين قل . . . والخاء حيث تقارب الحرفانِ
كالعهن أفرغ لا تزغ يختم ولا . . . تخشى وسبِّحه وكالإحسانِ
والقاف بيِّنٌ جهرها وعلوها . . . والكاف خفصها بحسن بيانِ
إن لم تحقق جهر ذاك وهمس ذا . . . فهما لأجل القربة يختلطانِ
والجيم إن ضعفت أتت ممزوجة . . . بالشين مثل الجيم في المرجانِ
والعجل واجتنبوا وأخرج شطأه . . . والرجز مثل الرجس في التبيانِ
والفجر لا تجهر كذاك وكاشترى . . . بين تفشّيه مع الإسكانِ
وكذا المشدد منه نحو مبشراً . . . أو غير ذاك كقوله في شانِ
والياء واختاها بغير زيادة . . . في المد كالموفون والميزانِ
وبيانها إن حركت كلسعيها . . . وكبغيكم والياء في العصيانِ
وكمثل أحيينا ويستحيي ومث . . . ل الغي يتخذوه في الفرقانِ
لا تشربَنْها الجيم إن شددتها . . . فتكون معدوداً من اللُّحَّانِ
في يوم مع قالوا وهم ونظير ذا . . . لا تدغموا يا معشر الإخوانِ
والواو في حتى عفَوا ونظيره . . . إدغامه حتم على الإنسانِ
والضاد عال مستطيل مطبق . . . جهر يكل لديه كل لسانِ
حاشى لسان بالفصاحة قيِّم . . . دَرِب لأحكام الحروف مُعانِ
كم رامه قوم فما أبدوا سوى . . . لام مفخمة بلا عرفانِ
ميزه بالإيضاح عن ظاء ففي . . . أضللنَ أو فى غِيْض يشتبهانِ
وكذاك محتضر وناضرة إلى . . . وولا يحض وخذه ذا إذعانِ
وأبنه عند التاء نحو أفضتم . . . والطاء نحو اضطر غير جبانِ
(1/663)
والجيم نحو اخفض جناحك مثله .
. . والنون نحو يحضن قسه وعانِ
والراء كـ : وليضربنْ أو لام كفـ . . . ضل الله بينْ حيث يلتقيان
وبيان بعض ذنوبهم واغضض وأنـ . . . قضَ ظهركَ اعْرفُه تكنْ ذا شانِ
وكذا بيان الصاد نحو حرصتم . . . والظاء في أوعَظتَ للأعيانِ
إذ أظهروه وأدغموا فرّطت فات . . . بع في القُران أئمة الأزمانِ
واللام عند الراء أدغم مشبعاً . . . محضاً إذ الحرفان يقتربانِ
في نحو : قل ربي وما عن نافع . . . فيه وعاصم امحى القولانِ
وبيانه في نحو فصلنا على . . . وفق لكل مفضّل يقظانِ
وبقل تعالوا قل سلام قل نعم . . . وبمثل قل صدق اعلُ في التبيانِ
والنون ساكنة مع التنوين قد . . . شرحا معاً في غير ما ديوان
وشرحت ذلك في مكان غير ذا . . . فانا بذاك عن الإعادة غ@ الب
والراءَ صن تشديده عن أن يرى . . . متكرراً كالراء في الرحمانِ
والدال ساكنة كدال حصدتم . . . أدغم بغير. تعسُّرٍ وتوانِ
ولقد لقينا مظهر ولقد رأى . . . والمدحضين ابن بكل مكانِ
والودق فادفع يدخلون وقد نرى . . . والتاء أدغم عند طائفتان
وكذا أجيبت واستطعت مبين . . . وكنحو أتقن فه بلا كتمان
والظا لدى فاء ونون مظهر . . . يحفظن أظفركم بلا نسيانِ
والذال إذ ظلموا ظلمتم ليس في الـ . . . قرآن غيرهما فمدّ غمان
وإذا يلاقي الراء بين ذا وذا . . . في مثل ذر ونذرت للرحمانِ
وبمذعنين وفي أخذنا واذكروا . . . والثاء عند الخاء في الإثخانِ
بيِّن وأعثرنا لبثنا تثقفـ . . . نهمُ كذاك وأيها الثقلانِ
وصفير ما فيه الصفير فراعه . . . كالقسط والصلصال والميزانِ
والفاء مع ميم كتلقف ما أبن . . . والواو نحو الفاء في صفوانِ
والميم عند الواو والفا مظهر . . . هم في وعند الواو في الولدان
(1/664)
لكن مع البا في إبانتها وفي .
. . إخفائها رأيان مختلفانِ
وتبين الحرف المشدد موضحاً . . . مما يليه إذا التقى المثلانِ
كاليمِّ ما والحق قل ، ومثال ظلـ . . . لنا لكيما يظهر الإخوانِ
وإذا التقى المهموس بالمجهور أو . . . بالعكس بينه فيفترقانِ
والهمس في عشر فشخص حثه . . . سكت وجهر سواه ذو استعلانِ
رتل ولا تسرف وأتقن واجتنب . . . نكراً يجيء به ذوو الألحانِ
وارغب إلى مولاك في تيسيره . . . خيراً فمنه عون كل معانِ
أبرزتها حسناء نظمِ عقودها . . . درّ وفصل درّها بجمانِ
فانظر إليها وامقاً متدبراً . . . فيها فقد فاقت بحسن معانِ
واعلم بأنك جائر في ظلمها . . . إن قستها بقصيدة الخاقاني
* * *
تَمَّتْ
* * *
واعلم بأن القرآن العزيز يقرأ للتعلم فالواجب التقليل والتكرير.
ويقرأ للتدبر فالواجب الترتيل ، والتوقف ، ويقرأ لتحصيل الأجر بكثرة
القراءة فله أن يقرأ ما استطاع ولا يؤنب إذا أراد الإسراع
وقد روي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : خفف الله على داود عليه
السلام القراءة فكان يأمر بدابته تسرج ، فيقرأ كتابه من قبل أن تسرج دابته ، وكان
لا يأكل إلا من عمل يديه.
وكان عثمان ، رضي الله عنه ، يقرأ القرآن في ركعة يوتر بها.
ذكره الترمذي.
(1/665)
وقرأ سعيد بن جبير القرآن كله
في ركعة في الكعبة.
وكان منصور بن زاذان يختم القرآن في رمضان بين المغرب والعشاء ختمتين.
ثم يقرأ إلى الطواسين قبل أن تقام صلاة العشاء ، وكانوا يؤخرونها إذ
ذاك إِلى ربع الليل ، وكذلك كان يفعل يوم الجمعة في كل جمعة.
وكان الشافعى ، رحمه الله ، يختم في رمضان ستين ختمة كلّها في
الصلاة.
وروي عن أبي حنيفة ، رحمه الله ، أنّه كان يقرأ القرآن في ركعة
فعل ذلك ثلاثين سنة.
(1/666)
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ
الرَّحِيمِ
علم الاهتداء في معرفة الوقف والابتداء
حدثني الإمام أبو الفضل محمد بن يوسف الغزنوي ، رحمه الله.
حدثني أبو الفتح عبد الملك بن أبي القاسم ، حدثني أبو عامر الأزْدي.
وأبو نصر التَرْيَاقِي ، وأبو بكر الغُوْزجى قالوا : حدثنا أبو محمد عبد
الجبار بن محمد الجَراحي ، حدثنا أبو العباس محمد بن أحمد المَحْبُوبِي
عن أبي عيسى الترمذي ، حدثنا علي بن حجر ، حدثنا يحيَى بن سعيد
الأموي ، عن ابن جريج ، عن ابن أبي مليكة ، عن أم سلمة قالت : كان
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقطع قراءته ، يقرأ (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ
الْعَالَمِينَ) ، ثم يقف (الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) ، ثم يقف.
وحدثني أبو المظفر الجوهري . حدثني أبو الفضل بن ناصر ، حدثني أبو طاهر
محمد بن أحمد بن أبي الصقر الأنباري ، حدثني علي بن الحسين بن
ميمون بن محمد بن عبد الغفّار ، حدّثني أبو الحسن محمّد بن
(1/667)
عبد اللّه بن زكريا بن
حَيوْيَهْ ، عن أبي عبد الرحمن
أحمد بن شعيب بن عليّ النسائيّ ، أخبرنا قتيبة بن سعيد.
حدّثنا الليث بن سعد ، عن عبد اللّه بن أبي مليكة ، عن يعلى
ابن مملك أنّه سأل أم سلمة عن قراءة رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - وصلاته
فقالت : ما لكم وصلاته ، ثم نعتت قراءة مفسرة حرفاً حرفاً ، ومعنى
قولها : مفسرة حرفاً حرفاً ما سبق في الحديث الأول من الوقف على
رأس الآية.
وحدثني الغزنوي ، رحمه الله ، بالإسناد المتقدم ، قال أبو عيسى :
حدثنا أحمد بن منيع ، حدثنا الحسن بن موسى قال : حدثنا شيبان ، عن
عاصم ، عن زر بن حبيش ، عن أبى بن كعب قال :
"لقي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جبريل فقال : يا جبريل إني بعثت إلى
أمة أميين ، فمنهم العجوز ، والشيخ الكبير ، والغلام ، والجارية ، والرجل الذي لم
يقرأ كتاباً قط.
قال : يا محمد - : إن القرآن أنزل على سبعة أحرف".
قال أبو عيسى : وفي الباب عن عمر ، وحذيفة بن اليمان ، وأبي
هريرة ، وأم أيوب ، وهي امرأة أبي أيوب الأنصاري ، وسمرة ، وابن
عباس ، وأبي جهم بن الحارث بن الصمة ثم قال : هذا حديث حسن
صحيح قد روي عن أبى بن كعب من غير وجه ، وإنما ذكرت هذا
الحديث في هذا الموضع لأنى رويته عن شيخي أبي القاسم ، رحمه
الله ، بزيادة تليق بهذا المكان.
(1/668)
حدثني شيخنا أبو القاسم
الشاطبى ، رحمه الله ، حدثنا أبو
الحسن بن هذيل ، حدثنا أبو داود سليمان بن نجاح ، حدثنا أبو عمرو
عثمان بن سعيد الدانى ، رحمه الله ، حدثنا فارس بن أحمد المقرئ.
حدثنا أحمد بن محمد ، وعبيد الله بن محمد ، قالا : حدثنا علي بن
الحسين ، قال : حدثنا يوسف بن موسى ، حدثنا همام بن عبد الملك.
حدثنا قتادة ، عن يحيَى بن يعمر ، عن سليمان بن صرد الخزاعي ، عن
أبي بن كعب قال أتينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال :
"إن الملك كان معي ، فقال : اقرأ القرآن ، فعدَّ حتى بلغ سبعة
أحرف ، فقال : ليس منها إلا شاف كاف ما لم تختم آية عذاب برحمة.
وتختم رحمة بعذاب.
وقال أبو عمرو : حدثنا فارس بن أحمد بن موسى المقرئ ، حدثنا
أحمد بن محمد ، وعبيد الله بن محمد قالا : حدثنا على بن الحسين
القاضي قال : حدثنا يوسف بن موسى القطان ، حدثنا عفان بن مسلم.
حدثنا حماد بن سلمة ، وسمعته منه ، قال : أخبرنا على بن زيد ، عن عبد
الرحمن بن أبي بكرة ، عن أبيه : أن جبريل ، عليه السلام ، أتى النبي - صلى الله
عليه وسلم - ، فقال : اقرأ القرآن على حرف ، فقال ميكائيل استزده فقال : اقرأ
القرآن على حرفين قال ميكائيل استزده حتى بلغ سبعة أحرف كل كاف شاف ما لم تختم آية
عذاب بآية رحمة أو آية رحمة بآية عذاب".
وقال أبو عمرو أيضاً : حدثنا خلف بن أحمد القاضي ، حدثنا
(1/669)
زياد بن عبد الرحمن ، حدثنا
محمد بن يحيَى بن حميد ، حدثنا محمد بن
يحيى بن سلام ، عن أبيه عن حماد بن سلمة ، عن على بن زيد ، عن
عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثله ، إلَّا أنه
قال : ما لم تختم آية رحمة بعذاب أو آية عذاب بمغفرة.
قال أبو عمرو الداني ، رحمه الله ، عقيب هذا الحديث : فهذا
تعليم التمام من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن جبريل عليه السلام إذ ظاهره
دال على أنه ينبغي أن يقطع على الآية التي فيها ذكر النار والعقاب ، وتفصل مما
بعدها إذا كان بعدها ذكر الجنة والثواب ، وكذلك يلزم أن يقطع على الآية التي فيها
ذكر الجنة والثواب ، وتفصل مما بعدها أيضاً إن كان بعدها ذكر النار والعقاب.
وليس الأمر كما ذكر أبو عمرو ، بل الحديث يدل ، على أن
القارئ يقف حيث شاء لقوله : كل كافٍ شافٍ ، ولم يرد بالفصل ، وترك
الوصل أن الكلام قد تم ، وإنما أراد أن القارئ إذا وصل ذلك غير
المعنى ، وقَلَبَه ، لأنه إذا قال : (تلك عبيى الذين اتقوا ، وعقبى
الكافرين) غير المعنى - ، وصيَّر الجنة عقبى الكافرين.
ألا ترى أنه لو قرأ (يغفر لمن يشاء ويعذب). لم يكن في ذلك
شيء وإن كان قد وصل المغفرة بالعذاب ، وإنما الممنوع تغيير المعنى
بسبب الوصل ، ويدخل في هذا نحو قوله عز وجل :
(وَلَا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا)
إذ في وصله ما يوهم أنهم قالوا : (إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا) ، وأن قولهم
ذلك قد أحزن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ،
(1/670)
وليس كل أحد يعلم المراد ،
فيقع اللبس على من لا علم له لا سيما غير
العرب ، فيوقف على قوله عز وجل : (وَلَا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ) ويبتدئ
ً(إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا) وليس كل التمام على هذه الصفة ، فيكون هذا
تعليماً للتمام ، إنما هذا تعليم للمعنى ، ولهذا الحديث أجاز
حمزة ، رحمه الله ، الوقف حيث ينقطع النفس إلا نحو قوله عز وجل :
(وَقَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا) لا يقف على (قالوا).
وكذلك لا يقف على اليهود في قوله عز وجل (وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ
اللَّهِ) ، ولا على اليهود في قوله عز وجل : (وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ
مَغْلُولَةٌ).
ولا على النصارى في قوله عز وجل : (وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ
اللَّهِ).
وحدثني شيخنا أبو اليمن زيد بن الحسن الكندي ، رحمه الله.
وقرأه على ، وسمعته من لفظه ، وقال لي : نقلته من كلام أبي الكرم
المبارك بن فاخر النحوي البغدادي ، ومن خطه ، وكتب به إلى شيخنا
أبي محمد ، رحمه الله ، قال : الجملة التأليفية المركبة على الاستقلال
المتساند بعضها إلى بعض من غير إخلال إذا تعولم إجراؤها في مجالها.
ومواضعها ، وتعورف إركازها في مراكزها ، وأماكنها بكثرة الدور.
والكرور ، والطروق ، والمرور أهاب كل منها بما يليه ، فأجابه بما يقتضيه
قبله ، أو بعده على حسب ما يقتضيه قصده ، فاقتضى الموقوف عليه
ما بدئ به بعده ، والمبدوء به ما وقف عليه قبله اقتضاء اللاجئ من
يلجأ إليه ، والمحيل من يحيل عليه ، فإذا أضرب المتكلم عن أيهما كان
(1/671)
صفحاً ، وأضرب ، وذهب عن ذكره
ونكب ، قام ببيانه ما منه في النفس.
وشهد بمكانه ما أدركه الحس ، فكان في حكم المذكور ، وإن كان
مطوياً غير منشور ، فاستوى فيه الناقص والتام ، والموفى النظام ، والمنيف
عن التمام ، فجاز أن يوقف على كل منهن كما يبدأ به ، ويبدأ به كما
يوقف عليه إلَّا أن الأحسن أن يوقف على الأتم ، وما يقدر به ، وما أناف
عليه ، ثم الأحسن ألَّا يوقف على الناقص ، ولا ما يقدر به ، ولا القبيح
إلا على استكراه ، أو ضرورة ، فإذا فرض ذلك في التنزيل ، جل المتكلم
به ، اختلف الناس فيه ، فذهب الجمهور إلى تقدير الوقف على ثمانية
أضرب : تام ، وشبيه به ، وناقص ، وشبيه به ، وحسن ، وشبيه به ، وقبيح.
وشبيه به ، وصنفوا في ذلك كتباً مدونة ، وذكروا فيها أصولًا مجملة.
وفروشاً في الآي مفصلة ، فمنها ما آثروه عن أئمة القراءة في كل عصر.
ومنها ما آثروه عن أئمة العربية من النحويين من كل مصر ، ومنها ما
استنبطوه على وفاق الأثر ، أو خلافه ، ومنها ما اقتدوا فيه بالأثر فقط
كالوقف على أواخر الآي ، وهو وقف النبي - صلى الله عليه وسلم -.
وذهب أبو يوسف القاضي صاحب أبي حنيفة ، رحمهما الله.
إلى أن تعدد الموقوف عليه من القرآن التام ، أو الناقص ، أو
الحسن ، أو القبيح ، وتسميته بذلك بدعة ، ومسميه بذلك ، ومتعمد
الوقف على نحوه مبتدع.
قال : لأن القرآن معجز ، وهو كالقطعة الواحدة ، وكله قرآن ، وبعضه قرآن ، وكلفه
تام حسن ، وبعضه تام حسن.
(1/672)
حدثنا بذلك شيخنا أبو القاسم
بن برهان ، قال شيخنا أبو اليمن.
رحمه الله : نقلت هذا الفصل من تعليقه - بخَطه يعني أبا الكرم
المبارك بن فاخر ، وليس الأمر كما ذكِر أبو يوسف فإن الكلمة الواحدة
ليست من الإعجاز في شيء ، وإنما المعجز - الرصف العجيب والنظم
الغريب ، وليس ذلك لبعض الكلمات.
وقوله : إن بعضه تام حسن كما أن كله تام حسن يقال له : لو قال قارئ : (إذا جاء) ،
ووقف ، أهذا تام وقرآن ؟
فإن قال : نعم ، قيل : أفما يحتمل أن يكون القائل أراد إذا
جاء الشتاء ؟ وكذلك كل ما يفرده من كلمات القرآن موجود في كلام
البشر ، فإذا اجتمع ، وانتظم انحاز عن غيره ، وامتاز ، ، ظهر ما فيه من
الإعجاز ، ففي معرفة الوقف ، والابتداء الذي دونه العلماء تبيين معاني
القرآن العظيم ، وتعريف مقاصده ، وإظهار فوائده ، وبه يتهيأ الغوص
على درره ، وفرائده ، فإن كان هذا بدعة فنعمت البدعة هذه.
وأجاز جماعة من القراء الوقف على رؤوس الآي.
عملا بالحديث ، فيقولون : (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) ثم يقولون
(الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) وهو مذهب يؤيده الحديث والمعنى.
أما الحديث فقد ذكر ، وأما المعنى فإن هذه الفواصل إنما أنزل
القرآن بها ليوقف عليها ، وتقابل أختها ، وإلَّا فما المراد بها ؟
ألا ترى أن (بمصيطر) تقابل (إنمَا أنتَ مُذَكرٌ) ، وكذلك (الأكبر) ،
(1/673)
تماثل (مَنْ تَوَلى وكَفَرَ)
إلَّا أن من الفواصل ما لا يحسن الوقف
عليه كقوله عز وجل : (فَوَيْلٌ لِلْمُصَليْنَ)
لأن المراد : فويل للساهين عن صلاتهم ، المرائين فيها ، فلا يتم هذا المعنى
إلا بالوصل ، وليس الوقف على قوله (والضحى)
كالوقف على ما جاء في الحديث ، فاعلم هذا.
وعن أبي عمرو بن العلاء ، رحمه الله ، الوقف على نحو قوله عز
وجل : (يُؤْمِنُونَ بِالْغَيبِ) ويبتدئ (وَيُقِيْمُونَ الصلَاةَ)
لأن الثاني منفصل من الأول ؛ لأن إقامة الصلاة معنى غير الإيمان
بالغيب ، وكذلك كل ما كان مثله.
وقد اختار العلماء وأئمة القراء تبيين معاني كلام الله عز وجل.
وتكميل معانيه ، وجعلوا الوقف منبهاً على المعنى ، ومفصلاً بعضه
من بعض ، وبذلك تلذ التلاوة ، ويحصل الفهم والدراية ، ويتضح منهاج
الهداية.
فلا يقفون على مبتدأ دون خبره ، ولا على موصوف دون
صفته إلَّا أن يكون الكلام في الوقف على الموصوف مستقلاً مفيداً
مفهوماً ، فيجيزون الوقف عليه ، ولا يجيزون الابتداء بما بعده ، ويسمونه
الوقف الحسن ، وسيأتي بيان ذلك إن شاء الله.
ولا على المبدل منه دون البدل إلَّا كقوله عز وجل :
(اهدنا الصراط المستقيم)
فإنه يوقف عليه ، و يبتدأ بما بعده كما تقدم في الصفة.
ولا على الشرط دون جزائه كقوله عز وجل : (وَمَنْ يَتقِ اللهَ)
(1/674)
وهذا الوقف قبيحٍ ؛ لأنه كلام
غير مفهوم حتى يتصل بقوله
عز وجل : (يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجا)
وكذلك جواب "لو" نحو (لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا) وكذلك (لولا)
كقوله :
(ولَوْلاَ دَفْعُ الَلهِ الناسَ)
وقد يكون جوابهما محذوفاً فيوقف حينئذ كقوله عز وجل : (وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا
وَاتَّقَوْا) الوقف على واتَقوا ، ويبتدئ (لَمَثوْبَة) وكذلك (وَلَوْلَا فَضْلُ
اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ (10).
ولا على الأمر دون جوابه إلا أن يكون الكلام مفهوماً مفيداً ، فيوقف عليه ، ولا
يبتدأ بما بعده كقوله عز وجل (وأطِيعُوْنِ يَغْفِرْ لَكُمْ).
وكذلك (اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10)
تقف عليه ، ولكن لا تبتدئ (يُرْسِلِ السمَاءَ) وكذلك النهي كقوله عز وجل : (فَلاَ
تَدْع مَعَ الَلهِ إلَهاً آخَرَ) لا تبتدئ (فتكونَ مِنَ المُعَذبِيْنَ).
وكذلك الدعاء كقوله عز وجل : (رَبَّنَا أخرْنَا إلَى أجَل قَرِيْب)
لا يبتدأ بما بعده ، فيقال : (نجبْ دَعْوَتَكَ).
قال مصنفو الوقف والابتداء ، : وكذلك الاستفهام. قالوا : لا يوقف
على (حقاً) من قوله عز وجل (فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبكُمْ حَقاً)
حتى يصله بقوله عز وجل (قَالُوا نَعمْ) لأنه جواب ، وليس هذا عندي كجواب الشرط ،
ولا كجواب الأمر في قبح
الابتداء بالجواب ، بل الابتداء به حسن سائغ ، وكذلك التمني
(1/675)
لا يوقف عليه ، دون الجواب
كقوله عز وجل : (يَا لَيْتَنى كُنْتُ مَعَهُمْ فَأفُوْزَ
فَوْزاً عَظِيماًً)
ولا على القسم دون جوابه كقوله عز وجل : (والليْلِ إذَا يَغْشَى)
وما بعده لا يوقف علي (الأنثى) ؛ لأن الفائدة في المقسم عليه ، وهو قوله عز وجل :
(إن سَعْيَكُمْ لَشَتى).
وكذلك قوله عز وجل : (والضحى)
لا يوقف دون (مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى (3).
وكذلك (والذارِيَاتِ ذَرْواً)
(والتينِ والزيْتُونِ) ، وما أشبهه.
وأما قوله عز وجل : (والنازِعَاتِ غرْقاًً) فإنه يوقف على
قوله عز وجل (فالمُدَبراتِ أمْراًً)
لأن الجواب محذوف ، والتقدير : لتبعثن
هذا إن جعلت (يومَ ترجُفُ الراجفة) منصوباً بفعل مضمر ، أي أذكر يوم ، وإن قدرته
ظرفاً للفعل المقدر أي لتبعثن يوم
لم تقف على (المدبرات أمراً) ، وقد زعم قوم : أنّ الجواب (يومَ ترجُفُ الراجفة).
وقال آخرون : الجواب : (إن فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً).
والأول قول أجلاء العلماء والاستثناء على ضربين ، متّصل ، ومنقطع.
فالمتصل قالوا : لا يوقف على المستثنى منه دون المستثنى كقوله
عز وجل : (إن الإنسَانَ لَفِيْ خُسْرٍ) ؛ لأن الإنسان يراد به ها هنا جميع الناس.
(1/676)
قال بعض المفسرين : أراد
بالخسر دخول النار ، وقيل : لفي خسر
من التجارة (إلا الذين آمنوا) فإنهم اشتروا الآخرة بالدنيا ، فربحوا.
وغيرهم تَجِرَ خلاف تجارتهم فخسر.
قال أبو عبيدة : "لفي هلكة ونقصان ".
والمنقطع ما كان المستثنى فيه ليس من الأول كقوله عز
وجلّ في سورة الانشقاق : (فَبَشَرْهُمْ بِعَذَاب ألِيم).
قال ابن الأنباري : هو استثناء منقطع كأنه قال.
(لكن الذين آمنوا وعملوا الصالحات) كما قال في سورة البقرة (لِئَلَّا يَكُونَ
لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ)
قال : معناه : لكن الذين ظلموا منهم فإنهم لا حجة لهم ، وكذلك يروى عن ابن مجاهد
أنه كان يقف على (أجر غير ممنون)
وقال : معناه : لكن ، ولا مانع من القضاء باتصاله أي :
(إلا الذين آمنوا) من المذكورين وعملوا الصالحات.
وقوله عز وجلّ في سورة البقرة (اسْجُدُوْا لآدَمَ فَسَجَدُوا)
يسوغ فيه الأمران ، وكيف ما كان فالوقف عليه سائغ إلَا أنّه لا يبتدأ بما
بعده ، إذا قدرته متصلاً.
ومما عدّوه من المنقطع قوله تعالى (إِلَّا أَذًى) في آل عمران.
و (إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ)
وقوله عز وجلَّ : (وكيلًا إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ) في بني إسرائيل
و (إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ (10) إِلَّا مَنْ ظَلَمَ)
و (لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ (22) إِلَّا مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ (23).
وقوله عز وجل في سورة : والتين والزيتون
(أسْفَلَ سَافِليْنَ إلا الذِينَ آمَنُوا)
فاختاروا الابتداء بـ (إلَّا) في هذه المواضع.
(1/677)
وقال ابن النحاس في قوله عز
وجل : (لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ (10).
تام ، لأن (إِلَّا مَنْ ظَلَمَ) استثناء ليس من الأول بمعنى لكن.
قال أبو عمرو الداني : فسبيل ما ورد في كتاب الله عزَّ وجلَّ من
هذا الضرب من الاستثناء في كون الوقف قبله تاماً سبيل هذين
الموضعين يعني (إِلَّا مَنْ ظَلَمَ) و (إلا الذِينَ آمَنُوا)
في الانشقاق وذكر جميع المواضع التي ذكرتها.
فأقول ، وبالله التوفيق : أما قوله عزَّ وجلَّ : (لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذًى)
فإن جماعة من المفسرين ذهبوا إلى أنه منقطع ، والقول بأنه متصل ظاهر ، والمعنى :
لن يضروكم ضرراً إلا نوعاً واحدا من الضرر ، وهو الأذى ، وهو ما تفوه به ألسنتهم
من الباطل ، والسب ، ونحو ذلك ، فأمَّا الغلبة والتسليط
عليكم فلا ، ( وَإِنْ يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا
يُنْصَرُونَ (111).
وهذا كقوله عز وجل : (وَإِذًا لَا يَلْبَثُونَ خِلَافَكَ إِلَّا قَلِيلًا (76).
أي إلا زمناً ، أو وقتاً قليلاً.
ولو قدر أنه منقطع لم يكن الوقف قبله تاماً ، لأن
المعنى بعد)إلا) له تعلق بما قبلها ، فلو قيل : إن الوقف قبل (إلا) كاف
كان أحسن.
وأما قوله عز وجل : (إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ) فذهب بعض البصريين
إلى أنه استثناء منقطع ، قال : لأن قوله (أيْنَمَا ثُقِفُوا) تمام ، ثم قال :
(إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ) أي لكنهم يعتصمون بحبل من الله.
وقال أبو القاسم : (إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ) في محل النصب على
(1/678)
الحال أي إلا معتصمين ، أو
متمسكين.
قال : وهو استثناء من أعمّ عامّ الأحوال ، والمعنى ضربت عليهم الذلة في عامة
الأحوال إلا في حال اعتصامهم بحبل الله ، وحبل الناس ، يعني ذمة الله ، وذمة
المسلمين ، أي لا عز لهم قط إلا هذه الواحدة ، وهي التجاؤهم إلى الذمة لما بذلوه من
الجزية.
وقال قوم من الكوفيين : التقدير : إلا أن يعتصموا بحبل من الله.
ولذلك دخلت الباء ، وهي متعلقة بهذا الفعل المحذوف ، وقال بعضهم
أيضاً : هو استثناء من الأول محمول على المعنى ؛ لأن معنى الكلام :
ضربت عليهم الذلة بكل مكان إلا بموضع من الله.
والصحيح قول من قال : إنه متصل
وأما قوله عز وجلّ : (ثُم لَا تَجدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنَا وَكِيلًا إلَّا رَحْمَة
مِنْ
رَبِّكَ) فيجوز أن يكون منقطعاً ، ومع كونه منقطعاً ، فليس الوقف
على قوله : (وَكِيلًا) بتام ؛ لأنّ المعنى ، ولكن رحمة ربك تركته باقياً
لم يذهب به ، فيكون الوقف كافياً لتعلق بعض الكلام ببعض ، وقد أجيز
أن يكون متصلاً أي لو شئنا لذهبنا بالقرآن فمحوناه من المصحف ، ومن
الصدور ، ثم لا تجد لك حينئذ وكيلاً يتوكل علينا برده ، وإعادته على
الحال التي كان عليها إلا رحمة من ربك ، كان رحمته سبحانه تتوكّل
بالردّ ، فعلى هذا لا يوقف على قوله : (وكيلًا).
وأما قوله عزّ وجلّ : (إنِّيْ لَا يَخَافُ لَدَىَّ المُرْسَلُونَ إلَّا مَنْ
ظَلَمْ) فقد قيل : إنّه منقطع ، وهو قول البصريين ، قالوا : وذلك أن
(1/679)
الاستثناء المتصل يكون ما
بعده مخالفاً لما قبله من المعنى ، وقوله :
((إنِّيْ لَا يَخَافُ لَدَىَّ المُرْسَلُونَ) تأمين ، وقوِله (إلَّا مَنْ ظَلَمَ -
إلى
قوله عز وجلّ - فإني غَفُورٌ رَحِيمٌ) تأمين أيضاً ، فقالوا : فقد اتحد
المعنى فيهما فوجب ألَّا يكون من الأول ، قالوا : ومثله من كلامهم
"ما اشتكى إلا خيراً" لأن الثاني مثل الأول في حصول الخير ؛ لأن
(ما اشتكى) يدل على حصول الخير ، وقوله : (إلا خيراً) مثل الأول ، وكأنه
قال : "ما أذكر إلا خيراً " ، قالوا : و"إلا" بمعنى "
لكن " أي لكن من ظلم من
المرسلين وغيرهم ، ثم تاب ، فإني غفور رحيم.
وقال أبو القاسم : (إلا) بمعنى (لكن) ، قال : لأنه لَمَّا أطلق نفي
الخوف عن الرسل كان ذلك مظنة لطروء الشبهة ، فاستدرك ذلك.
والمعنى : ولكن من ظلم منهم أي فرطت منه صغيرة مما يجوز على
الأنبياء كالذي فرط من آدم ، ويونس ، وداود ، وسليمان ، وإخوة يوسف.
ومن موسى عليه السلام بوكزه القبطي ، ويوشك أن يقصد بهذا التعريض
ما وجد من موسى عليه السلام ، وهو من التعريضات التي يلطف
مأخذها ، وسماه ظلماً كما قال موسى عليه السلام (رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي
فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ).
والوقف على هذين الوجهين كافٍ ؛ لأن المعنى بعد (إلا) فيه تعلق بما قبلها.
وقال الفراء : يجوز أن يجعل الاستثناء من الذين تركوا في
الكلمة ، لأن المعنى لا يخاف لدي المرسلون ، إنما الخوف على
(1/680)
غيرهم ، ثم استثنى ، فقال :
(إلا من ظلم) فإن هذا لا يخاف ، تقول :
كان مشركاً فتاب ، وعمل حسناً فذلك مغفور له ، ليس يخاف ، وردّ
عليه هذا القول.
وقيل : الاستثناء من محذوف لا يجوز ؛ لأنه لا يعلم ما هو ؟
قالوا : ولو جاز هذا لجاز : "لا أضرب القوم إلَّا زيداً"
على معنى وأضرب غيرهم إلا زيداً ، وهذا ضد البيان ، ونقض الكلام ، وليس هذا الرد
بشيء ، لأن قوله : (لا يخاف لدي المرسلون) يدل على
خوف غيرهم ، وقوله : (إلا من ظلم) يدل على أن المعنى : إنما يخاف
الظالمون إلا من ظلم ثم بدل حسناً بعد سوء )فإني غفور رحيم) ، أي
فإني أغفر له فلا يخاف.
ففي الكلام ما يدل على ما صار إليه الفراء ، وليس في المثال الذي ضربوه له دليل ،
فعلى هذا يكون الاستثناء متصلًا ، ويكون الوقف على (المرسلون) كافياً ، و (إلا)
متعلق بمحذوف ، ويجوز الابتداء ب (إلا) ، كان المحذوف قد ابتدئ به معها كما يبتدأ
بقوله تعالى : (قادرين) في القيامة والتقدير : بجمعها
قادرين.
قال الفراء : وقد قال بعض النحوير : إن (إلا) في اللغة بمنزلة
الواو ، وإنما معنى هذه الآية : لا يخاف لدي المرسلون ولا من ظلم ثم
بدل حسناً ، قال : وجعلوا مثله قول الله تبارك ، وتعالى : (لِئَلَّا يَكُونَ
لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ)
قال : ولم أجد العربية تحتمل ما قالوا ؛ لأني لا أجيز :
"قام الناس إلا عبد الله "
(1/681)
وهو قائم ، إنما الاستثناء أن
يخرج الاسم الذي بعد (إلا) من معنى
الأسماء قبل (إلا) ، وقد أراه جائزاً أن يقول لي : "عليك ألف سوى
ألف آخر" ، فإن وضعت (إلا) في هذا الموضع صلحت ، وكان (إلا) في
تأويل ما قالوا ، فأما مجردة قد استثني قليلها من كثيرها فلا ولكن مثله
مما لا يكون معنى إلا كمعنى الواو ، وليست بها.
قوله عز وجل : (خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا
مَا شَاءَ رَبُّكَ) هو في المعنى : إلَّا الذي شاء ربك من الزيادة فلا تجعل (إلا)
بمنزلة الواو ، ولكن بمنزلة سوى ، فإذا كانت (سوى) في موضع (إلا) صلحت بمعنى الواو
، ولأنك تقول : عندي مال كثير سوى هذا أي وهذا عندي ، كأنك قلت : عندي مال كثير
وهذا ، وهو في (سوى) أبعد منه في (إلا) لأنك قد تقول : عندي سوى هذا ، ولا تقول
(إلا) هذا ، والقول الراجح أنه متصل والمعنى : لا يخاف لدي المرسلون إلا من ظلم أي
إلا الذي ظلم ، وخاف ، ثم بدل حسناً يعني إلا من هذه صفته ، فإنه قد خاف لدي ،
ويتصل قوله (فإني غفور
رحيم) بقوله : عز وجل : (لا يخاف لدي المرسلون) أي إلَّا من عمل
بغير إذن ، ويؤيّد ذلك قول ابن جريج : لا يخاف الأنبياء إلَّا بذنب يغشاه
أحدهم فإن أصابه أخافه الله.
وقول الحسن : كانت الأنبياء تذنب ، فتعاقب ، وإنما أخيف لقتله النفس ، لأنه لو
اقتصر على قوله : (لا يخاف لدى المرسلون) لقال قائل : فقد خاف موسى عليه السلام
حين قال (رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي).
فقال عز وجل : (إِلَّا مَنْ ظَلَمَ) أي إلا من فعل مثل ما فعلت ، ثم بدل حسناً ،
فإنه قد خاف لدي ، وقد كان يكفي قوله : (إِلَّا مَنْ ظَلَمَ) ، وإنما قال
(ثم بدل حسناً بعد سوء) لطفاً
(1/682)
بموسى عليه السلام ليطمئن
بغفران ذلك الذنب بالتوبة.
وأما قوله عزَّ وجلَّ (لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ (22) إِلَّا مَنْ تَوَلَّى
وَكَفَرَ (23).
فقد قيل : إنّه متصل أي : فذكر قومك. إلا من تولى عنك ، وأعرض عن
الإيمان وكفر ، فـ "من" على هذا في موضع نصب ، و (لَسْتَ عَلَيْهِمْ
بِمُصَيْطِرٍ) اعتراض.
وقيل : إنه منقطع أي لست عليهم بمصيطر أي لست بقاهر لهم لكن من تولى وكفر فالله
مصيطر عليه ، وقاهر له ، فيعذبه
العذاب الأكبر عذاب جهنم.
وقوله عزّ وجل : (ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أسْفَلَ سَافِلِينَ إلَّا الَّذِينَ آمَنُوا)
فقد قيل : هو متصل ، و"أسفل سافلين " : إما أن يراد به في تغيير الخلقة
بالنار أي أن أهل النار في قبح السورة أسفل كل من سفل في ذلك
(إلَّا الَّذِينَ آمَنُوا) فإنهم لم يردوا إلى ذلك ، أو أسفل من كل سافل في
المنزلة ، وأهل النار كذلك.
وقيل : هو منقطع ، ومعنى "أسفل سافلين " : أرذل العمر لكن الذين
آمنوا وعملوا الصالحات فلهم أجر غير ممنون يعني الجنة.
ولا يوقف على المُعَلل دون العلّة كقوله عزّ وجلّ : (فَوَلّوْا
وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ) وكقوله : (وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ
الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (126) لِيَقْطَعَ).
وكقوله : (وأنْزَلْنَا إلَيْكَ الذكْرَ) ؛ لأن (لِتُبَينَ للناسِ) علّة الإنزال ،
وكذلك
(1/683)
(وابنِ السبِيلِ كَيْلاَ
يَكُونَ دُوْلَة).
ولا يوقف دون لام الجحد كقوله عز وجل : (ومَا كَانَ اللهُ لِيَضِيْعَ
إيْمَانَكُمْ)
والوقف على أربعة أقسام :
تام : وهو الذي انفصل مما بعده لفظاً ومعنى.
وكافٍ : وهو الذي انفصل مما بعده في اللفظ ، وله به تعلق في
المعنى بوجه.
وحسن : وهو الذي لا يحتاج إلى ما بعده ؛ لأنه مفهوم دونه
ويحتاج ما بعده إليه لجرَيَانه في اللفظ عليه.
وقبيح : وهو الذي لا يفهم منه كلام ، أو يفهم منه غير المراد
وقال قوم : الوقف قسمان : تام وقبيح ، فعند هؤلاء الوقف في الأقسام
الثلاثة تام.
وقال آخرون : الوقف ثلاثة : تام وكاف وقبيح ، فجعلوا الحسن من
جملة القبيح ، والاختيار تفصيل هذه الأوقاف ، وتقسيمها إلى أربعة
كما سبق.
فأمَّا القسم الأول وهو التام ، ويسمى أيضاً المختار فكقوله
(1/684)
عز وجل : (مَالِكِ يَوْمِ
الديْنِ) وقوله (وَلَا الضاليْنَ)
وقوله : (أولَئِكَ عَلَى هُدَىً مِن ربهم وأولئك هم المفلحون)
وشبه ذلك بما لا تعلق لما بعده به لفظاً ، ولا معنى.
وأما الكافي ، ويسمى الصالح ، والمفهوم ، والجائز فهو الذي
يحسن الوقف عليه لإفادة الكلام ، ويحسن الابتداء بما بعده ، وإن كان
متعلقاً بالأول بوجه من المعنى كقوله عز وجل : (وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا
أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ).
فهذا كلام كافٍ مفهوم.
والذي بعده أيضاً كلام مستقل مستغن عما قبله في اللفظ ، وإن اتصل به
في المعنى ، وهو قوله عز وجل : (وبِالآخِرَةِ هُمْ يُوْقِنُونَ).
وأما الحسن فهو الذي يحسن الوقف عليه ؛ لأنه كلام مفيد حسن.
ولا يحسن الابتداء بما بعده لتعلقه به لفظاً ومعنى كقوله عز وجل :
(الحَمْدُ لِلَّهِ) فهذا كلام حسن مفيد ، وقوله بعد ذلك (رَبِّ العَالَمِينَ)
غير مستغن عن الأول إلَّا أن الحسن إذا كان رأس آية
نحو : (رَبِّ العَالَمِينَ) فإنهم أجازوا الابتداء بما بعده ، وإن تعلق بما
قبله في اللفظ والمعنى لحديث أم سلمة : ثم يقول (الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ)
ثم يقف ثم يقول - (مَالِكِ يَوْمِ الدينِ).
وحكى اليزيدي عن أبي عمرو أنه كان يسكت على رؤوس الآي
ويقول : إنه أحب إليَّ.
وقد يحتمل الموضع الواحد أن يكون تاماً ، وأن يكون كافياً ، وأن
(1/685)
يكون حسنًاً كقوله عز وجل :
(فِيْهِ هُدَىً لِلْمُتقِينَ)
يجوز أن يكون تاماً إذا كان (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْب) مبتدأ ، والخبر
(أولَئِكَ عَلَى هُدَىً مِنْ رَبِّهِمْ) ، ويجوز أن يكون كافياً إذا جعلت
(الذين يؤمنون بالغيب) مرفوعاً على معنى هم الذين ، أو منصوباً على
معنى أعني الذين ، وأن يكون حسناً إذا كان في موضع خفض نعتاً
للمتقين.
والقبيح : هو الذي لا يجوز تعمد الوقف عليه إما لنقص
المعنى ، وإمّا لتغييره.
فنقص المعنى كقولك : (بسم) فإن هذا لا يفيد
معنى ، والتغيير كقولك : (فَوَيْل لِلْمُصَليْنَ) ، وكقولك :
(إن اللهَ لاَ يَهْدِي) ، و (إن اللهَ لاَ يَسْتَحيي) ، و (إن اللهَ لاَ يَأمُرُ).
وكقولك (وإنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النصْفُ وَلأبَوَيْهِ) ، و (إنَّما
يَسْتَجيبُ الذِينَ يَسْمَعُوْنَ والمَوْتَى) ، وكقوله : "ومَا مِن إلَهٍ).
وَ (لاَ إلَهَ) وَ (أصْحَابُ النارِ الَّذِينَ يَحْمِلُونَ).
وهذا كثير يجب أن يحذر ، ويحترز منه ، وكذلك عند انقطاع النفس على ما لا يوقف
(1/686)
عليه إذا احتجت أن تصله بما
قبله فاحترز في الرجوع إلى ما قبله أن
تكون مبتدئاً بما لا يحسن مثل أن ينقطع النفس على قولك : (عزيرٌ
ابن) ، فتقول في وصله بما قبله : (عزيرٌ ابن الله . . . )
ومثل أن يحتاج القارئ إلى الرجوع إلى ما تقدم لوصل الكلام
فيقول : (إن الله فَقِيرٌ) ، (إن اللهَ هُوَ المَسِيحُ) جل الله عز وجل.
فهذا مثال يقاس عليه.
وقال أبو عمرو الداني في تمثيل الوقف الكافي : وذلك نحو الوقف
على قوله : (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ) والابتداء بما بعد
ذلك في الآية كلها.
قال : وكذلك الوقف على قوله : (أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ)
والابتداء بما بعد ذلك إلى قوله : (أو أشتاتاً).
قال : وكذلك الوقف على قوله (اليَوْمَ أحِل لَكمُ الطييَاتُ)
والابتداء بما بعد ذلك.
وهذا ليس بالوقف الكافي ؛ لأن هذه المواقف يتعلق ما بعدها بما
قبلها في اللفظ ، والمعنى ، وإنما هي من الأوقاف الحسان.
وأما قوله عز وجل : (أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا (6).
(1/687)
فإنه رأس آية كقوله عز وجل :
(الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2)
وقد تقدم القول فيه.
وأما قوله : (وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا (7).
فهو وقف كافٍ ؛ لأنَ ما بعده لا يتعلق به في اللفظ وكذلك رؤوس الآي إلى قوله عز
وجل : (وَجَنَّاتٍ أَلْفَافًا (16).
وهو وقف تام ؛ لأن قوله عز وجل : (إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ) لا يتعلق به لفظاً ،
ولا معنى.
وأما قوله عز وجل : (وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا)
(وَالطُّورِ (1) وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ (2).
(والنجم إذا هوى)
(وَالْمُرْسَلَاتِ عُرْفًا) ، (وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا)
(وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ (1)
(والشمسِ وَضحَاهَا) ، (والليلِ إذَا يَغشَى)
(والضحى) ونحو ذلك ، فإنْ هذه الأقسام لا يوقف عليها عندهم قبل جوابها.
وقد أجازوا الوقف على نحو (إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ)
قيل الجواب على الآية التي بعدها الجواب نحو (وإذَا الجَنة أزْلِفَت)
وعللوا ذلك بطول القصة ، ويلزمهم ذلك في نحو
(والشمسِ وَضحَاهَا) وكونها رؤوس أي أن يجوز ذلك ..
(1/688)
وأجاز بعضهم في (إِذَا
الشَّمْسُ كُوِّرَتْ) ونحوها أن يقف على
كل آيتين لطول القصة.
وكان شيخنا أبو القاسم ، رحمه الله ، يقف فيها علي قوله (بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ)
لا غير ، ثم على (عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا أَحْضَرَتْ).
وعن عمر ، رضي الله عنه ، أنه قرأ (إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ)
فلما بلغ إلى قوله عز وجل : (عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا أَحْضَرَتْ)
قال : لهذا جرى الحديث.
وقرأها قارئ عند ابن مسعود فلما بلغ إليها قال ابن مسعود :
وا انقطاع ظهرياه . وهي اثنتا عشرة آية ست في الدنيا وست في
الآخرة.
وقال بعضهم : إذا لم يقدر على التمام ووقف عند رؤوس الآي
جاز ، ولا يكلف الإنسان ما ليس في وسعه.
والوقف على قوله عز وجل : (وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ) في
سورة الفتح كاف ، والهاء للنبي - صلى الله عليه وسلم - ، ويبتدئ (وَتسَبًحُوهُ) ،
! والهاء لله عَز وجل.
وقوله عزَّ وجلَّ ٍ : (إِنَّ الْإِنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ (6).
وقف كاف ، و (وَإِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيدٌ (7).
(1/689)
كافٍ أيضاً ، والهاء لِله عز
وجل ، وقيل : للإنسان أي انه لشهيد على
عصيانه وبخله مقر بذلك.
وقوله عز وجل : (لَشَدِيْد) ، كافٍ.
وقال قوم : منهم : أبو عمرو عثمان : هو تام.
وكذلك قالوا في قوله عز وجل : (وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ (10).
إنه تام ، وهو كافٍ أيضاً ، لأن التعلق في المعنى موجود في
الموضعين.
وفي آية الكرسي عشرة أوقاف :
(اللهُ لاَ إلَهَ إلَّا هُوَ) كاف على أن قوله عز وجل : (الحَي القَيومُ) خبر
مبتدأ محذوف. (لا نَأخُذُهُ سِنَة ولَا نَوْم) كاف.
(ومَا فِي الأرْضِ) كافٍ . (إلَّا بإذْنِهِ) كافٍ.
(ومَا خَلْفَهُم) كافٍ.
(إلا بِمَا شَاءَ) كافٍ . (السمَاواتِ والأرضَ) كافٍ ، (حِفظُهُمَا) كافٍ.
(العظيمُ) تام.
وفي قوله عز وجل : (ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً
نُعَاسًا)
في آل عمران عشرة أيضاً : (طائفة مِنْكُمْ) حسن.
ً(أنفُسُهُم) حسن. (الجاهليةِ) كافٍ.
(مِنْ شيءٍ) كافٍ . (كله لِلهِ) كافٍ ، (يُبدُونَ لَكَ) كافٍ ، (ها هُنَا) كافٍ ،
(مَضَاجِعِهِمْ) حسن ، (في قُلُوبِكُمْ) كافٍ شبه تام (وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ
الصُّدُورِ) تام.
وفي الشورى آية فيها أيضاً عشرة أوقاف قوله عز وجل :
(1/690)
(فَلِذَلِكَ فَادْعُ) هذا وقف
كافٍ
(وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ) مثله ، (وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ) مثله ،
(وَقُلْ آمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ) مثله (وَأُمِرْتُ
لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ) مثله ، (رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ) مثله.
(وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ) مثله ، (بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ) مثله ، (يَجْمَعُ
بَيْنَنَا) مثله ، (وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ) تام.
وفي سورة الامتحان أيضاً آية فيها من الأوقاف هذه العدة (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ)
كاف ، (اللهُ أعْلَمُ بإيْمَانِهِن) مثله ، (فَلاَ تَرْجعُوهُن الَى الكُفارِ)
مثله.
(حلٌّ لَهُمْ) مثله ، (يحِلْونَ لهن) مثله ، (مَا انفَقُوا) مثله.
ً(أجُورَهُن) مثله ، (وَلاَ تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الكَوَافر) مثله ، و (اسألوا ما
أنفقتم) مثله (وليسألوا ما أنفقوا) مثله ، (يحكمُ بَيْنَكُمْ) مثله.
(عليمٌ حَكِيمٌ) تام.
فهذه مواضع من الوقف والابتداء مبينة على الأصول التي أسلفتها
في معرفة التام ، والكافي ، والحسن.
والاعتماد إنما هو على معرفتها ، وترك الاغترار بما ذكره المصنفون
في هذا الباب في الفرش ، فإنهم يغلطون كثيراً ، ويقولون : حسن ، وهو
كاف ، وكاف ، وهو حسن ، ونحو ذلك مما تشهد به تصانيفهم ، وقد
يختلف الوقف باختلاف التأويل : من ذلك قوله عز وجل : (لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى
لِلْمُتَّقِينَ) إن كان (فيه هدىً) مبتدأ وخبراً وقفت على (لا ريب) وهذا الوقف
يروى عن نافع وعاصم وهو كقوله عزَّ وجلَّ (لَا ضَيْرَ)
(1/691)
ويكون التقدير لا ريب فيه ،
ثم استأنف فقال : (فيه هدى)
ويقف على (لا ريب فيه) ، يجعل الجار والمجرور متعلقاً ب (لا ريب
فيه) ، ويبتدئ : (هدى للمتقين) على معنى : هو هدى.
فعلى الأول الوقف تام على قول أصحاب الوقف ، وعلى
المعنى الثاني الوقف كاف.
وقوله عزَّ وجلَّ : (للمُتقِينَ) وقف كافٍ على أن (الذين) بعده
مرفوع بإضمار مبتدأ ، أو منصوب بإضمار أعني ، وهو وقف حسن ، على
أن (الذين) بعده في موضع جر صفة (للمتقين) وهو في القرآن كثيرٌ.
ومنه قوله عزَّ وجلَّ : (الخَنَّاس) في قوله : (الَّذِي يُوَسْوِسُ)
جميع هذه الوجوه.
وزعم ابن الأنباريّ ، والسجستاني ، والأخفش ، وابن عبد الرزاق
وغيرهم أنه لا وقف إلّا آخر السورة وقال أبو عمرو الداني رحمه الله :
(الخَنَّاس) كافٍ : هو الصواب ، قال : إلا أن يجعل (الذي) في موضع
خفض نعتاً لما قبله.
وكذلك فواتح السور كلّها تام ، على أنَّ الفاتحة اسم للسورة
(1/692)
أي : اقرأ (الم) و (الر) ، و
(المر) وعلى تقدير أن
الفاتحة مبتدأ ، وما بعدها الخبر لا يوقف عليها.
وفي ذلك قوله عز وجل : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي
وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ) ، هو وقف كافٍ على أن (تُلْقُونَ)
مستأنف ، وهو وقف حسن على أن (تُلْقُونَ) في موضع نصب على
الحال ، وإلى الأول ذهب جماعة منهم محمد بن عيسى ونصير.
وقد يكون الوقف لبيان المعنى كقوله عز وجل : (يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ
وَإِيَّاكُمْ) فهذا وقف حسن إلَّا أنه يبتدأ بما بعده لبيان المعنى لثلا يتوهم أن
(إِيَّاكُمْ) بمعنى التحذير.
ومن هذا ما هو واجب كقوله عز وجل (وَلَا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ)
لا يجوز وصله لئلا يتوهم فيه أنهم قالوا : (إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا)
وأن ذلك مما يحزنه ، ومثله (فَلَا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّا نَعْلَمُ مَا
يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ) لأن القارئ يجوز له أن يتجاوز الوقف إلى الوقف الذي
بعده إن قوي نفسه على ذلك إلَّا في مثل هذا لما ذكرته.
على أن الاختيار عند القراء الوقف على ما هو وقف لما في
ذلك من معرفة انفصال الكلام بعضه من بعض ومن تبيين المعنى .
(1/693)
وقالوا : من تجاوز الوقف وقف
في غير الوقف أي أنه ينقطع نفسه
في غير الوقف ، وقد يكون الموضع وقفاً على معنى وغيروقف على
معني آخر كقوله تعالى : (وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ
عِنْدَهُ)
إن كان (ومَنْ عِنْدَهُ) معطوفاً على ما قبله لم يكن الوقف تاماً.
ولم يجز الابتداء بما بعده ، وهو وقف تام على أن (وَمَنْ عِنْدَهُ)
مبتدأ ، وعلى هذا الوجه كان الشيخ أبو الجود ، رحمه الله ، يعمل ، ولا
أشك في أنه نقله ، وتلقاه في حال قراءته.
وكذلك الوقف على (لَاتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا)
على أن (إِنْ كُنَّا فَاعِلِينَ) بمعنى "ما كنا فاعلين " وليس كذلك على
أن (إِنْ)
شرط ، وقد يكون الوقف على قراءة تاماً ، وعلى أخرى غير تام كقوله
عز وجل : (الحميدِ اللهِ الَّذِي لَهُ ما فِي السماواتِ).
وهو وقف تام على قراءة نافع ، وابن عامر ، وقراءتهما برفع اسم الله
عز وجل ، وقرأ الباقون بالخفض ، فلا يجوز الابتداء به على قراءتهم.
ولهذا نظائر كثيرة.
ومن الاختلاف في الوقف لاختلاف المعنى قوله عز وجل : (وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ
إِلَّا اللَّهُ) ، وهو وقف تام على أن ما بعده مبتدأ وخبر ، وإلى هذا الوقف ذهب
نافع ، والكسائي ، والفراء ، والأخفش ، وابن كيسان ، وأبو حاتم ويعقوب ، وابن
إسحاق ، والطبري ، وإلى معناه ذهب مالك بن أنس ، رحمه الله ، ومعنى (يَقُولُونَ
آمَنَّا بِهِ)
(1/694)
يسلْمون ويصدقون في قول ابن
عباس ، رحمه الله ، وعائشة.
رضي الله عنها ، وابن مسعود رضي الله عنهم.
قال عروة بن الزبير : (الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ) لا يعلمون تأويله.
ولكن يقولون : (آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا) وعلى هذا أكثر
المفسرين.
واختلف الذاهبون إلى هذا في المتشابه ما هو ؟
فقال ابن عباس : وابتغاء تأويله : هو طلب الأجل في مدة محمد - صلى الله عليه وسلم
- وأمته من قبل الحروف التي في أوائل السور ، وذلك أنهم حسبوها على حروف الجُمَّل
بالعدد فقالوا : هذه مدة محمد - صلى الله عليه وسلم - وأمته ، والمتشابه على هذه
حروف الفواتح ، (وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ) أي وما يعلم متى تقوم
الساعة ، وتنقضي مدة هذه الملة إلا الله تعالى على هذا.
وهو ، عند أكثر هؤلاء ، قيام الساعة ، وهو من المآل .
(1/695)
وقال آخرون : لا يوقف على
قوله (إِلَّا اللَّهُ) ؛ لأنّ قوله
(والراسِخُونَ في العِلْمِ) معطوف عليه ، وعلى قول هؤلاء :
المتشابه : ما احتمل التأويل ، فيتأوّله أصحاب الزيغ على أهوائهم.
كالخوارج ، والرافضة.
قال قتادة : إن لم يكونوا الحرورية فما أدري من هم ؟.
وعن عائشة ، رضي الله عنها ، أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - قال :
"إذا رأيتم الذين يجادلون فيه فهم الذين عنوا بقوله : (فَيَتبِعُونَ مَما
تَشَابَهَ مِنْهُ)".
وقال السّدّيّ ، والربيع : (ابتِغَاءَ الفِتْنَةِ) أي الشرك.
وقال مجاهد : ابتغاء الشبهات ، فالراسخون في العلم يعلمون تأويل ذلك ، فإن كان
المتشابه ما قال الأوْلون فالفريق الآخر لا ينكرون أنّ ذلك لا يعلمه إلَّا الله ،
وإن كان المتشابه ما قال الآخرون فالفريق الآخر لا ينكرون أن الراسخون في العلم
يعلمونه ، لا يجهلونه على غير ما أراد الله به اتباعاً للهوى ، وسأذكر هذه الآية
إن شاء الله بأبسط من هذا في روض القرآن.
* * *
القول في (بلى)
هي جواب للنفي وردٌّ له ، والوقف عليها إذا لم يتصل بقسم
(1/696)
جائز ، إما تام وإما كاف ،
واتصالها بالقسم في أربعة مواضع :
(قَالُوا بلى وَرَبِّنَا) في الأنعام ، والأحقاف و (قُلْ بَلى وَربِّيْ) في سبأ ،
والتغابن.
فالوقف في هذه المواضع علن القسم عند أصحاب الوقف ، ويوقف عليها
فيما سوى ذلك ، وهي ثمانية عشر موضعاً ، وقال أبو محمد الحسن بن على بن سعيد
المعروف بالعماني في قوله عز وجل : (بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً).
ونحوه يبتدأ ب (بلى) وهو جواب لقولهم (لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا
مَعْدُودَةً) ، فقيل لهم : بلى تدخلونها وتخلدون فيها وقال في قوله عز وجلَ :
(لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى تِلْكَ
أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (111) بَلَى)
. . .
لم يجز أحد منهم الوقف على (بَلَى) ؛ لأن ما بعده في جملة الجواب ، ومعنى
الكلام : أن اليهود قالت : لن يدخل الجنة إلا من كان يهودياً ، فقيل
لهم : بلى يدخلها من أسلم وجهه لله ، فقوله تعالى : (بَلَى) جواب
للجحد ، وما بعده كلام أوجبه (بَلَى) ثم قال فما بعد (بَلَى) في الآيتين
هو كلام أوجبه (بَلَى) قال : وهذا مثل قول القائل : لن يكون هذا الأمر.
فيقال له : بلى يكون فبلى هو الجواب ، وقوله يكون إنما هو إعادة لما
نفاه القائل ، أعيد على وجه الايجاب ، فلا يفصل بينه وبين (بَلَى).
قال : والوقف على (بَلَى) في الآيتين غلط ، ومن أجازه فقد أخطأ ؛ لأنَّ
(بَلَى) وان كان جواباً للجحد الذي قبله ، فهو إيجاب لما بعده ، فلا
يفصل بينه وبين الشيء الذي يوجبه كحرف التوكيد.
ألا ترى أنك إذا قلت : إن زيداً قائم ، فقد وكَّدت الأخبار بالقيام بحرف التوكيد ،
وهو
(1/697)
(إن) ، ثم لا يجوز أن يفصل
بين (إن) وبين الذي بعده من الخبر.
فكذلك الحرف الذي يؤدي معنى الإيجاب يجب أن يكون موصولًا
بالكلام الذي يوجبه ؛ لأن الفصل بينهما ينقض معنى الإيجاب.
ألا ترى أن الفصل بين حرف النفي ، وبين المنفي ينقض معنى
النفي ، ولا يجوز الفصل بينهما ، فكذلك الفصل بين حرف الإيجاب.
وبين الموجب لا يجوز بحال ، والذي قاله غلط بل يجوز أن يكون
الموصول بعد بلى مبتدأ ، فيكون الوقف على (بَلَى) تاماً ، ويجوز أن
يكون مرفوعاً بفعل مقدر ، والتقدير : يدخلها من كسب سيئة ، ويدخلها
من أسلم ، فيكون الوقف على (بَلَى) كافياً ؛ لأنه إنما يتعلق بما قبله
في المعني دون اللفظ ، وقد هدم جميع ما قاله هنا بما ذكره في سورة
القيامة ، فإنه حكى عن أبي حاتم أنه قال : الوقف على (بَلَى) تام عندي
يقول (بَلَى) نجمعها قادرين ، ونصب قادرين على الحال.
ثم قال العمانى هذا كلام أبي حاتم ، ورأيه ، ثم قال : والوقف
على (بَلَى) جيد كما قال : ولكنه لا يمنع جواز الوقف على (عِظَامَهُ).
ويبتدئ (بلى قادرين) ، على أنه إثبات لقدرته على ما
استبعدوه من البعث والنشور ، كأنه قال : (بَلَى) نقدر على تسوية خلقه
في الدنيا ، وبعثه ، ونشره في الآخرة ، ثم قال : والوقف على (بَلَى)
ها هنا أحسن ، كما قال أبو حاتم ، فأين هذا من كلامه في البقرة ؟
وأظنُّه نسي ما قال هنالك.
(1/698)
وأما ما صحبه القسم من لفظ
(بَلَى) فهو قسمان أما الذي في
الأنعام والأحقاف فالوقف فيه على قوله عز وجل : (بَلَى وَرَبِّنَا).
وأما الذي في سبأ والتغابن ، فالوقف فيهما على (بَلَى) غير ممتنع ، فيما
أعتقد ؛ لأن ما بعده كلام يجوز أن يبتدأ به ، فيقال : (ورَبِّي
لَتبْعثنَّ) ، فيكون (بَلَى) ردًّا لنفيهم البعث ، ثم أقسم على البعث.
فهو وقف كاف ؛ لأنه إنما يتعلق بما قبله في المعنى دون اللفظ.
* * *
القول في إذا
لا يوقف دون جوابها إلَّا إذا طال المدى دونه كما سبق ، وقد يكون
الجواب محذوفاً كقوله عز وجل : (وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّقُوا مَا بَيْنَ
أَيْدِيكُمْ وَمَا خَلْفَكُمْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (45).
فهو وقف كاف ، وكأنه قال : أعرضوا ، فالجواب محذوف ، وما بعده كلام آخر.
وقال السجستاني : لا وقف حتى يبلغ (مُعْرِضِينَ) أي أن قوله عز وجل : (وَمَا
تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ)
إلى آخر الآية دليل على الجواب المحذوف ، فكأنه الجواب.
ويحتمل قوله : ليس في الآية وقف ، أي وقف تام.
ومثل هذا الحذف قوله عز وجل : (فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ
يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ)
الوقف ها هنا كافٍ ، وجواب لمَّا محذوف ، والتقدير : أتوا أمراً عظيماً .
(1/699)
ونحو ذلك قوله تعالى (كُتِبَ
عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ)
زعم الأخفش أن التقدير : كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيراً فالوصية ،
فالفاء المحذوفة جواب الشرط.
قال مكي : فعلى هذا يقف على (خيراً) ويبتدئ بها ؛ لأنها مرفوعة بالابتداء. وهذا
غلط ؛ لأن جواب الشرط لا يبتدأ به ، ولا يجوز أن نقول :
"إن قام زيد فعمرو قائم" ، فيقف على "إن قام زيد"
وهذا كلام غير مفهوم ، وما بعده غير مستغن عنه في لفظ ، ولا
معنى.
وقال قوم : ، (الوصية) مبتدأ ، و (للوالدين) الخبر ، ويقدر الشرط متأخراً
أي الوصية للوالدين والأقربين إن ترك خيراً ، قالوا : لأن الشرط إذا كان
فعلًا ماضياً جاز تقديم الجواب عليه ، فيحسن رفع (الوصية) بالابتداء.
فعلى هذا يقف على (خيراً) ، وهذا من دقائق عكس الحقائق ، والتفنن
فيه ، إنما الحقيقة أن الشرط إذا وقع متأخراً كان في التقدير مقدماً لا أنه
إذا جاء مقدماً على ما هو له قدر متأخراً ، وإذا كان لا يصلح أن يكون
جواباً مع التأخير فكيف يكون جواباً إذا قدم ؟.
وإنما الوصية مفعول أقيم مقام الفاعل مرفوع بـ "كتبَ " ، ولا يجوز الوقف
على (خيراً) . وهل يجيز أحد : "إن قام زيد عمرو منطلق"
على تقدير "عمرو منطلق إن قام زيد" ؟
وهذا شيء ذكره النحاس ، واتبعه عليه مكي ، وأي ضرورة ألجأت
إلى هذا التقدير ولنا عنه مندوحة بما ذكرناه.
وقوله عز وجل : (إِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَلَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا
يَسْتَقْدِمُونَ (49). في يونس.
وفي الأعراف والنحل (فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا
يَسْتَقْدِمُونَ).
(1/700)
الوقف فيها كلّها على (لَا
يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً).
ويبتدئ (وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ) أي ولا هم يستقدمون ؛ لأنه لا يجوز أن يقال :
إذا جاء الأجل لا يتقدم عليه ، فاعلم هذا.
فما رأيت أحداً ذكره ، ولا نبَّه عليه.
وقوله تعالى : (حَتَّى إذَا جَاءوهَا) - إلى قَوله - خَالِدِينَ) الزمر.
شرط ، والجواب محذوف ، والوقف عليه كافٍ ، وتقديره : رأوا
من الكرامة ما لا تحيط به الصفة ، وقيل : حتى إذا جاءوها سُعِدُوا.
فعلى هذا يبتدأ بقوله : (وقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا).
* * *
القول في أم
وهي تكون للمعادلة ، وهي في المعادلة على وجهين :
أحدهما : أن تكون معادلة لهمزة الاستفهام ، والثاني أن تكون
معادلة لهمزة التسوبة.
فمثال الأول : أخرج زيد أم عمرواً ومعناه : أيهما خرج ؟
ومعنى المعادلة أن أحد الاسمين المسؤول عنهما جعل معه الألف ، وجعل مع
الآخر أم.
وكذلك إذا كان السؤال عن الفعل كقولك أصرفت زيداً أم حبسته ؟
جعلت الهمزة مع أحد الفعلين المسؤول - عنهما ، وأم مع
الآخر.
ومثال الثاني : سواء علينا أقام زيد أم عمرواً وسواء علينا أزيد في
الدار أم عمرو ؟
(1/701)
ومن هذا الضرب ما أدري : أزيد
في الدار أم عمرو ؟.
والتسوية لفظها لفظ الاستفهام ، وهو خبر ، كما جاء الاختصاص
بلفظ النداء ، وليس بنداء.
ومعنى التسوية أنك تخبر باستواء الأمرين عندك ، كأنك قلت : سواء عليَّ أيهما قام ،
واستوى عندي عدم العلم بأيهما في الدار ، قال الله عز وجل : (سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ
أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ) ، و (سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا
أَمْ صَبَرْنَا).
و (سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ)
المنافقون.
وهي في قسمي المعادلة عاطفة.
وتكون أم منقطعة بمعنى بل ، وإنما سميت منقطعة لانقطاع ما
بعدها مما قبلها ؛ لأنه قائم بنفسه ، سواء كان ما قبلها استفهاماً أم خبراً.
وليست في هذا الوجه بمعنى الوجه الأول ، لأنها في الوجه الأول بمعنى
أيَ ، وهي في هذا الوجه بمعى بل ، قال الأخطل :
كذبتْك عينُك أم رَأيتَ بواسطٍ . . . غلسَ الطلامِ من الرَّبابِ خَيَالا
قال أبو عبيدة : لم يستفهم إنما أوجب أنَه رأى ، فإذا كانت منقطعة
جاز الوقف قبلها ، والابتداء بها.
فقوله عز وجل :
(1/702)
(وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا
النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدًا
فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا
تَعْلَمُونَ (80).
يجوز الابتداء بأم على أنها منقطعة.
وعلى أنها معادلة لا يجوز الابتداء بها ، وتقدير المعادلة أي
الأمرين واقع اتخاذ العهد عند الله أم الكذب عليه ؟.
وبمعنى الاستفهام التقريري ؛ لأن الله تعالى قد علم أحد الأمرين ، وهو قولهم عليه
ما لا يعلمون.
وقوله عزَّ وجلَّ : (أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْأَلُوا رَسُولَكُمْ)
الظاهر أنه منقطع يجوز الابتداء به ، وقال أبو محمد مكى : هذا
بعيد ؛ لأن المنقطع لا يكون في أكثر كلام العرب إلَّا على حدوث
شك دخل المتكلم ، وذلك لا يليق بالقرآن.
والذي قاله ليس بشيء إنما المنقطعة ترك كلام لكلام آخر ، وهي بمعنى بل ، ولا يلزم
أن تكون بعد شك ، ولا بد كما قال عز وحل :
(بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا بَلْ هُمْ
مِنْهَا عَمُونَ (66).
ولم يكن هذا كقولك جاءني زيد بل عمرو ، على وجه الغلط.
وقوله عزَّ وجلَّ : (وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ قُلْ سَمُّوهُمْ أَمْ
تُنَبِّئُونَهُ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي الْأَرْضِ أَمْ بِظَاهِرٍ مِنَ الْقَوْلِ)
يجوز الابتداء بأم ؛ لأنها المنقطعة ، و (قُلْ سَمُّوهُمْ) وقف كاف.
وقال أحمد بن موسى : وهو تام ، والوقف على (الْأَرْضِ) حسن ،
(1/703)
ولا يجوز الابتداء بما بعده ؛
لأنه متعلق بما قبله في اللفظ والمعنى.
وقوله عز وجل : (أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ
عَلَيْهِ وَكِيلًا (43).
وقف كاف ، وأم بعده منقطعة يجوز الابتداء بها.
وقوله عز وجل : (تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ (51).
قيل : المعنى : أفلا تبصرون أم أنتم بصراء ، وإلى ذلك ذهب
الخليل وسيبويه ، فعلى هذا يوقف على أم ، ويبتدأ (أنا خيرٌ).
وقيل : هي أم المنقطعة ، والتقدير : (بل أنا خيرٌ) ، فعلى
هذا يبتدأ بأم.
وقال أبو زيد : أم زائدة ، فعلى هذا يوقف على (تُبْصِرُونَ).
وقال الهروي في قوله عز وجل : (تَنْزِيلُ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ
الْعَالَمِينَ (2) أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ).
إن أم بمعنى همزة الاستفهام والتقدير : أيقولون افتراه ، فعلى هذا يبتدأ بأم.
وكذلك قال في قوله عزَّ وجلَّ : (أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْأَلُوا رَسُولَكُمْ)
إن معناه : أتريدون ، وقوله (أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ
يَعْقِلُونَ)
(أم لَهُ البَنَاتُ) (أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ) (أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ
إِبْرَاهِيمَ)
(أم يَقُولُونَ شَاعرٌ) - (أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا
الصَّالِحَاتِ)
(أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَنَاتٍ).
قال : معنىَ "أم " في ذلك كلّه معنى همزة الاستفهام ، لأنها لم يتقدّمها
استفهام ، وكذلك
(1/704)
قالوا في قوله تعالى : (أَمْ
زَاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصَارُ (63).
إنها
بهذا المعنى : أي أزاغت عنهم الأبصار ، وأجاز أن تكون المعادلة
لهمزة الاستفهام في قوله : (أَتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيًّا)
على القراءة بقطع الألف ، وعلىِ القراءة بوصلها أجازوا أن تكون مردودة على قوله
سبحانه : (مَا لَنَا لا نرَى)
وأم في هذه المواضع كلها هي المنقطعة عند البصريين ؛ لأنهم يقولون في
"أم" المنقطعة - : إن فيها معنى "بل " ، والألف ، كأنه قيل :
بل أيقولون افتراه ، وكان الهروي رحمه الله ، في علم العربية متسعا ، وعلى غرائبها
مطلعاً.
وكذلك قوله عز وجل : (أَمْ لَكُمْ كِتَابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ (37).
(أَمْ لَكُمْ أَيْمَانٌ) (أمْ لَهُم شرَكَاءُ)
كل ذلك منقطع يجوز الابتداء به.
* * *
القول في لو ، ولولا.
(لو) نقيضه (إنْ) لأن (إن) توجب الثاني من أجل الأول.
و (لو) تمنع الثاني لامتناع الأول ، ولا يجوز الوقف دون جوابها.
وقد يكون الجواب محذوفاً كقوله عز وجل (وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ
الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى).
فالوقف ها هنا كافٍ ، ويبتدأ بقوله عز وجل : (بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعًا).
وتقدير الجواب : لكان هذا القرآن ، وعلى هذا جماعة من المفسرين
وقد قيل : إن المعنى : وهم يكفرون بالرحمن ، ولو أن قرآناً سيرت به
(1/705)
الجبال أي أنه لو سيرت به
الجبال ، أو قطعت به الأرض أو كُلِّم به
الموتى لما صدهم ذلك عن كفرهم ، وعلى هذا التأويل يكون الوقف
أيضاً على (الموتى).
وقد تكون (لو) بمعنى (ليت) كقوله عز وجل : (لَوْ أنَّ لَنَا كَرَّةً)
ولذلك كان الجواب (فنتبرأ).
كما يكون ذلك في جواب التمني ، ومثله قوله عز وجل :
(فَلَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ)
لأن (لو) و (ليت) يتلاقى معناهما في التقدير.
وأمَّا (لولا) فتكون مفيدة امتناع شيء لوجود شيء
وكقوله عز وجل : (لَوْلَا أنْتُمْ لَكُنا مُؤْمِنِينَ)
ومن ذلك قوله عز وجل : (فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ (143)
لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (144).
فلا يوقف دون جوابها.
وقد يكون الجواب محذوفاً كقوله عزَّ وجلَّ : (وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ
وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ (10).
هذا هو الوقف ، وجواب لولا محذوف ، وتقديره : لفضحكم ، أو لأنزل بكم العقوبة.
فأما قوله عز وجلّ : (فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ
لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ) ، فلولا فيه بمعنى التحضيض مثل فهلَّا.
وكذلك (لَوْلَا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ)
(1/706)
وقوله عز وجل : (لَوْلَا
جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ).
"لولا" فيه توبيخ كما قال جرير :
تَعُدُّون عَقْرَ النِّيْبِ أفضلَ مَجْدِكُم . . . بنى ضَوْطَرِى لولا الكَمِيَّ
المقنَّعا
وليس لها في جميع ذلك جواب ، والوقف في الأولى على قوله عز
وجلّ : (لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ).
وفي الأخرى على قوله سبحانه (وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ).
وعلى (شُهَدَاءَ) في قوله عز وجل (بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ).
وقوله عز وجل : (فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا)
قال الهروي : لولا فيه بمعنى "لم تكن قرية آمنت"
وكذلك قال في قوله عزَّ وجلَّ :
(فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ
عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ) فعلى هذا يكون الاستثناء متصلاً ، فلا يبتدأ ب
"إلا" في الموضعين.
ويجوز أن يكون الاستثناء منقطعاً فيكون
(1/707)
الوقفِ على قوله
(إيْمَانُهَا) وعلى قوله (عَنِ الفَسَادِ في الأرضِ) كافياً
جائزاً.
قال أبو القاسم الزمخشري (إلا قَوْمَ يُوْنُسَ)
استثناء من القرى ؛ لأنّ المراد أهاليها ، وهو استثناء منقطع بمعنى ، ولكن
قوم يونس لَمَّا آمنوا.
قال : ويجوز أن يكون متصلاً ، والجملة في معنى النفي كأنه قيل : ما آمنت قرية من
القرى الهالكة إلا قوم يونس.
وانتصابه على أصل الاستثناء ، والوجه الأول أقوى ؛ لأن الأوجه إذا كان
متصلاً الرفع على البدل.
وقال في قوله عزّ وجل في الآية الثانية : (إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا
مِنْهُمْ)
استثناء منقطع معناه : ولكن قليلاً ممن أنجينا من القرون نهوا عن الفساد ، وسائرهم
تاركون النهي.
قال : و "منْ" في (مِمَنْ أنجينا) حقها أن تكون للبيان لا للتبعيض ؛ لأن
النجاة إنما هي للناجين وحدهم بدليل قوله عزّ وجل : (أنْجَيْنَا الَذِينَ
يَنْهَوْنَ عَنِ السوْءِ وأخَذْنَا الَذِينَ ظَلَمُوا) يعني أنها لو كانت للتبعيض
لكان المعنى إلا
بعضاً ممن أنجينا كانوا ينهون ، فيكون فيمن أنجي من لم ينه ، ثم قال :
فإن قلت : هل لوقوع هذا الاستثناء متصلاً وجه يحمل عليه ؟
قلت : إن جعلته متصلًا على ما عليه ظاهر الكلام كان المعنى فاسداً ؛ لأنه يكون
تحضيضاً لأولي البقية على النهي عن الفساد إِلا للقليل من الناجين منهم
كما تقول : هلا قرأ قومك القرآن إِلا الصلحاء منهم ، يريد استثناء
الصلحاء من المحضضين على قراءة القرآن.
يقول : إِن جعلته متصلاً على ما عليه ظاهر الكلام وهو التحضيض ، ولم يلحظ معنى
النفي صار
(1/708)
المعنى هلا ينهى أولو بقية عن
الفساد إلا القليل ممن أنجينا منهم ، أي
من أولي البقية ، فيكون ذلك القليل المستثنى غير محضوض على النهي
عن الفساد ثم قال : وإن قلت : في تحضيضهم على النهي عن الفساد
معنى نفيه عنهم ، فكأنه قيل : ما كان من القرون أولو بقية إلا قليلا كان
استثناء متصلاً ، ومعنى صحيحاً ، وكان انتصابه على أصل الاستثناء.
وإن كان الأفصح أن يرفع على البدل.
وقال العماني : لا يوقف على الأرض لموضع الابتداء بحرف
الاستثناء ، وقوله هذا غير مبين ؛ لأن الوقف الحسن كفه جائز ، وإن
قبح الابتداء بما بعده ، فقوله : لا يوقف على (الأرض) ، ليس بصحيح.
وقوله : لموضع الابتداء بحرف الاستثناء.
فالاستثناء إذا كان قطعاً ابتدئ فيه بحرف الاستثناء ؛ لأنه بمعنى لكن.
وحكي عن الخليل أن كل (لولا) في القرآن فمعناها "هلَّا" إلا
التي فى الصافات يعني قوله عز وجل : (فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ
الْمُسَبِّحِينَ)
وما هذا بصحيح ، ففي القرآن مواضع مثل
الذي في الصافات كما قدمته ، ومن ذلك (لَوْلَا أَنْ تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ
رَبِّهِ) أن ، و (لَوْلاَ رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ) و (وَلَوْلاَ أنْ ثَبًتْنَاك
لَقَدْ كِدْتَ . . . ).
و (لَوْلاَ فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا والآخِرَةِ).
وقوله عز وجل : (لَوْلاَ كِتَابٌ مِنَ اللهِ سَبَقَ).
(1/709)
القول في لا
اختلف العلماء في قوله عزَّ وجلَّ : (لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ)
ًاً القيامة ، 75 : ا ، و (لَا أُقْسِمُ بِهَذَا البَلَدِ) ونحو ذلك.
فقال البصريون ، والكسائي من الكوفيين :
معناه : أقسم بيوم القيامة
وقال الزجاج : لا خلاف في أن معناه أقسم ، وإنما الخلاف في "لا" فهي
عند البصريين ، وعامة المفسرين والكسائي زائدة.
وقال الفراء : هي رد لكلام تقدم من المشركين ، كأنهم جحدوا البعث ، فقيل لهم :
الأمر كذلك ، ثم أقسم لتبعثن ، فعلى هذا يحسن الوقف على "لا" ، وقال
الفراء : لا تزاد "لا" في أول الكلام ، وكذلك قال الزجاج في (لا جَرَمَ)
، إنها نفي لما ظنوه أنّه ينفعهم ، فكأَنّ المعنى لا ينفعهم ذلك
جرم أنهم في الآخرة ، أي كسب ذلك الفعل لهم الخسران ، وأن عنده
في موضع نصب فعلى قوله هذايوقف على "لا"ويبتدأ ب "جرم " ، ولا
جرم عند سيبويه والخليل بمعنى حق ، وأنّ في موضع رفع عندهما.
وقال الخليل : جيء بلا ليعلم أنّ المخاطِب لم يبتدئ كلامه ، وإنما خاطب غيره ،
فعلى هذا يكون "جرم " عنده هي التي بمعنى حق دون "لا".
وقال الفراء : هي كلمة كانت في الأصل.
والله أعلم ، بمنزلة "لا بد أنك قائم " و "لا محالة أنك قائم"
، فكثرت
حتى صارت بمنزلة حقاً تقول العرب : لا جرم لآتينك ، ولا جرم لقد
(1/710)
أحسنت إليك ، وأصلها من :
جرمت الشيء أي كسبته ، وقال قطرب :
المعنى وجب أنّ لهم النار ، فأنَّ على قوله في موضع رفع.
وقال الكسائي : المعنى : لا صد ولا منع عن أن لهم ، فأنَّ في موضع نصب
عنده بحذف الخافض.
وروى ابن مجاهد عن حمزة أنه كان يمد (لا جرم) كأنه ينبه بذلك
على أنها للنفي ، وأخذ بذلك ابن مجاهد ، وناس من فزارة يقولون :
لا جرم) بغير ميم ، ويقول بنو عامر : "لا ذا جرم " ، حكى ذلك
الفراء.
وقال ابن عباس في قوله عز وجل : (أنَّ لَهُمُ الحسْنَى لاَ جَرَمَ)
المعنى : بل إن لهم النار.
وكان شيخنا أبو القاسم الشاطبى ، رحمه الله ، يقف على قوله عز
وجل : (أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا)
وقال العمانيّ : وزعم بعضهم أن الوقف عند قوله : (فاسقاً)
قال : والمعنى : لا يستوي المؤمن ، والفاسق قال : وليس هذا الوقف عندي بشيء ، قال
: والوقف هو الذي نصَّ عليه أبو حاتم قال : والمعنى الذي ذكره هذا الزاعم هو الذي
يوجب الوقف على قوله : (لاَ يَسْتَوُوْنَ) ، لأنّه لَمَّا قال : (أَفَمَنْ كَانَ
مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا) نفي التسوية بينهما ، ثمّ أكد النفي بقوله :
(لاَ يَسْتَوُوْنَ).
قلت : وليس الأمر كما ذكر ، وهذا وقف جيد كاف ؛
(1/711)
لأنّه يدلّ على كلام مفيد ،
والذي بعده متعلق به في المعنى.
وهذا معنى الوقف الكافي.
وأيّ فرق بين هذا وبين قوله عزّ وجلّ في سورة التوبة : (أجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ
الحَاجَ وَعِمَارَةَ المَسْجدِ الحَرَامِ)
فقد سوّغ العمانيّ الوقف ، ثم على قوله سبحانه : (في سبيل اللّه).
وإذا جاز الابتداء هناك بقوله عزّ وجلّ : (لا يستوون عند اللّه)
جاز ها هنا ، ولا فرق.
وقوله عزّ وجلّ (قُرَّةُ عَيْنٍ لِيْ وَلَكَ)
وقف تام في قول جماعة : منهم الدينوريّ ، ومحمد بن عيسى.
وابن قتيبة ، ونافع القارئ و (لاَ تَقْتُلُوْهُ) نهي.
وزعم قوم أن الوقف على "لا" أي هو قرّة عين لي دونك ، وهذا
فاسد ، لأنّ الفعل الذي هو "تقتلوه" مجزوم فأين الجازم إذا كانت
"لا"
للنفي ، لا للنهي ؟
وروى ابن الأنباري عن أبيه عن ابن الجهم عن الفراء قال :
سمعت محمّد بن مروان الذي يقال له : السّدّيّ يذكر عن الكلبيّ ، عن
أبي صالح ، عن ابن عبّاس أنّها قالت : قرّة عين لي ، ولك لا ، ثم قال :
تقتلوه.
قال الفرّاء : وهو لحن.
وأقول : إنّ ابن عبّاس أجلّ قدراً ، وأغزر علماً من أن يفوه بمثل هذا
الخطأ الظاهر ، واللحن القبيح.
ومن أين علمت أنّه قرة عين لها دونه ، ولم تكن ممن يوحىِ إليها ؟
هذا لو صح اللفظ ، فكيف ، واللفظ فاسد على ذلك ؟
وقد قال اللّه عزّ وجلّ : (وهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ) ، ولهذا الوقف
نظائر نقف عليها.
من ذلك قوله عزّ وجلّ : (لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً)
(1/712)
يقف عليه قوم ، ويحتجون بأن
ما بعده مبتدأ وخبر ، وإنما ذلك
المبتدأ والخبر في موضع الصفة ، والتقدير : لم تعظون قوماً مهلكين أو
معذَّبين عذاباً شديداً.
ومن ذلك قوله عز وجل : (ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً)
يزعم قوم أنه تام ، ويبتدئون (مِنَ الْأَرْضِ إِذَا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ)
قالوا : والتقدير إذا أنتم تخرجون من الأرض ، فإن كانوا يجعلون :
(إذا أنتم تخرجون) جواب إذا ، كما يكون جواب إنْ في نحو قوله عز
وجل : (وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ
يَقْنَطُونَ (36).
فلا يجوز الوقف على دعوة ، وإن كانوا لا يجعلونه الجواب.
فأين جواب إذا ؟ وهذا وقف حكي عن يعقوب ونافع.
وقال السجستانى : الوقف على "من الأرض" ، وذلك أيضاً غلط
كالأول ؛ لأنه وقف قبل الجواب وقوله : (من الأرض) كما تقول : دعوت
فلاناً من المسجد أي دعاكم ، وأنتم في بطن الأرض.
ومن ذلك قوله عز وجل : (وَكَانَ حَقَاً عَلَيْنَا نَصْرُ المُؤْمِنِيْنَ)
يقف كثير من القراء على قوله عز وجل (حقاً)
ويبتدئون : (علينا نصر المؤمنين) ، فكأنهم بهذا يجمعون بين تحقيق
العذاب ، والانتقام من الذين أجرموا ، وبين تحقيق نصر المؤمنين.
(1/713)
وقال السجستاني : ليس ذلك
بوقف ، الوقف (نصر المؤمنين) كأنّه
قال : وكان نصر المؤمنين حقاً علينا ، قال : وليس المعنى "وكان حقاً" ثم
نبتدئ "علينا نصر المؤمنين" ولا يجوز ذلك.
وقال ابن الأنباري : الاختيار أن يكون "النصر" : اسم كان.
و "الحق " : خبر كان ، و "على" متعلقة بالحق كأنه قال : وكان
نصر
المؤمنين حقاً علينا.
قال : ويجوز أن تضمر في كان اسماً ، وتنصب الحق على الخبر ، وترفع النصر بعلى كأنك
قلت : فانتقمنا من الذين أجرموا ، وكان انتقامنا حقاً ، فيحسن الوقف ها هنا ، ثم
تبتدئ : (علينا نصر المؤمنين) أي علينا أن ننصر المؤمنين بالانتقام من أعدائهم ،
وهم الذين أجرموا قال : وعلى الوجه الأول لا يحسن الوقف على (الحق) ، ويتمّ الكلام
على المؤمنين.
وروي عن نافع ، رحمه اللّه ، الوقف على الذين أجرموا ، والوقف
على حقاً ، يروى عن بعض أهل الكوفة ، ولا يليق ذلك بفصاحة القرآن ؟
لأنّ قوله : (وكان حقاً) بمعنى وكان انتقامنا من الذين أجرموا حقاً أي :
وكان ذلك الانتقام حقاً ، ليس فيه كبير فائدة ، إنّما الفائدة أن يكون
المعنى : وكان نصر المؤمنين بالانتقام من الذين أجرموا حقاً علينا.
ومن ذلك قوله : (يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ . . . ) ، يقف عليه قوِم.
ويبتدئون (بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ)
يجعلون المقسم عليه (إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) وليس على ذلك أحد من أهل
العربية ، والتفسير ، علمته.
(1/714)
وإنما المراد : لا تشرك بالله
، ثم استأنف ، فقال : (إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ).
ومن ذلك الوقف على قوله عز وجل : (ولَهَا عَرْشٌ)
23 ، ، والابتداء باقوله عز وجل : (عَظِيمٌ) أي عظيم وجدتها ، وهذا ليس
بكلام جيد ، وفيه إخراج كلام الله عز وجل عن المراد ، فاحذره ، وله
نظائر لا تخفى على ذوي التحصيل.
* * *
القول في اللام
لا يجوز الابتداء بلام كي لتعلقها بما قبلها ، وأجاز أبو حاتم
السجستاني الابتداء باللام في قوله عز وجل (لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا
كَانُوا يَعْمَلُونَ)
في سورة التوبة ، وقال : إنها لام القسم ، والمعنى : ليجزينهم الله ، فحذفوا النون
استخفافاً ، وكسروا اللام ، وكانت مفتوحة ، فأشبهت لام هي في اللفظ ، فنصبوا بها
كما نصبوا بلام كي.
قال : وهذا كما قالوا : أكرمْ بزيد ، وأنبلْ به ، فجزموا
كما جزموا آخر الأمر إذ كان اللفظ أشبه لفظ الأمر ، وأنكر عليه ابن
الأنباري قوله هذا ، وهو موضع الإنكار ، وقال : لأن لام القسم لا تكسر.
ولا ينصب بها ، قال : ولو جاز أن يكون معنى : ليجزيهم : ليجزينهم
الله ، لقلنا : والله ليقوم زيد بمعنى ليقومن زيد ، وهذا معدوم في كلام
العرب.
قال : وليس هذا كالتعجب ؛ لأن التعجب عدل إلى لفظ الأمر.
ولام اليمين لم توجد مكسورة قط في حال ظهور اليمين ، ولا في حال
إضمارها .
(1/715)
ثم إن السجستاني أجاز الوقف
على قوله عزّ وجل في سورة يونس
(ثُم يُعِيْدُهُ) فالابتداء باللام في قوله عزّ وجلّ (ليجزي الذين آمنوا
وعملوا الصالحات بالقسط) ذاهب إلى أنها لام القسم ، وليست
بلام كي ، وإنما كسرت لشبهها بها على ما تقدّم ، وأجاز ذلك ابن
الأنباري ، وزعم أنه وقف حسن ، وهو يريد بالحسن الكافي.
وقال أبو حاتم فىِ قوله عز وجلّ (إنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً)
هو وقف تام ووافقه ابن الأنباري على ذلك.
وقال أبو حاتم في قوله عز وجلّ في سورة سبأ : (وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ
مُبِينٍ) : هو وقف تام ، وابتدأ بقوله عزّ وجل (لِيَجْزِي الَّذِيْنَ آمَنوا)
على ما تقدم من نظائره.
وقال ابن الأنباري : هو حسن غير تام ، فإن كان المسوغ للوقف في المواضع التي وافق
فيها السجستاني هو ما ذكره السجستاني ، فقد أبطل ما قاله ، ورجع عن الرد عليه ،
وإن كان غير ذلك فكان من حقه أن يذكره ، وأقول مستعيناً باللّه :
أمّا ما ذكره أبو حاتم فإنه شيء لا يقوله أحد ، ولو كان مثل ذلك
من التغيير جائزاً في كلام العرب لبطل كلامها ، وخرج إلى ما لم
يفهم ، وإنما يقع في كلامها التغيير إذا كان فيه دلالة على الأصل ، ولا
دلالة على ما قاله ، وإني لأعجب من فهمه القسم في هذه المواضع من
غير دليل دلَّه على ذلك.
وأما التعجب فإنه منقول عن العرب معروف من كلامها ، وليس في
(1/716)
ذلك إلباس ؛ لأنه ليس هنالك
مأمور ، والتأويل الذي ذكره من قبله.
لا من قبل العرب.
فافا قوله عز وجل : (لِيَجْزِيَهُمُ اللهُ) فاللام لام هي ، وهي متعلقة
بكتب ، والمعنى كتب لهم ذلك لأجل الجزاء ، وكذلك قوله عزّ وجلّ في
سورة يونس (لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ بِالْقِسْطِ)
اللام
متعلقة بقوله عز وجل : (إِنَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ) ، وهي لام
هي.
وكذلك قوله عز وجل (لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ)
هي لام هي متعلقة بقوله عزوبئ (وحملها الإنسان) ، وقوله
عز وجل في سورة سبأ (لِيَجْزِيَ) هي لام هي أيضاً ، والتقدير :
لتأتينكم ليجزي ، أو يتعلق بقوله : (إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ لِيَجْزِيَ)
فلا يجوز الابتداء بشيء من هذه اللامات.
* * *
القول في ثم
كان بعض شيوخنا يقف قبلها في جميع القرآن ، ويقول إنها
للمهلة ، والتراخي.
وإنَّما يتجه ذلك في قوله عز وجل : (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ
سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ (12) ، فهذا وقف كافٍ (ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي
قَرَارٍ مَكِينٍ) و قف كاف
(ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً - إلى قوله عز وجل - فَكَسَوْنَا
الْعِظَامَ لَحْمًا)
فهو أيضاً وقف كافٍ.
فأما نحو قوله عز وجل : (أَفَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ الْبَرِّ
أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا) ،
(1/717)
وقوله عز وجل : (أَمْ
أَمِنْتُمْ أَنْ يُعِيدَكُمْ فِيهِ تَارَةً أُخْرَى فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ
قَاصِفًا مِنَ الرِّيحِ فَيُغْرِقَكُمْ بِمَا كَفَرْتُمْ)
فلا يوقف ها هنا ؛ لأن قوله عز وجل : (ثُمَّ لَا تَجدُوا) عاطفٌ للفعل بعده على ما
قبله ، والفعل منصوب بذلك العطف.
وقوله عز وجل : (عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ)
لا يوقف عليه ؛ لأن قوله عزَّ وجلَّ : (ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ)
متعلق بما قبله.
وقوله عز وجل (إِذًا لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ)
لا يوقف عليه ، ولا يبتدأ بقوله عز وجل (ثُمَّ لَا تَجدُ لَكَ).
ومثله قوله عز وجل (وَلَئِنْ شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنَا
إِلَيْكَ).
وقوله عز وجل : (إنَّمَا أمْرُهُمْ إلَى اللهِ) ، في آخر سورة الأنعام كافٍ ،
وكذلك قوله عز وجل بعد ذلك : (وَلاَ تَزِرُ وَازِرَة وِزْرَ أُخْرَى).
وأما قوله عز وجل : (ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ تَمَامًا عَلَى الَّذِي
أَحْسَنَ)
فهو وقف كاف ، وفي عطفه خلاف.
قيل : هو عطف على قوله عز وجل : (ذَلِكُمْ وَصَّاكمْ بِهِ)
فيما تقدم كما قال تعالى مخاطباً بني إسرائيل في زمن إنزال القرآن
(وإذْ فَرَقْنَا بِكُمُ البَحْرَ) كذلك المخاطبة ها هنا لبني آدم أي
وَصَّاكمْ به في الكتب التي أنزلها ، ثم أنزل كتاب موسى تماماً على الذي
أحسن ، وقيل : هو عطف على قوله عز وجل : (وَوَهَبْنَا لَهُ إسْحَاقَ
وَيَعْقُوبَ) فيما تقدّم من السورة.
(1/718)
وقوله عزَّ وجلَّ في آل عمران
: (وإنْ يُقَاتِلُوكُم يُوَئُوكُمُ الأدْبَارَ).
وقف كافٍ ..
ويبتدأ بقوله عز وجل (ثُمَّ لَا يُنْصَرُونَ) ؛ لأنه جملة مستأنفة.
وقوله عز وجل في سورة الحشر (وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبَارَ)
مثله ، وقوله عز وجل في سورة التوبة : (مَرَّةً أوْ مَرَّتَيْنِ) ليس بوقف ؛ لأن
قوله عزّ وجل : (ثم لَا يَتوبُونَ) و (وَلَا هُمْ يذَّكَّرُونَ) لا يتمّ الكلام
إلا به ، ولا يقع المراد بدونه.
* * *
القول في حتى
إذا كانت التي يحكى بعدها الكلام ابتدئ بها كقوله عز وجل :
(حتَى إذَا فُتِحَتْ يَأجُوجُ) و (حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ إِمَّا
الْعَذَابَ وَإِمَّا السَّاعَةَ)
و (حتَى إذَا جَاءوهَا فُتِحَتْ أبْوَابُهَا) ، وكذلك التي بعدها.
و (حَتَى إذَا مَا جَاءوهَا) في فصلت ، و (حتَى إذَا جَاءَنَا) في الزخرف
ونحو ذلك.
وقال أبو عمرو الداني في قوله عزّ وجلّ : (وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ
أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لَا يَرْجِعُونَ (95).
هو وقف تام.
وقال العماني : هو كاف ، وهو الصواب ؛ لأن ، حتى" وإن كانت
التي يبتدأ بها بعدها الكلام لا تنفك عن أن تكون غاية لشيء ، وقد
(1/719)
قيل : إنها في غير هذا الموضع
غاية لتحريم الرجوع عليهم حتى تأتي
الساعة
* * *
القول في كلَّا
وهي في القرآن في ثلاثة وثلاثين موضعاً ، وجميع ذلك في
النصف الثاني ، وهي في خمس عشرة سورة ، وليست إلا في سورة
مكية
ففي مريم موضعان : (كَلَّا سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ) ، (كَلَّا سَيَكْفُرُونَ
بِعِبَادَتِهِمْ).
وفي المؤمنين (كَلَّا إنهَا كلِمَة هُوَ قَائِلُهَا).
وفي الشعراء (كَلَّا فاذْهَبَا بآيَاتِنَا) ، وفيها أيضاً (كَلَّا إن مَعِيَ رَبيْ
سَيَهْدِيْنِ).
وفي سبأ : (كَلَّا بَلْ هُوَ الَلهُ) ، وفي سأل سائل (ثُم يُنْجيْهِ كَلَّا).
وفيها أيضاً (كَلَّا إنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِما يَعْلَمُونَ).
وفي المدثر أربعة مواضع : (كَلَّا إنهُ كَانَ لآيَاتِنَا عَنِيداً)
(كَلَّا والقَمَرِ) (كَلَّا بَلْ لَا يَخَافُونَ الآخِرَةَ)
(كَلَّا إنَّهُ تَذْكِرَة).
وفي القيامة ثلاثة مواضع : (كَلَّا لَا وَزَرَ) (كَلا بَلْ تُحِبُّونَ
العَاجِلَةَ)
(كَلَّا إذَا بَلَغَتِ الترَاقِيَ).
(1/720)
وفي "عم يستاءلون "
موضعان : (كَلَّا سَيَعْلَمُونَ ، ثُم كَلَّا
سَيَعْلَمُونَ)، وفي عبس موضعان : (كَلَّا إنَّهَا تَذْكِرَةٌ).
و (كَلَّا لَمَّا يَقْضِ مَا أَمَرَهُ) ، وفي سورة الانفطار (كَلَّا بلْ
تُكَذبُونَ بِالديْنِ).
وفي "ويل للمطففين " أربعة مواضع : (كَلَّا إن كِتَابَ الفُجارِ)
(كَلَّا بَلْ رَانَ) (كَلَّا إنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ)
(كَلَّا إنَّ كتَابَ الأبْرَارِ).
وفي الفجر موضعان : (كَلَّا بَلْ لاَ تُكْرِمُونَ)
(كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ).
وفي العلق (كَلَّا إن الإنْسَانَ لَيَطْغَى) (كَلَّا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ).
(كَلَّا لَا تُطِعْهُ).
وفي "ألهاكم" (كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ (3) ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ
تَعْلَمُونَ (4) كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ (5).
وفي الهمزة (كَلَّا لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ (4).
والوقف عليها ، والابتداء بها مبني على اعتقاد أهل العربية فيها.
فمذهب الخليل ، وسيبويه ، والأخفش ، والمبرد ، والزجاج ، وأحمد بن
يحيى أنها رد لما قبلها ، وردع عنه وزجر.
ومذهب الكسائيّ أنها بمعنى حقًّا ، وهي على مذهبه اسم لأنها بمعنى المصدر ،
والتقدير أحق ذلك حقًّا.
وقال ابن الأنباري : قال المفسرون : معناها حقاً : وقال الزجاج :
(1/721)
حقاً توكيد ، والتوكيد إنَّما
يقع بعد تمام الكلام.
وقال أبو حاتم : هي بمعنى (ألا) لاستفتاح الكلام ، وقال فيها
أيضاً : إنها تكون للرد ، وهو قريب مما قال الخليل ، وسيبويه.
وقال الفراء فيما حكى عنه ابن الأنباري : إنها حرف رد ، فكأنها نعم ولا في
الاكتفاء ، قال : وإن جعلتها صلة لما بعدها لم تقف عليها كقولك :
كلا ورب الكعبة ، لا تقف على (كلَّا) ، لأنها بمنزلة قولك : إيْ وربِّ
الكعبة ، قال الله عز وجل : (كلَّا والقَمَرِ) فمن قال : إنها بمعنى حقاً
جعلها تأكيداً لما بعدها ، وابتدأ بها في جميع المواضع من قال إنها
بمعنى حقاً أو بمعنى (ألا).
ومن قال إنّها رد لما تقدم وقف عليها.
وقد تظهر كل هذه الأقوال في موضع ، وتضعف في موضع.
فأمَّا قول الخليل ، وسيبويه ، ومن معهما ، فإنه يظهر في مريم أي
لم يتخذ عند الرحمن عهداً ، ولا تكون الآلهة لهم عزاً ، فالوقف عليها
في ذلك هو اختيار القراء والعلماء ، وقد يبتدأ بها على قول من قال : إنها
بمعنى حقاً ، أو بمعنى (ألا) ، وكذلك في سورة المؤمنين أكثر العلماء
على الوقف على (كلَّا) والابتداء بقوله : (إنَّهَا كَلِمَة) ، ويجوز
الابتداء ب (كلَّا) في قول من قال : إنها بمعنى (ألا)
وأمّا من قال : إنها
(1/722)
بمعنى حقاً ، فقد أجازه أهل
العلم من أهل التفسير وردّه قوم ، وقالوا :
ل وكانت بمعنى حقاً لفتحت "أنَّ" بعدها ؛ لأنها تفتح بعد (حقاًً) وبعد
ما
هو بمعناها كما قال :
احقاً أن جِيْرَتَنَا اسْتَقَلوْا . . . فَنيتُنَا ونيَّتُهُمْ فَرِيْقُ
وقال سيبويه : إذا قلت : "أما إنّك منطلق " إن جعلت "أما"
بمعنى
"حقاً" فتحت أنّ ، وإن جعلتها بمعنى "ألا" كسرت.
قلت : وكذلك الكلام في الثاني من الشعراء ، وفي موضعي المعارج ، والأولان في
المدثر ، والأول في عبس ، والأول والثالث والرابع في المطففين ، وفي موضع العلق ؛
لأنّ " إن " مكسورة بعد "كلا" في جميع هذه المواضع.
وقد يبتدأ ب "كلَّا" بمعنى "ألا" في هذه المواضع كلّها.
وأما قوله عز وجل في سورة الشعراء : (قَالَ كلَّا) فالوقف
على (كلَّا) على مذهب سيبويه ، والخليل ظاهر قوي ، وعلى ذلك
جماعة من القراء منهم : نافع ، ونصير أي ليس الأمر كذلك ، لا يصلون
إلى قتلك ، فهو ردّ لقول موسى عليه السلام : (فأخَافُ أنْ يَقْتُلُونِ)
ولا يبتدأ " ب (كلَّا) في هذا الموضع ؛ لأنها محكية في قول
سابق من الله عز وجل لموسى ، ولكن يجوز أن يقف على (يَقْتُلُونِ)
(1/723)
ويبتدأ على أنّها بمعنى (ألا)
، أو بمعنى "حقأ".
والموضع الثاني منها أيضاً الوقف فيه على "كلا" ، وهو حكاية قول
موسى عليه السلام لبني إسرائيل أي ليس الأمر كما تظنون من إدراككم.
ويجوز إن يبتدأ ب "قال كلَّا" ، على معنى "ألا" لا غير ، ولا
يوقف على
"قال " ويبتدأ ب "كلا".
وقوله عزّ وجل في سبًاً : (ألْحَقْتُمْ بِهِ شُرَكَاءَ كَلَّا)
وقف جيد ، وهو ردّ وزجر عن تشرِيك أحد مع اللَّه عزّ وجلّ ، ويجوز
الابتداء بها على معنى "ألا" و"حقاً".
وفي سورة المعارج : (ثم يُنجيّهِ كَلَّا)
وقف جيد ، والرد فيه ظاهر ، ويجوز أن يبتدأ بها على معنى "ألا" لا غير ،
وكذلك القول في الموضع الثاني منها ، والوقف على "كلَّا" في المدثر في
قوله عزّ وجلّ : (أَنْ أَزِيدَ (15) كَلَّا)
جيد ، والردّ فيه ظاهر.
نزلت في الوليد بن المغيرة.
قال العلماء : كان له من الولد ثلاثة عشر ذكراً ، وكل واحد منهم له بيت ، قال ذلك
سعيد بن جبير ، وقيل ، عشرة ، فلما نزلت لم يزل في إدبار ماله وولده ونفسه .
(1/724)
وقوله عزّ وجلّ في هذه السورة
: (وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ)
هو الوقف ولا يظهر فيه الوقف على "كلا" إذ ليس قبلها ما يرد ، ويبتدأ
بـ "كلَّا" على معنى "ألا" أو "حقاً" ، وقد قال قوم
: إنها رد ، لأن عزّ
وجل لَمَّا أنزل (عليها تسعة عشر) قال بعضهم لأصحابه : أنا أكفيكم
سبعة عشر ، واكفوني أنتم اثنين ، واختاره الطبري ، وليس في سياق
الكلام ما يدل على ذلك ، فيرد.
وقال قوم : هي ردّ ؛ لأنّهم أنكروا أن يكون (ذكرى للبشر) ، قالوا فيقف القارئ
عليها على هذا المعنى ، وما هو بمستقيم ؛ لأنهم إنما قالوا : ماذا أراد الله بهذه
العدة ؟ ولم يردوا قوله عَزّ وجل (وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ) ، فيرد
عليهم ذلك.
وقال الفراء : التقدير : إي والقمر ، فكلا صلة للقسم بعدها ، فلا
يوقف عليها ، وقوله عز وجل : (يؤئى صُحُفاً مُنَشَرَةً كَلَّا)
وقف جيد ، والرد فيه وجهه ظاهر ، والابتداء
بها على معنى "ألا" ومعنى "حقاً" سائغ.
الموضع الرابع قوله عز وجل : (كَلَّا بَلْ لَا يَخَافُونَ الآخِرَةَ كَلَّا)
يوقف على "كلا" على أنها تأكيد للتي قبلها في قول
الكسائى ، وأبي حاتم ، ونصير ، وفيه بعد من جهة أنّ المؤكد إنما
أي (كلا والقمر) الآية التي بعدها (وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ)
(1/725)
يكون تالياً لما يؤكده ، وفي
الوقف عليها أيضاً إلباس ؛ لأنها تكون كأنها
رادة لما قبلها ، والذي قبلها : (بَلْ لَا يَخَافُونَ الأخِرَة).
وفي القول بأنها تأكيد ما يمنع ما أجازوه من الوقف على الأولى والابتداء بها على
معنى "ألا" جيد لا على معنى "حقاً".
وقوله عز وجل في سورة القيامة : (أينَ المَفَرُّ).
وقف جيد ، والابتداء بـ (كلا) على معنى "ألا" في هذا الموضع مليح.
وقال أبو محمد : الابتداء بها على معنى "حقاً" أقوى من معنى (ألا).
وما أرى ذلك ، وقد وقف قوم عليها على ما اقتضاه المعنى من الطمع في
الملجأ ، فكأنها رد لذلك.
وقوله فيها : (ثُم إن عَلَيْنَا بَيَانَهُ) ، هو الوقف.
ولا يوقف فيه على (كلا) ويبتدأ بها على المعنيين.
وقال مكي : وكونها بمعنى "حقاً" أقوى لتؤكد بذلك ما أخبر الله عن عباده
من محبتهم في الدنيا ، وزهدهم في الآخرة.
وما أحسب ذلك كما قال ؛ لأنها لو كانت للتأكيد بمعنى "حقاً" لجاز أن تقع
بعد ما هي توكيد له ، ويوقف عليها حينئذ فكان يقال : (أينَ المَفَرُ كَلَّا)
(ثُمَّ إن عَلَيْنَا بَيَانَهُ كَلَّا)
وكونها بمعنى "حقاً" هو عندي أضعف الوجوه. وقوله عز وجل في هذه
السورة : (أنْ يُفْعَلَ بِهًا فَاقِرِةٌ) هو الوقف ، ولا يوقف على
"كلَّا" ويبتدأ بها على معنى "ألا" وأجاز الطبري الوقف عليها
، وقال :
(1/726)
المعنى تظن أن لن تعاقب كلا.
وليس هذا النفي الذي قدره بموجود في الآية.
وقوله عزّ وجلّ في "عم يتساءلون " : (الَّذِيْ هُمْ فِيهِ
مُخْتَلِفُونَ)
هو الوقف ، ولا يوقف على (كلا) ويبتدأ بها على معنى (ألا) أو
على معنى "حقاً".
ووقف نصير على "كلا" وقدّر تقديرين :
أحدهما : أن يكون نفياً لإنكارهم البعث الدال عليه معنى الآية.
والثاني : أن يكون رداً للاختلاف ، أي كلا لا اختلاف.
وهذا أقرب من الأوّل.
وقوله غر وجل : (ثُم كَلاً سَيَعْلَمُونَ) : هو تأكيد لما قبله ، فلا
يوقف على "كلا" ، ولا يبتدأ بها ؛ لأنَّ الجملة بكمالها تأكيد للجملة
التي
قبلها بكمالها (كَلا سَيَعْلَمُونَ ثُم كَلا سَيَعْلَمُونَ).
وقوله عز وجل في سورة عبس : (فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى (10) كَلَّا).
وقف جيد ، والمعنى لا تفعل ذلك ، أو لا يكون هذا ، والابتداء بها
على معنى "ألا" أحسن ، وأما على معنى "حقاً" إنها تذكرة ، فقد
تقدّم القول فيه.
والثاني قوله عزّ وجلّ : (إذَا شَاءَ أنْشَرَهُ)
هو الوقف ، والابتداء فيه بـ (كلا).
وقوله تعالى في (إذا السماء انفطرت)
(كلا بل تكذبون بالدين)
أجاز نصير الوقف على
(1/727)
(كلا) أي ليس الأمر على ما
تقولون من أنكم على الحقّ بل تكذبون
بالبعث ، ودل على ذلك قوله عز وجل : (مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ)
أي ما غرَّك. في جحده ، وتكذيب رسله ، وليس
الأمر على ما غررت به ، بل أنت مكذب بالدين ، وأبى قوم الوقف
عليها ، وابتدؤوا بها على معنى "ألا" أو "حقاً".
وقوله عزّ وجلّ في المطففين : (يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ العَالَمِينَ
كَلَّا)
أجاز الطبريّ ، ونصير الوقف على "كلَّا" على أنه نفي
لمن ظنّ من أولئك أن لا بعث.
هذا تقدير الطبري ، وأما نصير فوقف عليها على تقدير "كلا" لا يجوز
التطفيف.
والابتداء بها جيد على معنى "ألا".
وقوله تعالى : (أسَاطِيرُ الأولِينَ كَلَّا)
الوقف عليها جيد على أنه رد لما قال ، وأجاز أبو حاتم الابتداء
بها على معنى "حقاً" ولا يمتنع الابتداء بها على معنى "ألا"
ولم يجز
الوقف عليها ، ولا على جميع ما في هذه السورة منها ، وروي عنه أنه
يبتدئ بجميع ذلك على معنى (ألا).
وقوله تعالى (مَا كَانوا يَكْسِبُونَ) هو الوقف ، والابتداء بـ (كلا)
على معنى "ألا" دون أن يكون بمعنى "حقاً" لكسر إن بعدها ،
وأجاز قوم الوقف على "كلا"
وقال : كلا لا يؤمنون برين الذنوب على قلوبهم.
وقوله عز وجل : (ثُئم يُقَالُ هَذَا الَذِي كنْتُمْ بِهِ تُكَذبُونَ)
هو الوقف ، والابتداء بـ (كلا) على معنى
(1/728)
"ألا" ، ووقف بعضهم
على (كلا) على معنى : لا يؤمنون بالعذاب.
وليس بالقوي.
وفي سورة الفجر : (أهَانِنِ كلا).
وقف جيد على أنه رد لقول الإنسان.
وقال الأخفش ، وأحمد بن موسى : يبتدأ بها على
معنى "حقاً" ، أو على معنى "ألا".
وقوله تعالى (حُبًّا جَمًّا)
هو الوقف وأجازنصير الوقف على "كلَّا" على معنى : لا يغني عنكم
جمع المال ، وحبُّه.
وقوله تعالى في سورة العلق : (عَلًمَ الإنْسانَ مَا لَمْ يَعْلَمُ)
أجاز بعضهم الوقف على "كلَّا" أي لا يعلم أن الله علمه ما لم يعلم
ثم استؤنف الكلام فقال سبحانه : (إن الإنسَانَ لَيَطْغَى)
وقال الفراء : (ما لم يعلم) وقف تام ، وذلك أن أول ما نزل على النبي - صلى الله
عليه وسلم - من القرآن هذه الآيات الخمس من هذه السورة ، نزل جبريل عليه السلام في
نمط ، فلقنها النبي - صلى الله عليه وسلم - آية آية ، فلما قال (علَّم الإنسان ما
لم يعلم) طوي النمط ، ويؤيد هذا أن باقي السورة نزل بعد (يَا أيهَا المُدثَرُ) ، و
(يا أيهَا المُزَّمِّلُ).
وهذا دليل واضح على الابتداء بـ (كلا) ؛ لأن الملك
ابتدأ بها عند إنزالها.
وقوله عز وجل : (أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى (14).
هو الوقف ،
(1/729)
والابتداء بـ (كلا) على معنى
(ألا) أو (حقاً) . وأجاز الطبريّ ، والقتبي
الوقف على "كلا" ها هنا أىِ لم يعلم أبو جهل بأن الله يرى ، وفيه
بعد.
وقوله عز وجل (سَنَدع الزبَانِيَةَ) هو الوقف ، وأجاز
بعضهم الوقف على "كلا" أي لا يقدر الكافر على دعاء ناديه ، والابتداء
بها على معنى "ألا" وهو أظهر من معنى "حقاً".
وقوله عزّ وجل : (أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ (1) حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ (2)
هو الوقف ، وهو كاف ، وعند بعضهم تام.
والابتداء بـ (كلا) على معنى "ألا" ، وقال محمد بن عيسى ، ونصير : الوقف
على "كلا" أي لا ينفعكم التكاثر ، ثم يبتدئ : (سوف تعلمون) ، وأجاز قوم
الوقف عليها على معنى : لا يلهكم التكاثر عن الآخرة.
وقوله عزَّ وجلَّ :
(ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ) تأكيد للرح ، أو تأكيد على معنى
(ألا) سوف تعلمون ثم ألا سوف تعلمون ، أو حقاً سوف تعلمون ثم حقاً
سوف تعلمون ، فيبتدأ بـ (كلا) على هذا ، ويوقف عليها على ذلك.
وكذلك قوله عر وجل : (كَلا لَوْ تَعْلَمًونَ عِلْمَ اليَقِينِ).
وقوله عز وجل في الهمزة : (يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ (3).
الوقف على (كَلَّا) جيد ، وبه يقول نافع ، ونصير ، وأبو حاتم ، وغيرهم.
وقال قوم : الوقف على (أخلده) وهو وقف تام ، والابتداء بـ (كلا) على
معنى (ألا) أو (حقاً).
وقد اختار أبو حاتم ، الابتداء بهاعلى معنى (ألا).
(1/730)
فإن قلنا بصحة الأقوال كلها
فيها ، وإنّها تكون بمعنى الرد.
وبمعنى "ألا" ، وبمعنى "حقاً" فعلى معنى أنها تصلح لذلك ، ثم
إن
القول بأنها لا تكون إلا رداً ، وردعاً لا يستقيم في كل موضع ، وكذلك
القول بأنها بمعنى "حقاً".
والقول بأنها بمعنى "ألا" مطرد مستقيم في جميع المواضع ، ويؤيده ابتداء
الملك عليه السلام بها في سورة العلق.
* * *
القول في الألفات
الألفات في الابتداء بها ثلاثة : مضموم ، ومكسور ، ومفتوح :
فالمضموم ألف الأمر في كل فعل ثالث حروفه في المستقبل
مضموم كقوله عز وجل (اُنْظُرُوا مَاذَا فِي السمَواتِ) ، (ادْخُلُوا
عَلَيْهِمْ البَابَ) . (اُخرَجْ عَلَيْهِن) (أدْخُلُوا الجَنةَ لَا خَوْفٌ
عَلَيْكُم).
(اُنْقُصْ مِنْهُ) . (اُسجُدُوا لآدَمَ) (ادْعُهُن)
(اُغْدُوا). (انْفُخُوا) (اُشْدُدْ بِهِ أزْرِي) ، وكذلك
(1/731)
(اُنشُزُوا) على قراءة الضم ،
وإنما ضمت إتباعاً لضمة ثالث
الفعل ، وذلك الخاء في (يدخل) لأن الساكن الذي بينهما ليس بحاجز
قوي ، فكأنّهما قد اجتمعا ، وشرط هذا الضم في ثالث الفعل أن يكون
لازماً ، وهذا مذهب جميع القرّاء ، والنحاة ، وفصحاء العرب ، وقد
حكى قطرب عن العرب : "اخرج" بكسر الهمزة ، وهو شاذ لا يعول
عليه ، وإنَّما اختير الإتباع على الكسر الذي هو الأصل كراهة
الخروج من كسر إلى ضم لازم مستثقل.
ألا ترى أنه لا يوجد في كلامهم ضمة لازمة بعد كسرة.
وأما كَبِدُ فإنها ضمّة إعراب تتغيّر ، وتنتقل ، فكان إتباع الضمة
الضمة أخف عليهم ، وقال أهل الكوفة ليس ذلك الإتباع مخصوصاً
بالمضموم العين ، وإنما همزة الوصل مبنية على عين الفعل من مستقبل
الثلاثي فإن كانت العين مكسورة كسرت ألف الوصل ، وتضم إن كانت
مضمومة يقول : اِضرب ، اُخرج ، فيتبع الكسر الكسر ، والضم الضم.
وكان القياس أن يتبع الفتح الفتح فيقول : . اذَهَب لكنهم كسروا في
ذلك أيضاً على قول الكوفيين خشية الإلباس بقولك : "أذهبُ " إذا
أخبرت عن نفسك ووقفت ، وأما أهل البصرة فإنهم قالوا : إنّ همزة
الوصل هذه لا حظ لها في الحركة ، وإنما اجتلبت ساكنة ؛ لأن الأصل في
(1/732)
كل حرف السكون ثم كسرت تشبهاً
بكسرة الساكن إذا لقي ساكناً
كقولك : اضربِ الرجل ، وقامتِ الجارية.
وقال الأنباري : هذا غلط ؛ لأنّها إذا كانت ساكنة لا حركة لها فمحال أن يدخلوها
للابتداء ؛ لأنّ العرب لا تبتدئ بساكن ، فلا يجوز أن يدخلوا حرفاً ينوى به السكون
، والجواب عن هذا ، أنّهم اجتلبوه ساكناً على ما عليه الحروف في أصلها ، ولم ينووا
به السكون لحصول العلم بأنّه لا بد أن يتحرك في هذا الموضع.
قال البصريون : وكان القياس في الموضع الذي ضمت فيه الكسر
أيضاً ، ولكنّهم عدلوا عن ذلك لما ذكرناه من الاستثقال ، ولأنّهم لو فعلوا
ذلك لنطقوا بما اجتنبوه في أبنية الأسماء ، فضموا ؛ لأن قولهم :
"ادخُل" نظير ابْلُمْ . وقالوا : اِضرب ، ونظيره في الأسماء إذخِر.
وقالوا : اِعْلَم ، ونظيره فيها إصبَع ، وقوله عزّ وجل (واؤمُرْ بالعرف)
(واؤْمُر قومك) (واؤْمُر أهلك) فلو لم يدخل حرف العطف
لقلت : اؤْمر فتبدل الهمزة الثانية واواً لانضمام همزة الوصل قبلها.
وإنما انضمت لضم ثالث الفعل الضم اللازم وجاء هذا الفعل في الأمر بالهمزة
وبحذفها كقوله :
. . . مُرِيْهِمْ في أحبَّتِهِمْ بِذَاكِ
(1/733)
ومثله أكل ، وأخذ ، حذف ألف
الوصل من هذه الثلاثة تخفيفاً لكثرة
الاستعمال ، والقياس إثباتها ، وأن يقال : اُاكل ، اُاخذ ، اُامر ثم اوْكل.
اوْخذ ، اوْمر ، إلاَّ أنّهم عدلوا إلى ما هو أخف من هذا فأسقطوا الهمزة
الثانية استثقالًا لها مع الألى ، ثم أسقطوا الأولى وهي همزة الوصل
استغناء عنها لمّا تحرك ما بعدها فقالوا : كُلْ ، خُذْ ، مُرْ.
قال اللّه عزّ وجلّ : (خُذُوا حِذْرَكُمْ) و (خُذْ مِنْ أمْوَالِهِمْ).
وقال عزّ وجلّ : (كُلُوا واشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا أسْلَفْتُمْ).
وأمَّا سوى هذه الثلاثة من هذا القبيل فالأمر فيه بهمزة
الوصل ، وقلب فاء الفعل ، وهي الهمزة الثانية واواً كما سبق.
على أن سيبويه حكى عن بعض العرب اؤكُل ، فإذا وقع حرف العطف قبل
الأفعال الثلاثة المذكورة فَلَكَ إبقاء الهمزة نحو : وَأكل كما قال الله عز
وجل (وامرْ بُالْعُرْفِ) ، لأنّ حرف العطف أغنى عن
همزة الوصل فلم يجتمع همزتان ، ولك حذفها كما قال اللّه عزّ وجلّ :
(وخذْ بِيَدِكَ).
فإن قيل : فما لهم لم يقرؤوا : (امْشوا) (ابْنوا لَهُ بُنْيَاناً)
(اقْضوا إليَّ) بالضم معِ أن ثالث الفعل مضموم في ذلك ؟
قيل : الثالث الذي تراه مضموماً إنما هو مكسور في الأصل ؛ لأنّ الأصل
(1/734)
امشيوا ، واقضيوا ، وابنيوا
فاستثقلت الضمة على الياء فنقلت إلى ما قبلها
فاجتمع ساكنان الياء والواو فحذفت الياء لالتقاء الساكنين ، فالأمر من
ذلك : اِمشوا ، اِقضوا ، اِبنوا ، بكسر الهمزة ؛ لأن ثالث الفعل في الأصل
مكسور ومثل ذلك قوله عز وجل (اِيْتُونِي بِكِتَابٍ).
ومن الألفات المضمومة : ألفات الأفعال المبنية لما لم يسم فاعله.
ولا تكون هذه الألف إلا مضمومة وذلك في قوله عز وجل : (اُتُبِعُوا)
(اؤْتُمِن) وكان الأصل اؤْتمن فأبدلت الهمزة الثانية واواً لسكونها
وانضمام ما قبلها : (ابتُليَ المؤمنون) (اضطر) (اجتثت)
(استُهزئ) (استُحفِظوا) (استُضعِفُوا) (استُحق)
(استجيب له) ونحو ذلك ، وهذه كلها ألفات وصل تسقط في
الدرج ، وتثبت في الابتداء مضمومة.
وأما قوله - عز وجل - : (أُخْرِجْنا) (أُعْطُوا) (احْصِرْتُمْ) (أُكره) (أُمِرُوا)
(1/735)
(أُخذوا) (أُوحي) (أُوتي) ،
وشبه ذلك ، فإنها ألفات ، ثابتة
في الدرج ، والابتداء مضمومة في الحالين ، وقد يسقط فىِ الدرج منها ما
يلقى حركته على ساكن قبله نحو : (وقَدُ اخْرِجْنَا@ - (ولَقَدُ أُوحي)
و (قُلُ أُوحي) (وَقَدُ أُمِرُوا) - و (منُ أُكره) ، فإذا ابتدأ القارئ
الكلمة أتى بالهمزة مضمومة.
ومن ذلك ألف المتكلم الداخلة على الفعل المبني لما لم يسم
فاعله ، وذلك في قوله عزّ وجلّ : (أُخْرَجُ حَيًّا) وكذلك (ابعثُ حَيًّا)
(أُخْرَجَ وَقَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ) (أُوتَ كِتَابِيَهْ).
ومن المضمومة أيضاً ألف المتكلم في الفعل المبني للفاعل نحو :
(أفْرِغْ عَلَيْهِ) (أحْييْ وأمِيْتُ) (أُصِيْبُ بِهِ مَنْ أشَاءُ)
(أنَبئُكمْ) (أرِيْكُمْ إلا مَا أرَى) (أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي)
(1/736)
(أبِّرىءُ نَفْسِي) ونحو ذلك
مما يكون الماضي فيه على أربعة
أحرف نحو : أفرغ أو ما هو في معنى الأربعة وهو المشدد نحو : بيّن
- وبلّغ - ونبّأ.
وأما الألفات المكسورة : فمنها ألقات الأمر الداخلة على الفعل
الذي ثالث حروفه في المستقبل مكسور أو مفتوح ، وأول المستقبل منه
مفتوح نحو (اضْرِبْ بِعَصَاكَ) ، (اذْهَبْ إلَى فِرْعَوْنَ) (ارْكَبْ مَعَنَا)
(انْطَلِقُوا إلَى ما كنْتُمْ بِهِ تُكَذبُونَ) (اسْتَقِمْ كَمَا أمِرْتَ).
وإنَّما دخلت ألف الأمر في هذا ، لأن الحرف الثاني من المستقبل
ساكن ، فإذا أمرت منه سقط حرف الاستقبال ، ولم يمكن الابتداء بما
بعده ؛ لأنَه ساكِن ، فدخلت الألف ليبتدأ بها.
ألا ترى أن الثاني من الفعل إذا كان متحركاً لم يدخل الألف في الأمر كقولك : سِرْ
، وقُمْ ، وخَفْ.
وقد تقدم القول في علة كسرها ، والخلاف في ذلك.
ومن هذا قوله عزّ وجل : (انْشِزُوا) في قراءة الكسر.
وقوله تعالى (اسر) فيمن
(1/737)
قرأ من "سرى يسري "
وقوله عز وجل (اعْلَمْ أن الَّلهَ) في قراءة
حمزة ، والكسائي ، فإن كان الثاني من المستقبل من هذا القبيل همزة
فأمر من ذلك أدخلت همزة الأمر لسكون فاء الفعل ، أعني الهمزة.
وأبدلت ياء لسكونها ، وكسر همزة الأمر قبلها نحوه (إيْتِ بِقُرآنٍ).
- (ايِذْنْ لِيْ).
وحكى الكسائي عن بعض العرب أنه يبقي الهمزة الساكنة ، ولا
يبدلها ، فيجمع بين همزتين الأولى مكسورة والثانية ساكنة فيقول :
(ائْتِ) ، (ائْذن لي) ، وهذا مردود عند العلماء ، ولم يقرأ به أحد.
ومن ذلك ألفات الوصل الداخلة على الأفعال الثلاثية المزيدة نحو
(اشتروا بآيات الله) (اكتسب) (اصطفى) من قوله عزّ وجلّ
(وسلام على عباده الذين اصطفى).
وكذلك قوله عزّ وجل (اصطفَى آدَمَ) (اصطَفَاك وطَهَّرَكِ)
(ابْتَغِ فِيْمَا آتَاكَ اللهُ) ، (افْتَرَيْنَا عَلَى اللّه كذِبَاً)
وكذلك في المصدر (ابتغَاءَ مَرْضَاةِ الله)
(افْتِرَاءً عَلَى اللَّهِ) ومن ذلك : (انكَدَرَتْ) (انْشَقَتْ).
(1/738)
(انفطَرَتْ) - (اسْوَدتْ
وُجُوهُهُمْ) - (ابْيَضتْ) - (انبعَثَ أشْقَاهَا).
وألف الوصل داخلة علي هذه الأفعال الماضي والأمر
والمصدر لسكون الفاء في جميع ذلك
والابتداء فيِ جميعها بالكسر ، ومثال الأمر : (اسْتَهْزِئُوْا)
(انْتظِرُوا) - (اتَبِعُوا مَا أنْزَلَ).
ومن هذه الأفعال قوله عز وجل : (اثَّاقَلْتُمْ إلَىِ الأرْضِ)
(ادَّارَكُوا) - (ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ) - (اهْتَزَّتْ) (اطيَّرْنَا بِكَ)
تبتدأ الألف في ذلك كله بالكسر على الأصل المقرر وكان الأصل :
"تثاقلتم " "وتداركوا" - "وتطيرنا بِكَ "
فأدغمت التاء فلم يمكن الابتداء بها لسكونها فجيء بهمزة الوصل ، وكسرت على ما سبق.
ومن المكسور في الابتداء ألف الوصل في الأسماء فمن ذلك
"اسم" في قوله عزّ وجلّ : (اِسْمُهُ المَسِيْحُ).
يبتدأ بالكسر.
وفيه لغة
(1/739)
أخرى وهي أن يبتدأ بضم الهمزة
، ولم يقرأ بذلك أحد.
وكذلك سِمٌ وسُمٌ أربع لغات والقراءة بالهمزة المكسورة لا غير.
ومن ذلك (امْرُؤٌ هَلَكَ).
بكسر الهمزة في الابتداء وكذلك نحو (امرَأةُ العَزِيزِ) - (امَرَأتَيْنِ
تَذُوْدَانِ) ، وكذلك (اثْنَانِ مِنْكُمْ) (واثْنَتَيْنِ) من قوله عز وجلّ
(كَانَتَا اثْنَتَين).
ومن ذلك ألف ابن في نحو قوله عزَّ وجلَّ : (ابنُ مَرْيَم)
(ابْنَهُ وكَانَ فِيْ مَعْزِلٍ) - (ابْنِي مِنْ أهْلِيْ)
وإنما ابتدئت هذه الأسماء بالكسر على الأصل
فإن قيل فما لها لم تضم في نحو : (إنِ امْرُؤٌ) و (ابن مَرْيَمَ) و (اسْمُهُ).
والثالث مضموم ؟
قيل : الضمة في ذلك ضمة إعراب أو تابعة لضمة الإعراب فهي متغيرة منتقلة غير لازمة
وانضمت همزة الوصل بناءً على ما لا يتغير وينتقل ، وكسرت على
الأصل.
وأما المفتوح من الألفات فالألف التي تصحب لام التعريف وهي
ألف الوصل تسقط في الدرج كما تسقط ألف الوصل ، وتثبت في
الابتداء مفتوحة ، ، إنّما خولف بها همزات الوصل ، ففتحت لأنّها دخلت
(1/740)
ها هنا على حرف ، فأرادوا
الفرق بين ما دخل من همزات الوصل على
الأفعال ، والأسماء ، وبين ما دخل على الحرف ، وأيضاً فإن اللام
المصاحبة لها قد يكون ما بعدها مضموماً كالجُنُب ، ومكسوراً نحو :
البِرّ ، فلو ضمت الهمزة فقيل : اُلجُنُب لكان ذلكَ مستثقلًا لتوالي
الضمّات ، واللام لسكونها ليست بالحاجز القوي ، وكذلك لو كسرت
فقيل : اِلبِرّ.
أما قوله عزّ وجلّ : (آلذكَرَيْنِ) (آللهُ أذِنَ لَكُمْ) (آلآنَ وقَدْ عَصَيْتَ)
(آلآنَ وَقَدْ كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجلُونَ)
فإنّها همزة الاستفهام داخلة على همزة الوصل التي مع اللام ، وكان من حقها أن تسقط
لما دخلت عليها همزة الاستفهام ، لأنّها إِنَّما ثبتت في الابتداء دون
الوصل ، لكن لو حذفت لالتبس الاستفهام بالخبر ؛ لأنها مفتوحة ، وهمزة
الاستفهام مفتوحة.
وتحذف همزة الوصل مع همزة الاستفهام في غير ذلك نحو : (أتخَذْتُمْ)
(أسْتَغْفَرتَ لَهُمْ) لعدم الإلباس ؛ لأن همزة الوصل في هذا لا تكون مفتوحة ،
فتلتبس بهمزة الاستفهام ، وإنما قيل لهذه الهمزات همزات الوصل ؛ لأنّها تسقط في
الدرج ، فيتصل ما بعدها بما قبلها ، وقيل : سميت بذلك ؛ لأنها وصل بها اللسان إلى
النطق بالساكن.
(1/741)
القول في ألف القطع
وإنما سميت بذلك لأنها لا يتصل ما بعدها بما قبلها كما كان ذلك
في همزة الوصل لثبات هذه ، وقطعها ما بعدها مما قبلها ، وهذه الألف
تكون في أول الفعل الماضي الذي هو بها على أربعة أحرف ، ويعرف
بضم أول المستقبل نحو : (أكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السحْرِ)
و (ألْهَاكُمُ التكَاثُرُ) و (أَلْقَى) و (أنْعَمَ) و (أنْزَلَ) و (آتى)
و (أكْرَمَنِ) و (أهَانَنِ) و (أنْجَانَا) و (أغْوَيْنَا) و (أمَاتَ وَاحْيَا)
وفي فعل الأمر من هذه الأفعال نحو (أدْخِلْنِي وأجرِجْني)
و (أفْرغْ عَلَيْنَا صَبْراً) و(أنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً)
(وأَرِنَا مَنَاسِكَنَا) (ويَا سَمَاءُ أقْلِعِي).
وهي مفتوحة في جميع
(1/742)
ذلك ثابتة في الحالين ،
والألف في مصادر هذه الأفعال أيضاً ألف قطع
ثابتة غير زائلة على حال إلَا أنّها مكسورة نحو (إعْرَاضاً)
و (إسْرَاراً) و (إيماناً) (وأدبار السجود) (وإدْبَارَ النجُوم)
وإنّما كسرت ليقع الفرق بين لفظ الجمع ، والمفرد ، لأن
الأيمانَ بالفتح جمع يمين ، وكذلك الأسرار ، والأدبار.
وألف المتكلم من هذه الأفعال مضمومة نحو (أفرغْ)
و (أُمَتِّعُهُ) و (أُخْفِي لَهُمْ) في قراءة حمزة ، وإنما ضمت
هي وأخواتها من حروف المضارعة في الرباعي دون غيره ، لأن
الرباعي حذفت منه همزة أَفْعَل لمَّا دخلت عليه همزة المتكلّم كراهة أن
يقولوا : أُأَكْرِمُ ، ثم حذفت مع التاء والنون والياء لأتي كلّها على نحو
واحد ، فجعل الضم الذي هو أقوى الحركات لها عوضاً من حذفها.
وأمّا في غير الرباعي فإنّ همزة المتكلم مفتوحة ، وكذلك أخواتها
(1/743)
أعني : التاء والنون والياء
نحو : (أعْبُدُ) و (أتبعْهُ)
و (أسْتَخْلِصْهُ) ، وكذلك أخواتها فتحت حين سلمت من الحذف.
فلم تحتج إلى الضم.
والألف في (أحمد) ألف قطع ومن ألفات القطع ألف
(إبراهيم ) و (إسماعيل ) و (إسرئيل) و (إسحاق)
و (إدريس ) و (إستبرق) ؛ لأنّها أسماء أعجمية ، وطلب الاشتقاق
فيها ممتنع ، وكذلك ألف (إبليس) ، ومن قال : إنه مشتق من أبلسه
اللّه أي آيسه من رحمته لم يجد وجهاً لامتناع الصرف.
وأما قوله عز وجلّ (أتى الله بقلب سَلِيْمٍ) ، و (أفَلَ).
و (أخَذَ) ، و (أذِنَ) ، و (أمِنَ أهْلُ القرَى)، وألف (إنَّ)
(1/744)
و (أمّا) و (إلّا) و (أنا) و
(أنْتَ) و (إياكَ).
و (أُوَلَئْكَ) ، و (أيَنْما تَكُونُوا) ، و (أَيَّانَ) ، و (أنَّى لكِ هَذا)
فالألف في جميع ذلك أصلية.
* * *
القول في الألفات التي تكون في الوقف خاصة
من ذلك الألف المبدلة من التنوين في حال الوقف نحو :
(أمْتَا) و (ضَنكاً) و (عادا وثمودا) و (لوطا)
و(هُوْداً) و (بيْتَاً) (وَثَجَّاجاً) و (أشْتَاتا) و (بياتاً).
(1/745)
و (غَفُوراً) و (رحيماً) و
(هنيئاً مريئاً).
تبدل من التنوين ألفاً في حال الوقف ، وإنَّما فعلوا ذلك ؛ لأنهم استثقلوا الضمة ،
والكسرة في حال الوقف ، فحذفوها ، وأسقطوا التنوين ، ووقفوا
على الإسكان ، وكانت الفتحة خفيفة ، فأبقوها في حال
الوقف ، ولزم بقات التنوين معها إلا أنهم التزموا مغايرة
الوقف الابتداء ، فلم يمكن ذلك مع بقاء التنوين ، فأبدلوا
منه ألفاً في الوقف ليغايروا بين الحالين ، وليقفوا على ساكن ، وإنّما
اختيرت الألف دون غيرها للتعويض من التنوين ؛ لأن آخر الكلمة فتحة.
والفتحة من الألف.
فلو أتوا بغيرها لأتوا بما لا يجانسها ، فأرادوا أن
يكون العوض من وجه واحد ، وأمّا ما سقط تنوينه من المنصوب للإضافة
فإنّك تقف عليه بغير عوض كما تقف على غير المنون ؛ لأنّ التنوين قد
سقط للإضافة ، والإضافة في حال الوقف منوية نحو (مُسْتَقْبِلَ أوْدِيَتِهِمْ)
و (نَكَالَ الآخِرَةِ) و (دَارَ الْفَاسِقَيْنَ)
فمتى اضطر القارئ إلى الوقف على شيء من ذلك وقف : نَكَالْ ، ومُسْتَقْبِلْ ،
وَدَارْ ونحو ذلك.
ولا يوقف على ما في آخره هاء التأنيث من المنون المنصوب بتعويض.
بل يقف عليه بهاءٍ ساكنة نحو قوله عزّ وجلّ : (وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً
وَرَحَمَةً)
و (إمَاماً وَرَحَمَةً) و (حَنَانَا مِنْ لدُنَا وَزَكَاةً) ؛ لأنَّهم
(1/746)
لو عوضوا من التنوينِ ألفاً
في الوقف لاجتمع على الاسم زيادتان ، تاء
التأنيث ، وعوض التنوين ؛ ولأن الحرف المنوّن إنما هو التاء ، وهذا
الذي وقفوا عليه هاء ، فلو عؤضوا الألف من التنوين لم يكن إلّا التاء.
فلذلك لم يعوضوا منْ التنوين ها هنا الألف.
ومن المختص بالوقف من الألفات ، الألف في قوله - عز وجل - :
(وَلَيَكُوْناً مِنَ الضَاغرِيْنَ)
الوقف على : وليكونن بالألف ، وكذلك (لَنَسْفَعاً بِالناصِيَةِ)
الوقف بالألف ، والألف عوض من نون التأكيد الخفيفة كما عوضت من التنوين ، لأنهِا
مثلها ، ولذلك كتبت بالألف في المصحف في الموضعين (وَليَكُوْناً) و (لَنَسْفَعاً).
ومن ذلك : "إذاً" في نحو قولك : (قَدْ ضَلَلْتُ إذَاً)
وما كان مثله ؛ لأن هذا ، ونون التأكيد ، والتنوين قد اتفق الجميع في لزوم
الطرف ، والمخرج ، وهو الخيشوم ، والسكون ، وانفتاح ما قبلها ، وموافقة
الرسم فإنّ (إذاً) وجميع ذلك مرسوم بالألف.
وكذلك الوقف على أنا بالألف موافقة للرسم ، وإسقاطها في
الدرج إلّا في قراءة نافع في قوله عز وجلّ : (أنا أُحْييْ وأمِيْتُ)
و (أَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ) في الأنعام ، (وَأَنَا أَوَّلُ الْمُومِنِيْنَ)
في الأعراف
و (أنَا أنَئئُكُمْ) في
(1/747)
يوسف ، وفيها (أئا أخُوْكَ) و
(أنا أكْثَرُ) - وأنَا أقلَّ)
في الكهف ، و (أنا آتِيْكَ بِهِ) في النمل ، و (أنا أدْعُوْكمْ)
في غافر ، و (أنا أولُ الْعَابِدِيْنَ) في الزخرف.
و (أنا أعْلمُ) في الامتحان.
وفي رواية قالون عنه : (إنْ أنا نَذِيْرٌ)
في الأعراف ، وكذلك في الشعراء والأحقاف.
وذلك أن الاسم هو الهمزة والنون ، وجيء بهذه الألف في الوقف
حفظاً للحركة ، فلهذا تحذف في الوصل
ومن ذلك قوله عز وجل (لَكِنَّا هُوَ اللًهُ رَبِّيْ)
في الكهف والأصل : لكن أنا ، وبذلك قرأ الحسن ، ويروى أيضاً عن
أبي.
وألقيت حركة الهمزة من "أنا" على النون ، وحذفت الهمزة.
وأدغمت النون في النون ، والألف في الوقف ألف "أنا" وتحذف في
الوصل كما تحذف ألف "أنا" وإنما ثبتت في الوقف محافظة على
الحركة كما يحافظ عليها بالهاء.
وحكي ذلك عن أبي عمرو ، وأثبتها ابن عامر في الوصل.
والوقف ، وهي لغة من يقول من العرب : أنا قمت كما قال :
(1/748)
أنَا سَيْفُ العَشِيْرَةِ
فاعرِفُوني . . . حُمَيْداً قَدْ تَذَرَّيْتُ السَّنَامَا
ويقوي قراءة ابن عامر وقوع الألف كالعوض من حذف الهمزة ؟
لأن الاسم بقي على حرف واحد ، والألف الساقطة من اللفظ لساكن
لقيها إذا وقفت أتيت بها نحوِ : (عَلَيْهِمَا ادْخُلُوْا عَلَيْهِمْ) ، و (دَعَوَا
اللًهَ) و (قَالَا الْحَمْدُ للَّهِ) و (ذَاقَا الشَجَرَةَ) و (تلْكُمَا
الشَجَرَةِ)
و (كانَتَا اثْنَتَيْنِ) و (واسْتَبَقَا الْبَاب) و (ادْخُلاَ النَّارَ) و
(نَجًانَا اللَّهُ)
و (لَوْلَا أنْ هَدَانِا اللَّهُ) و (أغْرَقْنَا الذيْنَ) و (آتَيْنَا الَذِينَ) و
(طَغَى الْمَاءُ)
(1/749)
و (لَدَى الْبَابِ) و (لَدَى
الْحَنَاجِرِ) و (إذَا اهْتَدَيْتُمْ) و (كفَى اللَّهُ)
و (يَا ايهَا النَّاسُ) و (يَا أيُّهَا الَذِينَ آمَنُوْا)
وما كان مثله في جميع القرآن إلّا في سورة النور (أيَّهَ الْمُؤْمِنُونَ)
و (يا أيُّهَ السَّاحِرُ) في الزخرف ، و (أَيُّهَ الثَّقَلَانِ)
في الرحمن فإنّ الوقف فيهن على الهاء من غير ألف ؛ لأنّ رسمه
كذلك.
وتقف عند الضرورة على ألف "لا" من قوله عز وجلّ : (لاَ انْفِصَامَ
لَهَا) لأنهما كلمتان بخلاف : (لاَنْفَضُّوا)
و (لأوْضَعُوْا) و (لأذْبَحَنَّهُ) ؛ لأنها كلمة واحدة في جميع ذلك.
واللام لام التوكيد.
* * *
القول في الياء
الياء التي سقطت في اللفظ لملاقاة الساكن على قسمين : قسم لم
ترسم فيه ، وسقطت في الخطّ حملاً على اللفظ ، وقسم رسمت فيه على
الأصل.
(1/750)
فالذي حذفت فيه في الخط سبعة
عشر موضعاً : (وَسَوْفَ يُؤتِ
اللهُ) في النساء ، (وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ) في المائدة
و (نُنْجِ الْمُؤمِنِيْنَ) في يونس ، وفي الأنعام (يَقْضِ الْحَقَّ)
و (بِالْوَادِ الْمُقَدسِ) و (إِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آمَنُوا) في الحج
وَ (على وادِ النَّملِ)
وَ (الوادِ الايْمَنِ) في القصص ، وَ (بِهَادِ الْعُمْيِ)
في الروم و (إنْ يُردْنِ الرحْمنُ) في يس
وَ (صَالِ الْجَحِيْمِ) في الصافات.
وَ (بَشرْ عِبَادِ الَذِينَ) في الزمر.
وَ (يُنَادِ الْمُنَادِ) في (ق)
وَ (فَمَا نُغنِ النُّذُرُ) في القمر
وَ (الْجَوَارِ الْمُنْشَآتُ) في الرحمن
وَ (بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ) في النازعات.
وَ (الجَوَارِ الْكُنَّسِ)
والوقف على جميع ذلك بالحذف اتباعاً لخط المصحف.
ألَّا أن الكسائى وقف على : (وادي النمل) بالياء.
وكذلك : (بهادي العمي) في الروم.
ووقف السوسى ، عن اليزيديّ ، عن أبي عمرو على قوله عزَّ وجلَّ :
(فبشر عبادي) بالياء وفتحها في حال الوصل.
ووقف ابن كثير على : (ينادي) في (ق) بالياء في أحد وجهيه.
قال العماني : وزعم ابن الأنباري أن الكسائيّ وقف على هذه
(1/751)
الكلمة يعني : (بهادي العمي)
في السورتين بالياء ؛ لأنّ الياء لم يقارنها
ساكن يوجب لها السقوط.
قال العمانيّ وهذه علة خرجت من غير نظر ، وتأمل ، لأن الساكن قد قارنها في اللفظ
وصلاً ، ولأجله حذفت في الخط فثبتت الكتابة على اللفظ في حال الوصل ، ولولا ذلك لم
يجز حذفها في الخطّ.
ألا ترى أنّك لو قلت في الكلام "وما أنت بهادي زيد"
لم يجز حذف الياء منه في الخطّ ، كما لم يجز حذفها في اللفظ لعدم الساكن
بعدها ، فقد علمت أنّ حذف الياء من أحد الموضعين في القرآن خطًّا
إنّ صح ، إنّما هو بناء على اللفظ ؛ لأنّها تسقط في اللفظ ، وسقوطها في
اللفظ لمقارنتها الساكن بعدها بدليل أنّها لا تسقط إذا عدم الساكن بعدها
في الموضع الذي أريتك.
والعلّة التي ذكرها فاسدة إنْ عنى بها أنّه لم يقارنها ساكن في الوصل ، وإن عنى
بذلك حال الوقف ، وزعم أن الساكن يفارقها في الوقف فلمفارقته إياها رد الياء كان
في ذلك مناقضاً لأصله ، وأصول أهل الكوفة ؛ لأنهم يتّبعون خطّ المصحف ، ويحذفون
الياءات المحذوفة فيه سواء أحذفت لاستغنائهم بالكسرة عنها ، أمْ لالتقاء الساكنين
لفظاً في حال الوصل.
فما حذف منها لمقارنة الساكن هو نحو قوله : (يَقْضِ الحَقَّ)
(واخْشَوْنِ اليَوْمَ)
وما حذف لاستغنائهم عنها بالكسرة نحو (المَهْتَدِ) في بني إسرائيل والكهف ،
(وَمَنْ اتبَعَنِ) في آل عمران.
وفي القرآن من الضربين كثير.
(1/752)
والكسائي وأصحابه يقفون على
سائرها بالحذف اتباعاً "للمصحف فما باله خص قوله : (بهادِ العمي) بالياء في
حال الوقف خلافاً لأصولهم ؟
وهلَّا وقف على (يَقض الحقَّ) : (يقضي) ، وعلى (واخشونِ اليوم) :
(واخشوني) ؟
على أني لا أعرف أن الكسائي يقف على هذا الحرف
بالياء ، ولا نأخذ به إلا بالحذف في الحالين ، فإنّ صح ذلك عنه كما
ذكره ، فلا بد من علة يلتجئ إليها سوى هذه العلة ؛ لأنّي قد أريتك
فسادها.
ووجهه عندي ، والله أعلم ، أنه لَمَّا وجدها ثابتة في بعض
المصاحف ، ومحذوفة في بعض احتاط لها بالإثبات خوفاً من أن تكون
ثابتة في المصحف ، فيكون حاذفاً لما ثبت خطه ، ولا يجوز ذلك
بإجماع ، قال : وهذا كلام في الحرف الذي حذفت الياء منه ؛ لأن
عندهم ما حذف في الخط حذف في اللفظ ، فإن كان قد أثبته فقد
خالف أصله ، وأصول أصحابه ، وخلاف الأصل لا بد أن يكون لعلة ما.
وهي ما قلت ، ولا كلام في الحرف الذي ثبتت الياء فيه خطًّا أن وقفه
بالياء ؛ لأن حذف ما ثبت خطه لا يجوز بحال ، فلا وجه لتخصيص
الكسائى بالذكر أنّه أثبته ؛ لأن الجماعة على ذلك. قال : فأمّا من قرأ
(تهدي العميَ) بالتاء ونصب (العميَ) فإنْ وقف عليه لانقطاع
نفس ، أو عطاس وجب إثبات الياء.
قال : ولا يجوز عندي حذف الياء على هذه القراءة.
قال : وزعم ابن الأنباريّ أن حذف الياء منها جائز
في حال الوقف على هذه القراءة ، واحتج بقوله : (ما كنا نَبْغِ)
وأن العرب قد تكتفي بالكسرة عن الياء ، وليس الأمر كما ذكر ؛ لأن القراءة سُنَة
متبعة ، والياء إذا وجدت محذوفة من الخط فهؤلاء
لاكتفائهم بالكسرة عنها ، وحذفها في اللفظ متابعة للخط ، فإذا ثبتت خطًّا
(1/753)
لم يجز حذفها في اللفظ قياساً
على المحذوفات ، وعلى ما توجبه العربية
لخلافه المصحف ، واتباع الأثر ، والإمام لازم.
ومن قرأ (تهدي) فلثباتها عنده في الخطّ قرأ كذلك ، ولا يؤخذ
بقياس العربية إذا أدّى إلى مخالفه المصحف ، واللّه أعلم.
وقوله : زعم ابن الأنباري أنّ الكسائي وقف على (بهادي العمي)
بالياء في السورتين ، فهو زعم صحيح ، وقد رويت عن شيخنا أبي
القاسم الشاطبيّ ، رحمه اللّه ، عن أبي الحسن بن هذيل ، عن أبي داود.
عن أبي عمرو ، حدّثنا محمّد بن أحمد ، حدّثنا ابن مجاهد ، قال حدّثني
محمد بن يحيَى الكسائيّ ، حدّثنا خلف ، عن الكسائي أنه كان يقف
على : (بهادِ العمي) في النمل والروم بالياء.
قال أبو عمرو : وكذلك روى سَوْرة بن المبارك عنه.
وقال أبو عمرو : وحدّثنا عبد العزيز بن جعفر ، حدثنا عبد الواحد بن عمر ، حدّثنا
عيّاش بن عمر ، حدثنا أبو عمر الدوري ، عن الكسائيّ أنه وقف عليهما بغير ياء.
قال أبو عمرو : وكذلك روى الحلوانيّ ، عن أبي عمر عنه.
قال أبو عمرو : وبالرواية الأولى قرأت ، وبها آخذ.
قلت : الحرف الذي في النمل ، ليس كالذي في الروم ، لأنّ الذي في النمل ثابت خطًّا
والذي في الروم محذوف ، وقد روى قتيبة ، عن الكسائيّ أنّه وقف على الذي في النمل
بالياء ، قال قتيبة.
وقال الكسائى : ما كان بالياء وقفتُ عليه
(1/754)
بالياء ، وما لم تكن الياء
فيه ثابتة وقفت بغير ياء.
قال : والوقف على (فَمَا تغْنِ النُّذر) ، وَ (إنّ يرِدْنِ الرحْمَنُ) على النون ،
وعلى (نُنْجِ المُؤْمِنِيْنَ) على الجيم وَ (صالِ الجحيم)
في (والصافات) بالياء ، وقال : لم أسمع أحداً من العرب يتكلم بهذا
المضاف إلا بالياء.
قال أبو عمرو : وأهل الأداء عنه : على حذف الياء في ذلك.
وأما التعليل بأن الياء لم يقارنها ساكن يوجب لها السقوط ، فهو تعليل
صحيح ؛ لأن لقاءها الساكن عارض ، فليس سقوطها لأجله كسقوطها لو
اجتمع معها في الكلمة ساكن يلازمها ، ولا يفارقها ، فذلك سقوط لا
يمكن سواه ، وأما سقوطها لساكن فىِ كلمة أخرى فليس بالسقوط
اللازم ، فإذا فارقته عادت.
هذا معنى قوله : وبه يبطل ما قال العماني كله ، وهذا تعليل لجواز رد الياء ، ولا
كلام فيه ، وأما قول العمانى : وإن عنى بذلك حال الوقف ، فهل يتصور غير ذلك ؟.
وأمَّا قوله : إن فيه مناقضة لأصله ، وأصول أهل الكوفة ؛ لأنهم
يتبعون خط المصحف ، فقد يخرج عن الأصل لأمر يوجب الخروج منه.
وأما قوله : فما باله خص (بهادي العمي) بالياء في حال الوقف خلافاً
لأصولهم ، وهلا وقف على : (يقضِ الحقَّ) : (يقضي) ، فأقول : إنه لم
يخص ذلك فقد وقف على (وادي النمل) بالياء.
قال أبو عمرو : حدثنا فارس بن أحمد ، حدثنا عبد الباقي بن
الحسن ، حدثنا إبراهيم ، حدثنا أحمد بن محمد حدثنا خلف قال :
سمعت الكسائي يكره الوقف على (وادي النمل) ؛ لأنه مضاف ،
(1/755)
يعني لا يبتدأ بما بعده.
قال : فإن وقفت وقفت عليه بالياء ، وقال : هو اسم لا يتم
إلا بالياء.
قال أبو عمرو : وحدثنا محمد بن أحمد بن علي قال : حدّثنا أحمد
أبن موسى ، ومحمد بن القاسم ، عن أصحابهما ، عن خلف ، عن الكسائى
أنه كان يقف على الياء في (وادي النمل) قال أبو عمرو : وكذلك روى
سَوْرة بن المبارك عنه.
قال : لأنه مضاف ، قال : والوقف على (بالواد المقدَّس) على الدال ، لأنه ليس بمضاف
وأما قوله : ووجهه عندي أنه لما
وجدها ثابتة في بعض المصاحف ، ومحذوفة في بعضٍ احتاط لها
بالإثبات خوفاً من أن تكون ثابتة في المصحف ، فيكون خلافاً لما ثبت
خطه ، فلا يجوز ذلك بإجماع فهو وجه لا وجه له ؛ لأن هذه الياء قد ثبت
حذفها في خط المصحف بإجماع فكيف يحتاط للإثبات ، وقد علم
الحذف.
وأما القسم الثاني : سقطت الياء منه في اللفظ للقاء الساكن لا
لغيره ، وثبتت في الخط على الأصل ، والوقف عليها اتباعاً للرسم.
وذلك قوله عز وجلّ : (وَلَا تَسْقِيْ الحَرْثَ) و (يُحْيِ المَوْتَى)
وَ(يُحْي اللهُ المَوْتَى) و (يُؤْتي الحِكْمَةَ) و (سَوْفَ يَأتِي اللهُ)
(وَمَا تُغْنِي الآيَاتُ) و (أنِّيْ أوْفِي الكَيْلَ)
(1/756)
و (ويَشْوِي الوُجُوهَ) (ثم
نُنَجي الَذِينَ اتَقَوْا)
(وكَذَلِكَ نُنْجيْ المُؤْمِنِينَ) و (إلا آتِي الرحْمَنِ عَبْداً)
و (أنَّا نَأتِي الأرْضَ) و (بهادي العُمْي) في النمل ، و (لَا نَبْتَغِي
الجاهِلِينَ)
و (بِمَا كَسَبَتْ أيْدِي النَّاسِ) (وهُوَ يَهْدِي السبِيلَ)
(وَيُنجِّي الَلهُ الَذِينَ اتَقَوْا) و (هَلْ يَسْتَوِي الَذِينَ يَعْلَمُونَ) و
(يُلْقِي الروحَ
مِنْ أمْرِهِ) (وَلاَ تَسْتَوِي الحَسَنَةُ) (تَأتِي السمَاءُ بِدخَانٍ)
(وأيْدِي المُؤْمِنِينَ).
وشبهه في جميع القرآن نحو : (يَسْتَوِي البَحْرَانِ) (تَسْتَوِي الظلمَاتُ)
(يَسْتَوِي الأعْمَى والبَصِيرُ)
و(إنَّا نحْنُ نُحْيِ المَوْتَى).
وكل ما كان من هذا النحو.
(1/757)
ومما يوقف عليه بالياء
(حَاضِرِي المَسجَد)
(مُحِلِّي الصيْدِ) و (مُعْجزِي اللهِ) والمُقِيْمِي الصَّلاة)
و (مهلكي القرى) و (ادخلي الصرح ).
الوقف على جميع ذلك بالياء لأنها مرسومة في المصحف.
ومما تثبت فيه الياء خطًّا ، وهي ثابتة في الوقف
قوله عز وجل (يَا عِبَادِيَ الذِينَ آمَنُوا) في العنكبوت.
و (يَا عِبَادِيَ الَذِينَ أسْرَفُوا) في الزمر
و (يا عِبَادِيَ لاَ خَوْف عَلَيْكُمُ اليوْمَ) في الزخرف.
الياء ثابتة في المصحف في المواضع الثلاثة.
وعن أبي عمرو بن العلاء ، رحمه اللّه ، أنه كان يثبت هذه التي في
الزخرف في الحالين ، ويقول : وجدتها ثابتة في مصاحف أهل
المدينة وأهل الكوفة يحذفونها في الحالين إلا أبا بكر ، عن عاصم
فإنه فتحها في الوصل ، وأثبتها في الوقف ، ولم تثبت الياء في النداء
إلا في هذه المواضع المذكورة ، وهي فيما سواها محذوفة ، والوقف
عليها بالحذف ، وكذلك على المنادى المضاف إلى الياء جميعه
نحو : (يَا قَوْمِ ادْخُلُوْا) ، و (رَبِّ ارْجِعُونِ)
(1/758)
و (رَبِّ احْكُمْ) ، وليس
حذفها في هذا من أجل لقاء الساكن ، إنّما هو من
أجل النداء لأن ياء الإضافة عاقبت التنوين ، ولمّا كان التنوين محذوفاً في
النداء كذلك حذفت الياء ، والدليل - على ذلك حذفها ، وإن لم تلق ساكناً
نحو : (يا قَوْم مَا لِيْ) و (رَبِّ لِتَرْضَى) و (رَبِّ إمَّا تُريني)
(وَلَمَْ أكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا)
(واجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا) و (يَا عِبَادِ فَاتَقُونِ).
يوقف على جميغ ذلك بغير ياء اتباعاً للخط إجماعاً ، وعبادي كلها ثابتة الياء في
الخط إذا كانت في غير النداء نحو (عِبَادِيَ الصالِحُونَ)
(وعِبَادِي الَذِينَ آمَنُوا) و (مِنْ عِبَادِي الشَكُورُ)
فأما قوله عز وجل (فَبَشَرْ عِبَادِيَ الَذِينَ)
فأكثر القراء على أنها محذوفة في الخط فعلى هذا
يوقف بحذفها إلا ما رواه السوسى ، عن اليزيدي ، عن أبي عمرو - رحمه الله - من
فتحها في الوصل فإنّ ذلك يوجب إثباتها في الوقف ، لأنها لا
تفتح في الوصل إلا وهي ثابتة في الخط ، وليس هذا كإثبات يعقوب
لها في الوقف ، فإنه أثبتها في الوقف ، وإن كانت محذوفة في الخطّ.
قال : لأنّ إثباتها هو الأصل .
(1/759)
ولا خلاف بين القراء في إثبات
الياء وصلاً ، ووقفاً في ثلاثين
موضعاً :
في البقرة : (واخْشَوْنِي ولأتِم)
وفيها أيضاً : (فإِن اللهَ يَأْتِيْ) و (فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ) في آل
عمران ، وفي الأنعام : (ولَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبيْ)
و (يَوْمَ يَأْتِيْ بَعْضُ) وَ (هَدَانِيْ رَبيْ).
وفي الأعراف : (يَأْتِيْ تَأوِيْلُهُ) (فَهُوَ المُهْتَدِيْ)
وفي هود (فَكِيْدُونِيْ جَمِيعاً) ، وفي يوسف : (مَا نَبْغِى) ، (ومَنِ
اتَبَعَنِي)
وفي إبراهيم (فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنهُ مِنيْ)
وفي الحجر : (مَنِ المَثَانِيُ) وفي النحل : (تَأْتِيْ كُل نَفْسٍ تُجَادِلُ)
وفي سبحان : (لِعِبَادِيْ يَقُولُوا التِي هِيَ أَحْسَنُ).
وفي الكهف (فإِنِ اتبَعْتَنِي) وفيها (فَلَا تَسْألْنِي).
وفي مريم : (فَاتبِعْنِي أهْدِكَ) وفي طه (فاتبِعُوِنِي وأطِيْعُوا أمْرِيْ)
وفي النور (والزانِيْ) وَ (يَعْبُدُوننِي لاَ يُشْرِكونَ).
وفى القصص (يهديْنِي سَوَاءَ السبِيْلِ).
وفي يس (وأنِ اعْبُدُونِي) ، وفي (ص) (أُولِي الَأيْدِيْ والأبْصَارِ).
وفي الزمر(أفَمَنْ يَتَقِي) و (لَوْ أنَّ اللهَ هَدَانِيْ).
وفي الرحمن : (فَيُؤْخَذ بالنَّواصِيْ والأقْدَامِ).
وفي الصف (لِمَ تُؤْذُوْنَنِيْ) و (بِرَسُولٍ يَأتِيْ)
(1/760)
وفي المنافقين (لَوْلاَ أخرْتَنِي
إلَى)
الياء في جميع هذا ثابتة في الخط ، والقراءة وصلاً ووقفاً.
وقد كنت نظمت هذه الياءات في "فتح الوصيد" وذكرتها ها هنا
لمن وقف على هذا الكتاب دون ذلك.
* * *
القول في الواو
وهي على قسمين : ما ثبت في الوقف دون الوصل ، وما حذف في
الحالين ، فما ثبت في الوقف دون الوصل ينقسم إلى ما هو لام الفعل.
وما هو متّصل بالفعل ، أو باسم الفاعل على أنه فاعل ، وهو للجماعة.
فالذي هو لام الفعل (يَمْحُو الَلهُ مَا يَشَاءُ) في الرعد
و (مُلاقُوا اللهِ) و (لَنْ تَنالُوا البِر) (ومَا قَدَرُوا اللهَ) (وأسَروا
النجْوَى)
(وَيُقِيمُوا الصلَاةَ) و (يَقُولُوا التِي هِيَ أحْسَنُ)
(1/761)
(وَلَا تَسُبُّوا الَذِينَ..
فَيَسبُّوا اللهَ) (وذروا الذين يُلحدون)
و (أَسَاءُوا السُّوأَى) و (نَسُوا اللهَ) و (نَسُوا الذكْرَ)
و (لَا تَدْعوا اليَوْمَ ثبُوراً وَاحِداً) و (صَالوا النارِ) و (لَصَالوا
الجَحِيمِ)
و (إنا كاشِفُوا العَذَاب) و (إنا مُرْسلُوا النًاقَةِ)
و (جَابُوا الصخْرَ).
ونحو ذلكَ.
كل هذا ثابت الواو في الرسم ، والوقف عليه كذلك إلا أربعة
مواضع جاءت الواو فيها محذوفة في الخط وذلك قوله عر وجل
(وَيَدع الإنْسَانُ) في بني إسرائيل ، و (يَمْحُ اللهُ البَاطِلَ)
في الشورى ، و (يَدع الداعِ) في القمر
وَ (سَندْع الزبَانِيَةَ)
قالوا : ومحذوفة في هذه الأربعة ، لأنها محذوفة في اللفظ للساكن ، فهذه رسمت على
حكم الوصل ، وتلك رسمت على حكم الوقف ، وفي ذلك تنبيه على جواز الرسم على الوجهين
، فالوقف على هذه بالحذف اتباعاً للرسم ، وعلى تلك بالإثبات
(1/762)
اتباعاً له أيضاً.
واتفق أهل التفسير على أنّ قوله : (وَيَمْحُ اللهُ البَاطِلَ) مرفوع.
وليس بمعطوف على قوله (يخْتِمْ).
وقال أبو حاتم ، وجماعة من النحاة : الوقف على ذلك كله بالواو.
وكذلك قال في قوله عز وجل : (وَصَالِحُ المُؤْمِنِينَ).
وهذا القول مردود عند العلماء ، لما فيه من مخالفه الخط.
وأمّا قوله : (وَصَالِحُ المُؤْمِنينَ) فيجوز أن يراد به الجنس كقولك :
لا يصحبني إلا قارئ القرآن ، وأنت تريد الجنس ، وهو قول الطبري.
وقال مجاهد : هو عمر ، وقيل : هو على عليه السلام وعلى هذه الوجوه الوقف بغير واو
لا يجوز غيره.
وقيل : أراد (وصَالِحُوا المُؤْمِنِينَ) والوقف على هذا الوجه أيضاً
بغير واو اتباعاً للرسم.
ويقف عند الضرورة ، وانقطاع الصوت على الواو من قوله عز وجل
(أوَ أمِنَ أهْلُ القُرَى) و (أوَ آبَاؤُنَا الأولُونَ)
في الموضعين على قراءة من أسكن الواو ؛ لأنّ "أو" كلمة مستقلة.
وأما من فتح الواو فلا يقف عليها ؛ لأنها واو العطف ، فلا يفصل بينها ، وبين
المعطوف بحال ، ولا يقف على الواو
(1/763)
من (كَالُوْهُمْ أوْ
وَزَنُوْهُمْ) ؛ لأن الضمير المنصوب مع ناصبه
كالكلمة الواحدة.
قال أبو عبيد : الاختيار أن يكون : "كالوهم ووزنوهم" حرفاً واحداً
لأن المصاحف اجتمعت على طرح الألف فيهما ، يعني بعد الواو.
قال : ولو كان منفصلًا من هم لكتبوا الألف كما كتبوا في
(جاؤوا وذهبوا).
ويروى عن عيسى بن عمر ، وحمزة : كالوا ووزنوا على أنّهما كلمتان.
وكانا يقفان على الواوين وقفة لطيفة لبيان هذا المعنى يجعلان الضمير
للمطففين ، وليس ذلك بوجه الكلام ، ولا يجوز موافقتهما على ذلك ؛
لأنّ المعنى في قوله عزّ وجلّ : (إذَا اكتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ)
إذا أخذوا منهم ، وفي قوله : (وإذا كالوهم) أي أعطوهم
يخسرون ، والضمير المرفوع في (كالوا ووزنوا) راجع إلى الناس.
وهذا نظم متطابق ، وإذا جعل الضمير للمطففين كما حكي عن
عيسى ، وحمزة لم يتطابق النظم ، وصار المعنى إذا أخذوا من الناس
استوفوا ، وإذا كالوهم على الخصوص ، أو وزنوهم على الخصوص
أخسروا ، وهذا غير الأول.
(1/764)
قال أبو القاسم الزمخشري :
والتعلق بأن الألف التي تكتب بعد واو
الجمع غير ثابتة ركيك ؛ لأن خط المصحف لم يراع في كثير منه حدُّ
المصطلح عليه في علم الخط.
قال : على أنّي رأيت في الكتب المخطوطة بأيدي الأئمة المتقنين هذه الألف مرفوضة
لكونها غير ثابتة في اللفظ ، والمعنى جميعاً ؛ لأنّ الواو وحدها
معطية معنى الجمع ، وإنّما كتبت هذه الألف تفرقة بين واو
الجمع ، وغيرها في نحو قولك : هم لم يدعوا ، وهو يدعو فمن لم يثبتها
قال : المعنى كاف في التفرقة بينهما.
انتهى كلامه.
ولا يوقف على هذين الواوين ، فلا يلتفت إلى ما حكي عن المذكورين.
وقد رأيت أن أذكرها هنا حكم ما ضم من كلمتين فصار كلمة واحدة
في اللفظ كقوله عز وجل : (مَاذَا يُنْفِقُونَ)
يجوز الوقف على ما عند الضرورة ، وانقطاع النفس على قراءة أبي عمرو ، رحمه الله ،
وكلّ من رفع (العَفْوَ) ، لأنهما على قراءته كلمتان ، و (ذا) بمعنى الذي ،
والتقدير : ما الذي ينفقون فجوابه : الذي ينفقون العفو.
وهو في غير قراءة أبي عمرو كلمة واحدة ، والكلمة الواحدة لا يوقف
على بعضها ، والمعني : ما ينفقون ، لذلك كان جوابه نصباً أي : ينفقون
العفوَ ، وكذلك : (أَوَ أمِنَ أهْلُ القرَى) (أوَ آبَاؤُنَا) من قرأ (أَوْ)
ْفهي كلمة خارجة عمّا بعدها ، فله أن يقف عليها عند الضرورة ، ومن
(1/765)
قرأ (أوَ آبَاؤُنَا) (أوَ
أمِنَ) فلا يقف ؛ لأن واو العطف من جملة الكلمة
التي دخلت عليها.
ومن ذلك قوله عزّ وجلَّ (مَا لِيْ لا أرَى الهُدْهُدَ)
و (مَالِيْ لَا أعْبُدُ الَذِيْ فَطَرَنِيْ)
"ما" كلمة ، و "لي" كلمة.
وفرّق العمانيّ بينهما ، فزعم أن "مالي" في سورة النمل كلمة.
و "مالي " في سورة "يس" كلمتان.
وقال في التي في النمل هي كلمة واحدة للاستفهام.
قال : وهو مالي الذي في معنى "ما" المستفهم بها ، قال :
لا فرق عندي بينهما ، يقول : "ما" ، و "مال " ، قال إلا أنّ
"ما" يرتفع ما
بعدها ، تقول : ما حاجتُك ، وما الشيءُ الذي عندك ، و "مالِ"
لا تستعمل إلَّا مضافاً إليها تقول : "ما لزيد" و "مالِ هذا الكتاب
"
و "مالي ومالك وماله ".
فقوله : (مالي) في سورة النمل هي كلمة واحدة ، وقوله
في سورة النمل غلط عليه ، أو منه ، إذ لا فرق بين ما في سورة النمل ، وما
في سورة يس ، ولعلّه أراد الذي في النساء والكهف والفرقان
والمعارج ، فإنّه كتب "مال" اللام منفصلة ممّا بعدها فاغتر بذلك.
وظنّ أنّ "مال" كلمة ، وذلك باطل ، وإنّما هي "ما"
الاستفهامية واللام لام
الجر ، ولا يصح أن تكون "مال " كلمة استفهام مثل : "ما" ولا
يقول
(1/766)
ذلك أحد ، وإنما كتبت في
المصحف في المواضع الأربعة كذلك على
غير ما ينبغي أن تكتب عليه ، ولعل الكاتب أراد بذلك التنبيه على أن اللام
زائدة داخلة على الكلمة مع أنَها دخلت على حرف زائد في هذا وهؤلاء.
وهو ها التي للتنبيه ، وفصلها في المعارج كراهة اجتماع اللامين.
وقال العماني في قوله عز وجل : (أحدَ عشَرَ كوكباً)
هما اسمان يجريان مجرى الاسم الواحد.
قال : والوقف على أحدهما عندي جائز إذا اضطر القارئ إليه لانقطاعهما في الخط ،
ولأن كل واحدة منهما تستقل بمعناها ، وتستعمل كل واحدة منهما على الانفراد.
والذي قاله ، فيه نظر مع أنه قد أساء في العبارة حين قال : الوقف على أحدهما عندي
جائز ، وكان الوجه أن يقول : الوقف على أحد دون عشر ، وقوله : الوقف على أحدهما
يوهم أنك إن شئت وقفت على أحد وإن شئت وقفت على عشر ، والوقف على عشر لا كلام فيه
، ثم إن (أحد عشر) قد ركبت ، وصارت كلمة واحدة ، والوقف على بعض الكلمة لا يجوز.
وقوله إن كل واحدة منهما تستقل ، وتستعمل كل واحدة منهما على
الانفراد فليس كما قال ؛ لأن "عشر" لا يستعمل إلا مركباً.
و (يومئذ) كتب موصولاً فلا يوقف إلا على الكلمة بكمالها.
وفرَّق بعضهم بين يومئذ المعرب ، والمبني.
فوقف على يوم من المعرب ، وعلى يومئذ المبني ، ولا يوافق على ذلك ؛ لأن الكلَ
موصول ، فالوقف على موافقة الرسم.
وكذلك القول في (حينئذ) ، فإن انقطع النفس على نحو "يوم"
من "يومئذ" و "حين " من "حينئذ" أعدتهما مع إذ في
مراجعة الكلمة.
ولم تبتدئ بإذ.
(1/767)
و"أنْ لا" بالنون
مفصولا عن "لا" في عشرة مواضع :
فالوقف فيها على النون ، ولك أن تبتدئ ب "لا" ، ولا تعيد "أنْ
".
وكذلك ما كان مثله من المقطوع.
ففي الأعراف موضعان : (أنْ لَا أقُولَ) (وأنْ لَا يَقُولُوا عَلَى الَلهِ
إلَا الحَقَّ) ، وفي التوبة موضع (أَنْ لَا مَلْجَأَ)
وفي هود موضعان : (وأنْ لاَ إلَهَ إلا هُوَ) (وانْ لاَ تَعْبُدُوا إلَا الَّلهَ)
وفي الحج موضع : (أنْ لَا تُشْرِكَ بِيْ شَيْئاً)
وفي يس موضع : (أنْ لَا تَعْبُدُوا الشيْطَانَ).
وفي الدخان موضع : (وأنْ لَا تَعْلُوا علَى اللهِ).
وفي الامتحان (عَلَى أن لَا يُشْرِكْنَ).
وفي نون موضع : (أنْ لَا يَدْخُلَنَّهَا).
وجاء (يومَ هُمْ) مفصولاً في الخط في موضعين : (يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ) في غافر
وَ (يَوْمَ هُمْ عَلَى النارِ) في (والذاريات)
فإذا اضطر القارئ وقف على (يوم) وابتدأ (هم).
وأما قوله عزَّ وجلَّ (حَتَى يُلَاقُوا يَوْمَهُمْ)
وَ (مِنْ يَوْمِهِم الذِيْ يُوْعَدُونَ).
فلا يفصل بينهما في الوقف لاتصالهما في الرسم.
* * *
ذكر المركب مع ما
وجاء (كُل مَا) مقطوعاً في موضعين : (كُل مَا رُدُّوا) في
(1/768)
النساء ، ومنهم من يصله ، وهو
القياس.
وَ (أتَاكُمْ مِنْ كُل مَا سَألْتُمُوهُ) في إبراهيم.
و (بِئس ما) في جميع القرآن مقطوع إلا في البقرة
(بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أنْفسَهُمْ) وَ (بِئسَمَا يَأمُركُمْ بِهِ
إيْمَانُكُمْ)
وفي الأعراف (بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِيْ مِنْ بَعْدِيْ).
و (إِنَّما) في جميع القرآن موصول إلا في موضع واحد :
(إِنَّ ما تُوْعَدُونَ لآتٍ) في الأنعام
و(أنما) أيضاً موصول إلا في موضعين : (وأنَّ مَا يَدْعُوْن)
في الحج ، ومثله في لقمان.
وقد كتب أهل الأندلس (واعْلَمُوا أن مَا غنِمْتُمْ)
و (إن مَا عِندَ اللَّهِ) في النحل مقطوعاً ، واختار أبو عمرو فيها
الوصل ، قال : وكذلك هما في مصاحف أهل العراق بالوصل.
و(أين ما) في جميع القرآن مقطوع إلَا ثلاثة أحرف :
(فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ)
(أَيْنَمَا يُوَجِّهْهُ لَا يَأْتِ بِخَيْرٍ).
واختلفوا في النساء ، وفي الشعراء ، والأحزاب.
فمنهم من عدَّ الذي
(1/769)
في النساء (أيْنَمَا
تَكُونُوا يُدْرِككُمُ المَوْتُ) في الموصول
ومنهم من لم يعدّ ، وكذلك في الأحزاب (أيْنَمَا ثُقِفُوا).
وقوله عزّ وجلّ في البقرة (وَحَيْثُ مَاكنْتُمْ) مقطوع في
جميع المصاحف.
و (في ما) مقطوع في الشعراء في قوله عزّ وجلّ (فِيْ مَاها هُنَا آمِنِينَ)
بلا خلاف.
واختلفوا في عشرة أحرف فمنهم من وصل جميعها ، ومنهم من
قطع الجميع ، وذلك قوله عزّوجلّ : (في ما فَعَلْنَ في أنْفُسِهِن مِنْ
مَعْرُوفٍ) ، وهو الثاني في سورة البقرة ، و (لِيَبْلُوَكُمْ فِيْمَا آتَاكمْ)
في المائدة ، ومثله في الأنعام ، وفيها أيضاً (قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ
إِلَيَّ)
وفي الأنبياء (فِيمَا اشْتَهَتْ أنْفُسُهُمْ خَالِدُونَ).
وفي النور (في مَا أفضْتُمْ فِيهِ)
وفي الروم (مِنْ شرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكمْ)
وفي الزمر موضعان : (في مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُون)
و (فيِ ما كانوا فيه يختلفون)
وفي الواقعة : (فِي مَا لاَ تَعْلَمُون).
و(بئسما) موصول في موضعين في البقرة (بئسما اشتَرَوا بِهِ أنفسَهُم)
(بئسما يأمركم به إيمانكم)
(1/770)
وفي الأعراف (بئسما خلفتموني)
و (من ما) مقطوع في ثلاثة (فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أيْمَانُكُمْ) في النساء.
وفي الروم (هل لَكُمْ مِنْ مَاْ ملكت أيمانُكم)
وفي المنافقين (من ما رزقناكم)
و (عما) موصول في جميع القرآن إلا قوله عزّ وجلّ :
(عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ) في الأعراف فإنه مقطوع.
و (إمَّا) في جميع القرآن موصول إلّا قوله عز وجل في الرعد :
(وإنْ مَا نُرِيَنكَ بَعْضَ الًذِي نَعِدُهُمْ) فإنه مقطوع
قال ذلك حمزة الزيات ، وأبو حفص الخزاز.
وقوله عز وجل (أمْ مَا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أرْحَامُ الأُنْثَيَيْنِ) مقطوع.
* * *
ذكر ما رُكِّب مع لا
(لكيلا) في آل عمران موصول في كتاب الغازي وفيما ذكر
محمد بن عيسى ، عن نصير ، وقوله عز وجل : (لِكَيْلَا يَعْلَمَ)
(1/771)
في الحج ، وفي الأحزاب
(لِكَيْلاَ يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ)
وفي الحديد (لِكَيْلاَ تَأسَوْا).
هذه كلها بالوصل.
و (أن لا) في عشرة مواضع مقطوع وذلك في الأعراف
(أَنْ لَا أَقُولَ عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ) وفيها أيضاَ (أنْ لاَ
يَقُوْلُوا عَلَى الَلهِ إلا
الحَقَّ) ، وفي التوبة (أنْ لَا مَلْجأ) ، وفي هود (وأنْ لَا إلَهَ إلا هُوَ)
وفيها أيضاً (أنْ لاَ تُعْبُدُوا إلا الَلهَ إني أخافُ).
وفي الحج (أنْ لَا ئُشْرِكَ بِيْ) ، وفي يس (أنْ لاَ تَعْبُدُوا الشيْطَان).
وفي الدخان (وأنْ لَا تَعْلُوا عَلَى اللَّهِ)
وفي الامتحان (عَلَى أنْ لاَ يًشْرِكْنَ)
وفي نون (أنْ لَا يَدْخلَنَّها اليوْمَ).
* * *
ذكر المركب مع من
وَ (يَصْرِفُه عَنْ مَنْ يَشَاءُ) وَ (فَأعْرِض عَنْ مَنْ)
ًهذان مقطوعان لا غير.
وَ (أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا)
في النساء مقطوع.
وكذلك في التوبة (أَمْ مَنْ أَسَّسَ)
(1/772)
وفي الصافات (أمْ مَنْ
خَلَقْنَا) ، وفي فصلت (أمْ مَنْ يَأتِيْ آمِناً)
وما سوى ذلك موصول.
وكل ما في القرآن (فإن لم) فإنه مقطوع إلا قوله عز وجل :
(فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ) في هود فإنه موصول.
(ألَنْ نَجْعَلَ لَكمْ مَوْعِداً) وَ (ألَنْ نَجْمَعَ عِظَامَه)
هذان بالوصل لا غير.
واعلم أن معرفة الوقف والابتداء تنبني على معرفة معاني القرآن.
وتفسيره ، وإعرابه ، وقراءاته ، فقد يقتضي بعض القراءات وقفاً لا تقتضيه
القراءة الأخرى ، فعلى ما ذكرته فاعتمد في الأوقاف لا على كتب
المصنفين في ذلك ، ففيها تخليط كثير ، وعدم إتقان ، وإعراب فاسد.
ووجوه من المعاني غير مرضية ، والله المستعان.
* * *
وقد كنت ناوياً أن أضيف إلى هذا التصنيف كتاباً آخر أسمّيه
"روض القرآن وحوض الظمآن " يشتمل على مواضع من القرآن تحتاج
إلى معرفة معانيها ، وإيضاح مشكلها ، وكشف ما خفي من إعرابها ، وأنا
على ذلك بمعونة اللّه ، وتيسيره ، إن تأخر الأجل ، وساعد القدر ، على
بلوغ الأمل ، وإلا فقد وقفت على الوقف ، وعجلت إبراز هذا الكتاب
إسعافاً لطالبيه ، ولم أجد من ذلك بدًّا لكثرة من يستدعيه.
واعلم أن أئمة الدين ، وعلماء المسلمين أجمعوا على قراءة السبعة حين اعتبروا
(1/773)
قراءتهم ، وتدبروا روايتهم ،
وعلموا ثقتهم وعدالتهم ، وإنما سلكوا
المحجّة العظمى ، ونكبوا عن بُنَيَّات الطرق ، ورفضوا الشاذ ، واعتمدوا
على الأثر ، وهجروا من خالف ذلك ، ولم يأخذوا عنه ، وتركوا قراءة من
كان يرى جواز القراءة بما يجوز في العربية ، وإن لم يرجع إلى آثار
مروية عملاً بقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
"إيَّاكم ومحدثاتِ الأمورِ ، فإنَّ كلَّ محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة".
وعن عقبة بن عامر الجهنيّ ، رحمه الله : آخر ما عهد إلينا
رسول الله عته أنْ قال : "عليكم بكتاب الله ، وسترجعون إلى قوم يحبّون
الحديث عني ، ومن قال عليَّ ما لم أقل فليتبوأ مقعده من النار ، ومن
حفظ شيئاً فليحدث به ".
ومما يوضح تفسك هؤلاء الأئمة بالنقل ما نراه في قراءاتهم من قراءة حرف في موضع على
وجه ، وقراءة ذلك الحرف في غير ذلك الموضع على خلاف ذلك كما قرأ نافع (يحزن) في
جميع القرآن إلاّ في الأنبياء ، وكما قرأ القرّاء كلهم "سُخْريًّا"
بالضم في الزخرف ، وكسره من كسره في سوى ذلك.
وجاء في القرآن "إبراهيم" ، عليه السلام في تسعة وستين موضعاً.
قرأ ابن عامر ، رحمه الله ، منها ثلاثة وثلاثين "إبراهام " ، وقرأ
إبراهيم في
الباقي ، حتى إنه يقرأ في السورة الواحدة في موضع منها : إبراهام ، وفي
(1/774)
آخر إبراهيم.
ومن ذلك "الأيكة" واختلافهم في موضعين ، وهي في
القرآن في أربعة مواضع ، وهذا واضح في التمسك بالأثر.
ومما مضى عليه السلف والخلف من أئمة القرآن الدعاء عند
الختم ، وكان شيخنا أبو القاسم ، رحمه اللّه ، يقول عند الختم : الَّلهم إنا
عبيدك ، وأبناء عبيدك ، وأبناء إمائك ، نواصينا بيدك ماضٍ فينا حكمك.
وعدل فينا قضاؤك ، نسألك اللهمَّ بكل اسم هو لك سميت به نفسك.
أو أنزلته في كتابك أو في شيء من كتبك ، أو علمته أحداً من
خلقك ، أو استأثرت به في علم الغيب عندك أن تجعل القرآن ربيع
قلوبنا ، وشفاء صدورنا ، وجلاء أحزاننا ، وهمومنا ، وسائقنا ، وقائدنا
إليك ، وإلى جناتك جنات النعيم مع الذين أنعمت عليهم من النبيين.
والصديقين ، والشهداء ، والصالحين برحمتك يا أرحم الراحمين.
وهو دعاء مرويٌّ عن رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - لتفريج الهم ، وأنا أدعو به
عند الختم وأزيد عليه :
اللهم اجعله لنا شفاء ، وهدى ، وإماماً ، ورحمة ، وارزقنا تلاوته
على النحو الذي يرضيك عنا ، ولا تجعل لنا به ذنباً إلا غفرته ، ولا هماً
إلا فرجته ، ولا دَيْناً إلّا قضيته ، ولا مريضاً إلا شفيته ، ولا عدواً إلّا
كفيته ، ولا غائباً إلّا رددته ، ولا عاصياً إلّا عصمته ، ولا فاسداً إلا
أصلحته ، ولا ميتاً إلارحمته ، ولا عيباً إلا سترته ، ولا عسيراً إلا يسرته ،
(1/775)
ولا حاجة من حوائج الدنيا
والآخرة لك فيها رضى ، ولنا فيها صلاح إلّا
أعنتنا على قضائها في يسر منك ، وعافية برحمتك يا أرحمن
الراحمين.
اللهم اجمع على الهدى أمرنا ، واجعل التقوى زادنا ، واجعل
الجنة مآبنا ، وزدنا ، ولا تنقصنا ، وأعطنا ولا تحرمنا ، وأكرمنا ولا تهنا.
وآثرنا ولا تؤثر علينا ، وارض عنا ، ورضّنا ، واغفر لنا ولوالدينا ، ولأئمتنا.
ولمعلمينا ، ولمن سبقنا بالإيمان مغفرة عزماً برحمتك يا أرحم الراحمين.
صلَّى الله على سيدّنا محمّد خاتم النبيين ، وعلى آله الطيبين
الطاهرين والحمدُ لِلَّه ربّ العالمين.
وروى عاصم بن أبي النجود - رحمه الله - ، عن زرّ بن حُبَيْش قال : قرأت القرآن في
المسجد الجامع بالكوفة على أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب ، رضي الله عنه ، فلما
بلغت الحواميم قال لي : يا زرّ قد بلغت عرائس القرآن ، فلما بلغت رأس العشرين من
(حم عسق) (والذين آمنوا وعملوا الصالحات في
روضات الجنات لهم ما يشاءون عند ربهم ذلك هو الفضل الكبير)
بكى حتى ارتفع نحيبه ، ثم رفع رأسه إلى السماء ، وقال : يا زر : أمَِّن
علي دعائي ، ثم قال : اللهم إنّي أسألك إخبات المُخبتين ، وإخلاص
المؤمنين ، ومرافقة الأبرار ، واستحقاق حقائق الإيمان ، والغنيمة من كل
برّ ، والسلامة من كلّ إثم ، ووجوب رحمتك ، وعزائم مغفرتك ، والفوز
بالجنة ، والنجاة من النار ، ثم قال : يا زرّ إذا ختمت فادع بهذه الدعوات.
فإنّ حبيبي رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - أمرني أن أدعو بهنّ عند ختم القرآن.
وعن أبي أمامة أنّ رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - قال : إذا ختم أحدكم القرآن
(1/776)
فليقل : اللهم آنس به وحشتي
في قبري وكان أبو عمرو الدانيّ.
رحمه الله ، يدعو عند ختم القرآن بدعاء طويل يقول :
صدق اللّه الذي لا إله إلا هو الرحمن الرحيم الحيّ القيوم ، الذي
لا يموت ذو الجلال والإكرام ، والأسماء العظام ، وبلغت الرسل الكرام
رسالات ربنا عليهم السلام.
اللهم انفعنا بالقرآن العظيم ، وبالآيات والذكر الحكيم ، اللهم اجعل القرآن ربيع
قلوبنا ، وجلاء أحزاننا ، وذهاب همومنا ، وغمومنا ، وسائقنا ، وقائدنا إلى جناتك
جنات النعيم.
اللهم لا تجعل القرآن بنا ماحلًا ولا الصراط بنا زائلاً ، ولا محمداً - صلى الله
عليه وسلم - عنا في القيامة موَلِياً.
اللهم اجعلنا ممن يحل حلاله ، ويحرم حرامه ، ويرعاه حقّ رعايته.
اللهمّ أنث علمتناه قبل علمنا بنفعه ، ومننت به علينا قبل علمنا
بمعرفته ، اللهمَّ وإن ذلك من فضلك لطفاً بنا ، ورحمة لنا ، وامتناناً علينا
من غيرحولنا ، ولاحيلتنا ، ولا قوتنا ، اللهم فهب لنا حسن تلاوته.
وحفظ آياته ، وإيماناً بمتشابهه ، وعملاً بمحكمه ، وعبرة في ترديده.
وبصيرة في ترجيعه ويقيناً ثابتاً عند استفهامه.
اللهم اجعله لنا حصناً حصيناً من عذابك ، وحرزاً مانعاً من سخطك ، ودليلاً على
طاعتك ، ونوراً يوم لقائك نستضيء به في خلقك ، ونجوز به على صراطك ، ونهتدي به إلى
جنتك.
اللهم إنّا نعوذ بك من الشقوة في حمله ، والعمى
في علمه ، والتقصير دون حقه اللهم ارزقنا حلاوة في تلاوته ، ونشاطاً
على قراءته ، ووجلاً في ترديده.
اللهمَّ إنّا نعوذ بك من تخلّفه في قلوبنا بترك تلاوته بألسنتنا.
وتوسّده عند رقادنا ، ونبذه وراء ظهورنا ، ونعوذ بك من قساوة قلوبنا لما
(1/777)
به قد وعظتنا.
اللهم انفعنا بما صرفت فيه من الآيات ، وذكرنا بما
ضربت فيه من المثلات ، وكفر عنا بتلاوته السيئات ، وضاعف لنا به
الحسنات ، ولقّنا به البشرى عند الممات.
اللهم إنك جعلته لنا بركة ، فزدنا به من كلّ بركة ، ونجاة ، فنجنا به
من كل هلكة ، وجعلته لنا عصمة فاعصمنا به من كل شبهة ، وكل بدعة.
أو ضلالة ، أو رياء.
اللهم اجعله زادنا إلى الموقف ، وعلماً نافعاً نشكر به نعماءك ، وارزقنا به
تخشّعاً صادقاً نسبّح به أسماءك.
الّلهم إنك اتّخذته علينا حجة قطعت به عذرنا ، واصطنعت به نعمة عندنا قصر عنها
شكرنا.
اللهمّ اجعله لنا شافعاً يوم اللقاء ، وحجيجاً يوم القضاء ، ونوراً
يوم الظلماء يوم تجزى كلّ نفس ، وكل ساع بما سعى يا ربّ يا ربّ.
اللهم لا تبق لنا بالقرآن ذنباً إلا غفرت ، ولا دَيْناً إلّا قضيت ، ولا مأسوراً
إلا فككت ، ولا غازياً إلّا غنَّمت ، ولا غائباً إلّا أدَّيت ، ولا عدواً إلا
كفيت ، ولا هماً إلا فرّجت ، ولا مريضاً إلّا شفيت ، ولا ميتاً إلاّ رحمت.
ولا شدّة إلّا كشفت ، ولا معيشة إلاّ وسعت ، ولا بركة إلّا أنزلت ولا
سعراً إلا أرخصت ، ولا حاجة من حوائج الدنيا والآخرة لك فيها رضى.
ولنا فيها صلاح إلا أعنت على قضائها في يسر منك ، وعافية يا أرحم
الراحمين.
اللهم اجعل على سيّدنا محمد وعلى آله من صلواتك أفضلها
وأزكاها ، ومن بركاتك أنماها وأعلاها ، واجعل صلاتنا عليه صلاة
ترضاها.
اللهم صل على محمّد في الليل إذا يغشى ، والنهار إذا تجلى.
وصلّ على محمد في الآخرة والأولى ، اللهم أعزّنا بولايتك ، وأكرمنا
بكفايتك ، وجمِّلْنا ببركاتك وزيادتك ، وامنن علينا بعفوك وعافيتك.
وأيدّنا بحسن عبادتك.
(1/778)
اللهم اجعلنا ممن عرف نعمتك
شكراً ، وأقام حدودك احتساباً
وصبراً ، ولا تجعلنا من الذين بدّلوا نعمتك كفراً ، واستنكفوا عن عبادتك
عتوًّا وكبراً.
اللهم اجعلنا من أهل المنازل الرفيعة ، وثبتنا على هذه المقامات
الشريفة ، واخصصنا منها بأوفر الحظ والنصيب ، واجعل ذلك مصروفاً في
رضاك في الدنيا ، والثواب في الآخرة يا أرحم الراحمين ، اللهم اقض عنا
دينك ، ودين عبادك ، واغفر لنا ما سلف من ذنوبنا ، واحفظنا فيما بقي من
أعمارنا بما تحفظ به عبادك الصالحين.
اللهم ، ومن تقدّمنا من أسلافنا إلى القبور من الآباء والأمهات ، والإخوة والأخوات
، وجميع الأهل والقرابات ، وإخواننا الذين أخلصوا لنا المحبة فيك والمودات الذين
فارقوا الأحباب ، وسكنوا التراب ، ورجوا بتوحيدك جزيل الثواب.
اللهم وأهل القبور من أهل ملّتنا كافة برِّد عليهم مضاجعهم ، وافسح لهم في قبورهم
، واجعل لهم في ثوابنا هذا أوفر الحظ ، والنصيب.
اللهم وإذا صرنا إلى ما صاروا إليه فكن بنا رؤوفاً رحيماً يا أرحم الراحمين.
اللهم ارحمنا برحمتك الواسعة وارحم من قرأنا عليه ، وقرأ علينا
ومن تعلمنا منه ، ومن تعلّم منا ، واجعل بعضنا على بعض بركة ، ورحمة يا
أرحم الراحمين.
اللهم ومن سألنا الدعاء ، وسألناه الدعاء ، فأجب دعاءنا فيه ودعاءه فينا ، واجعل
السهم بيننا وبينهم واحداً ، واقض حوائجنا ، وحوائجهم ، وحوائج السائلين ،
(رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ
رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ) ، (رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا
سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ).
رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا
بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا
سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ) ،
(1/779)
(رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا
أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ).
اللهم إنا قد دعوناك كما أمرتنا ، فأجبنا كما وعدتنا إنك لا تخلف الميعاد ،
(رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا
عَذَابَ النَّارِ)
(رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا
تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا
رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ
لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ
الْكَافِرِينَ).
* * *
ومن دعاء بعض أئمة القرآن
صدق اللّه ربُّنا جلّ ثناؤه ، وتقدّست أسماؤه ، وبلَّغت رسلُه الكرام ما
حمّلهم من الرسالة ، وائتمنهم عليه من الدلالة ، ونحن لربنا حامدون.
وعلى ذلك شاهدون.
اللهم إنّك ذو فضل وامتنان ، وكرم وإحسان ، وسعة
وفضل ، وجود ونوال ، هديتنا لدينك ، وعلّمتنا كتابك المهيمن على
الكتب المنزلة على الرسل ، والهادي إلى أوضح السبل ، شرحت لنا فيه
سنن الأحكام ، وأوضحت فيه الحلال والحرام ، فاستصبحنا بنور
حكمته ، وتعلّقنا بحبل عصمته ، واستمسكنا بوثيق عروته ، وارتدينا بديباج
حليته ، لا كثرةُ الترداد تخلقه ، ولا طولُ مدارسته تمحقه ، ولا شيء من
المواعظ يسبقه ، ولا لغط الأقاويل توبقه.
محكم البيان ، ظاهر البرهان ، محروس من الزيادة والنقصان ، لا يأتيه الباطل من بين
يديه ، ولا من خلفه ، تنزيل من حكيم حميد.
اللهم كما شرّفتنا بحمله ، وعرّفتنا شرف فضله ، فاجعلنا ممّن يعترف
(1/780)
بفضله ، ويلجأ في الشبهات إلى
معقله ، ويأوي إلى ظلّ جناحه ، ويهتدي
بضوء مصباحه ، ولا يلتمسِ الهدى في غيره.
اللهم اجعله لنا حصناً حصيناً من عذابك ، وحرزاً منيعاَ من غضبك وعقابك ، وعصمة من
سخطك ، ونوراً يوم لقائك.
اللهم اجعله إمامنا ، وصدّق به حديثنا ، وطهّر به قلونا.
وحصّن به فروجنا ، واستعمل به جوارحنا ، وانصرنا به على من ظلمنا.
واجعله معنا في لحودنا ، وابعثنا وهو معنا.
الّلهم كما أحضرتنا خاتمته وحبّبت إلينا تلاوته ، وأطلقت ألسنتنا بتلاوته ،
فاجعلنا ممن يرعاه حق رعايته ، ويعترف بأنه ، من عندك ، ولا تعترضه الشكوك في
تصديقه ، ولا يختلجه الزيغ عند قصد طريقه.
اللهم اجعله لنا في ظلم الليالي مؤنساً ، ولألسنتنا عن الخوض في الباطل مخرساً ،
ثم يصلّي على رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم -
* * *
وَرُئي الشافعيّ ، رحمه اللّه ، في المنام يقول : غفر اللّه لي بخمس
كنت أصلّي بهنّ على رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم -.
اللهم صل على محمد عدد من صلى عليه ، وصلّ على محمّد عدد من لم يصلّ عليه ، وصلّ
على محمد كما تحب أن يصلّى عليه ، - وصل على محمد كما أمرت أن يصلى عليه ، وصل على
محمّد كما تنبغي الصلاة عليه.
ومن دعاء بعض الأئمة : اللهم اغفر - للمؤمنين والمؤمنات.
والمسلمين والمسلمات ، حيهم وميتهم ، وشاهدهم وغائبهم ، اللهم من
أصبح وأمسى من أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - في مشارق الأرض ومغاربها في غم أو
هم ، أو حبس أو لبس ، أو أسر أو ضيق ، أو مرض أو قحط ، أو بلاء أو غربة ، أو بلية
ففرج عنا وعنه.
(1/781)
اللهم وجِّه إلى جميع مرضى
أمّة محمّد - صلى الله عليه وسلم - الشفاء العاجل ، والصحة التامة ، والعافية
العامة.
اللهم أدخل من بركة قراءتنا ، ودعائنا على أهل القبور من أمّة محمّد - صلى الله
عليه وسلم - الروح والراحة ، والسعة والفسحة.
والسرور والضياء ، والنور والحبور ، والرحمة والبشرى ، والكرامة العظمى.
وارحمنا إذا صرنا إلى مصيرهم.
اللهم اغفر لنا ، ولإخواننا ، ولآبائنا ، ولأمهاتنا ، واغفر لنا ما ضيّعنا
من حقوقهم ، واغفر لهم ما ضيّعوا من حقك يا أرحم الراحمين.
اللهم سلّم حجّاج بيتك الحرام ، وزوّار قبر نبيّك عليه السلام.
وأصحبهم العافية ، والسلامة ، وبلّغهم المراد ، واكفهم شر كلّ باغٍ وعادٍ.
وبارك لهم في النفقة والزاد ، حتى تردَّهم سالمين ، وأعذهم من سوء
المنظر في الأهل ، والمال ، والأولاد.
اللهم انصر جيوش المسلمين نصراً عزيزاً ، وافتح لهم فتحاً مبيناً.
اللهم انفعنا بما علّمتنا وعلّمنا ما ينفعنا.
اللهم افتح لنا بخير ، واختم لنا بخير ، واجعل عواقب أمورنا إلى خير.
اللهم إنا نِعِوذ بك من فواتح الشر وخواتمه ، وأوله وآخره ، وباطنه وظاهره. اللهم
لا تجعل بيننا وبينك في رزقنا أحداً سواك ، واجعلنا أغنى خلقك بك ، وأفقرَ خلقك
إليك ، وهب لنا غنى لا يطغينا ، وصحة لا تلهينا ، وأغننا عمّن أغنيته عنا ، وسهِّل
لنا حاجة من أحوجته إلينا ، واجعل آخر كلامنا شهادة أن لا إله إلا اللّه ، وتوفنا
، وأنت عنا راضٍ غير غضبان ، واجعلنا في موقف القيامة من الذين لا خوف عليهم ، ولا
هم يحزنون.
اللهم اجعلنا في ذلك المقام من الطلقاء ، والعتقاء من النار . . .
وإنما رسمت هذا الدعاء منبهاً على عادة السلف رضي اللّه عنهم في
الدعاء عند ختم القرآن ، ولو أوردت ما بلغني من ذلك لطال ، وبركة
(1/782)
الدعاء عظيمة ، ومنافعه عميمة
، ولا سيما عند نزول الرحمة في ختم
القرآن.
وعن ابن عباس ، رضي النّه عنه : أفضل العبادة الدعاء وقال اللّه
عز وجل : (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ
الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ
يَرْشُدُونَ (186).
وقال بعضهم :
وإني لَأدْعُو الَلهَ والَأمْر ضيِّقٌ . . . عليَّ فَمَا يَنْفَك أنْ يَتَفَرَّجَا
وكَمْ مِنْ فَتَىً ضَاقَتْ عَلَيْه امُوْرُهُ . . . أصَابَ لَهَا فِي دَعْوَةِ
اللّهِ مَخْرَجَا
اللهم لا تخلنا من إحسانك ، ووفر نصيبنا من فضلك ، وامتنانك.
ونجّنا من سخطك ، وعقابك ، ولا تطردنا عن قرع بابك ، إنك أنت الحليم
الكريم ، الرؤوف الرحيم.
والحمد للّه رب العالمين ، وصلَّى اللّه على محمّد خاتم النبيين
وعلى آله الطيبين الطاهرين ، وعلى جميع الأنبياء والمرسلين ، وعلى أهل
طاعته أجمعين من أهل السموات ، وأهل الأرضين ، وحسبنا اللّه ونعم
الوكيل.
ولا حول ولا قوة إلا باللّه العلي العظيم.
نجز بمنَّة اللّه تعالى غرة
ربيع الأول من سنة اثنتين وسبعمائة على
يد يوسف بن إبراهيم بن الملا عفا اللّه عنهم .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق