الخميس، 1 يوليو 2021

فضل التقوى وحال أهلها , من شأن المؤمن استشعار معية الله والطمأنينة إليه

فضل التقوى وحال أهلها/ الشيخ عبدالله بن صالح القصيِّر

مقالات متعلقة
  ......... الالوكة بتصرف..............

إنَّ الحمد لله، نحمَده ونستَعِينُه، ونستَغفِره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيِّئات أعمالنا، مَن يَهدِه فلا مُضِلَّ له، ومَن يُضلِل فلا هادي له، وأشهَدُ أن لا إله إلا الله، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله، ومُصطَفاه وخليله، وأمينه على وحيِه، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلَّم تسليمًا.

 

أمَّا بعدُ أيُّها الناس:

أَطِيعوا الله - تعالى - فيما تأتون وما تَذَرون، واخشَوْه فإنَّه يَعلَم ما تُسِرُّون وما تُعلِنون، واتَّقُوه لعلَّكم تُفلِحون؛ ﴿ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ ﴾ [النور: 52].

 

أيُّها المسلمون:

لا شَكَّ أنَّنا اليومَ في زمان فتن، نعوذ بالله ممَّا ظهَر منها وما بطَن، والفتن يلتَبِس فيها الحقُّ بالباطل على كثيرٍ من الناس، ومن شأنها أنها ينتج عنها في الغالِب ضِيق الحال ونقْص الأرزاق، وتعسُّر الأمور، وكثْرة الفَواحِش والمنكَرات، وعظم المصائب والخوف والجوع، ونقْص من الأموال والأنفس والثَّمَرات، وينشط فيها شَياطين الإِنس والجن في التَّحرِيش بين الناس، وإيقاع العَداوَة والبَغضاء التي تجرُّ الحروب التي تُزهِق الأرواح، وتستَنزِف الثروات، وتذهب بالدين، وتكون من أسْباب تَسلُّط الكفَرَة من أهل الكتاب والمشرِكين على المسلمين، إلى غير ذلك من الشرور ومُحدَثات الأمور التي لا تخطر للكثيرين على بال، ولا تدورُ لهم في خَيال، ولا عصمة منها إلا برحمةٍ من ذي الكرم والجلال.

 

أيها المسلمون:

ولقد وعَد الله - تعالى - المتَّقين بالوقاية من الفِتَن، واللُّطف عند حُلول المِحَن؛ فقال - سبحانه -: ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ﴾ [الطلاق: 2 - 3].

 

وقال - تعالى -: ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا ﴾ [الطلاق: 4].

 

وقال - عز وجل -: ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا ﴾ [الطلاق: 5].

 

وقال: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ﴾ [الأنفال: 29].

 

وقال - تعالى -: ﴿ أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ * لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾ [يونس: 62 - 64].

 

وقال - تعالى -: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ ﴾ [الأعراف: 201].

 

وقال - سبحانه -: ﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ ﴾ [البقرة: 282].

 

وضَمِن - سبحانه - للمتَّقِين النَّجاةَ من النار والفَوْزَ بالجنَّة، فحين ذكَر - سبحانه - النار قال: ﴿ وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى ﴾ [الليل: 17]، وقال: ﴿ ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا ﴾ [مريم: 72]، وحين ذكَر الجنَّة أخبَرَ - سبحانه - أنها: ﴿ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ ﴾ [آل عمران: 133]، وقال: {﴿ تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيًّا ﴾ [مريم: 63].

 

فضَمِن - سبحانه - لأهل التقوى المخرَج من الضِّيقِ، والرِّزقَ بأهون سبب، وتيسير العسير، وتَكفِير السيِّئات، ومغفرة الزلاَّت، والأمن من الخوف، وعدم الحزن على فائت، وتَوالِي البِشارات بأنواع المسرَّات، في الحياة وبعد الممات، كما شَهِدَ لهم بالعصمة من الشيطان، ووعَدَهم بالعلم المُثمِر للإِيمان، والهداية لما اختُلِف فيه من الحق بإذنه، والفوز بالجنَّة والنَّجاة من النار، فما أجلَّها من عَواقِب، وما أطيَبَها من ثمراتٍ للتقوى، فهنيئًا للمتَّقين، اللهمَّ إنَّا نسألك الهدى والتُّقى، والعَفاف والغنى.

 

أيها المسلمون:

التقوى هي شِعار المؤمنين، وحِليَة المحسِنين، وسِلاح المجاهِدين، وزبدة رِسالات المرسَلين، وسببٌ لطيب الحياة والفوز والفَلاح والسعادة وعلو الدرجات في الدارَيْن، وهي زينة المؤمن في الدنيا، وخيرُ زادٍ في السفر إلى الأخرى.

 

ولعظيم أثَر التقوى على المتَّصِف بها، وجميل عاقبتها في الدنيا والأخرى، وشرف الاتِّصاف بها من أولي النهى - كانت الوصيَّة من الله - تعالى - بها للسابِقين واللاحِقين من المكلَّفين؛ كما قال - تعالى -: ﴿ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ ﴾ [النساء: 131].

 

فكانت مَدار كلِّ الشرائع، ومهمَّة جميع الرسل، ومَضمُون جميع الكتب، ورسالة الله - تعالى - إلى كلِّ أمَّة، وجعَلَها الله أوَّل مَوعِظة كلِّ نبي أرسَلَه إلى أمَّةٍ من الأمم، فأوَّل ما يَقرَع به أسماع أمَّتِه من كلامه قولُه تبليغًا عن ربِّه: ﴿ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ ﴾ [الأعراف: 65].

 

كما جاء ذلك على لسان نوح وهود وصالح وإبراهيم ولوط وشعيب وموسى وعيسى ومحمد، صلَّى الله عليهم أجمعين وسلَّم تسليمًا كثيرًا.

 

وكم في القرآن من النَّعْي على مَن خَلا منها، ولقد جاء الأمرُ بالتقوى في القرآن وحدَه بأكثر من ثمانين موضعًا، فضلًا عن المواضع التي جاء فيها ببيان فضْل التقوى والثَّناء على أهلها.

 

أيها المسلمون:

إنَّ المرء إذا تَحَلَّى بالتقوى اتَّصَف بالإِخلاص لله في كلِّ عمل، وصدق الاتِّباع للنبي المُرسَل، فصار جميل الخلق، طيِّب القول، مُنافِسًا في الخير، سبَّاقًا إلى كلِّ فضيلةٍ، يعبُد ربَّه عبادةَ مَن يُوقِن بالوقوف بين يدَيْه والعَرْض عليه، ويَخشَى خشيةَ مَن يَعلَم أنَّ الله مُطَّلِعٌ عليه، ويَراه في كلِّ مكان، وفي سائر الزمان، وأنَّه يجزي الذين أساؤوا بما عملوا، ويَجزِي الذين أحسنوا بالحسنى.

 

أيها المسلمون:

إنَّ التقيَّ يتميَّز من بين سائر الناس بهجْر فاحِش القول من السبَاب والشَّتائم، والكذب والإِفك، والغِيبة والنَّمِيمة، والخصومة والمِراء والجدل، ويتجنَّب كذلك الغشَّ والنميمة والزُّور والبهت، والغدر ونقض العهود، وظلْم الناس وأكْل أموالهم بالباطل، وهتْك أعراضهم وانتِهاك حرماتهم؛ لأنَّه يَخاف عذاب الآخِرة: ﴿ ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ * وَمَا نُؤَخِّرُهُ إِلَّا لِأَجَلٍ مَعْدُودٍ * يَوْمَ يَأْتِ لَا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ ﴾ [هود: 103 - 105].

 

ولسان حال التقي يقول: ﴿ إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا * فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا * وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا ﴾ [الإنسان: 10 - 12].

 

أيُّها المؤمنون:

اتَّصِفُوا بالتقوى يحببكم الله ويَرضَى، ويجنبكم نارًا تلظَّى، لا يَصلاها إلاَّ الأشقى، ويجعَلُكم من أهل الدرجات العُلا، جنَّات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها، وذلك جزاء مَن تزكَّى.

 

فالمتَّقون يُوَحِّدون الله، ويُحافِظون على الصلاة، ولا يَبخَلون بالزكاة، ويَصُومون ويَحُجُّون؛ رغبةً في تَكفِير الذنوب وستْر العُيُوب، وطَمَعًا في عفْو ورحمة علاَّم الغيوب.

 

والمتَّقون لا يَأكُلون الرِّبا، ولا يستَحِلُّون الرِّشا، ولا يستَمِعون الغِناء، ولا يتنكَّبون عن طريق الهدى، وهم أيضًا يفشون السلام، ويُطعِمون الطعام، ويَصِلون الأرحام، ويُصَلُّون بالليل والنَّاس نِيام؛ طمعًا في دخول الجنَّة دار السلام بسلام، والمتَّقون يأمُرون بالمعروف وينهَوْن عن المنكر، ويُخلِصون النَّصِيحة، ويَتواصَون بالحق والمَرحَمة، ويُحِبُّون لإِخوانهم في الله من الخير ما يُحِبُّون لأنفسهم: ﴿ وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ﴾ [الحشر: 9].

 

ويُؤثِرون طاعة الله ورسوله على طاعة أيِّ أحدٍ من الخلق، وهم أيضًا كما وصَفَهم الله بقوله: ﴿ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴾ [المائدة: 54].

 

ومن صفات أهل التقوى أنهم لا يستَهِينون بصغيرةٍ من المعاصي، ولا يجتَرِئون على كبيرة، ولا يُصِرُّون على خطيئة وهم يعملون؛ قال - تعالى -: ﴿ وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ ﴾ [آل عمران: 135].

 

فاتَّقُوا الله أيها المؤمنون، وابتَغُوا إليه الوسيلة لعلَّكم تُفلِحون، واشكُرُوا نعمة الله عليكم إنْ كنتم إيَّاه تَعبُدون: ﴿ وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ * وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ ﴾ [هود: 113 - 114].

بارَك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفَعَنا جميعًا بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.

أقول قولي هذا وأستَغفِر الله العظيم الجليل لي ولكم من كلِّ ذنب، فاستغفروه يغفر لكم إنَّه هو الغفور الرحيم.

=========================


من شأن المؤمن استشعار معية الله والطمأنينة إليه

 

إن الحمد لله نحمده، ونستعينه ونستغفره، ونستهديه ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلَّ له، ومن يضلل فلا هاديَ له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه.

 

أما بعد:

فإن إحساس المؤمن بحفظ الله له، ويقينه أنَّ الله معه؛ يَسمعه إذا شكا، ويُجيبه إذا دعا، ويأخذ بيده إذا كبا، ويمدُّه إذا ضعُف، ويعينه إذا احتاج، ويلطف به إذا خاف، كلُّ ذلك من أسباب ارتياح النفس وانشراح الصدر، وطمأنينة القلب وتيسير الأمر، وطيب العاقبة في العاجل والآجل؛ فإنَّ ثقة العبد بربِّه ويقينه بأنه - سبحانه - المتولي لأموره، وأنه - تعالى - سائقُ كلِّ خير، وكاشفُ كل ضر - لا تتركه نهبًا للوساوس والأوهام، ولا تلقيه في بيداء اليأس من روح الله، أو ظلمة القنوط من رحمة الله؛ بل تجعله يضرع إلى الله - تعالى - عند كلِّ نازلة، ويستجير به عند كل مصيبة، ويشكره ويذكُره، ويحمده عند كلِّ نعمة ورحمة، فيتَّجه إلى الله في سائر أحواله، داعيًا متضرعًا موقنًا بالإِجابة، منتظرًا للفرج من الله، لا يتَّجه إلى غيره، ولا يُنزل حاجتَه بسواه: ﴿ أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ ﴾ [النمل: ٦٢]، فيتذكَّر ربَّه في كلِّ أحواله ذاكرًا وشاكرًا على السرَّاء، وصابرًا ضارعًا منتظرًا للفرج عند الضرَّاء، ويسأل الله أن يجود عليه بحفظ النعماء، والعافية من البلاء، واللطف في القضاء.

 

فاتقوا الله - عبادَ الله - وثقوا بمعية الله للمؤمنين؛ فإنَّها لكلِّ مَن اتقى الله في سرِّه وعلنه، وأحسن ابتغاء وجه الله في قوله وعمله: ﴿ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ ﴾ [النحل: ١٢٨]، وهي المعيَّة الخاصة التي مقتضاها العون والتسديد، والحفظ والتأييد، واللطف بالعبيد، ومَن كان الله معه فقد آوى إلى ركنٍ شديد.

 

أيها المسلمون:

ليس للمصائب حدٌّ تقف عنده، ولا للبلايا نهاية في هذه الحياة، ولا للفجائع التي تحدُث في الزمن لونٌ خاص؛ فكلُّ مصيبة أو بليَّة أو محنة يجب اتقاء أسبابها قدر المستطاع، فإذا وقعتْ تعيّن الصبر عليها، وانتظار حُسن عاقبتها، والخلف منها، واحتِساب أجرها عند مُقدِّرها ومُجرِيها - تبارك وتعالى -: ﴿ مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾ [التغابن: ١١].

 

وكم في الصبر على المكاره من جميل العواقب، وكريم العوائد، التي أعظمُها تجريد التوحيد بالإخلاص لله وحده، وصرْف القلوب عن التعلُّق بالعبد، ومنها زيادة الهدى والإيمان، وعظم الأجر في الميزان، وتكفير الخطايا، ورفعة الدرجات، ومضاعفة الحسنات: ﴿ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ﴾ [البقرة: ١٥٥-١٥٧]، ﴿ قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾ [الزمر: ١٠].

 

فالصبر ذخر وضياء، وخير ما تحلَّى به العبدُ عند البلاء، وحال البأساء والضراء، كيف لا وقد وعَدَه الله بنصره وتأييده وبشره؟ ويقول - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((واعلم أن في الصبر على ما تكره خيرًا كثيرًا))، ويقول - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((وما أعطي أحدٌ عطاء خيرًا وأوسع من الصبر، ومن يتصبَّر يصبِّره الله)).

 

أيها المسلمون:

ومن عُدَّة المؤمن في سيْره إلى ربه التوكلُ على الله؛ الذي حقيقته الاعتماد على الله في حصول ما ينفع العبدَ في دينه ودنياه، ودفع ما يضره، مع تفويض الأمر إليه تعالى، وانجِذاب القلب إليه محبَّة له، وثقة به، واعتمادًا عليه، وتكميل ذلك بمباشرة ما شرعه الله - تعالى - من أسباب توصِّل إلى المقاصد، وتُحمد بها العوائد، فإنَّ التوكل للمؤمن من خير الخصال، وجليل الأعمال: ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ﴾ [الأنفال: ٢].

 

وجزاؤهم من الله الكفاية، فمَن توكَّل على الله كفاه: ﴿ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا ﴾ [الطلاق: ٣]؛ أي: كافيه: ﴿ أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ ﴾ [الزمر: ٣٦].

 

ومَن توكل على الله ووثق بكفايته حقيقةً، فلن يتمكَّن منه عدوٌّ، ولن يخيب له مطلوبٌ، ولن يفوته مرغوب: ﴿ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾ [البقرة: ١٣٧].

 

أمَّا التوكُّل المزعوم الذي هو مجرَّد دعوى باللسان، مع فقْد الثقةِ بالله من القلب وتعطيلِ طاعته من اللسان والأركان، وترْك مباشرة الأسباب التي جعلها أسبابًا يُنال بها المحبوب، ويُتَّقى بها المرهوب، أو الاعتماد على الأسباب والإِعراض عن مسبِّبها - تبارك وتعالى - فهذا توكل ادِّعائي لا يفيد أهلَه شيئًا؛ بل يكون من أسباب شقائهم في العاجل والآجل.

 

ومن مظاهِرِه أنَّك ترى أهله يتصرَّفون عند وجود ما يقتضيه تصرُّفَ فاقدي الإِيمان، ومَن لا يؤمن بكفاية الرحمن، ويظنون بالله ظنَّ السَّوء، فمثلاً عندما تحدث حوادثُ مثيرةٌ للقلق، وتنشب حرب في جهة، ينسَوْن لُطف الله ورحمتَه بعباده، يذهب أحدُهم إلى الأسواق ليشتري من السلع فوق حاجته ولو بأثمان مضاعفة، ليدخرها لليوم المشؤوم أو الأسود في زعمه؛ فيتسبب ذلك التصرف في ارتفاع أثمان الأرزاق، واضطراب الأسواق، وإغراء ضعفاء النفوس في احتكار الأرزاق، وإرجاف البسطاء من النساء والسفهاء، ويذهب ضحيَّة ذلك الفقيرُ والمسكين والأرملة، والأجير الذي لا يجد غير أجره اليومي، وتلك نظرةٌ مادية تقدح في التوكل، فتؤثِّر فيه أو تضعفه وليستْ من الأسباب المشروعة، ولا من باب: ((اعقلها وتوكَّل))، ولكنها من باب الاعتماد على الأسباب، والإِعراض عن ربِّ الأرباب ومسبِّب الأسباب.

 

فاتَّقوا الله - عباد الله - واصدُقوا في التوكُّل على الله، وخُذوا بالأسباب المشروعة، وهو اللطيف بعباده، بيده الخير، وله ملكوت كلِّ شيء، وهو القادر على كل شيء، والظاهر على كل شيء: ﴿ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ﴾ [يس: ٨٢]، ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا ﴾ [الطلاق: ٢-٣].

 

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعنا جميعًا بما فيه من الآيات والذِّكر الحكيم.

أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم وللمسلمين والمؤمنين من كل ذنب، فاستغفروه يغفر لكم، إنه هو الغفور الرحيم.

======================

  1. التقوى
  2. معنى كلمة التوحيد وفضلها والحذر مما ينافيها ويضادها
  3. من شأن المؤمن استشعار معية الله والطمأنينة إليه
  4. الاعتبار بمرور الأيام والأعوام
  5. من مواقف التابعين و أتباعهم
  6. حقيقة التقوى بين اليأس والإرجاء
  7. خير زاد
  8. من ديوان الإيمان .. التقوى
  9. الابتلاء بالخير وضده لتمييز الأتقياء من الأشقياء
  10. التقوى
  11. أقبل ولا تخف
  12. التقوى خير زاد
  13. مفهوم التقوى
  14. أريج التقوى
  15. في الحث على تقوى الله
  16. الله يحب المتقين
  17. التقوى سبيل النجاة
  18. إن خير الزاد التقوى
  19. إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير
  20. ما معنى تقوى الله؟
  21. مفهوم الفضائل والمناقب والخصائص والبركة(مقالة - آفاق الشريعة)
  22. إجازة أهل الفضل لأهل الفضل(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  23. فضل القرآن وفضل أهله وأهمية قراءته للمسلم(مقالة - آفاق الشريعة)
  24. القصاص حياة: فضل إقامته، وفضل العفو فيه، ومساوئ المبالغة في الصلح فيه (خطبة)(مقالة - موقع الشيخ عبدالرحمن بن سعد الشثري)
  25. القصاص: حياة، فضل إقامته، وفضل العفو فيه، ومساوئ المبالغة في الصلح فيه(محاضرة - موقع الشيخ عبدالرحمن بن سعد الشثري)
  26. تفسير: (والله فضل بعضكم على بعض في الرزق فما الذين فضلوا برادي رزقهم على)(مقالة - آفاق الشريعة)
  27. فضل الإيمان بأسماء الله ذي الطول وذي الفضل(مقالة - آفاق الشريعة)
  28. فضل قيام رمضان وفضل ليلة القدر(مقالة - موقع الشيخ عبدالله بن صالح القصيِّر)
  29. الأيام المعلومات وفضلها(مقالة - موقع الشيخ عبدالله بن صالح القصيِّر)
  30. فضل العلم(مقالة - آفاق الشريعة)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

القصص القرآني والتاريخ في القرآن

  القصص والتاريخ قصص انبياء - موسي عليه السلام و فرعون (466) قصص انبياء - ابراهيم عليه السلام (197) قصص انبياء - نوح عليه السلام (113) قص...