وااقي777007

الأربعاء، 14 ديسمبر 2022

قلائد الجمان في التعريف بقبائل عرب الزمان القلقشندي

 

قلائد الجمان في التعريف بقبائل عرب الزمان-القلقشندي

ذكر المؤلف في هذا الكتاب طرف من أنساب الأمم ليتم , وأوصلا نسب كل أمة منها بعمود النسب المحمدي ليعلم اتصال الأمم بعضها ببعض؛ ذاكراً كل قبيلة وما فوقها من الشعوب، وما يتفرع منها من العمائر والبطون والأفخاذ على اختلاف الأصناف والضروب؛ ذاكراً مقر كل قبيلة منها في القديم والحديث، مستنداً في ذلك إلى ما تضمنته كتب الأنساب والتاريخ وكتب أسماء رجال الحديث؛ مورداً في خلال كل قبيلة من كان منها من صحابي مذكور، أو شاعر مجيد أو فارس مشهور؛ وقد رتبته على مقدمة ومقصد وخاتمة.

مقدمة المؤلف

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي جعل للعرب بالنسب المحمدي منتمى تنعقد على فضله الخناصر، وأيد عزهم بأعز مليك، وأعز جانبهم بأعز ناصر، وخصهم من كثرة القبائل بما يقفون عده العاد، ويعترف بالعجز عن حصره الحاصر، وأنالهم من الشرف الباذخ ما لا تمتد إليه يد أحد من الأمم، فكل مدع عن بلوغ درجته قاصر.
أحمده على أن رفع عماد بيت النسب البارزي وأعلى درجه، ومدّ أطناب ممادحه في الآفاق وأطاب بالذكر الجميل أرجه؛ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة يشيع في القبائل ذكرها، ويضوع في كل نادٍ من أندية الأحياء نشرها؛ وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله أفضل نبي زكا أصلاً وطاب أرومة، وأكرم رسول شرُف عنصراً وكرم جرثومة؛ صلى الله على آله وصحبه الذين سموا بانتسابهم إلى شريف نسبه، ودخلوا في زمرته الفاخرة فاندرجت أحسابهم في كريم حسبه.
وبعد، فلما كان العلم بقبائل العرب من لازم كتابة الإنشاء الذي أُهمل جانبه، وسكن لقلة معانيه بعد الحركة ضاربه، ورُفض تداوله حتى قل مُعانيه وعز طالبه؛ وكان كتابي المسمى "نهاية الأرب، في معرفة قبائل العرب" قد احتوى من ذكر القبائل على الجم الغفير، وطمع في الاستكثار فلم يكتف من ذكر الشعوب باليسير؛ إلا أن من القبائل المذكورة فيه ما أخنى عليها الزمان، وجهل حالها الآن في الوجود والعدم فلم تعرف لها أرض ولم يوقف لها على مكان؛ مع أن القدر الذي يحتاج كاتب الإنشاء منه إلى الأخذ بتفصيله، ويضطر إلى معرفة تفريعه وتأصيله؛ من يضمه نطاق الديار المصرية من عربان الزمان، ومن يكاتب على أبواب سلطانها أو تدعو الحاجة إلى خطابه في حين أو أوان؛ مع من يتعلق بأذيال قبائلهم ممن لم يبلغ رتبة الخطاب، أو ينتمي إليهم بمحالفة أو يعتزي إلى قبيلتهم بعلاقة سبب من الأسباب.
وكان المقر الأشرف العالي المولوي القاضوي الكبيري النظامي المدبري السفيري اليميني المشيري الأصيلي العريقي الكفيلي الناصري:نظام الملك نجي السلطنة، لسان المملكة، مالك زمام الأدب، جامع أشتات الفضائل أبو المعالي محمد الجهني البارزي الشافعي المؤيدي، صاحب دواوين الإنشاء الشريف بالممالك الإسلامية، جمل الله الوجود ببقائه، وأدام علوه ولا رتبة في الرياسة فوق رتبته فتعالى نسباً وزاد في ارتقائه، قد أُلقي إليه من الممالك الإسلامية مقاليدها، ودانت لسورة كتبه الأقطار المتقاصية قريبها وبعيدها؛ وصُرفت بتصاريف أقلامه أمور الدولة فجرت بها على السداد، ونفذت بتنفيذه أمورها فأربت مقاصدها والحمد لله على المراد.

وإن أُمور الملك أَضحى مَـدارهـا

 

عليه كما دارت على قُطبها الرحَى

وكنت ممن عمه فضله، وغمره غيثه الهامع ووبله؛ وولج حماه المنيع فاحتمى، ونزل بساحة بابه العالي فبات منه في أعز حمى، ما أمتني بائقة احتياج إلا قمعها، ولا عرتني كارثة احتياج إلا ردعها ؛ ولا سامني الدهر ضيماً إلا كبحه، ولا أغلق عني الزمان باب خير إلا فتحه؛ ولا تربت يدي إلا أغناها، ولا قصدت أدنى رتبة إلا بلغ بي أعياها: ولا استعنت بجاهه من حرّ ضنك إلا كان لي خير مقيل، ولا لُذت بجنابه من هجير ضر إلا أويت منه إلى ظل ظليل:

بِتْ جاره فالعيشُ تحت ظلاله

 

واسْتَسقه فالبحرُ من أنـوائه

وكانت خزانته العالية عمرها الله تعالى بدوام أيامه، وأراه من محاسن جمعها في اليقظة ما يمتنع أن يراه القاضي الفاضل في منامه؛ قد سعدت بإسعاد جدوده، وخصت من نفائس التأليف بكل نفيس لا سيما مصنفات آبائه وجدوده؛ مع اشتماله من شريف النسب على الصفقة الرابحة، وتمسكه من الانتساب إلى العرب العاربة من بني قحطان بالكفة الراجحة:

مَعالٍ تمادت في العُلّو كأنـمـا

 

تُحاول ثأراً عند بعض الكواكبِ

أحببت أن أخدم جانب علاها بمختصر من ذكر قبائل العرب المنتظم في سلك الزمان الآن وجودهم، والمحيطة بعنق الآفاق في هذا العصر عقودهم؛ مُصدِّراً له بذكر طرف من أنساب الأمم ليتم بذلك منه الغرض، واصلاً نسب كل أمة منها بعمود النسب المحمدي ليعلم اتصال الأمم بعضها ببعض؛ ذاكراً كل قبيلة وما فوقها من الشعوب، وما يتفرع منها من العمائر والبطون والأفخاذ على اختلاف الأصناف والضروب؛ ذاكراً مقر كل قبيلة منها في القديم والحديث، مستنداً في ذلك إلى ما تضمنته كتب الأنساب والتاريخ وكتب أسماء رجال الحديث؛ مورداً في خلال كل قبيلة من كان منها من صحابي مذكور، أو شاعر مجيد أو فارس مشهور؛ ليكون بانتسابه إليه كالغرة في وجه كتبه، ويدخر بخزانته السعيدة ليكون كلمة باقية في عقبه؛ على أني في ذلك كنافل التمر إلى هجر، وممد البحر ببلالة القطر ورشح الحجر؛ إذ كان المقر المشار إليه- خلد الله تعالى أيامه- في معرفة الأنساب هو واسطة عقدها الثمين، وجهينة أخبارها وعبد جهينة الخبر اليقين؛ وسميته: "قلائد الجمان، في التعريف بقبائل عرب الزمان" والله تعالى يقرنه بالتوفيق في جمع مقاصده، ويورده موارد القبول في بدو الأمر وعائده. وقد رتبته على مقدمة ومقصد وخاتمة.
1- المقدمة في ذكر أمور يُحتاج إليها في علم الأنساب، ومعرفة القبائل وفيها خمسة فصول: الفصل الأول: في فضل علم الأنساب ومسيس الحاجة إليه.
الفصل الثاني: في بيان من يقع عليه اسم العرب، وذكر أنواعهم وما ينخرط في سلك ذلك.
الفصل الثالث: في معرفة طبقات الأنساب، وما يلتحق بذلك.
الفصل الرابع: في ذكر مساكن العرب القديمة التي منها درجوا إلى سائر الأقطار.
الفصل الخامس: في ذكر أمور يحتاج إليها الناظر في علم الأنساب.
2- المقصد في معرفة تفاصيل أنساب القبائل وفيه فصلان: الفصل الأول: في ذكر عمود النسب النبوي، على صاحبه أفضل الصلاة والسلام، وما يتفرع عنه من الأنساب.
الفصل الثاني: في ذكر تفاصيل القبائل، وما يتيسر ذكره من مساكنهم الآن.
الخاتمة في ذكر نبذة من أوصاف المقر الأشرف الناصري المؤلف له هذا الكتاب، ومناقبه، ونُبذة من سيرته الغراء.

المقدمة

في ذكر أمور يحتاج إليها في علم الأنساب

ومعرفة القبائل

وفيها خمسة فصول

الفصل الأول

في فضل علم الأنساب

وفائدته ومسيس الحاجة إليه لا خفاء أن معرفة الأنساب من الأمور المطلوبة، والمعارف المندوبة؛ لما يترتب عليها من الأحكام الشرعية، والمعارف الدينية. فقد وردت الشريعة باعتبارها في مواضع: منها: العلم بنسب النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه النبي القرشي الهاشمي الذي كان بمكة وهاجر منها إلى المدينة وتوفي ودفن بها، فإنه لا بد لصحة الإيمان من معرفة ذلك، ولا يعذر مسلم في الجهل به وناهيك بذلك.
ومنها: التعارف بين الناس حتى لا يعتزي أحد إلى غير أبيه، ولا ينسب إلى سوى أجداده. وإلى ذلك الإشارة بقوله تعالى: )يأيُها الناس إنا خلقناكُم من ذَكر وأُنثى وجعلناكم شُعوباً وقبائل لتعارفوا(. ولولا معرفة الأنساب لفات إدراك ذلك وتعذر الوصول إليه.
ومنها: اعتبار النسب في الإمامة التي هي الزعامة العظمى. فقد حكى الماوردي في الأحكام السلطانية الإجماع على كون الإمام قرشياً، ثم قال: ولا اعتبار بضرار حيث. فجوزها في جميع الناس. فقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: الأئمة من قريش. قال أصحابنا الشافعية: فإن لم يوجد قرشي اعتبر كون الإمام كنانياً من بني كنانة من خُزيمة، فإن تعذر اعتبر كونه من بني إسماعيل عليه السلام، فإن تعذر اعتبر كونه من بني إسحاق عليه السلام، فإن تعذر اعتبر كونه من جرهم، لشرفهم بصهارة إسماعيل عليه السلام، بل قد نصوا أن الهاشمي أولى بالإمامة من غيره من قريش.
فلولا المعرفة بعلم النسب لفات وتعذر حكم الإمامة العظمى التي بها عموم صلاح الأمة، وحماية البيضة، وكف الفتنة، وغير ذلك من المصالح.
ومنها: اعتبار النسب في كفاءة الزوج للزوجة عند الشافعي رضي الله عنه، حتى لا يكافئ الهاشمية والمطّلبية غيرها من قريش، ولا يكافئ القرشية غيرها من العرب ممن ليس بقرشي، ولا يكافئ الكنانية غيرها من العرب ممن ليس بكناني ولا قرشي على الأصح.

وفي اعتبار النسب في العجمي أيضاً وجهان: أصحهما الاعتبار. فإذا لم يعرف النسب تعذرت هذه الأحكام.
منها: مراعاة النسب الشريف في المرأة المنكوحة، فقد ثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "تنكح المرأة لأربع: لدينها، وحسبها، ومالها، وجمالها" فراعى صلى الله عليه وسلم في المرأة الحسب، وهو شرف الآباء.
ومنها: جريان الرق على العرب في أحد قولي الشافعي رضي الله عنه وموافقيه، فإذا لم يعرف النسب تعذر ذلك، إلى غير ذلك من الأحكام الجارية هذا المجرى.
ثم ليعلم أنه قد ذهب كثير من أئمة المحدثين والفقهاء، كالبخاري، إلى جواز الرفع في الأنساب احتجاجاً بعمل السلف، فقد كان أبو بكر الصديق رضي الله عنه في علم الأنساب في المقام الأرفع والجانب الأعلى، وذلك أذل دليل وأعظم شاهد على شرف هذا العلم وجلالة قدره.
وقد حكى صاحب الريحان والريعان عن أبي سليمان الخطابي رحمه الله قال: كان أبو بكر رضي الله عنه نسّابة فخرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فوقف على قوم من ريبعة فقال: ممن القوم? قالوا: من ربيعة، قال: وأي ربيعة أنتم، أمن هامتها أم من لهازمها? قالوا: بل من هامتها العظمى. قال أبو بكر: ومن أيها? قالوا من ذُهل الأكبر. قال أبو بكر: فمنكم عوف بن مُحلِّم الذي يقال له: لا حُرّ بوادي عوف? قالوا: لا. قال: فمنكم بِسطام بن قيس أبو القِرَى ومنتهى الأحياء? قالوا: لا، قال: فمنكم اَلْحوفزان قاتل الملوك وسالبها أَنْعُمها? قالوا: لا. قال: فمنكم المزدلف الحرّ صاحب العمامة الفردة? قالوا: لا. قال: فمنكم أخوال الملوك من كِندة? قالوا: لا. قال: فمنكم أصهار الملوك من لَخم? قالوا: لا. قال: فلستم بذُهل الأكبر بل ذهل الأصغر. فقام إليه غلام من شيبان يقال له: دِغْفَل حين بَقَل وجهه فقال: إن على سائلنا أن نسأله: يا هذا إنك قد سألت فأخبرناك ولم نكتمك شيئاً من خبرنا، فمن الرجل? قال أبو بكر: أنا من قريش. قال: بخٍ بخٍ أهل الشرف والرياسة، فمن أي القرشيين أنت? قال: من تَيم بن مُرة. قال الفتى: أمكنت والله الرامي من سواء الثُّغرة، فمنكم قُصي الذي جمع القبائل من فِهر وكان يُدعى مُجمعاً? قال: لا. قال: فمنكم هاشم الذي هشم الثريد لقومه? قال: لا. قال: فمنكم شيبة الحمد مطعم طير السماء? قال: لا. قال: فمن المفيضين بالناس أنت? قال: لا. قال: فمن أهل الندوة أنت? قال: لا. قال: فمن أهل السقاية أنت? قال: لا. قال: فمن أهل الرفادة أنت? قال: لا. قال: فمن أهل الحجابة أنت? قال: لا. واجتذب أبو بكر رضي الله عنه زمام ناقته، فقال الفتى:

صادف دَرُّ السيل درّاً يدفعه

 

يَهيضه حيناً وحيناً يصدعُهْ

أما والله يا أخا قريش لو لبثت لأخبرتك أنك من رعيان قريش ولست من الذوائب. فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك فتبسم. فقال عليّ رضي الله عنه: يا أبا بكر، لقد وقعت من الغلام الأعرابي على باقعه. فقال: يا أبا الحسن، ما من طامة إلا وفوقها طامة.
ودِغْفل هذا هو دغفل ابن حنطلة النسابة الذي يُضرب به المثل في معرفة النسب، قدم مرة على معاوية بن أبي سفيان في خلافته فاختبره فوجده رجلاً عالماً، فقال: بِم نلت هذا يا دغفل? قال: بقلب عَقول، ولسان سؤول، وآفة العلم النسيان.
وممن اشتهر بمعرفة الأنساب أيضاً ابن الكيّس، من بني عوف بن سعد ابن ثعلب بن وائل وفيهما يقول مسكين بن عامر:

فحكِّم دِغْفلاً وارحـل إلـيه

 

ولا تَدِع المعطيَّ من الكَلالِ

أو ابن الكيِّس النَّمـري زيداً

 

ولو أمسى بمُنخرق الشمال

وقد صنف في علم الأنساب جماعة من جلة العلماء وأعيانهم، كأبي عبيد القاسم ابن سلام، والبيهقي، وابن عبد البر، وابن حزم، وغيرهم؛ وذلك دليل شرفه ورفعة قدره.

الفصل الثاني

في بيان ما يقع عليه اسم العرب، وذكر أنواعهم

وما ينخرط في سلك ذلك أما من يقع عليه اسم العرب فقد قال الجوهري في صحاحه: "العرب جيل من الناس، وهم أهل الأمصار، والأعراب سكان البادية".
والتحقيق أن اسم العرب يشمل الجميع، والأعراب نوع منهم.
قال الجوهري: "وجاء في الشعر الفصيح الأعاريب، ويقال: تعرّب العجمي، إذا تشبه بالعرب".

وقد ذكر صاحب "العِبر" أن لفظ العرب مشتق من الإعراب، وهو البيان، أخذاً من قولهم: أعرب الرجل عن حاجته، إذا أبان، سُمُّوا بذلك لأن الغالب عليهم البيان.
وتصغير العرب: عُريب، والنسبة إلى العرب: عربيّ، وإلى الأعراب: أعرابيّ، لأنه لا واحد له يُرد إليه، بخلاف مساجد، حيث ينسب إليها: مسجدي، نسبة إلى الواحد منها من حيث إن لها واحداً ترد إليه.
ثم إن كل من عدا العرب فهو عجمي، سواء الفرس أو الترك أو الروم أو غيرهم، وليس كما تتوهم العامة من اختصاص العجم بالفرس، أما الأعجم فالذي لا يفصح في الكلام وإن كان عربياً، ومنه سميّ: زياد الأعجم الشاعر، وكان عربياً.
وأما أنواع العرب فقد اتفقوا على تنويعهم أولاً على نوعين: عاربة ومستعربة.
فأما العاربة، فقال الجوهري: هم العرب الخلّص.
قال في العبر: وهم العرب الأُوَل الذين فهّمهم الله اللغة العربية ابتداء فتكلموا بها فقيل لهم: عاربة، إما بمعنى الراسخة في العروبية، كما يقال: ليل لائل، وإما بمعنى الفاعلة للعروبية والمبتدعة لها، لمّا كانوا أول من تكلم بها.
قال الجوهري: وقد يقال فيها: العرب العَرْباء.
والمستعربة: الداخلون في العروبية بعد العجمة، أخذاً من استفعل بمعنى الصيرورة، نحو استنوق الجمل، إذا صار في معنى الناقة، لما فيه من الخنوثة، واستحجر الطين، إذا صار في معنى الحجر ليُبسه.
قال الجوهري: وربما قيل لهم المتعربة.
ثم اختلف في العاربة والمستعربة، فذهب ابن إسحاق والطبري إلى أن العاربة هم: عاد، وثمود، وطَسْم، وجَديس، وأُميم، وعَبيل، والعَمالقة، وعبد ضَخْم، وجُرْهم الأولى، التي كانت في زمن عاد، ومن في معناهم.
والمستعربة: بنو قحطان بن عابر بن شالخ بن أُد بن سام بن نوح عليه السلام، لأن لغة عابر كانت عجمية، إما سريانية، وإما عبرانية، فتعلّم بنو قحطان العربية من العاربة ممن كان في زمنهم، وتعلم بنو إسماعيل العربية من جُرهم من بني قحطان حين نزلوا عليه وعلى أمه بمكة.
وذهب آخرون، منهم المؤيد صاحب حماه، إلى أن بني قحطان هم العاربة، وأن المستعربة هو بنو إسماعيل فقط.
والذي رجحه صاحب "العبر" الأول. محتجاً بأنه لم يكن في بني قحطان من زمن نوح عليه السلام إلى عابر من تكلم بالعربية، وإنما تعلموها نقلاً عمن كان قبلهم من العرب، من عاد وثمود ومعاصريهم، ممن تقدم ذكرهم.

الفصل الثالث

في معرفة طبقات الأنساب وما يلحق بذلك

قد عد أهل اللغة طبقات الأنساب ست طبقات: الطبقة الأولى: الشعب، بفتح العين، وهو النسب الأبعد، كعدنان مثلاً.
قال الجوهري: وهو أبو القبائل الذين ينسبون إليه. ويجمع على شعوب.
قال الماوردي في "الأحكام السلطانية": وسمي شعباً، لأن القبائل تتشعب منه.
وذكر الزمخشري في "كشافه" نحوه.
الطبقة الثانية: القبيلة، وهي ما انقسم فيه الشعب كربيعة ومُضر.
قال الماورديّ: وسميت القبيلة لتقابل الأنساب فيها. وتجمع القبيلة على قبائل وربما سميت القبائل: جماجم أيضاً، كما يقتضيه كلام الجوهري حيث قال: وجماجم العرب هي القبائل التي تجمع البطون.
الطبقة الثالثة: العِمارة، بكسر العين المهملة، وهي ما انقسم فيه أنساب القبيلة، كقريش وكنانة. وتجمع: على عمارات، وعمائر.
الطبقة الرابعة: البطن، وهي ما انقسم فيه أقسام العمارة، كبني عبد مناف، وبني مخزوم. ويجمع: على بطون، وأبطن.
الطبقة الخامسة: الفخذ، وهي ما انقسم فيه أقسام البطن، كبني هاشم، وبني أمية، وتجمع على: أفخاذ.
الطبقة السادسة: الفصيلة، بالصاد المهملة. وهي ما انقسم فيه أقسام الفخذ، كبني العباس.
هكذا رتّبها الماوردي في "الأحكام السلطانية"، ومثّل بما تقدم. وعلى نحو ذلك جرى الزمخشري في تفسيره في الكلام على قوله تعالى: )وجعلناكم شُعوباً وقبائل( إلا أنه مثل للشعب بخزيمة، وللقبيلة بكنانة، وللعمارة بقريش، وللبطن بقُصي، وللفخذ بهاشم، وللفصيلة بالعباس.
وبالجملة فالفخذ يجمع الفصائل، والبطن يجمع الأفخاذ، والعمارة يجمع البطون، والقبيلة تجمع العمائر، والشعب يجمع القبائل.
قال النووي في "تحرير التنبيه": وزاد بعضهم "العشيرة" قبل "الفصيلة".
قال الجوهري: وعشيرة الرجل: رهطه الأدنون.

حكى أبو عبيد عن ابن الكلبي عن أبيه تقديم الشعب، ثم القبيلة، ثم الفصيلة، ثم العمارة، ثم الفخذ. وعليه جرى الجوهري في مادة "فخذ".
واعلم أن أكثر ما يدولا على الألسنة من الطبقات الستة المتقدمة: القبيلة ثم البطن، وقلّ ما تذكر العمارة والفخذ والفصيلة، وربما عُبر عن كل واحد من الطبقات الست بالحي، إما على العموم، مثل أن يقال: حيّ من العرب، وإما على الخصوص، مثل أن يقال: حيّ بني فلان.

الفصل الرابع

في ذكر مساكن العرب القديمة

التي منها درجوا إلى سائر الأقطار اعلم أن مساكن العرب في ابتداء الأمر كانت بجزيرة العرب الواقعة في أواسط المعمور وأعدل أماكنه وأفضل بقاعه، حيث الكعبة الحرام وتربة أشرف الخلق نبينا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام، وما حول ذلك من الأماكن.
وهذه الجزيرة متسعة الأرجاء ممتدة الأطراف يحيط بها من جهة الغرب بعض بادية الشام حيث البلقاء، إلى أيلة، ثم بحر القلزم الآخذ من أيلة حيث العقبة الموجودة بطريق حجاج مصر إلى الحجاز إلى أطراف اليمن، حيث طيّ وزبيد وما داناهما.
ومن جهة الجنوب بحر الهند المتصل به بحر القُلزم المقدم ذكره، من جهة الجنوب إلى عدن إلى أطراف اليمن حيث بلاد مهرة، من ظفار وما حولها.
ومن جهة الشرق بحر فارس الخارج من بحر الهند إلى جهة الشمال إلى بلاد البحرين، ثم إلى أطراف البصرة، ثم إلى الكوفة من بلاد العراق.
ومن جهة الشمال الفرات آخذاً من الكوفة على حدود العراق إلى عانة، إلى بالس من بلاد الجزيرة الفراتية، إلى البلقاء من برية الشام، حيث وقع الابتداء.
ودور هذه الجزيرة، فيما ذُكر في تقويم البلدان، سبعة أشهر وأحد عشر يوماً تقريباً بسير الأثقال، فمن البلقاء إلى الشراة ثلاثة أيام، ومن الشرا إلى أيلة نحو ثلاثة أيام، ومن أيلة إلى فرضة المدينة النبوية نحو عشرين يوماً، ومنها إلى ساحل الجُحفة إلى جُدة- فرضة مكة المشرفة- ثلاثة أيام، ومن جدة إلى عدن نحو من شهر، ومن عدن إلى سواحل مهرة نحو من شهر، ومن مهرة إلى عمّان من البحرين نحو من شهر، ومن عمان إلى هَجر- قاعدة البحرين- نحو من شهر، ومن هجر إلى عبادان من سواد العراق نحو خمسة عسر يوماً، ومن عبادان إلى البصرة نحو يومين، ومن البصرة إلى الكوفة نحو اثنتي عشر يوماً، ومن الكوفة إلى بالس نحو عشرين يوماً، ومن بالس إلى سَلَميّة نحو سبعة أيام، ومن سَلَمية إلى مشارف غوطة دمشق نحو أربعة أيام، ومن مشارف غوطة دمشق إلى مشارف حوران ثلاثة أيام، ومن مشارف حوران إلى البلقاء نحو ثلاثة أيام.
قال المدائني: وجزيرة العرب هذه تشتمل على خمسة أقسام: تهامة، ونجد، وحجاز، وعروض، ويمن.
فتهامة: هي الناحية الجنوبية من الحجاز.
ونجد: هي الناحية التي بين الحجاز و العراق.
والحجاز: هو ما بين نجد وتهامة، وهو جبل يقبل من اليمن حيث يتصل بالشام، وسمي حجازاً لحجزه بين نجد وتهامة.
والعروض: هي اليمامة إلى البحرين.
ويدخل في هذه الجزيرة قطعة من بلاد الشام، منها: تدمر، وتيماء، وتَبُوك.
واعلم أن اليمن كان هو منازل العرب العاربة من عاد، وثمود، وطَسم، وجديس، وأُميم، وجُرهم، وحضرموت، ومَن في معناهم، ثم انتقلت ثمود منهم إلى الحِجْر من أرض الشام، فكانوا به حتى هلكوا، كما ورد به القرآن الكريم.
وهلكت بقايا العاربة باليمن من عاد وغيرهم، وخلفهم فيه بنو قحطان من عابر، فعرفوا بعرب اليمن إلى الآن، وبقوا فيه إلى أن خرج منهم عمرو مزيقياء عند توقّع سيل العَرم، وكانت أرض الحجاز منازل بني عدنان إلى أن غزاهم بُخْتنصر، ونقل من نقل منهم إلى الأنبار من بلاد العراق. ولم تزل العرب بعد ذلك كله في التنقل عن جزيرة العرب والانتشار في الأقطار إلى أن كان الفتح الإسلامي، فتوغلوا في البلاد حتى وصلوا إلى بلاد الترك وما داناها، ونزلت منهم طائفة بالجزيرة الفراتية وصاروا إلى أقصى المغرب وجزيرة الأندلس وبلاد السودان، وبلغوا الآفاق وعمروا الأقطار، وصار بعض عرب اليمن إلى الحجاز فأقاموا به، وربما صار بعض عرب الحجاز إلى اليمن فأقاموا به، وبقى من بقى منهم بالحجاز واليمن على ذلك إلى الآن، ومن تفرق منهم بالأقطار منتشرون في الآفاق قد ملأوا ما بين الخافقين.

الفصل الخامس

في بيان أمور يحتاج الناظر في علم الأنساب إليها

وهي عشرة أمور: الأول- قال الماوردي: إذا تباعدت الأنساب صارت القبائل شعوباً، والعمائر قبائل، يعني: وتصير البطون عمائر، والأفخاذ بطوناً، والفصائل أفخاذاً، والحادث بعد ذلك فصائل.
الثاني- قد ذكر الجوهري: أن القبيلة هي بنو أب واحد.
وقال ابن حزم: جميع قبائل العرب راجعة إلى أب واحد سوى ثلاث قبائل، وهي تَنوخ، والعُتْق، وغسّان، فإن كل قبيلة منها مجتمعة من عدة بطون.
وسيأتي بيان ذلك في الكلام على كل قبيلة من القبائل الثلاث في موضه، إن شاء الله.
ثم أن القبيلة قد يكون له عدة أولاد فيحدث عن بعضهم قبيلة أو عدة قبائل، فتنسب إليه كل قبيلة تحدث عنه وتُترك النسبة إلى القبيلة الأولى، كحنظلة بن تميم، فينسب إلى "حنظلة" ويترك "تميم" ويبقى بعضهم بلا ولد، بألا يولد له أو لم يشتهر ولده، فينسب إلى القبيلة الأولى.
الثالث- إذا اشتمل النسب على طبقتين فأكثر، كهاشم، وقريش، ومُضر، وعدنان، جاز لمن في الدرجة الأخيرة من النسب أن ينتسب إلى الجميع، فيجوز لبني هاشم أن يُنسبوا إلى هاشم وإلى قريش وإلى مضرو إلى عدنان، فيقال في أحدهم: الهاشميّ، والقرشيّ، والمضريّ، والعدنانيّ.
بل قد قال الجوهري: إن النسبة إلى الأسفل تُغني عن النسبة إلى الأعلى، فإذا قلت في النسبة إلى "كلب بن وبرة" الكلبي، استغنيت أن تنسبه إلى شيء من أصوله.
وذكر غيره أنه يجوز الجمع في النسب بين الطبقة العليا والطبقة السفلى.
ثم بعضهم يرى تقديم العليا على السفلى، مثل أن يقال في النسب إلى عثمان ابن عفان رضي الله عنه: الأموي العثماني، وبعضهم يرى تقديم السفلى على العليا، فيقال: العثماني الأموي.
الرابع- قد ينضم الرجل إلى غير قبيلته بالحلف والموالاة، فينسب إليهم، فيقال: فلان حليف بني فلان، أو مولاهم؛ كما يقال في البخاري: الجُعفي مولاهم، ونحو ذلك.
الخامس- إذا كان الرجل من قبيلة ثم دخل قبيلة أخرى جاز أن ينسب إلى قبيلته الأولى، وأن ينسب إلى قبيلته التي دخل فيها، وأن ينسب إلى القبيلتين جميعاً، مثل أن يقال: التميمي ثم الوائلي، أو الوائلي ثم التميمي، وما أشبه ذلك.
السادس- القبائل في الغالب تسمى باسم الأب والد القبيلة، كربيعة ومضر والأوس والخزرج، ونحو ذلك، وقد تسمى القبيلة باسم أمها الوالدة لها، كخندف وبِجَيلة ونحوهما، وقد تسمى باسم حاضنة ونحوها، وربما وقع اللقب على القبيلة بحدوث سبب، كغسان، حيث نزلوا من ماء يسمى غسان، فسموا به، كما سيأتي إن شاء الله.
السابع- غالب أسماء العرب منقولة عما يدور في خزانة خيالهم مما يخالطونه ويجاورونه، إما من الوحوش، كأسد ونمر، وإما من النبات، كنَبت وحنظلة، وإما من الحشرات، كحيّة وحنش، وإما من أجزاء الأرض، كفِهر وصَخر، ونحو ذلك.
الثامن- الغالب على العرب تسمية أبنائهم بمكروه الأسماء، ككلب وحنظلة وضِرار وحرب، وما أشبه ذلك، وتسمية عبيدهم بمحبوب الأسماء، كفلاح ونجاح، ونحو ذلك.
والمعنى فيه ما حُكي: أنه قيل لأبي الدُّقيش الكلابي: لِمَ تسمون أبناءكم بشرّ الأسماء، نحو كلب وذئب، وعبيدكم بأحسن الأسماء، نحو مرزوق ورَباح، فقال: إنما نسمي أبناءنا لأعدائنا، وعبيدنا لأنفسنا. يريد أن الأبناء مُعدَّة للأعداء في المحاربة ونحوها فاختاروا لهم شر الأسماء، والعبيد معدّة لأنفسهم فاختاروا لهم خير الأسماء.
التاسع- إذا كان في القبيلة اسمان متوافقان كالحارث والحارث، والخزرج والخزرج، ونحو ذلك، وأحدهما من ولد الآخر، أو بعده في الوجود، عُبِّر عن الوالد أو السابق منهما بالأكبر، وعن الولد أو المتأخر منهما بالأصغر، وربما وقع ذلك في الأخوين، إذا كان أحدهما أكبر من الآخر.
العاشر- أسماء القبائل في اصطلاح العرب على خمسة أضرب: أولها- أن يطلق على القبيلة لفظ الأب، كعاد وثمود ومَدين، وما شاكل ذلك، وبذلك ورد القرآن الكريم في عدة مواضع، كقوله تعالى: )وإلى عاد( )وإلى ثمود( )وإلى مَدْين(، يريد: بني عاد، وبني ثمود، وبني مدين، وأكثر ما يكون ذلك في الشعوب والقبائل العظام لا سيما في الأزمان المتقدمة، بخلاف البطون والأفخاذ ونحوها.
وثانيها- أن يطلق على القبيلة لفظ البُنوة، فيقال: بنو فلان، وأكثر ما يكون ذلك في البطون والأفخاذ والقبائل الصغار، لا سيما في الأزمان المتأخرة.

وثالثها- أن تَرد القبيلة بلفظ الجمع مع الألف واللام، كالطالبيين، والجعافرة، ونحوهما، وأكثر ما يكون ذلك في المتأخرين دون غيرهم.
ورابعها- أن يعبر عن القبيلة ب "آل فلان" كآل ربيعة، وآل فضل، وآل علي، وما أشبه ذلك، وأكثر ما يكون ذلك في الأزمنة المتأخرة، لا سيما في عرب الشام في زماننا، والمراد بالآل: الأهل.
وخامسها- أن يُعبر عن القبيلة بأولاد فلان، ولا يوجد ذلك إلا في المتأخرين من أفخاذ العرب على قلة.

المقصد في معرفة تفاصيل أنساب العرب

وفيه فصلان

الفصل الأول

في ذكر عمود النسب النبوي

وما يتفرع عنه من الأنساب

أما عمود نسبه- صلى الله عليه وسلم- فعلى ما ذكره ابن إسحاق-: هو محمد بن عبد الله بن عبد المطلب- واسمه شيبة. وقيل: عامر- بن هاشم- واسمه: عمرو بن عبد مناف- واسمه: المغيرة- بن قصي- واسمه: زيد، ويدعى مجمعاً- بن كلاب ابن مُرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن غالب بن فهر بم مالك بن النضر- واسمه عامر- ابن كنانة بن خُزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان بن أدد بن مقُوم بن ناحور بن تيرح بن يَعرُب بن يَشْجُب بن نابت بن إسماعيل بن إبراهيم الخليل- عليه السلام- بن تارح بن ناحور بن شاروغ بن راعو بن فالغ بن عابر بن شالخ بن أرفخشذ بن سام بن نوح- عليه السلام- بن لَمْك بن مَتُّوشلخ بن أخنوخ- وهو إدريس- بن يَرْد بن مَهْليل بن قينن بن أنوش بن شيت ابن آدم عليه السلام.
والاتفاق على هذا النسب الشريف إلى عدنان. وفيما بعد عدنان إلى الخليل عليه السلام خلاف كثير يأتي ذكره في الكلام على نسب عدنان، عند ذكر العرب المستعربة إن شاء الله. بل قد منع بعضهم رفع النسب فيما فوق عدنان، وعلى ذلك جرى النووي في كتبه.
قال القضاعي في كتابه "عيون المعارف في أخبار الخلائف": وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تُجاوزوا معد بن عدنان، كذب النسابون" ثم قرأ )وقُروناً بين ذلك كثيراً( ولو شاء أن يعلمه علَّمه.
وذكر التَّوزري في شرح الشقراطيسية أنه صلى الله عليه وسلم كرر: "كذب النسابون" مرتين أو ثلاثاً، ثم قال: والصحيح أنه من قول ابن مسعود وعليّ.
وعن مالك ابن أنس: أنه سئل عن الرجل يُرفع نسبه إلى آدم. فكره ذلك، فقيل له: إلى إسماعيل? فأنكر ذلك وقال: من يخبر به.
والذي عليه البخاري وغيره من العلماء موافقة ابن إسحاق على رفع النسب، كما تقدم.
وأما ما يتفرع من عمود نسبه- صلى الله عليه وسلم- من الأنساب فلا خفاء أن آدم عليه السلام هو أبو البشر، ومبدأ النسل. وما يذهب إليه الفرس من أن مبدأ النسل من كيومرت، الذي ينسب إليه الفرس، فإنه مفسر بآدم عليه السلام عند أكثر المؤرخين. ثم لا نزاع في أن الأرض عمرت ببني آدم عليه السلام إلى زمن نوح عليه السلام. وأنهم هلكوا بالطوفان الحاصل بدعوة نوح، حين غلب فيهم الكفر وظهرت عبادة الأوثان، وأن الطوفان عمَّ جميع الأرض. ولا عبرة بما يذهب إليه الفرس من إنكار الطوفان، ولا بما ذهب إليه بعضهم من تخصيصه بإقليم بابل، الذي به نوح عليه السلام.
ثم وقع الاتفاق بين النسّابين والمؤرخين أن جميع الأمم الموجودة بعد نوح عليه السلام جميعهم من بنيه، دون من كان معه في السفينة، وعليه يحمل قوله تعالى: )ذُرية من حملنا مع نوح(.
أما من عدا بنيه ممن كان معه في السفينة، فقد روي أنهم كانوا ثمانين رجلاً، وأنهم هلكوا من غير عقب. ثم اتفقوا على أن جميع النسل من بنيه الثلاثة: يافث- وهو أكبرهم- وسام- وهو أوسطهم- وحام- وهو أصغرهم.
وقد ذكر ابن إسحاق أنه كان ليافث ستة أولاد، وهم: كومر-ويقال: غومر وياوان- ويقال: يافان، وهو يونان- وماغوغ، وقطوبال، وماشخ، وطيراش. ووقع في الإسرائيليات زيادة "ماذاي" فصاروا به سبعة.
وذكر البيهقي ثامناً، وهو: علجان.
ووقع في كلام ابن سعيد زيادة "سويل" فيكونون تسعة.
قال ابن إسحاق: وكان لسام خمسة أولاد، وهم: أرفخشذ، ولاوذ، وآرم، وأشوذ، وغُليم.
وفي الإسرائيليات أنه كان لحام أربعة أولاد: وهم: مصر- وبعضهم يقول مصرايم- وكنعان، وكوش، وقوط.
والذي ذكره الأستاذ إبراهيم بن وصيف شاه في كتاب "العجائب"، أن مصر بن بيصر بن حام بن نوح، فيكون حينئذ مصر ابن ابن حام، لا ابنه لصلبه.
 إذا علمت ذلك فكل أمة من الأمم ترجع إلى واحد من أبناء نوح الثلاثة على كثرة الخلاف في ذلك.
فالترك من بني ترك بن كومر بن يافث، وقيل: من بني طيراش بن يافث. ونسبهم ابن سعد إلى: ترك بن عامور بن سويل بن سويد بن يافث. ويدخل في جنس الترك القفجاق، وهم الخفشاج، والطغر، وهم التتر. ويقال التتار: بزيادة ألف. ويقال فيهم: الططر، بالطاء. ويدخل فيهم أيضاً الخرلخية، والخزر، وهم الغز الذين كان منهم ملوك السلاجقة، والهياطلة، وهم الصغد، والغور والعلان، ويقال: اللان، والشركس، والأزكش، والروس، فكلهم من جنس الترك نسبهم داخل في نسبهم.
والجرامقة: وهم أهل الموصل القديم، من ولد جرموق بن أشوذ بن سام بن نوح. فيما قاله ابن سعيد، ومن ولد كاثر بن إرم بن سام، فيما قاله غيره.
والجيل: وهم أولاد كيلان من بلاد الشرق، من ولد باسل بن أشوذ بن سام، قاله ابن سعيد.
والخزر، وهم التركمان، من ولد توغرما بن كومر بن يافث، فيما وقع في الإسرائيليات، وقيل من ولد طيراش بن يافث، وقيل: نوع من الترك.
والديلم: وهم الذين كانوا منهم بنو بويه ملوك العراق وغيره من الشرق، من بني مازاي بن يافث. وقال ابن سعيد: من بني باسل بن أشوذ بن سام. وقيل: هم من بني باسل بن طابخة بن إلياس بن مضر. وضعفه أبو عبيد.
والروم، قيل: هم من بني كيتم بن يونان، وهو يافان بن يافث. وقيل: من ولد رومي بن يونان بن علجان بن يافث. وقيل: من ولد رعويل بن عيصو بن إسحاق ابن إبراهيم عليه السلام.
وقال الجوهري في "صحاحه": من ولد روم بن عيصو بن إسحاق.
والسُّرْيان: من بني سُوريان بن نُبيط بن ماش بن إرم بن سام. قاله ابن الكلبي.
والسند، في الإسرائيليات: أنهم من بني شاو بن رعما بن كوش بن حام.
وحكى الطبري عن ابن إسحاق: أنهم من بني كوش بن حام. وهو قريب من الأول.
والسودان. قال ابن سعيد: جميع أجناسهم من ولد حام.
ونقل الطبري عن ابن إسحاق: أن الحبشة من ولد كوش بن حام؛ والنوبة من ولد كنعان بن حام، وأن الزنج من ولد كنعان أيضاً، وكذلك زغاوة.
وذكر ابن سعيد أن الحبشة من بني حبش، والنوبة من بني نوبة، أو بني نوبى، والزنج من بني زنج، ولم يرفع في نسبهم، فيحتمل أن يكونوا من أعقاب بني حام.
والصقالبة، عند الإسرائيلين: من بني ياوان بن يافث، وقيل: من بني أشتكاز بن يوغرما بن كومر بن يافث.
والصين، قيل: من بني صيني بن ماغوغ بن يافث. وقيل: من بني قطوبال بن يافث. وذكر هُروشْيس مؤرخ الروم أنهم من بني ماغوغ بن يافث.
والعبرانيون، من ولد عابر بن شالخ بن أرفخشذ بن سام. قاله الطبري.
والفرس، قال ابن إسحاق: من ولد فارس بن لاوذ بن سام.
وقال ابن الكلبي: من ولد طيراش بن أشوذ بن سام. وقيل: من ولد طيراش ابن حوران بن يافث. وقيل: من بني أميم بن لاوذ بن سام.
قال في العبر: وليس بصحيح.
ووقع للطبري أنهم من ولد رعويل بن عيصو بن إسحاق بن إبراهيم عليه السلام.
قال في العبر: ولا التفات إلى هذا القول، لأن ملك الفرس أقدم من ذلك.
والفرنج، قيل: من ولد قطوبال بن يافث. وقيل: من ولد ريفاث بن كومر ابن يافث، وقيل من ولد توغرما بمن كومر بن يافث.
والقبط، قال الأستاذ بن وصيف شاه: هم من بني قبطيم بن مصر ابن حام.
وعند الإسرائيليين أنهم من ولد قوط بن حام. وقال أهرشيوش: من ولد قبط بن لاب بم مصرايم بن حام.
والقُوط: - بضم القاف- وهم أهل الأندلس قبل الإسلام: من ولد ماغوغ بن يافث، فيما قاله هْرُوشْيُسْ. وقيل: من ولد قُوط بن حام.
والكرد، بضم الكاف: من بني إيران بن أشوذ بن سام، وإلى إيران هذا تنسب مملكة إيران، التي كان بها ملوك الفرس. قال المُقر الشهابي بن فضل الله في كتابه "التعريف": يقال: في المسلمين الكرد، وفي الكفار الكرج، وحينئذ فيكون الكرد والكرج نسباً واحداً.
والكنعانيون، الذين كانوا منهم جبابرة الشام، من ولد كنعان بن حام.
والَّلمان- بفتح اللام- من ولد قطوبال بن يافث. وقال المؤيد صاحب حماة: ومواطنهم بالغرب إلى الشمال في شمال البحر الرومي.
والنبط- بفتح الباء- وهم أهل بابل في الزمن القديم. قال ابن الكلبي: هم بنو نبيط بن ماش بن إرم بن سام. وقال ابن سعيد: هم من بني نبيط بن أشوذ بن سام.

والهند: في الإسرائيليات، أنهم من ولد دادان بن رعما بن كوش بن حام. ونقل الطبري عن ابن إسحاق: أنهم من بني كوش بن حام، من غير واسطة.
والأرمن، وهم أهل أرمينية الذين بقاياهم ببلاد سيس إلى الآن، قيل: من ولد قهويل بن ناحور بن تارح. وهو آزر- بن ناحور، أخو إبراهيم عليه السلام.
والأشبان، عند بعض النسابين: من ولد ماشخ بن يافث. وعند الإسرائيليين: من ولد ياوان، وهو يونان بن يافث. وعند آخرين: أنهم من شعوب بني عيصو ابن إسحاق بن إبراهيم عليه السلام. وقال الطبري: أشك أنهم من ولد رعويل ابن عيصو بن إسحاق، وهو قريب من الأول.
واليونان، قيل: هم من ولد يونان، وهو ياوان بن يافث. وقال البيهقي: من بني يونان بن علجان بن يافث، وشذ الكندي فقال: يونان بن عابر، وذكر أنه خرج من بلاد العرب مغاضباً لأخيه قحطان، فنزل شرقي الخليج القسطنطيني، فتناسل بنوه هناك. ورد عليه أبو العباس الناشئ بقوله:

تُخلِّط يوناناً بقَحْطـان ضِـلَّةً

 

لعمري لقد باعدتَ بينهما جدّاً

واليونانيون على ثلاثة أصناف: الَّلطينيون، وهم بنو الَّلطين بن يونان؛ والإغريقيون، وهم بنو إغريقن بن يونان، والكيتم، وهم بنو كيتم ابن يونان، وإلى هذه الفرقة منهم يرجع نسب الروم فيما قبل.
وزُويلة- وهم أهل برقة في الزمن القديم، ويقال: إنهم من بني حويلا بن كوش بن حام، ومنهم الطائفة الذين وصلوا صُحبة المُعزِّي باني القاهرة، المنسوب إليهم باب زُويلة، وحارة زويلة بالقاهرة.
ويأجوج ومأجوج- قيل: هم من ولد ياغوغ بن يافث. وقيل: من ولد كومر ابن يافث.
والبربر- فيهم خلاف يرجع إلى أنهم، هل هم من العرب أو من غيرهم? وقد اختلف في نسبهم اختلافاً كثيراً، فذهبت طائفة من النسابين إلى أنهم من العرب ثم اختُلف في ذلك، فقيل: أوزاع من اليمن، وقيل: من غسان وغيرهم تفرقوا عند سيل العَرم، قاله المسعودي.
وقيل: خلَّفهم أبرهة ذو المنار، أحد تبايعة اليمن حين غزا العرب.
وقيل: من ولد لقمان بن حِمْير بن سبأ، بعث سريّة من بنيه إلى المغرب ليعمروه فنزلوا وتناسلوا فيه. وقيل: من لخم وجُذام كانوا نازلين بفلسطين من الشام إلى أن أخرجهم منها بعض ملوك فارس فلجأوا إلى مصر، فمنعهم ملوكها من نزولها، فذهبوا إلى الغرب فنزلوه.
وذهب قوم إلى أنهم من ولد يقشان بن إبراهيم عليه السلام.
وذكر الحمداني أنهم من ولد بر بن قيذار بن إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام، وأنه كان قد ارتكب معصية فطرده أبوه، وقال له: البر، البرّ، اذهب يا بَر، فما أنت بَر.
وقيل: هم من ولد بربر بن كسلوحيم بن حام.
وقيل: من ولد تميلة بن مأرب بن قاران بن عمرو بن عمليق بن لاوذ ابن إرم بن سام بن نوح.
وقيل: من ولد قبط بن حام بن نوح.
وقيل: أخلاط من كنعان والعماليق.
وقيل: من حمير ومصر، والقبط.
وقيل: من ولد جالوت، ملك بني إسرائيل، وأنه لما قَتَلَ داود عليه السلام جالوت تفرقوا في البلاد، فلما غزا إفريقش الغرب نقلهم من سواحل الشام، وأسكنهم المغرب وسماهم البربر.
وقيل: بل أخرجهم داود عليه السلام من الشام فصاروا إلى المغرب.
وهم قبائل كثيرة، وشعوب جمة، وطوائف متفرقة، وأكثرهم ببلاد المغرب، وقد صار بعضهم من المغرب إلى مصر، فنزلوا وتلبسوا بالعرب بعضهم بالوجه البحري ببلاد البحيرة والمنوفية والغربية، وبعضهم بالوجه القبلي بالجيزة وبلاد البهنسا إلى أقصى الصعيد.
قال صاحب العبر: وهي على كثرتها ترجع إلى أصلين لا تخرج عنهما، وهم: الأول: البرانس، وهم بنو برنس من بربر. والثاني: البتر، وهم بنو مادغش الأبتر بن بربر.
قال: وبعضهم يقول: إنهم يرجعون إلى سبعة أصول، وهم: إردواحة، ومصمودة، وأَوْرَبَّة، وعجبة، وكُتامه، وصنهاجة، وأوريغة.
ثم قال: وزاد بعضهم: لمطة، وهكسوره، وكزولة.
وسيأتي ذكر المشهور من قبائلهم مع ذكر قبائل العرب لتلبّسهم بهم، في موضعه إن شاء الله تعالى.

أما العرب فإنهم على اختلاف قبائلهم وتباين شعوبهم من ولد سام باتفاق النسّابين: بعضهم يرجع إلى لاوذ بن سام، وبعضهم إلى إرم بن سام، وبعضهم يرجع إلى قحطان بن عابر بن شالخ بن أرفخشذ بن سام، وبعضهم يرجع إلى إسماعيل بن إبراهيم عليه السلام، وبعضهم يرجع إلى مَدْين بن إبراهيم عليه السلام. وقد تقدم في عمود النسب أن إبراهيم من ولد عابر بن شالخ بن أرفخشذ ابن سام.

الفصل الثاني من المقصد

في ذكر عرب الزمان وتفصيل أنسابهم وأصولهم

التي عنها تفرعوا، وبيان ديارهم التي عنها نزحوا، ومنازلهم التي فيها قطنوا واعلم أن المؤرخين قد قسموا العرب إلى بائدة وغيرها.
فالبائدة هم العرب الأول الذين بادوا ودرست آثارهم، كعاد وثمود وطَسم وجَديس وعمليق وأُميم وجُرْهم الأولى وعَبيل وبني عبد ضخم، ومن عاصرهم. وقد أتيت على ذكرهم في كتابي "نهاية الأرب في معرفة قبائل العرب"، ولا حاجة بهذا الكتاب إلى ذكرهم لأنه غير ما قصدته فيه.
وأما غير البائدة وهم الذين حدثوا بعد البائدة وتعاقبوا وتناسلوا، وبقيت بقاياهم إلى الآن، فعلى ثلاثة أقسام:

القسم الأول:

العاربة، وهم بنو قحطان بن عابر بن شالخ بن أرفخشذ بن سام بن نوح عليه السلام. وشذ بعضهم، فقال: قحطان بن الهميسع بن أبين بن نبت ابن إسماعيل عليه السلام. وحينئذ فيكون جميع العرب من ولد إسماعيل عليه السلام.
قال في العبر: واسم قحطان في "التوراة": يقطن، فعُرِّب بقحطان.
ومن العرب من يُنسب إلى "قحطان" نفسه إلى الآن.
قال في مسالك الأبصار: وبنابلس من بلاد الشام كثير منهم.
وكان لقحطان عدة أولاد، منهم: يعرب، وجُرهم، وحَضرَمَوت. ولما مات مَلَكَ اليمن بعده ابنه "يعرب" دون سائر بنيه.
قال الجوهري: وهو أول من تكلم بالعربية، ولعله يريد أول من تكلم بها من بني قحطان، وإلا فقد كان قبله أمم من العرب، كعاد وثمود وغيرهم يتكلمون العربية.
ولما مَلَكَ يعرب اليمن ولّى أخاه جُرهماً الحجاز، وتداول ملكه بنوه بعده إلى أن أنزل إبراهيم عليه السلام ابنه إسماعيل وأُمه بمكة، فنزلوا عليهم وتعلّم إسماعيل منهم العربية وتزوج منهم. وجاء إبراهيم عليه السلام إلى مكة ثانياً، وبنى البيت هو وإسماعيل، وتولى إسماعيل أمره، وتداوله بنوه من بعده، ثم استولت جُرهم على أمر البيت، فلما تفرقت قبائل اليمن بسيل العرم نزلت خُزاعة مكة وغلبت جرهماً عليها، فخرجت جرهم من مكة ورجعوا إلى ديارهم من اليمن حتى انقرضوا، وبقي حضرموت مع أخيه باليمن لم يبرح، وتناسل بنوه به، وبنوا مدينة حضرموت وسكنوها، فعُرفت بهم.
قال علي بن عبد العزيز الجرجاني النسابة: وكان فيهم ملوك تقارب ملوك التبابعة في علوّ الصيت ونباهة الذكر.
قال في العبر: وقد ذهب أكثرهم واندرج باقيهم في كِنْدَه، وصاروا في عدادهم.
ومن حضرموت هؤلاء: وائل بن حُجر، كتب إليه النبي صلى الله عليه وسلم كتاباً نصه: من محمد رسول الله إلى الأقيال العباهلة من أرض حضرموت بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة. على التِّيعة الشاة، والتِّيمة لصاحبها. وفي السيوف الخُمس، ولا خِلاط، ولا وراط، ولا شِناق، ولا شِغار، ومن أجْبى فقد أربى، وكل مسكر حرام.
وفي رواية ذكرها القاضي عياض رحمه الله في "الشفاء": أن في كتابه صلى الله عليه وسلم إليهم: إلى الأقيال العباهلة، والأرواع المشايب، وفي التِّيعة شاة، لا مُقوّرة الألياط، ولا ضِناك، وانطوا الثَّبَجة، وفي السيوف الخمس. ومن زنى مِم بكر فاصفعوه مائة واستوفضوه عاما. ومن زنى مم ثَيِّب فضرّجوه بالأضاميم، ولا توصيم في الدين، ولا غُمة في فرائض الله، وكل مسكر حرام. ووائل بن حُجر يترفَّل على الأقيال.
ومن حضرموت: بنو الصدِف، بكسر الدال المهملة، قال القُضاعي في خِططه: حضروا فتح مصر واختطوا بها.

وأما يعرب: فإنه ولد ابنه يشجُب، وملك اليمن بعده. وولد ليشجب: سبأ، واسمه عبد شمس، فملك اليمن بعد أبيه، وأكثر الغزو والسبي فسُميَّ سبأ. وغلب ذلك عليه حتى لم يُسمّ به غيره، ثم أطلق الاسم على بنيه بعده على عادتهم في القبائل. وورد القرآن بذلك في قوله تعالى حكاية عن الهدهد في خطابه لسليمان عليه السلام: )وجئتُك من سبأٍ بنبأٍ يقين( وقوله: مخبراً عن أمرهم، وما كانوا فيه من النعمة، وكيف تبدلت بغيرها: )لقد كان لسبأ في مسكنهم آية جنتان عن يمين وعن شمال، كلوا من رزق ربكم واشكروا له بلدةٌ طيبة وربٌّ غفور. فأعرضوا فأرسلنا عليهم سيل العَرم وبدَّلناهم بجنَّتيهم جنتين ذواتي أُكُل خَمْط وأَثْل وشيء من سِدر قليل(.
وكان لسبأ عدة أولاد اشتهر منهم خمسة وتناسلوا وبقيت أعقابهم إلى الآن. ومن نسلهم جميع قبائل اليمن، وهم: حِميَر، وكهلان، وعمرو، وأشعر، وعاملة، وبحسبهم صارت أصول قبائل اليمن خمسة منهم تفرعت العمائر والبطون والأفخاذ، والفصائل، السابق بيانها.

القبيلة الأولى:

حِمْير، بكسر الحاء المهملة وسكون الميم وفتح الباء المثناة تحت وراء مهملة في الآخر، وهو حمير بن سبأ، لصُلبه.
قال الجوهري: واسمه العَرنج. يعني بفتح العين والراء المهملتين وسكون النون ثم جيمين الأولى منهما مفتوحة.
قال أبو عبيد: وكان له من الولد: الهَميسع، ومالك.
وزاد ابن الكلبي في الجمهرة ذكر: يزيد، وعريب، ومسروح، ووائل، ومعديكرب، وأوسا، ودرما، ومُرة.
ومن عقب حمير كانت ملوك اليمن من التبابعة إلا النزر اليسير ممن تخللهم من بني هلال في الزمن القليل؛ ثم العمارات المتفرعة منه، منها ما كان مشتهراً في الزمن الأول ثم اختفى ذكره، كشعبان. على اسم الشهر، وهو بنو شعبان بن عمرو بن زهير بن أبين بن الهميسع بن حمير، وإليهم ينسب الشعبي الفقيه المشهور في الصدر الأول، واسمه عامر بن شراحيل؛ وكذلك زيد الجمهور، بضم الجيم. وهم بنو زيد الجمهور بن سهل بن عمرو بن قيس بن معاوية بن جُشم بن عبد شمس بن وائل بن الغوث بن قَطن بن عَريب بن زهير بن الغوث بن أبين بن الهميسع، وهي قبيلة: الحارث، ونعيم، ومسروح، بني عبد كلال الذين كتب إليهم النبي صلى الله عليه وسلم يدعوهم إلى الإسلام مع عياش بن أبي ربيعة المخزومي فآمنوا. ونص الكتاب، فيما ذكره محمد بن سعد في طبقاته: سلْم أنتم ما آمنتم بالله ورسوله، وأن الله وحده لا شريك له، بعث موسى بآياته وخلق عيسى بكلماته. قالت اليهود، عزير ابن الله، وقالت النصارى ثالث ثلاثة المسيح ابن الله. وفي القصة طول.
منها ما دام اشتهاره مع قلة اشتهار بطونه كشيبان، بفتح الشين المعجمة وسكون الياء المثناة من تحت وفتح الباء الموحدة وألف ثم نون، وهم: بنو شيبان بن عوف، من بني زهير بن أبين بن الهميسع بن حمير.
وإلى شيبان هؤلاء ينسب: معن بن زائدة الشيباني المشهور بالكرم، وكان في أول الدولة العباسية.
وبقايا شيبان موجودة إلى الآن بالعراق وغيره.
ومن شيبان: ذو أصبح بن مالك، الذي تُنسب إليه السياط الأصبحية.
وجعله ابن ماكولا مرةً في حمير ومرة في كهلان.
والذي كثرت بطونه من حمير وبقيت أفخاذه إلى الآن: قُضاعة، بضم القاف وفتح الضاد المعجمة وألف بعدها ثم عين مهملة مفتوحة وهاء. نقل هذا الاسم عن قضاعة، التي هي كلْبة الماء.
قال الجوهري: وهو قضاعة بن مالك بن حمير. وعليه ينطبق كلام السُّهيلي.
وقال أبو عبيد: قضاعة بن مالك بن عمرو بن مرة بن زيد بن مالك ابن حمير.
هذا هو المشهور في نسبه، أنه من قحطان، وعليه جرى ابن الكلبي، وابن إسحاق وغيرهما.
قال في العبر: وقد يحتج له بما رواه ابن لَهيعة عن عُقبة بن عامر الجُهني رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله، ممن نحن? قال: أنتم من قضاعة ابن مالك. ويقول عمرو بن مرة القضاعي الصحابي رضي الله تعالى عنه:

نحن بنو الشَّيخ الهِجَان الأزهر

 

قضاعة بن مالك بم حِمْـيَرِ

وذهب بعض النسابين إلى أن قضاعة من عدنان دون قحطان، وقال: هو قضاعة بن مَعَدّ بن عدنان.
قال ابن عبد البر: وعليه الأكثرون. ويُروى عن ابن عباس، وابن عمر، وجبير بن مطعم، وهو اختيار الزبير بن بكار، وابن مصعب الزبيري، وابن هشام. ونسبه الجوهري في صحاحه إلى نسّابة مُضَر.

قال السهيلي: والصحيح أن أم قضاعة هي: عكبرة، مات عنها مالك بن حمير، وهي حامل، فتزوجها معد بن عدنان، فولدت قضاعة على فراشه، فتبنّاه وتكنى به، فنُسب إليه.
قال أبو عبيد: وكان لقضاعة من الولد: الحافي، والحاري: ووديعة، وسيأتي في نسب "بُلى" أن جده من بني قضاعة: الحافي بن قضاعة. وحينئذ فدعوى صاحب الغبر أنه لا ولد له غير الحافي وَهْمٌ منه.
وإلى قضاعة: ينسب القاضي أبو عبد الله محمد بن سلامة بن جعفر القُضاعي المصري، صاحب كتاب "الشهاب"، وكتاب "خطط مصر"، وكتاب "عيون المعارف وفنون أخبار الخلائف" وغيرها من المصنفات".
والمشهور من بقايا قضاعة الموجودين الآن ثمانية عمائر: العمارة الأولى: منهم: جُهينة، بضم الجيم وفتح الهاء وسكون الياء المثناة التحتية وفتح النون وهاء في الآخر. وربما أبدلت الهاء بألف، فقيل: جهينا. وأنشد عليه الجوهري لعبد الشارق بن عبد العزى الشاعر:

تنادوا يا لبُهْثة إذ رأونا

 

فقُلنا أَحسني ملأَ جُهينا

وهم بنو جهينة بن زيد بن ليث بن سُود بن أسلم بن الحافي بن قضاعة. وفي المثل: وعند جهينة الخبر اليقين.
قال أبو عبيد في كتاب الأمثال: قال ابن الكلبي: وكان من حديثه أن حصين بن عمرو بن معاوية بن عمرو بن كلاب خرج ومعه رجل من جهينة يقال له: الأخنس، نزل منزلاً،فقام الجُهني إلى الكلبي فقتله وأخذ ماله، وكانت أخته صخرة بنت عمرو بن معاوية تبكيه في المواسم، فقال الأخنس:

تُسائل عن حُصين كل ركب

 

وعند جُهينة الخبر اليقـين

قال الحمداني: ويقال: إن جهينة كان يخدم ملكاً يمانياً، وكان له وزير اسمه نجيدة، إذا غاب الملك خلفه على حظية له، فتبعه جهينة يوماً من غير أن يشعر به، واختبأ حتى جلس الوزير في مجلس الملك ولبس ثيابه وغلبه السكر، وغنى:

إذا غاب المليك خلوت ليلِي

 

أَضاجع خَودةً ليلي الطويلا

فقام جهينة فقتل الوزير ودفن رأسه تحت وسادة الملك، فلما حضر الملك فقد الوزير فسأل عنه فلم يقف له على خبر، حتى سكر جهينة ليلة عنده فأنشده:

تسائل عن نُجيدة كل ركب

 

وعند جهينة الخبر اليقين

فسأله الملك. فأخبره الخبر. فقرّبه وأحسن جزاءه.
قال أبو عبيد: والأصمعي يرويه: وعند جفينة، بالفاء بل الهاء. ونقل الجوهري مثله عن ابن الأعرابي وابن السكيت. قال أبو عبيد: وكان ابن الكلبي بهذا النوع من العلم أدرى من الأصمعي.
والنسبة إلى جهينة: جهني، بحذف الهاء والياء.
ومن جهينة: زيد بن خالد، وعقبة بن عامر، الجهنيان الصحابيان.
قال المؤيد صاحب حماه: وكانت منازلهم بأطراف الحجاز من جهة الشمال، حيث بحر جُدة.
قال الحمداني: وهم أكثر عرب الصعيد بالديار المصرية. ولهم بلاد منفلوط وأسيوط، وبها أقوام منهم.
قال: وكانت مساكنهم أولاً بلاد قريش- يعني بلاد الأشمونين- فنقلهم الخلفاء الفاطميون منها إلى بلاد أخميم، فسكنوا أعلاها وأسفلها.
ثم قال: ويقال: إن "بليَّا" وبطونها كانت بهذه الديار، يعني بلاد أخميم. وكانت جهينة بالأشمونين جيراناً مع قريش كما هم بالحجاز، فوقع بينهم واقع أدّى إلى دوام الفتنة، فلما أتى العسكر المصري لإنجاد قريش على جهينة خافت بليّ فانهزمت إلى أعلى الصعيد، إلى أن أُديلت قريش وملكت أماكن جهينة، ثم حصل بينهم جميعاً الصلح على مساكنهم التي هم بها الآن، وزالت الشحناء من بينهم، ثم اتفقت جهينة وبليّ على أن يكون لجهينة من المشرق من عقبة قاو الخراب إلى عيذاب.
ولبليّ من جسر سوهاج إلى قريب من قمولة.
قال في مسالك الأبصار: وبحلب وبلادهم قوم منهم.
قال: وبحماة قوم منهم أيضاً.
قلت: ومن هذه الفرقة: المُقر الأشرف الناصري المؤلَّفُ له هذا الكتاب. وقد شَرُفت به هذه القبيلة، وفخم أمرها، وعلا صيتها، وشاع في الخافقين ذكرها:

وللخمر معنى ليس للكَرْم مثلُه

 

وللنار نور ليس يُوجد للـزَّنـد

وخير من القول المقدَّم فاعترف

 

نتيجته والنحل يُكرم للشُّـهـد

وسيأتي ذكر طرف من مناقبه في خاتمة الكتاب إن شاء الله تعالى، ليكون ذكره من الكتاب مسك ختامه، وابتداء عقد عقده وتمام نظامه.
العمارة الثانية: من الموجودين الآن من قضاعة:

بلي: بفتح الباء وكسر اللام وياء مثناة من تحت. وهم: بنو بلي بن عمرو بن الحلص بن قضاعة. والنسبة إلى بليّ: بلويّ، كما ينسب إلى عليّ: علويّ.
ومن "بليّ" جماعة من الصحابة رضي الله عنهم. منهم: كعب بن عُجرة، وأبو بُردة ابن نِيار، وجِبَارة بن زُرارة، وغيرهم.
قال في مسالك الأبصار: ومنازلهم الآن بالداما، وهي ماء دون عيون القصب إلى أكرى فم المضيق.
قال: وعليهم دَرك الحجيج هناك.
قال الحمداني: ومنهم جماعة بصعيد مصر؛ وقد تقدم في ترجمة جهينة أنهم كانوا ببلاد أخميم، وأنه استقر لهم من جسر سوهاج إلى قرب من قمولة.
قال الحمداني: والموجود الآن من أصول "بليّ" في هذه البلاد: بنو عمر، وبنو هني، وبنو سوادة، وبنو حارثة، وبنو رائس، وبنو عجيل- ويقال لهم: العجلة. وذُكر أن فيهم كانت الإمرة- وبنو شادي. قال: وهم الأمراء الآن.
ثم قال: ويقال: إنهم من بني أُمية، وصل أبوهم إلى القصر الخراب المعروف بهم، وكان معه رجل من ثقيف معه قوس، فسمَّوه القوس، وعقبه يعرفون بالقوسيَّة إلى الآن، ودعوتهم لبني شادي، وهم بطوخ الجبل.
قال: ولذلك يدعي لهم خلق سواهم، منهم هذيل، وهم بطوخ أيضاً.
قال: وزعم قوم أنهم من بني العجيل ابن الزَّيب، وإنما هم إخوانهم وكان العجيل قد تزوج أخت إبراهيم بن شادي فولدت منه ولداً، أسمته شادياً، فوهم الجهلة لذلك.
ومن "بليّ" أيضاً: بنو خالد، ومنهم قوم ببلاد أخميم.
العمارة الثالثة: من الموجودين من بقايا قضاعة: كلب، نقلاً لهذا الاسم عن الحيوان المعروف. وهم: بنو كلب بن وَبَرة بن تغلب بن حُلوان بن عمران بن الحافي بن قضاعة، كان له من الولد: ثور، وكلدة، وبنو جناب.
قال صاحب حماه: وكانوا ينزلون في الجاهلية دومة الجندل، وتبوك من أطراف الشام.
قال في العبر: وجاء الإسلام والمُلك عليهم لأُكيدر.
وأُكيدر هذا هو الذي كتب إليه النبي صلى الله عليه وسلم بعد إسلامه.
قال السهيلي: كتب إليه كتاباً فيه عهداً وأمان.
قال أبو عبيد: أنا قرأته فإذا فيه بعد البسملة: "من محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم لأكيدر دومة حين أجاب إلى الإسلام، وخلع الأنداد والأصنام مع خالد بن الوليد سيف الله في دُومة الجندل وأكنافها، أن لنا الضاحية من الضَّحل والبَّوْرَ والمَعامي وأغفَال الأرض والحَلقة، والسِّلاح، والحافر، والحصن، ولكم الضامنة، من النخل، والمعين من المعمور، لا تعدل سارحتكم ولا تُعَدُّ فاردتكم، ولا يُحظر عليكم النبات. تقيمون الصلاة لوقتها، وتؤتون الزكاة بحقها، عليكم بذلك عهد الله والميثاق، ولكم بذلك الصدق والوفاء، شهد الله ومن حضر من المسلمين.
قال ابن سعيد: وبقيت "كلب" في خلق عظيم على الخليج القسطنطيني، ومنهم مسلمون ونصارى.
قال في مسالك الأبصار: وبشيراز قوم منهم.
قلت: وببلاد منفلوط من صعيد الديار المصرية قوم من كلب. يحتمل أنهم منهم.
قال في مسالك الأبصار: وبيدوم والمناظر قوم من بني كلب.
ومن كلب: عُذْرة، بضم المهملة وسكون الذال المعجمة وفتح الراء المهملة وهاء في الآخر. وهم: بنو عذرة بن زيد اللات بن رفيدة بن ثور بن كلب، كان له من الولد: عوف والعَبيد، بطن.
ومن عذرة هذه: بنو كِنَانة، بكاف مكسورة ونونين مفتوحين بينهما ألف وبعد الأخيرة منهم هاء. نقلاً عن "الكنانة" التي توضع فيها السهام. وهم: بنو كنانة بن عوف بن عذرة، المقدم ذكره. كان له من الولد: عبد الله، بطن؛ وعوف بطن.
قال أبو عبيد: ومن عقبه: ابن الكلبي النسّابه، واسمه: هشام بن محمد.
وتعرف كِنانة هذه بكنانةُ عذرة.
قال الحمداني: ومن كنانة عذرة هذه بالدقهلية والمرتاحية، ويعرفون بالحمارسة، يعني بالحاء والسين المهملتين. قال: وهم ينسبون أنفسهم إلى قريش.
ثم قال: ومنهم: بنو شهاب، وبنو ريدة، والرواشدة، وهم غير رواشدة هلباء، يعني الآتي ذكرهم في بني حرام، وبنو عصا، وبنو محمود، وبنو سنان، وبنو حمزة، وبنو مراس. ومنزل بني مراس هؤلاء يعرف بكوم بني مراس، من اُرتاحية. ولهم: منية محمود، ومنية عدلان.
ومن كنانة عذرة أيضاً: بنو لام.
قال الحمداني: وليسوا بلأم الحجاز.
وبنو شمس، والفضليون، وهم الفضلية، وقرارهم كوم الثعالب وما داناها.

ومنهم أيضاً: بنو زيد مراس، وبنو زيد عُذرة، وبنو صُبيح، وبنو ليث، وبنو مطية، وبنو يونس، بضم الياء المثناة التحتية وسكون الواو والسين المهملة، وغيرهم.
ومن كنانة عذرة هذه أيضاً قوم ببلاد الشرقية بضفة النيل.
قلت: وليس بنو عذرة هؤلاء هم بنو عذرة المعروفون بشدة العشق وغلبة الهوى، بل أولئك بطن آخر من قضاعة. وهم: بنو عذرة بن سعد هُذَيم بن زيد ابن ليث بن سود بن الحافي بن قضاعة. ومنهم: جميل بن عبد الله بن معمر، وصاحبته بثينة بنت حَبَّى، كان لأبيها صحبة. فيما ذكره ابن حزم.
ومنهم أيضاً: عروة بن حزام وصاحبته عفراء، وهي ابنة عمه اشتدّ عليه العشق حتى قتله.
قال صاحب "خزانة الأدب": قيل لرجل منهم: ما بال العشق يقتلكم? قال: لأن فينا جمالاً وعفة. وقيل لآخر: ما بال الرجل منكم يموت في هوى امرأة،إنما ذلك لضعف فيكم يا بني عذرة? فقال: أما والله لو رأيتم النواظر الدّعج، تحتها المباسم الفُلج، فوقها الحواجب الزُّج، لاتخذتموها اللات والعزى.
العمارة الرابعة: من الموجودين من بقايا قضاعة: بهراء، بفتح الباء الموحدة وسكون الراء المهملة وألف في الآخر، وهم: بنو بهراء بن الحافي بن قضاعة.
قال أبو عبيد: وكان لبهراء من الولد:هود، وقاسط، وعبدة، ومراهة، ومبشر، وعدي، كلهم بطون. قال: وأمهم تُكمة بنت مر، أخت تميم بن مر، من العدنانية.
قال الجوهري: والنسبة إليهم بهرائي. قال: وكان القياس أن ينسب إليهم بهراوي، بالواو.
ومن بهراء جماعة من الصحابة رضي الله عنهم. منهم: المقداد بن الأسود، واسم أبيه عمرو. إلا أن الأسود بن عبد يغوث الزهري تبنّاه فنُسب إليه.
ويقال: إن خالد بن برمك من موالي بهراء هؤلاء.
قال في مسالك الأبصار: وكان بينهم وبين اللخميين ملوك الحيرة حروب.
قال في العبر: وكانت منازلهم شمالي منازل "بليّ" من الينبع إلى عقبة أيلا. ثم جاوز خلق كثير منهم بحر القلزم وانتشروا ما بين صعيد مصر وبلاد الحبشة وكثروا هناك وغلبوا على بلاد النوبة.
قال: وهم يحاربون الحبشة إلى الآن.
العمارة الخامسة: من الموجودين من بقايا قضاعة، فيما قاله صاحب حماة: تنوخ، بفتح التاء المثناة من فوق وضم النون وسكون الواو وخاء معجمة في الآخر.
قال الجوهري: ولا تشدّد نونه.
وقال الجوهري: هم حيّ من اليمن ولم يزد على ذلك.
وقال أبو عبيد: هم ثلاثة أبطن: نزار، والأحلاف، وفهم. قال: وسموا بذلك لأنهم حلفوا على المقام بمكان الشام، والتتنخ المقام، وكان تتنخُّهم على مالك بن زهير بن عمرو، وعلى مالك بن فهم، عم مالك بن زهير.
قال ابن سعيد: ومن الناس من يطلق اسم تنوخ على: الضجاعمة، ودوس، الذين تتنخوا بالبحرين.
قال الحمداني: وصليبتهم المدبّرة من بلاد الشام. يعني أنّ بها جمعهم المستكثر.
العمارة السادسة: من الموجودين من بقايا قضاعة: نهد، بفتح النون وسكون الهاء ودال مهملة في الآخر. وهم: بنو نهد بن زيد بن ليث بن سُود بن أسلم بن الحافي بن قضاعة.
قال أبو عبيد: كان له من الولد: مالك، وصباح، وجذيمة، وزيد، ومعاوية، وأبو سودة، وكعب وهؤلاء هم نهد اليمن، وعامر، وحنظلة، والطول، ومرة، وعمرو، وهم نهد الشام، وجذيمة، وشبابة، وعائدة. دخلوا كلهم في تنوخ.
ومن نهد اليمن: طهفة النهدي، بكسر الطاء المهملة وسكون الهاء وبالفاء، ويقال فيه: طِخفه. بإبدال الهاء خاء معجمة.
قال ابن عبد البر: كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم لطهفة النهدي. فرفع كتاباً ثم جاء مسلماً.
وذكر الوزير ضياء الدين بن الأثير في كتابه "المثل السائر" أنه وفد على النبي صلى الله عليه وسلم فيمن وفد إليه من العرب، فاسلم ثم كتب معه كتاباً إلى قومه فيه بعد البسملة: من محمد رسول الله إلى بني نهد. السلام على من آمن بالله ورسوله. ولكم يا بني نهد الوظيفة الفريضة ولكم الفارض والفَريش وذو العِنان الرّكوب، والفلْو الضبيس لا يُمنع سَرحكم ولا يُعضد طَلحكم ولا يُمنع دَرّكم ما لم تُضمروا الإماق وتأكلوا الرباق. من أقرَّ فله الوفاء بالعهد والذمة، ومن أبى فعليه الرَّبوة.
وبقايا نهد موجودون باليمن إلى الآن.
العمارة السابعة: من الموجودين من بقايا قضاعة:

مهرة، بفتح الميم وسكون الهاء وفتح الراء المهملة وهاء في الآخر. وهم: بنو مهرة ابن حيدان بن عمر بن الحافي بن قُضاعة.
قال الجوهري: وإليهم تنسب الإبل المهرية.
قال: والجمع المهاريّ.
قال: وإن شئت خفّفت الياء فقلت: المهاري.
ومن مهرة: بنو العِيدي، بعين مهملة مكسورة، وياء مثناة من تحت ساكنة ودال مهملة مكسورة وهم: بنو العِيْدِي بن تُدْعى بن مهرة.
وإلى بني العَيْدِي تنسب الإبل العِيْدِية.
ومن بني العِيْدي، زهير بن قِرْضَم، وفد على النبي صلى الله عليه وسلم.
وبقايا بني مهرة موجودون بمشاريق اليمن إلى الآن.
العمارة الثامنة: من الموجودين من بقايا قضاعة: جرم، بفتح الجيم وسكون الراء المهملة وميم في الآخر.
قال الجوهري: وهم بنو جرم بن زَبان، ولم يزد على ذلك.
وقال أبو عبيد: هم بنو جرم، واسمه عِلاف بن زبّان بن حلوان بن عمران بن الحافي بن قضاعة.
قال في العبر: ومنهم جماعة من الصحابة رضي الله عنهم.
قال الحمداني: منهم بنو جشم، وبنو قُدامة، وبنو عَوف.
قال في العبر: ومنازلهم ما بين غزة وبلاد لاشراة من جبال الكَرَك.
قلت وهذا وهم منه، فإنّ جرماً الذين ببلاد غزة هم جَرم "بليّ" الآتي ذكرهم في الكلام على بطون "طيء" لا جَرم "قضاعة" على ما سيأتي بيانه هناك إن شاء الله تعالى. وعلى هذا جرى الحمداني، وهو أدرى بمعرفة ذلك، لأنه كان مهمنداراً لوفود العرب الواردة إلى الأبواب السلطانية، هو الذي يتولى أمرها وينزلها دار الضيافة السلطانية، ويعلم تفاصيل أحوالها.

القبيلة الثانية من بني سبأ:

كهلان، بفتح الكاف وسكون الهاء ولام وألف ثم نون في الآخر. وهم: بنو كهلان بن سبأ، المقدم ذكره.
قال في العبر: والعدد فيهم أكثر من حِمْير.
قال أبو عبيد: وشعوبهم كلها متشعبة من زيد بن كهلان، وربما ملك بعضهم اليمن مداولة لبني حِمير.
قال في العبر: ولما تقلَّص مُلك حِمير بقيت الرياسة بالبادية على العرب لبني كهلان. والمشهور من بقايا كهلان الموجودين الآن ثمان عمائر:

العمارة الأولى:

منهم جُذام، بضم الجيم وفتح الذال المعجمة وألف ثم ميم.
قال أبو عبيد: وهم بنو جذام بن عديّ بن الحارث بن مُرة بن أُدد بن زيد بن يشجُب بن عريب بن زيد بن كهلان.
وجعله صاحب حماة من بني عمرو بن سبأ.
وهو أخو لخم، وعمّ كِندة.
وكان لجذام من الولد: حَرام وجُشم.
قال صاحب حماة: وجميع ولده منهما.
قال الجوهري: وتزعم نسابة مضر أنهم من مضر، وأنهم انتقلوا إلى اليمن، ونزلوها، فحسبوا من اليمن. واستشهد بذلك بقول الكُميت يذكر انتقالهم إلى اليمن:

نَعَاءِ جُذاما غير موت ولا قتل

 

ولكن فراقاً للدعائم والأصل

قال الحمداني: ويقال: إنهم من ولد يعفر بن إبراهيم عليه السلام. واستشهد لذلك بما رواه محمد بن السائب أنه وفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفد من جذام، فقال: مرحباً بقوم شُعيب وأصهار موسى. وبقول جنادة ابن خَشرم الجُذامي:

وما قَحْطان لـي بـأب وأُمٍّ

 

ولا تَصْطادني شُبه الضِّلاَلِ

وليس إليهمُ نَسبي ولـكـن

 

مَعدّيّاً وجدتُ أبي وخالـي

قال صاحب حماة: وكان في "جذام" العدد والشرف.
وإلى "جذام" ينسب: فَروة بن عمرو الجذامي. كتب إليه النبي صلى الله عليه وسلم بعد إسلامه.
قال ابن الجوزي: كان فروة عاملاً للروم فأسلم، وكتب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بإسلامه، وبعث بذلك مع رجل من قومه، وبعث إلى النبي صلى الله عليه وسلم ببغلة بيضاء وفرس وحمار وأثواب وقُباء سُندس مَحُوص بالذهب. فكتب إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم كتاباً فيه، بعد البسملة: أما بعد. فقد قدم علينا رسولك وبلّغ ما أرسلت به، وخبّر عما قبلكم، وأتانا بإسلامك، وأن الله هداك بهُداه. وأمر بلالاً فأعطى رسوله اثنتي عشرة أوقية فضة.
وبلغ ملك الروم إسلام فروة، فدعاه وقال له، ارجع عن دينك. قال: لا أفارق دين محمد، وإنك تعلم أن عيسى قد بشَّر به، ولكنك تضن بملكك، فقتله وصلبه.
قال ابن إسحاق: وذلك على ماء بفلسطين؛ يقال له عفراء. قال: ولما قدّموه ليصلبوه أنشد:

أبلغ سراة المُسلمين بأننـي

 

سَلّم لربِّي أعظُمي ومقامي

وإليهم أيضاً ينسب: رفاعة بن زيد الجذامي.

قال ابن إسحاق: قدم رفاعة بن زيد على رسول الله صلى الله عليه وسلم في هدنة الحُديبية فأسلم وحسُن إسلامه، وأهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم غلاماً، وكتب إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم كتاباً إلى قومه، فيه بعد البسملة: هذا كتاب من رسول الله لرفاعة بن زيد: إني بعثته إلى قومه عامة، ومن دخل فيهم يدعوهم إلى الله تعالى وإلى رسوله، فمن أقبل منهم ففي حزب الله وحزب رسوله، ومن أدبر فله أمان إلى شهرين.
فلما قدم رفاعة إلى قومه أجابوا وأسلموا، ثم ساروا إلى الحرّة حرة الرجلاء فنزلوها.
ومن جذام أيضاً: بنو هود، من ملوك الأندلس في أيام الطوائف، وهم بنو هود بن عبد الله بن موسى بن سالم الجذامي.
ويقال: إنهم من ولد روح بن زنباع، وأول من ملك منهم سليمان المستعين بسرقسطة، ودام ملكهم مدة ودانوا بطاعة خلفاء بني العباس.
ومن جذام: بنو مردنيش ملوك بلنسية من الأندلس في جملة ملوك الطوائف.
قال في العبر: وأول من ملك منهم عبد الله بن سعد بن مردنيش الجذامي، وبقي الملك فيهم إلى أن غلبهم الطاغية صاحب برشلونة من الأندلس سنة أربع وأربعين وخمسمائة.
قلت: وبقايا جذام منتشرون بأقطار الأرض في كل جانب، ولقد ورد على الظاهر برقوق، صاحب الديار المصرية، كتاب من صاحب البرنو من ملوك السودان، يذكر فيه أن بجواره قوم من جذام، وأنهم أغاروا عليهم وسبوا من أقاربهم جماعة، وسأل تتبع آثارهم بمملكة الديار المصرية ليوجد أحداً منهم قد بيع بها فينتزع.
ثم المشهور من بقايا جذام الموجودين الآن أحد وعشرون بطناً ما بين كبار وصغار.
البطن الأول: بنو زيد حرام بن جذام. ومنازلهم بلاد الشرقية من الديار المصرية، وهي عمل بلبيس، وتعرف ببلاد الحوف.
قال الحمداني: وجذام أول من سكن مصر من العرب حين جاءوا في الفتح الإسلامي مع عمرو بن العاص رضي الله عنه، وأقطعوا فيها بلاداً بعضها بأيديهم إلى الأن.
ثم قال: ومن أقطاعهم، هُرْبَيط، وتلّ بَسْطه، ونوب، وأم رماد، وغير ذلك.
قال: وجميع أقطاع ثعلبة كان في مناشير جذام من زمن عمرو بن العاص، وإنما السلطان صلاح الدين وسّع لثعلبة في بلاد جذام، ولذلك كانت فاقوس وما حولها لهلباً سويد.
ويتفرع عن هذا الفخذ خمس فصائل، وهم: سويد، وبعجة، وناثل، ورفاعة، وبردعة، إلى فروع كثيرة.
فأما سويد، فمن ولده: هلبا سويد، وهم: بنو هلبا بن سويد.
قال الحمداني: ومنهم، العطويون، والحميديون، والجابريون، والغتاورة. ويقال لهم: أولاد طواح المُكوس.
ومنهم أيضاً: الأخيوه، هم أولاد حمدان، ورومان، والسود.
ومن بطون الحميديين: أولاد راشد، ومنهم: البراجسة، وأولاد يبرين، والجواشنة، والعكوك، وأولاد غانم، وآل حمود، والزرقان والأساورة، والحماريون.
ومن أولاد راشد المقدم ذكرهم الحراقيص، والخنافيس، وأولاد غالي، وأولاد جَوال، وآل زيد.
ومن النجابية: أولاد نجيب، وبنو فيصل.
ومن ولد سويد أيضاً: هلبا مالك، وهم بنو هلبا بن مالك بن سويد، ومنهم الحسنيون، وهم أولاد الحسن، والغوارنة، وهم بنو الغور بن أبي بكر بن موهوب ابن عبيد بن مالك بن سويد.
ومنهم: العقيليون، وهم بنو عقيل بن قرة بن موهوب بن عبيد بن مالك بن سويد، وهم بيت الإمرة، وكانت الإمرة فيهم في نجم بن إبراهيم بن مسلم بن يوسف ابن واقد بن غدير.
ومنهم من أُمر بالبوق والعلم، وهو أبو راشد بن حُبشي بن نجم، ودحية، ونابت إبنا هانئ بن حوط بن نجم.
ومن هلبا مالك: معبد بن منازل، وقد أقطع مُنى بن خثعم وأُمر واقتنى عدداً من المماليك الترك والروم وغيرهم. وبلغ من الملك الصالح نجم الدين أيوب منزلة، ثم حصل عند الملك المعز أيبك التركماني على الدرجات الرفيعة، وقدمه على عرب الديار المصرية، ولم يزل على ذلك حتى قتله غلمانه فجعل الملك المعز ابنيه: سلمى، ودغش، مكانه في الإمرة، فكانا له نعم الخلف، ثم قدم دغش دمشق فأمّره صاحبها الملك الناصر ببوق وعلم، وأمر الملك المعز أخاه كذلك، فأبى حتى يؤمّر مفرج بن سالم بن راضي مثله، ثم أُمّر مزروع بن نجم كذلك في جماعة كثيرة من جذام وثعلبة.
ومن بني مالك بن سويد: بنو رديني بن زياد بن حسين بن مسعود بن مالك.
قال الحمداني: ومنهم أولاد جياش بن عمران، ولهم تل محمد.

ومن ولد سويد أيضاً: بنو الوليد، وهم بنو الوليد بن سويد.
ويقال: إن من ولده: طريف بن مكنون، الملقب زين الدولة.
قال الحمداني: كان من أكرم العرب، وأنه مان في مضيفته أيام الغلاء أثنا عشر ألفاً يأكلون عنده كل يوم، وكان يهشم لهم الثريد في المراكب، وبطريف هذا تعرف: نوب طريف، من بلاد الشرقية.
ومن عقبه: فضل بن شمخ بن كمونة، وإبراهيم بن عالي، أمرا كل منهما بالبوق والعلم.
وعد الحمداني من أخلاف بني الوليد: الربيعيين، والخليفيين، والحُصينيين.
ومنهم أولاد شريف النجابين.
ويقال إن لهم نسباً في قريش في بني عبد مناف بن قصي.
ومن بني الوليد: الحيادرة، وهم بنو حيدرة بن معروف بن حبيب بن سويد. وهم طائفة كثيرة.
ومنهم أيضاً: بنو عمارة، وهم: بنو عمارة بن الوليد.
قال الحمداني: وفيهم عدد، ولهم البرمون.
ومنهم الحييون، وهم بنو حية بن راشد بن الوليد؛ وأولاد منازل، وكان منهم معبد بن منازل. أُمّر ببوق وعلم.
وأما بعجة، فمن ولده: هلبا بعجة. وهم بنو هلبا بن بعجة بن زيد بن سويد، وكان لبعجة من الولد: رداد، ومنظور، وناثل، ونجاد. ومن هلبا هؤلاء: مفرجبن سالم ابن راضي: المقدم ذكر تأميره مع تأمير سلمى بن معبد. ثم خلفه على إمرته ابنه حسان ابن مفرج.
ومن هلبا بعجة: أولاد الهريم، من بني غياث بن عصمة بن نجاد بن هلبا بعجة.
ومنهم أيضاً: الجواشنة، وهم: بنو جوشن بن منظور بن بعجة، وهو صاحب السراة، المضروب به المثل في الكرم والشجاعة.
ومنهم: الغوثية. وكانوا في عداد ردّاد بن بعجة، وأما نائل، فله البئر المعروفة ببئر نائل على رأس السراة.
ومن عقبه: مهنا بن علوان بن علي بن زبير بن حبيب بن نائل، كان جواداً كريماً، طرقته مرة ضيوف في شتاء ولم يكن عنده حطب يوقده لطعام يصنعه لهم، فأوقد أحمالاً من بُر كانت عنده وكان له كفر برسوط بنواحي مرصفا من الشرقية.
وأما بردعة، ورفاعة، فالظاهر أن بينهم اندرجوا في إخوتهم الثلاثة المقدم ذكرهم.
البطن الثاني من جذام: بنو مجربة بفتح الميم وسكون الجيم وفتح الراء المهملة وقتح الباء الموحدة وهاء في الآخر. وهم: بنو مجربة بن حرام بن جذام، وهو أخو زيد بن حرام، المقدم ذكره. وقيل: ابنه. واسم أمه أُمية، وقيل: ميه: وقيل هو وزيد ابنا الضبيب. وقيل: الضبيب أبو أمية المذكور.
ومن بني مجربة هؤلاء: رفاعة بن زيد الجذامي، أحد بني روح، وفد على النبي صلى الله عليه وسلم وعقد له على قومه، فتوجه إليهم فأسلموا على يديه ووهب لرسول الله صلى الله عليه وسلم "مدعماً" العبد صاحب الشملة التي ورد فيها الحديث.
ومن بني مجربة هؤلاء: الشواكرة.
قال الحمداني: ولهم شنبارة بني خصيب.
قال: وإليهم يرجع أولاد العجار، أولاد الحاج في زمن السلطان صلاح الدين، وهلم جرا إلى الآن.
قال: وفي عقبه هؤلاء عدد يعرفون به، ثم قال: وفي الحجاز فرقة منهم.
البطن الثالث من جذام: بنو سعد، وضبطه معروف.
قال الحمداني: وقد اجتمع بمصر خمس سعود من جذام واختلط بعضهم ببعض.
أحدها: بنو سعد بن إياس بن حرام بن جذام.
والثاني: سعد بن مالك بن زيد بن أفصى بن سعد بن إياس بن حرام بن جذام، وإليه ينسب أكثر السعديين.
والثالث: سعد بن مالك بن حرام بن جذام.
والرابع: سعد بن أبامة بن عبيس بن غطفان بن سعد بن مالك بن حرام ابن جذام.
والخامس: سعد بن مالك بن أفصى ين سعد بن إياس بن حرام بن جذام.
قال: وأكثرهم مشايخ البلاد وخفراؤها، ولهم مزارع ومآكل، وفسادهم كثير، وفيهم عشائر كثيرة، ومنهم: شاس، وجوشن، وعلان، وفزارة. ولهم من تل طنبول إلى نوب طريف. ومنها: دَقَدوس، ودمريط، وليلة، وبرهمتوش.
بل قد ذكر الحمداني أن ديارهم من ضواحي القاهرة إلى أطراف الشرقية.
ومن مقدميهم: أولاد فضل والسلاحمة، وسكنهم في منية غمر- بالغين المعجمة- إلى ريفها.
ومنهم: شاور السعد وزير العَضُدّي، آخر الفاطميين بمصر.
ويقال إن من عصب بني شاور كبار منية غمر وخفراؤها، إلا أن "ابن خلكان" ذكر أن شاوراً، من سعد حليمة: ظئر النبي صلى الله عليه وسلم.
ومن بني سعد هؤلاء: بنو عبد الظاهر، كُتّاب ديوان الإنشاء.
قال المقر الشهابي بن فضل الله: رأيته- يعني القاضي محيي الدين بن عبد الظاهر- ينتسب إلى روح بن زنباع.

ومنهم أيضاً: أهل برهموتش ومشايخها.
ولم يزل بين بني سعد هؤلاء وبين بني وائل العداوة والشحناء والوقائع التي يقتل فيها الجم الغفير من الفريقين، والأمر على ذلك إلى الآن.
ومنهم: بنو جوشن.
قال المهمندار: ومساكنهم بضواحي القاهرة إلى أطراف الشرقية.
قال الحمداني: ومن سعد جذام: بنو سعد، عرب صرخد.
قال: وبالإسكندرية قوم من جذام. ولم يبين من أي بطون جذام هم.
البطن الرابع من جذام: زهير، بضم الزاي وفتح الهاء وسكون الياء المثناة من تحت وراء مهملة في الآخر.
ويقال لهم: الزهور أيضاً.
قال الحمداني: أكثرهم بالشام، والذين منهم بمصر امتزجوا ببني زيد ابن حرام بن جذام، المقدم ذكرهم، وهم عرب الحوف إلى ما يلي أشموم الرمان.
ومنهم: بنو عرين، وبنو شبيب، وبنو عبد الرحمن، وبنو مالك، وبنو عبيد، وبنو عبد القوي، وبنو شاكر- وهم غير شاكر عقبه-، وبنو حسن، وبنو شما- وهم غير شما آل ربيعة.
ومنهم أيضاً: البصيلية، والمنيعية، والمسمارية، والجواشنة، والحيارى.
ويجاورهم من جذام أيضاً: البشاشنة، والطواعن، والجوابر، والخضرة- بفتح الخاء والضاد المعجمتين- وبنو مالك.
البطن الخامس من جذام: العائذ، ذكرهم الحمداني ولم يرفع نسبهم.
قال في العبر: ومساكنهم فيما بين بلبيس إلى عقبة أيلة إلى الكرك من ناحية فلسطين.
قال في مسالك الأبصار: ودرك هذه الأماكن في الحجيج، حتى تصل العقبة، عليهم.
البطن السادس من جذام: بنو عقبة، بضم العين المهملة وسكون القاف وفتح الباء الموحدة وهاء في الآخر. وهم: بنو عقبة بن حرام بن جذام، على الخلاف السابق في نسب مجربة.
قال الحمداني: وديارهم من الشَّوْبك إلى حِسمي إلى تبوك إلى تيماء، ثم إلى الحُريداء، وهي في شرق الحجاز.
وقال في العبر: ديارهم من الكرك إلى الأزلم، في برية الحجاز، وعليهم درك الطريق، ما بين المدينة المنورة إلى حدود غزة من بلاد الشام.
وقال في مسالك الأبصار: عليهم درك الحجيج من العقبة إلى الدامان.
قال: وآخر أمرائهم كان شَطِّي.
قال: وكان سلطاننا الملك الناصر- يعني محمد بن قلاوون- قد أقبل عليه إقبالاً أجله فوق السماكين، وألحقه بأمراء آل فضل، وآل مرا، وأقطعه الإقطاعات الجليلة، وألبسه التشريف الكبير، وأجزل له الحباء، وعمر له ولأهله البيت والخباء.
قال الحمداني: وفرقة منهم بالحجاز الشريف.
البطن السابع من جذام: بنو طَرِيف، بفتح الطاء وكسر الراء المهملتين وسكون المثناة التحتية وفاء في الآخر.
ومنهم: بنو مَهْدي، بفتح الميم وسكون الهاء وكسر الدال المهملة وياء مثناة من تحت، وعدّ في "التعريف" بني مهدي من بني عُذرة. وقد تقدم أن عذرة من بني قضاعة من حِمْير. وبالجملة فهم من عرب اليمن.
ومن بني طريف: بنو مُسْهر، بضم الميم وسكون السين المهملة وكسر الهاء وراء مهملة في الآخر؛ وبنو عَجرمَة، بفتح العين المهملة وميم مفتوحة ثم هاء.
فأما بنو مهدي فهم أكثرهم عدداً وأوسعهم نطاقاً. ومنهم: المشاطبة، ومن المشاطبة: أولاد عسكر، والعناترة، والبترات، واليعاقبة، والمطارنة، والعفير، والرويم، والقطاربة، وأولاد الطامية، وبنو دوس، وآل سبأ، والمجابرة، والسماعنة، والعجارمة، وبنو خالد، والسلمات، والحمالات، والمَساهرة، والمغاورة، وبنو عطا، وبنو صاد، وآل شبل، وآل رويم- وهم غير الرويم المقدم ذكرهم- والمحارقة، وبنو عياض.
قال الحمداني: وهؤلاء ديارهم بالبلقاء، إلى بارين، إلى الصوَّان، إلى علم أعفر.
وذكر أن حول الكرك منهم بني داود، في جماعات كثيرة منهم.
وأما بنو عجرمة، وهم العجارمة، فقال الحمداني: كان شيخهم مسعود بن جرير ذا مكانة عند ولاة الأمور.
وأما بنو مُسْهر، فالذي يظهر أنهم دخلوا في مهدي وامتزجوا بهم.
البطن الثامن من جذام: بنو صخر، بالضبط المعروف، ومنهم: الدعجيون. ويقال لهم: الدعاجنة. والعطويين، والصويتيون.
قال الحمداني: وبلادهم ما حول الكرك، ومنهم طائفة بمصر.
البطن التاسع من جذام: بنو خَصِيب، بفتح الخاء المعجمة وكسر الصاد المهملة.
قال الحمداني: وهم أشتات بمصر والشام.
البطن العاشر من جذام: بنو واصل.

قال الحمداني: وأصل مقرهم الشام، ووفدت طائفة منهم على المعز أيبك التركماني بالديار المصرية، فأقاموا بها وبقيت بقيتهم بالشام.
البطن الحادي عشر من جذام: بنو مرة: وهم خفر القدس.
البطن الثاني عشر من جذام: بنو فيض، من عرب القدس.
البطن الثالث عشر من جذام: بنو شجاع، من عرب القدس أيضاً.
البطن الرابع عشر من جذام: العناترة، عرب بلد الخليل عليه السلام.
البطن الخامس عشر من جذام: بنو أيوب، عرب حسين، من بلاد الشام.
البطن السادس عشر من جذام: بنو نمير، خفراء عرب الكفرية. ونمرين من الشام.
البطن السابع عشر من جذام: بنو وهران، من عرب جبل عوف.
البطن الثامن عشر من جذام: الحريث، بضم الحاء وفتح الراء المهملتين وإسكان المثناة من تحت وثاء مثلثة في الآخر: عرب الساحل الغزاوي.
قال الحمداني: غزوا عسقلان أيام الملك الصالح مع بيبرس الجاشنكيز فأقطعهم هناك.
البطن التاسع عشر من جذام: بنو عمرو، عرب الصلب.
البطن العشرون من جذام: بنو أسلم، بفتح اللام. منازلهم بلاد غزة.
ذكرهم الحمداني ثم قال: ولكنهم اختلطوا بجذيمة من عرب طيء.
قال في مسالك الأبصار: وبتدمر والمناظر رجال من أسلم.
البطن الحادي والعشرون من جذام: بنو صخر. قال الحمداني: ومساكنهم ببلاد الكرك.
قال: وهم الدعجيون، والعطويون، والصويتيون. وذكر أنهم أخلاف لآل فضل، من عرب الشام.
قال: ومنهم جماعة بمصر.
قلت: أما حِشْم بن جذام، فلم يكن فيهم بقية مشهورة، وقد كان منهم في الزمن المتقدم بطن يسمى: عتيباً وهم بنو عتيب بن أسلم بن مالك بن شنوءة بن بديل بن حشم بن جذام.
قال أبو عبيد: وهم اليوم ينتسبون في شيبان، يقولون: عُتيب بن شيبان.
قال: وإليهم تنسب حفرة عتيب بالبصرة.
قال الجوهري: أغار عليهم بعض الملوك فسبى الرجال فكانوا يقولون: إذا كبر صبياننا لم يتركونا حتى يفلتونا فلم يزالوا عندهم حتى هلكوا. فضرب لهم العرب مثلاً، فقيل: أودى عتيب. وفي ذلك يقول الشاعر:

تُرجيها وقد وقعت بـقُـرّ

 

كما ترجو أصاغرها عَتيب

العمارة الثانية:

من كهلان: لخم، بفتح اللام وسكون الخاء المعجمة وميم في الآخر، وهم: بنو لخم ابن عديِّ بن الحارث بن مُرة بن أدد بن زيد بن يشجب بن عريب بن زيد بن كهلان.
وقد تقدم أن لخماً، أخو جذام المقدم ذكره، وهما عمّا كندة.
كان له من الولد: جزيلة، ونمارة.
وكان للخميين مُلك بالحيرة من العراق في المناذرة ملوك الحيرة، نيابة عن الأكاسرة، وهم: بنو عمرو بن عدي بن نصر اللَّخمي، كانت دولتهم من أعظم دول العرب، وأول من ملك منهم عمرو بن عدي، وآخرهم المنذر بن النعمان بن المنذر، فبقي حتى انتزعها منه خالد بن الوليد في الإسلام، ثم كان لبقاياهم ملك بأشبيلية من الأندلس وهي دولة ابن عباد. وأول من ملك منهم القاضي محمد بن إسماعيل بن قريش بن عباد.
وقد ذكر القضاعي في خطط مصر أنهم حضروا فتح مصر، واختلطوا بها هم ومن خالطهم من جذام.
قال الحمداني: وبصعيد الديار المصرية من لخم قوم، وسكنهم بالبر الشرقي.
ومنهم: بنو سماك، بكسر السين المهملة، وكاف في الآخر. وديارهم من طارف ببا إلى منحدر دير الجُميزة، إلى ترعو صول. وهم بنو مُر، وبنو مليح، وبنو نبهان، وبنو عبس، وبنو كريم، وبنو بكر.
ومنهم بنو حَدّاف، بحاء مهملة مفتوحة ودال مهملة مشددة مفتوحة بعدها ألف ثم نون. وديارهم من دير الجميزة إلى ترعة صول. وهم: بنو محمد، وبنو علي، وبنو سالم، وبنو مدلج، وبنو عبس.
ومنهم: بنو راشد، بالضبط المعروف، وديارهم من مسجد موسى إلى أسكر ونصف بلاد إطفيح. وهم: بنو معمر، وبنو واصل، وبنو مِرا، وبنو حبَّان، وبنو معاذ، وبنو الفيض، وهم الفياضة. وبنو حجرة، وبنو أشتوه.
ولبني الفيض الحي الصغير، ولبني أشتوه من ترعة الشريف إلى معصرة بوش.
ولبني حجرة منهم نصف طرا.
ومنهم: بنو جعدة، بفتح الجيم وسكون العين المهملة ودال مهملة في الآخر. وديارهم ساحل إطفيح. وهم: بنو مسعود، وبنو جرير، وبنو زبير، وبنو ثمال، وبنو نصار.
ومنهم: بنو عدي، وضبطه معروف. وديارهم بالقرب ممن قبلهم، وهم: بنو موسى، وبنو محرب.
 ومنهم: بنو بحر، بالضبط المعروف. وديارهم الحي الكبير. وهم: بنو سهل، وبنو معطار، وبنو فهم- وهم الفهميون- وبنو عشير، وبنو مسند، وبنو سباع.
ومنهم: قسيس. ومساكنهم بلاد أسكر.
ومنهم: بنو عمرو، وديارهم الرستق، ولهم نصف حلوان، ولبني حجرة النصف الثاني، ونصف طرا.
قلت: وقد انتقل بعض أهل هذه الديار عنها ونزلوا البر الغربي من النيل مع شهرتهم بقبائلهم، وصار من بقي منهم في أماكنهم أهل حرث وزراعة، ونزل ببلادهم عرب من بني هلبا من جذام، وهم متحلون هناك بحلية العرب.
ومن لخم: بنو الدار، بالضبط المعروف. وهم بنو الدار هاني بن حبيب بن نمارة بن لخم.
ومنهم: تميم الداري، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو تميم بن أوس ابن خارجة بن سود بن جذيمة بن دارع بن عدي بن الدار.
قال في مسالك الأبصار: وبلد الخليل، عليه السلام، معمور ببني تميم الداري.

العمارة الثالثة:

من كهلان: كِنْدة، بكسر الكاف وسكون النون وفتح الدال المهملة وهاء في الآخر. وهم: بنو كندة، واسمه ثور بن عُفير بن عديّ بن الحارث بن مرة بن أُدد ابن زيد بن يَشْجُب بن عَرِيب بن زيد بن كهلان.
قال صاحب حماة: وسُمي كندة لأنه كند أباه، أي كفر نعمته، وهو ابن أخي جذام ولخم، المقدم ذكرهما.
ثم قال: وبلاد كندة باليمن قِبْلي حضرموت. منهم: امرؤ القيس بن عابس الكندي الصحابي رضي الله عنه.
وكان لبني كندة ملك بالحجاز واليمن، وبقاياهم موجودون باليمن إلى الآن.
قال في مسالك الأبصار: وبالِّلوى قوم ينسبون إلى كندة.

العمارة الرابعة:

من كهلان: طيء، بفتح الطاء المهملة وتشديد الياء المثناة من تحت وهمزة في الآخر، أخذاً من الطاءة، على وزن الطاعة. وهي الإبعاد في المرعى.
وهم: بنو طيء بن أُدد بن زيد بن يشجب بن عريب بن كهلان.
كان له من الولد: فطرة، والغوث؛ وأمهما: عدية بنت الأمر بن مهرة ابن قضاعة.
والنسبة إليهم طائيّ.
ومنهم: زيد الخليل بن مُهلهل الصحابي. وفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم في وفد طيء، فأسلم، فسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد الخبر، وقال له: ما وُصف لي أحد في الجاهلية فرأيته في الإسلام إلا رأيته دون وصفه غيرك.
قال في العبر: كانت منازلهم باليمن فخرجوا منه على أثر خروج الأزد منه، ونزلوا سميراء وفيدا، في جوار بني أسد، ثم غلبوا بني أسد على أجأ وسلمى، وهما جبلان في بلادهم يعرفان بجبلي طيء، فاستمروا فيها ثم افترقوا في أول الإسلام في الفتوحات.
قال ابن سعيد: وفي بلادهم الآن أمم كثيرة تملأ السهل والجبل حجازاً وشاماً وعراقاً.
قال: وهم أصحاب الرياسة في العرب إلى الآن بالعراق والشام وبمصر منهم بطون.
ومن طيء: سلسلة، بالضبط المعروف. وهم: بنو سلسلة بن غنم بن ثوب بن معن ابن عتود بن حارثة بن لأم بن عمرو بن طريف بن عمرو بن ثمامة بن مالك بن جدعاء بن ذُهل بن رومان بن جندب بن خارجة بن سعد بن فطرة بن طيء.
ثم المشهور من بقايا طيء الموجودين الآن خمسة أبطن: البطن الأول: ربيعة. قال في مسالك الأبصار: وهم بنو ربيعة بن حازم بن ابن علي بن الفرج بن دَغفل بن جراح بن شبيب بن مسعود بن سعيد بن حرب ابن السّكن بن ربيع بن عَلْقي بن حَوْط بن عمرو بن خالد بن معبد بن عدي ابن أفلت بن سلسلة، المقدم ذكره.
قال: ويقول بنو ربيعة الآن: إنهم من ولد جعفر بن يحيى بن خالد بن برمك، ولد له من العباسة بني المهدي أخت الرشيد، على ما زعموا أنه كان يحضر مع أخيها الرشيد مجلسه الخاص، وأنه كلمه في تزويجها ليحل له النظر إليها لاجتماعها بمجلسه، فعقد له عليها وشرط عليه ألاّ يطأها، فواقعها جفعر على حين غفلة من الرشيد، فحملت منه بولد، كان ربيعة هذا من نسله.
قال: ويقولون في نسبه: هو ربيعة بن سال بن شبيب بن حازم بن علي ن جعفر بن يحيى بن خالد بن برمك.
ويقولون: إن نكبة البرامكة إنما كانت بسبب ذلك.

ثم قال: وأصلهم إذا نُسِبوا إليه أشرف لهم، لأنهم من سلسلة بن عنيز بن سلامان، من طيء. وهم كرام العرب وأهل البأس والنجدة. والبرامكة، وإن كانوا قوماً كراماً فإنهم قوم عجم، وشتان بين العرب والعجم، وقد شرّف الله تعالى العرب بأن بعث منهم محمداً صلى الله عليه وسلم، وأنزل فيهم كتابه، وجعل فيهم الخلافة والملك، وابتزَّ بهم ملك فارس والروم، وقرع بأسنتهم تاج كسرى وقيصر، وكفى بذلك شرفاً لا يطاول، وفخراً لا يتناول.
وذكر في كتاب "التعريف في المصطلح الشريف" نحو من ذلك.
قال الحمداني: وكان ربيعة هذا قد نشأ في أيام الأتابك زنكي وابنه العادل نور الدين صاحب الشام. ونبغ بين العرب، وولد له أربعة أولاد، وهم فضل، ومرا، وثابت، ودغفل. ومنهم الأربعة تفرعت آل ربيعة.
قال في العبر: كانت الرياسة على طيء أيام الفاطميين لبني الجراح، ثم صارت لمرا بن ربيعة.
قال: وكلهم ورثوا أرض غسان بالشام، وملكهم على العرب، ثم صارت الرياسة لآل عيسى بن مهنا بن فضل بن ربيعة.
قال الحمداني: وفي آل ربيعة هؤلاء جماعة كثيرة أعيان لهم مكانة وأبهة.
قال: وأول من رأيت منهم حَديثة بن فضل. وغنَّام أبو الطاهر، على أيام الملك الكامل محمد بن العادل أبي بكر بن أيوب. ثم حضر الجميع إلى الأبواب السلطانية بالديار المصرية في سلطنة المُعز أيبك التركماني، وهم: زامل بن علي بن حديثة، وأخوه أبي بكر بن علي، وأحمد بن حجي، وأولاده، وإخوته، وعيسى ابن مهنا بن ماتع بن حديثة، وأولاده وأخوه.
قال: وهم سادات العرب ووجوهها، ولهم عند السلاطين حُرمة كبيرة وصيت عظيم، إلى رونق في بيوتهم ومنازلهم.

من تَلق منهم تَقُل لاقيتُ سـيدهـم

 

مثل النجوم التي يسري بها الساري

ثم قال: إلا إنهم من بُعد صيتهم قليل عددهم. ولما توهم في مسالك الأبصار أن في هذا القول غضّاً منهم أنشد عليه:

تُعيرنا أنَّا قلـيلٌ عـديدنـا

 

فقلت لها إن الكرام قلـيلُ

وما ضَرَّنا أنَّا قليلٌ وجارنا

 

عزيز وجار الأكثرين ذليل

واعلم أن هذه العرب لم يزل لهم عند الملوك وزيد البر، والجاه، وجزيل العطاء، لا سيما عند وفادتهم إلى الأبواب السلطانية.
قال الحمداني: قد وفد فرج بن حية على المعز أيبك، فأنزله بدار الضيافة وأقام بها أياماً، فكان مقدار ما وصل إليه من عين وقماش وإقامة له ولمن معه ستة وثلاثين ألف دينار.
قال: واجتمع بالظاهر جماعة من آل ربيعة وغيرهم. فحصل لهم من الضيافة في المُدة اليسيرة أكثر من هذا المقدار، كل ذلك على يدي.
قال المَقر الشهابي بن فضل الله: قال الحمداني هذا واستكثره وأطال فيه، واستعظمه، فكيف لو عمر إلى زماننا، ورأى إليهم إحسان سلطاننا، والعطايا كيف كانت تفيض عليهم فيضاً من الذهب والعين والدراهم بمئات الألوف، والخلع والأطلس بالأطرزة المزركشة، وأنواع القماش المفصل لملوكهم بالسمُّور، والوشق والسنجاب، والبرطاسي، والأطرزة المزركشة، والملمَّع والباهي، والسازج والعنابي من السكندري، وفاخر المقترح والمصبوغات المجوهرة، والذهب وأنواع المزركش لنسائهم، والسكر المكرر والأشربة المختلفة بالقناطير المقنطرة، إلى ما ينعم به على أعيانهم من الجواري الترك، والخيل للنتاج، والفحول للمهاري، مع ما يطلق لهم من الأموال الجمة بالشام، ويقطع باسمهم من المدن والبلاد، ويملك لهم من القرى والضياع، ويعطي غلمانهم، ويجري عليهم من الإقطاعات لهم وللائذين بهم والنجاة بجاههم، مع المكافآت المالية، والشفاعات المقبولة، في استخدام الوظائف، وترتيب الرواتب، وإقطاع الجند، والإطلاق من السجون والمراعاة في الغيبة والحضور، إلى غير ذلك من تجاوز أمثال الكفاية في الإنزال، والمضيف لهم ولأتباعهم، منذ خروجهم من بيوتهم إلى حين عودتهم إليها، مع مؤاكلة السلطان مدة إقامتهم بحضرته غداءً، وعشاء، والدخول عليه في المحافل، والخلوات، وملازمته أكثر الأوقات.
"وإن وجدت لساناً قائلاً فقُل" ثم المشهور من آل ربيعة الآن ثلاثة أفخاذ: الفخذ الأول: آل فضل. وهم: بنو فضل بن ربيعة، المقدم ذكره، وأعظمهم شأناً، وأرفعهم قدراً: آل عيسى. وأميرهم أعلى رتبة عند الملوك من سائر العرب.

قال في مسالك الأبصار: ومنازل آل فضل هؤلاء من حمص إلى قلعة جعبر إلى الرَّحبة، آخذين على شِقَّي الفرات، وأطراف العراق، حتى ينتهي حدُّهم قِبلة يشرق إلى الوشم، آخذين يساراً إلى البصرة.
قال: ولهم مياه كثيرة ومناهل مورودة كما قيل:

ولها منهل على كُل ماء

 

وعلى كل دِمْنة آثـار

ثم قال: وينضم إليهم ويدخل فيهم من سائر العرب: زعب، والحريث، وبنو كلب، وبنو كلاب، وآل بشار، وخالد حمص، وطائفة من سِنْبِس، وسعيدة. وطائفة من بربر، وخالد الحجاز، وبنو نفيل بن كُدر، وبنو رميم، وبنو حيّ، وقمران، والسراحين. ويأتيهم من عرب البرية من يُذكر فمن عربه: غالب، وأجود، والبطان، وساعدة.
ومن بني خالد: آل جناح، والضبيبات من مياس. والحبور، والدغم والقرشة، وآل منيحة، وآل تبوت، والعامرة، والعلجان من خالد وفرقة من عائد. وهم آل يزيد، والدواسر، غير من يخالفهم في بعض الأحايين.
ثم قال: ولا يعرف في وقتنا هذا من لا يؤثر صحبتهم.
ثم نبع من آل فضل: عيسى بن مهنا بن ماتع بن حديثة بن عقبة بن فضل فعظم شأنه، وارتفع عند الملوك قدره، وصار المعول من آل فضل على عبيد.
ثم انقسم بنو عيسى إلى: بيت مُهنا بن عيسى، وبيت فضل بن عيسى، وبيت حارث بن عيسى. وأولاد محمد بن عيسى، وأولاد حديثة بن عيسى. وآل هبةابن عيسى. وفي الثلاثة الأول الإمرة، وأمير الكل مهنا بن عيسى. والباقي وهم: أولاد محمد بن عيسى، وأولاد حديثة بن عيسى فأتباعه.
قال المقر الشهابي بن فضل الله: آل عيسى في وقتنا هذا هم الملوك البر فيما بعد واقترب، وسادات الناس ولا تصلح إلا عليهم العرب، قد ضربوا على الأرض نظاماً، وتفرقوا في فجاجها حجازاً وشاماً وعراقاً، أنَّى نزلت خلت الأرض قد رمت أفلاذها، والسماء قد رمت رذاذها؛ ترتج بخيولها صهيلاً، وتحتج بسيوفها على الرقاب صليلاً؛ تجمع قبائل، وتلمع مفاصل؛ وتنبت قناً، وتميت فتناً؛ قد نصبوا بمدرجة الطريق خيامهم، وأوقروافي عالم الأسماع أعلامهم، إن الكرم أعلى بهم؛ وتقارعوا في قرى الضيفان، وسارعوا إلى تقريب الجفان، قد داروا على البلاد أسواراً حصينة، وسواراً على معصم كل نهر، وعقداً في جيد كل مدينة وأحاطوا بالبر من جميع أقطاره، وحالوا بين الطير المحلق ومطاره، حفظوه من كل جهاته، وحرسوه من سائر مواضعه وآفاته، وصانوه من كل طارق يتطرق، وسارق يتسلل أو يتسرق، فلا تبصر إلا مرسى خيام، ومسير خدام، ومورد كرام، وموقد ضرام ومقعد همام، ومعقد زمام، ومجال غمام، وآجال رزق أو حمام، ومعهد أياد جسام ومشهد يوم يرعف به أنف قناة أو حسام، وملجأ خائف، وملجم حائف، وسجايا ملكية، وعطايا برمكية، ومواهب طائية، ومذاهب حاتمية، وبوادر ربيعية، ونوادر مرعية، وصوارم تنحسر بذيلها الرقاب، ومكارم يتحسر على إثرها السحاب، لا يُطرق لهم غاب، ولا يفل لهم حد ظفر ولا ناب، ولا يطرح لهم بيت مضيف، ولا يطيح إلا إليهم تابع مشتى ومصيف، لا يخلو ناديهم من حسب ضخم، وشجاع وبطل وجواد كريم، ووافد آمل، وقاصد نائل، وصارخ ملهوف، وهارب مستجير، وآمّ يؤمِّل المعروف، لا تنفك لهم نار قِرىً وقِراع، ومنار أمن ومناع، يسرح عدد الرمل لهم إبل وشاء، ومدّ البحر ما يريد المريد منها ويشاء، تطل منهم على بيوت قد بُنيت بأعلى الرُّبا وبلغت السحاب وعقد عليها الحُبى، قد اتخذت من الشعر الأسود، وبُطنت بالديباج المنجد، وفرشت بالمفارش الرومية والقطائف الكرخية، ونُضِّدت بها الوسائد، وقامت حولها الولائد، وشُدت السماء أطنابها، وأعدت لطوالع النجوم قبابها،وأرخيت سُجفها، وتزايد ظرفها؛ وشُرعت أبوابها إلى الهواء، واستُصرخ بها لدفع اللأواء، ورفعت عمدها، وقرر في الأرض وتدها، وطلعت البدور في كلتها، ورتعت الظباء في مشارق أهلتها.
وفي كلام آخر يطول ذكره قد استوفيته في كتابي: "صبح الأعشىفي كتابة الإنشا".
قال الحمداني: وكان الملك الكامل قد أمَّر من آل فضل حديثة بن فضل بن ربيعة، ثم قسم بعد ذلك الإمرة نصفين، نصفها لماتع بن حديثة، ونصفها لغنام أبي الطاهر، ثم انتقلت الإمرة إلى أبي بكر بن علي بن حديثة، وعلا فيها قدره وبعد صيته، ثم خرجت الإمرة عنه إلى عيسى بن مهنا في أيام الظاهر بيبرس.

قال في مسالك الأبصار: ثم تفرقت الإمرة في بيوت بنيه الثلاثة، فجعلت إمرة بيت مهنا بن عيسى لأحمد بن مهنا، وإمرة بيت فضل بن عيسى لسيف بن فضل، وإمرة بيت حارث بن عيسى لقتادة بن حارث، وجعل الحكم لأحمد بن مهنا على الكل.
قلت: ولم تزل الإمرة تنتقل فيهم واحداً بعد واحد حتى صارت في أيام الظاهر برقوق لنُعير بن جبار، وبقيت في بنيه إلى الآن.
الفخذ الثاني: آل مِرا، بكسر الميم، وهم: بنو مرا بن ربيعة.
قال في مسالك الأبصار: وبيت الإمرة فيهم آل أحمد بن حجي، وبقيتهم آل مسخرا، وأميرهم سعد بن محمد، وآل ثمى، وأميرهم: برجس بن مكائيل، وآل بقرة، وأميرهم: علوان بن أبي عز، وآل شما وأميرهم: عمرو بن واصل.
قال: ثم صارت الإمرة في بيتين من آل أحمد بن حجي. فمن بيت بني نجاد بن أحمد: قتادة بن نجاد. ومن بني سليمان بن أحمد: شطى بن عمرو بن نوبة بن سليمان.
وذكر أن الإمرة كانت مقسومة بين هذين الاثنين نصفين، وأنه يدخل في إمرتهم من يذكر من العرب، وهم: حارثة، والخاص، ولام، وسعده، ومدلج، وقرير، وبنو صخر، وزبيد حوران- وهم زبيد صَرْخد- وبني غني، وبنو عر.
قال: ويأتيهم من عرب البرية آل ظثفير، والمفاوجة، وآل سلطان، وآل غزي، وآل برجس، والحرسان، وآل المغيرة، وآل أبي فضل والزراق، وبنو حسين الشرفاء، والبطنان، وخثعم، وعدوان، وعنزة.
ثم قال: وآل مرا أبطال مناجيد، ورجال صناديد، وإقبال قُل كونوا حجارة أو حديداً، لا يعد معهم عنترة العبسي، ولا غرابة الأوسي، ألا إن الحظ لحظ بني عمهم، أتمّ مما لحظهم، ولم يزل بينهم وبين نُوب الحرب، ولهم في أكثرها الغلب. وقد كانت لهم بأحمد بن حجي الألفة الشماء، ثم قتلت بينهم القتلى وانزف قوة بأسهم سفك الدماء، وتشتت كلمتهم بقسمة الإمرة بينهم، على أنها لو لم تقسم بينهم لظلّ بينهم كل يوم قتيل، وأُخذ بجريرته قَبيل، لأنفة نفوسهم وعدم انقياد نظير منهم لنظير.
قال: وديارهم من بلاد الْجَيدور والجَولان إلى الزرقاء والضليل، إلى بُصرى، ومشرِّقاً إلى الحَرة المعروفة بحرة كشت قريباً من مكة المعظمة إلى شعباء، إلى نيران مَزْيد، إلى الهَضْب المعروف بهضب الراقي.
ثم قال: وربما طاب لهم البر وامتد بهم المرعى أوان خصب الشتاء فتوسعوا في الأرض وأطالوا عدد الأيام والليالي حتى تعود مكة المعظمة وراء ظهورهم، ويكاد سهيل يصير شامهم، ويصيرون مستقبلين بوجوههم الشام.
الفخذ الثالث: آل عليّ، وهم: بنو علي بن حديثة بن عقبة بن فضل، المقدم ذكره.
ومن ثم قال المقر الشهابي بن فضل الله في كتابه "التعريف": وآل عليّ من آل فضل.
قال في مسالك الأبصار: وهم وإن كانوا من ضئضئ آل فضل فقد انفردوا منه واعتزلزهم حتى صاروا طائفة أخرى.
قال: وديارهم مرج دمشق وغُوطتها بين إخوتهم آل فضل وأعمامهم آل مرا، ومنتهاهم إلى الحوف والجبابنة إلى السكة، إلى تيماء، إلى البرادع.
وذكر أن الإمرة فيهم كانت لرملة بن جماز بن محمد بن أبي بكر بن عليّ.
قال: وقد كان جده أميراً ثم أبوه، وقلد الملك الأشرف خليل بن قلاوون جده محمد بن أبي بكر إمرة آل فضل، حين أمسك مهنا بن عيسى، ثم تقلدها من الملك الناصر أخيه حين طرد مهنا وسائر إخوته وأهله.
قال: ولما أُمر "رملة" كان حدث السن، فحسده أعمامه بنو محمد بن أبي بكر، فقدموه على السلطان يتقادمهم، وترامَوْا على خواصه وأمرائه وذوي الوظائف، فلم يجبهم السلطان ولم يُدْنهم منه، فرجعوا من غير قصد نالوه، إلى أن صار سيد قومه وفرقد دهره، والمسود في عشيرته.
وكان له إخوة عظام في أموال جمة ونِعم غزيرة.
البطن الثاني من طيء: زُبيد- بضم الزاي وفتح الباء الموحدة وسكون الياء المثناة من تحت ودال مهملة في الآخر.
وهم: بنو زبيد بن معن بن عمرو بن عنيز بن سلامان بن عمرو بن الغوث ابن فطرة بن طيء.
ومنهم: زُبيد الذين بغوطة دمشق ومرجها، مجاورون لبني عمهم من آل ربيعة، مطانبون منهم لآل علي، ومحوطون بآل فضل وآل مرا منهم.
أما قوله في مسالك الأبصار، وقد ذكرهم عقب آل مرا، ثم ذكر بني ربيعة، فَوَهْمٌ؛ إذ ليس من بني ربيعة بوجه، بل هم إخوانهم من طيء على ما تقدم ذكره في نسبهم. قال في مسالك الأبصار: وإمرتهم في بني نوفل، وهم المشارقة جيران، وليس للمشارقة إمرة، ولكن لهم شيوخ منهم، وأمرهم إلى نواب الشام، ليس لأحد من أمراء العرب عليهم إمرة.
قال: وديارهم جميعاً المَرج والغُوطة بدمشق، إلى لائقة، إلى لاهة، إلى أُم أوعال، إلى الرويشدان، وعليهم الدَرك وحفظ الأطراف.
البطن الثالث من طيء: جَرْم- بفتح الجيم وسكون الراء المهملة وميم في الآخر، وهم: بنو جرم- واسمه ثعلبة- بن عمرو بن الغوث بن طيء.
قال الحمداني: جرم: اسم أَمة حضنته فعرف بها.
قال أبو عبيد: وكان له من الولد: جيان وشمجان.
وزاد الحمداني: قمران، أيضاً.
قال المهمندار: والمشهور من جرم هذه: جذيمة؛ ويقال: إن لهم نسباً في قريش؛ وقيل: في مخزوم؛ وقيل: في عامر بن لؤي بن فهر.
قال: وجذيمة هذه: آل عوسجة، وآل أحمد، وآل محمود.
وذكر أن الكل كانوا في إمارة شاور بن سنان، ثم في بنيه، وأنه كان لسنان هذا أخوان فيهما سؤدد، وهما: غانم، وخضر.
ثم قال: ومن جذيمة هذه: جماعة الرائدين، وبني أسلم.
قال: و "أسلم" هذه من جذام لا من جذيمة، لكنها اختلطت مع جذيمة.
ومنهم: شبل، ورضيعة جرم، ونيور، والقذرة، والأحامدة، والرفئة، وموقع، وبنو كور.
قال: وكان كبيرهم "مالك الموقعي" مقدَّماً عند السلطان صلاح الدين، وأخيه العادل.
ثم ذكر أن منهم بنو رغو، وربما قيل: إنهم من جرم بن جرمز ابن سُنبس.
ومنهم: العاجلة، والصمان، والعبادلة، وبنو تمام، وبنو جميل، ومن بني جميل: بنو مقدام.
ومن بنو رغو: آل نادر. ومن بني غوث: بنو بهي، وبنو خولة، وبنو هرماس، وبنو عيسى، وبنو سهيل، وأرضهم الداروم.
قال: وكانوا سفراء بين الملوك. وجاورهم قوم من زُبيد، يعرفون ببني فُهيد، ثم اختلطوا بهم.
وقال: وبنو جابر بدرمي من غزة، ويعرفون بالحريث، جماعة نهد بن بدران، وبلادهم غزة، والداروم مما يلي الساحل إلى الجبل، وبلد الخليل عليه السلام.
قال الحمداني: وكانوا متفقين هم وثعلبة مع الفرنج على المسلمين، فلما فتح السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب البلاد جاء بعضهم مع ثعلبة إلى الديار المصرية، وتأخر الباقون بالشام، فهم في أماكنهم إلى الآن.
وذكر أن من بطونهم: جذيمة، وشبل، ورضيعة، ونيف، والقذرة، والأحامدة، والرفثة، وموقع، وبنو رغو، والعاجلة، والضمان، والعبادلة، وبنو تمام، وبنو جميل، وبنو بهي، وبنو خولة، وبنو هرماس، وبنو عيسى، وبنو سهيل، وفروعهم.
البطن الرابع من طيء: ثعلبة: مؤنث ثعلب. واعلم أن في طيء أربع ثعلبات: إحداها ثعلبة بن عمرو بن الغوث بن طيء وهم: جرم طيء، المقدم ذكره.
الثانية: ثعلبة بن ذهل بن رومان بن جندب بن خارجة بن سعد بن فطرة بن طيء.
الثالثة: ثعلبة بن جدعاء بن ذهل بن رومان بن جندب بن خارجة بن سعد بن فطرة بن طيء.
وقد ذكر الحمداني: أن ثعلبة بمصر والشام من طيء، فيحتمل أنهم اجتمعوا من الأربعة كما تقدم في سعود جذام الأربعة من عرب الشرقية بالديار المصرية، على أنه قد ذكر أن في كل من ثعلبتي مصر والشام من جندب، وقيس، ومراد، ويمن.
ثم قال: وثعلبة، وعنين، ونيل، إخوة، الثلاثة أولاد: سلامان.
فأما ثعلبة مصر فقد ذكر الحمداني أنهما بطنان: وهما: دَرْما، وزريق، ابنا عوف ابن ثعلبة. وقيل: ابنا ثعلبة لصُلبه.
ثم قال الحمداني: واسم "دَرْما": عمرو، وإنما غلب عليه اسم أمه "درما".
قال: ومن أفخاذ "درما" بمصر: سلامة، والأحمر، وعمرو، وقصير، وأويس.
ومن أفخاذ "زريق" منها: أشعب، والبقعة، وشبل، والحنابلة، والمراونة، والحيّانيّون.
ومن زريق: بنو وهم، والطلحيون.
وفي الطلحيين: آل حجاج، وآل عمران، وآل حفصان، والمصافحة. كان مقدمهم: شعير بن جرجي، أُمّر بالبوق والعلم.
ومن "زريق" أيضاً: الصبيحيون.
وفي الصبيحيين: الغيوث، والزموت، والروايات، والنمورة، والسعالى، والرمالى، والمعديون، والسِّنديون، والبحابحة.
ومن زريق أيضاً: العقيليون، والمساهرة، والمعافرة.
ومنهم: العليميون، كان مقدمهم عمرو بن عسيلة، أمّر بالبوق والعلم.
ومن العليميين: القمعة، والرياحين بنو مالك، والغوفة، المعروفون بالأشعب ابن زريق.
قال المهمندار: ومنهم رجال ذوو ذكر ونباهة خدموا الدول وعضدوا الملوك وقاموا ونصروا.
ومن ثعلبة أيضاً: الجواهرة.
 ومنزل ثعلبة مصر ما فوق قطيا إلى جهة الشام.
قال الحمداني: وكانوا يداً مع الفرنج قديماً.
قال: ولكني لم أرهم إلا غزاة مجاهدين لهم آثار في الفرنج.
وأما ثعلبة الشام فهو دَرْما آل غياث الجواهرة، ومن الحنابلة، ومن بني وهم من الصبيحيين، ومن أحلافهم فرقة من النعيميين، ومن العار والجمان.
قال المهمندار: وديارهم مما يلي مصر إلى الخرّوبة.
ثم ذكر الحمداني أن بصعيد مصر فرقة يقال لهم: الثعالبة.
ثم قال: وهم بنو ثعلبة بن عمرو بن الغيوث بن طيء. وأعقب ذكر ثعلبة بأن قال: أما بنو بياضية، والأخارسة فبقَطْيا، وبنو صدر بالبدرية، وهي طريق البر من الشام إلى مصر، ولم يبين من أي قبيل أولئك، من ثعلبة أم من غيرهم.
البطن الخامس من طيء: سُنْبس: بضم السين المهملة وسكون النون وضم الباء الموحدة وسين مهملة في الآخر.
وهم: بنو سنبس بم معاوية بن جرول بن ثُعل بن عمرو بن الغوث بن طيء.
كان له من الولد: لبيد، وعمرو.
وقد ذكر الحمداني أن منهم طائفة ببطائح العراق، وعد منهم ثلاثة أحياء، وهم: الخزاعلة، وبنو عَبيد، وجموح.
قلت: ومن سنبس طائفة بالجيزة حول سقارة ومنشاة دهشور وما والاهما. والإمرة الآن بالديار المصرية في الخزاعلة في بني يوسف، ومقرهم بمدينة سخا بالأعمال الغربية.
البطن السادس من طيء: غَزِية، بفتح الغين المعجمة وكسر الزاي وفتح الياء المثناة التحتية المشددة.
وهم: بنو غزية بن أفلت بن ثُعل بن عمرو بن عنيز بن سلامان بن ثُعل بن عمرو ابن الغوث بن طيء.
قال الحمداني: ومنهم قوم بالشام والحجاز والعراق، وفيما بين العراق والحجاز.
قال: وهم بطون وأفخاذ ترجع إلى أصلين هما: البطنان، وأجود. فمن البطنين: آل دعيج، وآل روق، وآل رفيع، وآل سرية، وآل مسعود، وآل تميم، وآل شرود.
ومن الأجود آل منيع، وآل سند، وآل منال، وآل أبي الحزم، وآل علي، آل عقيل، وآل مسافر.
وزاد في مسالك الأبصار نقلاً عن نصر بن برجس المشرقي: أولاد الكافرة، وساعدة، وبني جميل، وآل أبي مالك.
قال الحمداني: ولهم مشايخ، منهم من وفد على السلاطين في زماننا.
قال وممن ورد منهم ماتع بن سليمان، شيخ آل بطيح، في سنة ثلاث وستمائة.
وذكر المقر الشهابي بن فضل الله في كتابه "التعريف" أنهم تارة يعصون وتارة يطيعون.
قال في مسالك الأبصار: ومنهم طائفة بطريق الحجيج البغدادي مياههم اليحموم، والنصيف، والكمن، والمعينة، وهي مياه البطنين، ومياه "الأجود" لينة والثعلبة وزرود.
قال: وذكر لي نصير بن برجس أن دار آل أجود منهم: الرخيمة، والرقبى، والفردوس، ولينة، والحدق.
وديار آل عمرو بالحوف، وديار بقاياهم النصيف، والكمن، واليحموم، والأم، والمعينة.
قال: ويليهم ساعدة، وديارهم من الحضر إلى برية زرود، وإلى سقارة، وإلى البقعاء، وإلى التيب، وإلى الساسة، وإلى حضر.
ثم خالد، ودارهم الفومه، وصيدة، وأبو الديدان، والفريع، وخارج، والكوارة، والبنوان، إلى ساق الغرفة، إلى الرسوس، إلى عبيرة، إلى وضاح، إلى جبلة، إلى السر، إلى العردة، إلى العشرية، إلى الابحل.

العمارة الثالثة:

من كهلان: مَذْحج. بفتح الميم وسكون الذل المعجمة وكسر الحاء المهملة ثم جيم.
قال الجوهري: على وزن مسجد.
وهم: بنو مذحج، واسمه: مالك بن أدد بن زيد بن يشجب بن عريب بن زيد ابن كهلان.
وقال القضاعي: مالك بن مُرة بن أدد بن زيد بن كهلان.
ومن مذحج: سعد العشيرة، بلفظ سعد المعروف، والعشيرة، واحدة العشائر، وهم: بنو سعد العشيرة بن مذحج، المذكور.
قال أبو عبيد: كان له من الولد: الحكم، بطن؛ وصعب بطن؛ وجعفى، بطن؛ وزيد الله، بطن؛ ومرة وجَسر وعائذ الله، بطن. فدخل زيد الله وجسر في جُعفى.
وإنما سُمي: سعد العشيرة لأنه بلغ ولده وولد ولده مائة رجل يركبون معه، فكان إذا سئل عنهم يقول: هؤلاء عشيرتي، وقاية لهم من العين.
ومن سعد العشيرة: زبيد، بضم الزاي وفتح الباء الموحدة وسكون الياء المثناة من تحت ودال مهملة في الآخر، وهم: بنو مُنبه بن صعب بن سعد العشيرة لصُلبه.
ويعرف زبيد هذا بزُبيد الأكبر، وهؤلاء هم زبيد الحجاز.
قال في مسالك الأبصار: وعليهم درك الحاج المصري من الصَّفراء إلى الجُحفة.
وكان لزبيد هذا من الولد: ربيعة، والحارث.
 قال في العبر: وهم خلفاء لآل ربيعة بالشام.
ومن زبيدة هذه: زبيد الأصغر، وهم. بنو منبه الأصغر بن ربيعة بن سلمة بن مازن بن ربيعة بن منبه الأكبر، وهو زبيد الأكبر، المقدم ذكره.
ومن زبيد هؤلاء: عمرو بن معدي كرب، فارس العرب، وعاصم بن الأسقع، الشاعر.
قلت:وذكر في "مسالك الأبصار" في عرب الحجاز "حرباً"، ولم يعزهم إلى قبيلة، وثم قال: وهي ثلاثة بطون: بنو سالم، وبنو مسروح، وبنو عبيد الله، ثم قال: ومنهم: زبيد الحجاز، زبنو عمرو، وهم من أكثر العرب عدداً وأقواهم رجلاً. ومساكن جميعهم الحجاز.
وتلى ذلك بأن قال: أما بقية عرب الحجاز:المضارجة، والمساعيد، والزراق، وآل جناح، والحبور، فدارهم يتلو بعضها بعضاً بالحجاز، فتعرض لشأن الدار دون بيان القبائل.
ومن مذحج: مراد، وهم بنو مراد بن مالك، وهو مذحج.
قال أبو عبيد: وكان لمراد من الولد: ناجية، وزاهر.
قال صاحب حماة: وإليهم يُنسب كل مُرادي عن عرب اليمن.
قال: وبلادهم إلى جانب زبيد، من جبال اليمن.
ومن مراد: بنو الرَّبَض بن زاهر بن عامر بن عوسان بن مراد.
ومنهم: صفوان بن عَسّال الصحابي.
قال أبو عبيد: وعدادهم في بني جمل.

العمارة الرابعة:

من كهلان: الأزد، بفتح الهمزة وسكون الزاي ودال مهملة في الآخر وأصله: أزد، والألف واللام فيه للمح الصفة، التي هي الأَزَد وهو الذعر. ويقال فيهم: الأسد، بالسين المهملة بدل الزاي.
وهم: بنو الأزد بن نبت بن مالك بن زيد بن كهلان.
قال الجوهري: وهو بالزاي أفصح.
قال أبو عبيد: كان له من الولد: مازن، ونصر. والهِنْءَ، وعبد الله، وعمرو.
واعلم أن الأزد من أعظم الأحياء وأكثرها بطوناً وأمدها فروعاً.
وقد قسمها الجوهري إلى ثلاثة أقسام: أحدها: أزد شنوءه بإضافة أزد إلى شنوءه، بفتح الشين المعجمة وضم النون وواو ساكنة ثم همزة بعدها هاء، وهم: بنو نصر بن الأزد. وشنوءة لقب لنصر غلب عليه.
والثاني: أزد السراة: بإضافة أزد إلى السراه. وهو موضع بأطراف اليمن نزلت به فرقة منهم فعُرفت به.
والثالث: أزد عُمَّان: بإضافة أزد إلى عُمان، وهي مدينة بالبحرين نزلتها طائفة منهم فعرفوا بها.
ومن أزد عمان: ابنا الجُلَنْدَي، ملك عمان، كتب إليهما النبي صلى الله عليه وسلم يدعوهما إلى الإسلام مع عمرو بن العاص- رضي الله عنه- كتاباً فيه، بعد البسملة: من محمد بن عبد الله إلى جَيْفر وعبيد ابني الجلندي: سلام على من اتبع الهدى، أما بعد: فإني أدعوكما بدعاية الإسلام، أسلما تسلما فإني رسول الله إلى الناس كافة لأنذر من كان حياً ويحق القول على الكافرين، وإنكما إن أقررتما بالإسلام وليتكما وإن أبيتما أن تُقرا بالإسلام فإن ملككما زائل عنكما وخيلي تحل بساحتكما وتظهر نبوءتي في ملككما. وكتب أُبي بن كعب.
وفي رواية ذكرها أبو عبيد في كتاب الأموال أنه صلى الله عليه وسلم كتب إليهما: من محمد رسول الله لعباد الله الاسْبَذين ملوك عمان وأسد عمان، من كان منهم بالبحرين، أنهم إن آمنوا، وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة، وأطاعوا الله ورسوله، وأعطوا حق النبي صلى الله عليه وسلم، ونسكوا نسك المسلمين، فإنهم آمنون، وأن لهم ما أسلموا عليه، غير أن مال بيت النار لله ورسوله، وأن عشور التمر صدقة ونصف عشور الحب، وأن للمسلمين نصرهم ونصحهم، وأن لهم على المسلمين مثل ذلك، وأن لهم الرحى يطحنون بها ما شاءوا.
قال أبو عبيد: وبعضهم يرويه لعباد الله الإسب، اسماً أعجمياً نسبهم إليه.
قال: وإنما سموا بذلك لأنهم نسبوا إلى عِبادة فرس، وهو بالفارسية: إسب، فنسبوا إليه. وهم قوم من الفرس، وقيل من العرب، ويجوز أن يكون الكتاب لهؤلاء.
فلما وصل عمرو عمان اجتمع بعبيد ثم ناجي جيفر، فأسلما جميعاً. وكان من كلام جيفر: والله لقد دلني على نبوة هذا النبي أنه لا يأمر بخير إلا كان أول من أخذ به، ولا ينهي عن شر إلا كان أول تارك له، وأنه يَغْلب فلا يبطر، ويُغْلب فلا يضجر.
قال في مسالك الأبصار: وبزُرَع وبُصرى، من بلاد الشام، قوم من الأزد.
ثم المشهور من الموجودين منهم ثلاثة بطون: البطن الأول:

الأوس، بفتح الهمزة وسكون الواو وسين مهملة في الآخر، والخزرج، بفتح الخاء المعجمة وسكون الزاي وفتح الراء المهملة وجيم في الآخر. وهم: بنو الأوس والخزرج، ابنا حارثة بن ثعلبة بن عمرو مزيقياء بن مازن بن الأزد.
كان للأوس من الولد: مالك، ومنه جميع أولاده.
وكان للخزرج من الولد: عمرو، وعوف، وجشم، وكعب، والحارث.
ويقال لكلتا القبيلتين بنو قيلة، بفتح القاف وسكون المثناة من تحت وفتح اللام وهاء في الآخر. لهم ملك يثرب قبل الإسلام، نزلوها حين خرج الأزد من اليمن، ولم يزالوا بها إلى حين هاجر النبي صلى الله عليه وسلم فآمنوا به ونصروه، فسمُّوا: الأنصار.
وتفرع منهم أفخاذ كثيرة يطول ذكرها. وانتشروا في الفتوحات الإسلامية في الآفاق شرقاً وغرباً، وهم موجودون بكل قطر إلى الآن، إلا أنه قل منهم من يعرف نسبه من الأوس والخزرج، بل اكتفوا بالنسبة إلى الأنصار.
قال المهمندار: ومن بني حسان بن ثابت- رضي الله عنه- من الأنصار: بنو محمد، بحريّ منفلوط.
ومن بني سيد الأوس سعد بن معاذ: بنو عكرمة، بحريّ منفلوط أيضاً.
ومن بني سعد بن عبادة سيد الخزرج: بنو الأحمر، ملوك غرناطة بالأندلس، وأول من ملك منهم: محمد بن يوسف بن نصر، بعد الستمائة وقد آلت الآن منهم إلى أبي الحجاج يوسف بن محمد بن يوسف.
البطن الثاني من الأزد: غسان، بفتح الغين المعجمة وتشديد السين المهملة وألف ثم نون. وهم: بنو جفنة، والحارث- وهو محرّق- وثعلبة- وهو العنقاء- وحارثة، ومالك، وكعب، وخارجة، وعوف، بنو عمرو مزيقياء.
قال أبو عبيد: وإنما سموا غساناً لماء اسمه غسان، بين زبيد ورِمَع نزلوا عليه عند خروجهم من اليمن وشربوا منه فعُرفوا به.
قال بعض الأنصار:

أمَّا سألتَ فإنَّا معشرٌ نُجب

 

الأزد نِسْبتنا والماء غَسّانُ

قال أبو عبيد: ولم يشرب بقية بني عمرو، وهم: وائل، واسمه ذهل- وعمران، وأبو حارثة، من الماء فلا يقال لهم غسان.
وقال ابن الكلبي: يقال لبني عمرو كلهم: غسان. وكان لهم ملك بالشام تلقوه عن الضَّجاعة من سَليح. وأول من ملك منهم: جفنة بن عمرو بن ثعلبة ابن عمرو مُزيقياء.
قال صاحب حماه:وذلك قبل الإسلام بما يزيد على أربعمائة سنة، وبقي بأيديهم إلى أن كان آخرهم جبلة بن الأيهم في زمن النبي صلى الله عليه وسلم. فكتب إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعوه إلى الإسلام فأسلم وكتب بإسلامه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأهدى هدية، وبقي بأرضه إلى خلافة عمر رضي الله عنه، وقيل: بل بقى على الكفر إلى زمن عمر فأسلم.
قال صاحب زبدة الفكرة: ثم كتب إلى عمر رضي الله عنه يستأذنه في الحضور، فأذن له فحضر. فأكرم نزله، وأقام بالمدينة إلى زمن الحج، فخرج عمر من المدينة حاجّاً فخرج معه فحج، وطاف بالبيت، فوطئ إزاره رجل من فزارة فانحل، فرفع جبلة يده فلطمه فهشم أنفه، فاستعدى عليه عمر- رضي الله عنه- فقال له: إما أن تُرضي الرجل وإما أن أقيده منك، فقال جبلة: فيُصنع بي ماذا? قال: يهشم أنفك كما فعلت به. قال: كيف يا أمير المؤمنين وأنا ملك وهو سوقة! قال: الإسلام جمعك وإياه. قال جبلة: قد ظننت يا أمير المؤمنين أني أكون في الإسلام أعز مني في الجاهلية. فقال: دع عنك هذا إن لم ترضه، وإلا أقدته منك قال: إذن أتنصر. قال: إن تنصرت ضربت عنقك. فلما رأى جبلة منه ذلك، قال: أمهلني الليلة حتى أنظر، فأمهله، فلما كان الليل تحمل هو وأصحابه بخيله ورجله إلى الشام على طريق الساحل، ثم سار في خمسمائة من قومه حتى القسطنطينية فدخل على هرقل فتنصر هو وقومه، فسُر بذلك وظن أنه فتح من الفتوح عظيم، وأقطعه ما شاء وزوَّجه بنته، وقاسمه ملكه وجعله من سُماره.

ثم إم عمر كتب كتاباً إلى هرقل يتعلق بالمسلمين وبعثه مع كنانة بن مُساحق الكناني. فقدم به على هرقل، فأجاب عمر إلى قصده، فلما عزم على الرجوع إلى عمر، قال له هرقل: هل لقيت ابن عمك جبلة? قال: لا. قال: فالقه. قال: فأتيت باب جبلة فرأيت عليه من البهجة والخدم ما لم أره على باب الملك، فاستأذنت عليه، فأذن لي، فدخلت عليه، فقام فاعتنقني وعاتبني في تركي النزول عليه وإذا هو في بهو عظيم على سرير من ذهب، وحوله من التماثيل ما لم أُحسن وصفه، فأمرني أن أجلس على كرسي من ذهب. فأبيت وقلت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهانا أن نجلس على مثل هذا. ثم سألني عن عمر والمسلمين، وألحف في المسألة، فظهر على وجهه آثار الحزن، قلت: فما يمنعك من الإسلام? قال: بعد الذي كان? قلت: نعم. فقال: دع عنك هذا، ثم وضع أمامنا مائدة من ذهب، فقلت: لا آكل عليها. فوضع أمامي مائدة من خَلَنْج. فآكلني؛ ثم أتى بصحاف من ذهب يُدار فيها الخمر، فاستعفيت من ذلك، ثم غسل يده في طست من ذهب، ثم استدعى بجوار عشر، فجلس خمس منهن عن يمينه وخمس عن يساره على كراسي الذهب، وأقبلت جارية وفي يدها اليمنى جام من ذهب فيه طائر أبيض، وفي الجام مسك وعنبر سَحيق، وفي يدها اليسرى جام آخر لم أر مثله، فنفَّرت الطائر فتقلب في الجام، ثم انتقل إلى الجام الآخر، ثم طار فسقط على صليب في تاج جبلة، ثم حرك جناحيه فنثر ذلك المسك على رأس جبلة ولحيته، ثم شرب أقداحاً واستهل واستبشر، ثم قال للجواري: أطربنني، فخفقن بعيدانهنّ واندفعن يغنين هذه الأبيات:

لله دَرُّ عصابة نـادمـتُـهـم

 

يوماً يجلّق في الزمـان الأَولِ

أولاد جفنة حول قبر أبـيهـم

 

قبر ابن مارية الكريم المُفضل

يَسقون مَن وَرد البَريص عليهمُ

 

راحاً تُصَفَّقُ بالرَّحيق السَّلسل

بيضُ الوجوه كريمة أحسابهـم

 

شُم الأنوف من الطَراز الأول

يُغشَون حتى ما تَهر كلابـهـم

 

لا يسألون عن السَّواد المُقبـل

فطرب ثم قال: أتعرف لمن هذا الشعر? قلت: لا، قال: لحسان بن ثابت، فينا وفي ملكنا. ثم قال للجواري: ابكينني. فوضعن عيدانهن ونكسن رؤوسهن وغنّين:

تنصَّرت الأشراف من عار لَطـمة

 

وما كان فيها لو صبرتُ لها ضَررْ

تكنّفني منهـا لَـجـاج ونَـخـوة

 

وبِعت لها العَين الصحيحة بالعور

فيا ليت أُمِّي لم تلدنـي ولـيتـنـي

 

رجعتُ إلى القول الذي قاله عمر

ويا ليتني أَرعى المَخاض بقَـفْـرة

 

وكنتُ أسيراً في ربيعة أو مُضـر

أَدين بما دانـوا بـه مـن شَـريعة

 

وقد يصْبر العَوْد الكبير على الدَّبر

وانصرف الجواري فوضع وجهه على كمه وبكى حتى نظرت موعه على خديه كأنها اللؤلؤ الرطب وبكيت معه رحمة له، فقال: يا جارية، هاتي خمسمائة دينار هرقلية. فأتت بها. فقال: خذ هذه صلة لك. فقلت: لا أقبل صلة رجل ارتد عن الإسلام. فقال: اقر على عمر مني السلام. فلما تقدمت على عمر ذكرت ذلك له، فقال: قاتله الله! باع باقياً بفانٍ.
قال في مسالك الأبصار: وبالبلقاء طائفة من غسان. وباليرموك منهم الجم الغفير، وبحمص منهم جماعة.
البطن الثالث من الأزد: خُزَاعة، بضم الخاء وفتح الزاي المعجمتين وألف ثم عين مهملة وهاء في الآخر.
وهم: بنو عمرو بن ربيعة بن حارثة بن عمرو بن مزبقياء بن مازن بن الأزد.
قال أبو عبيد: وعمرو هذا أبو خزاعة كلها، ومنه تفرقت بطونها، فولد له، كعب، بطن؛ ومُليح، بطن؛ وعدي، بطن؛ وعوف، وسعد.
وذكر في موضع آخر أن خزاعة هم: أسلم، ومالك، وملكان، من بني أفصى بن عامر بن قمعة بن إلياس بن مضر.
وذكر في العبر: أن خزاعة: بنو عمرو بن عامر بن ربيعة، وهو لُحيّ بن عامر بن قمعة.
قال في العبر: وقال القاضي عياض: المعروف في نسب خزاعة أنه عمرو بن لحي ابن قمعة بن إلياس بن مضر، وإنما عامر عم أبيه أخو قمعة، فتكون خزاعة من العدنانيين.
وقال السهيلي: كان حارثة بن ثعلبة بن عمرو بن عامر خلف على أُم لحي بعد أبيه قمعة، فتبناه حارثة فانتسب إليه. فالنسب صحيح بالوجهين.

قال ابن الكلبي: وسموا خزاعة لأن بني مازن بن الأزد لما تفرقت الأزد من اليمن في البلاد نزل بنو مازن على ماء يقال له غسان، على ما تقدم، وأقبل بنو عمرو بن لحي فانخزعوا عن قومهم، فنزلوا مكة، ثم أقبل بنو أسلم ومالك وملكان فانخزعوا عن قومهم أيضاً، فسمي الجميع: خزاعة.
قال في العبر: وكانت مواطنهم مكة ومَرّ الظهران وما بينهما، وكانوا من حلفاء قريش، وكان لخزاعة ولاية البيت بعد جرهم، ولم تزل بيدهم حتى باعها أبة غُبشان من قُصي بن كلاب بزِق خمر، على ما سيأتي ذكره إن شاء الله تعالى. وبقايا خزاعة بأرض الحجاز وغزة.

العمارة الخامسة:

من كهلان: همدان، بفتح الهاء وسكون الميم وألف ثم نون.
وهم: بنو همدان بن مالك بن زيد بن أوسْلة بن ربيعة بن الخِيار بن زيد ابن كهلان.
كان له من الولد: نوفل.
قال في العبر: وكانت همدان شيعة لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب- كرم الله وجهه- عند وقوع الفتن بين الصحابة رضوان الله عليهم.
ومما يُحكى أن أمير المؤمنين علياً رضي الله عنه صعد المنبر، فقال: ألا لا يزوّجن أحد منكم الحسن بن عليّ فإنه مطلاق. فنهض رجل من همدان، فقال: والله لنزوجنه، ثم لنزوجنه، إن أمهر أمهر كثيفاً، وإن أولد أولد شريفاً. فقال علي رضي الله عنه عند ذلك:

ولو كنتُ بواباً على باب جنة

 

لقلتُ لهمدان ادخلي بسلامِ

قال في العبر: وديار همدان لم تزل باليمن من شرقية، ولما جاء الإسلام تفرق من تفرق منهم وبقي من بقي منهم باليمن.
قال البيهقي: ولم يبق لهم قبيلة بعد تفرقهم إلا باليمن.
قال: وهم أعظم قبيلة.
قال الحمداني: وبالجبل المعروف بالطيّبين بالشام فرقة منهم.
ومن همدان: أرحب، بفتح الهمزة وسكون الراء وفتح الحاء المهملتين ثم باء موحدة.
وهم: بنو أرحب بن مالك بن معاوية بن صعب بن دومان بن بكيل بن جشم ابن خيوان بن نوفل بن همدان.
وإلى أرحب هذا تنسب الإبل الأرحبية.
ومنهم: أيوب بن أعظم الشاعر، هاجر إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو ابن مائة وخمسين سنة وقال أبياتاً من جملتها: "وقبلك ما فارقت بالحَوف أرحباَ" ومنهم: بنو السَّبيع، بفتح السين المهملة وكسر الباء الموحدة وسكون المثناة التحتية ثم عين مهملة.
وهم: بنو السَّبيع بن سُبيع بن صعب بن معاوية بن بكر بن مالك بن جشم ابن حاشد بن جشم بن خَيوان بن نوفل بن همدان.
منهم: أبو إسحاق السَّبيعي، الفقيه المشهور.

العمارة السادسة:

من بني كهلان: بنو صُداء، وهم صداء بن زيد بن حرب بن عُلة بن جَلد بن مالك ابن أُد بن زيد بن يشجب بن زيد بن كهلان.
قال أبو عبيد: وسُمّوا صُداء، لأنهم صدوا عن بني يزيد بن حرب وجاء بنوهم وحالفوا بني الحارث بن كعب.
منهم: زياد بن الحارث الصدائي، وفد على النبي صلى الله عليه وسلم، وبعثه إلى قومه فأسلموا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إنك لمطاع في قومك.

العمارة السابعة:

من كهلان: خَوْلان، بفتح الخاء المعجمة وسكون الواو ولام ألف ثم نون.
وهم: بنو خولان بن مالك بن الحارث بن مُرة بن أدد بن زيد بن يشجب ابن عَريب بن زيد بن كهلان.
كان له من الولد: حبيب، وعمرو، والأصهب، وقيس، ونبت، وبكر وسعد.
منهم: أبو إدريس الخولاني.
قال في العبر: وبلاد خولان في بلاد اليمن من شرقيه.
قال: وقد افترقوا في الفتوحات.
وقد ذكر القضاعي أنهم حضروا فتح مصر واختلطوا بها، وإليهم ينسب: مصلى خولان، بالقرافة الكبرى.
قال في العبر: وليس منهم اليوم ذرية إلا باليمن.
قال: وهم غالبون على أهله وعلى الكثير من حصونه.

العمارة الثامنة:

من كهلان: أنمار، بفتح الهمزة وسكون النون وفتح الميم وألف ثم راء مهملة.
وهم: بنو أنمار بن اراش بن عمرو بن الغوث بن نَبت بن مالك بن زيد ابن كهلان.
وذكر في العبر: أنه لما تكاثر بنو إسماعيل عليه السلام فصارت رياسة الحرم لمُضر مضى أنمار بن نزار بن عدنان إلى اليمن فأقام بالسروات، وتناسل بنوه بها، فعُدوا في اليمانية.
وعليه ينطبق ما حكاه الجوهري في ذلك مُحْتجّاً له بأن جرير بن عبد الله البَجلي الصحابي رضي الله عنه نافر رجلاً من اليمن إلى الأقرع بن حابس التميميّ حَكَم العرب، فقال له:

يا أقرعَ بن حابـس يا أقْـرَعُ

 

إنك إن يُصرع أخوك تُصرع

فجعل نفسه أخاً، وهو معديّ.
وذكر الكلبي أن أنمار بن نزار لا عقب له إلا ما يقال في بجيلة وخثعم، إنهما ابناه.
قال في العبر: وبجيلة تُنكر هذا وتقول: إنما تزوج إراش بن عمرو سلامة بنت أنمار هذا، فولدت له أنمار بن إراش المذكور.
قال أبو عبيد: وولد لأنمار بن إراش: خثعم، وأمه هند بنت مالك بن الغافق بن الشاهد بن عَك؛ وعبقر، والغوث، وصُهيب، وحزيمة. وأُمهم بجيلة بنت صعب بن سعد العشيرة وبها يعرفون.
وقد تفرع من هذه العمارة بطنان: البطن الأول: بجيلة، بفتح الباء الموحدة وكسر الجيم وسكون الياء المثناة التحتية وفتح اللام وهاء في الآخر.
قال في العبر: وهم بنو بجيلة بن أنمار بن إراش.
وقد تقدم أن بجيلة اسم أُمهم وعرفوا بها.
قال في العبر: وكانت بلادهم مع إخوتهم خثعم في سروات اليمن والحجاز إلى تَبالة، ثم افترقوا أيام الفتح الإسلامي في الآفاق فلم يبق منهم في مواطنهم إلا القليل.
ومن بجيلة: جرير بن عبد الله البجلي الصحابي، المقدم ذكره في ترجمة أنمار، وكان جميلاً حتى إنه كان يقال له: يوسف الأمة، لحسنه. وفيه قيل:

لولا جرير هلكت بجيلة

 

نعم الفتى وبئست القبيلة

ومن إخوان بجيلة: بنو عامر. وهم بنو عامر بن قُداد بن ثعلبة بن معاوية بن زيد بن الغوث بن أنمار بن إراش.
قال أبو عبيد: وكان يقال لعامر هذا: مقلد الذهب.
منهم: عمرو بن ضبارم الشاعر.
البطن الثاني: خثعم، بفتح الخاء المعجمة وسكون الثاء المثلثة وفتح العين المهملة وميم بعدها.
وهم: بنو خثعم بن أنمار بن إراش، فهو أخو بجيلة المقدم ذكره، وكان لخثعم من الولد: خلف، وأمه: عاتكة بنت ربيعة بن نزار.
قال في العبر: وبلاد خثعم مع إخوتهم بجيلة بسروات اليمن والحجاز إلى تبالة، وقد افترقوا أيضاً أيام الفتح الإسلامي فلم يبق منهم في مواطنهم إلا قليل.
ومن خثعم: بنو أكلُب، بضم اللام، وهم: بنو أكلُب بن عُفير بن خلف ابن خثعم.
قال أبو عبيد: ويقال هو أكلب بن ربيعة بن نزار، وحينئذ فيكون من العدنانية.
قال الحمداني: ومنهم خليجة، وبنو هرز، ومنازلهم بيشة، شرقي مكة.
قال: ومن خثعم أيضاً: بنو مُنبه، والفرع، وبنو فضلة، ومعاوية، وآل مهدي، وبنو نصر، وبنو حاتم، والمواركة، وآل زياد، وآل الصعافير، والسَماء، وبلوس. ودارهم غير بعيدة ممن تقدم.
ومن خثعم: آل مهدي، ذكرهم الحمداني ثم قال: ويقال: إنهم من معد، ثم صاروا إلى اليمن، إشارة إلى ما يقال: إنهم من أولاد أنمار بن نزار، وقد سبق ذكر الخلاف فيه.
ومنهم أيضاً: آل نيار.
واعلم أن بجيلة وخثعم هؤلاء بلادهم بلاد خير وزرع وفواكه، وأكثر ميرة مكة من الحنطة والشعير وغيرهما من بلادهم، ويأتون أيام الحج بالعقيق وغيره من أصناف اليمن، ويعرفون عند أهل الموسم بالسَرو، وعليهم آثار خير وصلاح.

القبيلة الثالثة من بني سبأ:

أَشعر، بفتح الهمزة وسكون الشين المعجمة وفتح العين المهملة ثم راء مهملة في الآخر.
وهم: بنو أشعر بن سبأ، فيما ذكره الجوهري، وتابعه على صاحب حماة، وعليه جرى في مسالك الأبصار.
قال صاحب حماة: ويقال لهم: الأشعريون.
قال: وهم رهط أبي موسى الأشعري، أحد أصاب رسوا الله صلى الله عليه وسلم.
والذي ذكره أبو عبيد وغيره من النسابين أن الأشعريين بطن من كهلان ابن سبأ، المقدم ذكره.
قال: وهم بنو الأشعر بن أدد بن زيد بن يشجب بن عريب بن زيد بن كهلان.
قال: أبو عبيد: وسُمى الأشعر، لأن أمه ولدته وهو أشعر.
ومن الأشعريين: الجماهر، وهم: بنو الجماهر بن الأشعر.
قلت: والأشعريون الآن موجودون ببلاد اليمن على القرب من مدينة زبيد، كما أخبرني به بعض الثقات.

القبيلة الرابعة من بني سبأ:

عمرو، وهم: بنو عمرو بن سبأ، وقد تقدم أن صاحب حماة جعل من عقبه: لخماً، وجذاماً، وغنياً، والمعروف ما تقدم، أنهم من كهلان على ما سبق ذكره، فإن قيل بما ذهب إليه صاحب حماة فأعقابهم المذكورة قد تقدمت، فأغني عن إعادتها هنا.

القبيلة الخامسة من بني سبأ:

عاملة، وهم: بنو عاملة بن سبأ، فيما ذكره صاحب حماة عند ذكر أولاد سبأ، حيث عد عاملة من بنيه، ولكنه أجمل القول فيه عند تفصيلهم.

فقال: أما بنو عاملة فهم أيضاً من القبائل اليمانية التي خرجت من اليمن عند سيل العرم ونزلت بالقرب من دمشق بجبال هناك تعرف بجبال عاملة.
والذي ذكره أبو عبيد: أن عاملة هؤلاء من كهلان، وهم: بنو عاملة، واسمه الحارث بن عُفير بن عديّ بن الحارث بن مُرة بن أدد بن زيد بن يشجب بن عَريب بن زيد بن كهلان، فيكون عاملة على هذا أخاً لجذام ولخم، المقدم ذكرهما.
وذكر أبو عبيد أن بني عاملة، هم: بنو الحارث بن مُرة بن أدد.
قال الجوهري: وتزعم نسّابة مصر أن عاملة من ولد قاسط، يعني من العدنانية، احتجاجاً بقول الأعشى:

أعامل حتى مَتى تذهبين

 

إلى غير والدك الأكرم

ووالِدُكم قاسطُ فارجعوا

 

إلى النّسب الألد الأقدم

قال صاحب حماة: ومن عاملة: عديّ بن الرقاع الشاعر.
قال الحمداني: وجبل عاملة هو صليبة عاملة.

القسم الثاني

من العرب الموجودين الآن العرب المستعربة، وهم بنو إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام وقد سبق بيان تسميتها بذلك في مقدمة الكتاب قد تقدم في الكلام على العرب العاربة أنه لما نزل إبراهيم عليه السلام بمكة نزلت عليه جُرْهم الثانية، وكان عمر إسماعيل عليه السلام لما أنزله أبوه مكة- فيما يروى- أربع عشرة سنة، وذلك قبل الهجرة بألفي وسبعمائة سنة وثلاث وتسعين سنة، فتزوج إسماعيل امرأة من جرهم، فولدت له اثني عشر ولداً، منهم: نبت، وقيدار.
ثم الذي ذكره ابن إسحاق وغيره من النسّابة: أنه وُلد لإسماعيل عليه السلام نابت- وهم نبت- ووُلد لنابت:يشجب، ووُلد ليشجب: يعرُب، وولد ليعرب: تيرح، وولد لتيرح: ناحور، ووُلد لناحور: مُقوّم، ووُلد لمُقوّم: أدد، ووُلد لأدد: عدنان.
والذي ذكره الطبري أنه وُلد لقيدار: حَمل، ووُلد لحَمل: نبت، ووُلد لنبت: سلامان، ووُلد لسلامان: الهميسع، ووُلد للهُميسع: اليسع، ووُلد لليسع: أدد، ووُلد لأدد: أُد، ووُلد لأد: عدنان.
وعليه جرى صاحب حماة، على خلاف كثير فيما بين إسماعيل وعدنان من الآباء، فقد نقل الطبري عن هشام بن محمد أن فيما بين عدنان وقيدار نحواً من أربعين أباً، وذكر أنه سمع رجلاً من أهل تدمر من مسلمة يهود ممن قرأ كتبهم يذكر نسب معد بن عدنان إلى إسماعيل من كتاب كاتب أرميا النبي، وأنه يقرب من هذا العدد، إلا أن في القليل من الأسماء اختلافاً.
ونقل عن الزبير بن بكار بسنده إلى ابن شهاب الزهري ما يقارب ذلك في العدد. ومن النسابين من يُعد مابين إسماعيل وعدنان عشرين أباً، ومنهم من يعد خمسة عشر أباً ونحو ذلك.
وقد ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا تجاوزوا معد بن عدنان، كذب النسابون، ثم تلا: )وقُرُوناً بين ذلك كثيراً(.
قال السهيلي: وقد اتفق الناس في بُعد المدة بين عدنان وإسماعيل على ما يستحيل معه أن يكون بينهما أربعة آباء أو خمسة أو عشرة: إذ المدة أطول من ذلك كله بكثير.
وبالجملة فكانت ولاية البيت لبني إسماعيل، ومفاتيحه بأيديهم إلى أن غلبتهم على ذلك جرهم، واستولوا على البيت بعد نابت من بني إسماعيل، وفي ذلك يقول عمرو بن الحارث الجُرْهميّ:

وكُنا ولاة البيت من بعـد نـابـت

 

نطوف بذاك البيت والأمر ظاهرُ

كأن لم يكن بين الْحَجون إلى الصَّفا

 

أنيسٌ ولم يَسْمُر بمـكة سـامـر

ثم غلبهم على أمر البيت خزاعة، وأخذوا مفاتيحه منهم، فبقيت بأيديهم إلى أن صارت فيهم إلى أبي غُبشان، فسكر يوماً هو وقُصي بن لؤي، فابتاع قُصي منه مفاتيح البيت بزق خمر، ودفع قصي مفاتيح البيت إلى ابنه عبد الدار، فذهب بها حتى قام عند البيت ونادى: يا بني إسماعيل، قد ردّ اللع عليكم مفاتيح بيت أبيكم إسماعيل، وأفاق أبو غبشان من سُكره فندم حيث لا ينفع الندم، وضرب العرب المثل بذلك فقيل: أخسر من صفقة أبي غبشان. وأكثر الشعراء القول في ذلك، ومما قلي فيه:

باعت خزاعة بيت الله إذ سكرت

 

بزِقّ خَمر فبئستْ صفقة البادِى

باعتْ سَدانتها بالنَّزْر وانصرفت

 

عن الْحَطِيم وظلَّ البيت والنادي

إذا تقرر ذلك فعدنان هو شعب نسب العرب المستعربة الذي تفرعت منه قبائلها وعمائرها وبطونها وأفخاذها وفصائلها.
فقد ذُكر في العبر أن جميع الموجودين من ولد إسماعيل من نسله.

قال الزهري: وكان لعدنان سبعة أولاد، وهم: معد- وهو الذي على عمود النسب- وعك- واسمه الديث- وعدن، وبه سُميت عدن على أحد الأقوال، وأُد، وأبي، والضحاك، والعيّ.
وأمهم: مَهدد.
قال ابن الكلبي: وهي من جديس. وقيل: طسم. وقيل من الطواسيم من ولد يقسان بن إبراهيم عليه السلام.
قال في العبر: ومواطن بني عدنان مختصة بنجد، وكلهم بادية رحّالة إلا قريشاً بمكة ونجد.
قال السهيلي: ولا يشارك بني عدنان من العرب في أرض نجد أحد من قحطان إلا طيء، من كهلان، فيما بين الجبلين: سلمى وأجأ.
قال: ثم افترق بنو عدنان في تهامة الحجاز، ثم في العراق والجزيرة- يعني الجزيرة الفراتية فيما بين دجلة والفرات- ثم افترقوا بعد الإسلام في الأقطار.
ثم المشهور من قبائل العرب المستعربة الموجودين الآن، خمس قبائل:

القبيلة الأولى:

نِزَار، بكسر النون وفتح الزاي المعجمة وألف ثم راء مهملة. وهم: بنو نزار بن معد بن عدنان.
قال في مسالك الأبصار: وفي الرحبة من بلاد حلب رجال من مضر، والمشهور من الموجودين من عقبه بطنان: البطن الأول: مضر، بضم الميم وفتح الضاد المعجمة وراء مهملة في الآخر، وهم: بنو مضر بن نزار المقدم ذكره، ومنه تفرعت أكثر قبائل العدنانية، والمشهور من الموجودين من عقبه فخذان: الفخذ الأول: قيس عيلان، بإضافة قيس إلى عيلان. وقيس، بفتح القاف وسكون الياء المثناة من تحت، ثم سين مهملة. وعيلان، بفتح العين المهملة وسكون الياء المثناة من تحت ولام ألف ثم نون، وليس في العرب "عيلان" بالعين المهملة غيره.
وهو: قيس بن عيلان، واسمه الناس: بالنون، بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان، فعيلان على هذا أبو قيس. وقيل: عيلان فرسه، وقيل: خادمه، وقيل: كلبه.
قال أبو عبيد، وكان لقيس من الولد: خصفة، وسعد، وعمرو.
قال ابن الكلبي. وابن عبد البر وابن السيد: خفصة أم عكرمة بن قيس لا ابنه. قال صاحب حماة: وقد جعل الله تعالى في قيس من الكثرة أمراً عظيماً.
قلت: ولكثرة البطون المتفرعة عنه جُعل في مقابلة اليمانية بأسرها، إدراجاً لسائر العدنانية فيه، فيقال: قيس.
ومن قيس عيلان: بنو فهم، وهم بنو فهم بن عمرو بن قيس عيلان.
ذكر القضاعي: أنهم حضروا فتح مصر واختلطوا بها وإليهم ينسب الإمام الليث بن سعد الفهمي، وفضله أشهر من أن يذكر.
وقد ذكر ابن خلكان في تاريخه أنه أصبهاني، ثم قال: ويقال: إنه من قَلْقَشَنْدة.
والذي ذكره ابن يونس بن عبد الأعلى في تاريخه أنه وُلد بقلقشندة. وهو أقعد بذلك وأعرف وأقدم.
وذكر القضاعي في خططه: أنه كان لليث داراً بقلقشندة، فهدمها عبد الملك بن رفاعة أمير مصر يومئذ عناداً له لسورة بينهما، فعمرها الليث فهدمها، فعمرها فهدمها، فلما كانت الليلة الثالثة بينما الليث نائم إذا بهاتف يهتف به: قم ياليث )ونُريد أن نَمُنّ على الذينَ استُضْعِفوا في الأرضِ ونجعلهمْ أئِمةً ونجعلهمُ الوارثين(، فأصبح ابن رفاعة وقد أصابه فالج، فأوصى إلى الليث، وبقى ثلاثاً ومات.
ومن بني فهم هؤلاء: بنو طرود. وهم: بنو طرود بن فهم، المذكور منهم: أعشى طرود الشاعر.
قال في العبر: وهو بطن متسع، وكانوا بأرض نجد وليس منهم الآن بها أحد.
قال: وبإفريقية من بلاد المغرب منهم الآن حيٌّ عظيم ينزلون ويظعنون مع سليم ورياح.
والمشهور من الموجودين الآن من قيس ثلاث فصائل: الفصيلة الأولى: منهم: بنو غطفان، وبفتح الغين المعجمة والطاء المهملة وفتح الفاء ثم ألف ونون. وهم: بنو غطفان بن سعد بن قيس بن عيلان.
قال في العبر: وهم بطن متسع كثير الشعوب والبطون.
قال: وكانت منازلهم مما يلي وادي القرى وجبلي طيء: أجأ وسلمى، ثم تفرقوا في الفتوحات الإسلامية، واستولت على مواطنهم هناك قبائل طيء.
ومن غطفان: بنو عبس، بالباء الموحدة. وهم: بنو عبس بن بغيض بن ريث ابن غطفان. كان له من الولد: قُطيعة، وورقة.
منهم: قيس بن زهير، صاحب الفرس المعروف بداحس، الذي أجرى مع الغبراء، وكانت بسببه الحرب.
ومنهم: عنترة العبسي، المعروف بالشجاعة.
قال في العبر: وليس بنجد الآن منهم أحد.
قال: وفي أحياء زُغبة بالمغرب أحياء ينسبون إلى عبس، فلا أدري: أهو عبس هذا أو عبس آخر من زغبة.
 ومنهم: ذبيان، بضم الذال المعجمة وكسرها- فيما حكاه الجوهري، عن ابن السكيت- وسكون الباء الموحدة وفتح الباء المثناة من تحت وألف ثم نون.
وهم: بنو ذبيان بن بَغيض بن رَيْث بن غطفان.
قال أبو عبيد: كان له من الولد: سعد، وفزارة، ومازن.
قال: وهم بطن من بني ثعلبة بن سعد- وعامر، وهم في بني يشكر، على نسب- وسلمان، وهم في بني عبس، على نسب، ويقال لهم: بنو دلاص.
وقال في العبر: كان له من الولد: مُرة، وثعلبة، وفزارة.
ومن ذبيان: فزارة، بفتح الفاء والزاي المعجمة ثم ألف وراء مفتوحة وهاء في الآخر، وهم: بنو فزارة بن ذبيان، المقدم ذكره.
كان له من الولد: مازن، وعدي. وفيهم يقول الشاعر:

فَزارة بيت العزّ والعزّ فـيهـمُ

 

فزارة قيس حَسْب قيس نِضالُها

لها العزة القَعساء والحَسب الذي

 

بناه لقيس في القديم رجالُـهـا

قال في العبر: وكانت منازل فزارة بنجد ووادي القُرى، ولم يبق منهم بنجد الآن أحد. ونزل جيرانهم من طيء مكانهم.
ثم قال: وبأرض برقة إلى طرابلس منهم قبائل.
وقد أخبرني مخبرون من أهل برقة بعدة من قبائلهم، وهم: صُبيح، بضم الصاد، وهم ذو أنفار كثيرة، منهم: أولاد محمد، والجماعات، والحساسنة، والقيوس، واللواحس، والمساورة، والمكاسر، والمواجد، والمواسي، والنحاحسة.
قال في العبر: وبإفريقية والمغرب الآن منهم أحياء كثيرة اختلطوا مع أهله، ومنهم جماعة مع المعقل بالمغرب الأقصى، ومنهم طائفة ببلاد ربعو، وواكلة، وهما قريتان داخلتان في الصحراء.
قلت: وقد جاءت طائفة ممن كان منهم ببرقة وما يليها إلى الديار المصرية. ونزلت بأطراف البهنسا مما يلي الجيزية، ولهم هناك قوة وصَولة.
قال الحمداني: وبهم يعرف: خَراب فزارة، من بلاد القليوبية، من الديار المصرية.
ومن فزارة: بنو مازن، بميم مفتوحة بعدها ألف ثن زاي مكسورة ونون في الآخر. وهم: بنو مازن بن فزارة. ومساكنهم بلاد القليوبية من البلاد المصرية، ولهم بلاد تخصهم كزفتيا، وسندبيس، وما والاهما. وليسوا بالكثير.
ومن فزارة أيضاً: بنو بدر، بالضبط المعروف. وهم: بنو بدر بن عدي بن فزارة.
قال في العبر: وفيهم كانت رياسة بني فزارة في الجاهلية، وكانوا يرأسون جميع غطفان وتدين لهم قيس وإخوانهم ثعلبة بن عدي.
قال: ومنهم كان حُذيفة بن بدر بن عمرو بن جُؤْيَة بن لوذان بن ثعلبة بن عدي بن فزارة، وهو صاحب الفرس المعروفة بالغبراء التي أجريت مع الفرس المعروف بداحس، وهو فرس قيس بن زهير العبسي، وكانت بينهما الحرب المعروفة بحرب داحس، بين عبس وغطفان، على ما هو مذكور في كتب السير والتاريخ. غير أن الجوهري في "صحاحه" جعل الفرسين جميعاً لقيس بن زهير.
وفيه بُعد: إذ لو كانت لواحد لما ثار بسببهما حرب، على ما هو مذكور في كتب السير والتاريخ.
قلت؛ وبنو بدر هؤلاء هم قبيلة مؤلف هذا الكتاب التي إليها يعتزي وفيها ينتسب.
الفصيلة الثانية: من الموجودين من قيس عيلان: هوازن، بفتح الهاء والواو وبالزاي وبالنون. وهم: بنو هوازن بن منصور ابن عكرمة بن خَصفة بن قيس عيلان، المقدم ذكره.
وهم الذين أغار عليهم النبي صلى الله عليه وسلم وغزاهم.
ثم من هوازن: عزية، بالضبط المتقدم في: عزية طيء.
وهم: بنو غزية بن جشم بن معاوية بن أبي بكر بن هوازن.
منهم: دريد بن الصمة.
قال في العبر: ومنازلهم مع قومهم بني جشم بالسَّروات بين تهامة ونجد.
ثم من هوازن: عامر بن صعصعة، بصادين مهملتين مفتوحتين بينهما عين مهملة مفتوحة ثم هاء.
وهم: بنو صعصعة بن معاوية بن هوازن.
كان له من الإخوة الأشقاء: مُرة، ومازن، ووائل، وغاضرة- وأمهم: عمرة بنت عامر بن الظرب- وغالب- وأُمه: تماضر وبها يعرف- وقيس، وعوف، ومُساور، وسيار، ومنجور- وأمهم: عدية، وبها يعرفون- وعبد الله، والحارث- وأمهما: عادية، وبها يعرفان- وربيعة- وأمه: عُويصرة، وبها يعرف.
وعامر، أكثرهم بطوناً.
ثم من عامر بن صعصعة: بنو كلاب، جمع كلب. وهم: بنو كلاب بن ربيعة ابن عامر بن صعصعة.
كان له من الولد: عامر، وعبيد- وهو أبو بكر- وعمرو، والحارث- وهو رُؤاس- وعبد الله، وكعب- وهو الأضبط- وجعفر، وربيعة، ومعاوية- وهو الضباب- وزيد، درج.
قال أبو عبيد: وفي بني كلاب البيت.

ومنهم: القتّال الشاعر.
قال في العبر: ومنهم: بنو الوحيد، وبنو ربيعة، وبنو عمرو.
قال: وكانت ديارهم حِمى ضرية- وهو حمى كُليب- والزبدة- في جهات المدينة النبوية- وفَدَك، والعوالي. ثم انتقلوا بعد ذلك إلى الشام فكان لهم في الجزيرة الفراتية صيت، وملكوا مدينة حلب ونواحيها وكثيراً من مدن الشام، وأول من ملك منهم صالح بن مرادس.
قال: ثم ضعفوا، وهم الآن تحت خفارة الأمراء من آل ربيعة، من عرب الشام.
وذكر في مسالك الأبصار أنه أخبره مخبرون أن بني كلاب بالشام ينتسبون إلى عبد الوهاب المذكور في سيرة البَطَّال، وأنه رأى لعبد الوهاب هذا ذكر في غير السيرة المذكورة، فقيل: اسمه عبد الوهاب بن نُوبخت.
قال: وهم بأطراف حلب والروم، ولهم غزوات عظيمة معلومة وغارات لا تُعدّ، وبنات الروم وأبناؤهم لا يزالون يُباعون من سباياهم.
قال: وهم عرب غُزّ يتكلمون بالتركية ويركبون الأكاديش.
قال الحمداني: وكان بنو كلاب هؤلاء يخدمون الملك الأشرف موسى، من بني أيوب، ويصحبونه، لمُتاخمته لبلاد الروم، وكانوا مترصدين لخدمته ومعدودين من خَدمه.
قال: وقد كانوا ظهروا على آل ربيعة في أيام الملك الظاهر بيبرس وقدَّمهم عليهم.
قال في مسالك الأبصار: وكان الملك الناصر- يعني محمد بن قلاوون- لا يزال متلفتاً إلى تألّفهم.
وذكر عن الأمير طَيْبغا نائب الشام يومئذ أنهم من أشد العرب بأساً وأكثرهم ناساً، ولكنهم لا يدينون لأمير منهم يجمع كلمتهم، وأنهم لو انقادوا لأمير واحد لم يبق لأحد من العرب بهم طاقة.
قال الحمداني: ولهم بلاد الفيوم.
ومن عامر بن صعصعة أيضاً: بنو هلال. وهم: بنو هِلال بن عامر بن صعصعة، منهم: ميمونة، زوج النبي صلى الله عليه وسلم.
قال أبو عبيد: وهي في بني عبد الله بن هلال، وفيهم الشرف في بني هلال.
ومنهم أيضاً: زينب زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم، التي هلكت في حياته، وهي التي يقال لها: أُم المساكين، لأنها كانت تُحبهم.
قال في العبر: وكان لهلال خمسة أولاد: شُعبة، وناشرة، ونهيك، وعبد مناف، وعبد الله.
قال: وبطونهم كلها ترجع إلى هؤلاء الخمسة.
قال ابن سعيد: وجبل بني هلال بالشام مشهور، وقد صار عربه حرائر.
قال: ومن هذا الجبل قلعة صَرْخد المشهورة.
قال الحمداني: وله بلاد أسوان من الديار المصرية.
قال: وكانوا أهل بلاد الصعيد كله إلى عيذاب.
ومن بني هلال: بنو رباح.
قال ابن سعيد: ومساكنهم في إفريقية بنواحي قسنطينة والمسيلة والزاب.
قال في مسالك الأبصار: وهم فرقة كبيرة، فيهم كان ملك العرب القديم ببلاد المغرب.
وذكر أن مشيختهم في زمانه كانت ليعقوب بن علي بن أحمد، وكان أبوه في غاية الكرم، بعث إليه سلطان إفريقية ثلاثين حملاً من البَزّ الرفيع والتُّحَف السنية، فوهبها لثلاثة من المستعطين.
قال: ويجاورهم عموش بن خلف، ونطاح أخوه، وهم أهل إبل، يكون عند الرجل منهم نحو ستين ألف بعير.
ذكر ذلك الشيخ أبي يحيى المغربي الإمام بالقصر الشريف السلطاني.
ثم قال: والعمدة عليه في ذلك.
ومن رباح: بنو فادع.
قال في العبر: ومنازلهم بالغرب الأقصى مع العرب المعروفين بالعقد.
ومن بني هلال أيضاً: بنو عامر. وهم: بنو عامر بن هلال بن عامر بن صعصعة.
قال الحمداني: وهم بطون بالصعيد، منهم: رفاعة، وبنو حجير، وبنو عزيز.
قال في العبر: ومنهم طوائف بإفريقية من بلاد المغرب.
قال الحمداني: وبإخميم منهم بنو قُرّة، وبساقية قُلتة منهم طائفة، وبأَصفون وإسنا بنو عُقبة وبنو جَمِيلة.
ومن بني جميلة: الوزير نجم الدين الأصفوني.
قلت: وبإسنا منهم أيضاً: الدويحية والفزازية وغيرهم.
ومن عامر بن صعصعة: عُقَيل، بضم العين المهملة وفتح القاف وسكون الياء المثناة من تحت ولام في الآخر.
وهم: بنو عُقيل بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة.
منهم: مجنون بني عامر الشاعر الإسلامي، واسمه قيس بن الملوِّح.
 قال في العبر: وكانت مساكنهم بالبحرين في كثير من قبائل العرب، وكان أعظم قبائل البحرين بنو عقيل هؤلاء، وبنو تغلب، وبنو سليم، وكان أظهرهم في الكثرة والعز بنو تغلب، ثم اجتمع بنو عقيل وبنو تغلب على سليم وأخرجوهم من البحرين، فسارت إلى مصر، فأقام بها بعض وسار البعض إلى إفريقية من بلاد المغرب، ثم اختلف بنو عقيل وبنو تغلب بعد مدة فغلب بنو تغلب على بني عقيل وطردوهم من البحرين، فسار بنو عقيل إلى العراق، وملكوا الكوفة والبلاد الفُراتية، وتغلّبوا على الجزيرة والموصل، وملكوا تلك البلاد، وكان منهم: المقلد، وقريش، وابنه: مسلم، المشهور ذكرهم ووقائعهم في كتب التاريخ، وبقيت المملكة بأيديهم حتى غلبوا عليها الملوك السُّلجوقية، فتحولوا عنها إلى البحرين حيث كانوا أولاً، فوجدوا بني تغلب قد ضعُف أمرهم فغلبوهم على البحرين، وصار الأمر بالبحرين لبني عُقيل.
قال ابن سعيد: سألت أهل البحرين في سنة إحدى وخمسين وستمائة حين لقيتهم بالمدينة النبوية عن البحرين، فقالوا: المُلك فيها لبني عُقيل، وبنو تغلب من جملة رعاياهم، وبنو عُصفور من بني عقيل هم أصحاب الأحساء دار ملكهم.
ومن بني عقيل هؤلاء: بنو عامر.
قال في العبر: وهم: بنو عامر بن عوف بن مالك بن عوف بن عامر، ولم يزد في رفع نسبهم على هذا.
قال: وهم إخوة بني المنتفق وسكنهم بجهات البصرة.
قال: وقد ملكوا البحرين بعد بني أبي الحسن، وغلبوا عليها تغلب.
قال ابن سعيد: وملكوا أيضاً أرض اليمامة من بني كلاب، وكان ملكهم في نحو الخمسين من المائة السابعة، ملكها منهم عُصفور وبنوه.
قال الحمداني: ومنهم: القديمات، والنعائم، وقيان، وفيض، وثعل، وحرثان، وبنو مطرف، وذكر أنهم وفدوا في الأيام الظاهرية- يعني بيبرس البُنْدُقْدَاري- صحبة مقدمهم محمد بن أحمد العقدي بن سنان بن عقيلة بن شبابة بن قديمة بن نباتة ابن عامر، وعوملوا بأنمِّ الإكرام. وأُفيض عليهم سابغ الإنعام، ولحظوا بعين الاعتناء.
قال في مسالك الأبصار: وتوالت وفادتهم على الأبواب العالية الناصرية- يعني الناصر بن قلاوون- وأغرقتهم تلك الصدقات بديمها، فاستجلبت النائي منهم. وبرز الأمر السلطاني إلى آل فضل بتسهيل الطرق لوفودهم وقُصادهم، وتأمينهم في الورد والصدر، فانثالت عليه جماعتهم، وأُخلصت له طاعتهم، وآتته أجلاب الخيل والمهارى، وجاءت في أعنتها وأزمتها تتبارى، فكان لا يزال منهم وفود بعد وفود، وكان نزولهم تحت دار الضيافة يسد فضاء تلك الرحاب ويغص بقبائه تلك الهضاب. بخيام مشدودة بخيام، ورجال بين قعود وقيام.
قال: وكانت الإمرة فيهم في أولاد مانع إلى بقية أمرائهم وكبرائهم.
ثم قال: ودارهم الأحساء، والقطيف، وملح، وأنطاع، والقرعاء، واللهابة، والجودة، ومتالع.
ومن بني عقيل أيضاً: بنو المنتفق ويقال: بَلّمُنتفق، بفتح الباء الموحدة، وسكون اللام. وهم: بنو المنتفق بن عامر بن عقيل.
قال ابن سعيد: ومنازلهم الآجام والقصب التي بين البصرة والكوفة من العراق.
قال: والإمارة فيهم في بني مَعروف.
قلت: وقد ذكر في "التعريف" عرب عقيل وبطونها من عامر والمنتفق وغيرهما معبَّراً عنهما بعرب البحرين، فقال: وأما عرب البحرين فهم قوم يصلون إلى باب السلطان وصول التجار، يجلبون جياد الخيل وكرام المهارى واللؤلؤ، وأمتعة من أمتعة العراق والهند، ويرجعون بأنواع الحِباء والإنعام والقُماش والسكر وغير ذلك، ويكتب لهم بالمسامحة فيردون ويصدرون.
ثم قال: وبلادهم بلاد زرع وبر وبحر، ولهم متاجر مربحة، وواصلهم إلى الهند لا ينقطع، وبلادهم ما بين العراق والحجاز، ولهم قصور مبنية وآطام عالية وريف غير متسع، إلى ما لهم من النعم والماشية والحاشية والغاشية، وإنما الكلمة قد صارت شتى لأناس مجتمعة.
ومن بني عقيل: عُبادة، بضم العين المهملة وفتح الباء الموحدة وألف ثم دال مهملة مفتوحة وهاء في الآخر.
وهم: بنو عبادة بن عقيل، المقدم ذكره.
قال ابن سعيد: ومنازلهم بالجزيرة الفراتية، مما يلي العراق، ولهم عدد وكثرة. غلب منهم على الموصل وحلب في أوساط المائة الخامسة قريش بن بدران بن مقلد فملكها، ثم ملكها من بعده ابنه مسلم، وتَسَمَّى شرف الدولة، وتوالى الملك في عقبه إلى أن انقرضوا ورجعوا إلى البادية. ولهم إمرة إلى الآن.

قال ابن سعيد: ومنهم الآن بقية بين الحازر والزاب. يقال لهم: عرب شرف الدولة، في تجمل وعز، ولهم إحسان من صاحب الموصل.
قال: وهم في عدد قليل نحو المائة فارس.
قال في مسالك الأبصار: قال لي ابن قدام: منازل عبادة من بغداد إلى الموصل.
قال في:التعريف" ومن عبادة: بنو عز، وهم جماعة.
ومن بني عقيل: خفاجة، بفتح الخاء المعجمة والفاء وألف ثم جيم مفتوحة وهاء، وهم: بنو خفاجة بن عمرو بن عقيل بن كعب.
قال في العبر: وقد انتقلوا في آخر الأيام إلى العراق والجزيرة.
قال: وكان لهم ببادية العراق دولة.
قال المؤيد صاحب حماة: وهم أُمراء العراق من قديم الزمان وإلى الآن.
قال في مسالك الأبصار: وديارهم من هيت والأنبار، إلى نخلة، إلى مرملاحا، إلى الكوفة، إلى فاثم عنقاء والترداد، إلى ما دون البصرة وهو غاية مرماهم، ونهاية بعدهم.
قال الحمداني: وفدوا على الظاهر بيبرس، بعد كسر الخليفة المستنصر، المجهز من مصرلاستفتاح العراق، وكان كبير جماعتهم خضر بن بدران بن مُقلد ابن سليمان بن مهارش العبادي، وشهر بن أحمد الخفاجي، في أشياخ، منهم: مقبل بن سالم، وعياش بن حديثة، ووشاح، وغيرهم، فأنعم الملك الظاهر عليهم، فكانوا عوناً له على التتر.
وقد ذكر في مسالك الأبصار: أن من عبادة وخفاجة قوم بمرج دمشق، وأن منهم طائفة ببلاد البحيرة من الديار المصرية، وهم موجودون بها إلى الآن.
الفصيلة الثالثة: من الموجودين من قيس عيلان: سُليم، بضم السين المهملة وفتح اللام وسكون الياء المثناة من تحت وميم في الآخر.
وهم: بنو سليم بن منصور بن عكرمة بن خَصفة بن قيس بن عيلان.
قال الحمداني: وهم أكثر قبائل قيس عدداً.
وكان لسليم من الولد: بُهثة، ومنه جميع أولاده.
قال في العبر: وكانت مساكنهم في عالية نجد بالقرب من خَيبر.
قال: ومن منازلهم: حرة سليم، وحرة النار، بين وادي القرى وتيماء.
قال: وليس لهم الآن عدد ولا بقية في بلادهم.
قال الحمداني: ومنهم بالصعيد والفيوم والبحيرة خلق كثير.
ثم قال: وبإفريقية منهم حي عظيم.
وقال في مسالك الأبصار: ببرقة مما يلي الغرب مما يلي مصر.
قال: وفيهم الأبطال الأنجاد، والخيل الجياد.
قال في العبر: وقد استولوا على برقة، وهي إقليم طويل متسع الأطراف، قد خربوا مدنه، ولم يتركوا بها ولاية ولا إمرة إلا لمشايخهم.
قال في مسالك الأبصار: والإمرة فيهم في بني عزاز بن مقدم.
قال: ومنهم: زيد بن عزاز، وكان رجلاً جليل القدر جميل الذكر معظماً في الدولة.
وبنو زيد، وبنو حمدان، وزيان.
قال: وكلهم كرام سراة أماجد.
وعطاء الله بن عمر بن عزاز، كان للقرى والقراع، مطاعاً في قومه، وهو أبو خالد.
وهم أهل بيت فيهم جم من ذوي القدر، وابناه: معز، وعمر، من مشاهيرهم.
وعلوي بن إبراهيم بن عزاز، وسلطان بن زيان بن عزاز، وعمر بن مشعل بن عزاز.
ومن أكابر جماعاتهم: جماعة ابن مليح المنصوري، أصحاب غازي بن نجم، وعليان بن عريف، وبلبوش، وكان قد هرب من الملك الظاهر بيبرس، فأرسل جيشاًوراءه فقاتله، ثم انتصر الجيش عليه وأمسك واعتقل، ثم أفرج عنه. وهو والد زيد بن بلبوش.
وجماعة سعيد بن العرب بن الأحمر، أقاربه.
ومن ذوي محالفتهم: جماعة محمد الهواري.
قال المقر الشهابي ابن فضل الله: وكان آخر عهدي أن الإمرة على عربان البحيرة لفايد بن مقدم، وخالد بن سليمان، وكانا أميرين سيدين جليلين ذوي كرم وأمن إلى شجاعة وإقدام.
ثم قال: ولم اعلم ما حالت به الأحوال وجرت به بعدي تصاريف الدهور.
قال: ومن جماعة فايد: زنارة، ومزاتة، وخفاجة، وهوارة، وسمال. ومنازلهم من الإسكندرية إلى العقبة الكبرى.
قلت: وقد آلت الإمرة عليهم في زماننا إلى أولاد عريف. وقد رأيت عريفاً هذا في الإسكندرية بعد السبعين والسبعمائة، وهو على هيئة الفقراء يحمل إبريقاً وعكازاً. وهي مستقرة بيد أولاده الآن.
ومن سليم: لَبيد، بفتح اللام وكسر الباء الموحدة وسكون الياء المثناة من تحت ودال في الآخر.
وهم: بطن عظيم من سليم، مساكنهم أرض برقة،ولهم أفخاذ متسعة.
 أخبرني مخبرون من غيرها بعدة أحياء منهم، وهي: أولاد حرام، وأولاد سلاَّم، والبركات، والبِشَرة، والبلابيس، والجواشنة، والحداددة، والحوثة، والدُّروع، والرفيعات، والزرازير، والسوالم، والسبوت، والشراعبة، والصريرات، والعواكلة، والعلاونة، والموالك، والنبلة، والندوة، والنوافلة، والرعاقبة، والبواجنة، والقنائص، وقطاب، والقصاص.
قلت: وقد أجْلى السلطان المؤيد- عزّ نصره- عرب البحيرة من زنارة وغيرها عن بلادهم لتغيّرٍ أدركه عليهم سنة ثمان عشرة وثمانمائة، وأسكنها عرب لبيد، استدعاهم من بلادهم، فأقاموا بها وعمروها، وهم مقيمون بها إلى الآن.
ومن سليم: بنو عوف، وهم بنو عوف بن بُهثة بن سليم.
قال الحمداني: ومنهم في الصعيد والفيوم والبحيرة ناس كثيرة.
قال: وفي برقة إلى الغرب مالا يحصى.
قال في العبر: وديارهم بالمغرب فيما بين قابس وبونة، وهو بلد العناب من إفريقية.
ومنهم: فرقة تسمى بني مرداس.
ومن بني عوف: بنو عِلاف، بكسر العين المهملة وبالفاء.
قال في العبر: ومساكنهم مع قومهم بني عوف فيما بين قابس وبلد العناب.
قال: وكان رئيسهم عند دخولهم إفريقية رافع بن حماد.
ومن بني علاف: الكُعوب، جمع كَعْب. ومساكنهم إفريقية من بلاد المغرب.
وقد ذكر في مسالك الأبصار: أنه كان لهم في زمانه أربعة مشايخ إخوة، وهم: يعقوب، وأحمد، وخالد، وقتيبة. ولا يبعد أن المشيخة باقية بينهم إلى الآن.
قال في مسالك الأبصار: ولهم أولاد يعوفون بأولاد أبي طالب.
ومن الكُعوب: أولاد أبي الليل، وهم من أكابر العرب هناك، وفيهم الإمرة، ولهم الصولة، كما أشار إليه في العبر.
ومن سليم أيضاً: ذباب، وهم: بنو ذباب بن مالك بن بُهثة بن سليم.
قال في مسالك الأبصار: وأرضهم بين قابس وطرابلس من بلاد المغرب.
وذكر في العبر: أن مساكنهم ما بين قابس وبرقة مجاورين لهيب.
ثم قال: وبالمدينة منهم قوم يُؤذون الحاج ويقطعون عليهم الطريق.
ومن سليم أيضاً: بنو هيب، وهم: بنو هيب بن بُهثة بن سليم.
قال في العبر: ومساكنهم من السدرة في برقة إلى العقبة الكيبرة ثم الصغيرة من حدود الإسكندرية.
قال ابن سعيد: وأول ما يلي الغرب منهم: بنو أحمد، ثم بنو شماخ.
ومن سليم أيضاً: محارب، ويقال: إنهم من هيب، المقدم ذكرهم.
قال في العبر: وديارهم ببرقة في الشرق عن بني أحمد المجاورين لبلاد المغرب إلى العقبة الكبيرة إلى العقبة الصغيرة.
قال: والرياسة في هاتين القبيلتين لبني عزاز وهيب، بخلاف سائر سليم البهنساويَّة، لأنها استولت على إقليم طويل خربت مدنه، ولم يبق فيه مملكة ولا ولاية.
قلت: وكثيراً ما تغشى محارب بلاد الجيزية وأطراف البهنساوية، ومما يلي الجيزية.
الفصيلة الرابعة: من الموجودين من قيس عيلان: عَدْوان، بفتح العين وسكون الدال المهملتين وفتح الواو وألف ثم نون.
وهم: بنو عدوان، واسمه الحارث بن عمرو بن قيس.
قال أبو عبيد: وسمي عدواناً، لأنه عدا على أخيه فَهم فقتله.
وكان له من الولد: زيد، ويشكر، ودوس.
قال في العبر: وهم بطن متسع.
قال: وكانت منازلهم الطائف من نجد. نزلوها بعد إياد والعمالقة، ثم غلبتهم عليها ثقيف، فخرجوا إلى تهامة.
قلت: ومنهم الآن بالطائف الخلق الكثير.
قال في العبر: وبإفريقية منهم إلى الآن أحياء بادية.

القبيلة الثانية:

من مشاهير العرب المستعربة الموجودين الآن: ربيعة: بفتح الراء وكسر الباء الموحدة وفتح العين المهملة وهاء بعدها.
وهم: بنو ربيعة بن نزار بن معد بن عدنان، والنسبة إليهم: ربعي، ويقال له: ربيعة الفَرَس، لأن الذي أصابه من ميراث أبيه بوصية أبيه الخيل.
كان له من الولد: أسد، وضبيعة، وعمرو، وأكلب، وخلف، وخثعم.
قال في العبر: وديارهم بين اليمامة والبحرين والعراق.
قال في مسالك الأبصار: وبالرحبة قوم من ربيعة.
قلت: وببلاد أسوان من الديار المصرية قوم منهم.
ومن ربيعة هذا: أسد، بالضبط المعروف.
وهم: بنو أسد بن ربيعة.
وكان لأسد من الولد: جديلة، وعَنزَة، وعُمَيرة.
قال أبو عبيد: وقد دخلوا في عبد القيس.
ومن أسد هذه: عنزة، بفتح العين المهملة والنون والزاي المعجمة وهاء في الآخر وهم بنو عنزة المقدم ذكره.

قال في العبر: وكانت ديارهم عين التمر من برية العراق على ثلاث مراحل من الأنبار، ثم انتقلوا إلى جهات خيبر، قأقاموا هناك، وورثت بلادهم تلك: غزيّة من طيء، ومعهم أحياء من طيء ينتجعون معهم ويشتون في برية نجد.
وقد عدهم الحمداني في آل فضل.
قال في العبر: ومنهم بإفريقية حي قليل مع رباح، من بني هلال بن عامر.
ومن ريبعة أيضاً: وائل. وهم: بنو وائل بن قاسط بن هنب بن أفصى بن دُعمى بن جديلة بن أسد بن ربيعة.
كان له من الولد: بكر، وتغلب، وعنز، والشُّخَيص- فدخل في تغلب- والحارث، فدخل في بني تيم الله بن ثعلبة.
وأمهم: هند بنت مُر بن أد، أخت تميم بن مر.
منهم طائفة ببلاد الشرقية من الديار المصرية بجوار بني سعد، من جذام، المقدم ذكره.
ولا تزال بينهم الحرب.
ثم وائل بطنان: البطن الأول: بكر بن وائل، بإضافة بكر إلى وائل، وفتح الباء الموحدة من بكر، وبالمثناة التحتية من وائل وهم: بنو بكر بن وائل بن قاسط بن هنب بن أفصى بن دُعمى بن جديلة بن أسد بن ربيعة، المقدم ذكره.
قال أبو عبيد: كان له من الولد: علي، ويشكر، وبدن، فدخل بدن في يشكر.
قال في العبر: وفيهم العدد والشهرة.
ومنهم: والأسود بن عمران البكري الصحابي، على ما ذكره ابن عبد البر في الاستيعاب.
قال في مسالك الأبصار: وبحمص وبلادها من أرض الشام قوم منهم، وبالرحية من بلاد حلب طائفة منهم.
ومن بكر بن وائل: بنو عجل. وهم: بنو عجل ب لجيم بن صعب بن علي بن بكر ابن وائل.
كان له من الولد: سعد، وصعب، وربيعة، وضبيعة.
قال في العبر: وكانت مساكنهم من اليمامة إلى البصرة، ثم خلفهم الآن في تلك الأماكن بنو عامر المنتفق بن عقيل.
وذكر الحمداني: أن بلادهم الجزيرة من بلاد حلب، بالقرب من آل ربيعة، وكان لهم دولة بعراق العجم.
وإليهم ينسب: أبو دلف العجلي.
البطن الثاني: من وائل: تغلب، بفتح التاء المثناة من فوق وسكون الغين المعجمة وكسر اللام وباء موحدة في الآخر.
وهم: بنو تغلب بن وائل، المقدم ذكره.
قال الجوهري: وربما قالوا: تغلب بنت وائل، بالتأنيث، ذهاباً إلى القيبلة، كما قالوا: تميم بنت مرة. قال الفرزدق:

لولا فوارس تَغلب بنت وائل

 

ورد العدوّ عليك كل مكان

قال الجوهري: وكانت تغلب تسمى: الغلباء، وأنشد:

وأورثوني بنو الغَلباء مجداً

 

حديثاً بعد مجدهم القـديم

والنسبة إلى تغلب: تغلبي، بفتح اللام، فإن نسبت إلى الغلباء قلت: غلباوي.
وكان لتغلب من الولد: غنم، والأوس، وعمران.
ومن بني تغلب: عمرو بن كلثوم الشاعر.
ومن عقبة: مالك بن طوق، الذي تنسب إليه مدينة الرحبة.
قال في العبر: وكانت ديارهم بالجزيرة الفُراتية بجهات سِنجار ونَصِيبين.
قال: وتعرف ديارهم بديار ربيعة، وكانت النصرانية غالبة عليهم لمجاورة الروم.
قال في مسالك الأبصار: وبُزَرَع، وبُصرى أقوام منهم، وبالقريتين نفر منهم.
ثم من بني ربيعة أيضاً، فيما ذكره الحمداني: عائذ الحجاز.
قال الحمداني: ومنازلهم برية الحجاز.

القبيلة الثالثة:

من مشاهير العرب المستعربة الموجودين الآن: خِنْدف، بكسر الخاء المعجمة وسكون النون وفتح الدال المهملة في الآخر.
وهم: بنو الياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان.
وخندف: اسم امرأته، عرف بنوه بها، واسمها: ليلى بنت حُلوان بن عِمْران ابن الحافي بن قضاعة، سميت بخندف، لأن إلياس رآها يوماً تمشي فقال لها: ما بالك تُخَنْدِفين. والخندفة قلب القدمين في المشي.
قال الجوهري: وجميع بني الياس منها.
وكان للالياس من الولد: مدركة، على عمود النسب؛ وطابخة، وقَمعة، خارجاً عن عمود النسب.
وقد قال الحمداني: عند ذكر ثعلبة مصر، وثعلبة الشام: وفي كل من خندف ومراد.
ومن خندف: هذيل، بضم الهاء وكسر الذال المعجمة وسكون الياء المثناة التحتية ولام في الآخر.
وهم: بنو هذيل بن مدركة بن الياس، المذكور.
قال أبو عبيد: كان له من الولد: سعد، ولحيان، بطن، وعميرة، وهرمة بطن.
وأمهم ليلى بنت فزان بن بليّ.
ومنهم: عبد الله بن مسعود الصحابي- رضي الله عنه- وأبو ذؤيب الهذلي الشاعر، في جماعة غيره من الشعراء، ولشعرائهم ديوان حافل، كان الشافعي- رضي الله عنه يحفظه-.

قال في العبر: وديارهم بالسروات، وسراتُهم مُتصلة بجبل غزوان المتصل بالطائف.
قال: ولهم مياه وأماكن في جهات نجد وتهامة، بيم مكة والمدينة، منها الرجيع.
قلت: وبوادي نخلة من قرى مكةمنهم الجم الغفير، ولهم بأس وشدة.
ومن بطونهم: الحتارشة، بفتح الحاء المهملة والتاء المثناة من فوق والشين المعجمة، وبنو ريشة، كلاهما على القرب من نخلة.
قال الحمداني: ومنهم طائفة بطوخ الجبل من إخميم من الديار المصرية، يدعون: بني شاد.

القبيلة الرابعة:

من مشاهير العرب المستعربة: كنانة، بكسر الكاف ونونين مفتوحتين بينهما ألف وهاء في الآخر.
وهم: بنو كنانة بن خُزيمة بن مدركة بن الياس، المقدم ذكره.
كان له من الولد: النّضر، على عمود النسب، ومَلْك، وملكان، والحارث، وعامر، وسعد، وغنم، وعوف، ومجرية، وجرول، وعزوان، وجرال.
قال أبو عبيد: وهم في اليمن.
وأُمهم: مُرة بنت مُر بن أُد.
وذكر الزبير بن بكار أن محرية: بنت كنانة بنت خزيمة، وأن أمها هالة بنت سُويد بن الغِطريف، من بني النَّبيت.
قال في العبر: وديارهم بجهات مكة.
وخرج منهم عمرو- وقيل: عامر- ابن الحارث بن مضاض إلى اليمن، بعد أن دفن الحجر الأسود عند الكعبة بزمزم، وهم منتشرون في الآفاق.
قال في مسالك الأبصار: وبدمياط وما حولها من الديار المصرية طائفة من بني كنانة هؤلاء بجوار سِنبس، ومُدْلج، وعُذْرة، وعدي.
وقال: إنهم وفدوا على الصالح بن طلائع بن رزيك، وزير الفائز الفاطمي.
قال الحمداني: ومن كنانة: طلحة، وهم: بنو الليث، وبنو ضمرة، والليث وضمرة ابنا بكر بن عبد مناة ابن كنانة.
وبنو فراس بن غَنْم بن ثعلبة بن الحارث بن مالك بن كنانة.
وفيهم يقول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه لبعض من كان معه: لوددت أنّ لي بألف منكم سبعةً من بني فراس.
قال: وهم ببلاد قريش من صعيد مصر. يعني بلاد الأشمونين وما حولها من البهنسا.
ثم قال: ولم تمكنهم قريش من التعدية إذا أتوا من بادية الحجاز إلا بمراسلة بني إبراهيم بن محمد.
وكان مع كنانة جماعة من أخلاط العرب ودخلت في لفيفها.
وديارهم ساقية قلتة.
ومن كنانة: شيخنا شيخ الإسلام أبو حفص سراج الدين البُلقيني، تغمّده الله برحمته، من عظيم مناقبه: أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم مرة في النوم فقلت له: يا رسول الله، عمّن نأخذ العلم في عصرنا? فقال: عليكم بالشيخ سِرَاج الدين البلقيني. فأعدتُ السؤال، فأعاد الجواب، فأعدتُ السؤال، فأعاد الجواب، ثلاثاً. فقصصت عليه الرؤيا، فقال: هذه الرؤيا رُويت لي منذ ثلاثين سنة، ولكن كان فيها عمر البلقيني. وكان من آثار هذه الرؤيا أنه في هذه الرؤيا أنه في هذه السنة دُعي شيخ الإسلام.
ومنهم أيضاً: بنو جماعة، قضاة القضاة بمصر والشام.
ومن كنانة هذه: بنو مدلج، بضم الميم وسكون الدال المهملة وكسر اللام وجيم في الآخر.
وهم: بنو مدلج بن مُرة بن عبد مناة بن كنانة.
وفي نبي مدلج هؤلاء علم القيافة، وهو إلحاق بعض الأقارب ببعض، كإلحاق الابن بالأب، والأب بالابن، ونحو ذلك بالشبه.
ومنهم: محرز المدلجي الصحابي رضي الله عنه، الذي سرَّ النبي صلى الله عليه وسلم بقيافته في زيد بن حارثة، وابنه أُسامة بن زيد، حيث دخل هليهما فوجدهما نائمين، وقد بدت أقدامهما من غطائهما، فقال: إن هذه الأقدام بعضها من بعض.
وقد ذكر في مسالك الأبصار أن بدمياط وجهاتها قوم من بني مُدْلج هؤلاء.
ومن بني مدلج: الشيخ كمال الدين النشائي صاحب "جامع المختصرات ومختصر الجوامع، في الفقه" على مذهب الإمام الشافعي رضي الله عنه، وغيره من المصنفات: وهو الكتاب العزيز المثل، المعدوم النظير، وقد وفقني الله تعالى لوضع شرح مبسوط عليه، سميته: "الغيوث الهوامع في شرح جامع المختصرات ومختصر الجوامع" يقع في نحو خمسة عشر مجلداً، وساعفته بحل عليه أثبت الأصل فيه بالحُمرة والحل بالسواد، وسمّيته: "البروق اللوامع في حل جامع المختصرات ومختصر الجوامع" يقع في ثلاثة مجلدات.

القبيلة الخامسة:

مشاهير العرب المستعربة الموجودين الآن: قريش، بالضبط المعروف.
وهم: بنو فهر بن مالك بن النضر بن كنانة، المقدم ذكره.

وقريش لقب غلب على بنيه أخذاً من التقارش، وهو التجارة. لأنهم كانوا تجاراً. وقلي: أخذاً من التقريش، وهو الإجماع، لاجتماعهم على قصي. أو لغير ذلك.
وقيل: قريش اسم، وفهر، لقب علب عليه.
وذهب ذاهبون إلى أن قريشاً هو النضر بن كنانة نفسه، وعليه جرى المؤيد صاحب حماة في تاريخه.
والأصل عند أصحابنا الشافعية ما عليه الجمهور الأول.
وزعم المبرّد في كتابه "المقتضب" أن هذه التسمية إنما وقعت لقُصيّ ابن كلاب.
ثم قريش على قسمين: قريش البطاح، وقريش الظواهر.
فقريش البطاح، هم: بنو قصي بن كلاب، وبنو كعب بن لؤي.
وقريش الظواهر مَن سواهم.
وق صارت قريش إلى زمن الإسلام عدة بطون، وهم: بنو الحارث بن فهر، وبنو جذيمة، وبنو عائذة، وبنو سامة، وبنو لؤي بن غالب، وبنو عامر بن لؤي، وبنو عدي بن كعب بن لؤي، وبنو فهم بن عمرو بن هُصيص بن كعب بن لؤي، وبنو جمح، وبنو مخزوم، وبنو تميم بن مرة، وبنو زهرة بن كلاب، وبنو أسد بن عبد العزى، وبنو عبد الدار، وبنو نوفل، وبنو عبد المطلب، وبنو أمية، وبنو هاشم.
ثم تفرق قريش هؤلاء بعد الإسلام أفخاذاً كثيرة: كالبكريين، والعمريين، والعثمانيين، والعلويين، والزبيريين، والعوفيين، وغيرهم.
وبالجملة فقريش قد ملأت الأقطار وانتشرت في الآفاق حتى لم يخْلُ منهم قطر ولا أفق من الآفاق.
ثم مشاهير قريش الموجودون الآن عدة بطون.
البطن الأول منهم: عدي، بفتح العين وكسر الدال المهملتين وياء مثناة من تحت في الآخر.
وهم: بنو عدي بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر، وهو قريش على ما تقدم ذكره.
والنسبة إلى عدي: عدوي.
ومن عدي: العمريون، بضم العين وفتح الميم. وهم: بنو أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وهو عمر بن الخطاب بن نُفيل بن عبد العُزى بن رباح بن عبد الله بن قُرط بن رزاح بن عدي.
قال القاضي محب الدين الطبري في "الرياض النضرة في فضائل العشرة": كان له من الولد تسع بنون. هم: عبد الله، وعبد الرحمن الأكبر، وأمهما زينب بنت مظعون؛ وزيد الأكبر وأمه أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب- رضي الله عنهم- من فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم. ويقال: إنه مات هو وأمه في ساعة واحدة؛ وعاصم، وأمه جميلة بنت عاصم بن ثابت؛ وزيد الأصغر، وعبد الله، وأمهما مليكة بنت جَرول الخزاعية؛ وعبد الرحمن الأوسط، وأمه لهية، أم ولد؛ وعبد الرحمن الأصغر، وأمه أم ولد؛ وعياض، وأمه عاتكة بنت زيد.
وذكر أن العقب منهم لثلاثة: عبد الله، وعاصم، وعبيد الله.
والعمريين موجودون إلى الآن بكثرة بمصر والشام وغيرهما.
وقد ذكر في مسالك البصار أنه وفد منهم طائفة على الفائز الفاطمي بالديار المصرية في وزارة الصالح طلائع بن رُزيك في طائفة من قومهم بني عدي، ومقدمهم خلف بن نصر، وهو شمس الدولة أبو علي، ومعهم طائفة من بني كنانة بن خزيمة، وأنهم وجدوا من ابن رُزَّيك ما أربي على الأمل، وحلُّوا محل التكرمة عنده على مباينة الرأي ومخالفة المعتقد.
ثم ذكر أن من بني عمر رضي الله عنهم جماعة بثغر دمياط والبرلس، وأحال في بسط ذلك على كتابه المسمّى: "بفاضل السمر في فضائل آل عمر" وذكر أن بوادي بني زيد من بلاد الشام فرقة منهم، وكذلك بالقُدس، وعجلون، والبلقاء.
وممن ينسب إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه: بنو فضل الله كُتّاب السر الشريف بمصر والشام.
وقد ذكر المقر الشهابي بن فضل الله في كتابه "التعريف" أنه من ولد: خلف ابن نصر، المقدم ذكره.
ومن العمريين الآن جماعة من الأعيان بالديار المصرية. منهم: القاضي شمس الدين العمري، والقاضي ناصر الدين البرلسي، كاتبا الدست الشريف.
وممن ينسب نفسه إلى عمر رضي الله عنه: الحفصيون، ملوك إفريقية الآن من بقايا الموجودين. وهم أولاد أبي حفص، أحد العشرة أصحاب المهدي بن تومرت.
ويقولون: هم بنو أبي حفص عمر بن يحيى بن محمد بن وانود بن علي بن أحمد بن والال بن إدريس بن خالد بن اليسع بن الياس بن عمر بن وافتق بن نجية بن كعب بن محمد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
قال المقر الشهابي بن فضل الله في كتابه: "التعريف بالمصطلح الشريف".

ومن أهل النسب من ينكر نسبتهم إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فمنهم من يجعلهم من عديّ بن كعب رهط عمر، وليسوا من بني عمر نفسه، ومنهم من يجعلهم في هنتانه من البربر، وليسوا من قبائل العرب.
البطن الثاني: من مشاهير العرب الموجودين من قريش: بنو جُمَح، بضم الجيم وفتح الميم وحاء مهملة في الآخر.
وهم: بنو جمح بن هَصيص بن كعب بن لؤي، المقدم ذكره.
وكان له من الولد: حُذافة، وسعد.
فمن بني سعد بن جمح: أبو مَحذورة، مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ وأخوه أنيس، قتل يوم بدر كافراً.
ومن بني حذافة: أمية، وأبيّ، ابنا خلف، عدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكلدة بن أسيد، الذي أنزل فيه: )لقد خَلقنا الإنسان في كبد(.
وجميل بن معمر، الذي أنزل فيه: )ما جعل الله لرجلمن قلبين في جوفه( على أحد الأقوال.
قال في مسالك الأبصار: وبأذرعات من بلاد الشام قوم منهم.
البطن الثالث: بنو سهم: بالضبط المعروف.
وهم: بنو سهم بن عمرو بن هصيص، المقدم ذكره.
كان له من الولد: سعد، وسعيد.
فمن بني سعد بن سهم: قيس بن عدي، الذي يقال فيه: كأنه في العز قيس بن عدي كانت عند الغيطلة بن بني كنانة. فيها يعرفون.
ومنهم: عبد اله بن الزبعري الشاعر.
ومن بني سعيد بن سهم: العَمْريون، بقتح العين وسكون الميم. وهم: بنو عمرو بن العاص بن وائل بن هاشم بن سعيد بن سهم، فتح مصر في سنة عشرين من الهجرة، واختط جامعها. ويقال: إنه وقف على إقامة محرابه ثمانون رجلاً من الصحابة رضي الله عنهم، وبنوه بها إلى الآن.
قال في مسالك الأبصار: وهم بالفُسطاط، ومنهم أشتات بالصعيد، ولهم حصة في وقف عمرو بن العاص على أهله بمصر.
وقد ذكر القُضاعي في خططه "دور السهميين" وقال: إنها حول المسجد حيث كان الفُسطاط.
قال: وهو موضع المحراب وما يليه من جانبه إلى حيث السواري القبلية.
البطن الرابع: بنو تميم، بفتح التاء المثناة من فوق وسكون الياء المثناة من تحت وميم في الآرخ.
وهم: بنو تميم بن مُرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر.
وهم رهط طلحة، أحد العشرة المقطوع لهم بالجنة.
ومن تميم: البكريون. وهم: بنو أبي بكر الصديق رضي الله عنه، واسمه عبد الله- وقيل: عتيق بن عثمان، وكنيته أبو قحافة- بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تميم، المقدم ذكره.
وأمه: أُم الخير بنت صخر، من تميم أيضاً.
كان له من الولد: ثلاث بنين: أحدهم: عبد الله، وهو أكبر ولده، وأُمه قتيلة، ومات في خلافة أبيه.
والثاني: عبد الرمن، وكنيته أبو عبد الله، أسلم في هُدنة الحُديبية، وهاجر وكان شجاعاً، له مواقف مشهورة في الجاهلية والإسلام، وشهد بدراً وفتوح الشام. وأمه أم رومان بنت الحارث، من بني فراس بن غنم، ومات فجأة سنة ثلاث وخمسين من الهجرة.
قال القاضي محب الدين الطبري في "الرياض النضرة في فضائل العشرة": وعقبه كثير.
الثالث: محمد، ويكنى: أبا القاسم، وكان من نُساك قريش، وأمه: أسماء بنتعُميس الخثعمية: ولاّه عثمان رضي الله عنه في خلافته مصر، ثم ولاها أيضاً علي في خلافته، بعد مرجعه من صفين، فجرى بينه وبين عمرو بن العاص حرب انتهت به الحال فيه إلى أن هرب محمد بن أبي بكر، فيقال: إنه وجد حماراً ميتاً فدخل في جوفه، فوجد فأحرق فيه فمات، وقيل: بل قُتل ثم جعل فيه وأحرق، وذلك في سنة ثمان وثلاثين من الهجرة.
وبالديار المصرية من البكرين جماعة كثيرة من ولد عبد الرحمن بن أبي بكر، بعضهم بالفُسطاط، وبعضهم بناحية دَهروط من البهنساوية، وقد خرج منهم جماعة من العلماء وهم، يَتمذهبون بمذهبي الشافعي ومالك رضي الله عنهما.
قال الحمداني: ومن البكريين جماعة بالصعيد منهم: بنو طلحة بن عبد الله ابن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق، رضي الله عنه.
قال: وهم ثلاث فرق، هم وأقرباؤهم، وقد أطلق على الكل اسم بني طلحة.
الفرقة الأولى: بنو إسحاق. ويقال إن إسحاق ليس جداً لهم، ولكنه موضع تحالفوا عنده سموه إسحاقكناية، كما تحالفت الأزد عند أكمة سموها مذحجاً.
الفرقة الثانية: قصة. قال: وهم بطون كثيرة، وأكثرهم أشتات بالبلاد لاحد لهم.
الفرقة الثالثة: تعرف ببني محمد، وهم من ولد بن أبي بكر الصديق رضي الله عنه.

قال الحمداني: ومنازل بني طلحة بالبرجين- وهي البرجانية- وسفط سكرة، وطلحا المدينة.
البطن الخامس: بنو مخزوم، بفتح الميم وسكون الخاء المعجمة وضم الزاي المعجمة وسكون الواو وميم في الآخر.
وهم: بنو مخزوم بن يَقْظة بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر.
وكان لمخزوم من الولد: عمرو، وعامر، وعمران.
منهم: خالد بن الوليد: صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو خالد ابن الوليد بن المُغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم.
ومنهم أيضاً: أبو جهل بن هشام، عدو رسول الله صلى الله علسه وسلم. واسمه: عمرو. فيه نزل )وكذلك جَعلنا لكُل نبي عدوا من المُجرمين( وأخوه العاصي بن هشام، قتلا يوم بدر كافرين، وأخوهما سَلمة بن هشام، وأسلم: وهو من: خيار المسلمين.
ومنهم: سعيد بن المسيّب الإمام الكبير التابعي المشهور.
قال الحمداني: وخالد، من عرب حمص، وخالد من عرب الحجاز، يدعون أنهم من عقبه.
ثم قال: ولعلهم من سواهم من بني مخزوم، فهم أكثر من قريش بقية، وأشرفهم جاهلية.
ولا يخفى أن من بني مخزوم جماعة موجودين إلى الآن في أقطار متفرقة، وقد رأيت بعضهم بالديار المصرية.
البطن السادس: زهرة، بضم الزاي وسكون الهاء وفتح الراء المهملة وهاء في الآخر.
وهم: بنو زهرة بن كلاب، جد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد تقدم نسبه في عمود النسب.
قال الجوهري: زهرة: اسم امرأة كلاب، نُسب ولده إليها.
كان له من الولد: عبد مناف، والحارث.
منهم: آمنة بنت وهب، أُم رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ومنهم: سعد بن أبي وقاص، أحد العشرة المقطوع لهم بالجنة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ومنهم: عبد الرحمن بن عوف، أحد العشرة أيضاً.
قال الحمداني: ومن عقب عبد الرحمن رضي الله عنه جماعة بالبهنساوية، وما حولها من صعيد مصر.
وقد رأيت أنا منهم قوماً ببيدق من بلاد الجيزة.
البطن السابع: عبد الدار، بالضبط المعروف.
وهم: بنو عبد الدار بن قُصي. وقد سبق نسبه إلى قريش في عمود النسب.
كان لعبد الدار من الولد: عثمان، وعبد مناف، والسباق.
وفي النسبة إليهم ثلاثة مذاهب: أحدها ينسب عبدي، نسبة إلى المضاف، وداري، نسبة إلى المضاف إليه، وعبدري، نسبة إليهما جميعاً، كما ينسب إلى "عبد شمس" عبشمي، وإلى "عبد القيس" عبقسي.
ومن بني عبد الدار: النضر بن الحارث، كان شديد العداوة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وقتله رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر صبراً، فرثته أخته قُتيلة بنت النضر بقولها:

يا غـادياً إن الأُثـيل مَـظِـنّة

 

من صبح خامسة وأنت موفَّقُ

أبلغ به مَـيتـاً بـأنْ تَـحـية

 

ما إن تزال به الركائب تَخفِقُ

مني إليه وعيرةً مَـسـفـوحة

 

جادت بكوافها وأُخرى تَخْنُـق

هل يسمعنّي النضر إن ناديتُـه

 

إن كان يسمع مَيِّت أو ينطـق

ظَلَّت سيوف بني أبيه تنوشُـه

 

لله أرحام هنـاك تُـشـقـق

أمحمدو لأنت نـجْـل كـريمة

 

في قومها والفَحل فحل مُعْرق

ما كان ضَرّك لو مننت ورُبما

 

مَنّ الفتى وهو المغيظ المُحْنق

والنضر أقربُ من قتلت قرابةً

 

وأحقهم إن كان عتقاً يُعـتـق

فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لو بلغني قبل أن أقتله ما قتلته.
وفي بني عبد الدار حجابة الكعبة من الزمن القديم، والأصل في ذلك أن قصيّاً لما اشترى مفاتيح الكعبة من أبي غُبشان الخزاعي بزق خمر بعث المفاتيح مع ابنه عبد الدار هذا، فوقف بها عند البيت وقال: يا بني إسماعيل، هذه مفاتيح البيت قد رَدَّها عليكم- على ما تقدم ذكره في الكلام على بني إسماعيل. فبقيت السدانة فيه وفي بنيه من بعده.
ومن بني عبد الدار: بنو شَيبة، بفتح الشين المعجمة وسكون الياء المثناة من تحت وفتح الباء الموحدة وهاء في الآخر.
وهم: بنو شَيبة بن عثمان بن طلحة بن عبد الدار بن قصي، المقدم ذكره.

وبيدهم سدانة البيت، وذلك أن السدانة انتهت إلى عثمان، والد شيبة هذا، في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، فلما حج النبي صلى الله عليه وسلم حجة الوداع استدعى منه فتح البيت ليلاً ليُدخل عائشة رضي الله عنها الكعبة، فامتنع من فتحها ليلاً مُحتجاً بأن ذلك لم تجر به عادة، فانتزع النبي صلى الله عليه وسلم المفاتيح منه، فأنزل الله تعالى: )إن الله يأمركم أن تُؤدوا الأمانات إلى أهلها( فردها النبي صلى الله عليه وسلم إليه وجعلها في عقبه إلى يوم القيامة. فهي بيدهم إلى الآن.
وبمكة المشرفة جماعة منهم.
قال الحمداني: ومنهم جماعة بالديار المصرية بنواحي سفط وما يليها، ويقاربها ويدانيها، يعني سفط وما يليها من البهنساوية، ويعرفون بجماعة نهار.
البطن الثامن: بنو أسد. بالضبط المعروف.
وهم: بنو أسد بن عبد العزى بن قصيّ. وقد سبق نسبه إلى قريش في عمود النسب.
ومن بني أسد هؤلاء: خديجة بنت خويلد، زوج النبي صلى الله عليه وسلم.
وورقة بن نوفل، الذي أتته خديجة في أمر النبي صلى الله عليه وسلم في ابتداء الوحي، على ما هو مذكور في كتب الصحيح.
ومنهم: الزبير بن العوام، أحد العشرة المقطوع لهم بالجنة، من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ومنهم: الزبيريون، وهم: بنو الزبير بن العوام بن خُويلد بن أسد، المقدم ذكره.
وأمه: صفية بنت عبد المطلب بن هاشم، عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قيل: أسلم وهو ابن خمس عشرة سنة، وقيل: اثنتي عشرة. وقيل: ست عشرة. ولم يتخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة غزاها. ويروى أنه كان له ألف مملوك يؤدون إليه الخراج، فما يُدخل بيته منها درهماً، بل كان يتصدق بذلك كله وينفقه في وجوه البر. وناهيك أن فضَّله حسان بن ثابت رضي الله عنهما في شعره على جميعهم في ذبِّهِ عن النبي صلى الله عليه وسلم.
ومن جميل مناقبه أنه تحاكم مع رجل من الأنصار إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في ماء يُسقى به زرع، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "اسق حتى يبلغ الكعب". ثم أرسل إليه، فقال الأنصاري: أن كان ابن عمتك. فغضب النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: "احبس يا زبير حتى يبلغ الجدار". ثم أرسل إليه فأنزل الله تعالى: )فلا وربِّك لا يؤمنون حتى يُحَكِّمُوك فيما شجر بينهم( وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في حقه: بشّر قاتل ابن صفية بالنار.
وقتل يوم الجمل بعد انصرافه عن قتال عليّ نادماً، وهو ابن سبع وستين سنة.
قال الطبري: وكان له عشرة أولاد: أحدهم: عبد الله، وأمه: أسماء بنت أبي بكر الصديق، وهو الذي بويع له بالخلافة في خلال خلافة بني أمية.
والثاني: المنذر.
والثالث: عروة، وكان فقيهاً فاضلاً.
والرابع: الهاجر، وأمهم أسماء.
والخامس: مصعب.
والسادس: حمزة، وأمهما الرباب بنت أنيف.
والسابع: عبيدة.
والثامن: جفعر، وأمهما زينب بنت بشر.
والتاسع: عمرو.
والعاشر: خالد، وأمهما: أم خالد بنت سعيد بن العاص.
قال الطبري في "الرياض النضرة في فضائل العشرة". والعقب منهم لعبد الله، ومصعب، وعروة، والمنذر، وعبيدة، وعمرو.
قال الحمداني: وبالبهنساوية، من صعيد مصر أقوام منهم.
فمن بني عبد الله: بنو بدر، وبنو مصلح، وبنو رمضان. ومن بني مصعب قوم يعرفون بجماعة محمد بن رواق.
ومن بني عروة: بنو عتي.
ثم قال: وأكثرهم ذو معايش وأهل فلاحة وزرع وماشية وضرع.
البطن التاسع: بنو أمية، بضم الهمزة وفتح الميم وتشديد الياء المثناة من تحت وهاء في الآخر.
وهم: بنو أمية بن عبد شمس بن عبد مناف، وقد تقدم نسبه إلى قريش في عمود النسب.
قال أبو عبيد: وهما أميتان: أحدهما: أمية الأكبر، وكان له عشرة أولاد.
أربعة منهم يسمون بالأعياص، وهم: العاص، وأبو العاص، والعيص، وأبو العيص، سموا بذلك أخذاً من أسمائهم.
وستة منهم يسمون: العنابس، وهم: حرب، وأبو حرب، وسفيان، وأبو سفيان، وعمرو وأبو عمرو. سموا العنابس بابن من أبناء حرب أحدهم، اسمه عنبسة، غلب عليهم اسمه.
ومن عقب أمية هذا أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه، وهو عثمان بن عفان بن العاص بن أمية، المقدم ذكره.
ومنهم أيضاً: معاوية بن أبي سفيان، والحكم بن العاص.
وسائر خلفاء بني أمية بالشام ثم الأندلس.

والثاني: أمية الأصغر، وأولاده يقال لهم: العَبلات، بفتح الباء.
قال الجوهري: سموا بذلك لأن اسم أمهم عبلة.
وقال أبو عبيد: سموا بذلك لابن لأُمية المذكور اسمه عبلة، وهو:عبلة الشاعر.
ومن عقب أمية الأصغر: الثريا بنت عبد الله بن الحارث بن أمية، وهي التي كان يُشَبِّب بها عمر بن أبي ربيعة، وهي مولاة الغريض المغني، وكان تزوَّجها سُهيل بن عبد الرحمن بن عوف، وفيهما يقول عمر بن أبي ربيعة المقدم ذكره:

أيُّها المُنْكح الثريّا سُهيلا

 

عَمرك الله كيف يَلْتَقيانِ

هي شاميَّة إذا ما استقلت

 

وسُهيل إذا استقلَّ يمان

وقد اختلف في النسبة إلى أمية على مذهبين: أحدهما أنه يُنسب إليه أُموي، بضم الهمزة جرياً على لفظ أُمية، وإليه يميل كلام الشيخ أثير الدين أبي حيان في "شرح التسهيل".
والثاني: أَموي، بفتحها، وعليه اقتصر الجوهري في "صحاحه" محتجاً بأن أُمية تصغير أمة، وأصل أمة أموة، فإذا نسبت رددته إلى الأصل.
قال الحمداني: وبالصعيد جماعة من بني أمية بناحية تندة وما حولها، من الأشمونين، بالديار المصرية، من بني أبان بن عثمان رضي الله عنه، وبني خالد بن يزيد بن معاوية، وبني سلمة بن عبد الملك، وبني حبيب بن الوليد بن عبد الملك، ومن بني مروان بن الحكم، وهم المروانية.
قال: ولهم قرابات بالأندلس، ومنهم أشتات ببلاد المغرب.
قال: ومرت الدولة الفاطمية، وهم بأماكنهم من الديار المصرية لم يروَّع لهم سرب، ولم يكدر لهم شرب.
ثم قال: وهم إلى الآن بها.
وذكر في مواضع أخر أن منهم فرقة بالبلقاء من بلاد الشام.
قال: وبالشعراء من بلاد الشام أيضاً قوم منهم.
البطن العاشر: بنو هاشم وهم: بنو هاشم بن عبد مناف. وقد مر نسبه في عمود النسب.
وإلى هاشم انتهت رياسة قريش. وكان إذا حضر الحجيج إلى مكة قام في قؤيش فقال: يا معشر قريش، إنكم جيران الله، وأهل بيته، وهم ضيوف الله، وأحق الضيف بالكرامة، فاجمعوا لهم ما تصنعون لهم به طعاماً أيامهم هذه التي لا بُدّ لهم من الإقامة بها، فوالله لو كان مالي يسع ذلك ما كلفتكموه. فيُخرجون لذلك خرجاً من أموالهم كل امرئ بقدر ما عنده، فيصنع به للحاج طعاماً حتى يصدروا منها.
وهو أول من سن الرحلتين لقريش. وأول من أطعم الثريد بمكة، وكان اسمه عمراً. فسميّ هاشماً لذلك. ففي ذلك قيل:

عَمْرو الذي هَشم الثريد لقومه

 

قوم بمكة مُسنتـين عُـجَـافِ

كانت إليه الرحلتان كلاهـمـا

 

سَفر الشتاء ورحلة المُصْطاف

ومات هاشم بغَزّة من الشام ودُفن بها.
وكان له ولدان: عبد المطلب، وعليه عمود النسب، والثاني: أسد، وهو أبو فاطمة أم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
وكان لهاشم ثلاثة أخوة، وهم: عبد شمس، المقدم ذكره، والمطلب، وهوجد الشافعي رضي الله عنه، ونوفل.
ويقال: إن هاشماً وعبد شمس توأمان، وُلدا لبطن واحد وجلداهما مُعتلقان، فلما فُرق بينهما بعد الولادة سال الدم بينهما، فقيل: إنه يكون بينهما دم يُطل. فكان الأمر كذلك، حتى لم تزل الدماء تطل بين بني هاشم وبني عبد شمس ابن أمية، وإلى ذلك يشير بعض الشعراء بقوله:

عبد شمس قد أوقدت لبني هـا

 

شم ناراً يشيب منهـا الـولـيدُ

فابن حَرب للمُصْطفى وابن هند

 

لعلـيّ ولـلـحُـسـين يَزِيدُ

وعلى نحو من ذلك جرى صاحب "دور السّمط في خبر السّبط" حيث قال: واحرباه، ألّب على النبي صلى الله عليه وسلم أبو سفيان، ولاكت هند كيد حمزة، وغصب معاوية عليّاً حقه، واحتز يزيد رأس الحسين.
أما عبد المطلب فإنه مع هاشم. وإلى ذلك أشار النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: نحن والمطلب كهاتين لم نفترق في جاهلية ولا إسلام.
ومن ثم حُرمت الصدقة على بني المطلب مع بني هاشم، وكان المُطلبي كفؤاً للهاشمية في النكاح، بخلاف نوفل وعبد شمس. وقد أوضحتُ القول على ذلك في كتابي "الغيوث الهوامع في شرح جامع المختصرات ومختصر الجوامع".
وولد لهاشم ولدان: أحدهما: أسد، وهو أبو فاطمة أم أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه، والثاني عبد المطلب.
وولد لعبد المطلب اثنا عشر ولداً: عبد الله، أبو النبي صلى الله عليه وسلم، على عمود النسب.
 وأبو طالب، والزبير، وعبد الكعبة، وأمهم فاطمة بنت عمر المخزومي.
والعباس، وضرار، وأمهما نُفيلة بنت جَناب.
وحمزة، والمقوِّم، وحَجّل، وأمهم هالة بنت أهيب.
وأبو ليث، وقُثم، والغَيداق، والحارث. على خلاف في هذا العدد.
قال أبو عبيد: والعقب منهم لستة: والعباس- رضي الله عنهما- وعبد الله، وأبو لهب، والحارث.
ومن هاشم: زهرة الوجود، وزبدة العالم، وثمرة كمامه، سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وقد تقدم ذكر نسبه في عمود النسب إلى هاشم، ثم من بعده إلى آدم عليه السلام، على ما تقدم ذكره قبل عدنان وبعده من الخلاف.
ثم المشهور من الموجودين من بني هاشم: فخذان: الفخذ الأول منهما: العباسيون، وهم: بنو العباس بن عبد المطلب بن هاشم، المقدم ذكره، عم النبي صلى الله عليه وسلم وصِنوا أبيه، أسلم بعد وقعة بدر الكبرى، وبقي إلى خلافة عمر، فأقحط الناس في سنة ثمان عشرة من الهجرة، وهو عام الرمادة، فاستسقى الناس به عمر، فسقي الناس. وبقى حتى توفي في خلافة عثمان في سنة اثنتين وثلاثين، عن ثمان وثمانين سنة، وكان إذا مرّ به عمر أو عثمان في خلافتيهما ترجل إجلالاً له.
ويقال: إنه لم يُر بنو أب أبعد قبوراً من بنيه: عبد الله بالطائف، وعبيد الله بالمدينة، والفضل بالشام، وقثم بسمرقند، ومعبد بإفريقية.
وفضائله أشهر من أن تذكر.
كان لد تسعة أولاد: الفضل،وبه كان يُكنّى، وعبد الله: حبر الأمة، وعبد الله الثاني، وقثم،وعبد الرحمن، ومعبد، وتمام، وكثير، والحارث.
والستة الأول أمهم لبابة بنت الحارث، من بني هلال بن عامر بن صعصعة.
والخلفاء من بني ابنه عبد الله حبر الأمة. وأول من وُلي منهم الخلافة: أبو العباس السفاح بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس.
وقد ذكرتهم على التوالي إلى حين انقراض الخلافة من بغداد بقتل التتر المعتصم، في كتابي "مآثر الإنافة في معالم الخلافة" الذي ألفته لأمير المؤمنين المعتضد بالله ابي الفتح داود خليفة العصر، مع أمور مهمة أخرى أوردتها فيه، من ذكر الخلفاء العباسيين بالديار المصرية من ابتداء أمرهم إلى زمانه، والكلام على لفظ الخلافة وما يتعلق به، وأحكامها الشرعية، وما كان يكتب عن الخلفاء من المكاتبات والولايات، وماكان يكتب إليهم من المكاتبات، ونوادر تتعلق بالخلافة لا توجد في غيره.
وبنو العباس قائمون بالخلافة بالديار المصرية إلى زماننا هذا نتيجة لقوله صلى الله عليه وسلم لعمه العباس حين امتدحه بأبياته المشهورة التي أولها:

من قبلها طبت في الظلال وفي

 

مستودع حيث يُخصف الورق

فأسر إليه أن قال: ألا أبشرك ياعم، بي ختمت النبوة وبولدك تختم الخفة.
وقد بسطت القول على ذلك في كتابي "مآثر الإنافة في معالم الخلافة" المقدم ذكره.
الفخذ الثاني: من بني هاشم: الطالبيون، وهم: بنو أبي طالب.
قال ابن إسحاق: واسمه عبد مناف- قال أبو عبد الله الحاكم: اسمه كنيته- ابن عبد المطلب بن هاشم.
قال أبو عبيد: وكان له من الولد: طالب- وبه يكنى، ولا عقب له- وعقيل، وجعفر، وعلي، وأمه فاطمة بنت أسد بن هاشم.
قال ابن عبد البر في "الاستيعاب": وكان جفعر أكبر من عقيل بعشر سنين، وعقيل أكبر من علي بعشر سنين، وطالب أكبر من عقيل بعشر سنين.
ومن الطالبيين: الجعافرة، وهم: بنو جعفر بن أبي طالب، المقدم ذكره، ويعرف بجعفر الطيار، وذلك إنه قطعت يداه يوم موته سنة ثمان من الهجرة، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الله جعل منهما جناحين يطير بهم في الجنة، ولذلك قيل له: الطيار.
وكان لجعفر أولاد، منهم: محمد، وعبد الله، مسح النبي صلى الله عليه وسلم على رءوسهم، حين جاء نعي أبيهم جعفر، ودعا لهم، وقال: أنا وليهم في الدنيا والآخرة.
وكان عبد الله بن جعفر من أجود الناس حتى إن أهل المدينة يتداينون على مقدمه في الموسم.
وتزوج محمد أم كلثوم بنت عمه علي بن أبي طالب- رضي الله عنه- بعد موت أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنهما.
قال في العبر: ومن ولد عبد الله هذا: عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر، قام بفارس، وبويع له بالكوفة في آخر الدولة الأموية.
قال: وأراد بعض شيعة بني العباس تحويل الدعوة إليهم، فلم يوافقهم على ذلك أبو مسلم الخراساني القائم بدعوة بني العباس.

ومن الطالبيين أيضاً: العلويون. وهم: بنو أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وأمه: فاطمة بنت أسد بن هاشم، المقدم ذكره، كانت قد أسلمت وهاجرت، وهي أول هاشمية ولدت لهاشمي. وعلي رضي الله عنه أحد العشرة المقطوع له بالجنة، وهو أول خليفة كان أبواه هاشميين، وبويع له بالخلافة يوم قتل عثمان رضي الله عنهما، وقتل لسبع عشرة ليلة خلت من شهر رمضان سنة أربعين من الهجرة. ودُفن بالكوفة عند مسجد الجماعة في قصر الإمارة، وغُيب قبره، وعمره يوم مات ثلاث وستون سنة. وقيل: سبع وخمسون.
قال القاضي محب الدين الطبري: وكان له ثلاثة عشر ولداً ذكراً، وهم: الحسن والحسين، من سيدة نساء العالمين فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال العسكري في كتاب: "التصحيف". وهذان الإسمان حباهما الله لنبيه صلى الله عليه وسلم حتى سمى بهما ابنيه هذين أما ما وجد في قبائل طيء من الحسن والحسين: فالأول منهما بفتح الحاء وسكون السين، والثاني بفتح الحاء وكسر السين.
وعمر، وأمه حَمْنة بنت جَحش- وطلحة. وأمه حمنة أيضاً- ويحيى وإسماعيل وأسحاق- ويعقوب. وأمهم أم أيمن بنت معاوية- وموسى، وزكريا. وأمهما أم كلثوم بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنه- ويوسف: وأمه أم كلثوم أيضاً.
وذكر أن العقب منهم لستة، محمد بن الحنفية، والسجّاد، ويحيى، وإسحاق، ويعقوب، وموسى.
وزاد القُضاعي في بنيه "العباس" فجعلهم خمسة عشر.
قال الطبري: والنسل فيهم لخمسة: الحسن، والحسين، ومحمد بن الحنفية، وعمر، والعباس.
قال: وأكثر أنساب العَلويين راجع إلى: الحسن، والحسين، وأخيهما محمد بن الحنفية.
ثم قال: وإنما أختص هؤلاء بالذكر لأنهم الذين قاموا بطلب الخلافة وتعصب لهم الشيعة، ودعوا لهم في الجهات.
ثم المشهور من العلويين الآن فصيلتان: الفصيلة الأولى: الحسنيون: وهم: بنو الحسن السِّبط ابن أمير المؤمنين عليّ رضي الله عنه، من فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ومن الحسنيين المذكورين: المهديّ محمد بن عبد الله الكامل بن حسن المثنى ابن الحسن السبط، بويع له بالخلافة بمكة في آخر الدولة الأموية، وحضر بيعته أبو جعفر المنصور ثاني خلفاء بني العباس، ثم كان له شأن مع أبي جعفر المنصور في خلافته، وجرت بينهما مكاتبات ومحاورات يطول ذكرها.
ومنهم: إبراهيم بن عبد الله، أخو المهدي المقدم ذكره، بويع له بالخلافة، بالبصرة.
ومنهم الأدارسة، بنو إدريس. وهو الذي بنى مدينة فاس قاعدة المغرب الأقصى الآن.
وقد ذكر صاحب "الروض المعطار" أنّ سبب تسميتها "فاساً" أنه حين بُنِيَ أساسها وُجد فيها فأس، فسُميت به المدينة، ثم صار لهم مُلك بعد ذلك بالأندلس.
ومنهم: السُّليمانيون، الذين كان منهم أمراء مكة بعد نُواب خلفاء بني العباس عليها. وهم: بنو سليمان بن داود بن الحسن المُثنى بن الحسن السِّبط.
قال في العبر: ثم لم يزل عُمَّال بني العباس على مكة إلى زمن المستعين، فحدثت الرياسة بها لبني سليمان هؤلاء.
قال: وكان كبيرهم في آخر المائة الثالثة محمد بن سليمان، من ولد سليمان، المقدم ذكره.
قال البيهقي: وخطب لنفسه بالأمامة في سنة إحدى وثلثمائة بعد خلع طاعة العباسيين، أيام المقتدر العباسي.
ومنهم: الهواشم. وهم: بنو أبي هاشم محمد بن الحسن بن محمد بن موسى بن عبد الله أبي الكرام بن موسى الجَوْن بن عبد الله بن الحسن المُثنى بن الحسن السبط.
وهؤلاء هم الذين صارت إليهم إمرة مكة بعد السليمانيين، المقدم ذكرهم.
وأول من ولي إمرتها منهم: محمد بن جعفر بن أبي هاشم، المذكور، وبقيت فيهم إلى آخر سنة تسع وثمانين وخمسمائة.
ومنهم: بنو قتادة: - ويقال، ذَوو قتادة- ابن إدريس بن مُطاعن بن عبد الكريم بن موسى بن عيسى بن عبد الله أبي الكرام بن موسى الجون بن عبد الله بن الحسن المثنى بن الحسن السبط.
ملك مكة من يد الهواشم بعد أن ملك يَنبع والصَّفراء، ثم ملك اليمن وبعض أطراف المدينة وبلاد نجد، ولم يَقْدَم على أحد من الخلفاء والملوك، وان يتعاظم على الناصر لدين الله الخليفة العباسي ويقول: أنا أحق بالخلافة منه. وكتب إليه الناصر يستدعيه إليه في بعض السِّنين، فكتب في جوابه هذه الأبيات:

بلادي وإن هانت عليك عزيزةٌ

 

ولو أنني أعرى بها وأجـوعُ

ولي كفٌّ ضِرغام أُذِل ببطشها

 

وأشرِي بها وبين الورى وأبيع

تَظل ملوك الأرض تَلْم ظهرها

 

وفي بَطنها للمُجدِبـين ربـيع

أَأَجعلها تحت الرَّحى ثم أبتغي

 

خلاصاً لها إنِّي إذا لوضـيع

وما أَنا إلا المِسْك في كل بلدة

 

يصُوغ وأما عندكم فـأضـيع

وبقي حتى تُوفي سنة سبع عشرة وستمائة.
وبقيت إمارة مكة في عقبه إلى الآن في بيت عَجلان بن رميثة بن أبي نُميّ بن أبي سعد بن عليّ بن قتادة.
وانت قد استقرت آخراً في ابنه حسن، ثم تغير عليه السلطان الملك المؤيد، شيخ سلطان العصر خاد الله سلطانه، فصرفه عنها ووليّ ابن أخيه رُميثة بن محمد ابن عجلان سنة ثمان عشرة وثمانمائة، والأمر على ذلك إلى الآن.
ومن بني قتادة أيضاً: أمراء الينبع وغيرهم، وذلك أنه كان بالينبع من بني الحسن بن علي، رضي الله عنهما: بنو حراب، وبنو عيسى، وبنو علي، وبنو أحمد، وبنو إبراهيم. فلما ملك قتادة مكة أدى الحال بعد ذلك إلى أن استقرت إمارة الينبع في إدريس بن حسن بن قتادة، وابني عمه: أحمد، وجماز، فهي في عقبهم إلى الآن.
وبنو حسن هؤلاء من أهل مكة، والينبع، وغيرهم على مذهب الزّيدية.
ومن بني حسن أيضاً: بنو الرَّسي، بفتح الراء المهملة المشددة وكسر السين المهملة، الذين منهم أئمة الزيدية باليمن الآن.
وهم: بنو القاسم الرسي بن إبراهيم طباطبا بن إسماعيل الديباج بن إبراهيم الغَمر ابن عبد الله بن الحسن المُثنى بن الحسن السبط.
ودارهم صنعاء وما والاها.
وأول من قام بالإمامة منهم هناك: يحيى بن الحسين بن القاسم الرسيّ بن إبراهيم طباطبا، المقدم ذكره، في سنة اثنتين وثمانين ومائتين، في حياة أبيه الحسين، وتلقب الهادي، وملك صعدة، وصنعاء وما معهما، وبقي ذلك في عقبهم حتى غلبهم عليه السليمانيون أمراء مكة، عندما أخرجهم الهواشم منها. ثم عاد ذلك إليهم فيما بعد، وبقيت بيدهم إلى أن كان في حدود سنة ثلاث وتسعين وسبعمائة صلاح بن يحيى بن حمزة، ثم ابنه نجاح، فلم يدينوا له بالإمامة، فقال: أنا محتسب لله تعالى.
قلت: ومن بني حسن غير من تقدم في الشرق والغرب من لا يسع ضبطه، ولا يتأتى حصره، ومن يدخل منهم في دواوين الأشراف بالأمصار جزء من كل.
الفصيلة الثانية: من العلويين: الحسينيون: وهم بنو الحسن السبط بن أمير المؤمنين علي رضي الله عنه، من فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال ابن حزم: وليس للحسين عقب إلا من ابنه زين العابدين.
ومن الحسينيين هؤلاء: الجعافرة. وهم: بنو جعفر الصادق بن محمد الباقر ابن علي زين العابدين بن الحسين السبط.
وجعفر هذا، هو أحد الأئمة الاثنى عشر، عند الاثنى عشرية، الذاهبين إلى اثنى عشر إماماً، وهم: أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، ثم ابنه الحسن السِّبط، ثم أخوه الحسين السِّبط، ثم ابنه علي السجَّاد زين العابدين، ثم ابنه محمد الباقر، ثم ابنه جعفر الصادق هذا، ثم ابنه موسى الكاظم، ثم ابنه علي الرضى، ثم ابنه محمد المتقي، ثم ابنه علي التقي، ثم ابنه الحسن الزكي المعروف بالعسكري، ثم ابنه محمد الحُجة، ويقال: القائم، وهو ثاني عشرهم، وهم يعتقدون حياته وينتظرون خروجه.
كان له من الولد: موسى الكاظم، ومحمد الديباجة.
ومن ولد موسى الكاظم: ابنه علي الرضى، الذي جعله المأمون ولي عهده بالخلافة، ةمات في حياة المأمون.
ومن ولده أيضاً: إسماعيل الإمام، الذي تنسب إليه طائفة الإسماعيلية بقلاع الدعوة، بأعمال طرابلس من الشام.
ومن الجعافرة أيضاً: العُبيديون، بضم العين وفتح الباء، وهم: بنو عبيد الله المهدي بن محمد الحبيب بن جعفر المصدق بن محمد المكتوم بن إسماعيل الإمام بن جعفر الصادق، المقدم ذكره.
على أنه قد طَعن في هذا النسب طاعنون من النسّابة، فيهم جماعة من أكابر العلماء والأشراف، وليس هذا موضع البسط فيه، وقد استوفيت الكلام على ذلك في كتابي "مآثر الإنافة في معالم الخلافة".
كان لهم دولة بالمغرب ثم بمصر والشام، وعبيد الله المهدي أول من بويع له منهم بالمغرب، وبنى مدينة المهدية في مشارف إفريقية وسَكنها.

ويقال: إنه لما عمرها قال: أمنت على العلويين، وأنه صعد سورها ورمى بسهم وقال: إلى هنا ينتهي صاحب الحمار، فخرج خارجيّ يقال له: أبو زيد صاحب الحمار، فقصد المهدية، فوصل إلى ذلك المكان ثم رجع، وبقي المغرب بيده ثم بيد عقبه مدة، إلى أن كان من عقبه المعز لدين الله الفاطمي، فجهز جوهراًالقائد إلى مصر ليأخذها، وخرج لتشييعه، فجمع المشايخ الذين مع جوهر وقال: والله لو دخل جوهر إلى مصر وحده لأخذها، ولندخلنها بالأردية من غير قتال، وَلَتَبْنينّ مدينة تُسَمّى: القاهرة، تقهر الدنيا.
فكان الأمر على ما ذكر من دخول مصر من غير قتال. واختط له جوهر القاهرة في سنة ثمان وخمسين وثلثمائة، ثم وصل إليها المغرب، ونزل بقصر الخلافة الذي بناه له جوهر بوسطها.
وبقيت الديار المصرية بأيديهم إلى أن كان آخرهم العاضد لدين الله يوسف، وكانوا جميعهم على مذهب الشيعة يسبون الشيخين، وينادون في الآذان: بِحَيَّ على خير العمل.
ومنهم أيضاً: بنو طاهر الذين منهم أمراء المدينة النبوية، على ساكنها أفضل الصلاة والسلام.
وهم: بنو أبي القاسم طاهر، من ولد يحيى الفقيه، من ولد الحسن، من ولد جعفر حجة الله، من ولد أبي جعفر عبد الله بن الحسين الأصغر، ابن علي زين العابدين ابن الحسن السبط.
وكانت في سنة تسع وتسعين وسبعمائة بيد ثابت بن جَمّاز بن قاسم بن مهنا بن الحسين بن مُهنا بن داود بن القاسم بن عبد الله بن طاهر بن يحيى، المقدم ذكره، ثم تنقلت بعده في بني عمه إلى أن صارت الآن إلى ثابت بن جماز بن هبة بن جماز ابن منصور، من قبل سلطان العصر الملك المؤيد شيخ عز نصره.
وبنو الحسين هؤلاء من أمراء المدينة، وأتباعهم كلهم رافضة وسبّابة؛ إلا أنهم لا يتجاهرون بذلك خوفاً من السلطان.
وبقايا بني الحسين منتشرون في أقطار الأرض مع بني عمهم الحسن، قد ملأوا الخافقين.

القسم الثالث

من العرب المختلف في عروبتهم وهم البربر وقد تقدم الكلام في مقدمة الكتاب على اتصال أنساب الأمم بعمود النسب النبوي اختلاف كثير في نسب البربر، فبعضهم يُدْخلهم في العرب على الإجمال، وبعضهم يدخلهم فيهم على التخصيص ببعض العرب لا يخرج عنها، وبعضهم يخرجهم عن العرب جملة.
وإنه ذهب ذاهبون من النسابة إلى رجوع قبائلهم إلى تسعة أصول، وهي: إردواحة، ومصمودة، وأروَبّة، وعجيسة، وكُتامَة، وصنهاجة، وأرويغة، ولمطة، وهسكورة.
وإن المشهور إلى رجوعهم إلى أصلين فقط: الأصل الأول: البرانس، بفتح الباء الموحدة والراء المهملة وألف ثم نون مكسورة وسين مهملة في الآخر.
وهم: بنو بُرنس بن بربر. والمشهور منهم بالديار المصرية ويملك بلاد المغرب ثلاثة قبائل:

???القبيلة الأولى:

منهم: هَوّارة، بفتح الهاء وتشديد الواو المفتوحة وفتح الراء المهملة وهاء في الآخر.
قال في العبر: وهم: بنو هوارة بن أوريغ بن برنس بن بربر.
قال: وبعض نسّابتهم: يقولون إنهم من عرب اليمن، فتارة يقولون: إنهم من عاملة، إحدى بطون قضاعة، وتارة يقولون: إنهم من ولد المِسور بن السَّكاسك ابن وائل بن حمير. وتارة يقولون: إنهم من ولد السكاسك بن أشرس بن كندة، فيقولون: هوارة بن أوريغ بن حيور بن المثنى بن المسور.
وذكر الحمداني أنهم من ولد بر بن قيذار بن إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام، من امرأة تزوجها من العماليق بفلسطين، وأنه أخو لواتة، ومزاته، وزنارة، ومغيلة، وغيرهم وذكر أن بالمغرب منهم الجم الغفير.
وذكر في "مسالك الأبصار" أن منازلهم بالديار المصرية البحيرة، ومن الاسكندرية غرباً إلى العقبة الكبيرة من برقة.
قلت: ولم تزل منازلهم بالديار المصريةعلى ما ذكر إلى أثناء الدولة الظاهرية "برقوق"، فغلبهم على أماكنهم من البحيرة جيرانهم من زنارة وحلفائها من بقية عرب البحيرة، فخرجوا منها إلى صعيد مصر ونزلوا عمل إخميم في جرجا وما حولها، ثم قوى أمرهم واشتد بأسهم وكثر جمعهم حتى انتشروا في معظم الوجه القبلي، فيما بين قوص إلى بحري الأعمال البهنسائية، وأقطعوا فيها الإقطاعات.
وقد ذكر الحمدانيّ منهم بطوناً هي: بنو مجريش، وبنو أسرات، وبنو قطران، وبنو كريب.
ولكنهم الآن بالصعيد قد كثرت بطونهم، وزادت على العدد.
وهذه نبذة من بطونهم، وهي:

بنو محمد، أولاد مأمن، وبُندار، والعرايا، والشللة، وأشحوم، وأولاد مؤمنين، والروابع، والروكه، والبروكية، والبهاليل، والأصابغة، والدناجلة، والمواسية، والبلازد، والصوامع، والسدادرة، والزياينة، والخيافشة، والطرَدة، والأهلة، وازلتين، وأسلين، وبنو قمير، والتيه، والتبابعة، والغنائم، وفزارة، والعبابدة، وساورة، وغلبان، وحديد، والسبعة.
وقد افترقت الإمرة فيهم فرقتين: فرقة في أولاد عمر، بجرجا وما والاها، وفرقة بني عريب بدهروط وما معها من البهنساوية.

القبيلة الثانية:

من البرانس: مصمودة، بفتح الميم وسكون الصاد المهملة وضم الميم وفتح الدال المهملة وهاء في الآخر.
وهم: بنو مصمودة بن برنس بن بربر.
قال في العبر: وهم أكثر قبائل البربر، وأوفرهم عدداً، وأوسعهم شعوباً، وبلادهم أقاصي المغرب.
قال: ومنهم، الموحدون، أصحاب المهدي بن تومرت، القائم بالمغرب على إثرالمرابطين من لمتونة.
ومن مصمودة: هَنتاته، بفته الهاء وسكون النون وفتح التاء المثناة من فوق وألف بعدها تاء مثناة من فوق أيضاً ثم هاء.
وهم الذين تقدم أنه يقال: إن منهم أبا حفص، أحد العشرة أصحاب ابن تومرت، المقدم ذكره.
ومن عقبه ملوك إفريقية القائمين بها الآن.
وقد تقدم في الكلام على العُمريين من بني عدي من قريش أنهم يدعون النسبة إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، وأن من النسابة من يزعم أنهم من بني عدي، رهط أمير المؤمنين، لا من عقبه.
وأول من ملك منهم: الشيخ أبو محمد بن الشيخ أبي حفص سنة ثلاث وستمائة، نيابة عن بني عبد المؤمن، خليفة المهدي بن تومرت، وتوالت في عقب الشيخ أبي حفص المذكور إلى أن ملك منهم أبو عبد الله محمد بن أبي زكريا يحيى، وتلقب بالمستنصر بالله، وهو أول من تلقب منهم بالخلافة، ثم تواترت في أعقابهم وهم يتلقبون بألقاب الخلافة إلى أن ملك أبو فارس عزوز في شعبان سنة ست وثمانمائة، وهو القائم بها إلى الآن، وهو أبو فارس بن السلطان أبي العباس أحمد، ابن السلطان أبي بكر بن يحيى، ابن إبراهيم بن عبد الواحد، ابن الشيخ أبي حفص، وقد دوخ البلاد ومهدها، وأقام العدل فيها.

القبيلة الثالثة:

من البرانس: صَهناجة، بفتح الصاد المهملة وفتح الهاء وألف ثم جيم مفتوحة بعدها هاء.
وهم: بنو صهناجة بن برنس بن بربر.
وقيل: وهم: بنو صهناج بن أوريغ بن يونس بن بربر.
ويقال: إنهم من حمير من عرب اليمن، وليسوا من البرابر.
قاله الطبري، والمسعودي، وعبد العزيز الجرجاني، وابن الكلبي، والبيهقي.
وحكى ابن حزم: أن صهناج إنما هو ابن امرأة اسمها بصلى، وليس له أب يعرف، وإنما تزوجت بأوريغ، وهو معها، فولدت له هوارة، زكان صهناجة أخو هوارة لأُمه.
ومساكنهم الصحراء جنوبي المغرب الأقصى.
ومن صهناجة لمتونه، بفتح اللام وسكون الميم وضم التاء المثناة من فوق وسكون الواو وفتح النون وهاء في الآخر.
واسمه بالبربرية: تلميت.
وكان للمتونة هؤلاء مُلك بالمغرب الأقصى وبالأندلس، وكان أول أمرهم أن رياستهم بالصحراء آلت إلى عبد الله بن ياسين، وعلت مكانته، وكثرت أتباعه، واستولى على نواحي المغرب في حدود سنة أربعين وأربعمائة، ثم عاد إلى الصحراء ونزل عن بلاد المغرب لابن عمه يوسف بن تاشفين، ففتح المغرب الأقصى واستولى عليه، وملك مدينة فاس واختط مدينة مراكش في سنة أربع وخمسين وأربعمائة، وعظم ملكه، واشتدت شوكته، وتلقب بأمير المسلمين. ثم ملك عدة نواحي من الأندلس وصار له من القوة ما ليس لغيره. وبقي الملك في عقبه إلى أن زال بملك الموحدين، أتباع المهدي محمد بن تومرت الذين بقاياهم إلى الآن قائمون بتونس بمملكة إفريقية.
وبقايا لمتونه على حد الكثرة موجودون بصحراء المغرب وبلاده، لا يأخذهم حضر إلى الآن.
الأصل الثاني: من البربر: البتر، بضم الباء الموحدة وسكون التاء المثناة من فوق وراء في الآخر.
وهم: بنو مادغش الأبتر.
والمشهور منهم:

القبيلة الأولى:

لواته، بفتح اللام والواو وألف ثم تاء مثناة من فوق وهاء في الآخر.
قال الحمداني: ويقال: لواتا، بإبدال الهاء ألفاً.
وهم: بنو لواته الأكبر بن رحيك بن مادغش الأبتر ابن بربر.
قال الحمداني: وهم يقولون: إنهم من غطفان بن قيس عيلان.

قال: وقال بعض النسابة: إنهم من ولد بربر بن قيذار بن إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام، من امرأة تزوجها من العماليق بفلسطين، وأنه أخو هواره ومزاته وزناره وغيرهم.
وحكى ابن حزم عن بعض النسابين: أن لواته من القبط، ثم قال: وليس بصحيح.
واعلم أن لواته من أكبر قبائل البربر وأكثرها بطوناً، ومنها في بلاد المغرب الخلق الذين لا يحصون، وبالديار المصرية، وبالأعمال البهنساوية من الوجه القبلي! وبالجيزية، والمنوفية، والغربية، والبحيرة.
قال الحمداني: وهم بنو جديدي، وقطوفه، وبركين، ومالو، ومزورة، وبنو بلار.
ثم قال: فأما بنو جديدي فتجمع أولاد قريش، وأولاد زعازع، وهم أشهر من في الصعيد.
وأما قطوفة فتجمع مغاغة وواهلة.
وأما بركين فيجمع بني زيد وبني روحين. ولهم: أقلوسنا وما معها إلى بحريّ طَنْبَدي.
وأما مزورة، فتجمع بني وركان، وبني غرواسن وبني جماز، وبني الحكم، وبني الوليد، وبني الحجاج، وبني الحرمية.
قال: ويقال: إن بني الحجاج من بني خماس، ولذلك يؤدون معهم القطائع، وأما بنو بلار ففرقتان: فرقة يقال لها: البلارية، وهم بنو محمد وبنو علي، وبنو نزار، ونصف بني شهلان. ومنهم مغاغة، ولهم سَمَلوط إلى الساقية.
وفرقة يقال لها: جد وخاص، ولهم بالبهنسائية الكفور الصولية، وسفط أبو جرجة إلى طنبدي وإهريت.
قال الحمداني: وبنو نزار من بني زربة، ومنهم نصف بني عامر، والحماسنة، والضباعنة.
قال: وإمارة جد وخاص في بني زعازع، وأفرد قوم منهم لإمارة عزيز بن ضبعان، ثم ولده.
قال: ومنهم: بنو قوي.
ومن جد وخاص: بنو زيد، وأمراؤهم أولاد قريش، ومساكنهم نويرة دلاص.
قال: وكان قريش رجلاً صالحاً كثير الصدقة، وهو والد سعد الملك الباقي بنوه.
وبالجيزة فرقة من جد وخاص المقدم ذكرهم، وهم بنو مجدول، وسقارة، وما حولها لبني يرني، وبني يوسف شبرمنت، والبدرشين، والشنباب، إلى طهما.
وأهل سقارة يقولون: إنهم من بني بكم، وأهل البدرشين يقولون: إنهم من بني صلامس، وأهل منية رهينة يقولون: إنهم من بني منصور.
وكانت الإمرة في الزقازقه من طهما ثم ضعفت شوكتهم واستقرت الإمرة الآن في رضوان. وأخيه من بني يرني. وقد صارت هذه الإمارة في معنى مشيخة العرب.
قال الحمداني: وفي المنوفية أيضاً جماعةمن لواته، عد منهم: بني يحيى، والسوه، وعبيد، ومصلة، وبني مختار.
ثم قال: ومعهم في البلاد أخلاف من مُزاته، وزنارة، وهوارة، وبنو الشَّعرية، إلى قوم آخرين.
ومن لواته: زُنّارة، بضم الزاي وفتح النون المشددة والألف ثم راء مهملة وهاء.
وهم: بنو زُنّارة بن زائر بن لواتا الأصغر بن لواتا الأكبر.
وذكر الحمداني أن زنارة: ابن بربن قيذار بن إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام، من امرأة العماليق تزوجها بفلسطين من الشام، وأنه أخو هوَّاره، ومُزاته، ولواتة وغيرهم.
وبطون زنارة بكثرة في بلاد المغرب، وأكثرهم بالديار المصرية في بلاد البحيرة.
وقد ذكر الحمداني منهم بالبحيرة، بني مزديش، وبني صالح، وزُمران، وورديغة، وعزهان، ولقان.
وقد ذكر لي بعض العرب أن من بطون زُنارة أيضاً: بني حبون، وواكده، وفرطيطة، وغرجومة، ونفاث، وناطورة، وبني السعوية، وبني أبي سعيد، ومزداشة، وطازولة.
وذكر في مسالك الأبصار: أن مساكنهم مع هوارة، فيما بين الإسكندرية والعقبة الكبيرة ببرقة.
قلت: وقد تقدم في الكلام على لبيد بن سليم من العرب المستعربة: أن السلطان الملك المؤيد سلطان العصر أجلى عرب البحيرة من زُنار وغيرها عنها في سنة ثمان عشرة وثمانمائة، وأسكنها لبيداً عوضاً منهم.

القبيلة الثانية:

من البتر من البربر: زناتة، بفتح الزاي والنون وألف بعدها تاء مثناة من فوق ثم هاء.
قال في العبر: واسم زناتة: جانا، بالجيم، ويقال: شانا، بالشين المعجمة.
وهو: جانا بن يحيى بن صولات بن ورساك بن ضري بن رحيك بن مادغش ابن بربر.
وقيل: جانا بن يحيى بن ضريس بن جالوت بن هريك بن جديلات بن جالود بن ريلات بن عصى بن بادين بن رحيك بن مادغش الأبتر بن قيس عيلان بن مضر، فيكون من العرب المستعربة.
وبعضهم يقول: جالوت بن جالود بن ديال بن قحطان بن فارس، فتكون من الفرس.
قال في العبر: ونسابة زناتة تزعم الآن أنهم من حمير ومن التبابعة.

وبعضهم يقول: إنهم من العمالقة، وإن جالوت من العماليق.
وزناتة ذو كثرة ببلاد المغرب، ولا يعرف منهم أحد الآن في الديار المصرية، فيما أظن.
ومن زناتة: بنو مرين، بفتح الميم وكسر الراء المهملة وسكون الياء المثناة من تحت ونون في الآخر.
وهم: بنو مَرين بن ورتاجن بن ماخوخ بن جريج بن فاتن بن بدر بن يحفت ابن عبد الله بن زرتبيص بن المعز بن إبراهيم بن رحيك بن واشين بن نصبين بن سرا بن إحيا بن ورسيك بن أديت بن جانا، وهو زناتة.
ومن بني مرين: بنو عبد الحق، ملوك الغرب الأقصى الآن المستقر من مدينة فاس: وهم: بنو عبد الحق بن محيو بن أبي بكر بن حمامة بن محمد بن وَرْزيز بن فكوس بن كوماط بن مرين، المقدم ذكره.
وأول من ملك منهم: السلطان أبو سعيد عثمان بن عبد الحق، استولى على بعض نواحي المغرب، ثم قتل في سنة سبع وثلاثين وخمسمائة.
وملك بعده مدينة فاس أخوه محمد بن عبد الحق.
ثم تداولتها أعقابهم إلى أن كان منهم السلطان أبو الحسن المريني، في أيام الناصر محمد بن قلاوون، فعظم سلطانه واتسعت مملكته.
ولم يزل المُلك ينتقل في أعقابهم إلى أن صار الآن إلى السلطان أبي فارس عثمان، ابن السلطان أبي العباس أحمد، ابن السلطان أبي سالم إبراهيم، ابن السلطان أبي الحسن علي، ابن السلطان أبي سعيد عثمان، ابن السلطان أبي يوسف يعقوب بن عبد الحق.
ومن زناتة: بنو عبد الواد، ملوك تلمسان القائمين بها الآن.
وهم: بنو عبد الواد بن بادين بن محمد، من بني رحيك بن واشين بن نصبين بن سرا بن إحيا بن ورسيك بن أديت بن جانا، وهو من زناتة.
وأول من ملك منهم تلمسان جابر بن يوسف بن محمد بن زكريا بن بندركيش ابن طاع الله بن علي بن القاسم بن عبد الواد. ولم تزل تنتقل في أعقابهم، وربما غلبهم عليها بنو مرين ملوك فاس، إلى أن صارت الآن بيد السعيد بن أبي حمو موسى بن عثمان بن يغمراسن بن زيان بن يوسف بن محمد بن ركدان، المقدم ذكره. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق